شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (270)

 

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 أيُّها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم" شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح". مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: قال المصنف- رحمه الله- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-: أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَأْ، وَرُبَّمَا قَالَ: اضْطَجَعَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد،

فراوي الحديث عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حبر الأُمَّة وترجمان القرآن، مرَّ ذكره مرارًا.

 وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري- رحمه الله- بقوله: باب التخفيف في الوضوء، لكن اللفظ الذي معنا واقتصر عليه المُختصِر في هذا الموضع هل تناسبه الترجمة؟ «نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَأْ».

المُقَدِّم: ما فيه تخفيف.

ما فيه وضوء، الوضوء منفي.

المُقَدِّم: نعم.

فكيف يقول: باب التخفيف في الوضوء؟

المُقَدِّم: لعل المراد التخفيف بشأن الوضوء، أنَّ النوم اليسير لا يوجب الوضوء.

يعني في حكمه.

المُقَدِّم: في حكمه.

لا في فعله.

المُقَدِّم: نعم.

لا، هذا الحديث أولًا هو قطعة من حديث ابن عباس الذي تقدم شرحه في كتاب العلم، وهو مطول، بت عند خالتي ميمونة، ونام النبي- عليه الصلاة والسلام- ثم قام فتوضأ وضوءًا خفيفًا من شن معلق، ثم نام، ثم اضطجع ولم يتوضأ إلى آخره، فيه هذا، وفيه أنَّه...

المُقَدِّم: نام.

نام، ثم توضأ وضوءًا خفيفًا، فالاقتصار على هذا القدر لا تصلح له هذه الترجمة، البخاري ترجم بهذه الترجمة؛ لأنَّه أردف هذه القطعة بالحديث كاملًا؛ لأنَّه قال: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان، عن عمرو قال: أخبرني كريب عن ابن عباس أنَّ النبي- عليه الصلاة والسلام- نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ صَلَّى، وربما قال: اضطجع ثم نفخ ثم قام فصلى، ثم حدثنا به سفيان مرة بعد مرة عن عمرو عن كريب عن ابن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة ليلة فقام النبي- عليه الصلاة والسلام- من الليل، فلمَّا كان في بعض الليل قام النبي- عليه الصلاة والسلام- فتوضأ من شن معلق وضوءًا خفيفًا، يخففه عمرو ويقلله.

المُقَدِّم: هذا أنسب.

هذا هو المطابق للترجمة.

المُقَدِّم: نعم.

أمَّا القدر الذي اقتصر عليه المختصِر فلا يُمكن أن يُترجم له بهذه الترجمة، فإنه إنَّما يترجم على الرواية التي.. المطولة، يعني كون البخاري أورد الرواية الأولى؛ ليحيل بها إلى الرواية الثانية؛ لأنَّ البخاري قد يُترجم بشيء ويذكر طرفًا من حديث لا يدل على الترجمة، لماذا؟ ليحيل القارئ على..

المُقَدِّم: موضع آخر.

ما فيه دلالة، قوله: باب التخفيف في الوضوء، يقول العيني: أي هذا باب في بيان جواز التخفيف في الوضوء، والمناسبة بين البابين، الأول باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن، وهذا الباب من حيث اشتمال كل منهما على حكم من أحكام الوضوء، يعني ذهب إلى عموم بعيد جدًّا في الربط بين البابين، كل منهما يشتمل على حكم من أحكام الوضوء، فالذي يجد في الصلاة شيئًا لا ينصرف هذا حكم بأن لا يُقطع اليقين بالشك، حكم من أحكام الوضوء، وأيضًا تخفيف الوضوء حكم من أحكام الوضوء، هذا لا شك أنَّه رابط، لكنه بعيد، والبخاري أدق من أن يردف هذا الباب في الباب السابق لمجرد أنَّها من أحكام الوضوء.

مناسبتهما عندي أنَّ في كل منهما قطعًا للوسواس عند طروئه، المناسبة في الباب الأول: «لا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا» هذا ظاهر في قطع الوسواس؛ ولذلك أدخله البخاري في باب من لم ير الوساوس، ظاهر في قطع الوسواس. أمَّا التخفيف في الوضوء فلا شك أنَّ فيه علاجًا للوسواس، وأشرنا إليه في حلقة سابقة، فالموسوس الذي ابتلي بهذا الداء، وتأذى به يرد إلى الوضوء الخفيف المجزئ، فعندي أنَّ هذا الرابط أقوى من كون الأول في أحكام الوضوء، والثاني في أحكام الوضوء، يعني إذًا لو قدمنا وأخرنا في الأبواب ما تأثر على هذا؛ لأنَّها كلها في الوضوء، ولا شك أنَّ الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- له مقاصد ومغازٍ دقيقة، فلا يبعد أن يريد مثل هذا.

مطابقة الحديث للترجمة في الرواية المطولة كما أشرنا، وفيها، قام النبي- عليه الصلاة والسلام- فتوضأ من شن معلق وضوءًا خفيفًا، ولم يذكر المُختصِر الرواية المطولة؛ لأنَّها تقدمت في باب العلم، وأطراف الحديث تقدم ذكرها هناك أيضًا في كتاب العلم، تقدم الحديث برقم سبع وتسعين في المختصر، وبرقم مائة وسبعة عشر.

 المُقَدِّم: في الأصل.

من الأصل. أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- نام، هذه الجملة « نام» جملة في محل الرفع؛ لأنَّها خبر أنَّ، في شرح القسطلاني نام مضطجعًا؛ لأنَّه في الرواية.. وربما قال: اضطجع، فقوله: نام، يعني نام مضطجعًا، في الرواية الثانية في اللفظ الثاني يفسر اللفظ الأول.

ابن حجر في شرح قوله: « وربما قال: اضطجع» قال سفيان يقول تارة نام، وتارة اضطجع وليسا مترادفين، بل بينهما عموم وخصوص من وجه، يشتركان في النوم المضطجع، وينفرد النوم بنوم القاعد، والقائم، والراكع، والساجد، وما أشبه ذلك، وينفرد الاضطجاع بدون نوم، يعني بينهما عموم وخصوص من وجهين، لكنه يقول ابن حجر: لكنه لم يرد إقامة أحدهما مقام الأخر، بل كان إذا روى الحديث مطولًا قال: « اضطجع فنام» وإذا اختصره قال:« نام» أي مضطجعًا أو اضطجع أي نائمًا.

إذًا ما فيه فرق، رجعنا إلى كلام القسطلاني، « حتى نفخ» حتى بمعنى إلى أن نفخ بالخاء المنقوطة، أي من خيشومه، وهو المعبر عنه بالغطيط، كما تقدم في باب السمر في العلم، وربما أصلها التقليل، وقد تستعمل للتكثير وهاهنا يحتمل الأمرين، «وربما قال: اضطجع» يعني الراوي سفيان ربما قال: اضطجع النبي- عليه الصلاة والسلام- حتى نفخ، هنا تحتمل الأمرين أنَّه كثيرًا ما يقول كذا، وكثيرًا ما يقول كذا، وتحتمل التقليل أنَّه أحيانًا نادرة يقول: اضطجع حتى نفخ، يعني في قوله- جلَّ وعلا-:{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر:2]، هذا تقليل أم تكثير؟ هذا تكثير، بل كلهم إذا عاينوا ودوا أنَّهم...

« ثم صلى ولم يتوضأ»، قال ابن بطال: هو مما خُصَّ به- عليه الصلاة والسلام- من أنَّه تنام عينه، ولا ينام قلبه، وفيه دليل على أنَّ من نام من سائر البشر حتى نفخ لا يصلي حتى يتوضأ، من أين أخذ ابن بطال هذا الدليل؟  

المُقَدِّم: أنَّه نام حتى نفخ، ثم صلى ولم يتوضأ.

كونه صلى ولم يتوضأ، وكونه- عليه الصلاة والسلام- تنام عينه ولا ينام قلبه هذا مفروغ منه، لكن وفيه دليلٌ على أنَّ من نام من سائر البشر يعني غير النبي- عليه الصلاة والسلام- حتى نفخ لا يصلي حتى يتوضأ، هل في الحديث دليل؟

المُقَدِّم: اعتبروها من خصوصياته، جمع بين هذا وذاك، ينام قلبه، ولا تنام عينه، ولا ينام قلبه.

لعل قوله: فيه دليل ما جاء من أنَّه تنام عينه ولا ينام قلبه، وهذا من خصائصه- عليه الصلاة والسلام-، فدلَّ على أنَّ غيره ليس كذلك، والنوم إنَّما يجب أو إنَّما يجب منه الوضوء إذا خامر العقل وغلب عليه، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا ينام قلبه؛ فلذلك لم يتوضأ.

وفيه أنَّه توضأ بعد نوم نامه ثم نام نومًا آخر ولم يتوضأ، فدلَّ ذلك على اختلاف أحواله في النوم، فمرة يستثقل نومًا ولا يعلم حاله، ومرة يعلم حاله من حدث وغيره، فيُحمل وضوؤه على أنَّه استغرق، وعدم وضوئه على أنَّه لم يستغرق.

وفي السنن من حديث أنس بن مالك، انتهى كلام ابن بطال، في السنن من حديث أنس بن مالك قال: «كان أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-..

المُقَدِّم: عليه الصلاة والسلام.

على عهده ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون»، أخرجه أبو داود وصححه الدارقطني، وأصله في مسلم كما قال ابن حجر في البلوغ، وأخرجه الترمذي وفيه: «يوقظون للصلاة»، وفيه: «حتى إنَّي لأسمع لأحدهم غطيطًا، ثم يقومون ويصلون ولا يتوضؤون».

الصنعاني في سبل السلام يقول: حمله جماعة من العلماء- يعني حديث أنس: إنَّ الصحابة ينتظرون صلاة العشاء حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون- حمله جماعة من العلماء على نوم الجالس، ومنتظر الصلاة.

المُقَدِّم: في الغالب أنَّه جالس.

هذا الأصل أنَّه جالس، يعني ينتظر الصلاة وهو مضطجع في المسجد؟ لا، يعني ما يتصور أنَّ الصحابة ينتظرون الصلاة وهم مضطجعون، إنَّما هم جالسون ينتظرون، وخفقان الرأس وهو ميله يمنة ويسرة يدل على أنَّهم جلوس، فحمله على هذا متعين، لكن الصنعاني يقول: دفع هذا التأويل بأنَّ في رواية عن أنس يضعون جنوبهم، رواها يحيى القطان، لكن خفق الرؤوس إنَّما يكون من الجالس، أمَّا من وضع جنبه لا يوصف بأنَّه يخفق رأسه.

قال ابن دقيق: يُحمل على النوم الخفيف، ورُدَّ بأنَّه لا يُناسبه ذكر الغطيط والإيقاظ فإنَّهما لا يكونان إلا في نوم المستغرق، على كل حال حديث أنس حمله على الجالس ظاهر، وقد يغط من ينام وهو جالس، نعم؛ لأنَّ من الناس من ابتلي بالغطيط والخطيط والشخير، مجرد ما يُغمض عينيه...

المُقَدِّم: يظهر صوته.

يشرع في هذا، يخرج من هذه الأصوات ما يخرج، فلا يلزم منه الاستغراق.

يقول: إذا عرفت هذا فالأحاديث قد اشتملت على خفقة الرأس وعلى الغطيط وعلى الإيقاظ وعلى وضع الجنوب، وكلها وصف بأنَّهم كانوا لا يتوضؤون من ذلك، فاختلف العلماء في ذلك يقول على ثمانية أقوال، نقتصر منها على بعضها، وهو الأقوى، وما له وجه.

الأول: أنَّ النوم ناقض مطلقًا على كل حال بدليل إطلاقه في حديث صفوان بن عسال، وفيه «من بول، أو غائط، أو نوم»، قالوا: فجُعل مطلق النوم كالغائط والبول في النقض، وحديث أنس بأي عبارة رويَ ليس في بيان أنَّه أقرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على ذلك، ولا رآهم فهو فعل صحابي لا يُدرى كيف وقع، والحجة إنَّما هي في أفعاله، وأقواله، وتقريراته- صلى الله عليه وسلم-، ويأتي الجواب عن...

المُقَدِّم: هذا قول من يا شيخ؟

ماذا؟

المُقَدِّم: ناقض مطلقًا.

سيأتي ذكر المذاهب بالتفصيل، مذاهب الأئمة من كتبهم.

القول الثاني: إنَّه لا ينقض مطلقًا لما سلف من حديث أنس وحكاية نوم الصحابة على تلك الصفات، ولو كان ناقضًا لما أقرهم الله عليه وأوحى إلى رسوله- صلى الله عليه وسلم- بذلك كما أوحى إليه بشأن نجاسة نعله، ولكنهم يردون عليهم حديث صفوان بن عسال، « ولكن ما غائط، أو بول، أو نوم» فجعله ناقضًا.

القول الثالث: أنَّ النوم ناقضٌ كله، إنَّما يُعفى عن خفقتين ولو توالتا، وعلى الخفقات المتفرقات، والخفقة هي ميلان الرأس من النعاس، ويحملون أحاديث أنس على النعاس الذي لا يزول معه التمييز، يعني في انتظار الصحابة وكونها تخفق رؤوسهم.

القول الرابع: أنَّ النوم ليس بناقض بنفسه، بل هو مظنة للنقض لا غير، فإذا نام جالسًا ممكنًا مقعدته من الأرض لم ينتقض وإلا انتقض، وهو مذهب الشافعي، واستدل بحديث علي- رضي الله عنه-: « العين وكاء السه، فمن نام فليتوضأ» حسنه الترمذي، وفيه ضعف.

الخامس: أنَّ كثير النوم ينقض على كل حال ولا ينقض قليله، وهؤلاء يقولون: إنَّ النوم ليس بناقضٍ بنفسه بل مظنة النقض، والكثير مظنة بخلاف القليل، وحملوا أحاديث أنس على القليل، وهناك أقوال ثلاثة تركتها لضعفها.

ثم قال الصنعاني: والأقرب القول بأنَّ النوم ناقض لحديث صفوان بن عسال، وقد صححه الترمذي وابن خزيمة والخطابي، ولكن لفظ النوم في حديثه مطلق، « ولكن من غائط، أو بول، أو نوم» مطلق يحتمل القليل والكثير، ويحتمل هيئات متعددة في حال النائم، ولكن لفظ النوم في حديثه مطلق ودلالة الاقتران ضعيفة، فلا يقال: قد قرن بالبول والغائط، وهما ناقضان على كل حال، لكن يقيد بحديث أنس في نوم الصحابة، بأن يُحمل حديث صفوان على نوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك، ويؤول ما ذكره أنس من الغطيط ووضع الجنوب والإيقاظ بعدم الاستغراق، فقد يغطُّ من هو في بادئ نومه قبل استغراقه، ووضع الجنب لا يستلزم الاستغراق، فقد كان- صلى الله عليه وسلم- يضع جنبه بعد ركعتي الفجر ولا ينام، فإنَّه كان يقوم لصلاة الفجر بعد وضع جنبه وإن كان قد قيل إنَّه من خصائصه- صلى الله عليه وسلم- أنَّه لا ينقض نومه وضوءه، فعدم ملازمة النوم لوضع الجنب معلومة، والإيقاظ قد يكون لمن هو في مبادئ النوم، فينتبه لئلا، فينبه لئلا يستغرق في النوم. هذا وقد أُلحق بالنوم الإغماء، والجنون، والسُّكر بأي مسكر بجامع زوال العقل.

وذكر في الشرح، شرح هذا كلام الصنعاني، ذكر في الشرح مراده. 

المُقَدِّم: الصنعاني هو الذي ذكر في الشرح؟

نعم، القاضي الحسيني بن محمد المغربي شارح بلوغ المرام، سُبل السلام مختصر منه.

المُقَدِّم: صحيح.

فإذا ذكر القاضي، ذكر في الشرح مراده، البدر التمام في شرح بلوغ المرام طُبِعَ أخيرًا، اتفقوا على أنَّ هذه..، ذكر في الشرح أنَّهم اتفقوا على أنَّ هذه الأمور ناقضة، فإن صح كان الدليل الإجماع، الدليل على أن الجنون والسُّكر والإغماء والنوم من نواقض الوضوء إن صحَّ الإجماع، وقد نقله غير صاحب الشرح كما سيأتي، وإذا كان النوم مظنة للنقض، فالجنون من باب أولى، وكذلك السُّكر، والإغماء.

في المُغني للإمام الموفق ابن قدامة، قال- يعني أبا القاسم الخرقي صاحب المتن-: وزوال العقل إلا أن يكون النوم اليسير جالسًا أو قائمًا، زوال العقل يقول ابن قدامة: زوال العقل على ضربين نوم وغيره، فأمَّا غير النوم وهو الجنون والإغماء والسُّكر وما أشبهه من الأدوية المزيلة للعقل فينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعًا.

قال ابن المنذر: أجمع العلماء على وجوب الوضوء على المغمى عليه؛ ولأنَّ هؤلاء حسهم أبعد من حس النائم بدليل أنَّهم لا ينتبهون بالإنباه، ففي إيجاب الوضوء على النائم تنبيهٌ على وجوبه بما هو آكد منه.

الضرب الثاني: النوم، وهو ناقض للوضوء في الجملة في قول عامة أهل العلم إلا ما حُكِيَ عن أبي موسى الأشعري، وأبي مجلز، وحميد الأعرج أنَّه لا ينقض.

ناقض للوضوء في الجملة، إذا جاؤوا بقول في الجملة يختلف عن قولهم بالجملة، بالجملة، ففي الجملة هناك صور تخرج عن هذا الحكم.

المُقَدِّم: هذا في.

في، أمَّا إذا قالوا بالجملة خلاص، يعني جملة وتفصيلًا يخرج.

الضرب الثاني: النوم، وهو ناقض للوضوء في الجملة، ما قال: بالجملة؛ لأنَّ من صور النوم ما لا ينقض على ما سيأتي، في الجملة في قول عامة أهل العلم عن أبي موسى الأشعري، وأبي مجلز، وحميد الأعرج إنَّه لا ينقض، وعن سفيان بن المسيب أنَّه كان ينام مرارًا مضطجعًا ينتظر الصلاة ثم يصلي ولا يعيد الوضوء، ولعلهم ذهبوا إلى أنَّ النوم ليس بحدث بنفسه والحدث مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك، ولنا قول صفوان بن عسال «لكن من غائط، وبول، ونوم»، وقد ذكرنا أنَّه صحح وروي عن علي- رضي الله عنه- عن النبي- عليه الصلاة والسلام- قال:« العين وكاء السه، فمن نام فليتوضأ».

المُقَدِّم: وقد ذكرنا أنَّه صحح كلام..

ابن قدامة.

المُقَدِّم: ابن قدامة، بينما أنت قبل قليل ترى أنَّ فيه نظرًا يا شيخ.

لا، لا، حديث صفوان بن عسال ما هو معنا، لا حديث علي الذي فيه نظر،« العين وكاء السه، فمن نام فليتوضأ» رواه أبو داود وابن ماجه ولا يسلم من مقال؛ ولأنَّ النوم مظنة الحدث فأُقيم مقامه كالتقاء الختانين في وجوب الغسل أًقيم بمقام الإنزال، ثم قال: فصلٌ: والنوم ينقسم ثلاثة أقسام، نوم المضطجع فينتقض الوضوء بيسيره وكثيره في قول كل من يقول بنقضه بالنوم.

الثاني: نوم القاعد إن كان كثيرًا نقض رواية واحدة، يعني عن الإمام، الإمام أحمد، إن كان كثيرًا نقض رواية واحدة، وإن كان يسيرًا لم ينقض.

والثالث: ما عدا الحالتين وهو من نوم القائم، والراكع، والساجد فروي عن أحمد في جميع ذلك روايتان:

إحداهما ينقض وهو قول الشافعي.

والثانية، لا ينقض إلا إذا كثر وذهب أبو حنيفة إلى أنَّ النوم في حال من أحوال الصلاة لا ينقض، وإن كثر، لاحظ حتى نوم الساجد على ينقض على هذا مع أنَّه أولى الصور بالنقض.

يقول أبو حنيفة: وذهب أبو حنيفة إلى أنَّ النوم في حال من أحوال الصلاة لا ينقض، وإن كثر؛ لما روى ابن عباس أنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يسجد وينام، وينفخ ثم يقوم فيصلي، فقلت له: صليت ولم تتوضأ وقد نمت فقال: «إنَّما الوضوء على من نام مضطجعًا، فإنَّه إذا اضطجع استرخت مفاصله» رواه أبو داود، لكن قال أبو داود: منكر. وقال ابن المنذر: لا يثبت وهو مرسل يرويه قتادة عن أبي العالية، قال شعبة: لم يسمع منه إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها، ثم قال ابن قدامة: فصلٌ، ومن لم يغلب على عقله يعني النوم فلا وضوء عليه؛ لأنَّ النوم لغلبة، لأنَّ النوم يعني مطلق النوم إنما يطلق على غلبة ما يغلب على العقول؛ لأنَّ النوم الغلبة على العقول.

قال بعض أهل اللغة في قوله تعالى: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة:255]، السِّنة ابتداء النعاس في الرأس فإذا وصل إلى القلب صار نومًا، قال الشاعر:

وَسْنَانُ أقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرَنَّقَتْ

 

فِى عَيْنِهِ سِنَةٌ وَلَيْسَ بِنَائِمِ

ولأنَّ الناقض زوال العقل.. ومتى كان العقل ثابتًا، يعني كان في مبادئ النوم عقله ثابت بحيث يسمع ما يدور حوله ويستيقظ بسرعة لأدنى شيء؛ ولأنَّ الناقض زوال العقل ومتى كان العقل ثابتًا وحسه غير زائل مثل من يسمع ما يُقال عنده ويفهمه فلم يوجد سبب النقض في حقه وإن شك هل نام أو لا، أو خطر بباله شيء لا يدري أرؤيا أو حديث نفس فلا وضوء عليه، لماذا؟ لأنَّ طهارته متيقنة، وحدثه مشكوك فيه.

المُقَدِّم: مشكوك فيه.

فيدخل في الجملة في الحديث السابق.

المُقَدِّم: أحسن الله إليكم، لعلنا نستكمل بإذن الله بقية الأحكام وما تبقى في هذا الحديث في حلقة قادمة، أيُّها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإيَّاكم إلى ختام حلقتنا في شرح كتاب" التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، لنا بكم لقاء في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، شكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.