شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (302)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

في البداية نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.       

المقدم: في حديث أبي قتادة –رضي الله عنه- توقفنا عند قوله: «وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه» نبدأ بهذه اللفظة، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

في قوله –عليه الصلاة والسلام-: «وإذا أتى الخلاء» قالوا: الخلاء ممدود المتوضأ، ويُطلق على الفضاء أيضًا، قاله العيني. وقال ابن حجر: «وإذا أتى الخلاء» أي: فبال، كما فسرته الرواية التي بعدها، قال: «إذا بال أحدكم» في الرواية التي بعدها.

المقدم: مائة وأربعة وخمسين في الأصل.

في الأصل نعم.

المقدم: وفيها ذكر التنفس في الإناء أيضًا؟

نعم فيها، لكن الجمل غير مرتبة على الترتيب حديث الباب، «إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه، ولا يستنجي بيمينه، ولا يتنفس في الإناء».

المقدم: وأيضًا عن أبي قتادة.

نعم هو حديث واحد، «فلا يمس» من مسست الشيء بالكسر، أمس مسًا ومسيسًا ومِسِّيسًا، مثال وخِصّيصا، هذه اللغة هي اللغة الفصحى. وحكا أبو عبيدة: مسسته بالفتح، أمسه بالضم وربما قالوا: أمست الشيء يحذفون منه السين الأولى، ويحولون كسرتها إلى الميم أمِست، ومنه من لا يحول أمَست، ويترك الميم على حالها مفتوحة، وهو مثل قوله تعالى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة:65]، بكسر الظاء، فظِلتُم؛ لأنه حُذفت اللام الأولى ونُقِلت كسرتها إلى الظاء؛ لأنه مثل ما عندنا يحذفون السين الأولى أمست، أمِست ويحولون كسرتها إلى الميم، أمِستُ. ومنهم من لا يحول ويترك الميم على حالها مفتوحة أمَست، وهو مثل قوله: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} بكسر الظاء وتفتح، {فَظَلْتُمْ} وأصله فظللتم، وهو بشواذ التخفيف، ويجوز فيه ثلاثة أوجه من حيث القاعدة فتح السين لخفة الفتحة وكسرها؛ لأن الساكن إذا حُرِّك حُرك بالكسر وفك الإدغام على ما عُرف في موضعه، قال ذلك العيني.

يقول: «وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره» يعني: وكذا دبره، يعني: الذكر.

المقدم: من باب أولى يكون الدبر، إذا نُهي عن مس الذكر من باب أولى الدبر.

الفقهاء يقولون: إذا كان السترة لا تكفي الفرجين فالدبر، يعني: يُستر الدبر، وإن كان في الصلاة، وإن كان تعليلهم أن الدبر يبرز أكثر من القبل، لكن لاشك أن السوءتين كلاهما فاحش وقبيح إظهاره.

«بيمينه» حالة البول، والفاء في «فلا» جواب الشرك كهي في السابقة، قاله القسطلاني. قال ابن بطال: قوله: «لا يمس ذكره بيمينه» فهو في معنى النهي عن الاستنجاء باليمين؛ لأن القبل والدبر عورة وموضع الأذى، وهذا إذا كان في الخلاء، وأما على الإطلاق يعني عند البول والغائط هذا واضح، وأما على الإطلاق يعني من غير قضاء حاجة، من غير استنجاء، وأما على الإطلاق فعلى ما روي عن عثمان أنه قال: ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فهذا دليل على إكرام اليمين وإجلال النبي –صلى الله عليه وسلم- في مباشرته، وهذا كله عند الفقهاء نهي أدب.

يقول المهلب: وفيه فضل الميامن، وقد قال علي –رضي الله عنه-: يميني لوجهي، يعني: للأكل وغيره، وشمالي لحاجتي.

يقول الخطابي في أعلام الحديث؛ لأن له كلامًا في أعلام الحديث وله كلام في معالم السنن، قلنا: إن أعلام الحديث يسميه كثير من الشراح أعلام السنن، وله كلام أيضًا في معالم السنن على سنن أبي داود ننقله إن شاء الله؛ لأن فيه اعتراضًا عليه، يقول الخطابي في أعلام الحديث: ونهيه عن مس الذكر بيمينه تنزيه لها عن مباشرة العضو الذي يكون منه الأذى والحدث، وكان –صلى الله عليه وسلم- يجعل يمناه لطعامه وشرابه ولباسه ويسراه لخدمة أسافل بدنه، يعني: اليمنى لأعالي البدن، واليسرى لأسافل البدن، فهل هذا مطرد؟

المقدم: ما هو مطرد.

كيف؟ يعني لو حك.

المقدم: لو لبس الشراب أو قصده  فقط المس.

الكلام في المس والاستعمال عمومًا.

المقدم: لبس الخفين لا يمكن أن يستخدم فيها اليسار فقط وفيها مس.

طيب، لو أراد أن يحك إبطه.

المقدم: الأيمن لابد بالأيسر، الأيمن بالأيسر والأيسر بالأيمن، لا يتحقق إلا هذا.

لكن لو تحقق أنه يحق باليد اليسار أو باليد اليمين فقط، إذا قلنا: إن عالي البدن باليمين، قلنا: يحك الإبطين باليمين، وإذا قلنا: إن المسألة مسألة ما يستقذر يكون لليسار، وما يستطاب يكون باليمين، بغض النظر عن كونه أعلى أو أسفل، ويسراه لخدمة أسافل بدنه، وكذلك الأمر في النهي عن الاستنجاء باليمين إنما هو تنزيه وصيانة لقذرها عن مباشرة ذلك الفعل، وإذا كان مس الذكر باليمين منهيًّا عنه والاستنجاء بها منهيًّا عنه، كذلك فقد يحتاج البائل في بعض الأحوال أن يتأنى لمعالجة ذلك، وأن يرفق فيه، وذلك إن لم يجد إلا حجرًا ضخمًا لا يزول عن المكان إذا اعتمده أو لم يجد إلا جذم حائطٍ أو نحوه فيحتاج إلى أن يلصق مقعدته بالأرض ويمسك الممسوح به بين عقبيه، ويتناول عضوه بشماله فيمسحه به وينزه يمينه ليخرج به عن النهي في الوجهين معًا، كيف يستنجي؟ هل يمسك الحجر باليمين والذكر بالشمال؟ إذا أمسك الحجر باليمين صح أنه استنجى باليمين، فماذا يصنع؟

يقول: وفيه إن لم يجد إلا حجرًا ضخمًا لا يزول عن المكان إذا اعتمده أو لم يجد إلا جذم حائط أو نحوه فيحتاج إلى أن يلصق مقعدته بالأرض ويمسك الممسوح به بين عقبيه –بين رجليه- الممسوح به سواء كان حجر أو نحوه منديل أو خشبة يُستنجى بها أن نحو ذلك، ويمسك الممسوح به بين عقبيه ويتناول عضوه بشماله فيمسحه به وينزه يمينه ليخرج به عن النهي في الوجهين معًا.

يقول في معالم السنن: إنما كُره مس الذكر باليمين تنزيهًا لها عن مباشرة العضو الذي يكون منه الأذى والحدث، وكان –صلى الله عليه وسلم- يجعل يمناه لطعامه وشرابه ولباسه، ويسراه لما عداها من مهنة البدن.

وقد تعرض هاهنا شبهة، يقول: وقد تعرض هاهنا شبهة، ويشكل فيه مسألة، فيقال: قد نُهي عن الاستنجاء باليمين، ونُهي عن مس الذكر باليمين، فكيف يعمل إذا أراد الاستنجاء من البول؟ فإنه إن أمسك ذكره بشماله احتاج أن يستنجي بيمينه، وإن أمسكه بيمينه يقع الاستنجاء بشماله فقد يقع في النهي، يقول: فالجواب: أن الصواب في مثل هذا: أن يتوخى الاستنجاء بالحجر الضخم الذي لا يزول عن مكانه بأدنى حركة تصيبه أو بالجدار أو بالموضع الناتئ من وجه الأرض أو بنحوها من الأشياء، فإن أدته الضرورة إلى الاستنجاء بالحجارة ونحوها فالوجه أن يتأنى لذلك بأن يلصق مقعدته إلى الأرض ويمسك الممسوح بين عقبيه ويتناول عضوه بشماله فيمسحه به وينزه عنه يمينه، هل هذا متيسر لكل أحد وفيه مشقة؟! ولذلك سيأتي انتقاده.

ثم قال الخطابي في معالم السنن: وسمعت ابن أبي هريرة – فقيه من فقهاء الشافعية، معروف له اختيارات في مذهبهم- يقول: حضرت مجلس المحامل، وقد حضر شيخ من أهل أصفهان نبيل الهيئة، قدم أيام الموسم حاجًّا فأقبلت عليه وسألته عن مسألة من الطهارة، فضجر وقال: مثلي يُسأل عن مسائل الطهارة؟ فقلت: لا، إن سألتك إلا عن الاستنجاء نفسه.

المقدم: أشد.

أشد مسائل الطهارة، وألقيت عليه هذه المسألة فبقي متحيرًا لا يُحسن الخروج منها إلى أن فهمته.

يقول ابن حجر: «ولا يتمسح بيمينه» أي: لا يستنجي.

وقد أثار الخطّابي هاهنا بحثًا، يريد أن يناقش الخطابي في كلامه السابق، وقد أثار الخطابي هاهنا بحثًا وبالغ في التبجح به، وحكا عن علي بن أبي هريرة أنه ناظر رجلاً من الفقهاء الخراسانيين فسأله عن هذه المسألة فأعياه جوبها، ثم أجاب الخطابي عنه بجواب فيه نظر.

ومُحصَّل الإيراد: أن المستجمر متى استجمر بيساره مس ذكره بيمينه ومتى أمسكه بيساره استلزم استجماره بيمينه، وكلاهما قد شمله النهي، ومُحصَّل الجواب –يعني على رأي الخطابي تلخيص لكلام الخطابي من قبل ابن حجر- أن يقصد الأشياء الضخمة التي لا تزول بحركة كالجدار ونحوه من الأشياء البارزة، ويستجمر بها بيساره، فإن لم يجد فليلصق مقعدته بالأرض ويمسك ما يستجمر به بين عقبيه وإبهامي رجليه ويستجمر بيساره، فلا يكون متصرفًا في شيء من ذلك بيمينه، انتهى.

وهذه هيئة مُنكرَة، يقول ابن حجر: وهذه هيئة منكرة بل يتعذر فعلها في غالب الأوقات.

وقد تعقبه الطيبي بأن النهي عن الاستجمار باليمين مختص بالدبر، والنهي عن المس مختص بالذكر، فبطل الإيراد من أصله، تعقب الطيبي، الطيبي تعقب الخطابي وقال: النهي عن الاستجمار باليمين مختص بالدبر، والنهي عن المس مختص بالذكر فبطل الإيراد من أصله.

المقدم: تسمح يا شيخ بسؤال؟

تفضل.

المقدم: نحن نعلم لاشك أن هذه التعاليم الشرعية جاءت بها النصوص، والإسلام ليس فيه يسير ولا فيه كثير كما يقول البعض، بل جاءت النصوص في تعليم المسلم كل شيء، لكن ألا يقال بأن ما يتعرض له الفقهاء خصوصًا في هذه الدقائق فيه التكلف، جاءت النصوص وأطلقت هكذا، والأصل أن الإنسان أعرف بحاجته، يعرف مسائل، دعنا نقول: المسائل المنهي عنها؛ ولذلك أكثر العلماء حتى من المتأخرين ممن نعرف شروحاتهم من أمثال سماحة الشيخ، إذا جاءت مثل هذه الدقائق الإنسان أعرف بحاله، عليه أن يلتزم بالسنة، ألا يمكن أن يقال: هذا تكلف من بعضهم –رحمهم الله-؟

نعم، لكن أنت إذا نظرت في حديث الباب لابد أن يقع الإنسان في حرج ما لم تُفصل له وتُوضح؛ لأنه إما أن يمسك ذكره بيمينه ويستنجي بيساره أو يمسك ذكره بيساره ويستنجي بيمينه، هذا وجه الإشكال.

المقدم: نعم، لاشك فيه إشكال، لكن أقصد.

لابد من حله، والكلام الذي نقوله ليس موجهًا لعامة الناس، لاشك أن المُخاطب به طلاب العلم، وترد عليهم مثل هذه المشكلات، فإذا سمع في كلام النووي أو في كلام الخطابي ما فيه حرج، يسمع الجواب عنه من كلام الحافظ ومن غيره.

الطيبي تعقب الخطابي بأن النهي عن الاستجمار باليمين مختص بالدبر، والنهي عن المس مختص بالذكر فبطل الإيراد من أصله، لكن الحديث فيه تخصيص؟

قد يقول قائل: النهي عن المس مختص بالذكر؛ لأنه جاء التنصيص عن الذكر، مع أن الدبر فيما تقدم في حكمه، فإذا مُنع من مس الذكر باليمين، فيمنع أيضًا مس الدبر وفي حكمه فرج المرأة، الحكم واحد، لأن العلة تشمل الجميع؛ وأما بالنسبة للاستجمار واختصاصه بالدبر، معنى هذا: أنه يجوز أن يستجمر الإنسان بيمينه بالنسبة للذكر، وهل يقول بهذا أحد؟ هذا الكلام ليس بصحيح.

يقول ابن حجر: كذا قال، وما ادعاه من تخصيص الاستنجاء بالدبر مردود، والمس وإن كان مختصًا بالذكر لكن يُلحق به الدبر قياسًا، والتنصيص على الذكر لا مفهوم له، بل فرج المرأة كذلك، وإنما خُصَّ الذكر بالذكر لكون الرجال في الغالب هم المخاطبون، والنساء شقائق الرجال في الأحكام إلا ما خُصَّ.

يقول ابن حجر: والصواب في الصورة التي أوردها الخطابي ما قاله إمام الحرمين ومن بعده كالغزالي في الوسيط والبغوي في التهذيب أن يمر العضو بيساره على شيء يمسكه بيمينه، وهي قارة غير متحركة، يعني: إذا حرك الحجر بيمينه استنجى باليمين، لكن إذا كان الحجر قارًّا بيمينه وأمر الذكر بيساره عليه، فإن هذا لا يُسمى استجمارًا باليمين، يقول: أن يمر العضو بيساره على شيء يمسكه بيمينه وهي قارة غير متحركة، فليس يُعد مستجمرًا باليمين ولا ماسًا بها، ومن ادعى أنه في هذه الحالة يكون مستجمرًا بيمينه فقد غلط، وإنما هو كمن صب بيمينه الماء على يساره حال الاستنجاء، كمن صب بيمينه الماء على يساره حال الاستنجاء، هذا ظاهر.

وتعقب العيني ابن حجر بقوله: دعواه بأن هذه هيئة منكرة، يعني التي شرحها الخطابي، ابن حجر يقول: هذه هيئة منكرة، العيني تعقبه بقوله: دعواه بأن هذه هيئة منكرة فاسد؛ لأن الاستجمار بالجدار ونحوه غير بشع، وهذا ظاهر، وتصويبه: ما قاله هؤلاء، يعني: إمام الحرمين والغزالي والبغوي، وتصويب ما قاله هؤلاء: إنما يمشي باستجمار الذكر، وأما في الدبر فلا على ما لا يخفى.

خُلف الدبر لا يحتاج إلى يمين أصلًا.

المقدم: لن يمسك شيئًا.

ثابتة، يحتاج إلى اليمين في الاستنجاء للذكر؛ لأنه لابد من إمساكه باليسار وإمساك ما يُستنجى به باليمين؛ أما بالنسبة للدبر لا يحتاج إلى اليمين أصلًا، فتعقب العيني ليس في مكانه.

أجاب ابن حجر في الانتقاض بقوله: لم ينكر الشارح الاستجمار بالجدار، وإنما أنكر الهيئة المذكورة بعده، واعتراضه على الهيئة التي ذكرها الغزالي وغيره بأنها لا تتمشى في استجمار الدبر لا يرد عليهم؛ لأنهم إنما فرضوها في الذكر كما فرضها الخطابي، والهيئة التي ذكروها لا إيراد عليها، وأما الدبر فلا يتأتى معه الملازمة المذكورة، إذ لا تحتاج عند الاستجمار إلى إمساكٍ بيمين ولا يسار، بل يستجمر بيده اليسرى فقط، لماذا؟ لأن الدبر ثابت، والذكر متحرك.

ويصب الماء بيمينه من آلة كالإبريق أو غيرها، فينبغي للناظر في كلام الشارح والمعترض أن يتصف بصفة المنصف أن يفصح بالحق ويذكر المصيب من هذين وأي الفريقين أهدى سبيلًا.

في شرح ابن بطال يقول: أما الاستنجاء باليمين فمذهب مالك وأكثر الفقهاء أن من فعل ذلك فبئس ما فعل، الاستنجاء باليمين، مذهب مالك وأكثر الفقهاء أن من فعل ذلك فبئس ما فعل ولا شيء عليه.

وقال بعض أصحاب الشافعي وأهل الظاهر: لا يجزئه الاستنجاء بيمينه لمطابقته النهي، والصواب في ذلك: قول الجمهور؛ لأن النهي عن الاستنجاء باليمين من باب الأدب، كما أن النهي عن الأكل بالشمال من باب أدب الأكل، فمن أكل بشماله فقد عصى الله، يعني: وأثم، ولا يحرم عليه طعامه بذلك، الطعام حلال، لكن الأكل بالشمال معصية، كما أن النهي عن الأكل بالشمال من باب أدب الأكل فمن أكل بشماله فقد عصى، ولا يحرم عليه طعامه بذلك، وكذلك من استنجى بيمينه أو أزال الغائط فقد خالف النهي ولا يقدح ذلك في وضوئه ولا صلاته ولم يأتِ حرامًا.

على كل حال: الجمهور على أنه للكراهة، وقيل بتحريمه.

النووي في شرح مسلم يقول: قوله "ألا يستنجي باليمين" هو من أدب الاستنجاء، وقد أجمع العلماء على أنه منهي عن الاستنجاء باليمين، ثم الجماهير على أنه نهي تنزيه وأدب لا نهي تحريم، وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام، وأشار إلى تحريمه جماعة من أصحابنا، الكلام الطويل في هذه المسائل، وأنت أشرت إلى أن التفصيل في مثل هذه الأمور قد ينافي ما عليه الشرع من يسر وسهولة، وهذا تشديد وكذا، أنا أقول: مثل هذا يقابل به تساهلًا بعض المسلمين مع الأسف، وأن الذي لا يستبرئ ولا يستنزه من بوله جُعل أحد السببين في عذاب القبر، فعلى الإنسان أن يحتاط لذلك، ولو لم يصل إلى حد المشقة والعنت، إنما عليه الاحتياط.

يقول: ثم الجماهير على أنه نهي تنزيه وأدب لا نهي تحريم، وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام، يعني يمكن أن يثار مثل هذا الموضع مثلًا الشطاف هل هو مثل الحجر يُسمك باليمين ويحرك الذكر بالشمال، أم أنه يمسك الشطاف بالشمال ويُصب الماء على الذكر من غير استعمال لليمين؟ إذا قلنا بأن مجرد إمساك الحجر أو صب الماء باليمين لا يُعتبر استجمارًا باليمين، قلنا مثل هذا في هذا.

قال: وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام وأشار إلى تحريمه جماعة من أصحابنا، ولا تعويل على إشارتهم، قال أصحابنا: ويستحب ألا يستعين باليد اليمنى في شيء من أمور الاستنجاء، إلا لعذرٍ، فإذا استنجى بماءٍ صبه باليمنى ومسح باليسرى، وإذا استنجى بحجر، فإن كان في الدبر مسح بيساره، وإن كان في القبل وأمكنه وضع الحجر على الأرض أو بين قدميه بحيث يتأتى مسحه أمسك الذكر بيساره ومسحه على الحجر، فإن لم يمكنه ذلك واضطر إلى حمل الحجر بيمينه وأمسك الذكر بيساره ومسح بها ولا يحرك اليمنى هذا هو الصواب.

وقال بعض أصحابنا: يأخذ الذكر بيمينه والحجر بيساره، ويمسح ويحرك اليسرى، لكن هذا ليس بصحيح؛ لأنه يمس الذكر بيمينه لغير ضرورة، وقد نُهي عنه، والله أعلم.

يعني مجرد مس الذكر باليمين منهي عنه، ولو في غير حالة الاستنجاء، وسيأتي في الموضع الثاني في قول ترجمة الإمام البخاري: باب لا يُمسِك ذكره بيمينه إذا بال.

المقدم: في الأطراف.

في الطرف الثاني نعم، وفيه كلام لأهل العلم كثير.

المقدم: نرجئه للحلقة القادمة إن شاء الله، لكن في موضعين فقط أكدنا على أن لا هنا ناهية، وبالتالي الفعل مجزوم، يتنفس يتمسح.

وجاءت النافية.

المقدم: في لفظ.

في رواية، نعم.

المقدم: لكن أيضًا «فلا يمس» جاء فتح السين هنا على أساس أن أصلها يمسس.

نعم بلا شك، يعني الحرف المضغم المشدد هو عبارة عن حرفين أولهما ساكن والثاني متحرك، أولهما ساكن، فإذا سكّنّا.

المقدم: التقى ساكنان.

التقى ساكنان، فيحرك الثاني لالتقاء الساكنين.

المقدم: ومسَّ قلنا فعلها المضارع.

مسست.

المقدم: ويمَس أو يمِس.

يَمَسُّ.

المقدم: يَمَسُّ.

نعم.

المقدم: لماذا قلنا: مسست، مع أن فعلها المضارع يَمَسُّ.

هذا الأصل، لا، الأفعال الأوزان الستة، يعني ضَرَب، عندك فَهِم، ماذا تقول بمضارعها؟

المقدم: يَفْهَم.

خلاص.

المقدم: وفهمت.

فَهِم يفهم؛ لأن الموازين الصرفية للأفعال ستة، في باب ضرب، في باب فهم، ضرب يضرب، نصر ينصر.

المقدم: لكن مس هي مسس، هذا الأصل.

نعم هذا الأصل.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة، حلقتنا القادمة سنبدأ في الحديث عن أطراف هذا الحديث بإذن الله.

شكرًا لطيب المتابعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.