شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (229)

المقدم:

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، أسعد الله جميع أوقاتكم بالخيرات والمسرات، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة، الشيخ الدكتور عبد الله الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: كنا في الحلقة الماضية قد ابتدأنا في كلام حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه- في أول الحديث وتوقفنا عند قوله: أي الناس أعلم؟ فقال أنا أعلم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، في آخر الحلقة السابقة ذكرنا رواية النسائي من طريق عبد الله بن عبيد عن سعيد بن جبير بهذا السند قام موسى خطيبًا، فعرض في نفسه أن أحدًا لم يؤت من العلم ما أوتي، وعلم الله بما حدث به نفسه، وعلم الله بما حدث به نفسه، فقال: (يا موسى إن من عبادي من أتيت من العلم ما لم أؤتك)، وسبق الكلام في كونه حديث نفس أو تصريح، وهل يؤاخذ على حديث النفس أو لا يؤاخذ؟ لا نعيده هنا، وعند عبد الرزاق عن معمرو عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير فقال: ما أجد أحدًا أعلم بالله وأمره مني، عند عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير فقال: ما أجد أحدًا أعلم بالله وأمره مني، ولعله استند في ذلك إلى أنه نعم النبي الرسول، ومقتضى ذلك أن يكون أعلم ممن أرسل إليهم، يكون مثل هذا الكلام استنادًا لمثل هذا، والعتب من جهة أنه لم يكل العلم إلى الله -جل وعلا-، وهو عند مسلم من وجه آخر عن أبي إسحاق بلفظ: (ما أعلم في الأرض رجلًا خيرًا أو أعلم مني) القصة تكررت إلا واحدة.

المقدم: لا واحدة التي حصلت.

إذًا اختلاف هذه الروايات من تصرف الرواة، من تصرف الرواة، ومر بنا مرارًا أن رواية الحديث بالمعنى جائزة عند جمهور العلماء، وبعض العلماء يجبن من أن يقول: إن هذا من تصرف الرواة، وذاك أرجح مع أن الرواية المرجوحة في الصحيح مثلًا؛ لأن هذه في رواية مسلم، في صحيح مسلم، فيقول إذا وجد تعارض ظاهر يقول بتعدد القصة مرة قال كذا، ومرة قال كذا، ومرة قيل له كذا، ومرة قيل له كذا، وهذا منهج لبعض أهل العلم حتى إن بعضهم يبالغ في مثل هذا حتى إن.. يعني يحكم بتعدد القصة، ولو لم يكن لهذا الاختلاف أثر، ومنهم من يجرؤ على ترجيح بعض الروايات على بعض، ويجزم بأن بعضها راجح، وبعضها مرجوح، فيحكم على المرجوح بأنه شاذ، وهما طريقان لأهل العلم ، ومن أوضح ما يمثل به لهذا صلاة الكسوف، جاءت على أوجه مختلفة، والمجزوم به أنه ما حدثت إلا مرة واحدة، وبعضهم يقول بتعدد القصة؛ لأن الصور اختلفت.

المقدم: لكن هل يستقم هذا يا شيخ التعدد إذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يحكي حالًا لا يمكن أن تتعدد فيها ألفاظ الرواية أو الرواة، يعني مثلًا أن موسى قام خطيبًا أو حدث نفسه، يعني فرق شاسع بين القضيتين قضية يكون الخطيب وقضية يحدث نفسه ما يمكن أن يتصرف الرواة في هذا الحادثة.

لا لا يمكن الخطيب ويسأل أي الناس أعلم؟ ولا يجيب، ما يجيب بلفظه.

المقدم: إنما يحدث نفسه.

يحدث نفسه حديث النفس ما يمشي.. تلقائي.

المقدم: ويأتي الرواة يأخذ الجزء المتعلق بتحديث النفس؟

نعم. على كل حال الاختلاف في مثل هذه الرواية واضح، لاسيما من رواية النسائي التي فيها أنه عرض في نفسه، وعلم الله بما حدث به نفسه، نعم إن ذهبنا إلى الترجيح فما في الصحيح أرجح بدون إشكال، يعني لا يمكن أن يقارن ما في النسائي بما في الصحيحين، وإن أردنا الجمع فلا مانع من أن نقول إنه عرض لنفسه أولاً ثم حدث به.

 في شرح ابن بطال يقول: كان ينبغي أن يقول -يعني موسى -عليه السلام-: الله أعلم. الله أعلم، الله أعلم أي الناس أعلم، هو سئل أي الناس أعلم؟ فيقول: كان ينبغي أن يقول موسى -عليه السلام-: الله أعلم أي الناس أعلم، ظاهر؟ يعني جواب.. مطابقة الجواب للسؤال؛ لأنه لم يحط علمًا بكل عالم في الدنيا، وقد قالت الملائكة: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة:32]، وسئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الروح وغيره فقال: «لا أدري حتى أسأل الله تعالى»، وقد قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:36] فيجب على من سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، وقد قال مالك: جنة العالم لا أدري، فإذا أخطأها أصيبت مقاتله، قال مالك: وكان الصديق يُسأل فيقول: لا أدري، وأحدهم اليوم يأنف أن يقول: لا أدري، فليس المجترئ لحدود الإسلام كالذي يموج ويلعب، يعني ليس الذي يموج في حدود الإسلام كالذي يموج ويلعب ويتحدث في الكلام العادي، وهذا في عهد مالك، وأحدهم اليوم يأنف أن يقول: لا أدري، فكيف لو رأى من لا صلة له بالعلم لا من قريب ولا بعيد وهو يتحدث في القضايا الكبرى للأمة التي مردها إلى الله ورسوله وسلف الأمة؟ بل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعض القضايا التي يتحدث بها نكرات من الناس اليوم يجمع لها أهل بدر، والله المستعان.

 وقال مالك: سمعت ابن هرمز يقول: ينبغي للعالم أن يورث جلسائه من بعده: لا أدري؛ حتى يكون أصلًا في أيديهم، وتعقب ابن المنير كلام ابن بطال من وجهين: الوجه الأول يقول ابن المنير: ظن ابن بطال أن ترك موسى الجواب عن هذه المسألة كان أولى، نعم ظن.. يقول ظن ابن بطال أن ترك موسى الجواب عن هذه المسألة كان أولى، قال: وعندي أنه ليس كذلك، بل رد العلم إلى الله تعالى متعين أجاب أو لم يجب، فلو قال موسى: أنا والله أعلم. لم تحصل المعاتبة، يعني كلام ابن بطال يفهم أنه لا يقول أنا إنما يقول الله أعلم، يترك الجواب، ويقول: وعندي أنه ليس كذلك، بل رد العلم إلى الله تعالى متعين يقول: الله أعلم سواء أجاب بقوله أنا أو لم يجب، فلو قال موسى: أنا والله أعلم لم تحصل المعاتبة، وإنما عوتب على اقتصاره على ذلك أي لأن الجزم يوهم أنه كذلك في نفس الأمر، وإنما مراده الإخبار بما في علمه كما قدمناه.

 التعقب الثاني لابن المنير لكلام ابن بطال تعقبه كلام ابن بطال أحق يعني في التأكيد على قوله: لا أدري، لكن هل هو مناسب في هذا المقام؟ والكلام بإزاء نبي معصوم؟ التعقب الثاني في إيراده في هذا الموضع كثيرًا من أقوال السلف في التحذير من الدعوى في العلم، والحث على قول العالم: لا أدري، بأن سياق مثل ذلك في هذا الموضع غير لائق، يعني الانتباه إلى مثل هذه الدقيقة لا شك أنها تُحفظ لابن المنير، يعني قد يكون ابن بطال غفل عنها، يعني لو كانت لعالم من العلماء أو لآحاد من الناس، ويكثر من مثل هذا الكلام؛ لأن العلماء وطلاب العلم بأمس الحاجة إلى مثل هذا الكلام، لكن الكلام بصدد نبي معصوم.

 قال ابن حجر: وهو كما قال -رحمه الله- فليس قول موسى، ليس قول موسى -عليه السلام-: أنا أعلم كقول أحد الناس مثل ذلك، ولا نتيجة قوله كنتيجة قولهم، فإن نتيجة قولهم العجب والكبر، ونتيجة قوله المزيد من العلم، نعم المزيد، ما وجه التفريق؟ يعني العالم غير المعصوم، العالم الذي من صفته أنه غير معصوم إذا قال: أنا أعلم. ما الذي يتبادر إلى قلبه؟ العجب والكبر، لكن موسى معصوم من مثل هذا إذًا ما الذي يليق به؟ المزيد من العلم الذي أورثه شكر هذه النعمة، فإذا قال: أنا أعلم واستحضر شكر هذه النعمة، واقتضى ذلك المزيد من العلم، يعني كلام ابن حجر دقيق في غاية الدقة، وهو كما قال -رحمه الله-: إذ ليس قول موسى -عليه السلام-: أنا أعلم، كقول آحاد الناس مثل ذلك، ولا نتيجة قوله كنتيجة قولهم، فإن نتيجة قولهم العجب والكبر، ونتيجة قوله المزيد من العلم، يعني الذي انبنى على شكر هذه النعمة التي اعترف بها، نعم التي اعترف بها والحث على التواضع والحرص على طلب العلم واستدلاله بها أيضًا على أنه لا يجوز الاعتراض بالعقل على الشرع خطأ؛ لأن موسى في كلام ابن بطال في آخر كلامه مقتضاه أن موسى -عليه السلام- اعترض بعقله على الخضر في القضايا التي ذكرت حينما اقتلع أو خرق السفينة، وحينما قتل الغلام، وحينما أقام الجدار، يقول أنه اعترض على الشرع بالعقل، استدل بأنه لا يجوز الاعتراض بالعقل على الشرع.

 نقول هذا خطأ، لماذا؟ لأن موسى إنما اعترض بما عنده من شرع، يعني لو اعترض إنسان، لو جاء إنسان وكسر متاعًا واعترض عليه يلام؟

المقدم: بلى يلام.

 نعم ولو كان في علم الفاعل ما لا يوجد عند علم المعترض، يعني لو مثلاً عرف هذا أن هذه الآلة عند هذا الرجل يريد ظالم أن يعتدي عليه فيقتله؛ ليحصل على هذه الآلة، فجاء هذا الشخص الذي عنده هذا الخبر فكسر هذه الآلة.

المقدم: ما يستقيم، ما يقبل.

في علمه أنه ارتكب أخف ضررين، هو عنده علم يقيني، أو غالب على الظن أن هذا الرجل صاحب هذه الآلة يدبر له مكيدة من أجل أن يستحوذ على هذه الآلة، فجاء فكسر هذه الآلة.

المقدم: ولو حتى لو.

أنت الآن ألا تفدي نفسك أو ولدك بآلة عندك؟ وهذا عنده علم يقين سمع بأذنه، أو بلغه بطريق لا يقبل الشك أن هذا الرجل الذي عنده هذه الآلة يعتدى عليه من أجل هذه الآلة، قد يقتل ليستولى على هذه الآلة، فكونه يكسر هذه الآلة يؤجر عليها، لكن الذي يراه ولا يعرف هذه المكيدة، الذي يراه يكسر هذه الآلة، ولا يعرف هذه المكيدة المدبرة يلومه ومعه حق، فكلاهما محق، استوعبت أم لا؟

المقدم: بلى.

كأنه يقول: لأن موسى إنما اعترض بظاهر الشرع لا بمجرد العقل، يعني ظاهر الشرع أنه مادام خرق السفينة أخطأ.

المقدم: ضرار.

 وقتل الغلام ضرار، وهكذا حينما أقام الجدار، وقد أبوا أن يضيفوهم، إنما اعترض بظاهر الشرع لا بالعقل المجرد، ففيه حجة على صحة الاعتراض بالشرع على ما لا يسوغ فيه، ولو كان مستقيمًا في باطن الأمر، يعني الذي ينكر على هذا الشخص الذي كسر هذه الآلة في مثالنا لا يلام؛ لإعماله للظاهر، وكون الآخر علمَ علم يقين أن الرجل سوف يتضرر ضررًا أبلغ من بقاء هذه الآلة أيضًا يلام أم ما يلام؟ لا يلام.

فعتب الله عليه في تهذيب الصحاح لمحمود بن أحمد الزنجاني المتوفى في فاجعة بغداد سنة ست وخمسين وستمائة، عتب عليه يعتب ويعتب عتبًا ومعتبًا، معروف، الصحاح للجوهري له مختصرات كثيرة، من أهمها هذا المختصر، وفيه أيضًا كتاب متداول بين أيدي الناس لصغر حجمه اسمه مختار الصحاح للرازي، لكن هذا أنفس، في تهذيب الصحاح لمحمود بن أحمد الزنجاني المتوفى في فاجعة بغداد عتب عليه يعتب ويعتُب عتبًا ومعتًبا.

 فيما يتعلق بقول الله أعلم أشار العيني -رحمه الله- أن العلماء يتأدبون بهذا الأدب الشرعي فيختمون كل فتوى بقولهم: (والله أعلم)، وهذه لافتة طيبة أنه ينبغي أن تختم الفتاوى بهذا، نعود إلى كلام الزنجاني في تهذيب الصحاح عتب عليه يعتب ويعُتب عتبًا ومعتبًا، والعتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة، وأعتبني فلان أي عاد إلى مسرتي، والاسم منه العتبى، واستعتب أي طلب أن يعتب، وفي القاموس: العتب الموجدة كالعتبان والمعتب والمعتبة والملامة، العتب الموجدة كالعتبان والمعتب والمعتبة والملامة، يعني عطف على العتب عطف على الموجدة، كالعتاب والمعاتبة والتعتب والتعاتب والمعاتبة تواصف الموجدة، ومخاطبة الإدلال والعتب بالكسر المعاتبة كثيرًا.

 وفي فتح الباري: العتب من الله محمول على ما يليق به، لا على معناه العرفي في الآدميين كنظائره، يعني ما جاء فيما يتعلق بالله -جل وعلا- مما يوصف به ومحمول على ما لا يليق بجلاله وعظمته من غير نظر إلى ما يليق بالمخلوق؛ لأنه بالنسبة للمخلوق قد يوهم نقصًا، فما يتعلق بالله -جل وعلا- فإنه لا يحتمل النقص بوجه من الوجوه، العتب من الله محمول على ما يليق به لا على معناه العرفي في الآدميين كنظائره، فيه ملاحظة على كلام ابن حجر؟ ما فيه ملاحظة؛ لأنه حمله على ما يليق بالله -جل وعلا- كما يقول أهل السنة، وإن كان أصل اللفظ إذا نظرنا إليه في المخلوق فيه ما فيه.

وفي عمدة القاري: قوله فعتب الله عليه أي لم يرض قوله شرعًا، فإن العتب بمعنى المؤاخذة وتغير النفس، وهو مستحيل على الله سبحانه وتعالى، أي ما يليق بالمخلوق لا شك أنه مستحيل بالنسبة لله تعالى؛ لأنه ليس كمثله شيء، وهو من باب ضرب يضرب ويقال: أصل العتب المؤاخذة يقال منه: عتب عليه، فإذا واخذه بذلك وذكر له قيل عاتبه والتغير والمؤاخذة في حق الله تعالى محال، فيراد به لم يرض بقوله شرعًا ودينًا، مثل هذه المسائل الدقيقة تخفى على كثير من المتعلمين؛ لأننا إذا قلنا: إن ما يضاف إلى الله -جل وعلا- مما جاء في كتابه أو صح عن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، نطلقه كما يليق بجلال الله وعظمته، ويُمر كما جاء أننا نوافق في ذلك قول أهل التفويض، والفرق بين قول أهل السنة يمر كما جاء، وأنه كما يليق بالله -جل وعلا-، ولا يتعرض لكيفيته وبين قول أهل التفويض، ظاهر أم ليس بظاهر؟ ظاهر؛ لأن أهل السنة يجزمون أن لها معنى يليق بالله- جل وعلا-، وأهل التفويض.

المقدم: يثبتون الصفة، ولا يثبتون الكيفية.

أهل السنة يثبتون الصفة ويعتقدون أن لها معنى، وأهل التفويض قولهم أشبه بإثبات اللفظ الذي لا معنى له، كاللفظ المقلوب مثلًا ديز مثلاً قال عكس زيد، أهل التفويض يظنون أن هذه اللفظة ينبغي أن يكون الإنسان بالنسبة لها مما ثبت لله -جل وعلا- كموقفه بالنسبة للكلمة التي لا معنى لها، وأهل السنة يثبتون معناها، ويعتقدون أن لها معنى، لكن الكيفية كيفية هذا المعنى باعتبار أن ما ينسب إلى الله -جل وعلا- أمر غيبي، يعني ما جاءنا تفصيل الكيفية عمن يثبت هذا التفصيل بقوله في كتاب الله وسنة نبيه –عليه الصلاة والسلام- لأن هذا أمر لا تدركه العقول، ولا يستدل له بما قبله وبعده من السياق، فعلى هذا يقف أهل السنة في مثل هذا مع جزمه بأن له معنى يليق بالله -جل وعلا-، وأما الكيفية فموكولة إلى الله -جل وعلا-، ولذا قال الإمام مالك: الاستواء معلوم، يعني معناه معروف، لكن كيفيته مجهول، والكيف مجهول؛ لأنه وجد من يكتب الآن في الإنترنت أنه يدور بين العلماء وطلاب العلم أن التفويض مذموم، لكنه في الحقيقة هو مقتضى قول السلف، وأنهم يمرون الآيات والنصوص كما جاء هذا كتب، كتب وأنه مقتضى كلام السلف التفويض، نقول: فرق بين التفويض الذي يتعامل مع الكلمة كأنها كلمة لا معنى لها ألبتة، مثل ما مثلنا بديز مثلًا، قال: هذا هو مقتضى التفويض وبين مقتضى قول أهل السنة الذين يعتقدون أن لها معنى، لكن الله أعلم بكيفيته على ما يليق بالله- جل وعلا-.

المقدم: رسالة مذهب التفويض اطلعتم عليها يا شيخ؟ للدكتور أحمد القاضي.

ما رأيتها.

روي عن أبي -رضي الله عنه- أنه قال: أعجب موسى بعلمه فعاتبه الله بما لقي من الخضر، قال العلماء: هذا من باب التنبيه لموسى والتعليم لمن بعده؛ لئلا يقتدي به غيره في تزكية النفس، والعجب بحالها فيهلك، يعني قوله: أعجب موسى بعلمه، يعني كونه خطر في باله هل نقول إنه أعجب، كونه خطر في باله أنه.. هذا عندهم مما يستند إليه أنه أعلم؛ لكونه نبيًّا مرسلًا، ولا يعرف في زمنه من هو أعلم منه، ومن مقتضى الرسول أن يكون أعلم من المرسل إليهم، كونه جال في خاطره هذا الجواب أو تكلم به لا نقول إن هذا من باب الإعجاب، لكنه من باب التنبيه على خلاف الأولى؛ لئلا يقتدي به غيره يعني ممن يواكب قوله أنا أعلم، العجب وتزكية النفس العجب.. تزكية النفس والعجب بحاله فيهلك.

 عرفنا أن العجب داء خطير، ومع الأسف أنه يوجد ما يدل عليه في تصرفات بعض الناس الإعجاب بالنفس، وقد يوجد في حلقات العلم الشرعي؛ لأنه يوجد بعض الطلاب من يبادر، يُسأل الشيخ عن شيء فيبادر الطالب بالجواب لا شك أن هذا تعالم وإظهار لما في النفس وإعجاب بها، وإلا لو عرف أن عليه أن يتأدب بحضرة الشيخ إلا إذا طلب منه الجواب؛ لأن الشيخ قد يلقى إليه سؤال فيلقيه على طالب وعلى المجموع الطلبة من باب الاختبار لهم، وقد يكون الشيخ لا علم له بهذا الجواب، ليس المفترض أن العالم يكون عالمًا بكل شيء؟ لا، قد يكون العالم لا علم له بهذا، فيطرحه على من حوله.

المقدم: البعض يفرق بين العجب والكبرياء يا شيخ والكبر، هل لهذا التفريق أصل؟ يعني يذكر بعضهم أن الكبر لابد فيه من طرفين، فلا يتكبر الإنسان إلا على متكبر عليه، وهو يكون للمنزلة، والعجب يكون بالشخص قد لا يكون شخص معجب عليه إنما قد يعجب الإنسان بنفسه وهو في غرفته، لكن لا يمكن أن يتكبر وهو في غرفته مثلاً.

قد يختال في غرفته، والباعث لهذا الاختيال إما الكبر أو العجب أيضًا، فهما متقاربان جدًّا.

 إذ لم يرد العلم إلى الله، قال الكرماني: يجوز فيه وفي أمثاله ضم الدال وفتحها وكسرها، يعني لم يرد وتقدم الكلام في حديث أبي هريرة فقال: ضمُّه ضمُّه، الضم على الإتباع للراء لم يرد، والفتح لخفته، وبالكسر على الأصل في الساكن إذا حرك، وجوز الفك أيضًا إذ لم يربط، وهذا تقدم الكلام فيه مبسوطًا. العلم المسؤول عنه إلى الله كذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني وعند غيره إليه، إذا لم يرد العلم إليه، قال الكرماني: يعني كان حقه أن يقول: الله أعلم به، فإن مخلوقات الله سبحانه وتعالى لا يعلمها إلا الله، قال الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [القيامة:31] .

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، نستكمل بإذن الله ما تبقى في حلقة قادمة وأنتم على خير. شكرًا لطيب المتابعة، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.