التعليق على الموافقات (1435) - 10

نعم.

طالب: أحسن الله إليك. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فإتمامًا للمسألة الثالثة التي ذكر فيها المؤلف: "الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها، وإن كثر الخلاف، كما أن في أصولها كذلك ولا يصلح فيها غير ذلك".

 ذكر:

 "فصل: واعترض بعض المتأخرين على من منع من تتبع رخص المذاهب، وأنه إنما يجوز الانتقال إلى مذهب بكماله".

نعم. العامي لا شك أن فرضه التقليد تقليد أهل العلم، هذا فرض العامي: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، لكن هذا العامي لا يسوغ له لا سيما في البلدان التي يوجد فيها المذاهب المتعددة، ويطلع العامي على أفعال هؤلاء وأفعال هؤلاء، فيختار من قول الحنفية ما يميل إليه، ومن قول المالكية ما يميل إليه ويراه أسهل له، هذا لا يجوز بحال. لكن لو انتقل من حنفي إلى مالكي أو العكس، هذا قالوا: إذا انتقل إليه بكماله بتسهيلاته وتشديداته، فهذه ديانة، ورأى أن مالكًا أفضل من أبي حنيفة، فانتقل لمالك، فما يلام. لكن الكلام في أن ينتقي من مذاهب الأئمة ما يناسب هواه.

طالب: "فقال: إن أراد المانع ما هو على خلاف الأمور الأربعة التي ينقض فيها قضاء القاضي، فمسلَّم".

قالوا هي: النص، والإجماع، والقياس، والقواعد الشرعية.

طالب: "وإن أراد ما فيه توسعة على المكلف، فممنوع إن لم يكن على خلاف ذلك، بل قوله- عليه الصلاة والسلام-: «بعثت بالحنيفية السمحة»، يقتضي جواز ذلك؛ لأنه نوع من اللطف بالعبد، والشريعة لم ترد بقصد مشاق العباد، بل بتحصيل المصالح، وأنت تعلم بما تقدم ما في هذا الكلام؛ لأن الحنيفية السمحة إنما أُتي فيها السماح مقيدًا بما هو جارٍ على أصولها، وليس تتبع الرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها، فما قاله عين الدعوي".

نعم. قال: استدلال بكون الشريعة سمحة وسهلة ورفعت عنها الآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا، هذا لا يعني أنها لا يوجد فيها التكاليف التي هي شاقة في حق بعض الناس في بعض الأحوال، لكن سمة الشريعة اليسر: «إن هذا الدين يسر»، لكن ليس معنى «هذا الدين يسر» التفلت عن الأحكام الشرعية والتنصل منها كما يدعو إليه بعضهم. النبي -عليه الصلاة والسلام- ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما؛ هذا اختيار، لكن إذا أُلزم بنص صار هو الراجح، لا يكون هناك اختيار. ففي وقت التشريع في وقته -عليه الصلاة والسلام- يكون مثل هذا التخيير، أما بعد أن استقرت أصول الشريعة وفروعها وأدلتها والراجح والمرجوح، هذا ما فيه اختيار الآن، فالشريعة الأصل فيها التكاليف، والجنة حفت بالمكاره.

طالب: "ثم نقول: تتبع الرخص ميل مع أهواء النفوس، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى، فهذا مضاد لذلك الأصل المتفق عليه، ومضاد أيضًا لقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]".

نعم. ردوه إلى الكتاب والسنة، لا تردوه إلى أهوائكم وما يناسبكم.

طالب: "وموضع الخلاف موضع تنازع، فلا يصح أن يُرد إلى أهواء النفوس، وإنما يُرد إلى الشريعة، وهي تُبين الراجح من القولين فيجب اتباعه لا الموافق للغرض.

فصل: وربما استجاز هذا بعضهم في مواطن يُدعى فيها الضرورة وإلجاء الحاجة، بناءً على أن الضرورات تبيح المحظورات، فيأخذ عند ذلك بما يوافق الغرض حتى إذا نزلت المسألة على حالة لا ضرورة فيها، ولا حاجة إلى الأخذ بالقول المرجوح أو الخارج عن المذهب؛ أخذ فيها بالقول المذهبي أو الراجح في المذهب، فهذا أيضًا من ذلك الطراز المتقدم، فإن حاصله الأخذ بما يوافق الهوى الحاضر، ومحال الضرورات معلومة من الشريعة، فإن كانت هذه المسألة منها، فصاحب المذهب قد تكفل ببيانها أخذًا عن صاحب الشرع".

يعني إذا وجدنا في مسألة الوضوء من لحم الإبل أو الوضوء من مس الذكر في يوم شديد البرد مثلاً، هل أنت ممن يقول بوجوب أو بنقض الوضوء فيها، ثم تقول: للضرورة أنتقل إلى مذهب فلان، يسوغ ذلك؟

طالب: لا ما يسوغ.

الجو بارد، أنت تثبت على مذهبك، فإن خفت الضرر من الوضوء تيمم. تمشي على جادة ما هو أن تمشي على هوى، يومًا يوافق مذهب فلان، ويومًا يوافق مذهب فلان. والشريعة ليس فيها آصار ولا أغلال ولا تكليف بما يطاق ولا بمحال، ولله الحمد.

طالب: .......

زندقة؛ لأنه ما من مسألة إلا في القليل النادر إلا ويوجد فيها أقوال، منها السهل ومنها الصعب. بعض المسؤولين يصرح بأنه ما عصى الله قط! لأنه إذا احتاج إلى ارتكاب محظور سأل العالم الفلاني وقال له: جائز.

طالب: تخير.

ماذا؟

طالب: تخير.

هذا هو، فمعناه أنه إذا احتاج إلى ارتكاب هذا المحظور سأل فلانًا، وإذا احتاج إلى ارتكاب ثانٍ والشيخ الفلاني ما يسعفه في هذه المسألة سأل غيره، ثم يسأل غيره... يخرج من الدين ولا يشعر.

طالب: "فصاحب المذهب قد تكفل ببيانها أخذًا عن صاحب الشرع، فلا حاجة إلى الانتقال عنها، وإن لم تكن منها، فزعم الزاعم أنها منها خطأ فاحش، ودعوى غير مقبولة. وقد وقع في نوازل ابن رشد من هذا مسألة نكاح المتعة. ويُذكر عن الإمام المازري أنه سُئل: ما تقول فيما اضطر".

نعم. مسألة نكاح المتعة احتيج إليها في وقت من الأوقات أو ضرورة من الضرورات أو في سفر أو في غزوة، يقول بعضهم: وما المانع أننا نجري فيها نصوص ما قبل النسخ؟ لا سيما وأن الظرف مشابه، يعني في فتح مكة وقبله أو خيبر احتاج الناس إليها فأبيحت، ثم حُرمت إلى يوم القيامة. هل نحتاج إلى مثل هذا؟ لا، نُسخت إلى يوم القيامة. فبعضهم يقول: إن النصوص المكية والنصوص المدنية، يُحتاج إلى النصوص المكية في الظروف الموافقة للظرف المكي، والنصوص المدنية يُحتاج إليها وتطبق في الظروف الموافقة والمماثلة للظرف المدني. هذا ليس بصحيح، المنسوخ منسوخ، ارتفع حكمه إلى يوم القيامة.

طالب: .......

لا.

طالب: .......

كيف؟

طالب: .......

لا ما هو برجوع إلى المنسوخ، لحفظها، لا لا ما هو بحكم ولا حد، هذا من أجل حفظها أن لا تكرر الزنا، ما هو برجوع إلى الأصل.

طالب: "ويذكر عن الإمام المازري أنه سئل: ما تقول فيما اضطر الناس إليه في هذا الزمان، والضرورات تبيح المحظورات، من معاملة فقراء أهل البدو في سني الجدب؛ إذ يحتاجون إلى الطعام فيشترونه بالدين إلى الحصاد أو الجذاذ، فإذا حل الأجل قالوا لغرمائهم: ما عندنا إلا الطعام، فربما صدقوا في ذلك، فيضطر أرباب الديون إلى أخذه منهم".

فيكون بيع طعام بطعام.

طالب: لا يجوز.

نعم.

طالب: "خوفًا أن يذهب حقهم في أيديهم بأكل أو غيره لفقرهم، ولاضطرار من كان من أرباب الديون حضريًّا إلى الرجوع إلى حاضرته، ولا حكام بالبادية أيضًا، مع ما في المذهب في ذلك من الرخصة إن لم يكن هنالك شرط ولا عادة".

يعني لو اتفقوا من الأصل، ما أصل العقد أن يكون طعام بطعام، وإنما طعام بدراهم، حلت هذه الدراهم فلم يجدوها، لم يجدوا إلا طعامًا، هل يستوفوا طعامًا أم لا بد دراهم؟ الأصل لا بد دراهم؛ لئلا يكون طعام بطعام. لكن ما هناك اتفاق ولا مواطأة من أصل العقد، «كنا نبيع الإبل بالدراهم والدنانير»، ثم بعد ذلك، «كنا نبيع الإبل بالدراهم، فإذا حلَّت استوفينا بالدنانير»، يعني مثل هذا مثل الصرف، لكن قال: «لا بأس إذا لم يفترقا وبينهما شيء».

طالب: "مع ما في المذهب في ذلك من الرخصة إن لم يكن هنالك شرط ولا عادة وإباحة كثير من فقهاء الأمصار لذلك وغيره من بيوع الآجال خلافًا للقول بالذرائع.

فأجاب: إن أردت بما أشرت إليه إباحة أخذ طعام عن ثمن طعام هو جنس مخالف لما اقتضى؛ فهذا ممنوع في المذهب، ولا رخصة فيه عند أهل المذهب كما توهَّمت. قال: ولستُ ممن يحمل الناس على غير المعروف المشهور من مذهب مالك وأصحابه؛ لأن الورع قلَّ، بل كاد يُعدم، والتحفظ على الديانات كذلك، وكثرت الشهوات، وكثر من يدعي العلم ويتجاسر على الفتوى فيه، فلو فُتح لهم باب في مخالفة المذهب لاتسع الخرق على الراقع، وهتكوا حجاب هيبة المذهب، وهذا من المفسدات".

لكن هذا إذا كان المقصود بالمذهب ما يرمي إليه، وهو مذهب مالك، ولا يتعداه في جميع المسائل سواء كانت راجحة أو مرجوحة، فهذا هو التقليد والتعصب المذموم. فالمطلوب العمل بالراجح بدليله، سواء كان هو المذهب أو غيره.

طالب: "وهذا من المفسدات التي لا خفاء بها، ولكن إذا لم يقدر على أخذ الثمن إلا أن يأخذ طعامًا، فليأخذه منهم مَن يبيعه على ملك منفذه إلى الحاضرة، ويقبض البائع الثمن، ويفعل ذلك بإشهاد من غير تحيل على إظهار ما يجوز".

نعم. يُباع هذا الطعام، ويوفى صاحب النقود بالدراهم والدنانير، نعم. كما قال: «بع الجمع بالدراهم، واشتر بالدراهم جنيبًا».

طالب: "فانظر كيف لم يستجز، وهو المتفق على إمامته، الفتوى بغير مشهور المذهب، ولا بغير ما يُعرف منه بناءً على قاعدة مصلحية ضرورية؛ إذ قلَّ الورع والديانة من كثير ممن ينتصب لُبْثَ العلم والفتوى".

"لِبَثِّ".

طالب: أحسن الله إليك. "إذ قل الورع والديانة من كثير ممن ينتصب لِبَثِّ العلم والفتوى كما تقدم تمثيله".

والورع لا بد منه، بل هو شرط في المفتي، كما قال: (وليس في فتواه مفت متبع، ما لم يضف للعلم والدين الورع).

طالب: "فلو فُتح لهم هذا الباب لانحلت عرى المذهب، بل جميع المذاهب؛ لأن ما وجب للشيء وجب لمثله، وظهر أن تلك الضرورة التي ادعيت في السؤال ليست بضرورة.

فصل: وقد أذكر هذا المعنى جملةً مما في اتباع رخص المذاهب من المفاسد، سوى ما تقدم ذِكره في تضاعيف المسألة، كالانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف، وكالاستهانة بالدين؛ إذ يصير بهذا الاعتبار سيَّالاً لا ينضبط، وكترك ما هو معلوم إلى ما ليس بمعلوم؛ لأن المذاهب الخارجة عن مذهب مالك في هذه الأمصار مجهولة، وكانخرام قانون السياسة الشرعية بترك الانضباط إلى أمر معروف، وكإفضائه إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم، وغير ذلك من المفاسد التي يكثر تعدادها، ولولا خوف الإطالة والخروج عن الغرض لبسطت من ذلك، ولكن فيما تقدم منه كافٍ، والحمد لله".

نعم. لا شك أن تتبع الرخص وزلات العلماء، ما يفسد أمر الدين والدنيا، وينسلخ بسببه الناس عن دينه، فإنه ما من مسألة كما ذكرنا آنفًا إلا وفيها القول المرخص والمبيح، وفيها المانع والمحرم، فإذا تخيرنا في جميع المسائل الأقوال المبيحة خرجنا من الدين، ما صار فيه تكاليف.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.