كتاب بدء الوحي (044)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا ينقل عن السيوطي في التدريب يقول: إن أكابر التابعين الفقهاء السبعة ابن المسيب أي سعيد، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد بن ثابت، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسليمان بن يسار، وجعل ابن المبارك سالم بن عبد الله بدل أبي سلمة، وجعل أبو الزناد بدلهما أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.

يقول ابن الصلاح: من أكابر التابعين الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وهم سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وخارجة بن زيد وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار، روينا عن الحافظ أبي عبد الله أنه قال: هؤلاء هم الفقهاء السبعة عند الأكثر من علماء الحجاز، وروينا عن ابن المبارك قال: كان فقهاء أهل المدينة الذين يصدرون عن رأيهم سبعة، فذكر هؤلاء إلا أنه لم يذكر أبا سلمة بن عبد الرحمن، وذكر بدله سالم بن عبد الله بن عمر. قال: وروينا عن أبي الزناد تسميتهم في كتابه عنهم، فذكر هؤلاء، إلا أنه ذكر أبا بكر بن عبد الرحمن بدل أبي سلمة وسالم. المقصود أن السابع مختلفٌ فيه، السابع مختلف فيه هل هو أبو بكر بن عبد الرحمن أو أبو سلمة أو سالم بن عبد الله بن عمر؟

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:

فالجملة جملة: وهو يحدث" ذكرنا أنها جملة حالية أي قال ذلك في حال التحديث، وعرفنا أنها جملة مضارع مسبوقة بالواو والضمير، هذا هو الأصل، لكن إذا لم تُسبق بالواو يقول أنس بن مالك: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول، يقول هذه جملة المضارع، والضمير فيها مستكن يعود إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والجملة في موضع نصب على الحال، خلت من الواو ومن الضمير أيضًا. حوت ضميرًا مستترًا، ولا تحتاج إلى ضمير متقدِّم، لكن لو اقترنت بالواو لا بد أن يؤتى بضميرٍ يتقدَّمها يُسنَد إليه الفعل، وهذا ذكرناه في الدرس الماضي.

"عن فترة الوحي" فترة الوحي هو احتباسه عن النزول، وقد مرّ عليه الكلام مُفصلاً في الحديث السابق.

(فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديثه: «بينا أنا أمشي») بين أصله بين فأُشبعت فتحة النون فصارت ألفًا، وهي ظرف زمان مكفوف بالألف، مكفوف عن ماذا؟

طالب:...

معروف أن الذي يُكَف عن العمل هو الحرف من: إنَّ وأخواتها بما، بينما كأنما، تكُفها عن تكفها عن العمل، لكن ما الذي تعمله بين؟ تكفها عن الإضافة، يعني فلا يكون الذي بعدها مجرورًا بالإضافة، نسمع ما يقوله أهل العلم: وهي ظرف زماني مكفوف بالألف عن الإضافة إلى المُفرد، والتقدير بحسب الأصل، يعني قبل الكف بما: بين أوقاتٍ. كذا في القسطلاني، وفي شرح الكرماني يقول: هي من الظروف الزمانية اللازمة للإضافة إلى الجملة الاسمية، والعامل فيه الجواب إذا كان مجردًا من كلمة المفاجأة. بينما أنا أمشي أو بينا أنا أمشي فيه مفاجأة أم ما فيه؟ إذ حرف المفاجأة، إذ ماذا يكون؟

فقال في حديثه: «بينا أنا أمشي إذ سمعتُ»، وهنا يقول الكرماني يقول: فقال في حديثه: «بينا أنا أمشي إذ سمعتُ صوتًا» يقول: إذا خلت عن المجاورة المفاجأة، ومن الظروف الزمانية اللازمة للإضافة إلى الجملة الاسمية والعامل فيه الجواب، إذا كان مجردًا من كلمة المفاجأة، وإلا فمعنى المفاجأة المتضمِنة هي إياها، يعني العامل فيها ما تضمنه إذ من معنى المفاجأة. وتحتاج إلى جوابٍ يتمّ به المعنى، وقيل: اقتضى جوابًا؛ لأنه ظرفٌ متضمنٌ معنى المجازاة، يعني كالشرط، والأفصح في جوابه أن يكون فيه إذ وإذا، الأفصح في جوابه أن يكون فيه إذ وإذا، والذي عندنا: إذ، خلافًا للأصمعي، والمعنى أن في أثناء أوقات المشي، والمعنى في أثناء أوقات المشي فاجأني السماع، فاجأني السماع.

وقال ابن الملقن في توضيحه: قوله: بينا قال الجوهري: فعلى أُشبعت الفتحة فصارت ألفًا ويزاد عليها ما، فيقال: بينما، والمعنى واحد، تقول: بينا نحن نرقبه أتانا، وكان الأصمعي يخفض بعد بينا، يخفض بعد بينا بناءً على أن الأصل في بينا أنها تُضاف، وحينئذٍ لا تكفها الألف عن الإضافة عند الأصمعي. وكان الاصمعي يخفض بعد بينا إذا صلح في موضعه بين، إذا صلح في موضعه بين، وغيره يرفع ما بعد بينا وبينما على الابتداء، يعني بناءً على أن الألف مكفوفة.

الآن لو رفعنا بينا ووضعنا مكانها: بين، يستقيم الكلام أم ما يستقيم؟ بين أنا أمشي؟

طالب:...

بين أنا أمشي، أنت يمكن أن تضعه في الجملة؟

طالب:...

تكون مضافة إلى الجملة؟ يقول: إذا صلح في موضعه بين، يعني إذا رفعناها ووضعنا مكانها بين يستقيم الكلام أم ما يستقيم؟

طالب:...

نقول: إذا كانت هذه الألف هي ألف إشباع فألف الإشباع لا مانع من حذفها، لا مانع من حذفها إذا كانت لمجرد الإشباع ليس لها معنى إلا الإشباع فلا مانع من حذفها، وحينئذٍ يصلح في مكانها بين. وغير الأصمعي يرفع ما بعد بين وبينما على الابتداء، فيكون أنا مبتدأ، أمشي الجملة خبره.

 «إذ سمعتُ» جواب بين، «صوتًا من السماء» من السماء أي من جهة السماء وهي العلو يعني لا يراد حقيقة الجرم المعروف بالسماء وإنما يُراد جهة العلو لماذا؟ لأنه سيأتي في بعض الروايات: «فإذا به بين السماء والأرض» فدل على أنه في جهة العلو، «فرفعتُ بصري»، فرفعتُ بصري، فإذا الملك جبريل، فإذا الملك جبريل، قال العيني: كلمة إذا هاهنا للمفاجأة، وهي تختص بالجمل الاسمية، ولا تحتاج إلى الجواب، ولا تقع في الابتداء، ومعناها الحال لا الاستقبال، يعني من باب أولى: ولا المضي، خرجتُ فإذا زيد، هل هذا في الاستقبال أو في المضي؟ خرجت فإذا زيد، في الحال، لا الاستقبال، نحو خرجت فإذا الأسد بالباب.

 وهي حرف عند الأخفش واختاره ابن مالك، وظرفٌ أو ظرف مكان عند المُبرِّد واختاره ابن عصفور، وظرف زمانٍ عند الزَّجّاج واختاره الزمخشري. يعني يمكن في حرفٍ واحد أن يُختلف في معناه إلى هذا الحد في الاختلاف؟ حرف عند الأخفش، أو ظرف زمان، أو ظرف مكان، إذا قلنا إنها حرف فمعناها أنها لا يمكن أن تدخل عليها علامات الاسم ولا علامات الفعل، ومعناها لا يتبين بمفردها، بل يتبين بما بعدها وما قبلها، وإذا قلنا: ظرف مكان كما يقول المُبرِّد أو ظرف زمان كما يقول الزجاج فهي أسماء، ظرف مكان في قولهم: خرجتُ فإذا الأسد بالباب، ظرف مكان. يعني مكانه بالباب، أو مكانه الباب، وظرف زمان عند الزجاج، واختاره الزمخشري: خرجتُ فإذا الأسد في الوقت الذي خرجتُ فيه بالباب.

أحيانًا يكون التردد ببين أمرين أو ثلاثة لكل واحدٍ منها وجه خاتم من حديد، «التمس ولو خاتمًا من حديد» مِن هذه بيانية أم تبعيضية؟ والخاتم أليس بجزء من الحديد؟

طالب:...

نعم؟

طالب:...

نعم، ومَن أحيانًا يشوبها الشرطية، وأحيانًا يشوبها في الوقت نفسه أنها كونها موصولة.

طالب:...

ماذا تكون؟

طالب:...

لأنه فجائية؟

طالب:...

نعم، قال: وهي حرفٌ عند الأخفش، والأخفش إذا أُطلق يراد به الأوسط سعيد بن مَسعَدة، وكما يقولون: الأخافش بضعة عشر، واختاره ابن مالك، وظرف مكان عند المُبرِّد واختاره ابن عصفور، وظرف زمانٍ عند الزَّجَّاج واختاره الزمخشري. فإن قلتَ: ما الفاء في: فإذا؟ فإذا المَلَك.

طالب:...

هذا الكلام للعيني يقول: فإن قلتَ: ما الفاء في فإذا؟ قلتُ: زائدة، زائدةٌ لازمة عند الفارسي والمازني وجماعة، وعاطفة عند أبي الفتح ابن جِنّي، وعاطفة عند أبي الفتح، وللسببية المحضة عند أبي إسحاق، الذي هو الزَّجَّاج.

«الذي جاءني بحراء» «الذي جاءني بحراء» يعني كما مرّ ذكره في الحديث السابق حديث عائشة والكلام عليه مفصلًّا تقدم.

«جالسٌ» عندنا في البخاري «جاءني بحراء جالسٌ» بالرفع كما في البخاري، وفي مسلم: جالسًا بالنصب، جالسًا بالنصب، يقول العيني: إذا نُصِب أو إذا فهو على الحال، إذا نُصِب جالسًا فإذا الملَك الذي جاءني بحراء جالسًا هذه تكون حالية، فماذا يكون خبر المبتدأ؟ فإذا الملَك جالسٌ جملة مبتدأ وخبر، وجالسًا حال، وحينئذٍ المبتدأ يحتاج إلى خبر؛ لأنه الجزء المُتم الفائدة، فماذا يكون خبر المبتدأ وقد قلت إن إذا المفاجِئة تختص بالاسمية، يعني ما تُقدِّر قبل الملَك فعلًا، تختص بالاسمية.

 قلتُ: حينئذٍ يكون الخبر محذوفًا مُقدرًا ويكون التقدير: فإذا الملَك الذي جاءني بحراء شاهدته حال كونه جالسًا على كرسي أو نحو ذلك. يقول النووي في شرح مسلم: جالسًا كذا هو في الأصول، وجاء في رواية: «وإذا الملَك الذي جاءني بحراء واقفٌ بين السماء والأرض»، وفي طريقٍ آخر: «على عرش بين السماء والأرض»، ولمسلم: «فإذا هو على العرش في الهواء»، وفي رواية: «على كرسيٍ» وهو تفسير العرش المذكور، جالسٌ على كرسي هذه الرواية التي معنا، قال أهل اللغة: العرشُ السرير، وفي شرح النووي على القطعة التي شرحها من صحيح البخاري من بدء الوحي والإيمان قال: الكُرسي معروف، الكرسي معروف، وفيه لغتان: ضم الكاف وكسرها. كُرسي، وكِرسي. والضم أفصح وأشهر، وجمعه: كراسي بتشديد الياء وتخفيفها، جمعه، الكرسي ياؤه مشددة، ما تحتمل غير هذا، ولا تُخفَف، ولذا يُمثِّلون بها ياء النسب، يلحقون بها ياء النسب في التشديد: ياءٌ كيا الكرسي زيدت للنسب؛ لأنها مُشددة، ياء الكرسي مشددة وكذلك ياء النسب مُشددة، ويُخطئ من يُخففها، وجمعه كراسيّ بتشديد الياء وتخفيفها لغتان، الجمع يجوز تخفيفه وتشديده، قال ابن السِكيت في كتاب الإصلاح إصلاح إيش؟ إصلاح المنطق، في كتابه الإصلاح: كل ما كان من هذا النحو مفرده مشدد، جاز في جمعه التشديد والتخفيف. كسريّة وعاريّة ونظائرهما. سريّة جمعها.

طالب:...

عاريّة؟

طالب: عرايا.

عرايا غير العواري، العرايا غير العواري.

طالب:...

كيف؟

طالب:...

والعواري ما هي؟

طالب:...

لا لا.

طالب:...

عواري فواعل، فواعل لفوعلٍ وفاعلة.

طالب:...

نعم. فواعل لفوعلٍ وفاعلة. عارية يكون جمعه عواري. أما العريا فهي النخلة التي تُوهب أو تُعرى لفلان أو علان. يقول العيني: قال الماوردي في تفسيره، الآن نسمع كثيرًا ابن تيميَة ابن ما أدري من تخفيف وهي ياء النسب خطأ، ياء النسب لا تُخفف، يقول العيني: قال الماوردي في تفسيره: أصل الكرسي العلم، ومنه قيل لصحيفة يكون فيها علم: كَرَّاسة، ومنه قيل لصحيفة يكون فيها علم: كُرَّاسة، وقال الزمخشري: الكرسي ما يُجلَس عليه ولا يفضل عن معقد القاعد، يعني بقدره، الكرسي يكون بقدر القاعد. وفي العُباب: الكرسي من قولهم: كرِس الرجل بالكسر إذا ازدحم علمه على قلبه، الآن إذا قلنا: الكُرسي العلم، ويُذكر عن ابن عباس: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ}[البقرة:255] عِلمه، هل نقول: إن هذا فرار من إثبات الكرسي الذي جاءت به آية الكرسي؟ يعني هل نقول إن كرسيه علمه هذا تأويل؟

طالب:...

ماذا ؟

طالب:...

يعني هل يلزم من تفسير الكُرسي بالعلم نفي القدمين والكرسي موضع القدمين؟

طالب: لا.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

الكلام ليس عليه، ابن عباس فسَّر الكرسي بالعلم، هل نقول: إن هذا فرار من إثبات الكرسي، ويلزم منه نفي القدمين؟ لا، ما يلزم منه، وسع كرسيه؛ لأنه بصدد الكلام عن مخلوق، ليس الكلام عن الخالق، لكن إذا لزم من الكلام لوازم باطلة صار الكلام باطلاً، فهل يلزم من تأويل الكُرسي بالعلم لوازم باطلة؟

طالب:...

يعني الكلام يُنقَل عن حبر الأمة وترجمان القرآن وممن يُقتدى به في هذا الباب، فإذا فسَّر الكرسي بالعلم، وأنه جاء تفسيره بأن الكرسي موضع القدمين، موضع القدمين، هذه الياء التي في الكُرسي العيني يقول: فإن قلت: ما هذه الياء فيه يعني الياء المشددة التي تُنظَّر بها ياء النسب، ما هذه الياء؟ يقول العيني: ليست ياء النسب، ليست ياء النسب، وإنما هو موضوع على هذه الصيغة، موضوع على هذه الصيغة، يعني صورته صورة النسب، وليست بياء النسب، فإذا أُريد النسبة إليه فإذا أريد النسبة إليه زِيد ياء ويكون بياءين، تقول: هذا كرسيي أو تحذف الياء الأصلية وتضيف ياء النسب؟ فلا تختلف صورة المنسوب وغير المنسوب؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

هي مُشددة من الأصل، صورته صورة ياء النسب وليست بياء النسب، من أصل الكلمة، الآن إذا أردت أن تتحدث عن كرسي لشخص غائب أنت تقول: هذا كُرسيّه، وسع كُرسيّه، الياء ثابتة، والضمير الذي يسمونه الكناية عن الغائب ثابت، فإذا أردتَ أن تضيف إلى ياء النسب تنسب الكرسي إليك قلتَ: هذا..

طالب: كرسيي.

هذا الأصل أن تضيف ياءً؛ لأن الياء الأولى أصلية، والثانية ياء النسب، قال: فإذا أُريد النسبة إليه تُحذف الياء منه، ويؤتى بياء النسبة فيُقال: كرسي أيضًا فافهم. يعني هذا كلام العيني، لكن ألا يوقع مثل هذا التصرف في لبس؟ هذا كرسي، الذي يسمعه يظن أنك تخبر عن أن هذا كرسي.

طالب:..

لا، إذا قلت: هذا كرسي أنت تريد أن تنسبه لنفسك.

طالب:...

أنت تخبر عن هذا أنه كرسي فقط أو كرسيك؟ الجملة تامة، على الصيغتين تامة، لكن الفرق أنه كرسي لأي شخص من الناس أو كرسي خاص بك؟ الجملة بجزئيها كاملة: هذا كرسيٌّ، وإذا قلنا بحذف الياء الأصلية وإبدالها بياء النسب ماذا تكون حركتها؟ إذا قلنا: هذا كرسيٌّ انتهى الاشكال لا يُدرى هو لك أم لغيرك، فماذا تقول إذا حذفت الياء الأصلية وأثبت ياء النسب؟ يا إخوان هذا الكلام له نظائر.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لا لا بد من أن تعربه، الكلمة معربة.

طالب:...

هذا إيش؟ تنصب إيش؟

طالب:...

تأملوا يا إخوان، ولا نضيع الوقت على هذه. قال: فإذا أُريد النسبة إليه تحذف الياء منه، ويؤتى بياء النسبة فيقال: كرسيّ أيضًا فافهم. الآن ما الذي يفرق بين كرسيك وكرسي غيرك إذا أخبرت عن كرسي موجود فقلت: هذا كرسي؟

طالب:...

لا فرق بينهما، وحينئذٍ يُوقع في لبس، فلا يُعرف أنت تخبر عن ماهيته أو تُخبِر عن نسبته وإضافته إليك، وما الذي يمنع من ياءين؟ هو ما فيه شك أن أربعة أمثال؛ لأن فيه ياءين مشددتين، وكل حرف مشدد بحرفين تكون أمثالًا أربعة، وهذا فيه ثِقل، وفيه أيضًا توالي أمثال، وهم يكرهونه، لكنه لا مفرّ منه، من أجل التفريق بين هذا الكرسي هل هو مضاف لشخصٍ مُعيّن أو مشاع أو لا يُدرى لمن.

 «بين السماء والأرض» ظرف، ولكنه في محل الجر: كرسيّ بين السماء والأرض، قال: ظرف، ولكنه في محل الجر؛ لأنه صفةٌ لكرسي، وهذا يدل على أن المراد بالسماء جهة العلو. «سمعت صوتًا من السماء» يعني جهة العلو وليس المراد بها الجرم المعروف، يعني إذا قلنا: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}[الملك:16] {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}[الملك:16] ما المراد بالسماء؟

طالب: العلو.

نعم، العلو. العلو. والعلو يتناول القريب والبعيد، يتناول القريب والبعيد.

طالب:...

معروف هذا إذا أردنا الجرم ذكرنا هذا.

«فرُعبتُ منه» قالوا: هو بضم الراء وكسر العين المهملة رُعِبتُ بمعنى فزعتُ، وقال ابن حجر: وللأصيلي بفتح الراء وضم العين، وللأصلي بفتح الراء وضم العين أي فزعتُ، دلّ على بقيةٍ بقيت معه من الفزع الأول، ثم زالت بالتدريج، فلما حصل ما حصل من النزول الأول من الخوف الشديد، وذهب إلى أهله قصّ عليهم ما رأى، وطمأنوه بما ذكروه، وكذلك حصل له شيء من الطمأنينة بلقاء ورقة بن نوفل، زال عنه هذا بالتدريج، وبقيت منه بقية، ولذا قال: فرُعبتُ. وقال العيني بعد أن ذكر الضبطين رعُبت ورُعِبتُ: وهما صحيحان حكاهما الجوهري وغيره.

طالب:...

عندنا الآن نشوف النزول الثاني.

طالب:...

ما هو بالنزول الأول في حديث عائشة، النزول الثاني في حديث جابر.

طالب:...

حصل له رعب. وكلاهما صحيحان، يعني الضبطين، حكاهما الجوهري وغيره، قال يعقوب: رُعِبَ ورَعُبَ، يعقوب من هو؟ هو صاحب الإصلاح، هو صاحب الإصلاح الذي تقدم، ابن السكيت، قال يعقوب: رُعِبَ ورَعُبَ، واقتصر النووي في شرحه على الأول في شرحه على قطعة من صحيح البخاري على الأول: رُعِبتُ، يقول العيني: وقال بعضهم، وقال بعضهم من يقصد؟

طالب:...

ما بعد سمعنا كلامًا حتى نعرف أنه يليق بشيخ الإسلام؛ لأن أحيانًا حتى في الأسماء المشتركة يُميَّز المهمل من هذه الأسماء بنوعية الكلام الذي يقوله؛ لأن الكلام هذا يليق بفلان أو لا يليق؟ ومن هنا يُميِّز المهمل، كثيرًا ما يأتي أهل العلم في الشروح: قال الليث، يعني إن كان الكلام في اللغة فهو شخص، وإن كان في الحديث والرواية فهو شخص، وإن كان في الأحكام فهو شخص، ومثله نحن قلنا الليث يختلف، ومثله أبو حاتم؛ يعني يأتينا كلام في اللغة اختاره أبو حاتم، قراءة اختارها أبو حاتم، ثم يقول أحد: أبو حاتم الرازي أو أبو حاتم ابن حبان، لا لا ما يليق هذا؛ لأن السياق يوضح المراد، وعلى كل حال يقول: قال بعضهم أكثر أو كل ما يعني الاستقراء الحافظ العيني يقصد ابن حجر لا سيما إذا تعقَّبه، إذا تعقَّبه فمجزوم بأنه يريد ابن حجر، وهنا ما فيه تعقب.

 نسمع ما يقول وقال بعضهم: الرواية بضم العين واللغة بفتحها، الرواية بضم العين واللغة بفتحها حكاه السَّباقُسي، والرعب الخوف، قالوا: رعبته فهو مرعوب إذا أفزعتَه، ولا يقال: أرعبته، تقول: رَعَب الرجلَ على وزن فعَلَ كضربَ بمعنى خوَّفه، هذا إذا عديته، فإن ضممت العين قلت: رَعُبتُ منه، وإن بنيته على ما لم يسم فاعله ضممت الراء فقلت: رُعِبتُ منه، وفي البخاري في التفسير ومسلم هنا يعني في الموضع بدء الوحي من صحيح مسلم على ما تقدَّمت ترجمة النووي وغيره: بدء الوحي، وفي البخاري في التفسير ومسلم هنا: «فجُئثْتُ» بضم الجيم وكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة من جُئثَ الرجل إذا فزع أو جَئث الرجل إذا فزع فهو مجؤوث أي مذعور فهو مجؤوث أي معذور، ومادته جيم ثم همزة ثم ثاء مثلثة، قال القاضي: كذا هو للكافة في الصحيحين ورُوي: فجُثِثْتُ بثاءيت، فجُثِثْتُ بضم الجيم وكسر الثاء المثلثة الأولى وسكون الثانية، وهو بمعنى الأول، ومادته جيم ثم ثاءان مثلثتان. وفي بعض الروايات: «حتى هويت إلى الأرض»، «حتى هويت إلى الأرض» أي سقطتُ، أخرجها مسلم، وهو بفتح الواو: هوَيت وهَوِيت، هَويت سقطت، هوِيت أحببت، يعني يقول الشاعر، وهو من شواهد الشروح على الألفية:

أسرب القطا هل من يعير جناحه

 

لعلي إلى من قد هوِيتُ أطي

هوِيت يعني أحببت، وهَويت يعني... {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}[النجم:1] سقط يعني، وفي بعضها: فأخذتني رجفة وهي كثرة الاضطراب، فأخذتني رجفة وهي كثرة الاضطراب فرجعت إلى أهلي، فرجعت إلى أهلي بسبب الرعب كما في القسطلاني، والفاء فيه وفي الذي قبله تصلح للسببية، الإنسان إذا حصل له أمر غريب يعني إما يسُره كثيرًا، أو يحزنه كثيرًا، وهو في تجارته، في محله، في حانوته، يستمر يبيع ويشتري أم يقفل الدكان ويمشي؟ واضح، كل الناس على هذا، إذا حصل لهم شيء يعني يغير في حياتهم إما خبر سارٌّ جدًّا أو يسوؤه جدًّا هذا لا شك أنه لن يستمر في عمله، إذا كان يكتب يطبق القلم ويقوم، أحيانًا يحصل لبعض الناس بيده كتاب يشرح، ثم بعد ذلك يطبق الكتاب ويمشي، جاءه خبر سارٌ جدًّا أو سيء جدًّا، الله أعلم.

«فرجعت إلى أهلي بسبب الرعب» كذا في القسطلاني والفاء فيه وفي الذي قبله فرُعِبتُ فرجعتُ، والفاء فيه وفي الذي قبله تصلح للسببية؛ لأن رؤية الملَك على هذه الحالة سببٌ لرعبه، ورعبه سببٌ لرجوعه، ورعبه سببٌ لرجوعه قاله العيني. «فقلت: زملوني» فقلتٌ زملوني، عندكم كم مرة؟

طالب:...

نعم روايات الصحيح اختلفت، «فقلتُ: زملوني» كذا في رواية الأصيلي وكريمة، يعني مرة واحدة، وفي أكثر الأصول: «زملوني زملوني»، مرتين، وفي رواية يونس في التفسير: «فقلت: دثّروني»، والمعنى واحد، وقد سبق ذكر التزمل والتدثر والتلفّف، وأنها كلها بمعنىً واحد، وما يتعلق بنزول: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر:1]، {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}[المزمل:1] سبق ذكره بالتفصيل؛ لأنه قد يقول قائل: فقلت: «زملوني»، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر:1] ألا يمكن أن يُقال المناسب فأنزل الله {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}[المزمل:1]، ورواية {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر:1] يناسبها دثروني؟ هذا تقدَّم الكلام فيه، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنذِرْ}[المدثر1 :2] قم فأنذر؛ أي حذِّر من العذاب من لم يؤمن بك، حذِّر من العذاب من لم يؤمن بك، لماذا لم يقل أيضًا مع النذارة البشارة؟ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- وظيفته البشارة لمن آمن به واتبعه، والنذارة لمن خالفه.

طالب:...

في منحة الباري أو تحفة الباري شرح مختصر جدًّا للصحيح للشيخ زكريا الأنصاري، وأصل الكلام للعيني، يعني هذه المختصرات لا سيما مثل هذا الأنصاري والقسطلاني يعني يندر أن يخرجا عن العيني وابن حجر، بل لو قيل: إن القسطلاني مختصر للكتابين، خلاصة للكتابين لما بعُد. وهذا سر العناية به من قِبل أهل العلم، إضافة إلى أنه يصب اهتمامه لضبط ألفاظ الصحيح، يعني لا يوجد له نظير في ضبط ألفاظ الصحيح القسطلاني.

 المقصود منحة الباري أو تحفة الباري طُبعت قديمًا منذ أكثر من مئة سنة على هامش القسطلاني مع شرح النووي على مسلم، يعني مجموعة في اثني عشر مجلدًا، الأصل القسطلاني في هامشة تحفة الباري وشرح النووي على مسلم، وهذه الطبعة من أندر الطبعات في اثني عشر مجلدًا، والإفادة من تحفة الباري على هامش إرشاد الساري ويشاركه في الهامش النووي على مسلم، يعني فيها صعوبة لكثير من المتعلمين. ما يصبرون على قراءة هذه الحواشي المختلطة بغيرها، لكنه أُفرِد الآن بصَفٍّ جميل وحرف جميل، يعني ليس لأحد عذر أن يقرأه؛ لأنه مختصر جدًّا ممكن أن ينهيه طالب العلم في شهر أو شهرين، على حسب فراغه وشغله.

يقول: اقتصر على الإنذار؛ لأن التبشير إنما يكون لمن دخل في الإسلام، ولم يكن إذ ذاك من دخل فيه، يعني لا يوجد من دخل في الإسلام إذ ذاك.

طالب:...

لا، هو يقول على كلامهم عدم، وهذا موجود عند العيني أيضًا، اقتصر على الإنذار؛ لأن التبشير إنما يكون لمن دخل في الإسلام، ولم يكن إذ ذاك من دخل فيه، وماذا عن خديجة؟ أو نقول: إنه قبل أن يؤمر بالتبليغ، والتبليغ إنما حصل بالمدثر كما سبق نقله عن الإمام المُجدد- رحمه الله- يقول: نبيء باقرأ وأرسل بالمدثر، وهذا الكلام هو سبب الخلاف في عدِّ ورقة بن نوفل من الصحابة أو عدم ذكره فيهم، ما حصل قبل الأمر بالتبليغ هل يكون اتباعًا للنبي- عليه الصلاة والسلام- فيعد من أمته ومن صحابته؟ يعني من مات في هذه الفترة قبل {قُمْ فَأَنذِرْ}[المدثر:2]، ولذلك معتبر أن الذين دخلوا قبل {قُمْ فَأَنذِرْ}[المدثر:2] في حكم العدم، وما اعتبروهم، مثل ورقة ومثل خديجة في هذا الوقت، لكن خديجة أدركت {قُمْ فَأَنذِرْ}[المدثر:2] فلا خلاف في صحبتها، بخلاف ورقة.

 مثل ما قلنا الآن اقتصر على الإنذار؛ لأن التبشير إنما يكون لمن دخل في الإسلام ولم يكن إذ ذاك من دخل فيه، يعني على قول وهو قولٌ قال به جابر وغيره تقدَّم أن أوّل ما نزل من القرآن {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر:1] الكلام على حقيقته، ما فيه أحد، وإذا قلنا إن أوّل ما نزل من القرآن {اقْرَأْ}[العلق:1] وصدّق به من صدّق قبل الأمر بالتبليغ، وهذا قول جماهير أهل العلم وهو الصحيح الذي لا يحتمل الأمر خلافه، قلنا إن من دخل في الإسلام قبل الأمر بالتبليغ مختلفٌ فيه، ولذلك بعضهم لا يعده دخولًا في الإسلام.

 يقول الكرماني في شرحه: قوله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر:1] لفظ المدثر والمزمل والمتلفف بمعنى واحد، والجمهور أن معناه المدثر بثيابه، وعن عكرمة أن معناه المدثر بالنبوة وأعبائها، {قُمْ فَأَنذِرْ}[المدثر:2] معناه قم حذِّر العذاب من لم يؤمن، {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}[المدثر:3] أي عظمه ونزهه عما لا يليق به، {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}[المدثر:4] ثيابك فطهر قيل من النجاسة، وقيل قصّرها؛ لأن من لازم تطويلها إصابتها بالنجاسة والقذارة وغيرها، وقيل: المراد بالثياب النفس أي طهرها من كل نقص، أي اجتنب النقائص.

 والرجز هو بكسر الراء في قراءة الأكثرين، وروي عن عاصم بضمها، وفُسّر في الحديث بالأوثان يعني فسّره الراوي على ما سيأتي في التفسير عند المؤلف فسّره الراوي بالأوثان، والرجز في اللغة العذاب، وسُميت عبادة الأوثان رجزًا؛ لأنها سبب للعذاب. وقيل: المراد في الآية الشرك، وقيل: الذنب، وقيل: الظلم، هذا في شرح الكرماني ونحوه للنووي في شرح القطعة، وهو متقدم عليه.

يعني أحيانًا نجد العيني ينقل بحروفه من الكرماني سطرًا وسطرين وثلاثة، ثم إذا رجعنا إلى الكرماني وجدناه نقله من النووي بحروفه، تشابه بين هذه الكتب كبير، إلا أن العيني يضيف على ما ذكره الكرماني الشيء الكثير، والكرماني يضيف على ما يذكره النووي الشيء الكثير. نعم.

طالب:...

الثياب.

طالب:...

هو ظاهرها الملابس.

طالب:...

هذا هو المقصود منها.

طالب:...

هو يطلق اللبس على الحسي والمعنوي، الثياب ما يُلبس وهي الملابس، لباس التقوى، لباس التقوى، يعني فيه تداخل بين المحسوسات والمعاني.

طالب:...

هي اللباس الثياب هي اللباس؛ لأن الحرفية يعني أحيانًا لا تكون هي المقصودة، كثير ممن ضلّ فسّر الكلمات بحرفيتها، ولا يجوز العدول عن الظاهر إلا بدليل، هذا الأصل، الأصل هو الظاهر، لكن أحيانًا اعتماد الظاهر مع دلالة الدليل على غيره ضلال، ضلال، {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[طه:124] كان بصيرًا ثم حُشر أعمى، ماذا عن الأعمى في الدنيا ويحشر بصيرًا في الآخرة؟ هل المراد العمى والبصر الحِسيّ؟ ليس المراد، أيضًا الثياب واللباس كما تُطلق على الأمور المحسوسة تطلق على الأمور المعنوية { وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}[الأعراف:26]، مع أنه ولج ودخل من هذا المقصد الباطنية، ففسروا العبادات الظاهرة بأمور باطنة، وحرّفوا الشريعة بهذا الاسم، ويقابلهم أهل الجمود على الظاهر، يقابلهم أهل الجمود على الظاهر.

طالب:...

ماذا فيه؟

طالب:...

أحيانًا أو نقرأ في الشروح كثيرًا: والذي نفسي بيده، الشرَّاح يقولون: روحي في تصرفه، هذا ما أحد يخالف فيه أن أرواح الناس كلها في تصرف الله -جل وعلا-، المعنى صحيح، لكن هل هو المراد من قوله: والذي نفسي بيده إثبات اليد لله -جل وعلا- بهذا النص أو بغيره من النصوص؟ يعني والذي نفسي بيده هل القسم هذا سِيق لإثبات صفة اليد لله -جل وعلا-؟ لكن يبقى أن من فسّرها يُنظر في منهجه، إن كان ممن يُثبت اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته قُبل منه هذا اللازم؛ لأننا لا نقول إنه قال هذا الكلام فرارًا من إثبات اليد، والذي عُرف عنه عدم الإثبات قلنا: يفرّ من إثبات اليد.

طالب:...

نعم ماذا فيها؟

طالب:...

ما يُصرِّح لأنه لو صرَّح والعلم عند الله -جل وعلا-، أنه يدلّك على الكتاب، فإذا اطلعت على الكتاب رأيت أنه قرأ ورقتين ثم ثلاثًا ثم عشرًا، لذلك تجد الناس أصحاب المؤلفات إذا ما نقلوا كثيرًا عن كتاب ما يريدون للقارئ أن يرجع إلى هذا الكتاب ليعرف حقيقة الأمر ما يُصرِّح باسمه.

طالب:...

لا ما هو.

طالب:...

فيه تدليس ولو كان في غيره هؤلاء الذين عُرفوا بالعلم والعمل لكان لنا معهم شأن، مرّ في المحاكمات أشياء يعني ما تُقبل من شخص عادي، ولذلك لمّا ساءت الأحوال ودُخلت النيّات الآن ما يُقبل أي بحث إلا موثق بالجزء والصفحة، يعني من شرط قبول البحوث أن تكون النقول موثقة، والبحث غير الموثق إذا اكتُشف ما يقال والله هذه طريقة السلف ينقلون ولا يشيرون لا، نقول: هذا سارق، والله المستعان.

فحميَ الوحي بفتح الحاء وكسر الميم معناه كثُر نزوله وزاد، من قولهم: حميت النار والشمس أي كثُرت حرارتهما، والله أعلم. كذا في شرح النووي.

 وتتابع هما بمعنى واحد وسيأتي كلام للعيني في انتقاد قول من قال: هما بمعنىً واحد، وإن كان أكثر الشُرَّاح أو جُلُّ الشُرَّاح قال إنهما بمعنى واحد، وتتابع هما بمعنى واحد فأَكد أحدهما أو أُكِّد أحدهما بالآخر، وفي فتح الباري: فحمي الوحي أي جاء كثيرًا، وفيه مطابقة لتعبيره عن تأخره بالفتور بالفتور. إذ لم ينتهِ إلى انقطاع كُلي، يعني فيه شيء من الحرارة، لكن لو قال: برد الوحي لكان التعبير أنه انقطع. يقول: وفيه مطابقة لتعبيره عن تأخره بالفتور إذ لم ينتهي إلى انقطاع كُليّ فيُوصف بالضد وهو البرد وتتابع تأكيد معنوي. تأكيد معنوي. ويحتمل أن يراد بحمي قوي وتتابع تكاثر، وقد وقع في رواية الكشميهني وأبي الوقت: وتواتر. والتواتر مجيء الشيء يتلو بعضه بعضًا من غير تخلل.

في شرح العيني قوله: فحمي بفتح الحاء وكسر الميم معناه كثُر نزوله من قولنا: حميت النار والشمس أي لا كثرت حرارتهما ومن قولهم: حمي الوطيس والوطيس التّنور استعير للحرب قوله: وتتابع تفاعل من التتابع، قال الشُرَّاح كلهم: ومعناهما واحد فأُكد أحدهما بالآخر هذا كلام العيني. قلتُ: ليس معناهما واحدًا، فإن معنى حمي النهار اشتد حرّه، ومعنى تتابع تواتر، وأراد بحمي الوحي اشتداده وهجومه وبقوله تتابع تواتره وعدم انقطاعه، وإنما لم يكتفي بحمي وحده؛ لأنه لا يستلزم الاستمرار والدوام والتتابع والتواتر، فلذلك زاد قوله: وتتابع فافهم. فافهم فإنه من الأسرار الربانية والأفكار الرحمانية. يعني أحيانًا بل هذا موجود وجودًا ليس بقليل، العالِم إذا وصل إلى فائدة لم يُسبَق إليها تجده يشيد بها.

 ابن القيم كثيرًا ما يقول: بحث مسألة وبيّنها وجلّاها بما لم يسبَق إليه قال: فاظفر بهذا الكلام وعضد عليه بالنواجذ علك ألا تجده في مصنفٍ آخر البتة. وهذا يحتمل أمرين: الأول: وليس مراد عند هؤلاء، من باب إحسان الظن بهم أنهم يعجبون بكلامهم ويفتخرون به، وهذا لا يُظَن بمثل هؤلاء، الأمر الثاني وهو المظنون: أنهم يغرون بهذا الكلام طالب العلم، يغرونه به ليحرص عليه، وإلا لو مرّ من غير هذا الكلام يمكن أن يقول: بدل ما نحرص عليه ابن القيم ونردده ونفهمه نلجأ لكتب أخرى، لكن إذا سمع هذا الكلام من ابن القيم أعاد النظر فيه، علّك ألا تجده في مصنف آخر البتة. ما الأخبار؟

طالب:...

هذا الكلام مع أنه يعرف أن هذه المسألة مبحوثة في كتاب آخر ويقول هذا الكلام، لكن قد تتوارد الأفكار، قد تتوارد الأفكار ثم تجده في مكان آخر، ولذلك ابن حجر يُحرِّر بعض المسائل بتحرير دقيق لم يسبق إليه على حد زعمه ثم يقول بعد مدة: وقفتُ على كلام لفلان هذا مُحصله أو هذا مُفاده، يكون مسبوقًا، فالأفكار تتوارد، الأفهام تتوارد.

قال: قال الشرَّاح كلهم ومعناهما واحد فأُكد أحدهما بالآخر، قلت: ليس معناهما واحدًا –يقول العيني-، فإن معنى حمي النهار اشتد حره، ومعنى تتابع تواتر، وأراد بحميَ الوحي اشتداده وهجومه وبقوله: تتابع تواتره وعدم انقطاعه، وإنما لم يكتف بحميَ وحده؛ لأنه لا يستلزم الاستمرار والدوام والتواتر، فلذلك زاد قوله: وتتابع، فافهم فإنه من الأسرار الربانية والأفكار الرحمانية.

ويؤيد ما ذكرنا رواية الكشميهَني: وتواتر، موضع وتتابع، والتواتر مجيء الشيء يتلو بعضه بعضًا، والتواتر مجيء الشيء يتلو بعضه بعضًا من غير خلل. يعني إذا جاء الشيء متتابعًا، يعني ما جاء دفعة واحدة، يُقال: تتابُع. تقول: تواترت الإبل والطيور يعني تتابعت في مجيئها، يعني ما جاءت دفعة واحدة، قال: ولقد أبعد من قال: وتتابع تأكيد معنوي، هذا مرّ علينا في كلام ابن حجر في كلام ابن حجر مرّ علينا يقول: وتتابع تأكيدٌ معنوي في كلام ابن حجر، قال: ومن أبعد من قال وتتابع توكيد معنوي؛ لأن التأكيد المعنوي له ألفاظٌ مخصوصة، التأكيد اللفظي يُعاد اللفظ نفسه، والتوكيد المعنوي: كل وأجمع وأكتع وأبصع ألفاظ مخصوصة، قال: لأن التأكيد المعنوي له ألفاظ مخصوصة كما عُرف في موضعه. لكن أليس من التوكيد المعنوي: اجلس اقعد؟ نعم، تأكيد معنوي هذا ليس بتأكيد لفظي.

طالب:...

لأن التأكيد المعنوي له ألفاظ مخصوصة كما عرف في موضعه، فإن قال: ما أردتُ به التأكيد الاصطلاحي، فإن قال: ما أردت به التأكيد الاصطلاحي يقال له: هذا إنما يكون بين لفظين معناهما واحد، لكن إذا كان المعنى متقارب جدًّا على قول من ينفي الترادف في اللغة، على قول من ينفي الترادف في اللغة، لا يوجد مترادف معنوي، وعلى قول من يثبته ترادف من كل وجه، كلمة مساوية لكلمة أخرى من كل وجه يقول: ترادف معنوي، أو توكيد معنوي. لكن الاختلاف اليسير في الكلمة اجلس واقعد، مثل ما يقولون: القسم والنوع والضرب والصنف ألفاظ متقاربة، فهل يؤكد بعضها ببعض من باب التوكيد المعنوي؟ أو نقول: لما بينها من فروق لغوية ذكرها أبو هلال العسكري في كتابه الفروق، ذكر بين القسم والصنف والنوع والضرب ذكر فروقًا، وإن كانت دقيقة، لكنها موجودة، هل يغتفر مثل هذه الفروق؟ فنقول توكيد معنوي مثل حمي وتتابع، أو نقول: إن هذه الفروق مؤثرة فتكون المعاني مختلفة فلا يؤكَد بعضها ببعض توكيدًا معنويًّا؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

يعني ما يشتركان فيه من المعنى يكون توكيدًا، وما يزيده أحدهما على الآخر يكون تأسيسًا، يكون تأسيسًا. فإن قال: ما أردتُ به التأكيد الاصطلاحي يقال له: هذا إنما يكون بين لفظين معناهما واحد، وقد بيّنا المغايرة بين حميَ وتتابع، والرجوع إلى الحق من جملة الدين، والرجوع إلى الحق من جملة الدين، والله أعلم.

 وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

"