التعليق على تفسير القرطبي - سورة الحج (06)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}َ [سورة الحج: 36].

فِيهِ عَشْرُ مَسَائِلَ: 

الْأُولَى: قَوْلُهُ  تَعَالَى: ( وَالْبُدْنَ)، وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ( وَالْبُدُنَ) لُغَتَانِ، وَاحِدَتُهَا بَدَنَةٌ. كَمَا يُقَالُ: ثَمَرَةٌ وَثُمُرٌ وَثُمْرٌ، وَخَشَبَةٌ وَخُشُبٌ وَخُشْبٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ (وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ)، وَقُرِئَ (ثُمْرٌ) لُغَتَانِ. وَسُمِّيَتْ بَدَنَةً؛ لِأَنَّهَا تَبْدُنُ، وَالْبَدَانَةُ السِّمَنُ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الِاسْمَ خَاصٌّ بِالْإِبِلِ."

قراءة من ( ثُمُرٌ)؟

القيسي قراءة نافع التي يعتمدها المؤلف، و( ثُمْرٌ) هذه تخفيفٌ وتسكينٌ، تسهيلٌ حرف متحرك سُكّن عندهم مثل بحَر بحْر، نهَر نهْر، وشعَر شعْر، والهاء تسكّن وتسهّل عندهم.

 "وَقِيلَ: الْبُدْنُ جَمْعُ ( بَدَنٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالدَّالِ. وَيُقَالُ: بَدُنَ الرَّجُلُ بِضَمِّ الدَّالِ إِذَا سَمِنَ. وَبَدَّنَ بِتَشْدِيدِهَا إِذَا كَبِرَ وَأَسَنَّ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنِّي قَدْ بَدَّنْتُ أَيْ كَبِرْتُ وَأَسْنَنْتُ». وَرُوِيَ (بَدُنْتُ) وَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ صِفَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْنَاهُ كَثْرَةُ اللَّحْمِ. يُقَالُ: بَدُنَ الرَّجُلُ يَبْدُنُ بَدْنًا وَبَدَانَةً فَهُوَ بَادِنٌ؛ أَيْ ضَخْمٌ." 

والنّبي - عليه الصلاة والسلام- ليس كذلك.

طالب:...........

حمل اللحم -عليه الصلاة والسلا - وعائشة حملت اللحم، لكن ما صار ضخمًا، لا يكون ضخمًا.

طالب:..........

يختلف عن أن يكون ضخمًا حمل لحمًا كثيرًا.

طالب:..........

البُدن هو خلافٌ في البقرة هل تدخل أو لا تدخل؟ مسألةٌ خلافية يشير إليها المؤلف.

"الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْبُدْنِ هَلْ تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْإِبِلِ مِنَ الْبَقَرِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَطَاءٌ، وَالشَّافِعِيُّ:  لَا. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ:  نَعَمْ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَنْ نَذَرَ بَدَنَةً فَلَمْ يَجِدِ الْبَدَنَةَ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا وَقَدَرَ عَلَى الْبَقَرَةِ."

نعم، يُعول القول الأول على حديث «من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنةً، وفي الثانية كأنما قرب بقرةً»، فدل على أنّ البقرة غير البدنة، ومُعولٌ القول الثاني على أنّ البقرة تُعدل ببدنة في الأضحية وفي غيرها من الأحكام، تُعدل بها هذه عن سبع، وهذه عن سبع، بدنة مثلها، وأيضًا بدنة وحجمها كبيرٌ مثل الإبل.

 "فَهَلْ تَجْزِيهِ أَمْ لَا؟ فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَعَطَاءٍ: لَا تَجْزِيهِ. وَعَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍتَجْزِيهِ. وَالصَّحِيحُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَعَطَاءٌ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ:  مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً» الْحَدِيثَ. فَتَفْرِيقُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ- بَيْنَ الْبَقَرَةِ وَالْبَدَنَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَقَرَةَ لَا يُقَالُ عَلَيْهَا بَدَنَةً؛ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَيْضًا قَوْلُهُ  تَعَالَى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ."

يعني سقطت؛ لأنّ الإبل تُنحر قائمةً، فإذا نُحرت سقطت على الأرض، {وَجَبَتْ} يعني سقطت وليس كذلك البقر والغنم إنما تذبح ذبحًا مضجعًا على جنبها بخلاف الإبل.

"وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْوَصْفَ خَاصٌّ بِالْإِبِلِ. وَالْبَقَرُ يُضْجَعُ وَيُذْبَحُ كَالْغَنَمِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْبَدَنَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْبَدَانَةِ وَهُوَ الضَّخَامَةُ، وَالضَّخَامَةُ تُوجَدُ فِيهِمَا جَمِيعًا. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْبَقَرَةَ فِي التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِرَاقَةِ الدَّمِ بِمَنْزِلَةِ الْإِبِلِ؛ حَتَّى تَجُوزَ الْبَقَرَةُ فِي الضَّحَايَا عَلَى سَبْعَةٍ كَالْإِبِلِ. وَهَذَا حُجَّةٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ وَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي مَذْهَبِنَا."

لماذا؟ حديثه يوافقه الشافعي على أنّ البقرة على سبعةٍ كالإبل؟ يقول: وليس ذلك بمذهبنا، مذهبهم المالكي، النبي - عليه الصلاة والسلام - في غزوة حنين عدل الإبل بعشرة، بعشرٍ من الغنم، معناه أنّ البقرة لا تجزي إلا عن سبعة، فهذا فرقٌ بينهما، والصحيح أنه في باب الأضحية وفي باب الهدي تُعدل بسبعة، يعني تعادل سبعة، وأما في باب الجهاد فالبدنة أكثر من سبعة؛ لأنّ الحاجة إليها أكبر، وفائدتها فيه أعظم، فكونها تُعدل بعشرة ما هو ببعيدٍ، ليس ببعيدٍ لاسيما في هذا الباب، ولا يطّرد هذا.

"وَحَكَى ابْنُ شَجَرَةَ أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْغَنَمِ: بَدَنَةٌ، وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ."

أما من حيث معنى الأصل والاشتقاق اللغوي من البدانة والضخامة قد يقال: على الفيل بدنة؛ لأنه أكثر بدانة من الإبل والبقر، لكن المؤوول في التحديد الشرعي كم يحد الإبل، وكم يحد البقر من الغنم؟ هذا من جهة، وأما بالنسبة لأصل المسألة التي هي فائدة الخلاف: وهي ما إذا حلف أو نذر، حلف أن يذبح بقرةً أو نذر أن يهدي بدنة، فهل تجزئه البقرة أم لا؟ المسألة مسألةٌ عرفية، إذا كان المتعارف عليه أنّ البقرة يُطلق عليها بدنة أجزأت؛ لأنّ الأيمان والنذر مردها إلى الأعراف، وإذا كان لا يُطلق عليها بدنة لم تجزئ، لكن قد يقول قائل: إنّ العرف أيضًا قد يختفي فيه تسمية الإبل بدنة، فهل يُلتفت إليه أو لا يُلتفت؟

طالب:..........

كيف؟ قصدي مثلًا في بلادنا ما نسمي الإبل بدنة، حلف واحدٌ أن يذبح بدنة من عامة الناس فإذا قلنا: إنّ الأيمان والنذر مردها إلى العرف، ما تعارف الناس على تسمية الإبل بدنة، في هذه الحالة يُرجع إلى قصده.

"وَالْبُدْنُ هِيَ الْإِبِلُ الَّتِي تُهْدَى إِلَى الْكَعْبَةِ. وَالْهَدْيُ عَامٌّ فِي الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ. 

الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: { مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } نَصٌّ فِي أَنَّهَا بَعْضُ الشَّعَائِر. { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} يُرِيدُ بِهِ الْمَنَافِعَ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا. وَالصَّوَابُ عُمُومُهُ فِي خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ  

الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} أَيِ انْحَرُوهَا عَلَى اسْمِ اللَّهِ."

قد يقول قائلٌ: إنّ {خَيْرٌ} نكرةٌ في سياق الإثبات، نكرةٌ في سياق الإثبات، فكيف يعم خير الدنيا والآخرة؟! لو كانت نكرةً في سياق النفي في سياق النهي فلا إشكال، لكنها وإن كانت في سياق الإثبات إلا أنها في سياق الامتنان، النكرة في سياق الامتنان تدل على العموم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} أَيِ انْحَرُوهَا عَلَى اسْمِ اللَّهِ. وَصَوَافَّ أَيْ قَدْ صُفَّتْ قَوَائِمُهَا. وَالْإِبِلُ تُنْحَرُ قِيَامًا مَعْقُولَةً. وَأَصْلُ هَذَا الْوَصْفِ فِي الْخَيْلِ؛ يُقَالُ: صَفَنَ الْفَرَسُ فَهُوَ صَافِنٌ إِذَا قَامَ عَلَى ثَلَاثَةِ قَوَائِمَ وَثَنَى سُنْبُكَ الرَّابِعَةِ؛ وَالسُّنْبُكُ طَرَفُ الْحَافِرِ."

قوله: وَأَصْلُ هَذَا الْوَصْفِ فِي الْخَيْلِ، هل مادة صف التي منها ما عندنا هي نفسها مادة صفن بالنون؟ الخيل صوافن، والإبل صواف، وهو يقول: وَأَصْلُ هَذَا الْوَصْفِ فِي الْخَيْلِ، الخيل صوافن صافنات، وهنا صواف، ولا شك أنّ الصف غير الصفن، الإبل لا يقال لها: صوافن؛ لأنها لا تقف على هذه الكيفية، تقف على ثلاثة أقدام، ثلاثة أرجل وترفع الرابعة إلى طُرف حافرها، المقصود لا يظهر قوله: وَأَصْلُ هَذَا الْوَصْفِ فِي الْخَيْلِ، الإبل تصف وكل شيءٍ يصف، وأيضًا الملائكة تصف، والمصلون يصفون، والطير صافات؛ فالصف غير الصفن.

"يُقَالُ: صَفَنَ الْفَرَسُ فَهُوَ صَافِنٌ إِذَا قَامَ عَلَى ثَلَاثَةِ قَوَائِمَ وَثَنَى سُنْبُكَ الرَّابِعَةِ، وَالسُّنْبُكُ طَرَفُ الْحَافِرِ."

بعض الناس يُشاهد يصفن في صلاته وهو صافٍ صافٍ في صلاته لماذا هذا؟ هذا أنه يقف على رجل والثانية يرفعها ولا يمس منها الأرض إلا الأصابع، هذا هو الصفن بعينه، وهذا تشبه بالحيوان، والتشبه بالحيوان مذمومٌ لاسيما في الصلاة.

"وَالْبَعِيرُ إِذَا أَرَادُوا نَحْرَهُ تُعْقَلُ إِحْدَى يَدَيْهِ فَيَقُومُ عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ وَمُجَاهِدٌ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: ( صَوَافِيَ) أَيْ خَوَالِصَ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لَا يُشْرِكُونَ بِهِ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى نَحْرِهَا أَحَدًا. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا: ( صَوَافٍ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَتَنْوِينِهَا مُخَفَّفَةً، وَهِيَ بِمَعْنَى الَّتِي قَبْلَهَا، لَكِنْ حُذِفَتِ الْيَاءُ تَخْفِيفًا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَ(صَوَافَّ) قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَشَدِّهَا؛ مِنْ صَفَّ يَصُفُّ. وَوَاحِدُ صَوَافَّ صَافَّةٌ، وَوَاحِدُ صَوَافِي صَافِيَةٌ. وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: ( صَوَافِنُ) بِالنُّونِ جَمْعُ صَافِنَةٍ. وَلَا يَكُونُ وَاحِدُهَا صَافِنًا؛ لِأَنَّ فَاعِلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى فَوَاعِلَ إِلَّا فِي حُرُوفٍ مُخْتَصَّةٍ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا، وَهِيَ فَارِسُ وَفَوَارِسُ، وَهَالِكٌ وَهَوَالِكُ، وَخَالِفٌ وَخَوَالِفُ. وَالصَّافِنَةُ هِيَ الَّتِي قَدْ رُفِعَتْ إِحْدَى يَدَيْهَا بِالْعَقْلِ؛ لِئَلَّا تَضْطَرِبَ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: { الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} [سورة ص:31]. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ: 

تَرَكْنَا الْخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْهِ

 

مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَهَا صُفُونَا

وَيَرْوِي:

تَظَلُّ جِيَادُهُ نَوْحًا عَلَيْهِ

 

مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَهَا صُفُونَا

وَقَالَ آخَرُ: 

أَلِفَ الصُّفُونَ فَمَا يَزَالُ كَأَنَّهُ

 

مِمَّا يَقُومُ عَلَى الثَّلَاثِ كَسِيرَا

وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الْجَرْمِيُّ: الصَّافِنُ عِرْقٌ فِي مُقَدَّمِ الرِّجْلِ، فَإِذَا ضُرِبَ عَلَيْهِ الْفَرَسُ رَفَعَ رِجْلَهُ. وَقَالَ الْأَعْشَى:  

وَكُلُّ كُمَيْتٍ كَجِذْعِ السَّحُو  

 

قِ يَرْنُو الْقِنَاءَ إِذَا مَا صَفَنْ

الْخَامِسَةُ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الصَّوَافِّ فَقَالَ: تُقَيِّدُهَا ثُمَّ تَصُفُّهَا. وَقَالَ لِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ مِثْلَهُ. وكان الْعُلَمَاء.

وَكَافَّةُ الْعُلَمَاءِ.

وَكَافَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ؛ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيَّ، فَإِنَّهُمَا أَجَازَا أَنْ تُنْحَرَ بَارِكَةً وَقِيَامًا. وَشَذَّ عَطَاءٌ فَخَالَفَ وَاسْتَحَبَّ نَحْرَهَا بَارِكَةً."

يعني على حدٍ سواء، هذا مباحٌ مستوي الطرفين، وإلا مجرد الإجازة هم يجوزون أن تُذبح كما يُذبح غيرها على جنبها، كلهم يقولون هذا، لكن العبرة بالأفضل، الأفضل أن تُذبح قائمةً معقولة يدها اليمنى، ويجوز أن تُذبح كما أنه يجوز فيما يستحب أن يُذبح يجوز نحره كالبقر والغنم.

"وَشَذَّ عَطَاءٌ فَخَالَفَ وَاسْتَحَبَّ نَحْرَهَا بَارِكَةً. وَالصَّحِيحُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ؛ لِقَوْلِهِ  تَعَالَى: { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} مَعْنَاهُ سَقَطَتْ بَعْدَ نَحْرِهَا؛ وَمِنْهُ وَجَبَتِ الشَّمْسُ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ بَارِكَةً فَقَالَ: ابْعَثْهَا قَائِمَةً مُقَيَّدَةً سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا.  

السَّادِسَةُ: قَالَ مَالِكٌ:  فَإِنْ ضَعُفَ إِنْسَانٌ أَوْ تَخَوَّفَ أَنْ تَنْفَلِتَ بَدَنَتُهُ فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَنْحَرَهَا مَعْقُولَةً  وَالِاخْتِيَارُ أَنْ تُنْحَرَ الْإِبِلُ قَائِمَةً غَيْرَ مَعْقُولَةٍ؛ إِلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ ذَلِكَ فَتُعْقَلُ وَلَا تُعَرْقَبُ إِلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَضْعُفَ عَنْهَا وَلَا يَقْوَى عَلَيْهَا. وَنَحْرُهَا بَارِكَةً أَفْضَلُ مِنْ أَنْ تُعَرْقَبَ."

عقل الإبل يعني بضم الساق إلى ما فوقه، ثني الركبة وربط الرجل أو اليد، لكن العرقبة قال: إِلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ ذَلِكَ فَتُعْقَلُ وَلَا تُعَرْقَبُ، ما معنى عرقبة؟

طالب:..........

يعني يجمع بين أرجلها الأربعة بحبلٍ واحدٍ.

طالب:...........

لا، وهي باركة ما أظن، لا قيمة لربطها، لا، هي ممكن تُعقل وهي باركة؛ لئلا تقوم، أما المعرقبة يمكن أن تُعرقب وهي قائمة.

طالب:..........

تُربط، بمعنى أنه يُجمع بين أطرافها الأربعة بحبلٍ واحدٍ يُدار عليها كلها.  

"وَنَحْرُهَا بَارِكَةً أَفْضَلُ مِنْ أَنْ تُعَرْقَبَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُ الْحَرْبَةَ بِيَدِهِ فِي عُنْفُوَانِ أَيْدِهِ،"

فِي عُنْفُوَانِ أَيْدِهِ يعني في عنفوان قوته.

 "فَيَنْحَرُهَا فِي صَدْرِهَا، وَيُخْرِجُهَا عَلَى سَنَامِهَا، فَلَمَّا أَسَنَّ كَانَ يَنْحَرُهَا بَارِكَةً لِضَعْفِهِ، وَيُمْسِكُ مَعَهُ الْحَرْبَةَ رَجُلٌ آخَرُ، وَآخَرُ بِخِطَامِهَا. وَتُضْجَعُ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ. 

السَّابِعَةُ: وَلَا يَجُوزُ النَّحْرُ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ بِإِجْمَاعٍ. وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ لَا تَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ. فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ حَلَّ النَّحْرُ بِمِنًى، وَلَيْسَ عَلَيْهِمُ انْتِظَارُ نَحْرِ إِمَامِهِمْ؛ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ. وَالْمَنْحَرُ مِنًى لِكُلِّ حَاجٍّ، وَمَكَّةُ لِكُلِّ مُعْتَمِرٍ. وَلَوْ نَحَرَ الْحَاجُّ بِمَكَّةَ وَالْمُعْتَمِرُ بِمِنًى لَمْ يُحْرَجْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى." 

يعني لا حرج عليه، سواء كان نحره بمنى أو بمكة، المقصود أنه في حدود الحرم، يقول: وَلَا يَجُوزُ النَّحْرُ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ بِإِجْمَاعٍ، وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ لَا تَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ، فإذا طلع الفجر حل النحر بمنى، وَلَيْسَ عَلَيْهِمُ انْتِظَارُ نَحْرِ إِمَامِهِمْ؛ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ. معروف الأضحية حكمها واضحٌ وجاءت بها الأحاديث يعني بعد الصلاة أو بعد نحر الإمام  هذا واضحٌ، لكن بالنسبة للهدي؟ وقد انعقد سببه بالإحرام قد انعقد سببه بالإحرام، وهو من أعمال يوم النحر بالنسبة للحاج، النّبي -عليه الصلاة والسلام- لما نزل من مزدلفة بدأ بالرمي ثم النحر ثم الحلق، فهو من أعمال يوم النحر، لكنه -عليه الصلاة والسلام- ما سئل عن شيءٍ قُدم ولا أُخر في ذلك اليوم إلا قال: «افعل ولا حرج» فيجوز تقديم النحر على الرمي بناءً على هذا التيسير الذي قاله النّبي - عليه الصلاة والسلام - بعد عدة أسئلة؟

 إذا وصل إلى منى في أول الوقت صلى بالمزدلفة الفجر في أول وقتها، وذكر الله إلى أن أسفر، ثم دفع إلى منى ووصلها، افترض أنه وصلها مع طلوع الشمس، ويجوز له أن يقدم النحر على الرمي، هل ينحر إذا وصل، أو ينتظر إلى الصلاة كالأضحية؟ يقول: فإذا طلع الفجر حل النحر بمنى، وهذا كلامٌ يجرنا إلى ما قبل ذلك، وهو أنه إذا جاز له الدفع من مزدلفة؛ لأن معه ضعفة وما أشبه ذلك، أو بعد منتصف الليل على قول كثيرٍ من أهل العلم بناءً على أن الحكم على الغالب، إذا جاز له الدفع ووصل إلى منى قبل الفجر بساعتين مثلًا يجوز له أم لا يجوز؟

وجاء النهي عن الرمي قبل أن تطلع الشمس في حديث ابن عباس، لكن فيه ضعف، وإلا فما فائدة جواز الدفع؟ مقتضى جواز الدفع أنه يجوز لهم الرمي قبل طلوع الفجر، يجوز لهم الطواف قبل طلوع الفجر، لكن هل يجوز لهم ما يجوز تقديمه عليهما من النحر أو لا يجوز؟ ظاهر أم ما هو ظاهر؟ يجوز له أن يدفع بعد منتصف الليل أو بعد مغيب القمر؟ فإذا جاز له ذلك، والأعمال أعمال يوم النحر الأربعة مخيرٌ فيها يقدم ويؤخر كيفما شاء، ما سئل عن شيءٍ قُدم ولا أُخر في ذلك اليوم إلا قال «افعل ولا حرج»، أو نقول: أنه قبل طلوع الفجر لا يسمى يومًا، وإنما يسمى ليلًا، والتقديم والتأخير في أعمال ذلك اليوم لا في الليل؟

على كل حالٍ من يقابل الليل باليوم والنهار ينتهي الإشكال، ينتفي الإشكال، لكن من يقابل الليل بالنهار، ويجعل اليوم شاملًا لليل والنهار، يرد الإشكال، اللهم إلا على القول، وهو قولٌ معتمدٌ عند أهل العلم أنّ ليلة يوم النحر تابعةٌ ليوم عرفة وليست تابعة ليوم النحر، يشكل على هذا أنه لا يجوز إلا الرمي بعد ولا الطواف، كيف نحل هذا الإشكال؟

طالب:.............

كيف؟

طالب:.............

والرمي؟

طالب:.............

دعنا من هذه الأدلة، انظر الأدلة العامة التي ما سئل عن شيءٍ قُدم ولا أُخر، جاز له أن يطوف؟ ما جاز أن يطوف؟

طالب:.............

لأنّ اليوم شامل لليل والنهار.

طالب:.............

طيب، لكن مادام قُدم الطواف  ما سئل عن شيءٍ قُدم ولا أُخر ما يجوز له تقديمه عليه؟ يجوز فعله؟ ما ينحل الإشكال إلا إذا قلنا: ليلة النحر تابعةٌ ليوم عرفة وليست تابعة ليوم العيد، ويرد عليها أنه لا يجوز فيها فعل شيءٍ من أعمال يوم النحر، لا يجوز أن يعمل فيها شيئًا من أعمال يوم النحر لا الطواف ولا السعي ولا الرمي ولا الحلق، كلها لا يجوز فعلها ليلة العيد، إنما تُفعل بعد صلاة الصبح أو بعد طلوع الشمس.

على كل حالٍ المسألة خلافية بين أهل العلم، ولا شك أنّ الأحوط ألا ينحر بدنه إلا بعد طلوع الشمس وارتفاعها.

طالب:..............

من يصحِّح حديث ابن عباس النهي عن الرمي قبل طلوع الشمس.

طالب:.............

تبقى معارضته لأنه مادام نريد أن نرمي قبل طلوع الشمس، وقد جاز لنا أن نقدم بعض الأعمال على بعض، فطلوع الشمس مقيدٌ بالرمي، فيجوز لنا أن نقدم عليه الطواف، وهذا ما فيه إشكال، فيه النص، لأنهم طافوا، المتعجلون كلهم طافوا قبل الفجر، ويجوز ذلك، يبقى مسألة النحر.

طالب:.............

لا، هو الإشكال في مسألة التوسعة في ذلك اليوم، وأنه ما سئل عن شيءٍ قُدم ولا أُخر إلا قال: «افعل ولا حرج»، فإذا جاز لك أن تفعل شيئًا يجوز لك أن تفعل قبله ما يجوز تقديمه عليه.

طالب:.............

هذا إذا صح، ترى الخبر ضعيف، الخبر ضعيف.

طالب:.............

أين؟

طالب:.............

لها قولٌ معروفٌ عند الشافعية، والرواية عند الحنابلة أنه يجوز قبل ليلة العيد، يجوز يوم عرفة إذا أحرم؛ لأنّ السبب انعقد، وأُلِّف فيه رسائل، المسألة فيها رسائلٌ من الشيوخ المعاصرين.

طالب:.............

نعم، لكن مادام انعقد السبب عندهم يجوز فعله بعد انعقاد سببه وقبل وقت وجوبه، قاعدة عندهم ذكرها ابن رجب، وذكر هذه من فروعها، وألف بعضهم (القول اليسر في جواز نحر الهدي قبل يوم النحر)، وردَّ عليه من المشايخ الآخرين شيخٌ من كبار المشايخ رد عليه (إيضاح ما توهمه صاحب اليسر في يسره من تجويزه نحر الهدي قبل وقت نحره)، رسائل تباع متداولة، وعلى كل حالٍ فالمعتمد قول الجمهور، أنه لا يذبح قبل الفجر وله أحوال قبل طلوع الشمس، وإن انتظر إلى الصلاة وصار وقتها كوقت الأضحية فهو أحوط.

طالب:.............

لا، لا ما يسلم ذلك.

وَلَا يَجُوزُ النَّحْرُ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ بِإِجْمَاعٍ ...

يقول: إنّ القاعدة الرابعة العبادات كلها سواء كانت بدنية أو مالية أو مركبة منهما، لا يجوز تقديمها على سبب وجوبها، لا يجوز تقديم نحر الهدي قبل الإحرام الذي هو سبب الوجوب، كما أنه لا يجوز التكفير عن يمينٍ لم تنعقد بعد، لكن بعد انعقاد سبب الوجوب وهو الإحرام وقبل وقت الوجوب هذا محل خلاف، أما بعد الوجوب هذا إجماعٌ، ومثله الكفارة في اليمين لا تجوز ولا تجزئ قبل انعقادها، وتجوز بعد الحنث اتفاقًا، والخلاف فيما بين الانعقاد مع الحنث.

يقول: العبادات كلها لا يجوز تقديمها على سبب وجوبها، ويجوز تقديمها بعد سبب الوجوب وقبل الوجوب أو قبل شرط الوجوب، ويتفرع على ذلك مسائل ذكر منها يقول: ومنها صيام التمتع والقران فإنّ سببه العمرة السابقة للحج بأشهره، فبالشروع في إحرام العمرة قد وُجد السبب فيجوز الصيام بعده وإن كان وجوبه متأخرًا عن ذلك، هذا ظاهر يجوز أن يصوم الثلاثة الأيام إذا لم يجد، هذه الثلاثة الأيام التي في الحج يصومها في السادس والسابع والثامن، فيجوز الصيام بعده وإن كان وجوبه متأخرًا عن ذلك، وأما الهدي فقد التزمه أبو الخطاب في انتصاره.

 يعني يقول بجوازه مثل الصيام بعد انعقاد السبب وهو الإحرام، وأما الهدي فقد التزمه أبو الخطاب في انتصاره، ولنا رواية أنه يجوز ذبحه لمن دخل قبل العشر؛ لمشقة حفظه عليه  إلى يوم النحر، وعلى المشهور لا يجوز بغير أيام النحر؛ لأنّ الشرع خصها بالذبح. فلا يسلم الإجماع الذي نقله.    

"الثَّامِنَةُ:  قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} يُقَالُ: وَجَبَتِ الشَّمْسُ إِذَا سَقَطَتْ، وَوَجَبَ الْحَائِطُ إِذَا سَقَطَ. قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ: 

أَطَاعَتْ بَنُو عَوْفٍ أَمِيرًا نَهَاهُمُ  

 

عَنِ السِّلْمِ حَتَّى كَانَ أَوَّلَ وَاجِبِ

وَقَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ:

أَلَمْ تَكْسِفِ الشَّمْسُ وَالْبَدْرُ وَالْ  

 

كَوَاكِبُ لِلْجَبَلِ الْوَاجِبِ

فَقَوْلُهُ تَعَالَى: { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} يُرِيدُ إِذَا سَقَطَتْ عَلَى جُنُوبِهَا مَيِّتَةً. كَنَّى عَنِ الْمَوْتِ بِالسُّقُوطِ عَلَى الْجَنْبِ كَمَا كَنَّى عَنِ النَّحْرِ وَالذَّبْحِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا}، وَالْكِنَايَاتُ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ أَبْلَغُ مِنَ التَّصْرِيحِ. قَالَ الشَّاعِر:

فَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّبَاعِ يَنُشْنَهُ  

 

مَا بَيْنَ قُلَّةِ رَأْسِهِ وَالْمِعْصَمِ

وَقَالَ عَنْتَرَةُ: 

وَضَرَبْتُ قَرْنَيْ كَبْشِهَا فَتَجَدَّلَا  

 

.....................................

أَيْ سَقَطَ مَقْتُولًا إِلَى الْجَدَالَةِ، وَهِيَ الْأَرْضُ؛ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ. وَالْوُجُوبُ لِلْجَنْبِ بَعْدَ النَّحْرِ عَلَامَةُ نَزْفِ الدَّمِ وَخُرُوجِ الرُّوحِ مِنْهَا، وَهُوَ وَقْتُ الْأَكْلِ، أَيْ وَقْتُ قُرْبِ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تُبْتَدَأُ بِالسَّلْخِ وَقَطْعِ شَيْءٍ مِنَ الذَّبِيحَةِ ثُمَّ يُطْبَخُ. وَلَا تُسْلَخُ حَتَّى تَبْرُدَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعْذِيبِ؛ وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: لَا تَعَجَّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تَزْهَقَ. 

التَّاسِعَةُ: قَوْلُهُ  تَعَالَى: { فَكُلُوا مِنْهَا} أَمْرٌ مَعْنَاهُ النَّدْبُ. وَكُلُّ الْعُلَمَاءِ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَأْكُلَ الْإِنْسَانُ مِنْ هَدْيِهِ وَفِيهِ أَجْرٌ وَامْتِثَالٌ."

وأوجبه أهل الظاهر بناءً على أنّ الأصل في الأمر الوجوب.

"إِذْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَأْكُلُونَ مِنْ هَدْيِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ شُرَيْحٍ:

سُرَيج.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْج: الْأَكْلُ وَالْإِطْعَامُ مُسْتَحَبَّانِ، وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ:  الْأَكْلُ مُسْتَحَبٌّ وَالْإِطْعَامُ وَاجِبٌ، فَإِنْ أَطْعَمَ جَمِيعَهَا أَجْزَاهُ وَإِنْ أَكَلَ جَمِيعَهَا لَمْ يُجْزِهِ، وَهَذَا فِيمَا كَانَ تَطَوُّعًا؛ فَأَمَّا وَاجِبَاتُ الدِّمَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا شَيْئًا حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. 

الْعَاشِرَة:  قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} قَالَ مُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالطَّبَرِيُّ:  قَوْلُهُ { وَأَطْعِمُوا} أَمْرُ إِبَاحَةٍ. وَالْقَانِعُ السَّائِلُ. يُقَالُ: قَنَعَ الرَّجُلُ يَقْنِعُ قُنُوعًا إِذَا سَأَلَ، بِفَتْحِ النُّونِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، يَقْنَعُ قَنَاعَةً فَهُوَ قَنِعٌ، إِذَا تَعَفَّفَ وَاسْتَغْنَى بِبُلْغَتِهِ وَلَمْ يَسْأَلْ، مِثْلُ حَمِدَ يَحْمَدُ، قَنَاعَة وَقَنَعًا وَقَنَعَانًا، قَالَهُ الْخَلِيلُ. وَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُ الشَّمَّاخِ: 

لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي  

 

مَفَاقِرَهُ أَعَفُّ مِنَ الْقُنُوعِ

وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ ذَكَرَ الْقُنُوعَ بِمَعْنَى الْقَنَاعَةِ، وَهِيَ الرِّضَا وَالتَّعَفُّفُ وَتَرْكُ الْمَسْأَلَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ أَنَّهُ قَرَأَ (وَأَطْعِمُوا الْقَنِعَ) وَمَعْنَى هَذَا مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ.

الْقَنِعَ صيغة مبالغة، وهي أبلغ من قانع مثل حَذِر وحاذر.

يُقَالُ: قَنَعَ الرَّجُلُ فَهُوَ قَنِعٌ إِذَا رَضِيَ. وَأَمَّا الْمُعْتَرُّ فَهُوَ الَّذِي يَطِيفُ بِكَ يَطْلُبُ مَا عِنْدَكَ، سَائِلًا كَانَ أَوْ سَاكِتًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْكَلْبِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ: الْمُعْتَرُّ الْمُعْتَرِضُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: 

عَلَى مُكْثِرِيهِمْ رِزْقُ مَنْ يَعْتَرِيهِمُ  

 

وَعِنْدَ الْمُقِلِّينَ السَّمَاحَةُ وَالْبَذْلُ

وَقَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ أَنَّ الْقَانِعَ الْفَقِيرُ، وَالْمُعْتَرَّ الزَّائِرُ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ (وَالْمُعْتَرِي) وَمَعْنَاهُ كَمَعْنَى الْمُعْتَرِّ. يُقَالُ: اعْتَرَّهُ وَاعْتَرَاهُ وَعَرَّهُ وَعَرَّاهُ إِذَا تَعَرَّضَ لِمَا عِنْدَهُ أَوْ طَلَبَهُ، ذَكَرَهُ النَّحَّاس." 

على كل حالٍ يجمع الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ الحاجة {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرّ} أطعموا المحتاج. وأهل العلم -على ما تقدم- يستحبون أن يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثًا، والهدية لا تكون للفقير، ما يهدي للفقير، يعني يتصدق على الفقير، الهدية للقريب أو الصديق وإن كان غنيًّا، فهم ثلاثة والمذكور في الآية ثلاثة أيضًا، وفي موضعٍ آخر {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [سورة الحج:28] وليس فيه ذكر للهدية، لكن إذا جاز الأكل جاز الإهداء من باب أولى، ولاشك أنه جاء الحث على الهدية في غير هذا الموقع.

 فعموم أهل العلم يستحبون أن يؤكل منها ويُتصدق منها ويُهدى منها، ولو أنه لم يهد منها وإنما أكل وتصدق أجزأت، ولو أكلها كلها ولم يهدِ منها ولم يتصدق منها بشيءٍ ضمن حق الفقراء؛ لأنه مأمورٌ به، تقدم ذكره.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [سورة الحج:37]

فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُضَرِّجُونَ الْبَيْتَ بِدِمَاءِ الْبُدْنِ، فَأَرَادَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَالنَّيْلُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَارِئِ  تَعَالَى، وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ تَعْبِيرًا مَجَازِيًّا عَنِ الْقَبُولِ."

ولا يزال هذا العمل موجودٌ عند بعض الجهال المسملين، أهل الجهل يلطخون بعض الجدران بدماء الأضاحي والهدايا وما أشبهها، ولا شك أن هذه بدعةٌ موروثةٌ عن الجاهلية، لا يجوز فعلها بحال.

"والْمَعْنَى: لَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَنْ يَصْعَدَ إِلَيْهِ. وقال ابْنُ عِيسَى: لَنْ يَقْبَلَ لُحُومَهَا وَلَا دِمَاءَهَا، وَلَكِنْ يَصِلُ إِلَيْهِ التَّقْوَى مِنْكُمْ؛ أَيْ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ، فَذَلِكَ الَّذِي يَقْبَلُهُ وَيُرْفَعُ إِلَيْهِ وَيَسْمَعُهُ وَيُثِيبُ عَلَيْهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ». وَالْقِرَاءَةُ (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ) وَ(يَنَالُهُ) بِالْيَاءِ فِيهِمَا. وَعَنْ يَعْقُوبَ بِالتَّاءِ فِيهِمَا؛ نَظَرًا إِلَى اللُّحُومِ." 

طالب:..............

يعني دمه هو، لا، لا، الضمير يعود إلى الهدي والأضاحي.

طالب:..............

إذا كان جاهلًا لا يؤاخذ، وإن كان مستهترًا أو مستخفًّا فهذا شأنه آخر، فإيراد الآيات والأحاديث في غير مواردها من عالمٍ بذلك لا يجوز.

طالب:..............

ولكنه عبر عنه تعبيرًا مجازيًّا عن القبول النيل {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا} هذا ما هو بفعلٍ يُنسب إلى الله -جلَّ وعلا- نحتاج إلى تأويله، هذا يُنسب إلى اللحوم والدماء هو الفاعل، فتأويل ما يتعلق بالمخلوق ما فيه إشكال إذا امتنع المعنى الحقيقي، لكن يسمى حقيقة أو مجازًا هذا محل خلاف.

"الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: { كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ}  مِنْهُ –سُبْحَانَهُ- عَلَيْنَا بِتَذْلِيلِهَا وَتَمْكِينِنَا مِنْ تَصْرِيفِهَا وَهِيَ أَعْظَمُ مِنَّا أَبَدَانَا وَأَقْوَى مِنَّا أَعْضَاءً؛ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ الْعَبْدُ أَنَّ الْأُمُورَ لَيْسَتْ عَلَى مَا تَظْهَرُ إِلَى الْعَبْدِ مِنَ التَّدْبِيرِ، وَإِنَّمَا هِيَ بِحَسَبِ مَا يُرِيدُهَا الْعَزِيزُ الْقَدِيرُ، فَيَغْلِبُ الصَّغِيرُ الْكَبِيرَ؛ لِيَعْلَمَ الْخَلْقُ أَنَّ الْغَالِبَ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ فَوْقَ عِبَادِهِ. 

الثَّالِثَة:  قَوْلُهُ تَعَالَى: { لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } ذَكَرَ سُبْحَانَهُ ذِكْرَ اسْمِهِ عَلَيْهَا مِنَ الْآيَةِ قَبْلَهَا فَقَالَ - عَزَّ مِنْ قَائِلٍ-: { فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا}، وَذَكَرَ هُنَا التَّكْبِيرَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا إِذَا نَحَرَ هَدْيَهُ فَيَقُولُ: بِاسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ وَهَذَا مِنْ فِقْهِهِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ. قَالَ: وَرَأَيْتُهُ يَذْبَحُهَا بِيَدِهِ، وَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، وَسَمَّى وَكَبَّرَ."

يجمع بينهما، وإن كانت التسمية واجبة، بل شرط لحل الذبيحة، والتكبير سنة.

"وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا؛ فَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: التَّسْمِيَةُ مُتَعَيِّنَةٌ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ؛ وَكَافَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ. فَلَوْ قَالَ ذِكْرًا آخَرَ فِيهِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَرَادَ بِهِ التَّسْمِيَةَ جَازَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَطْ، أَوْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ قَالَه ابْنُ حَبِيبٍ  فَلَوْ لَمْ يُرِدِ التَّسْمِيَةَ لَمْ يَجْزِ عَنِ التَّسْمِيَةِ وَلَا تُؤْكَلُ؛ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ:  وَكَرِهَ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا  وَغَيْرُهُمُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ التَّسْمِيَةِ فِي الذَّبْحِ أَوْ ذِكْرَهُ،"

لأنّ هذا خالصٌ لله -جلَّ وعلا- لا يجوز تشريك غيره به لا الّنبي -عليه الصلاة والسلام- ولا غيره.

"وَقَالُوا: لَا يُذْكَرُ هُنَا إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ. وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ الذَّبْحِ.

الرَّابِعَةُ: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُضَحِّي: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي جَائِزٌ. وَكَرِهَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الصَّحِيحُ عَنْ عَائِشَةَ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، وَفِيهِ:  ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ. وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بِنَصِّ الْآيَةِ {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }. [سورة البقرة:127].  وَكَرِهَ مَالِكٌ قَوْلَهُمْ: اللَّهُمَّ مِنْكَ وَإِلَيْكَ، وَقَالَ: هَذِهِ بِدْعَةٌ. وَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْحَسَنُ، وَالْحُجَّةُ لَهُمَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ذَبَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الذَّبْحِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ: { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا } وَقَرَأَ إِلَى قَوْلِه: { وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [سورة الأنعام:80،79}  اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ بِاسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ ذَبَحَ. فَلَعَلّ َمَالِكًا لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا الْخَبَرُ، أَوْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ، أَوْ رَأَى الْعَمَلَ يُخَالِفُهُ. وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ قَوْلُهُ: إِنَّهُ بِدْعَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ."

ما يتصور من نجم السنن الإمام مالك أنه يقول: بدعة وقد بلغه الخبر، أبدًا، اللهم إلا إذا كان عمل أهل المدينة على خلافه، وهو يقدم عمل أهل المدينة، النّبي -عليه الصلاة والسلام- ضحى بكبشين أقرنين يعني لكل واحدٍ منهما قرنان، موجوءين يعني خصيين، أملحين شعرهما مختلط بين السواد والبياض، في روايةٍ: سمينين، وفي أخرى: ثمينين، فهما من أكمل الموجود، فعلى الإنسان أن يحرص على أن تكون أضحيته كذلك.

طالب:.............

ما المانع؟ ليطيب لحمهما ما فيه شك.

"الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ؛ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. فَأَمَّا ظَاهِرُ اللَّفْظِ فَيَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي كُلِّ مُحْسِنٍ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [سورة الحج: 38]"

ومن هنا جاء قوله حسبما تقدم في الآية التي قبلها {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}.

طالب:...............

وبشر المخبتين الذين هم المحسنون الذين سيأتي ذكرهم يبشرهم في الأمرين وبالوصفين؛ لأنهم اتصفوا بالإخبات وبالإحسان.

"رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا كَثُرُوا بِمَكَّةَ وَآذَاهُمُ الْكُفَّارُ وَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، أَرَادَ بَعْضُ مُؤْمِنِي مَكَّةَ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ أَمْكَنَهُ مِنَ الْكُفَّارِ وَيَغْتَالَ وَيَغْدِرَ وَيَحْتَالَ؛ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِلَى قَوْلِه: {كَفُورٍ}. فَوَعَدَ فِيهَا –سُبْحَانَهُ- بِالْمُدَافَعَةِ، وَنَهَى أَفْصَحَ نَهْيٍ عَنْ الْخِيَانَةِ وَالْغَدْرِ.

وَقَدْ مَضَى فِي (الْأَنْفَالِ) التَّشْدِيدُ فِي الْغَدْرِ؛ وَأَنَّهُ يُنْصَبُ لِلْغَادِرِ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ.  وَقِيلَ: الْمَعْنَى يَدْفَعُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يُدِيمَ تَوْفِيقَهُمْ حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْإِيمَانُ مِنْ قُلُوبِهِمْ، فَلَا تَقْدِرَ الْكُفَّارُ عَلَى إِمَالَتِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ؛ وَإِنْ جَرَى إِكْرَاهٌ فَيَعْصِمُهُمْ حَتَّى لَا يَرْتَدُّوا بِقُلُوبِهِمْ. وَقِيلَ: يَدْفَعُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِإِعْلَائِهِمْ بِالْحُجَّةِ. ثُمَّ قَتْلُ كَافِرٍ مُؤْمِنًا نَادِرٌ، وَإِنْ فَيَدْفَعُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِ بِأَنْ قَبَضَهُ إِلَى رَحْمَتِهِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ ( يُدَافِعُ) (وَلَوْلَا دِفَاعُ). وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ ( يَدْفَعُ)، (وَلَوْلَا دَفْعُ).

وَقَرَأَ عَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ ( يُدَافِعُ)، ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ). وَيُدَافِعُ بِمَعْنَى يَدْفَعُ؛ مِثْلُ عَاقَبْتُ اللِّصَّ، وَعَافَاهُ اللَّهُ؛ وَالْمَصْدَرُ دَفْعًا."

يعني الأصل في هذا المبنى المفاعلة، الدافعة، المعاقبة تكون بين طرفين، الأصل في هذا البناء أن يكون بين طرفين كالمضاربة والمخاصمة بين طرفين، لكن في مثل هذا يدافع فهو مدافعة، ومدافعة من طرفٍ واحد بلا إشكال كالمسافرة إذا قيل: سافر فلان هل تكون بين طرفين؟ إذا قيل: عاقب فلان اللص معاقبة هل تكون هذه المعاقبة بين طرفين؟ طرفٌ واحد، فالأصل بهذا الوزن أن يكون بين طرفين، وخرج عنه ما خرج من الأبنية.

"وَحَكَى الزَّهْرَاوِيُّ أَنَّ ( دِفَاعًا) مَصْدَرُ دَفعَ، كَحَسبَ حِسَابًا.

قَوْلُهُ  تَعَالَى: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [سورة الحج: 39].

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: 

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} قِيلَ: هَذَا بَيَانُ قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} أَيْ يَدْفَعُ عَنْهُمْ غَوَائِلَ الْكُفَّارِ بِأَنْ يُبِيحَ لَهُمُ الْقِتَالَ وَيَنْصُرَهُمْ؛ وَفِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ أُذِنَ لِلَّذِينَ يَصْلُحُونَ لِلْقِتَالِ فِي الْقِتَالِ؛ فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَحْذُوفِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: اسْتَأْذَنَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ إِذْ آذَوْهُمْ بِمَكَّةَ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}، فَلَمَّا هَاجَرَ نَزَلَتْ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا}. وَهَذَا نَاسِخٌ لِكُلِّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ إِعْرَاضٍ وَتَرْك وصَفْحٍ. وَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ جُبَيْرٍ:  نَزَلَتْ عِنْدَ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  إِلَى الْمَدِينَةِ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أُخْرِجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَكَّةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ:  أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ لَيَهْلِكُنَّ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ  تَعَالَى: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير} ٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ سَيَكُونُ قِتَالٌ. فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلًا، ولَيْسَ فِيهِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ."

يعني مختلفٌ في وصله وإرساله، ماذا قال عندك؟

طالب:..............

في نفس الموضع الذي أحال إليه، انظر صحيح الترمذي.

طالب:..............

رجعت إلى نفس صنيع الألباني صحيح الترمذي أم أحكامه المنقولة؟

طالب:..............

لا، لا، في هذه الحالة يُرجع إلى كتب الشيخ نفسه.

طالب:..............

لا، يُرجع إلى كتب الشيخ نفسه، لا، الشيخ يصحح مثل هذا صح، الشيخ يصحح مثل هذا، والترمذي يصحح مثل هذا، لكن قوله: حسن! رجعت للترمذي ماذا قال؟ الترمذي قال: حسن صحيح؛ لأنه صحح مثل هذا مع وجود مثل هذا الاختلاف؟

" الثَّانِيَةُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِبَاحَةَ مِنَ الشَّرْعِ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أُذِنَ مَعْنَاهُ أُبِيحَ، وَهُوَ لَفْظٌ مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِإِبَاحَةِ كُلِّ مَمْنُوعٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي ( الْبَقَرَةِ) وَغَيْرِ مَوْضِعٍ. وَقُرِئَ ( أَذِنَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ؛ أَيْ أَذِنَ اللَّهُ. يُقَاتِلُونَ بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ يُقَاتِلُونَ عَدُوَّهُمْ. وَقُرِئَ ( يُقَاتَلُونَ) بِفَتْحِ التَّاءِ؛ أَيْ يُقَاتِلُهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ. وَلِهَذَا قَال: { بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} أَيْ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ. 

قَوْلُهُ  تَعَالَى: { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [سورة الحج: 40].

فِيهِ ثَمَانِي مَسَائِلَ."

طالب:..............

الإذن لهم بسبب أنهم ظُلموا، كانوا في مكة لاشك أنهم مظلومون، هم في مكة مظلومون مستضعفون تُسلط عليهم الكفار، ومُنعوا من قتالهم، وأُمروا بالإعراض عنهم والصفح، لكن لما هاجر النّبي -عليه الصلاة والسلام- أذن لهم بالقتال، هو مجرد إذن في هذه المرحلة ثم بعد ذلك أُمروا {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [سورة التحريم:9] جاء الأمر الصريح المشدد في هذا.

ثمانٍ أم سبعٍ؟

طالب: ثمانٍ.

عندك رأس المسألة فيه سبع مسائل أم ثمانٍ؟

طالب: ثمانٍ.

هي المسائل ثمانية لكن الذي في الكتاب سبع، المسائل عدتها ثمانٍ، القرطبي ذكر ثماني مسائل، لكن أصل الكتاب يقول فيه سبع مسائل، وعلى كل حالٍ هو من اختلاف النسخ.

طالب:..............

كيف سبع؟ لا، فيه المسألة الثامنة.

طالب:..............

قال: فيه سبع مسائل والمسائل ثمانية.

"فِيهِ ثَمَانِي مَسَائِلَ:

الْأُولَى:  قَوْلُهُ تَعَالَى: { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} هَذَا أَحَدُ مَا ظُلِمُوا بِهِ؛ وَإِنَّمَا أُخْرِجُوا لِقَوْلِهِمْ: رَبُّنَا اللَّهُ وَحْدَهُ. {إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ أَيْ لَكِنْ لِقَوْلِهِمْ رَبُّنَا اللَّهُ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ، يُقَدِّرُهَا مَرْدُودَةً عَلَى الْبَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِ، وَالْمَعْنَى عِنْدَهُ: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا بِأَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ؛ أَيْ أُخْرِجُوا بِتَوْحِيدِهِمْ، أَخْرَجَهُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ. وَ{الَّذِينَ أُخْرِجُوا} فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ: { لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ}. 

الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْحَرْبِ، وَلَمْ تُحَلَّ لَهُ الدِّمَاءُ، إِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى وَالصَّفْحِ عَنِ الْجَاهِلِ مُدَّةَ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ؛ لِإِقَامَةِ حُجَّةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَوَفَاءً بِوَعْدِهِ الَّذِي امْتَنَّ بِهِ بِفَضْلِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}.  فَاسْتَمَرَّ النَّاسُ فِي الطُّغْيَانِ وَمَا اسْتَدَلُّوا به بِوَاضِحِ الْبُرْهَانِ."

وَمَا اسْتَدَلُّوا بِوَاضِحِ الْبُرْهَانِ.

"وَمَا اسْتَدَلُّوا بِوَاضِحِ الْبُرْهَانِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدِ اضْطَهَدَتْ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِن َالْمُهَاجِرِينَ، حَتَّى فَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَنَفَوْهُمْ عَنْ بِلَادِهِمْ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ،  وَمِنْهُمْ مَنْ صَبَرَ عَلَى الْأَذَى. فَلَمَّا عَتَتْ قُرَيْشٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَرَدُّوا أَمْرَهُ، وَكَذَّبُوا نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَعَذَّبُوا مَنْ آمَنَ بِهِ وَوَحَّدَهُ وَعَبَدَهُ، وَصَدَّقَ نَبِيَّهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَاعْتَصَمَ بِدِينِهِ، أَذِنَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ فِي الْقِتَالِ وَالِامْتِنَاعِ وَالِانْتِصَارِ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ، وَأَنْزَلَ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} إِلَى قَوْلِهِ: {الْأُمُورُ}. 

الثَّالِثَةُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نِسْبَةَ الْفِعْلِ الْمَوْجُودِ مِنَ الْمُلْجَأِ الْمُكْرَهِ إِلَى الَّذِي أَلْجَأَهُ وَأَكْرَهَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَبَ الْإِخْرَاجَ إِلَى الْكُفَّارِ."

والخروج منهم، هم الذين خرجوا، الخروج منهم، صحيحٌ أنّ السبب في خروجهم الأذى من الكفار، فكأنهم أخرجوهم، ألجؤوهم إلى الخروج.

"لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَعْنَى تَقْدِيرِ الذَّنْبِ وَإِلْزَامِهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: { إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، وَالْكَلَامُ فِيهِمَا وَاحِدٌ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ( بَرَاءَةٌ)، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. 

الرَّابِعَةُ: قوله تعالى: { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} أَيْ لَوْلَا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ قِتَالِ الْأَعْدَاءِ لَاسْتَوْلَى أَهْلُ الشِّرْكِ، وَعَطَّلُوا مَا بَنَتْهُ أَرْبَابُ الدِّيَانَاتِ مِنْ مَوَاضِعِ الْعِبَادَاتِ."

طالب: بينته يا شيخ، أحسن الله إليك.

ماذا؟

"وَعَطَّلُوا مَا بَيّنَتْهُ أَرْبَابُ الدِّيَانَاتِ."

طالب: بنته يا شيخ.

عندك بنته؟

طالب: نعم.

على كل حال. المعنى واحد، بيَّنته الديانات يعني: وضحوه، ومن جراء هذا التوضيح تم البناء.

"وَلَكِنَّهُ دَفَعَ بِأَنْ أَوْجَبَ الْقِتَالَ لِيَتَفَرَّغَ أَهْلُ الدِّينِ لِلْعِبَادَةِ. فَالْجِهَادُ أَمْرٌ مُتَقَدِّمٌ فِي الْأُمَمِ، وَبِهِ صَلَحَتِ الشَّرَائِعُ، وَاجْتَمَعَتِ الْمُتَعَبَّدَاتُ؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أُذِنَ فِي الْقِتَالِ، فَلْيُقَاتِلِ الْمُؤْمِنُونَ. ثُمَّ قَوِيَ هَذَا الْأَمْرُ فِي الْقِتَالِ بِقَوْلِهِ: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} الْآيَةَ؛ أَيْ لَوْلَا الْقِتَالُ وَالْجِهَادُ لَتَغَلَّبَ عَلَى الْحَقِّ فِي كُلِّ أُمَّةٍ."

بلا شك إذا كانوا لا يقاتلون عدوهم ولا يدفعون عن أنفسهم صاروا لقمةً سائغةً لكل معتدٍ، ولكن الجهاد شُرع لزرع الهيبة في قلوب الأعداء فلا يعتدوا، وزُرع أيضًا لدفع من أراد أن يعتدي عليهم.

"فَمَنِ اسْتَبْشَعَ مِنَ النَّصَارَى، وَالصَّابِئِينَ الْجِهَادَ فَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَذْهَبِهِ؛ إِذْ لَوْلَا الْقِتَالُ لَمَا بَقِيَ الدِّينُ الَّذِي يُذَبُّ عَنْهُ. وَأَيْضًا هَذِهِ الْمَوَاضِعُ الَّتِي اتُّخِذَتْ قَبْلَ تَحْرِيفِهِمْ وَتَبْدِيلِهِمْ وَقَبْلَ نَسْخِ تِلْكَ الْمِلَلِ بِالْإِسْلَامِ إِنَّمَا ذُكِرَتْ لِهَذَا الْمَعْنَى؛ أَيْ لَوْلَا هَذَا الدَّفْعُ لَهُدِّمَ فِي زَمَنِ مُوسَى الْكَنَائِسُ، وَفِي زَمَنِ عِيسَى الصَّوَامِعُ، وَالْبِيَعُ، وَفِي زَمَنِ مُحَمَّدٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- الْمَسَاجِدُ. 

(لَهُدِّمَتْ) مِنْ هَدَّمْتُ الْبِنَاءَ أَيْ نَقَضْتُهُ فَانْهَدَمَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:  هَذَا أَصْوَبُ مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْكُفَّارَ عَنِ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ.  وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ دَفْعُ قَوْمٍ بِقَوْمٍ إِلَّا أَنَّ مَعْنَى الْقِتَالِ أَلْيَقُ، كَمَا تَقَدَّمَ."

وهو في القتال يعني لولا قتال الصحابة للكفار لما بقي دين للتابعين ولا لمن بعدهم، وقل مثل هذا بالنسبة إلى التابعين: لولا دفع التابعين للكفار لما بقي من بعدهم إلى قيام الساعة.

"وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ ظُلْمَ قَوْمٍ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ ظُلْمَ الظَّلَمَةِ بِعَدْلِ الْوُلَاةِ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:  لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَدْفَعُ بِمَنْ فِي الْمَسَاجِدِ عَمَّنْ لَيْسَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَبِمَنْ يَغْزُو عَمَّنْ لَا يَغْزُو، لَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ الْعَذَابَ بِدُعَاءِ الْفُضَلَاءِ وَالْأَخْيَارِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّفْصِيلِ الْمُفَسِّرِ لِمَعْنَى الْآيَةِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ وَلَا بُدَّ تَقْتَضِي مَدْفُوعًا مِنَ النَّاسِ وَمَدْفُوعًا عَنْهُ، فَتَأَمَّلْهُ." 

ولا شك أنّ الله - جلَّ وعلا- يدفع العقوبة ويرفعها؛ بسبب من اتصل به لاسيما من يسعى لرفع ودفع أهل الجرائم والمنكرات والمعاصي من رجال الحسبة وغيرهم، هؤلاء يدفع الله بهم شرًّا عظيمًا، ولو تواطأ الناس على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يوجد من يقوم به لحلت العقوبة، ولولا وجود من يدعو الله -جلَّ وعلا- ممن مأكله حلال وجانب الحرام لحلت العقوبات، الدعاء لاشك أنّ الله -جلَّ وعلا- يدفع به البلاء، ويرفع به البلاء، لكن ممن؟

يعني يوجد فئام كثيرة وجموع غفيرة من المسلمين لا يتحرون في المـأكل والمشرب، مثل هؤلاء، هل يدفع بهم مثل هذه الشرور والعظائم من العقوبات وغيرها؟ أبدًا، فأنى يستجاب له إذا كان مطعمه حرام ومشربه حرام وغُذي بالحرام، لكن الله - جلَّ وعلا- يدفع الشرور بدعاء من مطعمه حلال، لا بدعاء من مطعمه حرام؛ فليحرص الإنسان على ذلك.

"الْخَامِسَةُ: قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ:  تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْمَنْعَ مِنْ هَدْمِ كَنَائِسِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَبِيَعِهِمْ، وَبُيُوتِ نِيرَانِهِمْ، وَلَا يُتْرَكُونَ أَنْ يُحْدِثُوا مَا لَمْ يَكُنْ، وَلَا يَزِيدُونَ فِي الْبُنْيَانِ لَا سَعَةً وَلَا  ارْتِفَاعًا، وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَدْخُلُوهَا وَلَا يُصَلُّوا فِيهَا، وَمَتَى أَحْدَثُوا زِيَادَةً وَجَبَ نَقْضُهَا. وَيُنْقَضُ مَا وُجِدَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ مِنَ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ."

ولما تُرك الجهاد انعكس هذا الكلام، حُولت المساجد إلى كنائس، والسبب في ذلك ترك الجهاد الذي من أجله ضُرب الذل والمسكنة والخضوع والخنوع على الأمة بكاملها، وليس ذلك من قلة، لكنهم غثاء كما جاء في الحديث الصحيح.

طالب: .............

هم مجرد اعتبارٍ واضطهادٍ وإنكارٍ إن وُجد ما ينكر، هذا شيء وإن كان......

طالب:..............

لا، للسياحة لا، التفرج على المنكرات لا يجوز.

طالب:..............

إذا لم يجد مكانًا أولى منها أو خيف أن يُقتدى به -نسأل الله العافية-، إذا خُشي أن يُقتدى به لا يصلي، وإذا لم يجد مكانًا أنسب منها وأنظف وأطيب.

طالب:..............

كالمقبرة يعني كالمقبرة التي الصلاة فيها وسيلة إلى الشرك، فإذا كان النهي عن الصلاة في المقبرة؛ لأنه وسيلة إلى الشرك، فما كان فيه شرك من باب أولى، يعني هذا وجهه.

طالب:..............

على كل حالٍ إذا كان دخولها من أجل الإنكار أو من أجل الاعتبار فلا مانع، وأما إذا كان للسياحة أو لاستحسان لها أو ممن يُخشى عليه في دينه فلا يجوز ألبتة.

"وَإِنَّمَا لَمْ يُنْقَضْ مَا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهَا جَرَتْ مَجْرَى بُيُوتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمُ الَّتِي عَاهَدُوا عَلَيْهَا فِي الصِّيَانَةِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمَكَّنُوا مِنَ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِظْهَارَ أَسْبَابِ الْكُفْرِ. وَجَاِز أَنْ يُنْقَضَ الْمَسْجِدُ لِيُعَادَ بُنْيَانُهُ؛ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". 

نعم، إذا تعطل المنافع وأُخيف من سقوطه فإنه يُنقض.

السَّادِسَةُ: قُرِئَ (لَهُدِمَتْ) بِتَخْفِيفِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِهَا.

لَهُدِمَت، ولَهُدِّمَت.

"( صَوَامِعُ) جَمْعُ صَوْمَعَةٍ، وَزْنُهَا فَوْعَلَةٌ، وَهِيَ بِنَاءٌ مُرْتَفِعٌ حَدِيدُ الْأَعْلَى، يُقَالُ: صَمَّعَ الثَّرِيدَةَ أَيْ رَفَعَ رَأْسَهَا وَحَدَّدَهُ. وَرَجُلٌ أَصْمَعُ الْقَلْبِ أَيْ حَادُّ الْفِطْنَةِ. وَالْأَصْمَعُ مِنَ الرِّجَالِ الْحَدِيدُ الْقَوْلِ. وَقِيلَ: هُوَ الصَّغِيرُ الْأُذُنِ مِنَ النَّاسِ، وَغَيْرِهِمْ."

أما تسمية صغير الأذن من البهائم فأصمع هذا مستعملٌ.

"وَكَانَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مُخْتَصَّةً بِرُهْبَانِ النَّصَارَى وَبِعُبَّادِ الصَّابِئِينَ - قَالَ قَتَادَة-  ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي مِئْذَنَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَالْبِيَعُ جَمْعُ بِيعَةٍ، وَهِيَ كَنِيسَةُ النَّصَارَى. وَقَال َالطَّبَرِيُّ: قِيلَ هِيَ كَنَائِسُ الْيَهُودِ، ثُمَّ أُدْخِلَ عَنْ مُجَاهِدٍ مَا لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ. (وَصَلَوَاتٌ) قَالَ الزَّجَّاجُ  وَالْحَسَنُ:  هِيَ كَنَائِسُ الْيَهُودِ؛ وَهِيَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ صَلُوتَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الصَّلَوَاتُ بُيُوتٌ تُبْنَى لِلنَّصَارَى فِي الْبَرَارِيِّ يُصَلُّونَ فِيهَا فِي أَسْفَارِهِمْ، تُسَمَّى صَلُوتَا، فَعُرِّبَتْ فَقِيلَ: صَلَوَاتٌ.

وَفِي (صَلَوَاتٌ) تِسْعُ قِرَاءَاتٍ ذَكَرَهَا ابْنُ عَطِيَّةَ:  صُلْوَاتٌ، صَلْوَاتٌ، صِلْوَاتٌ، صُلُولى عَلَى وَزْنِ فُعُولى، صُلُوبٌ بِالْبَاءِ بِوَاحِدَةٍ جَمْعُ صَلِيبٍ، صُلُوثٌ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ عَلَى وَزْنِ فُعُولٍ، صُلُوَاتٌ بِضَمِّ الصَّادِ وَاللَّامِ وَأَلِفٍ بَعْدَ الْوَاوِ، صُلُوثَا بِضَمِّ الصَّادِ وَاللَّامِ وَقَصْرِ الْأَلِفِ بَعْدَ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ. صِلويثا بكسر الصاد وإسكان اللام وواو مكسورة بعدها ياء بعدها ثاء منقوطة بثلاث بعدها ألف.

 وَذَكَرَ النَّحَّاسُ  وَرُوِيَ عَنْ عَاصِمٍ الْجَحْدَرِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ (وَصُلُوبٌ). وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ  ( وَصَلُوثٌ) بِالثَّاءِ مُعْجَمَةٍ بِثَلَاثٍ؛ وَلَا أَدْرِي أَفَتَحَ الصَّادَ أَمْ ضَمَّهَا. 

قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا تَجِيءُ هُنَا اثنا عَشْرُ قِرَاءَاتٍ."

عشر قراءات.

طالب: ما فيها اثنا.

لا.

"فَعَلَى هَذَا تَجِيءُ هُنَا عَشْرُ قِرَاءَاتٍ."

لعله عدها فبلغت اثني عشر، فعدّ مثل الثماني وهي سبع.

"وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّلَوَاتُ الْكَنَائِسُ،  قال أَبُو الْعَالِيَةِ:  الصَّلَوَاتُ مَسَاجِدُ الصَّابِئِينَ وقال ابْنُ زَيْدٍ:  هِيَ صَلَوَاتُ الْمُسْلِمِينَ تَنْقَطِعُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِمُ الْعَدُوُّ وَتُهَدَّمُ الْمَسَاجِدُ. فَعَلَى هَذَا اسْتُعِيرَ الْهَدْمُ لِلصَّلَوَاتِ مِنْ حَيْثُ تُعَطَّلُ، أَوْ أَرَادَ مَوْضِعَ صَلَوَاتٍ فَحُذِفَ الْمُضَافُ. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالزَّجَّاجِ، وَغَيْرِهِمْ يَكُونُ الْهَدْمُ حَقِيقَةً."

وعلى كل حالٍ الهدم ضد العمارة، فالهدم الحسي ضد العمارة الحسية، والهدم المعنوي ضد العمارة المعنوية.

"وَقَالَ الْحَسَنُ: هَدْمُ الصَّلَوَاتِ تَرْكُهَا، قال قُطْرُبٌ: هِيَ الصَّوَامِعُ الصِّغَارُ وَلَمْ يُسْمَعْ لَهَا وَاحِدٌ. وَذَهَبَ خُصَيْفٌ إِلَى أَنَّ الْقَصْدَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ تَقْسِيمُ مُتَعَبَّدَاتِ الْأُمَمِ. فَالصَّوَامِعُ لِلرُّهْبَانِ، وَالْبِيَعُ لِلنَّصَارَى، وَالصَّلَوَاتُ لِلْيَهُودِ، وَالْمَسَاجِدُ لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا قُصِدَ بِهَا  الْمُبَالَغَةُ فِي ذِكْرِ الْمُتَعَبَّدَاتِ. وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ تَشْتَرِكُ الْأُمَمُ فِي مُسَمَّيَاتِهَا، إِلَّا الْبِيعَةَ فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالنَّصَارَى فِي لُغَةِ الْعَرَبِ.

وَمَعَانِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ هِيَ فِي الْأُمَمِ الَّتِي لَهَا كِتَابٌ عَلَى قَدِيمِ الدَّهْرِ. وَلَمْ يُذْكَرْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمَجُوسُ وَلَا أَهْلُ الْإِشْرَاكِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَجِبُ حِمَايَتُهُ، وَلَا يُوجَدُ ذِكْرُ اللَّهِ إِلَّا عِنْدَ أَهْلِ الشَّرَائِعِ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: { يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ} الَّذِي يَجِبُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى حَقِيقَةِ النَّظَرِ أَنْ يَكُونَ {يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ} عَائِدًا عَلَى الْمَسَاجِدِ لَا عَلَى غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَلِيهَا."

فيعود على أقرب مذكور.

"وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى صَوَامِعَ وَمَا بَعْدَهَا؛ وَيَكُونُ الْمَعْنَى وَقْتَ شَرَائِعِهِمْ وَإِقَامَتِهِمُ الْحَقَّ. 

السَّابِعَةُ: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قُدِّمَتْ مَسَاجِدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُصَلَّيَاتُهُمْ عَلَى مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ؟ قِيلَ: لِأَنَّهَا أَقْدَمُ بِنَاءً.  وَقِيلَ لِقُرْبِهَا مِنَ الْهَدْمِ وَقُرْبِ الْمَسَاجِدِ مِنَ الذِّكْرِ؛ كَمَا أُخِّرَ السَّابِقُ فِي قَوْلِهِ: { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ}.

الثَّامِنَةُ:  قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} أَيْ مَنْ يَنْصُرُ دِينَهُ وَنَبِيَّهُ. { إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ} أَيْ قَادِرٌ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْقَوِيُّ يَكُونُ بِمَعْنَى الْقَادِرِ، منْ قَوِيَ عَلَى الشَيْءٍ فَقَدْ قَدرَ عَلَيْهِ."

ومن.

ومن؟

ومَن قَوِيَ عَلَى شَيْءٍ فَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهِ.

 "ومَن قَوِيَ عَلَى شَيْءٍ فَقَدْ قَدرَ عَلَيْهِ. (عَزِيزٌ) أَيْ جَلِيلٌ شَرِيفٌ، قَاله الزَّجَّاجُ.  وَقِيلَ الْمُمْتَنِعُ الَّذِي لَا يُرَامُ؛ وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا فِي الْكِتَابِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى." 

يكفي يكفي.

اللهم صلِّ على محمدٍ.

"