شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1427 هـ) - 01

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

 

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا ومرحبًا بكم إلى شرح كتاب الصيام من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير. فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الأخوة المستمعين.

المقدم: "قال المصنف -رحمه الله-: عن عائشة –رضي الله عنها- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد،

 فراوية الحديث أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديقة بنت الصديق، تقدم ذكرها مرارًا، والحديث ترجم عليه الإمام البخاري –رحمه الله- بقوله: باب من مات وعليه صوم. كذا قال: باب من مات وعليه صوم. فقط من دون جواب للشرط إن كانت شرطية، وكثيرًا ما يذكر البخاري في تراجمه في مثل هذا؛ ليحيل القارئ إلى ما تحت الترجمة، والخبر الذي يريده يحدد.

المقدم: هذا مضطرد.

كثيرًا عنده؛ لأنه أحيانًا..

المقدم: أحيانًا لا يتبين له الحكم.

أحيانًا يسوق الترجمة على هيئة التردد، فيأتي بعده استفهام.

المقدم: إنما يجزم بالحكم....

نعم.

المقدم: مر معنا في باب الحجامة والقيء للصائم.

نعم.

المقدم: يعني أتى به بدون حكم مع أنه..

مثله من مات وعليه صوم.

المقدم: لا إله إلا الله.

أحيانًا يتردد ويصوغه بصيغة الاستفهام، وأحيانًا يأتي به كما هنا من غير بيان للحكم، لكن يؤخذ الحكم مما أردف به الترجمة من كلام للسلف من صحابي أو تابعي، لذلك قال بعد الترجمة: وقال الحسن: إن صام عنه ثلاثون رجلًا يومًا واحدًا جاز. يعني عليه رمضان كامل، فقيل لثلاثين رجلًا: صوموه.

المقدم: ولو اتفقوا في يوم واحد.

في يوم واحد، ويرد هنا ما في البدل، وأن له حكم المبدل، المبدل لا يمكن أن يكون له مثل هذا، والقاعدة أن البدل له حكم المبدل، وهذا كلام الحسن، وسيأتي ما فيه لأهل العلم، قل مثل هذا فيمن أناب عنه شخصين؛ ليحجا عنه في سنة واحدة، منهم من يقول: حكم البدل ... ومنهم الأكثر...؛ لأنه ممكن أن يتصور، ولا مانع منه، كما قال الحسن في هذه المسألة مع التفصيل، لكن الذي لا يمكن أن يتصور أن يحج الشخص حجتين في سنة واحدة، يتصور أم ما يتصور؟

المقدم: ما يتصور.

لماذا لا يتصور؟ لأنه قد يقول قائل: إنه بإمكانه أن ينصرف من مزدلفة بعد منتصف الليل.

المقدم: ويرجع إلى عرفة.

ثم يرمي، يرمي ويحلق ويلبس ثيابه ثم يحرم للحجة الثانية ويرجع إلى عرفة، ممكن أم غير ممكن؟

المقدم: ممكن.

نعم، لكن هذا من حيث الإمكان العقلي، وأما الشرعي فلا، لماذا؟ لأنه لا يجوز أن يحرم بنسك والنسك السابق باقٍ عليه من أعماله شيء، بقي من أعمال الحج أشياء كثيرة فلا يتلبس بحجة أخرى مع أنه مطالب بما بقي من حجته الأولى.

 وقال الحسن: وإن صام عنه ثلاثون رجلًا يومًا واحدًا جاز، قال ابن حجر: قوله: باب من مات وعليه صوم أي هل يشرع قضاؤه عنه أم لا؟ وإذا شرع هل يختص بصيام دون صيام؟ أو يعم كل صيام؟ وهل يتعين الصوم أو يجزئ الإطعام؟ وهل يختص الولي بذلك، أو يصح منه ومن غيره؟ والخلاف في ذلك مشهور للعلماء كما سيبين -إن شاء الله تعالى-.

الآن كم يتعلق بالترجمة من مسألة؟ قال: من مات وعليه صوم، أي هل يشرع قضاؤه أم لا؟ وإذا شرع هل يختص بصيام دون صيام؟ أو يعم كل صيام؟ وهل يتعين الصوم أو يجزئ الإطعام؟ وهل يختص الولي بذلك أو يصح منه ومن غيره؟ وفي كل من هذه المسائل خلاف.

 يقول العيني: أي هذا باب في بيان حكم الشخص الذي مات والحال أن عليه صومًا ولم يعين الحكم (يعني لم يجزم بشيء الإمام البخاري في الترجمة)؛ لاختلاف العلماء فيه، ويجوز أن تكون مَن شرطية، وجواب الشرط محذوف، والتقدير: يجوز قضاؤه عنه عند من يُجَوِّز ذلك من الفقهاء على ما يجيء. وهذا الأثر عن الحسن البصري مما يبين مراده من الترجمة المبهمة. مادام صدَّر الكلام بعد الترجمة للأثر عن الحسن، وكلامه واضح في الجواب منصوص عليه، فدل على أنه يستروح ويميل إلى الجواز.

 قال: ووجه مطابقته لها أيضًا من حيث إنه بيان لما جاء مبهمًا في الترجمة. يعني والخبر موصول عند الدارقطني في كتاب الذبح من طريق عبد الله بن المبارك عن سعيد بن عامر عن أشعث عن الحسن فيمن مات وعليه صوم ثلاثين يومًا، فجُمع له ثلاثون رجلًا وصاموا عنه يومًا واحدًا أجزأ عنه. يقول النووي في شرحه المهذب: هذه المسألة لم أرَ فيها نقلًا في المذهب، وقياس المذهبِ الإجزاء. كيف قياس المذهب الإجزاء، وسيأتي في مذهب الإمام الشافعي أن الجديد: لا يُصام عنه؟

المقدم: الجديد؟

نعم، الشافعي له القول القديم والجديد، ومعلوم أن المفتى به عندهم الجديد إلا في سبع عشرة مسألة يفتى بها على القديم، ذكرها النووي في مقدمة شرح المهذب، وذكرها غيره نظمًا. يقول: لم أرَ فيها نقلًا من المذهب، وقياس المذهب الإجزاء.

قلتُ: -هذا كلام ابن حجر- قال ابن حجر: لكن الجواز مقيد بصوم لم يجب فيه التتابع؛ لفقد التتابع بالصورة المذكورة.

ما معنى كلام ابن حجر؟ يعني شخص عليه صوم ثلاثين يوم، فأحضر له ثلاثون رجلًا وقال: صوموا عني، أو شخص عليه ثلاثون يومًا فأراد أن يطعم فقال شخص: أنا مسكين، وعندي في البيت هذه العدة، عندي العيال والزوجات والأبناء، أعطنا هذه الثلاثين الكفارة، ونصوم عنك، متصور هذا؟

المقدم: صحيح.

لكن الجواز مقيد بصوم لم يجب فيه التتابع؛ لفقد التتابع في الصورة المذكورة. الآن إذا كان لا يستطيع هو الصيام، نعم التتابع عليه لو كان يستطيع الصيام، يعني معنى كلام ابن حجر: لو جاء بهم في اليوم الأول من رمضان، ما يمكن، لماذا؟

المقدم: يمكن.

كيف؟

المقدم: ذمتهم متعلقة بالصيام.

نعم، كيف يجب التتابع، القضاء يجب فيه التتابع؟

المقدم: قد يكون المراد به الكفارات؟

يعني صيام ثلاثة أيام متتابعات؟

المقدم: صيام شهرين.

أو عليه شهر كامل، وما بقي إلا شهر شعبان وإلا يدخل عليه رمضان ثانٍ، فإذا وجب التتابع صام عنه، ما تأتي، أصل المسألة يعني إذا صاموا عنه في يوم واحدٍ، يعني من الأصل مثل ما صدرنا به الكلام أن البدل له حكم المبدل، وإذا أردنا أن نقول: إن البدل له حكم المبدل ما أجزنا المسألة من أصلها سواء كان فيها تتابع أو لا؛ لأنه لا يتصور من المبدل أن يصوم ثلاثين يومًا في يوم واحد، فلماذا نشترط أنه صوم الذي لا يجوز فيه التتابع، يعني في كلام الحسن، في تجويد كلام الحسن إلغاء للمبدل، إلغاء للأصل؛ لأنه لا يمكن تصوره، فكيف نقول: إنه إذا كان الواجب على المبدل التتابع فلا يجوز أن يصام عنه في آن واحد، ظاهر أم ليس بظاهر؟

المقدم: ظاهر ظاهر.

لأننا ألغينا المبدل، مثل الحج يتصور أن ينيب عنه اثنين وهو لا يستطيع أن يقوم بنفسه، ولو افترضنا أن هذا الذي عليه الحج، وأناب اثنين، وعليه حجة الإسلام وحجة منذورة واجبة، هل يجوز أن يؤديهما في آن واحد؟ لا يجوز، ولا يصح، فكلام ابن حجر ليس واضحًا، الجواز مقيد بصوم لم يجب في التتابع؛ لفقد التتابع في الصورة المذكورة. هذا بالنسبة للمبدل الذي وجب عليه هذا الصيام، فالمبدل غير منظور إليه، لو نظرنا إلى المبدل وطالبنا البدل بما يطالب به المبدل من التتابع، كما قلنا فيما لو بقي شعبان فقط، فقلنا: لا بد من التتابع لأجل أن لا يؤخر إلى رمضان ثانٍ، لو قلنا بهذا ما مشت المسألة على كلامهم في قول الحسن.

 مطابقة الحديث للترجمة، حديث أم المؤمنين عائشة كما قال العيني: من حيث إنه يبين الإبهام الذي فيه.

قوله: من مات قال ابن حجر: هو عام في المكلفين؛ لقرينة وعليه صيام؛ لأن على تقتضي الوجوب، ولا صيام واجبًا إلا على مكلف.

قوله صام عنه أي الميت. وليه خبر بمعنى الأمر، صام عنه وليه خبر بمعنى الأمر تقديره: فليصم عنه وليه، وليس هذا الأمر للوجوب عند الجمهور، وبالغ إمام الحرمين ومن تبعه، فادعوا الإجماع على ذلك، يعني لا قائل بالوجوب، وجوب الصيام على واجب، وفيه نظر؛ لأن بعض أهل الظاهر أوجبه، فلعله لم يعتدَّ بخلافهم على قاعدته، ومر بنا مرارًا أن النووي لا يعتد بقول أهل الظاهر، هنا إمام الحرمين، إمام الحرمين كأنه لا يعتد بقول الظاهرية، وصرح النووي أنه لا يعتد بهم؛ لتركهم أو لعدم عملهم بالقياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، ومر بنا مرارًا، وذكرنا الأقوال الأخرى في المسألة.

 قلنا في قوله: من مات أنه عامة الملكفين بقرينة: وعليه صيام، وقال العيني: لأن كلمة على للإيجاب، والواو في قول: وعليه صيام حالية، يعني والجملة حال، وصام عنه عن الميت وليه، والمراد بالولي كل قريب سواء كان وارثًا أو غير وارث، وقيل: الوارث خاصة، وقيل: عصبته، كل قريب ولو لم يرث، وقيل: الوارث خاصة سواء كان صاحب فرض أو تعصيب، وقيل: عصبته خاصة، يعني كما قيل في العاقلة. وقال الكرماني: وليه، الصحيح أن المراد به القريب سواء كان عصبةً أو وارثًا أو غيرهما، وقيل: هو الوارث، وقيل: هو العصبة. انتهى كلام الكرماني.

 لو صام عنه أجنبي، لو تبرع أجنبي وصام عنه؟

المقدم: هل يدخل في الولي أو ما يدخل؟

يجوز أو ما يجوز؟ النص على الولي، يقول النووي في شرحه المهذب: إن كان بإذن الولي صح، وإلا فلا. وهذه لها صور كثيرة؛ لو تبرع أحد بنفقة حج مثلًا على عاجز عن الحج أو قادر؟ أهل العلم لا يوجبون عليه الحج إذا كان عاجزًا ولو تبرع له أحد ممن يكون في تبرعه شيء من المنة، أما لو تبرع أحد لا منة عليه فيه من ولدٍ أو أب أو غير ذلك فيجوز. لو وجبت الزكاة على زيد مثلًا وقال عمرو: أنا أدفعها عنك يجزي أم ما يجزي؟

المقدم: ما دام استأذنه.

نعم، ما دام استأذنه، فماذا يكون الحكم؟ قلنا في الحج: لا يلزمه؛ لأن فيه منة، وهنا المنة متصورة أم غير متصورة؟ يعني مع العجز عن الحج المنة ظاهرة، لكن شخص غني عنده الأموال ووجبت عليه الزكاة، لو يتبرع بالزكاة عنه إلا من لا يتصور منته؛ لأنه يُمَنّ على شخص عاجز، لكن ما يُمَن على شخص قادر....

المقدم: إذا كان -أحسن الله إليك- ذكرت المسائل قبل قليل إنها أربع أو خمس مسائل، وفي الأمثلة التي طرحت قبل قليل كأنك تشير في كل مسألة إلى الرجال في مسألة الصيام، هل يفهم من هذا أن المرأة لا تدخل في الحكم، وبالتالي لو مات رجل وصامت عنه امرأة تدخل تعتبر ضمن الولي أم لابد من إذن ولي ذكر؟

إذا قلنا: إنه الوارث فالمرأة وارثة، يعني يدخل من النساء من يدخل تبرعت بالصيام، لا سيما وأن الصيام لا يتفاوت فيه الرجل عن المرأة، ما يتفاوت.

المقدم: سواء بسواء.

كذلك في الحج قالت: إن أبي أدركته فريضة الحج.

المقدم: أفحج عنه قال: «حجي عنه».

نعم، إذًا معروف، لكن قد يكون الرجل مطالبًا بأشياء لا تطالب بها المرأة أو العكس، مثل هذا يرد القول.

 قال في شرح المهذب: إن كان بإذن الولي صح وإلا فلا، ولا يجب على الولي الصوم عنه بل يستحب. وأطلق ابن حزم النقل عن الليث بن سعد وأبي ثور وداود أنه فرض على أوليائه، الكلام الأول نقل عن بعض أهل الظاهر، وهنا أطلق ابن حزم النقل عن الليث بن سعد وأبي ثور وداود أنه فرض على أوليائه أو بعضهم، وبه صرح القاضي أبو الطيب الطبري في تعليقه بأن المراد منه الوجوب. صام عنه وليه الوجوب، وجزم به النووي في الروضة، يعني يلزم الولي أن يصوم عنه من غير أن يعزوه، وزاد في شرح المهذب أنه بلا خلاف، يعني نقلوا، في كلام الإمامين السابق ادعى الإجماع على أنه لا يجب، وهنا النووي يقول: بلا خلاف، زاد في شرح المهذب أنه بلا خلاف، يعني أنه على سبيل الوجوب.

 قال العيني في شرحه: وقال شيخنا زين الدين -الحافظ العراقي- وقال شيخنا زين الدين: هذا عجيب منه. يعني كيف يدعي أنه بلا خلاف، وجماهير أهل العلم على أنه لا يجب أن يصوم عنه وليه؟ يعني ما يلزم الولي أن يصوم عنه، هذا عجيب منه. ثم قال: وحكى النووي في شرح مسلم عن أحد قولي الشافعي أنه يستحب لوليه أن يصوم عنه. ثم قال: ولا يجب عليه. يعني هو نقل أنه بلا خلاف ثم قال: نقل عن المذهب نفسه أنه يستحب، ولا شك أن هذا اضطراب في النقل، والذي يُظَن بالنووي في مثل هذا أنه شرود، نسيان، غفلة.

وقال ابن بطال: اختلف العلماء فيمن عليه صوم من شهر رمضان فمات قبل أن يقضيه، فقالت طائفة: جائز أن يصام عن الميت. وهو قول طاووس والحسن والزهري وقتادة، وبه قال أبو ثور وأهل الظاهر، واحتجوا بهذه الأحاديث التي ذكرها البخاري، يعني حديث عائشة وحديث ابن عباس الآتي –إن شاء الله-. وقال أحمد بن حنبل: يصوم عنه وليه في النذر، ويُطعَم عنه في قضاء رمضان. وقال ابن عمر وابن عباس وعائشة: لا يصوم أحد عن أحد. وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي، إذا كان هؤلاء الأئمة كلهم يقولون: لا يصوم أحد عن أحد، قال: وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي، عرفنا أن الشافعي له قولان.

المقدم: يصححونه مرفوعًا؟

ماذا؟

لا يصوم عنه أحد.

المقصود أن هذا قولهم.

المقدم: حديث ابن عباس.

معروف موقوف عليه.

المقدم: على ابن عباس؟

على ابن عباس سيأتي، لكن هم يسوقون، الآن السياق هنا لا على أنه مرفوع، قال ابن عمر وابن عباس وعائشة: لا يصوم أحد عن أحد، باعتبار أن لا نافية، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي، وحجة هؤلاء أن ابن عباس لم يخالف في فتواه ما رواه إلا لنص علمه، يعني ابن عباس سيأتي بالحديث الذي بعد هذا: إن أمي ماتت وعليها صوم شهرٍ، بعد هذا مباشرة، فيه النيابة في الصوم، وحديث عائشة الذي معنا. كيف ينقل عن ابن عباس وعائشة أنه لا يصوم أحد عن أحد مع أنهم رووه مرفوعًا عن النبي –عليه الصلاة والسلام-؟ قالوا: وحجة هؤلاء أن ابن عباس لم يخالف في فتواه ما رواه إلا لنص علمه، وينظر في مسألة معارضة الرأي للرواية، الأكثر على أن العبرة بما روى لا بما رأى، العبرة بما روى، فكون ابن عباس خالف إما لنسيان؛ لبعد عهد؛ لأنه عُمِّر بعد النبي –عليه الصلاة والسلام- طويلًا، أو لأمر من الأمور لحال أو لظرف، فالمقصود أن مثل هذا الكلام ما يعارض به النص المرفوع.

 وقال المهلب: لو جاز أن يُقضى عمل البدن عن ميت قد فاته لجاز أن يصلي الناس عن الناس، ويؤمنون عنهم، ولو كان سائغًا لكان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أحرص الناس أن يؤمن عن عمه أبي طالب؛ لحرصه على إدخاله في الإسلام، وقد أجمعت الأمة على أنه لا يؤمن أحد عن أحد، ولا يصلي أحد على أحد، واختلفوا في الصوم والحج، فيجب أن يُرد حكم ما اختلف فيه إلى ما اتفق عليه.

نستطيع أن نقول إن عدم الصيام عن الغير هو قول الجمهور؛ لأنه ممن قال به مالك وأبو حنيفة والشافعي، مع أن الشافعي له رواية على ما سيأتي أنه يُصام عنه مطلقًا، وتقدمت الإشارة إلى شيء من هذا، وأحمد يخصه بالنذر على ما سيأتي، وكلام المهلب لا بد من إعادته بمطلع الحلقة القادمة؛ لأنه يحتاج إلى شيء من التفصيل.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم، أيها الأخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب الصيام في كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. سوف نستكمل بإذن الله تعالى ما تبقى من أحكام هذا الحديث في باب من مات وعليه صوم في الحلقة القادمة، بحفظ الله، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.