كتاب بدء الوحي (040)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 هذا واحد من الطلاب يقول: إني لازمت سنين طويلة، لكنه يقول: انقطع عن صحيح البخاري بسبب التطويل، تطويل الشرح؛ لأن كثيرًا من الإخوان همهم أن ينتهي صحيح البخاري، ونفرغ منه، وهذا لا شك أنه مقصد، يعني الإتيان على جميع أبواب الدين هذا مقصد للجميع، وبعد أن أنهينا الكلام عن الحديث الأول والثاني وما فيهما من طول عزمنا على الاختصار، لكن وجدت أنه اختصار لا يسمن ولا يغني من جوع، يعني يذهب الدرس قيمته والفائدة التي يتعب عليها، تذهب قيمة الدرس، والله يعني طريقة مملة بلا شك، وأنا أكثر منكم مللاً، نعم أنا أكثر منكم مللاً، يعني تظنون أني مرتاح؟ لست مرتاحًا، لكن أرى أن الفائدة في هذا، الإشكال أن فيه أشياء يرتب بعضها على بعض.

 الآن الحرص على هذه الدروس في هذا المسجد أو في غيره، حرص كثير من طلاب العلم ومفاضلتهم بين من يلقون الدروس هو سببه كثرة الفائدة، يعني لماذا يؤثرون هذا الشيخ ويتركون هذا الشيخ؟ لماذا؟ لأنهم يستفيدون أكثر، لكن إذا اختصر الشيخ هل تحصل الفائدة أم ما تحصل؟ ما تحصل الفائدة، المسألة مرتب بعضها على بعض، يعني نريد أن نجمع اختصارًا شديدًا مع فوائد كثيرة، تجيء؟ ما تجيء، يعني لو قلنا بأن الأسلوب يختصر، والتكرار يختصر، والجمل تعتصر، يعني يمكن كثير من الطلاب ما يستفيد، وأنا أعرف أن الكلام فيه تكرار، وفيه جمل قد لا يُحتاج إليها، لكن يُحتاج إليها نظرًا لبعض الطلاب الذين يتأخر فهمهم لبعض المسائل إلا بالبسط، أحيانًا نكرر المسألة، ونطرحها على الإخوان، كله من أجل أن تتضح وتزداد وضوحًا.

 العلم كله في بطون الكتب، العلم في بطون الكتب، يعني لو أحلنا على الشروح وقلنا خلاص لا يجيء أحد، لكن يعترض الطلاب في الشروح ما يحتاجون معه إلى توضيح وبيان، يعني كلام فيه حرقة وفيه حسرة من الأخ الكاتب، وده أنه حضر، ولازم، ووجد فوائد ما وجدها، لكن يقول: الطول. لو اختصرنا ما وجدت هذه الفوائد، صحيح أم لا؟ في كل شيء على حساب شيء لكن أن يجمع بين المحاسن من جميع الوجوه، ما يمكن يصير.

طالب:...

نعم.

طالب:...

نعم، لكن ما كل من يسمع هذا يسمع هذا وهذا شرح مستقل، أنا ندمت على اختيار المختصر في الإذاعة، يعني لو بدأنا مباشرة في الأصل مع أنه زمن الإذاعة نصف ساعة، ولما قارنت بين الشرح المختصر وبين هذا وجدت هذا أطول بكثير، هذا أطول بكثير، لكن زمنه نصف ساعة، وهذا أكثر من ساعة، الأمر الثاني أن فيه ساعتين في الأسبوع أو أكثر هذا، وذاك ما فيه إلا نصف في الأسبوع.

طالب:...

لا لا لا، لا ما يلزم، العلم قال الله وقال رسوله.

طالب:...

لا ما هو لهذا، كتب شيخ الإسلام وكتب ابن القيم مملوءة من العلم، مملوءة من العلم، لكن لو قلنا: كتب شيخ الإسلام قد يعسُر فهمها على كثير من المتعلمين، يعسُر فهمها على كثير من المتعلمين لا سيما الذي لم يدرس العلوم التي يُحتاج إليها في القضايا التي يبحثها شيخ الإسلام، يعني في المجلد الأول من منهاج السُّنَّة يحتاج طالب العلم إلى مائتي صفحة هذه لا يقرؤها هذه ما يحتاج إلى قراءتها؛ لأن قراءتها تعب ليس وراءه فائدة، لن يفهم منها جملة، وفي الجزء السادس أكثر من ثلاثمائة صفحة من هذا النوع، ودرء تعارض العقل والنقل الذي أشير إليه في السؤال السابق يعني أنا أعرف من كبار شيوخنا الذين لهم عناية بكتب شيخ الإسلام إذا بدأ بمبحث قال: اتركه، هات الذي بعده لأنه يعرف أنه ما وراءه فائدة، وسبب عدم الفائدة عدم فهمه، يعني كلام مستغلق على الطالب، فهو مجرد تعب، إذا كان بعض الطلاب يطلب من أن تجمع الفوائد كلها ما يُخَلّ بشيء بأخصر عبارة أحلناه على مختصر خليل يشوف يفهم أم ما يفهم، أم شرح العمدة لابن دقيق العيد يجرب نفسه، ليس من العبث أن تطرح المسألة على الطلاب، ثم تُرَد بأسلوب وبآخر وتقلب من جميع الوجوه كله من أجل أن تضح وتتجلى للطالب، ولا شك أن الإطالة مطلب، والاختصار للإتيان على جميع الأبواب مطلب، فلا شك أن كل شيء على حساب الشيء الآخر، يعني من أراد الإطالة فاحتمال ما يُكمَّل الكتاب على طريقتنا هذه احتمال ما يُكمَل الكتاب، وبعضهم يرى أن شرح كتاب واحد من كتاب غنيمة مع جمع الفوائد المتفرقات في المراجع غنيمة، ويولد في الطالب ملكة يعرف بواسطتها التعامل مع الكتب على هذه الطريقة.

 يعني لو أنهينا مثلاً كتاب هذا بدء الوحي والإيمان والعلم، ووقفنا على كتاب الوضوء مثلاً على هذه الطريقة يحتاج إلى سنين طويلة، لكن مع ذلك هل يُشكل على طالب العلم شرح كتاب الطهارة على هذه الطريقة؟ الذي يحضر كل الدروس ما يُشكل عليه، والبعض الآخر يقول: لا، بدل ما نقتصر على هذه الأبواب نكمل الكتاب، بنفس المدة، أنا ما عندي مانع أمسك الكتاب وأجعل القارئ يقرأ وأعلق كلمة، كلمتين، أصحح خطأً نحويًّا وأُبيّن إعراب كلمة مشكلة أو غريب اللفظ أو شيء، كنا نشرح البخاري على طريقة قريبة من هذه ومشينا يعني، قطعنا الثلثين بهذه الطريقة؛ لأن كلام الأخ يبدو أنه من الطلاب الملازمين، ومع ذلك انقطع بسبب هذا يقول: حضرت فصلًا كاملًا في شرح حديث واحد، صحيح فصل كامل أو أكثر من فصل على حديث واحد.

طالب:...

نعم، وهذا الحديث أيضًا أطلنا فيه إطالة بيّنة، أُكرر يا إخوان وأقول: إن الاختصار أرفق بي وأسهل عليّ، فإن كان رأيكم أن نختصر والله ما عندي مانع.

طالب:...

أنا أقول ترك مثل هذا الشخص الذي يبدو من أسلوبه وعبارته أنه طالب علم متمكن تركه لمثل هذا الدرس هذا يَحُزُّ في نفسي كثيرًا، الذي يؤثر فيّ مثل هذا الكلام؛ لأن هذا ممن يُحرَص على حضوره؛ لأنه يُرجَى أن ينفع الله به نفعًا عظيمًا.

طالب:...

نعم؟

طالب:...

أنا رأيت وحضرت دروسًا، ونسمع كلام طلاب العلم كثيرًا، يعني مجرد ما يخرج من الدرس يقول: ما استفدنا، إذا حضر درسًا وما فيه إلا تعليق على كلمة وأحيانًا يمكث درسًا كاملًا ما تكلم إلا كلمة.

طالب:...

أدركت جمعًا من شيوخنا على هذه الطريقة، لكن...

طالب:...

ثم ماذا؟ قل ما الذي ميّز دروس الشيخ ابن عثيمين على أننا بعد إطالتنا وإملالنا للطلاب أكثر مما يفعل الشيخ، الذي ميّزه الإطالة، بسط المسائل وتوضيح المسائل؛ لأن الشيخ -رحمة الله تعالى عليه- ذلَّل العلم لطلابه، يعني ما كان أوساط المتعلمين يجرؤون على زاد المستقنع، لكن الشيخ يسّره وبسّطه لهم.

طالب:...

نعم.

طالب:...

هذا مطلب، ولذلك أجلّنا هذا السؤال من أجل أن نبدأ الدرس. نعم. هو صعب ما يمكن إطلاقًا، مختصرة.

طالب:...

لا هذا، انظر شرح البلوغ ليس بطويل، شرح الترمذي مُختصر، الذي سمع هذا وهذا يعرف أنه مختصر، مسألة مشي يعني، والعمدة أيضًا فيه حوالي خمسون شريطًا، الموطأ بكامله مائة وسبعون شريطًا، كاملًا، بينما بدء الوحي هذا سبعة أحاديث ممكن أن تصير مائة وسبعين شريطًا، فرق بين كتاب وكتاب، بعضهم يرى العكس، يرى أن المختصرات هي التي يُطال فيها النفس والمطولات يُختصر فيها، ولذلك في شرح ابن الملقن نحيل كثيرًا في بسط المسائل على شرح العمدة؛ لأن العمدة أربعمائة حديث مهما أطلت تنتهي، لكن البخاري سبعة آلاف حديث متى ينتهي؟ وأراد أنه ملحظ جيد، يعني ملحظ حسن؛ لأن المختصرات مهما أُطيل فيها تنتهي بإذن الله.

طالب:...

أين؟

طالب:...

سهلة تُعاد ما هي بالإشكال في إعادتها، تُعاد، ونحن نعاني من عشرين سنة من هذه الطريقة، ولا نسلم من انتقاد، إن اختصرنا قال: ما فيه فائدة مثل غيره، وإن أطلنا جال: خلاص انتهت السنين ما سوينا شيء، يعني بعضهم يذكر طريقة الشيخ ابن باز -رحمه الله-، الشيخ ابن باز يُقرأ عليه عشرة أحاديث متوالية، ثم يُعلِّق عليها بعشر دقائق، الذي جاء لدرس الشيخ جاء لأي شيء؟ جاء يريد علم الشيخ، يريد ما عند الشيخ من اختيار لا أكثر ولا أقل، ولا يريد منه أن يطيل أو يذكر رأي فلان أو علان، لكن من مثل الشيخ؟ من يُقصد لعلمه لذاته -رحمه الله-؟ هذا يقول: لا نريد إطالة كهذه ولا تقصيرًا كما ذكرتم كلمة وكلمتين، ثانيًا: ابن عثيمين لم يكن يطيل كهذه الإطالة، بل في الدرس الواحد يشرح ما يقارب خمسة أحاديث أو أكثر، هذا صحيح؟ لا ما يشرح خمسة أحاديث ولا حديثين الشيخ نعرفه.

طالب:...

معروفة طريقة الشيخ ما يحتاج إلى أن... زاد المستقنع مائة صفحة في خمسة عشر مجلدًا يجيء على هذا الكلام؟ أو كتاب الصلاة من بلوغ المرام ثلاثة مجلدات ولا كملت الصلاة إيش رأي الإخوان؟ والله الإخوان في حرج عظيم ما ودي أن أخسر الإخوان ولا ودي أن يخرجوا بدون فائدة.

طالب:...

هذه مسألة نعاني منها، وتُثار في كل فصل، تُثار في كل فصل دراسي، أنا أعرف من المشايخ المشهورين يضع فتح الباري في حجره والقارئ يقرأ ويضع خطوطًا على الذي يقوله وخلاص انتهى الإشكال، ما فيه تعب إطلاقًا.

طالب:...

هل تظنونني أني مرتاح في يومي كله؟ والله ما أنا بمرتاح بين الكتب أقلِّب من هذا إلى هذا.

طالب:...

لا، أنا ما ودي أن أخسر مثل هذا، هذا الذي كتب الخطاب ليس بالأمر الهين عندي، يعني ما هو بطالب عادي، أنا أعرف أنه حضر في الدرس الأول والثاني ما يقارب الألف، ثم انتهوا إلى مائة، مائة وخمسين. الزبد ما له داعٍ، طلاب المتوسط والثانوي ما لهم ظهر، وما هم أهل، يعني ما جاؤوا جادين، هؤلاء ما مشكلة أن يذهبوا.

طالب:...

أنا أقول هذا ما أهتم لهم، لكن أهتم لطالب يُرجى منه نفع عظيم للأمة، مثل هذا الذي كتب، هذا أتوقع أنه من طلاب العلم المتمكنين، يقول: انظر إلى ما يريحك، الإخوان يظنون أننا وصلنا إلى مرحلة تلذذ بالدروس، لا والله إنها مجاهدة في كل درس وننظر إلى الجو، هل فيه مطر أم غيم نعتذر. أم ريح أم شيء. المسألة يعني ما يريحك الذي يريحني، الله أعلم به، حفت الجنة بالمكاره، لكن نرجو ألا يذهب العمل سُدى.

 يقول: يفعل ما يفعله بعض المشايخ بأن يكون هناك دروس مختصرة ودروس مطولة.

 أنت لعلك حضرت سبل السلام، سبل السلام مختصر جدًّا، يعني هو مجرد تعليق؛ لأن متن البلوغ مشروح، شرحناه أكثر من مرة وممُسجَّل، درس القرطبي أيضًا مجرد تعليق، وهو لائق بمثل هذه الكتاب؛ لأنه طويل، ومع ذلك أكملنا سبعة عشر عامًا في القرطبي. وما زلنا في الجزء السادس عشر، وهو مجرد تعليق، فكيف لو كان بسطًا؟ المسألة تختلف من كتاب إلى كتاب، كتاب البخاري عظيم، يعني لو شرحنا صحيح مسلم ما صار بهذه الطريقة، لن يكون بهذه الطريقة بحال، ولا أبا داود ولا الترمذي ولا غيرهم، البخاري يختلف عن غيره، البخاري شيء لا يخطر على ... مسائل ومباحث تطرأ من خلال قراءته، يعني هذا الكتاب فتح فتح الله به على هذه الإمام -رحمة الله عليه-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

في الدرس الماضي ذكرنا ما جاء في رواية الصحيح برواية البخاري في كتاب التعبير لهذا الحديث، وفيه بعد قوله: (وفتر الوحي، حتى حزن النبي -صلى الله عليه وسلم- حزنًا غدا منه مرارًا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد إنك لرسول الله حقًّا، فيسكن لذلك جأشه وتقرّ نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك).

يقول ابن حجر: القائل فيما بلغنا هو الزهري، ومعنى الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذه القصة هو من بلاغات الزهري وليس موصولاً. وعلى هذا هل نحتاج إلى تكلف الجواب عنه؟ لا نتكلف الجواب عنه، لكن على اعتبار أنه بالسند السابق كما قال الكرماني وغيره أنه يحتمل أن يكون بالسند السابق بلغ الزهري بالسند السابق تكلف العلماء الجواب عنه، وأطال ابن حجر في النقول وذكرنا شيئًا منها.

ابن حجر يقول: إنه من بلاغات الزهري، والتوضيح لابن الملقن يقول: هذا من بلاغات معمر، هذا من بلاغات معمر، ولم يسنده ولا ذكر راويه، ولا أنه -صلى الله عليه وسلم- قاله ولا يُعرف هذا إلا من النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أنه قد يُحمَل على أنه كان في أوّل الأمر قبل رؤية جبريل كما جاء مبيَّنًا عند ابن إسحاق عن بعضهم، أو أنه فعل ذلك لما أحرجه تكذيب قومه، لما أحرجه تكذيب قومه كما قال تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ}[الكهف:6] أو خاف أن الفترة لأمرٍ أو سبب يعني بسببٍ منه -عليه الصلاة والسلام-، هذه الفترة التي اختُلف في مقدارها قد تكون بسببٍ منه، يعني هو الذي تسبب وعلى هذا يحز في نفسه ويصعب عليه أن يكون انقطاع الوحي بسببه. والإنسان إذا تعرّض لمثل هذه المواقف قد يتصرف مثل هذا التصرف، وهذا بسبب أمرٍ ديني، وقبل التشريع، يعني قبل أن يعرف أن مثل هذا لا يجوز يعني شبيه بالانتحار، يعني فلعلك باخعٌ نفسك وهذا في القرآن ما يحتاج إلى أن يكون بلاغات فلان أو فلان، وكونه يقصد شواهق الجبال هذا لا شك أنه من زيادة الحسرة التي وقعت عنده في نفسه بسبب تأخر الوحي، وأنتم تعرفون الناس اليوم لأمر من أمور الدنيا يحصل الانتحار لأمرٍ تافه من أمور الدنيا، يحصل مثل هذا، لكنه -عليه الصلاة والسلام- أولًا إن ثبت الخبر فهذا سببه، وقبل أن يعرف حكم مثل هذا العمل، ولا شك أن الأمر شديد، يعني تأخر مجيء الوحي ثم انقطاعه مدة طويلة أو قصيرة على حسب ما جاء في الروايات لا شك أنه أمرٌ صعبٌ جدًّا على النفس {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ}[الكهف:6]  قاتل يعني.

طالب:...

شك أن مثل هذا ما الذي دعا يونس -عليه السلام- أن يفر من قومه؟ قال: أو خاف أن الفترة لأمرٍ أو سببٍ فخشي أن تكون عقوبة من ربه ففعل ذلك بنفسه، ولم يرد بعدُ شرعٌ بالنهي عن ذلك فيُعتَرض به، ونحو هذا فرار يونس حين تكذيب قومه، نبّه على ذلك القاضي عياض. المدة التي انقطع فيها الوحي يختلفون فيها على حسب ما جاء فيها من آثار من ثلاث سنين، إلى سنتين ونصف، جاء ما يدل على أنها أيام، وليست سنين. يقول ابن حجر: فائدة: وقع في تاريخ أحمد بن حنبل عن الشعبي أن مدة فترة الوحي كانت ثلاث سنين، وبه جزم ابن إسحاق وحكى البيهقي أن مدة الرؤيا كانت ستة أشهر، وعلى هذا فابتداء النبوة بالرؤيا وقع من شهر مولده من ربيع الأول. والوحي بدأ تنزيله في رمضان، الستة الأشهر من ربيع الأول والثاني وجمادى الأولى وجمادى الآخرة، ورجب وشعبان، ستة أشهر. هذه رؤيا. يعني على رأس أربعين سنة من مولده -عليه الصلاة والسلام-. ثم بعد ذلك في رمضان سنتان ونصف مدة إيش؟ الانقطاع على كلامه الفترة، قال: وعلى هذا فابتداء النبوة بالرؤيا وقع من شهر مولده وهو ربيع الأول بعد إكماله أربعين سنة، وابتداء وحي اليقظة وقع في رمضان، وليس المراد بفترة الوحي المقدرة بثلاث سنين هي ما بين نزول اقرأ، {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر:1] عدم مجيء جبريل إليه. يعني يأتيه جبريل لكن لا يأتي بوحي، وليس في ثلاث سنين، وهي ما بين نزول اقرأ، {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر:1] عدم مجيء جبريل إليه، بل تأخُر نزول القرآن فقط، قال: ثم راجعت المنقول عن الشعبي من تاريخ الإمام أحمد، ولفظه من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي: أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة، فقُرن بنبوته إسرافيل ثلاثة سنين، فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه القرآن على لسانه، فلما مضت ثلاث سنين قُرن بنبوته جبريل فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة.

وأخرجه ابن أبي خيثمة من وجه آخر مختصرًا بلفظ: بعد الأربعين وُكل به إسرافيل ثلاث سنين، ثم وُكل به جبريل، فعلى هذا المرسل إن ثبت الجمع بين القولين، الجمع بين القولين في قدر إقامته بمكة بعد البعثة فقيل: ثلاث عشرة وقيل: عشر، ولا يتعلق ذلك بقدر مدة الفترة، والله أعلم.

 الذي يقول: عشر من استئناف التنزيل بعد الفترة والذي يقول: ثلاث عشرة من بداية التنزيل بنزول اقرأ. وقد حكى ابن التين هذه القصة لكن وقع عنده ميكائيل بدل إسرافيل، وأنكر الواقدي هذه الرواية المرسلة قال: لم يُقرن به من الملائكة إلا جبريل. انتهى.

يقول ابن حجر: ولا يخفى ما فيه، فإن المثبت مقدم على النافي إلا إن صحب النافي دليل نفيه فيقدم، والله أعلم. يعني كونه ينزل عليه اقرأ، ثم يمكث ثلاث سنين أو سنتين ونصفًا ما ينزل عليه بعدها شيء، المدثر تأخرت ثلاث سنين، مع أن جابرًا في الصحيح يرى أنها أول ما نزل من القرآن فيه بُعد، والمسألة كلها مراسيل، وفي بعضها من لا تُرضى روايته. ولذلك أنكر بعضهم هذه الرواية المرسلة، وإن اعتضدت بغيرها، وقال: إنه لم يُقرن بالنبي -عليه الصلاة والسلام- من الملائكة إلا جبريل. من الذي نزل عليه باقرأ؟ جبريل، من أول الأمر جبريل، هل يقال: إنه انقطع جبريل بعد ذلك ثلاث سنين، وقرن به إسرافيل أو ميكائيل، ثم عاد إليه جبريل باقرأ؟

هذا فيه بُعد شديد. فيه بُعد شديد. قال ابن حجر: ولا يخفى ما فيه، فإن المثبت مقدَّم على النافي، يعني المثبِت من أثبت هذه المدة، وأنه اقترن به -عليه الصلاة والسلام- غير جبريل إلا إن صحب النافي دليل نفيه فيُقدَّم، والله أعلم. هذا جريًا على القواعد العامة، لكن القواعد العامة قد يصحب قول المُثبِت ما يقترن به مما يوجب استبعاده، يعني المُثبِت هل فيما اعتمد عليه من يُثبت من القوة بحيث يعارض ما فيه ما في الصحيح، أنه نزل عليه جبريل باقرأ هذا لا يشك ولا يخالف فيه أحد، على مقتضى القول الثاني أنه انقطع جبريل بعد اقرأ فتر الوحي، صحيح فتر الوحي لكن كم؟ في هذه الرواية ثلاث سنين، أو سنتان ونصف باعتبار أن الرؤيا ستة أشهر، لكن هل الرؤيا قبل نزول اقرأ أم بعدها؟ قبل، وفترة الوحي بعد نزول اقرأ، فهل يمكن أن نحسم مدة الرؤيا من فترة الوحي التي بعد اقرأ؟ ما يمكن، لأن الذي في الحديث: وفتر الوحي؛ قبل نزول اقرأ أم بعدها؟ بعدها بلا شك في القصة نفسها، ثم لم ينشب ورقة أن تُوفي وفتر الوحي. يعني بعد نزول اقرأ قطعًا، فكون المدة مدة الرؤيا تُحسَم من الثلاث سنين وهي قبل نزول اقرأ لا وجه له.

طالب:...

المثبتة لاقتران غير جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ومثبتة للمدة إثبات إيش؟

طالب:...

لا، إنما يروونها على هذه الطريقة، ماذا يقول؟ ثم راجعت المنقول عن الشعبي من تاريخ الإمام أحمد، ولفظه من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي: أنزلت عليه النبوة، وهو ابن أربعين سنة، فقُرن بنبوته إسرافيل ثلاثة سنين، فكان يعلمه الكلمة والشيء. هذا المرسل.

طالب:...

هذا مرسل؛ لأنه أمرٌ يتعلق بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، لا يمكن أن يُقال من قِبل الرأي إلا بواسطة صحابي عنه -عليه الصلاة والسلام-. قال: وأخذ السهيلي هذه الرواية فجمع بها المختلف في مكثه -صلى الله عليه وسلم- بمكة، فإنه قال: جاء في بعض الروايات المسندة أن مدة الفترة سنتان ونصف، وفي رواية أخرى أن مدة الرؤيا ستة أشهر، فمن قال: مكث عشر سنين حذف مدة الرؤيا والفترة، ومن قال: ثلاث عشرة أضافهما، وهذا الذي اعتمده السُّهيلي من الاحتجاج بمرسل الشعبي لا يثبت، وقد عارضه ما جاء عن ابن عباس أن مدة الفترة المذكورة كانت أيامًا، وقد عارضه ما جاء عن ابن عباس أن مدة الفترة المذكورة كانت أيامًا، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى، وفي كتاب التعبير يقول في الرواية المذكورة سابقًا التي فيها بلاغ الزهري أو معمر على قول صاحب التوضيح في كتاب التعبير في الرواية التي ذُكرت سابقًا.

 قوله: فإذا طالت عليه فترة الوحي، قال ابن حجر-في الثاني عشر صفحة ثلاثمائة وستين-: قد يتمسك به من يصحح مرسل الشعبي، طالت عليه فترة الوحي، فطالت عليه فترة الوحي يقول: قد يتمسك به من يصحح مرسل الشعبي في أن مدة الفترة كانت سنتين ونصفًا، كما نقلته في أول بدء الوحي، ولكن يعارضه ما أخرجه ابن سعد من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- بنحو هذا البلاغ الذي ذكره الزهري وقال: وقوله: (مكث أيامًا بعد مجيء الوحي لا يرى جبريل فحزن حزنًا شديدًا، حتى كاد يغدو إلى ثبير مرة وإلى حراء أخرى حتى كاد يغدو إلى ثبير مرة وإلى حراء أخرى يريد أن يلقي نفسه، فبينما هو كذلك عامدًا لبعض تلك الجبال إذ سمع صوتًا فوقف فزعًا ثم رفع رأسه فإذا جبريل على كرسي بين السماء والأرض متربعًا يقول: يا محمد أنت رسول الله حقًّا، وأنا جبريل فانصرف وقد أقرّ الله عينه وانبسط جأشه ثم تتابع الوحي). ومكث أيامًا لا يرى جبريل فحزن حزنًا شديدًا حتى كاد يغدو إلى ثبير مرة وإلى حراء أخرى يريد أن يلقي نفسه، -عليه الصلاة والسلام-. قال: (فبينما هو كذلك عامدًا لبعض تلك الجبال إذ سمع صوتًا فوقف فزعًا ثم رفع رأسه، فإذا جبريل على كرسي بين السماء والأرض متربعًا يقول: يا محمد أنت رسول الله حقًّا، وأنا جبريل فانصرف وقد أقرّ الله عينه وانبسط جأشه ثم تتابع الوحي). يعني هل يتصور أنه ثلاث سنوات على هذه الحالة يغدو إلى هذه الجبال مدة ثلاث سنوات؟

طالب:...

نعم، لكن هل المتصور يعني على قول هذه الروايات المرسلة ثلاث سنوات أو سنتين ونصف يغدو إلى هذه الجبال مرة إلى ثبير ومرة إلى حراء، يعني أيامًا متصورة، لكن سنين!

طالب:...

يعني حصل له الخوف حتى عند نزول سورة المدثر، ولو كان تكررت عليه الرؤية في هذه المدة التي يطمئنه جبريل بها لما خاف لمّا نزل عليه بسورة المدثر لفرح بذلك فرحًا شديدًا.

طالب:...

فزع -عليه الصلاة والسلام-.

طالب:...

لا لا، غير، مسألة الغشي ومسألة الشدة من القول الثقيل الذي ينزل إليه هذا شيء آخر. قال: فيستفاد من هذه الرواية تسمية بعض الجبال التي أُبهمت، في رواية الزهري، في رواية الزهري وتقليل مدة الفترة، والله أعلم.

قال: وفي تفسير سورة الضحى ما يتعلق بفترة الوحي يقول في الجزء الثامن صفحة سبعمائة وعشرة: ذكر سليمان التيمي في السيرة التي جمعها ورواها محمد بن عبد الأعلى عن معتمر بن سليمان عن أبيه قال: وفتر الوحي، فقالوا: لو كان من عند الله لتتابع، ولكن الله قلاه، قال: وفتر الوحي فقالوا: لو كان من عند الله لتتابع ولكن الله قلاه، فأنزل الله: {وَالضُّحَى}[الضحى:1]، و{أَلَمْ نَشْرَحْ}[الشرح:1] بكمالهما. يقول ابن حجر: وكل هذه الروايات لا تثبت، والحق أن الفترة المذكورة في سبب نزول والضحى غير الفترة المذكورة في ابتداء الوحي؛ لأنه انقطع جبريل عنه لماذا؟ لوجود كلب في بيته، والحق أن الفترة المذكورة في سبب نزول والضحى غير الفترة المذكورة في ابتداء الوحي، فإن تلك دامت أيامًا، وهذه لم تكن إلا ليلتين أو ثلاثًا، فاختلط على بعض الرواة وتحريرُ الأمر في ذلك ما بينته وقد أوضحت ذلك في التعبير ولله الحمد.

يعني ما جاء من أن الفترة ثلاث سنين هذا فيه بُعد، هذا فيه بُعد لا سيما إذا أثبتنا ما كان يحصل منه -عليه الصلاة والسلام- من قصد شواهق الجبال ليتردى منها، وعرفنا أن هذا الأصل فيه أنه غير ثابت؛ لأنه من بلاغات الزهري، وعلى فرض ثبوته بالإسناد الذي قبله بالإسناد الذي سيق فيه الحديث الأصلي أُجيب عنه، لكن هل يُتصور أنه يمكث ثلاث سنوات يفعل هذا الفعل وفي كلها تبدى له جبريل ويطمئنه ثم يعود إلى ذلك مدة ثلاث سنوات؟ لا شك أن هذا فيه بُعد، وإن قال ابن حجر إن المثبِت مقدم على النافي.

طالب:...

نعم، ماذا فيه؟

طالب:...

البخاري رواه على أنه بلاغ وفيما بلغنا وفيما بلغنا بهذا اللفظ.

طالب:...

كلب عند عائشة.

طالب:...

لا، هو، هنا حصل خلط، جبريل تأخر حتى في الضحى لنزول سورة الضحى، نذهب للجزء الثامن من الفتح، الثامن، هذا الثامن انظر ماذا يقول ابن حجر في سبعمائة وعشرة يقول- رحمه الله- في باب {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}[الضحى:3]: حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا زهيرٌ، قال: حدثنا الأسود بن قيس، قال: سمعت جندب بن سفيان -رضي الله عنه- قال: (اشتكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يقم ليلتين أو ثلاثًا، فجاءت امرأة فقالت: يا محمد، إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثًا، فأنزل الله- عز وجل- {وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}[الضحى1:3])، قال: قوله: باب: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر، وذُكِرَ في سبب نزولها، وذَكَر في سبب نزولها حديث جندب، وأن ذلك بسبب شكواه -صلى الله عليه وسلم-، وقد تقدمت في صلاة الليل أن الشكوى المذكورة لم ترد بعينها، وأن من فسّرها بأصبعه التي دميت لم يصب، ووجدت الآن في الطبراني بإسناد فيه من لا يعرف أن سبب نزولها وجود جرو كلبٍ تحت سريره -صلى الله عليه وسلم- لم يشعر به، فأبطأ عنه جبريل لذلك، وقصة إبطاء جبريل بسبب كون الكلب تحت سريره مشهورة، لكن كونها سبب نزول هذه الآية غريب، بل شاذ مردودٌ بما في الصحيح والله أعلم.

وردَ لذلك سببٌ ثالث، وهو ما أخرجه الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال: (لما نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن أبطأ عنه جبريل أيامًا فتغيّر بذلك فقالوا: ودَّعه ربه وقلاه فأنزل الله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}) قرئ بالتخفيف: وَدَعَك لكنها قراءة شاذة؛ لأن ماضي يدع ودع، والوَدْع الذي هو المصدر أماته العرب، المصدر مستعمل «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات»، «من لم يدع»، «دع ما يريبك» هذه كلها مستعملة، لكن ودعك هذه أماتها العرب، وقد قُرئ بها في الشواذ، فأنزل الله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ومن طريق إسماعيل مولى آل الزبير قال: (فتر الوحي حتى شقّ ذلك على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحزنه، فقال: قد خشيت أن يكون صاحبي قلاني، فجاء جبريل بسورة والضحى)، وذكر سليمان التيمي إلى آخر ما ذكرنا في ما يُذكر عن ابن عباس أن مدة الوحي كانت أيامًا.

طالب:...

يعني إلى أن طُمئن، إلى أن طُمئن رأى جبريل فطمأنه وترك، لكن ما الفائدة من هذه الثلاث سنوات التي حصل فيها فترة الوحي؟ بعيدة جدًّا أن يفتر الوحي ثلاث سنوات متواصلة ما ينزل فيها شيء من القرآن لا سيما، وأنه ليس فيها شيء ملزم، كلها مراسيل، يعني ما فيها شيء يثبت، لكن من جهةٍ أخرى حينما يُقرِّر أهل العلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نُبئ باقرأ وأرسل بالمدثر، نُبئ باقرأ وأرسل بالمدثر، وهل نزل بينهما شيء؟ نزل بين اقرأ والمدثر شيء؟ حتى قال جابر وغيره: إن أول ما نزل من القرآن المدثر. أُرسل بالمدثر، ما معنى أرسل؟ أُمر بالتبليغ، أُمر بالتبليغ، ومتى أُمر بالتبليغ؟ يعني له استمر مدة طويلة تبلغ الثلاث سنين لا يدعو أحدًا إلى هذا الدين، ألم يدخل في دين الله جمع من الصحابة قبل الثلاث سنين؟ يعني في الأيام الأولى، في الأيام الأولى دخل من دخل في دينه، هل نقول: إن هؤلاء دخلوا في دين الله بغير دعوة؟ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنذِر}[المدثر1:2]، ولما خشي على نفسه ونزلت عليه اقرأ خشي على نفسه نزلت: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، على ما تقدّم بيانه في شرح الحديث.

يقول ابن الملقن: فيه -يعني هذا الحديث- جواز تزكية الرجل بما فيه من الخير، من أين؟ من الأوصاف التي ذكرتها خديجة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، جواز تزكية الرجل بما فيه من الخير للأوصاف السالفة التي ذكرتها خديجة وليس بمعارض لحديث: «احثوا في وجوه المدَّاحين التراب» فإن ذلك إذا مُدح بباطل بما ليس في الممدوح، مُدح بباطل بما ليس في الممدوح، فعندنا مدح بحق، ومدح بباطل، مدح بحق هذا الذي حصل، وحصل من النبي- عليه الصلاة والسلام- لبعض أصحابه، وهناك مدح بباطل مثل ما يفعله كثير من الشعراء الذين يمدحون من لا يستحق المدح استجداءً وارتزاقًا، هذا واضح هذا مدح بحق ومدح بباطل، ولكن قد يمدح المدح ولو كان بحق إذا كان يؤثر في الممدوح بحيث يصاب بداءٍ عضال في قلبه، بعض الناس لا يتحمل ولو كان بحق، أيضًا بالنسبة للممدوح هذا بالنسبة للمادح، بالنسبة للمدوح بعض الناس يتشوّف إلى أن يُمدَح، أحيانًا بما فيه وأحيانًا بما ليس فيه. فهل الذنب إذا تشوّف الإنسان بما فيه وبما ليس فيه من باب أولى أو الذم إذا تشوّف؛ لأن يمدح بما ليس فيه، وأما إذا أحب أن يمدح بما فيه فلا إشكال فيه، وآية أواخر سورة آل عمران استنبط منها بعض أهل العلم أنه لا مانع أن يُحب الإنسان أن يُمدَح بما فيه {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}[آل عمران:188] مفهومه: أنه لا ذم فيمن أحب أن يُمدح أو يُحمد بما فعل، لكن أيضًا محبة المدح سواء كان بما فعل أو بغير ما فعل هذا له أثره الكبير على القلب وعلى النية والقصد. لا شك أن مثل هذا إذا كان يحب، هذا لا شك أنه لا بد أن يصاب في قلبه، يصاب بعُجب والعُجب أمره شديد وشأنه خطير، والعُجب فاحذره إن العُجب مجترف أعمال صاحبه في سيله العرم، العجب قاتل، فعلى الإنسان ألا يحب أن يُمدَح.

ابن القيم -رحمه الله- في الفوائد قال: فائدة: إذا حدثتك نفسك إذا حدثتك نفسك بالإخلاص فاعمد إلى حب المدح والثناء فاذبحه بسكين علمك أنه لا أحد ينفع مدحه ويضر ذمه إلا الله- جل وعلا-. والإنسان إذا سمع كلمة مدح من إنسان عادي طار بها فرحًا، ويكاد ألا ينام في تلك الليلة، فكيف إذا سمع كلمة مدح ممن له شأن! إذا قيل: الأمير الفلاني أو الوزير الفلاني أو المدير الفلاني أو الملك الفلاني البارحة أثنى عليك، خلاص ما فيه نوم لمدة أسبوع، أين هذا من قوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث القدسي: «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه» قد يُذكر ويمدح في ملأ فيه أشرار لا أخيار في الدنيا، والإنسان ما يتحمل مثل هذه الأمور، وما كنا نعرف مثل هذه الأمور إلى وقت قريب، نعرف أن العلماء ينادون بأسمائهم سادة بدون أي مقدِّمة، ولا يرضون أن يقال: الشيخ فلان، ولا يسمعون كلمة مدح، ولا يرضون بسماعها، ثم جاءت هذه الدراسات المبنية على هذا الأمر، والشهادات والمناقشات، وكل واحد يمدح الثاني بما فيه وما ليس فيه.

حتى وصل الأمر إلى أن شخصًا من طلاب العلم حضر إلى مسجد له محاضرة مرتبة، يلقي محاضرة، والمقدِّم يقدِّم أعطاه ورقة من تحت المنصة فيه سيرة ذاتية له لهذا الشاب، أحضرها معه. فلما قرأها المقدِّم أقبل إليه يلومه: قطعت عنق صاحبك، الله يهديك، وصلنا إلى هذا الحد! والحديث في صحيح مسلم: «احثوا في وجوه المداحين التراب»، لما للمدح من أثر كبير على النفس.

 ونعود إلى آية آل عمران، آية آل عمران التي فيها: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}[آل عمران:188] أخذ من مفهومها بعض العلماء أن من أحب أن يُحمد بما فعل أنه لا يدخل في الآية، نعم بعض الثناء على الإنسان من غير تشوّف هو كما جاء في الخبر من عاجل البشرى، مثل هذا من غير تشوّف ولا طلب هذا لا إشكال فيه، لكن يبقى أن الناس يتفاوتون، منهم من يؤثر فيه المدح، ومنهم من لا يؤثر فيه، فالذي يؤثر فيه يُتحاشا مدحه، ولا يرضى لنفسه به؛ لأنه خطر عليه، وخطر على إخلاصه، والذي لا يؤثر فيه، النفس إذا عُودت على شيء صعب أن تفطم عنه، يصعب جدًّا أن تُفطم عنه ولو لم يكن من حقها. يعني لو أنت في المسجد بعد صلاة الصبح من كل يوم فيه شخص كبير السن إذا سلّم من الصلاة أقبل عليه الناس: كيف أصبحت يا أبا فلان؟ كيف أصبحت؟ في يوم من الأيام الشخص الذي بجواره ما قال له، وهو من الجماعة المعروفين، تمر هذه بسلام؟ تمر بسلام؟ لا تمر بسلام إطلاقًا، خلاص عُوِّد، فالنفوس لا تحتمل مثل هذه الأمور. والله المستعان.

طالب:...

نعم. مدح ما أنكر عليها.

طالب:...

يعني قبل التشريع، يعني هذا المدح قبل التشريع، ولو كان بعده لأنكر، احتمال أن ينكر، فلا دليل فيها، على كل حال فيه أدلة كثيرة تعضد أن هذا الأمر لا شيء، وقع من النبي لبعض أصحابه.

طالب:...

يعني الآن في بعض من القِدم يعني من الصدر الأول يعني بعد الخلفاء الراشدين ممن له نفوذ ويُرجى نفعه في أمور عامة، ولا يمكن أن يُحصل أو يوصل إلى هذا النفع إلا بمدحه ماذا تصنع؟ المصلحة الراجحة لعامة الناس مُقدمة على المفسدة اللاحقة به، هذا ظاهر بعض الناس ما يمكن أن تصل إلى ما عنده لا سيما إذا كان ليس لك، إنما هو لمصلحة الأمة إلا بمثل هذه الطريقة، فيمدح وشيوخنا ما زالوا يمدحون من بعض من لا يستحق المدح؛ ليتوصلوا إلى مقصدٍ شرعي.

 يقول العيني: فيه جواز ذكر العاهة التي في الشخص، ولا يكون ذلك غيبة؛ لأن خديجة قالت عن ورقة: إنه كان شيخًا كبيرًا قد عَمي، العمى عاهة، فتُذكر من أجل بيان الواقع أو لمجرد التعريف كما يقال: سفيان بن عيينة الأعور، سليمان بن مهران الأعمش، وتُذكر أيضًا أوصاف أخرى لا تؤثر في الشخص لا يكرهونها من جهة، والأمر الثاني أنه يحصل بها تعريف مجرد تعريف، ولا يُراد بها شين الإنسان ولا عيبه ولا ذمه.

يقول: فيه جواز ذكر العاهة التي في الشخص، ولا يكون ذلك غيبة، هناك كتب في الألقاب، كتب في الألقاب لابن حجر نزهة الألباب في مجلدين، ولغيره أيضًا مؤلفات، وكثير من هذه الألقاب مكروهة تتابع عليها الناس وأهل الحديث على وجه الخصوص يذكرون هذه الألقاب، وهناك علماء اشتهروا بالألقاب، ولا يُعرفون إلا بها، كراع النمل، ما كراع النمل هذا؟ من أئمة اللغة.

طالب:...

هذه أرادت ذمها ضرة هذه، هذه ضرة، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قال، يقول العيني قلت: ينبغي أن يكون هذا على التفصيل، فإن لبيان الواقع أو للتعريف أو نحو ذلك فلا بأس، ولا يكون غيبة، وإن كان لأجل استنقاصه أو لأجل تعييره فإن ذلك لا يجوز. فإن ذلك لا يجوز، وهذا تفصيل لا بد منه. بقي من الحديث الأطراف، أطراف ومواضع تخريج الحديث من الصحيح، ونكون بذلك أنهينا الكلام الحديث.

 اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك.