شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب صلاة التراويح وفضل ليلة القدر (عام 1428 هـ) - 21

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين. أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب الصوم، من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، في بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد:

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى- في المختصر: باب فضل ليلة القدر، وقبلها في الأصل: بسم الله الرحمن الرحيم، باب فضل ليلة القدر، وبعض النسخ قالوا: كتاب.

المُقَدِّم: نعم، كتاب فضل ليلة القدر.

نعم، يعني المطبوع معنا في فتح الباري كتاب فضل ليلة القدر، باب فضل ليلة القدر، نعم. يقول: باب فضل ليلة القدر- ابن حجر يقول-:  قوله باب فضل ليلة القدر، كأنَّه ما أثبت الكتاب.

نعم، وأنت عندك في المختصر.

المُقَدِّم: كتاب فضل ليلة القدر، باب التماس ليلة القدر.

يعني اعتمد على المطبوع من البخاري مع الفتح، قال ابن حجر: قَوْله بَابُ فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَة الْقدر} [سورة القدر:1-2] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ قَبْلَ الْبَابِ بَسْمَلَةٌ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَقَوْلِ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- أَيْ وَتَفْسِيرُ قَوْلِ اللَّهِ، وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ السُّورَةَ كُلَّهَا، يعني في رواية كريمة ساق السورة كلها- سورة القدر-. وَمُنَاسَبَةُ ذَلِكَ- يقول-: وقول الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [سورة القدر:1] مناسبة ذلك لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ نُزُولَ الْقُرْآنِ فِي زَمَانٍ بِعَيْنِهِ يَقْتَضِي فَضْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ؛ لأنَّه قال: فضل ليلة القدر، والسورة {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [سورة القدر:1]، مع أنَّ فضل ليلة القدر في السورة لا مجرد إنزال القرآن في ليلة القدر، هذا فيه فضل لهذه الليلة، لكن كونها تعدل أو خيرًا من ألف شهر، هذا تنصيص على فضلها، يعني بالنص لا بالاستنباط.

المُقَدِّم: نعم.

لأنَّه يقول: مُنَاسَبَةُ ذَلِكَ للترجمة مِنْ جِهَةِ أَنَّ نُزُولَ الْقُرْآنِ فِي زَمَانٍ بِعَيْنِهِ يَقْتَضِي فَضْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [سورة القدر:1]، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: {أَنْزَلْنَاهُ} لِلْقُرْآنِ، والمنزِل.

المُقَدِّم: الله- تبارك وتعالى-.

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} [سورة الحجر:9]، وفي تفسير هذه السورة من كتاب التفسير من الصحيح- صحيح البخاري- قال: العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: {أَنْزَلْنَاهُ} لِلْقُرْآنِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقرَان} [سورة البقرة:185]، وَمِمَّا تَضَمَّنَتْهُ السُّورَةُ مِنْ فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ تَنَزُّلُ الْمَلَائِكَةِ فِيهَا، يعني كونها خيرًا من ألف شهر.

المُقَدِّم: ولم ينص عليه؟

نعم، أليس هذا أوضح مما ذكر.

المُقَدِّم: هذا أولى.

هذا أوضح مما ذكر- رحمه الله-. اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْقَدْرِ الَّذِي أُضِيفَتْ إِلَيْهِ اللَّيْلَةُ، فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا قدرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِه} [سورة الزمر:67] يعني ما عظَّموه حق تعظيمه، وَالْمراد أَنَّهَا ذَاتُ قَدْرٍ لِنُزُولِ الْقُرْآنِ فِيهَا، أَوْ لِمَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ تَنَزُّلِ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ لِمَا يَنْزِلُ فِيهَا مِنَ الْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، أَوْ أَنَّ الَّذِي يُحْيِيهَا يَصِيرُ ذَا قَدْرٍ. وَقِيلَ: الْقَدْرُ هُنَا التَّضْيِيقُ، يعني اختلفوا في المراد بِالْقَدْرِ الَّذِي أُضِيفَتْ إِلَيْهِ اللَّيْلَةُ فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ.

المُقَدِّم: {وَمَا قدرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِه} [سورة الزمر:67].

{وَمَا قدرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِه} [سورة الزمر:67]، وَالْمراد أَنَّهَا ذَاتُ قَدْرٍ لِنُزُولِ الْقُرْآنِ فِيهَا، أَوْ لِمَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ تَنَزُّلِ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ لِمَا يَنْزِلُ فِيهَا مِنَ الْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، أَوْ أَنَّ الَّذِي يُحْيِيهَا يَصِيرُ ذَا قَدْرٍ، يعني ذات قدر يعني إذا كانت خيرًا من ألف شهر، ومع ذلك ما نصَّ عليه هنا، يعني ليلة واحدة تعدل ثلاثًا وثمانين سنة، والسبب في ذلك على ما جاء أنَّ أعمار الأمم السابقة تطول.

ويتمكنون من الأعمال الكثيرة في هذه الأعمار، بينما أعمار أمتك على ما جاء في الحديث أُمَّة محمد بين الستين والسبعين، فعُوِّضوا بهذه الليلة، ليلة واحدة عن ثلاث وثمانين سنة.

المُقَدِّم: الله أكبر.

ولا شك أنَّ قدرها وفضلها عظيم، ومن قامها إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأيضًا من حُرِمها حرم الخير كله- نسأل الله العافية-.

أَوْ أَنَّ الَّذِي يُحْيِيهَا يَصِيرُ ذَا قَدْرٍ، وَقِيلَ: الْقَدْرُ هُنَا التَّضْيِيقُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [سورة الطلاق:7]، وَمَعْنَى التَّضْيِيقِ فِيهَا إِخْفَاؤُهَا عَنِ الْعِلْمِ بِتَعْيِينِهَا، كيف هذا التضييق؟ يعني يضيق ذهن المتحري.

المُقَدِّم: فيتحرى العشر كلها، ما يدري هي أي واحدة.

أو يضيق: ينحصر ذهنه، يريد، يحاول، يعتصر، فيضيق عن إدراكها؛ لأنَّها أُخفيت ولم تعيَّن، والمتأمل فيما جاء في ليلة القدر يعرف أنَّ هذا الإخفاء مقصود، وإن كان سببه التلاحي، لكنه مقصود، كإخفاء ساعة الجمعة مثلًا، قد جاء فيها ما جاء، لكن أُخفيت عن العلم بتعيينها. قالوا: أَوْ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَضِيقُ فِيهَا عَنِ الْمَلَائِكَةِ، يعني بوجود الملائكة، {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [سورة القدر:4] فتضيق، لكنه ضيق يُحس به أو لا يُحس به؟

المُقَدِّم: لا يُحس.

يحس الناس أنَّ الأرض ضاقت بهم؟

المُقَدِّم: أبدًا.

نعم، وجود الملائكة، نعم تتنزل، وقد يكون الملائكة يحسون بهذا الضيق؛ لكثرتهم. أمَّا بالنسبة إلى غيرهم فلا يحسون به، وهذا أمر مشاهد. وَقِيلَ: الْقَدْرُ هُنَا بِمَعْنَى الْقَدَرِ الَّذِي هُوَ مُؤَاخِي الْقَضَاءِ، يعني إذا قال القضاء والقدر، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا أَحْكَامُ تِلْكَ السَّنَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [سورة الدخان:4]، فالقول المرجح عند أهل العلم أنَّه ليلة القدر، وإن قال بعض المفسرين إنَّها ليلة النصف من شعبان، وجاء فيها ما جاء، لكن عامة ما جاء فيها ضعيف، فأكثر المفسرين على أنَّها ليلة القدر، وهو الراجح.

يُقَدَّرُ فِيهَا أَحْكَامُ تِلْكَ السَّنَةِ، وَبِهِ صَدَّرَ النَّوَوِيُّ كَلَامَهُ فَقَالَ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِمَا تَكْتُبُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ مِنَ الْأَقْدَارِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [سورة الدخان:4]، وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: إِنَّمَا جَاءَ الْقَدْرُ بِسُكُونِ الدَّالِ- التوربشتي هذا شرح المصابيح مرَّ بنا مرارًا- إِنَّمَا جَاءَ الْقَدْرُ بِسُكُونِ الدَّالِ وَإِنْ كَانَ الشَّائِعُ فِي الْقَدَرِ الَّذِي هُوَ مُؤَاخِي الْقَضَاءِ فَتْحَ الدَّالِ؛ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهِ ذَلِكَ.

المُقَدِّم: يعني يرد القول.

كيف؟

المُقَدِّم: كذا يرد قول من قال.

لا، لا يرده، يقول التُّورِبِشْتِيُّ: إِنَّمَا جَاءَ الْقَدْرُ- لكن يريد أن يوجه على ما يريد-، يقول: إِنَّمَا جَاءَ الْقَدْرُ بسكون الدال، وَإِنْ كَانَ الشَّائِعُ فِي الْقَدَرِ الَّذِي هُوَ مُؤَاخِي الْقَضَاءِ فَتْحَ الدَّالِ.

لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهِ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ تَفْصِيلُ مَا جَرَى بِهِ الْقَضَاءُ، وَإِظْهَارُهُ، وَتَحْدِيدُهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِتَحْصِيلِ مَا يُلْقَى إِلَيْهِمْ فِيهَا مِقْدَارًا بِمِقْدَار.

المُقَدِّم: يوجهه هنا.

نعم، وجهه إلى غير ما يريده النووي وغيره. الحديث يقول: عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ».

راوي الحديث الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب مرَّ ذكره مرارًا، وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب التماس.

المُقَدِّم: ليلة القدر في السبع.

ليلة القدر في السبع الأواخر، باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر. قال ابن حجر: في رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ "الْتَمِسُوا" بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، يعني في الترجمة باب التمسوا ليلة القدر في السبع الأواخر، رواية الكشميهني وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ وَالَّتِي بَعْدَهَا وَهِيَ تَحَرِّي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَعْقُودَتَانِ؛ لِبَيَانِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهَا عَلَى مَذَاهِبَ كَثِيرَةٍ ستُذكر إن شاء الله تعالى، يعني سيأتي ذكر أقوال أهل العلم التي أوصلها ابن حجر في الفتح إلى خمسين قولًا.

المُقَدِّم: مع أنَّ ليالي رمضان ثلاثين.

نعم، الأقوال يتفرع منها أقوال، ويُركَّب من قولين قول، ويُفرد القول الواحد إلى قولين، وهكذا على ما سيأتي.

يقول العيني: أي هذا باب في بيان أن التماس أي طلب ليلة القدر ينبغي أن يكون في السبع الأواخر، وفي رواية الكشميهني: باب التمسوا ليلة القدر بصيغة الأمر، ولفظ: باب، فيه منون تقديره هذا باب يذكر فيه التمسوا. يقول: وههنا ثلاثة أسباع، السبع الأوائل، كيف؟

المُقَدِّم: والسبع الأواسط، والسبع الأواخر.

نعم. وههنا ثلاثة أسباع، السبع الأوائل، في العشر الأول من الشهر، العشر الأول من الشهر فيها سبع.

المُقَدِّم: صحيح.

سبع أوائل، والسبع الأواسط في العشر الثاني.

المُقَدِّم: في العشر الأواسط.

والسبع الأواخر في العشر الأخير منه، واضح؟ يعني كل عشر.

المُقَدِّم: فيها سبع.

فيها سبع، وقول أواخر قد يُفهم منه سبع أوائل ولا يُفهم منه أواسط، لكن لو قال: السبع الأواسط فهمنا أنَّ هناك سبع أوائل وسبع أواخر.

المُقَدِّم: لكن المراد لو قلنا بهذا التقسيم، السبع الأوائل تكون من واحد إلى سبعة، أم من ثلاثة إلى عشرة؟

نعم، من واحد إلى سبعة.

المُقَدِّم: والوسط؟

على ما سيأتي، هذا الكلام فيه كثير، نعم. والسبع الأواخر في العشر الأخير منه، ويكون طلبها في الحادي والعشرين، والثالث والعشرين، والخامس والعشرين، والسابع والعشرين. وجاء «اطلبوها في العشر الأواخر»، فتدخل فيها ليلة التاسع والعشرين. الآن الأواخر والأوائل والأواسط يعني قوله: التمسوها، التماس ليلة القدر في السبع الأواخر، هل المقصود به السبع الأواخر من الشهر، بغض النظر عن أوائله وأواسطه؟ نعم، فإذا قلنا السبع الأواخر من الشهر قلنا هي آخر الشهر، تبدأ من ثلاثة وعشرين إلى آخر الشهر، نعم. وإذا قلنا إنَّ في كل عشر.

سبع، قلنا من أوائله؛ لأنَّ الوصف الأواخر، الآن الوصف هل هو للسبع أو للعشر؟

المُقَدِّم: الظاهر هنا في اللفظ أنَّه للسبع.

«فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ»، نعم، يعني ما قال في السبع الأواخر من الأعشار.

من الأعشار مثلًا، في السبع الأواخر من الأعشار، على كل حال كلام أهل العلم في هذا كثير، يقول: «اطلبوها في العشر الأواخر» فتدخل فيها ليلة التاسع والعشرين. ومطابقة الحديث للترجمة- وهذا للعيني- «فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ»؛ لأنَّ الترجمة باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر، ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: «فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ»، وهذا لا يحتاج إلى كلام، مطابقة حرفية.

«أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-» يقول ابن حجر: لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ. «أُرُوا» بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ قِيلَ لَهُمْ فِي الْمَنَامِ: إِنَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، كذا قال ابن حجر، قيل لهم في المنام إنَّها في السبع الأواخر، الأصل أنَّ الرؤية تتعلق ببصر.

المُقَدِّم: بحادثة تأوَّل.

المقصود أنَّها ليست يعني «أُرُوا» قائلًا أو من يقول لهم إنَّها في السبع، يعني من الكلام، يعني «أُرُوا» من يقول لهم، أو «أُرُوا» علامات تدل على أنَّها في السبع؟

المُقَدِّم: يحتمل هذا وهذا.

ابن حجر يقول: أَيْ قِيلَ لَهُمْ فِي الْمَنَامِ إِنَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، تعقّبه العيني بقوله: هذا التفسير ليس بصحيح؛ لأنَّه يقتضي أنَّ ناسًا قالوا لهم إنَّ ليلة القدر في السبع الأواخر، وليس هذا تفسير قوله: «أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ»، بل تفسيره أنَّ ناسًا أروهم إياها فـ «أُرُوا» على تفسير هذا القائل أخبروا بأنَّها في السبع الأواخر، ولا يستلزم هذا رؤيتهم. يعني الرؤية أعم من أن تكون بما يُشاهَد، أو يُسمَع، نظير ذلك حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه في الأذان، رأى في المنام شخصًا معه ناقوس.

المُقَدِّم: فلقَّنه الأذان.

فقال: أتبيع الناقوس يا عبد الله، قال: ما تصنع به؟ قال: ندعو به إلى الصلاة، قال: ألا أدلك على خير منه، تقول: الله أكبر الله أكبر، إلى آخره. فرأى في هذه الرؤية المنامية رأى بعينه وسمع بأذنه، ولا يمنع أن يكون اجتمع الأمران في هذا، فالأمر أعم مما قاله ابن حجر إنَّه قيل لهم في المنام إنَّها في السبع الأواخر.

المُقَدِّم: لكن هل يُتخيل أنَّ يُقال لهم دون رؤية، ما الذي يجعل العيني يُعارض كلام ابن حجر؟

يقول: يمكن رأوا علامات بأبصارهم، الرؤيا، رأوا علامات ليلة القدر.

المُقَدِّم: وابن حجر يقول: رأوا في المنام من يقول لهم.

من يقول، كلام، ترى ليلة القدر في السبع الأواخر وانتهت الرؤيا على هذا، نعم، جاء من يقول لفلان وفلان وفلان وفلان بحيث تواطأت رؤياهم من يقول لهم.

المُقَدِّم: نفس الكلام.

نفس الكلام، وهذا موجود، يعني له شواهد في الواقع، نعم، يأتي من يأتي بالرؤيا من يقول لفلان ويا فلان وإذا اجتمعوا صدَّق بعضهم بعضًا، وعمر أيضًا صدَّق عبد الله بن زيد في رؤياه في الأذان ولا هناك ما يمنع من هذا، ولكن اللفظ أعم من أن يُفسّر بالقول. يقول القسطلاني: «أُرُوا» بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول تنصب مفعولين، أحدهما النائب عن الفاعل، والأخر قوله: «لَيْلَةَ الْقَدْرِ» أي أراهم الله ليلة القدر؛ لأنَّ «أُرُوا» مبني للمجهول، وقد يكون الباعث للبناء الجهل بمن أراهم، نعم؛ لأنَّ الدوافع التي تدفع إلى بناء الفعل للمجهول كثيرة، منها الجهل به، ومنها العلم به، فقد يُحذف وهو معلوم، {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [سورة النساء:28]، نعم، والخالق هو الله- جلَّ وعلا-، والقسطلاني يقول: أراهم الله ليلة القدر، فـ «أُرُوا» بُني للمجهول للعلم بالفاعل مثل {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [سورة النساء:28]، وقد يُبنى الفعل للمجهول للجهل بالفاعل، كما في قولهم: سُرِقَ المتاع، يعني هؤلاء أراهم من أراهم من ليلة القدر من لا يعرفونه فبُني الفعل للمجهول.

قال ابن حجر: وَالظَّاهِرُ أَنَّ المُرَاد بِهِ أَواخر الشَّهْر، السبع الأواخر، الأواخر وصف للسبع، فيكون من ثلاث وعشرين إلى أخره، هذا على حسب تمام الشهر ونقصانه، أنَّ المراد به أواخر الشهر وَقيل: المُرَاد بِهِ السَّبع التي أَوَّلُهَا لَيْلَةُ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ وَآخِرُهَا لَيْلَةُ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ، ما الداعي إلى مثل هذا؟

المُقَدِّم: أسقط تسعًا وعشرين، وليلة ثلاثين.

وليلة واحد وعشرين أهم.

المُقَدِّم: نعم.

التي جاء فيها النص، لماذا قال: السبع الأواخر تبدأ من ليلة الثاني والعشرين وتنتهي بليلة ثمانٍ وعشرين؟ دقيقة، لماذا؟ لأنَّك إذا قسّمت ثمانيًا وعشرين على سبع تكون أربعًا، من واحد إلى سبعة السبع الأول، من ثمانية إلى خمسة عشر

المُقَدِّم: السبعة الثانية.

السبعة الثانية، إلى واحد وعشرين.

المُقَدِّم: السبعة الثالثة.

من خمسة عشر إلى واحد وعشرين السبعة الثالثة، من اثنين وعشرين إلى ثمانٍ وعشرين.

المُقَدِّم: السبعة الرابعة.

يعني هذا القول الذي يقرأه من أول وهلة يستغرب.

المُقَدِّم: يستغرب.

يعني يبدأ من شفع وينتهي بشفع، ويهمل آخر ليلة التي هي من أرجى الليالي، ويهمل ليلة واحد وعشرين التي جاء فيها «رأيت أني أسجد في ماء وطين»، لكن هذا السبب.

المُقَدِّم: جيد.

فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَدْخُلُ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَا ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، إذا قلنا إنَّها المراد بها أواخر الشهر، يعني تبدأ من ليلة أربع وعشرين إلى ليلة الثلاثين هذه السبع الأواخر، وَعَلَى الثَّانِي تَدْخُلُ الثَّانِيَةُ التي هي ليلة ثلاث وعشرين، وَلَا تَدْخُلُ لَيْلَةُ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ، نعم. وعلى كل حال الظاهر من اللفظ أنَّها السبعة الأخيرة من الشهر.

«لَيْلَة الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ» الرؤيا كما هو معلوم لا يثبت بها حكم شرعي كما هو مقرر عند عامة أهل العلم، الرؤيا لا يثبت بها حكم شرعي كما هو معلوم وإلا فُتِح المجال لكل من أراد أن يشرع أن يقول رأيت، واكتساب هذه الرؤيا الشرعية من إقرار النبي- عليه الصلاة والسلام- يعني نظير إقراره- عليه الصلاة والسلام- لرؤيا عبد الله بن زيد في المنام، هذه اكتسبت الشرعية من هنا، وإلا فمن يصحح الأحاديث، النبي- عليه الصلاة والسلام- إذا رؤي في المنام الشيطان لا يتمثل به، «من رآني في المنام فقد رآني»، وبعض المتصوفة يزعم أنَّه يرى النبي- عليه الصلاة والسلام-، ويقرر له بعض الأحكام، ويرجّح له بعض المسائل ، ويصحّح له ويضعّف الأحاديث، فكون الشيطان لا يتمثل به هذا الذي رأى هو الرسول- عليه الصلاة والسلام- فلماذا لا يُؤخذ بقوله؟ يعني لنفترض أنَّ زيدًا من الناس ثقة من أوثق الناس، ومن أصلحهم، ومتبع للسُّنَّة ورأى النبي- عليه الصلاة والسلام- يقول: صم هذا اليوم، يصوم أم ما يصوم؟

المُقَدِّم: لا.

لا يصوم.

المُقَدِّم: العبادات انتهت.

نعم، انتهت بوفاته، لكن الشيطان لا يتمثل به، وهذا هو الرسول الذي قال هذا الكلام، ليس الشك في رؤية النبي- عليه الصلاة والسلام-، ولا في كلامه، وإنَّما الوهم والضعف جاء من المتحمل؛ لأنَّ النائم ليست لديه أهلية للتحمل، أهليته ليست كاملة، يعني إذا كان تحمل الغافل وهو يقظان.

المُقَدِّم: ما تُقبل.

ما تُقبل، فكيف بالنائم؟ فالخلل يأتي من عدم أهلية الرائي للتحمل؛ ولذلك تجده يقص هذه الرؤية في أول الأمر على وجه.

المُقَدِّم: وبعد أسبوع.

وبعد ساعة، ومازالت ثم يقصها ينسى بعضها، فلذلك ليس بالأهلية؛ ولذلك يرد على كل من يأتي بحكم شرعي أو يصحّح أحاديث، أو يرى يقول النبي- عليه الصلاة والسلام- يقول هذا الكلام، ليس بصحيح.

المُقَدِّم: أحسن الله إليك.

لأنَّ هذا يفتح باب خلل كبير في التشريع، والتشريع انتهى بوفاته- عليه الصلاة والسلام-.

المُقَدِّم: أحسن الله إليكم، نستكمل بإذن الله ما تبقى من هذا الحديث في حلقة قادمة. أيُّها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإيَّاكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب الصوم، من كتاب التجريد الصريح، نستكمل في الحلقة القادمة وأنتم على خير شكرًا لطيب المتابعة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.