عمدة الأحكام - كتاب الأيمان والنذور (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين والحاضرين.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

باب: القضاء

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) وفي لفظ: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا سؤال من الأمس أجل للمناسبة يقول: لما أدخل المؤلف -رحمه الله تعالى- باب القضاء في كتاب الأيمان والنذور، ولا يخفى أن العلماء يجعلون كتاب القضاء مستقلاً؟

أولاً: الارتباط بين الأيمان والقضاء ارتباط وثيق، لا يمكن أن ينفك القضاء عن الأيمان، وعمدة القضاء: ((البينة على المدعي واليمين على من أنكر)) فنصف الخصوم لدى القضاء عمدتهم على الأيمان، ولذا أدخل القضاء في كتاب الأيمان وجعل باباً منه، قد يقول قائل: لماذا لا يقال: كتاب القضاء باب الأيمان والنذور؟ يعني يجعل القضاء لأنه أعم؛ لأن القضاء فيه أيمان وفيه بينات، يعني أعم من الأيمان فقط، فيجعل الأعم هو الكتاب والأخص هو الباب، عكس ما صنع المؤلف، نقول أيضاً: إن الأيمان أعم من أن تكون عند القضاة وعند غيرهم، فالمسلم قد يحلف ابتداء، وقد جاء الحلف في الأحاديث النبوية كثيرة، وأمر الله -جل وعلا- نبيه أن يقسم على البعث بثلاثة مواضع من كتابه، فالأيمان أعم من أن تكون عند القضاة وغيرهم، الله -جل وعلا- أمر نبيه أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع من كتابه، الموضع الأول في يونس {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} [(53) سورة يونس] الثاني: في سبأ الآية الثالثة، والثالث في التغابن، ثلاثة مواضع، أمر الله نبيه أن يقسم على البعث، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كثيراً ما يقول: ((والذي نفسي بيده)) ((لا ومقلب القلوب)) المقصود أن الأيمان أعم وأشمل من أن تكون لدى القضاة وغيرهم، فقدمت عليها، والأمر سهل، يعني المسألة مسألة ترتيب، وما ذكره المؤلف له وجه.

يقول -رحمه الله تعالى-:

باب: القضاء

القضاء: يعني الحكم، وفصل المنازعات، وفض الخصومات، واستخراج الحقوق، والأصل فيه وفي مشروعيته الكتاب والسنة، وإجماع أهل العلم {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [(65) سورة النساء] وفي الآية اجتمع اليمين والتحاكم الذي هو القضاء، التقاضي، فهناك ارتباط وثيق بين الأيمان وبين القضاء، والسنة طافحة بما يتعلق بالقضاء من قوله -عليه الصلاة والسلام- ومن فعله، وأجمعت الأمة على وجوب نصب القضاة لحل المنازعات، بل هذا من أوجب الواجبات على ولي الأمر أن يتولى القضاء بنفسه كما كان الخلفاء كأبي بكر وعمر وغيرهم، إن تمكن من ذلك وإلا فينيب، ويعين القضاة، والقضاء لا شك أنه ولاية، وفيه شوب سلطة، فيدخل في حديث عبد الرحمن بن سمرة، فلا يسأل ولا يطلب، لكن إن الجأ إليه الشخص وأكره عليه أعين، وأن طلبه وكل إلى نفسه، وجاء في النصوص التي تحذر من تولي هذه الوظيفة ((القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار)) ((من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين)) نصوص كثيرة تحذر من طلبه والتشوف إليه، لكن من ألزم به يسأل الله الإعانة فيعينه -إن شاء الله تعالى-، ويحرص على أن يقضي بالحق، وأن يتوخى العدل والإنصاف، لا يحكم بغير علم، ولا يعدل عن الحق؛ ليكون مقسطاً من المقسطين، والله يحب المقسطين، المقسطون على منابر من نور يوم القيامة، الذين يعدلون، وأما القاسطون نسأل الله العافية فكانوا لجهنم حطباً نسأل الله السلامة والعافية، المقسطون العادلون، والقاسطون الجائرون المائلون عن الحق، فهذه مزلة قدم، من أطلع على شيء من أحوال السلف عرف أنهم يؤثرون الضرب والسجن، بل بعضهم يقول: لو خير بين القضاء والقتل لاختار القتل؛ لأنه مزلة قدم، القضاء مزلة قدم، لكنه فريضة على الأمة لا بد من القيام به، والإنسان مطلوب بالنصيحة، والدين النصيحة، ومطلوب بأن ينصح العامة والخاصة، فإذا جاء شخص يستشير عُين في القضاء مثلاً يستشير هل يقبل الوظيفة أو يرفض؟ المستشار بين أمرين: بين النظر في المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، النظر في المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، فالدين النصيحة، فإذا كان هذا الشخص كفؤاً فليبذل النصيحة للعامة، ولا ينظر إلى المصلحة الخاصة، وإذا كان الشخص غير كفؤ فلينظر إلى المصلحتين، ليس من مصلحته أن يتولى، وليس من مصلحة العامة أن يولى عليهم، فيحذره من تولي القضاء، وأحياناً يكون الأمر بين الأمرين، فيه شوب صلاحية وفيه أيضاً أمور قد يتعرض لها تفتنه، ويوجد من يقوم مقامه والنصيحة تقدر بقدرها.

يقول: الحديث الأول: "عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) وفي لفظ: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))" أدخل هذا الحديث في كتاب القضاء لأن القاضي الأصل فيه أن يحكم بما أنزل الله {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} [(49) سورة المائدة] لكن إذا حصل منه أنه حكم بغير الحق سواء كان متعمداً أو مخطئاً فقضاؤه مردود عليه، ينقض الحكم، لا سيما إذا حكم باجتهاده فيما يخالف فيه ما أنزل الله، المسائل التي فيها نص لا بد أن ينقض، لكن إذا اجتهد وخالف اجتهاده اجتهاد غيره، واجتهاده له وجه وله مستند فالاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، فالمردود ما يخالف أمر الله وأمر رسوله -عليه الصلاة والسلام-.

((من أحدث في أمرنا)) والإحداث ابتداع، يعني حكم بأمر ليس لديه عليه أثارة من علم من كتاب ولا سنة، أحدث في الدين أمراً لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة، هذا مردود عليه، والحديث أصل في نقض البدع، لذا أضيف إليه كل بدعة ضلالة، فالبدع مردودة، وهي الإحداث في الدين مما لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة، هذا مردود على صاحبه كائناً من كان، فالبدع كلها مرفوضة، والتقسيم الذي يذكره بعض العلماء من أن هناك بدع حسنة وبدع سيئة، بدع محمودة وبدع مذمومة، أو بدع واجبة وبدع مستحبة، كل هذا لا دليل عليه، بل هو كما قال الشاطبي: قول مخترع لم يدل عليه دليل من كتاب ولا سنة فهو مبتدع، القول بتقسيم البدع مبتدع، والأصل أن البدع كلها ضلالة، يتمسكون أعني الذين يقسمون يتمسكون بقول عمر -رضي الله تعالى عنه- في صلاة التراويح: "نعمت البدعة" ونعم مدح، فدل على أن من البدع ما يمدح، وشيخ الإسلام في الاقتضاء ويتبعه جمع من أهل العلم يقولون: إن هذه بدعة شرعية لا لغوية، والشاطبي يقول: مجاز، الذين ينفون المجاز يردون قول الشاطبي كما هو المعتمد عند المحققين، وإذا نظرنا إلى قول شيخ الإسلام أنها بدعة لغوية، بدعة لغوية ما عمل على غير مثال سابق، والتراويح عملت على غير مثال سابق أو لها مثال سابق؟ لها مثال سابق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى التراويح ثلاث ليال، فليست بدعة لغوية وليست بدعة شرعية لأنه سبق لها أصل في السنة، ترك النبي -عليه الصلاة والسلام- لها لأنه خشي أن تفرض على الأمة، خشي أن تفرض، ما تركها نسخاً لها ولا عدولاً عنها، إنما خشي أن تفرض على الأمة فلا يطيقونها، فمشروعيتها باقية، إذاً ليست ببدعة لغوية ولا شرعية وليست مجاز، إذاً ماذا تكون؟ إيش تكون إذا كانت ليست ببدعة لغوية ولا شرعية ولا مجاز؟ الأثر في البخاري ما أحد أنكر، الأثر في البخاري.

طالب:.......

لا لا هي سبق لها شرعية من السنة.

طالب:.......

كيف إضافية؟

طالب:.......

لا باب في علم البديع معروف المشاكلة، أسلوب المشاكلة والمجانسة في التعبير، نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

لا إحنا نعالج اللفظ "نعمت البدعة" كيف تكون بدعة وتكون نعمت تمدح؟ أقول: المشاكلة والمجانسة في التعبير باب معروف في لغة العرب، ومعروف في النصوص {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] معاقبة الجاني ليست سيئة، لكن من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير يقال مثل هذا، فكأن قائلاً -مثل ما قال الأخ- قال: ابتدعت يا عمر، قال: نعمت البدعة، ففيه مشاكلة للتعبير؛ لأنهم لا يشترطون في المشاكلة أن يكون اللفظ المشاكل موجود حقيقة، يعني ولو تقديراً، فإذا خشي الإنسان أن يقال له شيء يبادر، ولذا يقول شاعرهم:

قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه

 

قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا

هذه مشاكلة، على كل حال ليس في أثر عمر ما يتمسك به من يستحسن بعض البدع؛ بل البدع كلها مذمومة مرفوضة لأن النص الصحيح ((كل بدعة ضلالة)).

((من أحدث في أمرنا -يعني في ديننا- هذا ما ليس منه فهو رد)) يعني مردود عليه، حتى يبين المستند من الكتاب ومن السنة {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} [(111) سورة البقرة] قوله: ((في أمرنا)) يخرج الأمور الأخرى من أمور الدنيا خارجة عن مثل هذا النص، ركب الناس السيارات، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما ركب إلا الفرس والبعير والحمار، ركب الناس السيارات، نقول: ابتدعوا؟ ركبوا الطائرات، ركبوا البواخر، ركبوا كذا؛ لأنه ليس من أمره -عليه الصلاة والسلام-، هذا في أمور الدنيا، أمور الدنيا التوسع فيها لا بأس به، لكن كون الإنسان يتعبد بما لم يسبق له شرعية هذا الابتداع، قد يقول قائل: إن هناك بدع لا يمكن الانفكاك منها، ابتلي المسلمون بها، ويجعلون منها مثل هذه المكبرات، مكبرات الصوت؛ لأنها تستعمل في أمر في عبادات، تستعمل في الصلاة والصلاة عبادة، وهي لا شك أنها محدثة، الخطوط التي في السجادات هذه أيضاً ينطبق عليها تعريف البدعة؛ لأنها تستعمل في عبادة، وكل ما قام سببه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم يفعله فهو داخل في حيز البدعة، قد يقول قائل: السبب قائم لكن لا يمكن.... هو غير موجود أصلاً مثل هذه المكبرات إذا كثرت الجموع الناس بحاجة إلى من يوصل الصوت، فهناك المبلغ، وهذا يقوم مقام المبلغ فكأنه أصله، لكن يبقى أن استعمال مثل هذه الأمور بقدر الحاجة إنما أوجدت للحاجة فتستعمل بقدر الحاجة، وبعض الإخوان من أئمة المساجد يصلي معه خمسة أشخاص عشرة أشخاص ويستعمل المكبر، ويرفع عليه، ويضع صدى وسماعات ولاقطات وما أدري إيش؟ علشان إيش؟ أنت لست بحاجة أصلاً لمثل هذا، وهذه إنما أوجدت للحاجة فتستعمل بقدر الحاجة فضلاً عن المؤثرات الصوتية التي تردد الصوت وتفعل وتترك، علشان إيش؟ نقول: يا أخي هذه عبادة المحافظة عليها أمر واجب، يعني تعبد الله -جل وعلا- على مراد الله، وكما جاء عن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، هذه الخطوط التي في الفرشات هذه الفائدة منها تعديل الصفوف، وإقامة الصف من تمام الصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يعنى بتعديل الصفوف، تقدم يا فلان، تأخر يا فلان ((لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم)) فتعديل الصفوف أمر لا بد منه، ومن تمام الصلاة، قام السبب، وجد في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يفعل، ما خط خطوط في المسجد، إذاً على هذا الاصطلاح هذه الخطوط بدعة؛ لأنها محدثة في عبادة، لكن يبقى أن نقول: هل قيام السبب في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- على نفس مستوى قيام السبب في عهدنا؟ يعني كان الصف في عهده -عليه الصلاة والسلام- قل: عشرة عشرين بالكثير يمكن تعديلهم، والناس عندهم حرص، والآمر النبي -عليه الصلاة والسلام- تعدل تقدم ما أحد بيتكلم، لكن إذا كان الآمر يقول: استووا، يرد عليه واحد من المأمومين يقول: يا أخي استوينا ونجزنا الله يفعل ويترك، يدعو عليه، حاجة قائمة في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن الناس يأتمرون بأمره، الأمر الثاني: أن الصفوف طالت واهتمام المصلين قل، اهتمام المصلين بصلاتهم قل، وإذا تصورنا الناس في مساجد العيد قبل وجود هذه الفرشات أبداً أقواس من طول الصف، لا يمكن يستوي صف، أقواس كأنهم حول الكعبة يصلون، الصف طويل ولا شيء يدلهم على..، فالحاجة قائمة، والمصلحة محققة، والمفسدة موجودة لكنها مغمورة بالنسبة للمصلحة التي تحققها هذه الخطوط، ولذا أفتي بها، ووجدت في مساجد المسلمين، وتداولوها من غير نكير، ويبقى أنها محدثة، لكن كونها محدثة في مقابل هذه الفائدة التي تحققها ارتكاب أخف الضررين مقرر في الشرع.

((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) يعني مردود عليه كائناً من كان، ولا نقول مثلما قال بعض الشراح في قول عمر: "نعمت البدعة" يعني نسيء الأدب مع الخلفية الراشد قال بعضهم: والبدعة مذمومة ولو كانت من عمر، هذه إساءة أدب، يعني خليفة راشد أمرنا بالاقتداء به، مشهود له بالجنة، مواقفه ومناقبه شيء لا يخطر على البال، يفوق الحصر، ثم يقول من يقول: البدعة مرفوضة ولو كانت من عمر، أو من عثمان في آذان الجمعة الأول، ليس من الأدب، هذا سوء أدب.

((فهو رد)) يعني مردود، وفي لفظ: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) وهو بمعنى ما سبق، يعني مردود عليه، وهذا الحديث لا شك أنه قاعدة من قواعد الدين، وأصل من أصول الإسلام، فكل ما يخترع مما يتعبد به مما لم يسبق له شرعية في الكتاب والسنة فهو مردود، قد يقول قائل: العمل مردود فماذا عن العامل؟ ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) العمل رد بكيفه، قد يقول قائل: العمل بُصْره، مثل ما قالوا في حديث: ((ما أسفل من الكعبين ففي النار)) كيفه، قطعة قماش تصير في النار، ما هو بالمقصود هذا، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((كل ضلالة في النار)) المقصود صاحب البدعة، صاحب الضلالة، صاحب الثوب وإلا الثوب ما أسفل منه في النار سهل لو القصد الثوب إنما المقصود صاحبه، نعم.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخلت هند بن عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك)).

نعم، في هذا الحديث: "عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخلت هندٌ" هندٌ مصروف أو غير مصروف؟ نعم؟ علمية وتأنيث، لماذا؟

طالب:.......

ثلاثي ساكن الوسط، طيب حمص يصرف وإلا ما يصرف؟ هذا فيه علتين علمية وتأنيث، هند ارتفعت إحدى العلتين بمقاومة الخفة ثلاثي ساكن الوسط، لكن حمص علمية وتأنيث وعجمة ثلاث علل، لكن الثلاثي ساكن الوسط، نعم اللي فيه علتين مثل هند الخفة في كونه ثلاثي الوسط سهل قاومت علة، لكن يبقى مثل حمص يصرف وإلا ما يصرف؟ ثلاثي ساكن الوسط وفيه ثلاث علل؟

طالب:.......

ما فيه أحد من أهل العربية؟ نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

طيب القارئ توكل على الله، نعم هذه ثلاثي الوسط، صرفنا هند لأنه ثلاثي ساكن الوسط وفيه علتان تقتضيان منعه من الصرف، لكن لما كان ثلاثياً ساكن الوسط خفيف يعني، مثل نوح ولوط.

طالب:.......

طيب إشكال هذه من هذه، حلب ساكن الوسط؟

طالب:.......

لا لا ما ينفع لاقتران هذا، دلالة الاقتران.

طالب:.......

لا لا ما له علاقة، إيش لون؟

طالب:.......

طيب قلنا: حلب ممنوعة من الصرف، علمية وتأنيث ووزن الفعل، ممنوعة من الصرف، لكن ما في ما يقاوم في حلب، لكن حمص فيه مقاوم ثلاثي ساكن الوسط، يعني خفيف يمكن صرفه مثل هند، فهل هذا السبب المتقضي للصرف يقاوم ثلاث علل وإلا يقاوم واحدة ويبقى اثنتين؟ لو قال واحد: نعم، وواحد لا قلنا: المسألة خلافية كما اختلف المتقدمون اختلف المتأخرون.

"دخلت هند" إذا جاء الشيخ بعد العشاء اسألوه، الشيخ محمد يحسن مثل هذا.

"دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان" صخر بن حرب، دخلت "على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح" الشح أشد من البخل فهو بخل مع حرص، رجل شحيح، وفي رواية: "مسيك"....... ضابط أموره، حازم أموره، رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني، كم يحتاجون من النفقة؟ مبلغ كذا، ينقص، هذا ما له لازم، وهذا ما له دعوى، مثل الآن البيوت مثلاً تحتاج المرأة مع أولادها إذا قلنا: إن المرأة تحتاج إلى خمسمائة شهري، والأولاد والبنات على ثلاثمائة، خمسة بين بنين وبنات ألف وخمس، والأم خمسمائة، يقول: اقتصدوا يعطيهم ألف بدل ألفين، ما يكفيهم هذا، الألف ما يكفيهم يحتاجون إلى ألفين، المسألة افتراضية، نعم، يعني يكفيهم ألفين ريال، يعطيهم ألف ويقول: دبروا أنفسكم.

"ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟" هل علي أثم أن آخذ من ماله ما يكفيني؟ يعني آخذ الآلف الثاني وهو ما دري؟ من دون ما يدري؛ لأنه لو يدري صارت مصيبة "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك))" بحيث لا تزيدي على ما يحتاج إليه، حوائج أصلية، يكفيها ويكفي بنيها ألفين مثلما قررنا، هو يعطيها ألف تأخذ ألف، لكن ما تأخذ ألف ثالث تقول: أربعمائة للاستراحة، أو خمسمائة للاستراحة، وخمسمائة ثانية نحتاج إلى ملاهي ونحتاج..، هذا ما هو بالمعروف ذا، تأخذ الحاجة الأصلية، الناس يطلعون الاستراحات، الناس يروحون للملاهي، الناس يطلعون نزهات، لا المسألة مسألة حوائج أصلية، ولذا قال: ((خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك)) فعلى هذا يحكم في مثل هذه القضية على الخصم ولو كان غائباً، يوم أدعت المرأة على زوجها ما قال النبي: استدعوا أبا سفيان، نادوه، شوف الكلام صحيح؟ هذه مدعية ويحلف يأتي بالبينة، هذه ما تحتاج إلى بينات، هذه أمور النفقات ما تحتاج إلى بينات، هذه معاملة خاصة لا تقام عليها البينات، لكن المسألة رجعت إلى الديانة بالمعروف، بمعنى أنه يجوز لها ولا حرج ولا جناح ولا إثم أن تأخذ ما يكفيها، لكن القدر الزائد على ذلك تأثم، فالأمور الزوجية في البيوت ينبغي أن تكون مبنية على التسامح والعشرة بالمعروف بحيث لا يكلف الإنسان ما لا يطيق، ولا يقتر ويضيق على الزوجة والأولاد، إنما الأمور المتعارف عليها لا بد منها،  {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ} [(228) سورة البقرة] النبي -عليه الصلاة والسلام- حكم على أبي سفيان ولما يحضر، ولذا أخذ منه بعض أهل العلم جواز الحكم على الغائب، على خلاف بينهم هل مضمون هذا الحديث قضاء حكم قضائي وإلا فتوى؟ حكم قضائي وإلا فتوى؟ إذا قلنا: فتوى ما فيها إلزام؛ لأن الفتوى بيان الحكم مع عدم الإلزام به، والقضاء بيان الحكم مع الإلزام، إذا كانت فتوى وعرف أنها تأخذ وهو ما يدري، ما كان هناك في السابق بنوك، يعني يمكن يمشي الإنسان بدون دراهم، ولا تستطيع الزوجة ولا الأولاد أن يأخذوا منه فلس، الدراهم كلها في البنك، وإذا أحتاج بقدر الحاجة يدخل البطاقة في الصراف ويأخذ مائة ريال يعبي بنزين بخمسين ويأتي بكذا بخمسين، يدبر أموره وإلا قبل الفلوس كلها في جيوب الناس وفي بيوتهم، إذا قلنا: إن هذه فتوى من غير إلزام قلنا: إن الإنسان يتصرف مثل هذه التصرفات، لكن إذا كان إلزام والنفقة واجبة على الزوج للزوجة والأولاد، لا سيما المحتاج منهم من الأولاد، والنفقة على الرقيق كل هذا واجب، النفقة على الوالدين مع الحاجة، فمن يقول: إنه قضاء يقول: يجوز القضاء على الغائب، ويبقى أنه لو حضر فيما بعد، وأدعى ما يبطل الحكم يلغى، يلغى الحكم، ومنهم من يقول: لا يجوز القضاء حتى يحضر الخصم، ويعرف ما عنده من حجة، وما يدفع به الدعوى، وإذا قلنا: إنها فتوى يكون هذا لهند ولغيرها، كل من كان بهذه المثابة يعمل بهذا الحديث، وفيه مسألة في غاية الأهمية، يسميها أهل العلم مسألة الظفر، أقرضت فلان من الناس ألف ريال، جاك قال: والله أنا محتاج ألف ريال أنا عندي ضيوف وكذا، قلت له: هذا ألف، لكن ما عندك شهود، مضى شهر شهرين ثلاثة، قلت له: يا فلان وين الألف؟ قال: والله ما عندي لك شيء، مسألة الظفر مثلاً لو دعاك في يوم من الأيام ووجدت شيء يمكن أن تأخذه بغير علمه تستوفي به دينك الذي عليه، بعض أهل العلم يستدل على جواز مثل هذا التصرف بهذا الحديث، يعني تأخذ من ماله بقدر دينك الذي في ذمته، هذه يسمونها مسألة الظفر، ومنهم من يقول: لا يجوز إلا بإقامة البينات، ولو فتح الباب لمثل هذه التصرفات لتصرف الناس وتعدوا مالهم، فلا يمكن للإنسان أن يتحرى الدقة في..، يمكن يزيد على ما عند صاحبه، تثور الخصومات، يمكن يقيم عليه دعوى أنه سرق من بيته، يعني افترض المسألة شخص صاحب الألف هذا، أقرضه ألف ثم قال له: وين الألف؟ قال: والله ما عندي لك شيء، دعاه يوم من الأيام ودخل المكتبة، المكتبة فيها مخطوط يسوى ألف صغير، قال: عن إذنك أبى أصل البقالة أو أصل المطعم أو شيء، يقول له صاحب البيت، هذا أدخل المخطوط في بيته ومشى، الشباب كلهم يعرفون أن ها المخطوط ذا لصاحب المكتبة، يقيم عليه دعوى أنه سرق مخطوط من مكتبته؟ القاضي ما له دعوى بالألف؛ لأنه ما عنده بينة يقيمها عليه، كيف يعمل القاضي حيال هذه التهمة بالسرقة؟ لا شك أنه ينشأ عن مثل هذا القول مشاكل، ولذا جاء في الحديث: ((ولا تخن من خانك)) ولذا يقول جمع من أهل العلم أن مسألة الظفر لا تجوز، وأن الحقوق لا تؤخذ إلا من قبل القضاة، ولو فتح المجال أن كل يأخذ حقه بنفسه صارت فوضى، منهم من يقول: إذا كان السبب ظاهر لك أن تأخذ حقك، مثل إيش؟ مثل أقرضته ألف ريال، ثم بعد ذلك طلبت الألف، يقول: والله على العين والرأس في ذمتي ألف لك، ونشهد فلان وفلان كلهم يشهدون إن عندي لك ألف، هذا السبب ظاهر، في ذمته ألف، لكن أعطانا الألف قال: والله ما عندي أنا مفلس {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [(280) سورة البقرة] أخذ من ماله بقدر الألف؛ لأنه يستطيع أن يقيم عليه دعوى، والمسألة التي معنا النفقات تستطيع الزوجة أن تقيم دعوى، الولد يستطيع أن يقيم دعوى، فإذا كان السبب ظاهر يمكن إقامة الدعوى عليه له أن يأخذ من ماله ولو من غير علمه، وهذا قول متوسط، وهو الذي يدل عليه الحديث، نعم.

عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع جلبة خصم بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: ((ألا إنما أنا بشر مثلكم، وإنما يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها)).

في هذا الحديث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع جلبة" الجبلة: اختلاط الأصوات وارتفاعها، وجد خصومات ومشاجرة ومضاربة وكذا، توجد مثل هذه الجلبة "سمع جلبة خصم بباب حجرته" حجرة أم سلمة من بيوته -عليه الصلاة والسلام- "فخرج إليهم فقال: ((ألا إنما أنا بشر مثلكم))" الرسول -عليه الصلاة والسلام- المؤيد بالوحي مثلنا؟! مثل سائر القضاة؟ نعم هو مثلهم، إلا ما أطلعه الله عليه من الغيوب، الرسول لا يعلم الغيب {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} [(188) سورة الأعراف] {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [(65) سورة النمل] فالرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه فهو بشر، بالإمكان أنه في كل قضية ينزل الوحي، ويقال: الحق مع فلان، لكن هو القدوة، هو الأسوة، لو حصل مثل هذا في كل قضية، وفي كل خصومة تحصل في عهده ينزل الوحي ببيانها، من للقضايا بعده -عليه الصلاة والسلام-؟ لأنه قدوة وأسوة للقضاة، قد يقول قائل: كيف ينسى النبي -عليه الصلاة والسلام- ويسهو في الصلاة؟ كيف يسهو في الصلاة؟ نعم يسهو ليسن ويشرع، وأيضاً قد يحكم بالبينة بالمقدمات الظاهرة الشرعية، ويحكم لغير صاحب الحق، بدليل: ((ألا إنما أنا بشر مثلكم وإنما يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض)) في بعض الروايات: ((ألحن بحجته من بعض)) بعض الناس يستطيع أن يبين ويؤثر على السامع، قد يقول قائل: الرسول يمكن أن يخدع إلى هذا الحد؟ هو ما يخدع يا أخي، لكن هذا تشريع للأمة كلها، نعم بعض القضاة قد يخدع بشر، قد يمرر عليه بعض الأمور بشر، لكن عنده مقدمات، يبني عليها نتائج ((شاهداك أو يمينه)) جيء بالشاهد الأول فشهد، ثقة الشاهد، لكن هذا الثقة ألا يحتمل أن ينسى؟ ألا يحتمل أن يخطئ؟ يحتمل، فإذا أخطأ الشاهد أو نسي يكون له أثر على القضية، لكن أنت ما أنت مسئول تبحث عنه هل أخطأ أو أصاب؟ أنت تقرره بما يقول، وتحكم بضوء ما يقول.

((فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها)) حكم الحاكم لا يغير من الواقع شيء، ولا يبيح للمحكوم له أن يأخذ ما حكم به إلا إذا كان يجزم بأنه حق، الخصوم يعرفون الواقع، يعرف المبطل أن ما له شيء، والمحق يعرف أن الحق له، لكن الحاكم يقبل قول هذا وإلا قول هذا؟ لا هذا ولا هذا ((شاهداك أو يمينه)) ما في غير هذا، ((فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها)) لا يجوز له أن يأخذ ما حكم به له إذا كان يعرف أنه ليس له، وهذا عام جميع أبواب الدين من المعاملات والمناكحات وغيرها، الحنفية لهم رأي أنه ما دام حكم لك القاضي، وهو مأمور بالحكم على الظاهر فهو لك، ومنهم من يخص هذا بالمناكحات، أحضر الزوج شهود أن هذه زوجته، قال: أذهبي مع زوجك، لكن في حقيقة الحال أنه طلقها ثلاثاً، ولا عندها بينة تقيمها، بانت منه، القاضي ما يدري، الشهود ما علموا، هل يجوز له أن يطأ هذه الزوجة لأن القاضي قال: خذ زوجتك؟ من الحنفية من يقول: إنه ما دام حكم له القاضي يكفي؛ لأن الحكم على الظاهر، والأمور مبينة على الظاهر، الحديث يدل على بطلان هذا القول ((فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها)) تدعي المرأة أنه طلقها ثلاثاً وهو ينكر، هاتِ بينتك تقول: والله ما عندي بينة، هذا عندنا في البيت ثلاث مرات يطلق ويراجع، نعم ثلاث مرات يطلق ويراجع، والأمر بينه وبين ربه، إن أراد أن ينكح زنا هذا أمر بينه وبين ربه، المسألة ديانة، فلا يجوز له أن يستحل بحكم القاضي ما لا يحل له، ولذا قال: -عليه الصلاة والسلام-: ((فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها)) فليتقِ الله -جل وعلا- الخصوم، ويجعلوا مثل هذا نصب أعينهم ((من النار)) من يطيق النار، وأيضاً الأمر بالتقوى يتجه إلى المحامين الذين يبذلون كل ما أوتوا من قوة وفصاحة وبلاغة وبيان من أجل كسب القضية لموكليهم، هم داخلون في هذا، وهذا من التعاون على الإثم والعدوان، وما يأخذونه من أجرة على مثل هذه القضية ((قطعة من نار فليحملها أو يذرها)) هذا من باب التهديد {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [(40) سورة فصلت] تهديد، ومنهم من يقول: فليحملها إن كانت تحل له أو يذرها إن كانت لا تحل له، نعم.

عن عبد الرحمن بن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: كتب أبي وكتبت له إلى ابنه عبيد الله بن أبي بكرة، وهو قاضي بسجستان: أن لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان)) وفي رواية: ((لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"عن عبد الرحمن بن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: كتب أبي وكتبت له" كتب أبي يعني أمرني بالكتابة، أمر بالكتابة والآمر بالشيء ينسب إليه، كما يقال: كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى قيصر وإلى كسرى وإلى عظيم البحرين وإلى..، كتب، النبي يكتب؟ النبي لا يكتب بيمينه، لا يكتب بيده، وإنما أمر بالكتابة، فأسندت إليه ونسبت إليه، يقول: كتب أبي وكتبت له، يعني أملى علي وأمرني بالكتابة فكتبت، يعني تولى الكتابة بنفسه.

"إلى ابنه عبد الله بن أبي بكرة وهو قاضي في سجستان" فيه التحمل بالكتابة، وهي طريق معتبر من طرق التحمل، المكاتبة طريق معتبر من طرق التحمل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كتب، والصحابة كتب بعضهم إلى بعض، والصحابة كتبوا إلى التابعين والعكس، ومن بعدهم إلى شيوخ الأئمة، وفي البخاري: كتب إلي محمد بن بشار، يعني يكتبون، فالرواية تثبت بالمكاتبة.

"وكتبت له إلى ابنه عبد الله بن أبي بكرة وهو قاضي بسجستان: ألا تحكم بين اثنين وأنت غضبان" لأن الغضب يستولي على الذهن ويشوش، فلا يترك فرصة للتفكير الصحيح، والنظر التام في القضايا، لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان "فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان)) وفي رواية: ((لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان))" نعم لأن الغضب شعبة من شعب الجنون لا سيما إذا أزداد، ولذا طلاق الغضبان مما اختلف فيه أهل العلم، وتصرفاته أيضاً محل مثار خلاف بين أهل العلم إلا أنه يحكم بما يتصرف فيه من حقوق العباد يؤاخذ بها من باب ربط الأسباب بالمسببات، فمثل هذا الغضب إذا وصل إلى حد بحيث لا يتمكن القاضي من النظر في القضية، وإلا ففي مجالس الخصوم ما يثير الغضب باستمرار، بعض القضاة ما يتحمل فيثور ويغضب عند أدنى شيء، مثل هذا عليه أن يعتزل القضاء؛ لأنه يمكن أن يغضب في كل قضية فيتجه إليه هذا النهي، بعض الناس جبلة يثور لأدنى سبب، مثل هذا لا يصلح للقضاء؛ لأنه ما من قضية إلا وفيها يعني في الغالب إلا وفيها ما يثير، فإذا كان هذا مستعد للغضب يشتعل لأدنى مناسبة مثل هذا لا يصلح للقضاء، لكن هناك عموم القضاة كغيرهم يغضبون، لكن عليه أن ينظر في القضايا، وإذا وصل به الحد في الغضب إلى أن لا يتمكن من النظر في القضية يترك لا يقضي، يؤجل القضية، وقل مثل هذا في كل ما يشوش الخاطر والبال كالجوع والحر الشديد والبرد الشديد، وكونه حاقن مثلاً، أو مشوش الذهن لمصيبة مثلاً، مثل هذا ينتظر، يؤجل القضايا حتى يتمكن من النظر فيها، لكن هناك دعاوى باطلة، يعني لا توجد عندنا ولله الحمد، لكن توجد في بلدان أخرى، توجد في بلدان أخرى بعض القضاة تجده مدخن مثلاً، هذا لا يوجد عندنا البتة، لكن يوجد بعض القضاة يدخن، ويقول: إنه لا يتمكن من النظر في القضية حتى..، بعضهم يصرح، يعني وكتب في الصحف بعضهم على سبيل التنكيت، وبعضهم يحكي واقع، لا يتمكن من النظر الصائب في القضية حتى يبطل بكت كامل، وش الكلام هذا؟ يدخل في هذا أو لا يدخل؟ الأصل أن مثل هذا ليس بأهل للقضاء أصلاً، فاختيار مثل هذا قاضي خطأ، والله المستعان، فمثل هذه الأمور لا ينظر إليها لأنها من أساسها باطلة، فلا يبنى نتائج شرعية على مقدمات غير شرعية، نبني نتائج شرعية على مقدمات شرعية، نتائجنا لا بد أن يكون القاضي مرتاح البال حتى يتمكن من النظر في القضية، هذه النتيجة لا بد أن تبنى على مقدمات شرعية، يقال: والله ما دام يدخن لازم يدخن حتى ينظر القضية، نقول: أبداً لا هو ولا دخانه، ولا ينظر ولا شيء، لا قبل ولا بعد مثل هذا، قد يقول لك قائل: هذه معصية ولا يسلم منها، ولا يفترض في القاضي أن يكون معصوم، لكن المسألة منصب نبوي هذا، فصل الخصومات ينبغي أن يكون لأولى الناس، للقدوات، الذين إذا قالوا سُمع لهم، وإذا أمروا امتثل لهم، فمثل هذا لا ينظر إليه، نعم الأسباب الشرعية الجبلية مثل الغضب، مثل جوع شديد، مثل برد شديد، مثل حر شديد، كونه حاقن، كونه محتاج، كونه مريض، كل هذا لا يقضي بين الناس وهو متصف بهذه الصفات، نعم.

وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) ثلاثاً، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)) وكان متكئاً فجلس فقال: ((ألا وقول الزور، وشهادة الزور)) فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.

وهذا الحديث أيضاً: "عن أبي بكرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا أنبئكم))" ألا أخبركم، والنبأ هو الخبر إذا كان مهماً عظيماً ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) أكبر الكبائر فدل على أن من الذنوب ما يسمى كبائر، وفي قوله -جل وعلا-: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [(31) سورة النساء] ووجود الكبائر وتسميتها بهذا الاسم المستند إلى الكتاب والسنة أمر مجمع عليه، لكن النزاع في وجود صغائر، يقول بعضهم: إنه لا يوجد ما يدل على أن هناك صغائر، فمن باب المقابلة أنه ما دام يوجد كبائر لا بد من وجود صغائر، إذا قلت: فلان أكبر من.. بس وسكت، كلام صحيح؟ لا بد من طرف مقابل يكون أصغر منه، لا بد من تمام الكلام، لا بد لتمام الكلام من هذا، ما دام وجد كبائر لا بد أن يوجد ما يقابلها وهي الصغائر {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [(31) سورة النساء] والمراد بالسيئات الصغائر، والنصوص في تكفير الذنوب الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، ما لم تغشَ كبيرة، إذاً كفارات لإيش؟ للصغائر، فلا بد من وجود صغائر، أما أن نقول: ما في في النصوص ما يدل على صغائر، بهذا اللفظ قد يسلم، لكن هذه العبادات التي تكفر الذنوب هي لا تكفر الكبائر إذاً تكفر إيش؟ لا بد من ما يقابل هذه الكبائر مما يتناوله تكفير هذه العبادات العظيمة لها وهي الصغائر، إذا قررنا أن هناك صغائر وكبائر، هناك كبائر وهناك أكبر، الكبائر متفاوتة، إذ ليست على درجة واحدة، فأكبر الكبائر، ويختلف أهل العلم في ضابط الكبيرة، لكن منهم من ضبطها بأن كل ذنب رتب عليه حد في الدنيا، أو عذاب في الآخرة، أو توعد فاعله بلعن أو غضب، أو بعدم دخول الجنة، أو بدخول النار، أو نفي عنه الإيمان، هذه كلها كبائر.

"((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) قلنا: بلى يا رسول الله" تصور من الصحابة أن يقولوا: ما يحتاج؟ كثيراً ما يسألونه من غير طلب للسؤال "قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله))" وهذا أعظم أنواع الظلم، وهو الذي لا يقبل المغفرة {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء]   {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام] والظلم الشرك هنا، كما فسره النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالشرك غير قابل للغفران.

((الإشراك بالله)) واللفظ يتناول الأكبر والأصغر، أما الأكبر فالجنة على صاحبه حرام لا يغفر ومرتكبه مخلد في النار نسأل الله السلامة والعافية، وأما الشرك الأصغر كالريا مثلاً، وقول: ما شاء الله وشاء فلان، ما شاء الله وشئت ونحو هذا، هذا شرك أصغر، ولولا الله وفلان هذا شرك أصغر، من أهل العلم من يدرجه في الكبائر، وأن المشيئة تشمله، ويغفر ما دون ذلك بما في ذلك الشرك الأصغر، ومنهم من يقول: إن الشرك بنوعيه لا يقبل المغفرة، بل لا بد من أن يعذب صاحبه، وبهذا يختلف الشرك الأصغر عن الكبائر، بأنه لا بد من أن يعذب، ويدخل في عموم قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] سواء كان شرك أصغر أو أكبر، لكن يبقى الفرق بين الأكبر والأصغر بأن الأكبر صاحبه مخلد، والأصغر إذا عذب بقدر ذنبه مآله إلى الجنة، لا يخلد صاحبه في النار.

المقصود أن أعظم الذنوب الإشراك بالله ((وعقوق الوالدين)) أعظم الناس حقاً عليك والداك، وحقهما مقرون بحق الله في نصوص كثيرة، وكان متكئاً فجلس؛ لأن الإشراك بالله يستبعد وقوعه من المسلم، عقوق الوالدين أيضاً كثير من المسلمين الأصل فيهم الوفاء مع عامة الناس فضلاً عن أعظم الناس عليهم حقاً، لكن الأمر الثالث والدواعي إليه تجر إلى التساهل فيه فاحتاج أن يهتم له النبي -عليه الصلاة والسلام- "وكان متكئاً فجلس، فقال: ((ألا وقول الزور))" قول الزور وشهادة الزور قد يدعو إليها ما يدعو، إما حمية يشهد لقريبه، أو إحن وعداوات، فيشهد على عدوه، أو طمع دنيا فيشهد لراشيه، أو خوف فيشهد لمن هدده، أو رجاء بأن يرجو فلاناً أن يعطيه أو يزوجه، أو يوليه ولاية أو ما أشبه ذلك، المقصود أن الدواعي كثيرة، فاهتم النبي -عليه الصلاة والسلام- لها.

((ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور)) ومن لم يدع قول الزور فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، فقول الزور شأنه خطير، وشهادة الزور أمرها عظيم، والمتلبس بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور، الذي في المجالس أنا فعلت، أنا فعلت، أنا حفظت، أنا تركت، أنا علمت، أنا قرأت، أنا سويت وهو ما سوى شيء هذا كلابس ثوبي زور.

"فما زال يكررها" ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور "فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت" شفقة عليه، -عليه الصلاة والسلام-، شفقة على النبي -عليه الصلاة والسلام- كررها حتى أشفقوا عليه، اهتماماً بها، جاء في أحاديث بيان بعض الكبائر كالسبع الموبقات، وقيل لابن عباس: الكبائر سبع؟ قال: هي إلى السبعين أقرب، وفي رواية: إلى السبعمائة، وألف في الكبائر كتب، من أجمعها كتاب الزواجر عن اقتراب الكبائر، والكبائر للذهبي، كتب يعني في هذه المسألة، نعم.

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لو يعطى الناس بدعواهم))" جمع دعوى، وجمع الدعوى دعاوي ودعاوى، كالفتوى جمعها فتاوي وفتاوى ((لو يعطى الناس)) كل من أدعى شيء قيل له: خذ، لو يعطى الناس كل من يدعي يُعطى إياه، يدعي زيد على عمرو أن في ذمته له مبلغ كذا قال: ي الله أدفع، يدعي عمرو أن فلاناً قتل ابنه، قال: خذ اقتله، لو يدعي بكر أن فلاناً زوجه ابنته أمسك بيد زوجتك، لو المسألة هكذا وش يصير الوضع؟ نعم ((لادّعى ناس دماء رجال)) يعني لولا أن هناك ضوابط تضبط أمور الناس لصارت الحياة لا تطاق، لو كل من أدعى شيء قيل له: خذه، ما بقي شيء؛ لأنهم ليس الناس كلهم على مستوى واحد من التدين والورع والتقوى والالتزام والانقياد ((لادعى ناس دماء رجال)) هذا قتلني، هذا قتل ولدي، هذا قتل أبي ((لادعى ناس دماء رجال وأموالهم)) هذا سرق مني، هذا اقترض مني، هذا استدان مني ((ولكن اليمين على المدعى عليه)) والمدعي عليه البينة ((شاهداك أو يمينه)) فاليمين في الغالب تكون في الجانب الأقوى، المدعي يدعي خلاف الأصل فجانبه ضعيف يحتاج إلى بينة قوية تشهد له بأنه يستحق ما أدعاه، ما وجد بينة جانب المدعى عليه قوي؛ لأن معه الأصل، الأصل أن ما في ذمته شيء، لكن ما دام أدعى عليه هذا، والأصل في المسلم أنه يوجد نسبة عنده من الصدق ترجح شيء من جانبه تطلب اليمين لترفع أثر هذه الدعوى فيحلف المدعى عليه، وتنتهي القضية، وهل ترتفع القضية بيمين المدعى عليه أو ترفع الدعوى؟ يعني بيمين المدعى عليه ترفع الدعوى أو تنتهي القضية؟ وش الفرق بينهما؟ إذا قلنا: تنتهي القضية، نعم صحيح، إذا قلنا: إنها ترفع الدعوى، متى وجد المدعي بينة يحكم له، ولو حلف المدعى عليه، وإذا قلنا: إنها تنهي القضية، معناه لو أحضر ما أحضر خلاص انتهت، وهذه مسألة خلافية بين أهل العلم، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"