شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (129)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أيُّها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم" شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا في  حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أسلفنا ذكر شيءٍ من مفردات هذا الحديث، بقي أن نتحدث عن باقي ألفاظه وأطرافه أيضًا إن كان فيه شيء، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في حديث ابن مسعود -رضي الله عنهما-: «لا حسد إلا في اثنتيْنِ: رجل آتاه اللهُ مالًا، فسلَّطَه على هَلَكَتِه في الحقِّ ، ورجل آتاه اللهُ حكمةً، فهو يَقضي بها ويُعلِّمُها» تقدم بعض مفرداته، وانتهينا إلى قوله: رجل وهو بالرفع، والتقدير خصلة رجلٍ حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وأما على رواية اثنين فقوله: رجلٍ يقتصر على البدلية، أي خصلة رجلين ويجوز النصب بإضمار أعني. يقول الشراح: وهي رواية ابن ماجه، لكن الذي في ابن ماجه المطبوع بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، والمطبوع بتحقيق بشار عواد معروف بالرفع والجر فقط.

«آتاه اللهُ مالًا» أي أعطاه على سبيل التصرف بموجب ما أمره الله به وإلا فالمال لله -عز وجل-، «آتاه اللهُ مالًا» أي أعطاه على سبيل التصرف بموجب ما أمر به وإلا فالمال لله -عز وجل- {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33] مالًا ما يتمول ويجوز بيعه مما يباح الانتفاع به وهو نكرة يشمل القليل والكثير. «فسلطه» رواية أبي ذر: فسُلط بضم السين مع حذف الهاء، ولغيره فسلطه، وعبر بالتسليط؛ ليدل على قهر النفس المجبولة على الشح.

«على هلكته» فتح اللام، أي هلاكه. يقول الكرماني: التعبير بهذا يدل على أنه لا يبقي من المال باقيًا؛ لأن مفهوم الإهلاك والهلكة والإهلاك ذهاب الشيء بالكلية، فالتعبير بهذا يدل على أنه لا يبقي من المال باقيًا، ولما أوهم اللفظان وهو التسليط والهلاك والهلكة التبذير وهو صرف المال فيما لا ينبغي، كمّله بقوله في الحق دفعًا لذلك، وهذا يؤيد القول بأنه لا إسراف في الخير، والخير هو الحق، وكذا القرينة الأخرى الحكمة التي اشتملت على مبالغتين: الحكمة فإنها تدل على دقيقٍ محكم، والثانية ماذا؟ وكذا القرينة الأخرى اشتملت على مبالغتين: المبالغة الأولى: اللفظ، لفظ الحكمة فإنه يدل على دقيقٍ محكم، والمبالغة الثانية: القضاء بين الناس وتعليمهم، فإنهما من خلافة النبوة ثم إن لفظ الحكمة إشارةٌ إلى الكمال العلمي، ويفضي إلى الكمال العملي؛ لأن الذي يعلم الحكمة والأصل في الحكمة أنها تقود صاحبها إلى العمل بها، فيفضي العلم بها إلى العمل بها، فالكمال العلمي يفضي إلى الكمال العملي.

يقول -وهو تابع لكلام الكرماني-: واعلم أن الفضيلة إنما هي داخلية، وإما خارجية. وأصل الفضائل الداخلية: العلم، وأصل الفضائل الخارجية: المال. ثم الفضائل إما تامة، وإما فوق التامة، والأخرى أفضل من الأولى؛ لأنها متعدية، والأخرى قاصرة غير متعدية إما تامة وإما فوق التامة، هل يوجد شيء فوق التمام؟ الكمال، الكمال فوق التمام، ولذا جاء في قوله -جل وعلا-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ} [المائدة:3] فتمام النعم دون كمال الدين.

يقول: فإن قلت: لمَ نكَّر مالًا وعرف الحكمة؟ يقول: قلت: لأن الحكمة المراد بها معرفة الأشياء التي جاء بها الشرع أي الشريعة، فأراد التعريف بلام العهد بخلاف المال؛ ولهذا يدخل صاحبه بأي قدرٍ من المال أهلكه في الحق تحت هذا الحكم. فالعلم لا يستحق الغبطة إلا من بلغ مبلغًا كبيرًا من العلم والحكمة، لكن من بلغ أي قدرٍ من المال فسلطه على هلكته في الحق يغبط على هذا. ورب درهم من مقل خيرٌ من آلاف من مستكثر. يقول ابن حجر: المراد بالحكمة القرآن على ما أشرنا إليه قبل، وقيل: المراد بالحكمة كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح فهو يقضي بها بين الناس..

الأخ الحاضر: متى يراد بها السنة؟

نعم يأتي إذا قرنت بالكتاب فالحكمة يراد بها السنة. هذا سيأتي به الحديث اللاحق إن شاء الله تعالى.

«فهو يقضي بها بين الناس ويعلمها لهم»، وأطلق الحسد وأريد به الغبطة، وحينئذٍ فهو من باب إطلاق المسبب على السبب، من إطلاق المسبب على السبب، ويؤيده ما عند المؤلف في فضائل القرآن من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بلفظ فقال: «ليتَني أوتيتُ مِثلَ ما أوتيَ فلانٌ، فعمِلتَ مِثلَ ما يَعمَلُ»، فلم يتمنَ السلب بل تمنى أن يكون مثله؛ لأن تمني السلب هو الحسد المذموم الذي يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

قال ابن بطال: فيه من الفقه أن الغني إذا قام بشروط المال، وفعل فيه ما يرضي الله فهو أفضل من الفقير الذي لا يقدر على مثل حاله، فهو أفضل من الفقير الذي لا يقدر على مثل حاله، يعني إذا اكتسبه من وجوهٍ شرعية، وأنفقه في وجوهه المأمور بها فهذا أفضل من الفقير. والمسألة خلافية عند أهل العلم، يدل لهذا حديث يدل لهذا القول حديث «ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم أموال يتصدقون بفضولها»، والفقراء ليس عندهم أموال، ثم أرشدهم إلى الذكر، الذكر وهو يعدل الصدقة، لكن إذا ذكر الأغنياء تصدقوا صاروا أفضل من الفقراء الذين يذكرون وليس عندهم ما يتصدقون إلى أن قال- عليه الصلاة والسلام-: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» هذا الحديث حجة من يفضل الغني الشاكر على الفقير وإن كان صابرًا، وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: التفضيل إنما هو للتقوى من غير نظرٍ إلى الأمور العارضة الجانبية، فالتقوى هي مرد التفضيل.

الأخ الحاضر.........

 نعم {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:13] هذا هو الميزان الشرعي، لكن من التقوى صبر الفقير وماذا؟ وبذل الغني، وعلى كل حال لا يمكن المفاضلة بين الشخصين من كل وجه إلا بالتقوى، وأما الأمور العارضة فقد يعرض لهذا ما يعرض به على هذا، ويعرض لهذا ما يترجح به على هذا، فالمرد هو التقوى؛ لأنه قد يقول قائل: إننا نتصور من كل وجه اثنين من حيث التقوى متساويين من كل وجه، وهذا عنده أموال يتصدق منها، وذلك ليس عنده أموال.

المقدم: ولكنه صابر.

 عنده صبر {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر:10] مثل هذا ابن القيم -رحمه الله تعالى- في عدة الصابرين، ذكر وجوهًا كثيرة في تفضيل الطرفين، ثم بين أن المرد في ذلك كما قال شيخ الإسلام إلى التقوى.

المقدم: كأن يسأل يقول: أليس قلة المال أخف وأيسر من محاسبة العبد يوم القيامة كما في الآثار؟

نعم هذا من العوارض، كثرة المال خير من وجه، وهذا من العوارض، قلة المال خيرٌ من وجه، وهذا أيضًا من العوارض. يعني القدر الزائد على التقوى الذي يشترك فيه هذا وهذا قد يكون كثرة المال بالنسبة لهذا خيرًا من عدمه، وقد يكون قلة المال بالنسبة لهذا أفضل من كثرته، في شرح الخطاب واسمه.

الأخ الحاضر: أعلام السنة.

 أعلام السنة وأعلام الحديث ويقابل معالم السنن هذا للخطاب، والبخاري أعلام الحديث، وشرحه على سنن أبي داوود معالم السنن- معنى الحديث التحريض والترغيب في تعلم العلم والتصدق بالمال، وقد قيل: إن هذا إنما هو تخصيصٌ؛ لإباحة نوع من الحسد، إن هذا «لا حسد إلا في اثنتيْنِ» قلنا هذا إنما هو تخصيصٌ؛ لإباحة نوعٌ من الحسد وإخراجٍ له وإخراجٌ له عن جملة ما حظر منه، كما رخص في نوعٍ من الكذب، وإن كانت جملته محظورةً، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الكذب لا يحل إلا في ثلاث: الرجل يكذب في الحرب، والرجل يصلح بين اثنين، ويحدث أهله فيكذبها أي يترضاها».

 ومعني قوله: لا حسد أي لا إباحة لشيءٍ من نوع الحسد إلا فيما كان هذا سبيله، ووجه الحديث هو المعنى الأول الذى هو الغبطة. الحديث الذي أورده الخطابي «إن الكذب لا يحل إلا في ثلاث» مخرجٌ عند الترمذي من طريق شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد، وقال: حسن غريب، وشهر بن حوشب ضعيف، ولذا ذكره الألباني -رحمه الله- في ضعيف الترمذي.

وقال ابن حجر: فائدة زاد أبو هريرة في هذا الحديث ما يدل على أن المراد هنا الغبطة، كما ذكرنا، ولفظه: «فقال رجلٌ ليتَني أوتيتُ مِثلَ ما أوتيَ فلانٌ، فعمِلتَ مِثلَ ما يَعمَلُ»، أورده المصنف في فضائل القرآن وعند الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: فذكر حديثًا طويلًا فيه استواء العامل في المال بالحق والمتمني في الأجر، ولفظه «وعبدٌ رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالًا فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالًا لعملت مثل ما يعمل فلان فأجرهما سواء»، وذكر بضدهما أنهما في الوزر سواء، وقال فيه: حديث حسنٌ صحيح، وإطلاق كونهما سواء يرد على الخطّابي في جزمه بأن الحديث يدل على أن الغني إذا قام بشروط المال، كان أفضل من الفقير. الفقير الذي يتمنى أن يكون له أموال مثل فلان ويعمل فيها بمثل ما يعمل به فلان هما في الأجر سواء.

إطلاق التسوية هذه يرد على الخطابي في جزمه بأن الحديث يدل على أن الغني إذا قام بشروط المال، كان أفضل من الفقير.

على كل حال الغني المنفق هذا مغبوط غبطة شرعية فهو مفضلٌ عند الشارع، وهذا لا شك أنها مزية وفضلٌ له إن لم يفق عليه الفقير بصبره واحتسابه الذي وعد به أعلى الدرجات وأوفر الأجر والثواب فلا أقل من أن يقال: هما سيان.

الأخ الحاضر: الغني ما عنده الصبر.

هذا عنده صبر، لكن في الغالب الناس ينظرون إليه من حيث الغالب، لكن الغالب أن القادر المتمكن من فعل ما لا يرضي الله -جل وعلا- جرأته عليه أشد من غير القادر، ولذا قل من يسلم من أرباب الأموال من التبعات بينما الفقير؛ لأن الفقر عدم، والعدم لا يمكن أن يوجد من شيء بخلاف الموجود الذي يمكن أن يوجد منه ما لا يرضي الله -جل وعلا- عليه، ثم قال: ممكن أن يكون أفضل بالنسبة إلى من أعرض ولم يتمنَ الفقير الصابر الذي لم يتمنَ أن يكون له مثل مال فلان. قد يكون فقيرًا صابرًا، ولم يتمنَ أن يكون له من المال مثل ما لفلان المنفق. قد يكون الغني أفضل منه، فضلًا عن أن يتمنى دوام الفقر، دوام الحاجة، فضلًا عن أن يكون متمنيًا لدوام الفقر.

 يعني عندنا الفقير يتصور فيه ثلاث صور: فقير صابر يتمنى أن يكون مثل هذا الغني المنفق فهما في الأجر سواء، فقير صابر لا يتمنى أن يكون مثل هذا الغني المنفق، ولم يخطر على باله أن يتمنى، الثالث يتمنى أن يستمر في فقره، وليس له أموال بالكلية لا يصرفها في حق ولا في باطل. فلا شك أن هذا أمور متفاوتة والناس كلهم يمكن أن يكون كل شخصٍ له حكمه فلا يمكن أن يوجد شخصان لا من الأغنياء ولا من الفقراء ولا واحد غني ولا واحد فقير أن يقال: إن هذا مطابقٌ لعمل هذا من كل وجه.

الأخ الحاضر: هل هو يتلذذ بالبلاء؟

هو يتلذذ من البلاء، لكن التمني تمني الاستمرار على هذه الحالة على حسب الباعث عليه، إن كان تمنيه سببه، إن كان سبب التمني الخوف من أن لا يستطيع القيام بحق المال فتمنيه الاستمرار خير، لكن إن كان يتصور ويتوقع أنه إذا رزق المال عمل به مثل ما عمل فلان، وتمنى ذلك فلا شك أن هذا أكمل؛ لأنه في الأجر مع المنفق سواء.

 الحديث خرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في أربعة مواضع:

الأول: هنا في كتاب العلم، في باب الاغتباط في العلم والحكمة يقول -رحمه الله تعالى-: حدثنا الحميدي يقول: حدثنا سفيان قال: حدثني إسماعيل بن أبي خالد على غير ما حدثناه الزهري قال: سمعت قيس بن أبي حازمٍ يقول: سمعت عبد الله بن مسعودٍ قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا حسد إلا في اثنتيْنِ» فذكره، والمناسبة سبقت، مناسبة الحديث للباب والباب للكتاب تقدمت في أول الحلقة الماضية. على غير ما حدثناه الزهري يعتبر هذا من اختلاف الرواة الذي يحتاج فيه إلى ترجيح؟ أو يقال مثلًا إسماعيل دون الزهري في المنزلة فروايته مرجوحة؟

الأخ الحاضر:...........

 لأنه حدث سفيان على غير ما حدثه الزهري، أو نقول: هذا معناه أنه حدثه على غير اللفظ الذي حدثه به الزهري مما يحتمله المعنى، والرواية بالمعنى جائزة؟

الأخ الحاضر: هذا هو الأصل.

هذا هو الأصل، هذا الصحيح، فقوله على غير ما حدثناه الزهري يعني على غير اللفظ الذي حدثناه الزهري محمد بن مسلم بن شهاب المسوق روايته عند المؤلف في التوحيد والحاصل أن ابن عيينة روى الحديث عن إسماعيل بن أبي حافظ، وساق لفظه هنا وعن الزهري، وساق لفظه في التوحيد، وسيأتي ما بين الروايتين من التخالف في اللفظ إن شاء الله تعالى. قاله القسطلاني، فالخلاف بينهما غير مؤثر؛ لأنه فيما يحتمله المعنى وإن اختلف اللفظ فلا اعتراض.

الموضع الثاني: في كتاب الزكاة، باب إنفاق المال في حقه، قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحي بن إسماعيل قال: حدثنا قيسٌ عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا حسد إلا في اثنتين» المناسبة بين الباب والكتاب: باب إنفاق المال في حقه، والكتاب كتاب الزكاة {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج:24] إنفاق المال في حقه مناسبة الكتاب للزكاة، زكاة الأموال الواجبة هي أعظم حقوقه هي أعظم حقوقه. ومناسبة الحديث للباب: ورجلٍ آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، فتسليطه المال على هلكته في الحق هو إنفاق المال في حقه فالمناسبة مطابقة.

الموضع الثالث: في كتاب الأحكام باب أجر من قضى بالحكمة لقوله -جل وعلا-: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفاسقون} [المائدة:47]، حدثنا شهاب بن عباس قال: حدثنا إبراهيم بن حميد عن إسماعيل عن قيسٍ عن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا حسد إلا في اثنتين» الحديث، مناسبة الباب باب أجر من قضى بالحكمة لكتاب الأحكام من قضى بالحكمة: هو الذي يحكم بما أنزل الله كما دل على ذلك إردافه بالآية؛ ولهذا قال: باب أجر من قضى بالحكمة لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفاسقون} [المائدة:47]، فدل على أن المراد بالحكمة هي ما أنزل الله. هي ما أنزل الله، فأجر من قضى بالحكمة أي بما أنزل الله كما دلت على ذلك الآية، لكتاب الأحكام.

الأحكام تقدم أنها جمع حكم، وتتناول الحاكم والمحكوم، والحاكم يشمل الخليفة والقاضي، وذكْر ما يتعلق بكلٍ منهما. فالمناسبة بين أجر من قضى بالحكمة وكتاب الأحكام الذي يشمل الحاكم والمحكوم والحكم، من قضى الحكمة هو الحاكم الذي يقضي الحكمة هو الحاكم، والحاكم يشمل الخليفة والقاضي، وهو الذي يجب عليه أن يحكم بما أنزل الله لذكر الآية في الترجمة فالمناسبة ظاهرة. ومناسبة الحديث للباب: ورجلٌ آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها والترجمة باب أجر من قضى بالحكمة فالمناسبة أظهر.

الموضع الرابع: في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما جاء في اجتهاد القضاة بما أنزل الله..

الأخ الحاضر: القضاء بما أنزل الله.

نعم القضاء بما أنزل الله تعالى لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45] يعني ما جاء في اجتهاد يعني أرباب القضاء وأصحابه بما أنزل الله لقوله تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45]، ومدح النبي -صلى الله عليه وسلم- صاحب الحكمة حين يقضي بها ويعلمها ولا يتكلف من قبله، يعني لا يجتهد اجتهادًا يخالف هذه الحكمة. يقول: حدثنا شهاب بن عباد قال: حدثنا إبراهيم بن حميد عن إسماعيل عن قيسٍ عن بن عبد الله قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «لا حسد إلا في اثنتين» والمناسبة في قوله: ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها، مناسبتها لماذا؟

المقدم: للباب.

ما جاء في اجتهاد... ومن لم يحكم، ومدح النبي صاحب الحكمة ظاهر جدًّا. المناسبة باب ما جاء في الاجتهاد والحكم بما أنزل الله ومد الحكمة في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ظاهرةٌ جدًّا؛ لأن من عرف الحكمة وعمل بها سواءٌ قلنا: الحكمة القرآن على ما تقدم وسيأتي أو قلنا: الحكمة السنة المبينة المفسرة القرآن فالاعتصام بها اعتصامٌ بالكتاب والسنة، إذ لا يتصور انفكاك الكتاب عن السنة، ولا يتصور انفكاك السنة عن الكتاب، فمن اعتصم بأحدهما فقد اعتصم بالآخر؛ إذ لا انفكاك لواحدٍ منهما، والله أعلم، اللهم صلِّ على محمد.

المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، بهذا نصل وإياكم أيها الأخوة والأخوات إلى ختام حلقتنا في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، نشكر في ختام هذه الحلقة لصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، شكرًا للأخوة الحضور، معنا نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقةٍ قادمة؛ لاستكمال باب آخر من  هذا الكتاب بإذن الله.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته