شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (142)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده، ورسوله محمد، وآله، وصحبه أجمعين. أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح" مع بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، الذي يتولى شرح هذه الأحاديث، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: شيخ عبد الكريم، في الحلقة الماضية- أحسن الله عليكم- تحدثتم عن الباب الذي نحن بصدده، والترجمة "باب فضل العلم" هل هي مكرره مع ترجمة سابقة في أول هذا الكتاب، وذكرتم أقوال أهل العلم في هذه المسألة بقي أن نتحدث في هذه الحلقة مع المستمعين حول ألفاظ الحديث، حديث ابن عمر -رضي الله عنه-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم، وبارك على عبده، ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

في الحديث، بينا يقول: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا نائم»، «بينا» أصله بين، فأُشبعت الفتحة فصارت "ألفًا"، وقد تدخل عليها "ما" فيقال: "بينما"، وتقدم هذا اللفظ وذاك. «أنا نائم» أنا مبتدأ خبره نائم، «أُوتيت» بضم الهمزة على صيغة المجهول هو جواب «بينا»، والأصمعي لا يستفصح هذا إلا إذا طُرح (إذ)، و(إذا).

المقدم: بينا.

(بينا إذ كذا)، (بينا أنا نائم إذ كذا) لا يستفصح مثل هذا التركيب إلا إذا حذفت (إذ)، و(إذا) يعني: لو كان التركيب (بينا أنا نائم)..

المقدم: إذ أوتيت.

(إذ أُوتيت) هذا ليس بفصيح عند الأصمعي، وأجازه غيره.

«بقَدَحٍ» القدح بفتحتين، واحد الأقداح التي هي للشرب، والقِدْح بكسر القاف، وسكون الدال السهم قبل أن يُراش ويُركب نصلهُ، وقِدح الميسر يعني بكسر القاف واحد الأقداح، والقدح بالكسر ما يقدحُ به النار يعني: الزَّند.

المقدم: يسمونه قِدْحًا.

قِدْح.

المقدم: الذي يقدح به.

نعم.

المقدم: لكن القَدَحَ عند العرب يطلق على أي إناء سواءً كان...

القَدَح هو الإناء.

المقدم: سواء كان لبنًا، أو ماءً، أو غيره.

القَدَح: هو الإناء، القَدَح لا يختلف، إنما الذي يختلف، الظرف لا يختلف الذي هو القَدَح إنما الذي يختلف ما يوضع فيه.

المقدم: ما كانوا يسمون بعض الأواني اسمًا معينًا لا يطلق إلا إذا شُرب فيها شيء مثل: الكأس لا يطلقونه إلا على الخمر مثلًا، هل هذا يصح عندهم؟

لا هو باختلاف وضعها، فعندهم مثلًا: إبريق، وعندهم كوب، وعندهم إناء، وعندهم قَدَح.

الأخ الحاضر: وركوة.

 ورِكوة، وعندهم، سيأتي في باب الوضوء كثير من هذه الأشياء، إن شاء الله تعالى. هناك كتاب اسمه "سِقط الزَّند" ما معناه؟

المقدم: سقط الزند، ما نعرف يا شيخ.

هذا أولًا كتاب في شعر من؟ المعريّ، ديوان من دواوين المعريّ الكثيرة، وسِقط الزَّند، الزند: هو ما تورى به النار، الزند هو ما تورى به النار، وهو القِدح، وما يُقدح به النار، وسِقطهُ..

المقدم: شراره.

 وريهُ، إقداحهُ، يعني: بعبارة مبسطة تشغيله.

«بقَدَحٍ لبن» كلام إضافي يتعلق بأُوتيت، «فَشَرِبْتُ» أي: من ذلك اللبن معطوف على أُوتيت، «حتى إِني» بكسر همزة؛ إن لوقوعها بعد "حتى" الابتدائية، ويجوز فتحها "حتَى أَني" على أساس أن "حتى" جارّة، تأتي "حتى" للجر؟

المقدم: نعم.

نعم.

المقدم: نعم، لكن بالنسبة لفتح وكسر همزة إن، وأن بعد حتى الأمر فيها سيان؟

إن جعلت حتى ابتدائية، فهي مكسورة بلا شك.

المقدم: «حتى إِني».

إني، وإن جعلتها جارة، وهي تأتي للجر، إن صلح أن تجر الجملة التي بعدها، فتفتح الهمزة، هاك حروف الجر (وهي: من، إلى، حتى، خلا، حاشا، عدا، في، عن، على) هي من حروف الجر بلا شك.

المقدم: وممكن أن تأتي حتى تجر جملة على جملة، ممكن؟

هي الجملة مأوَّلة بمفرد إذا قلنا مجرورة.

المقدم: نعم.

 ولذا تفتح بعدها الهمزة. «لأرى» بفتح الهمزة من الرؤية، أو من العلم، و"اللام" للتأكيد، أو جواب قسمٍ محذوف، قاله ابن حجر. "اللام" «لأرى» للتأكيد، «حتى إني لأرى» للتأكيد، أو جواب قسمٍ محذوف، قاله ابن حجر، ما معنى التأكيد؟ يعني واقعة في خبر "إن" (إن زيدًا لقائم) يسمونها ماذا؟ اللام المزحلقة للتأكيد، أو جواب قسم محذوف تقديره والله إني لأرى. قال العيني: اللام فيه للتأكيد، وقال بعضهم يعني..

المقدم: ابن حجر.

ابن حجر، هذه عادته، وهذا ديدنه، ما سماه ولا في موضع، اللام جواب قسم محذوف. قلت: هذا ليس بصحيح، ليس هنا قسم صريح، ولا مقدر، ولا يصح التقدير، وإنما هذه اللام هي اللام الداخلة في خبر إن للتأكيد كما في قولك: (إن زيدًا لقائم). لكن هنا ما يمنع من إرادة القسم، من تقدير القسم، يعني واقع في جواب قسم مقدر، ما المانع؟

المقدم: قريب.

هنا يقول: قلت هذا ليس بصحيح ليس هنا قسم صريح، ولا مقدر، ولا يصح التقدير، ما المانع من التقدير؟ وهذه الرؤيا حق رؤيا نبي يُحلف عليها هل هناك ما يمنع؟

في المبتكرات، ما المبتكرات؟

المقدم: مبتكرات.

نعم، مر بنا مرارًا، نقلنا عنه.

المقدم: في المحاكمة بين العيني.

مبتكرات اللآلئ والدرر في المحاكمة بين العيني وابن حجر، ماذا يقول؟ لما ذكر كلام الشيخين العيني، وابن حجر قال: إن ابن حجر قد جوَّز في "اللام" التأكيد، ورجَّحه بتقديمه؛ لأن ابن حجر ماذا قال؟ "اللام" للتأكيد، أو جواب قسم محذوف. يقول: إن ابن حجر قد جوز في "اللام" التأكيد، ورجحه بتقديمه على جواب القسم المحذوف، فلا ينبغي الاقتصار في النقل عنه على القسم، كما لا ينبغي أيضًا في الرد لفظ الصريح؛ لأنه لم يدعه، ولا يدعيه وتسوية العيني بين "لام" الحديث و"لام" المثال «إني لأرى»، وبين اللام في (إن زيدًا لقائم) يقول: تسوية العيني بين "لام" الحديث و"لام" المثال ليس مما يقوم حجةً للفرق بين الفعل في الحديث، والاسم في المثال. على أن منعه لقسم مقدر لهذه الرواية لم أُدرك وجهه، ماذا يمنع؟ ما المانع من أن يُقدر قسم؟ مع أن القسم من أعلى المؤكدات، يعني لو كانت رؤيا شخص عادي نقول: نعم، لا يصح تقدير القسم هنا؛ لاحتمال أن تكون رؤيا، أو تكون حُلمًا، أو من الأضغاث، أو كذا، لا يقسم الإنسان على مثل هذا. لكن هذه رؤيا نبي- عليه الصلاة والسلام- ورؤيا الأنبياء حق، «الرِّي»  بكسر الراء في الرواية.

المقدم: أحسن الله إليك، التي تمت بينهما يعني انظر الفوائد التي حصلنا عليها فقط في هذه الجزئية.

نعم بعض الناس يستثقل مثل هذا، ويدخل في النيات، ويقول المقاصد، لا لا أبدًا.

المقدم: يعني شوف الفوائد التي حصلت فقط في هذا المقطع.

بلا شك، لا، لا، المسألة هذه مهمة، والكتابان -أعني فتح الباري، وعمدة القاري- بينهما مناقشات كثيرة جدًّا ما أجاب عنها ابن حجر في "انتقاض الاعتراض"، ولا أجاب عنها البُوصيري في "المبتكرات"، فهي بحاجة إلى تكملة، ولا مانع.. لأن ابن حجر قد لا يجيب عن الاعتراض الذي يرى وجاهته، لكن ما المانع أن نقرر أن العيني أصاب في هذا؟ قول ابن حجر مرجوح، نعم نحن لا نتحيز، لا لهذا، ولا لهذا.

«الرِّي» بكسر الراء في الرواية، وحكى الجوهري الفتح، وقال غيره بالكسر الفعل، وبالفتح المصدر.

المقدم: بالفتح الرَّي تكون؟

فتحناه، والفعل (رَوِيَ) (يروَى) من الشراب، و(روىَ) (يروِي) من الحديث يعني من الرواية فالأول من الرِي، والثاني من الرِواية.

المقدم: الأول يا شيخ لو تكرمت.

(رَوِيَ) (يروَى) من الشراب، و(روىَ) (يروِي) من الحديث، نظيره (رَقِيَ) (يرقَى)، رقيَ ماذا؟

المقدم: يرقى من الصعود.

 من الصعود رَقِيَ، يَرْقَى، و(رَقَى) (يَرقِي) من الرُّقية. وفي فتح الباري، في كتاب "التعبير" في الثاني عشر، وقيل (الرِّي) اسم من أسماء اللبن، «حتى إني لأرى الرِي» يعني اللبن نفسه، هذا كلام ابن حجر، وقيل: الرِّي اسم من أسماء اللبن. «يخرج» أي الرِّي حال من اللبن، ويجوز أن يكون حالًا من الرِّي، لاسيما إذا قلنا إن الرِّي اسم من أسماء اللبن. «يخرج في أظفاري» «حتى إني لأرى الرِّي يخرج في أظفاري».

المقدم: ما هو «من أظفاري»؟

في رواية ابن عساكر: «من أظفاري» وهو أبلغ «من أظفاري»؛ لكونه يخرج منها يعني يتعداها، أما يخرج فيها فيجتمع فيها يعني ما يتعداها، فهذا أبلغ وفي التعبير «من أطرافي» وهو بمعناه «من أطرافي»  الأطراف، أطراف الأصابع في التعبير.

المقدم: في التعبير؟

 يعني من الصحيح تعبير الرؤيا في كتاب التعبير هنا في البخاري. «من أطرافي» وهو بمعناه الآن (يخرج في)، أو (يخرج من) هما روايتان كلاهما ثابت.

المقدم: ثابت، لكن قلنا (من) أصح.

(من) أبلغ، طيب، الآن عندنا استعمال التخرج مثلًا، نقول تخرج في الجامعة، أو من الجامعة؟

الأخ الحاضر: في الجامعة.

المقدم: تخرج في جامعة كذا.

 هنا «يخرج في أظفاري» يعني مناسبة بين اللفظين للربط بينهما وارد أم ليس بوارد؟ يخرج، وتخرج ما الفرق بينهما؟ يعني تخرج فيها، يعني هل معنى أنه تخرج مضمنة معنى دَرَسَ؟

المقدم: وتعلم.

وتعلم مضمنة من أجل أن نعديها (بفي) ولا شك أن الخروج (من)، كثيرًا ما يقول أهل العلم: تخرج فلان في فلان يعني: تعلم عنده، أي: نال من علمه.

قال العيني: فإن قلت: «يخرج من أظفاري» ظاهر، فما معنى قوله: «يخرج في أظفاري»؟ قلت: يجوز أن تكون (في) ها هنا بمعنى: على، أي: على أظفاري كما في قوله تعالى: {وَلَأُصلىبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [سورة طه:71]، أي عليها، ويكون بمعنى يظهر عليها، والظفر إما منشؤ الخروج، أو ظرفه. والأظفار جمع ظُفر، وقال ابن دُريد: الظُّفر ظُفر الإنسان والجمع (أظفار). ولا تقول ظِفر بالكسر، وإن كانت العامة قد أُولعت به، وتجمع أظفار على أظافير، قال: وقال قوم: بل الأظافير جمع (أظفور) والظفر، والأظفور سواء. وأظفار الإبل (مناسمها)، وأظفار السباع (براثنها).

وفي إرشاد الساري قال: «إني لأرى» بلفظ المضارع لاستحضار هذه الرؤية للسامعين، ما قال رأيتُ، «إني لأرى» لاستحضار هذه الرؤية للسامعين، وعبر ب «يخرج» المضارع موضع الماضي، ما قال خرج لاستحضار صورة الرؤية، كذا في إرشاد الساري للسامعين. ولعل مراده استحضار صورة الخروج، وجعل الرِّي مرئيًّا تنزيلًا له منزلة الجسم، وإلا فالرِّي لا يرى فهو استعارة أصلية.

«ثم أعطيتُ فضلي» أي ما فضل من لبن القَدَح الذي شربت منه، «عمر بن الخطاب» مفعول أعطيت الثاني، قالوا: يعني الصحابة -رضوان الله عليهم-: «فما أولته؟» (ما) استفهامية، و«أولته» جملة من الفعل، والفاعل، والمفعول، وهو الضمير الذي يرجع إلى شرب اللبن الذي يدل عليه قوله: (فشربته)، والفاء قال العيني: فما أولته (زائدة) كما في قوله تعالى: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ} [سورة ص:57]، يقول العيني: زائدة، كثير ما يعبر عن بعض الحروف في مثل هذا الموضع {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ} زائد، زائد من الناحية الإعرابية لا من ناحية المعنى؛ لأن القرآن مصون من الزيادة والنقصان. وبعضهم يتأدب ويقول: صلة تشبيهًا لهذا الحرف الذي لا محل له من الإعراب بصلة الموصوف؛ لأنها لا محل لها من الإعراب. والتأويل هنا المراد به التعبير، وتعبير الرؤيا كما قال ابن حجر: هو العبور من ظاهرها إلى باطنها. وقيل: النظر في الشيء فيُعتبر بعضه ببعض حتى يحصل على فهمه- حكاه الأزهري. قال: العلم هو بالنصب، وبالرفع معًا في الرواية يعني في رواية الصحيح جاء الرفع، والنصب.

قال ابن حجر: وتوجيههما ظاهر، قال العيني: أما وجه النصب فعلى المفعولية.

المقدم: أولته العلم.

نعم، أما النصب فعلى المفعولية، والتقدير أولته العلم، وأما وجه الرفع فعلى أنه خبر، ومبتدأ محذوف (أي المؤول به العلم). قال ابن حجر: وتفسير اللبن بالعلم؛ لاشتراكهما في كثرة النفع بهما. قال ابن المنيّر: وجه الفضيلة للعلم في الحديث من جهة أنه عبّر عن العلم بأنه فضلة النبي- عليه الصلاة والسلام- ونصيب مما آتاه الله، وناهيك بذلك انتهى. يقول ابن حجر: وهذا قاله بناءً على أن المراد بالفضل (الفضيلة)، وغفل عن النكتة المتقدمة.

ما النكتة المتقدمة؟ وهي المراد بها على رأي الحافظ ابن حجر ليس الفضيلة، وإنما هي (الفضل)؛ لقوله: «أعطيتُ فضلي» وهو بقية شرابه وهو السؤر. وقال العيني: تفسير اللبن بالعلم لكونهما مشتركين في كثرة النفع بهما، وفي أنهما سببا الصلاح. فاللبن غذاء الإنسان، وسبب صلاحهم، وقوة أبدانهم، والعلم سبب الصلاح في الدنيا، والآخرة، وهو غذاء الأرواح. يعني إذا كان اللبن غذاءً للبدن، فالعلم غذاء...

المقدم: للقلوب.

للروح نعم، وقال المُهلب: رؤية اللبن في النوم تدل على السنة، والفطرة، والعلم، والقرآن؛ لأنه أول شيء يناله المولود من طعام الدنيا، وبه تقوم حياته، كما تقوم بالعلم حياة القلوب، فهو مناسب للعلم من هذه الحيثية.

المقدم: هم يطلقون اللبن دائمًا على الحليب يا شيخ؟

نعم.

المقدم: يعني ألفاظ اللبن عندهم الحليب المراد بها؟ ما جاء في الكتاب والسنة بهذا اللفظ المراد بها الحليب؟

لا، يشمل المخيض، يشمل.

المقدم: حتى المعروف عندنا باللبن.

نعم، حتى المعروف، يقول: كما تقوم بالعلم حياة القلوب، فهو يناسب العلم من هذه الجهة. وقد يدل على الحياة؛ لأنها كانت في الصغر، وقد يدل على الثواب؛ لأنه من نعيم الجنة؛ إذ اللبن من أنهار الجنة، وقد يدل على المال، والحلال، قال: وإنما أوله النبي- عليه الصلاة، والسلام- بالعلم في عمر- رضي الله عنه-؛ لصحة فطرته، ودينه، والعلم زيادة في الفطرة. عمر- رضي الله عنه- الخليفة الراشد، المُلهم، المحدث جاء في فضائله ومناقبه مثل هذا، وسبق أيضًا في كتاب الإيمان رؤيا تتعلق بعمر، حينما رأى الثياب على عمر- رضي الله عنه- ثوب يجره، فما أولته؟ قال: الدين (دينه سابغ من أعلاه إلى أسفله).

المقدم: رضي الله عنه.

 قال الكرماني: في الحديث دليل على منقبة عمر- رضي الله عنه- وعلى جواز تعبير الرؤيا، وعلى رعاية المناسبة بين التعبير وما له التعبير. جواز تعبير الرؤيا، فمنقبة عمر ظاهرة، جواز تعبير الرؤيا أخذناها من تأويل النبي- عليه الصلاة والسلام- لهذه الرؤيا؛ لئلا يقول قائل: إن تعبير الرؤيا من باب الرجم بالغيب؛ لأنها أمور استدلوا بها على أمور غير محسوسة، قد تكون بعيدة كل البعد عن ذهن الرائي، أو السامع، لكن مع ذلك لا ينبغي أن يُسترسل في هذا الباب. ليس معنى هذا أن كل رؤيا تُأوَّل، وليس معنى هذا أن التأويل يقع بالدقة والتفصيل الذي يذكره بعض العابرين الآن.

وعلى جواز تعبير الرؤيا، وعلى رعاية المناسبة بين التعبير، وما له التعبير، ولا تغفُل عن الفرق بين العلم، وفضيلته؛ إذ الحديث دل على الفضل بمنطوقه لا على فضيلته. ويقال: إن فضلة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فضيلة وشرف. وقد فسرها بالعلم، فدل على فضيلة العلم.

 والحديث خرّجه الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- في ستة مواضع:

الأول: في كتاب العلم، في باب فضل العلم، حدثنا سعيد بن عفير، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب عن حمزة بن عبد الله بن عمر أن ابن عمر قال: «سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: » فذكره، ومضى ذكر المناسبة، والكلام طويل فيها.

والثاني في كتاب فضائل الصحابة، في باب مناقب عمر بن الخطاب، قال: حدثنا محمد بن الصلت أبو جعفر الكوفي، قال: حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري قال: أخبرني حمزة عن أبيه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال، فذكره، المناسبة ظاهرة- يعني مناقب عمر- رضي الله عنه- واضحة من الحديث، والمناقب من كتاب فضائل الصحابة أظهر.

والثالث: في كتاب التعبير، في باب اللبن، قال: حدثنا عبدان، قال: أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا يونس عن الزهري، قال: أخبرني حمزة بن عبد الله أن ابن عمر قال: «سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول» باب اللبن ظاهر، يعني من حديث، أخذوه من حديث «أوُتيت بِقَدحٍ اللبن»، وهي أيضًا رؤيا رأى هذا اللبن في الرؤيا، والكتاب كتاب التعبير، فالمناسبة ظاهرة.

الموضع الرابع: في كتاب التعبير أيضًا، باب إذا جرى اللبن في أطرافه أو أظافيره، قال: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب، قال: حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- يقول: «قال رسول الله- صلى الله وعليه وسلم-» فذكره، والمناسبة أيضًا ظاهرة. الحديث كله تعبير، كله رؤيا، فمناسبته لكتاب التعبير ظاهرة جدًّا.

 والموضع الخامس: في كتاب التعبير أيضًا، باب إذا أعطى فضله غيره في النوم، حدثنا يحيى بن بُكير، قال: حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب، قال: أخبرني حمزة بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله -صلى الله وعليه وسلم- يقول، فذكره، والمناسبة أيضًا ظاهرة.

الموضع السادس: في كتاب التعبير أيضًا، باب القَدَح في النوم، يعني باب رؤية القَدَح هناك كلها متعلقة باللبن باب اللبن، باب إذا جرى اللبن، باب إذا أعطى فضله، يعني من اللبن، وهنا باب القَدَح في النوم. قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن حمزة بن عبد الله عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: «سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول» فذكره، والمناسبة ظاهرة. لكن الآن إذا رأى القَدَح، والحديث في رؤية...

المقدم: اللبن.

اللبن في القدح، ولذا قال ابن حجر قال: أهل التعبير: القدح في النوم امرأة، يعني ما هو بعلم، العلم (اللبن)، لكن القَدَح والترجمة عُقدت للقَدَح، فهل نقول: إن هذا القدح لبن؟ كل قَدَح فيه لبن؟ ما يلزم، وكل قَدَح يُرى في النوم يكون علمًا؟ ما يلزم.

المقدم: أو كل لبن؟

اللبن نعم، إلا إذا ظهر فساد فيه، إذا ظهر فيه فساد...

المقدم: أو يُسكب؟

المقصود إذا رُأي فيه غير..

المقدم: مراده؟

ما يدل على أنه، المقصود هنا يقول، قال ابن حجر، قال أهل التعبير: القَدَح في النوم امرأة، أو مال من جهة المرأة، وقَدَح الزجاج يدل على ظهور الأشياء الخفية، وقَدَح الذهب والفضة ثناء حسن.

 والحديث خرجه الإمام مسلم أيضًا، فهو متفق عليه. والله أعلم، وصلى الله وسلم، وبارك على عبده، ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

المقدم: جزاكم الله خير، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل، وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في برنامج التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، والمشهور بمختصر صحيح البخاري، شكرًا في ختام هذه الحلقة لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم الخضير، شكرًا للإخوة الكرام الذين حضروا معنا.

 نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.