بلوغ المرام - كتاب الصيام (2)

بالنسبة للنية في الصيام وعرفنا أنها شرط في صحته، سيما الفرض، وأنها لا بد أن تكون من الليل، لا بد من تبييتها من الليل، قد يقول قائل مثلاً: هل يشترط في كل يوم بعينه أن تنوى نيته من الليل، أو يكفي نية واحدة لرمضان كله؟

فقط مثل هذا السؤال ما يحتاجه إلا شخص يحتاج أن يلفظ بالنية، ويستحضر النية، مجرد عزمك على صوم رمضان كاملاً وأنت مسلم وصمته مراراً وسنين وناوي تصومه كاملاً هذه هي النية، قصدك لمحل الوضوء ومثولك أمام مصدر الماء، وفتح الماء على يديك وعلى وجهك هذه هي النية، وقوفك في الصف وتكبيرتك تكبيرة الإحرام، لماذا جئت إلى المسجد؟ هذه هي النية، ولا يشترط قدر زائد على ذلك، هذه هي النية.

لكن منهم من يقول: أننا نحتاج إلى أن نجدد النية في كل ليلة؛ لأن صيام كل يوم عبادة مستقلة، فيحتاج كل يوم إلى نية.

نقول: الحاجة هنا داعية إلى عدم قطع النية، أما استمرار النية واستمرار ذكر النية فلا سبيل إلى الحاجة إليه، يعني مثل ما قلنا: في الوضوء يشترط استصحاب الحكم، نويت أن تسافر الليلة مثلاً، الليلة صيام نعم، فأنت قطعت نية الصيام، نويت أن تسافر وتفطر في سفرك أنت قطعت فتحتاج إلى تجديد النية، إذا عدلت عن رأيك وعن سفرك.

أما ما دمت مقيماً صحيحاً عازم على صيام رمضان كامل هذه هي النية، والذي يقول: رمضان عبادة واحدة يستحضر النية في أول ليلة وخلاص ويكفي، وهذا هو الأصل نعم.

وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)) متفق عليه، وللترمذي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال الله -عز وجل-: أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً)) وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تسحروا، فإن في السحور بركة)) متفق عليه.

وعن سلمان بن عامر الضبي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور)) رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله-: وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)) وفي رواية: ((وأخروا السحور)) فتعجيل الفطر سنة، ((ولا يزال الدين ظاهراً -كما جاء في الرواية الأخرى- ما عجل الناس الفطر وأخروا السحور)) وإذا كان الدين ظاهراً فالناس بخير بلا شك، الناس بخير مازال الدين ظاهر.

((ما عجلوا الفطر، وأخروا السحور)) الصيام عبادة محددة بوقت محدد شرعاً، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فمن تقدم في سحوره على طلوع الفجر لا شك أنه أخطأ السنة، وإن قصد بذلك الاحتياط للعبادة، ولا مبرر لهذا الاحتياط بأن لا يكون ممن يعرف طلوع الفجر، وليس عنده من يعرف فحينئذ الاحتياط في العبادة مطلوب؛ لكن إذا وجد في مكان يعرف فيه الوقت بدقة مثل هذا لا داعي للاحتياط؛ لأنه مخالف للتوجيه الشرعي، وبعضهم يعجل السحور من باب الاحتياط للعبادة على حد زعمه، ويؤخر الفطر كذلك احتياطاً للعبادة، والمعروف أن الاحتياط إنما يطلب عند احتمال الوقوع في المخالفة، أما إذا أدى الاحتياط إلى ارتكاب محذور أو ترك مأمور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، فالمطلوب تعجيل الفطر بمجرد غروب الشمس، وسقوط القرص ((إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم)) هذا وقت الفطر الشرعي، إذا احتاط على حد زعمه وأخر الفطر إلى أن يصلي المغرب مثلاً أو مع ذلك آخر المغرب، هذا لا شك أنه قدر زائد على المشروع، والذي يزيد على المشروع لا شك أنه يدخل في حيز الابتداع، إذا ألحقه بالمشروع، إذا رأى أن فعله أكمل من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو أكمل مما وجه إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل في حيز الابتداع.

جاءت العلة مبينة في بعض الروايات في تعجيل الفطر بعدم مشابهة اليهود والنصارى؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون الإفطار إلى اشتباك النجوم، ويوجد ممن ينتسب إلى الإسلام من يؤخر صلاة المغرب والفطر إلى اشتباك النجوم، تشبهاً باليهود والنصارى، نسأل الله السلامة والعافية.

في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم)) هل نقول: أنه أفطر حقيقة أو حكماً؟ أو أنه دخل وقت الفطور؟ نعم، دخل في وقت الفطور، (أفطر) يعني: دخل في وقت الفطور بدليل لو كان قد أفطر ما صار لمثل هذه النصوص فائدة، الأمر بتعجيل الفطر وهو أفطر، ولا صار للنهي عن الوصال فائدة أيضاً، ولكن المراد بقوله: ((فقد أفطر الصائم)) أي دخل وقت فطره شاء أم أبى؛ لكن عليه أن يعجل كما جاء في التوجيهات التي سمعنا، ((لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الفطر وأخروا السحور)) ولا شك أن هذا من باب يسر هذا الدين، وقطع الطريق على كل من أراد أن يكلف نفسه ويشق عليها، والله -جل وعلا- عن تعذيب الإنسان نفسه غني.

وللترمذي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال الله -عز وجل-: أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً))

ولا شك أن هذا يشهد معناه للحديث السابق؛ لكن الحديث السابق في الصحيحين، وهذا فيه ضعف ((أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً)) ولا شك أن من يقتدي ويأتسي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ويلتزم الأوامر ويجتنب النواهي، ويتجه بالتوجيهات ويلتزمها لا شك أنه محبوب عند الله -جل وعلا-، فالمعنى صحيح.

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تسحروا فإن في السحور بركة)) متفق عليه.

(تسحروا) الأمر بالسحور أمر إرشاد، والعلة تدل على ذلك، تحصيل البركة المرتبة عليه، فالسحور مستحب لهذا الأمر؛ لأن الأصل في الأكل ما لم يؤدِ إلى ضرر الإنسان، أنت تفترض شخص فيه جميع.. افترض في المسألة جميع الأحوال، شخص قام قبيل الفجر وهو متخم أكثر من الأكل، حمل نفسه ما لا تطيق، ثم قام إلى وقت السحور يعني المسألة مسألة أكل ((تسحروا)) وجاء ((نعم السحور التمر)) ((هلموا إلى الغداء المبارك)) لا شك أن السحور مبارك؛ لكن يبقى أنه يأخذ حكم الأكل إضافة إلى ما يدعمه مما جاء في السحور على وجه الخصوص، شخص متخم بالأكل، أو شخص يضره الأكل نقول: هذا يتسحر بأقل قدر يطلق عليه السحور، ولو بتمرة، وكأس من الماء مثلاً أو اللبن، وإذا كان بحاجة إلى الأكل اتجه إليه الأمر به، ففرق بين من يضره الأكل، ومن يضره ترك الأكل، فيعود إلى حكم الأكل الأصلي إلا أن القدر الذي يطلق عليه أنه سحور بحيث يقطع الوصال هذا فيه بركة، ويعين على ما أمامه من ساعات النهار ((فإن في السحور بركة)) ولا شك أن إتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب بركة، ((فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر)) ففيه إتباعاً للسنة، وفيه أيضاً مخالفة لأهل الكتاب.

وعن سلمان بن عامر الضبي -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر)) طيب ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخرا السحور)).

ذكر الإمام مالك في الموطأ عن حُميد بن عبد الرحمن "أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يصليان المغرب إذا رأيا سواد الليل قبل أن يفطران ثم يفطران" هذا فيه تعجيل أو فيه تأخير؟ تأخير، هذا مخالف للنص وإلا غير مخالف؟ منهم من يقول: أن المخالفة للنص التأخير الذي يصل إلى حد اشتباك النجوم، الذي هو تأخير أهل الكتاب؛ لكنه لا شك أنه تأخير، فالمطلوب المبادرة والعجلة في الإفطار، هذا هو المطلوب، وما عدا ذلك تأخير، فماذا يقال عما نقل عن عمر وعثمان -رضي الله عنهما- حميد بن عبد الرحمن، أن عمر بن الخطاب وهو لم يدرك عمر، فهو يحكي قصة لم يشهدها، وأما إدراكه لعثمان فهو بين، ولكنه ما قال: رأيت عمر وعثمان، قال: أن عمر وعثمان، ولم يقل: رأيت عمر وعثمان، فالخبر لا شك أنه فيه ما فيه، والعبرة بالمرفوع، والذي يغلب على الظن أنه لم يثبت عنهما، والثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يصلِ المغرب يوماً ما إلا بعد فطره.

وعن سلمان بن عامر الضبي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور)) رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقال الحاكم: على شرط البخاري؛ لكنه مضعف عند أهل العلم؛ لأنه مروي من طريق عمران بن حصين أيضاً فيه ضعف، وهذا الحديث حديث سلمان أيضاً فيه ضعف، فالمقصود أنه لم يثبت من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وإن ثبت من فعله.

نعم صحيح من فعله أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يفطر على رطبات، فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء، المقصود أنه ثابت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وأما من قوله ففيه ضعف، وعلى هذا السنة أن يفطر الإنسان على التمر والرطب أفضل، إن لم يجد فعلى التمر، فإن لم يجد فعلى الماء، ولا شك أن المعدة إذا كانت فارغة، إذا فرغت وخلت من الطعام ينفعها الطعام الحلو، والماء الذي يهيئها للأكل الذي يليه، ولا شك أن التوجيه إلى التمر مع ما عرف عنه من المنافع العظيمة للبدن، بجميع أجزائه وأطرافه، فليحرص عليه، وبعض الناس يفطر على أي شيء ما يهمه المائدة أمامه ويتخير منها ما شاء، فعلى المسلم أن يعنى بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا سيما وأنه فيه منفعة لبدنه.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال، فقال رجل من المسلمين: فإنك تواصل يا رسول الله، فقال: ((وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)) فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال، واصل بهم يوماً ثم يوماً، ثم رأوا الهلال، فقال: ((لو تأخر الهلال لزدتكم)) كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا" متفق عليه.

نعم يقول المؤلف -رحمه الله-: وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال..."

رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا إشكال فيه؛ لأنه صرح بالناهي وهو بمثابة (لا تواصلوا) خلافاً لمن زعم أنه لا يحتج به، حتى ينقل اللفظ النبوي، وهذه المسألة مرت بنا مراراً؛ لكن لا عبرة بهذا القول.

نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال: وهو صوم أكثر من يوم دون أن يتخلله فطر في الليل، هذا هو الوصال، فقال: "فإنك تواصل يا رسول الله" هذا الرجل لم يوقف على اسمه وترك، يترك مثل هذا لأن ذكره لا يترتب عليه فائدة، فإنك تواصل يا رسول الله، الآن الحاجة داعية لمثل هذا الكلام وإلا ليست داعية؟ يعني ما في إشكال بين تعارض القول والفعل؟ في إشكال، فالحاجة داعية؛ لأنه لو لم تدعو الحاجة لمثل هذا فمواجهة النبي -عليه الصلاة والسلام- بمثل هذا الكلام نهى عن الوصال أنت تواصل، نعم ما يوحي بشيء من سوء الأدب مع النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يرد فعله بقوله؟ لكن الحاجة داعية لهذا، لأن قوله تشريع وفعله تشريع، فبأيهما نعمل؟ أراد أن يستفهم الصحابي -رضي الله عنه- فقال: ((وأيكم مثلي)) النبي -عليه الصلاة والسلام- يختلف عن غيره ((إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)) هذا الطعام لا يخلو إما أن يكون حقيقياً أو معنوياً، وهل حقيقة الطعام المذكور لغوية أو عرفية أو شرعية؟

يعني طعام حقيقي، لكن ليس من حقيقة الطعام الشرعية المؤثرة في الصوم الأكل والشرب فيما يؤكل حقيقة؟ الأكل حينما يمنع الصائم من الأكل، لو نزل الصائم في أثناء إلى المكتبة وقرأ في كتب العلم وقال: أنا أكلت وشربت، هذا الغذاء الروحي، نقول: أفطرت أو لا؟

طالب:........

لكن لو أكل، قلنا: أكل أكل حقيقي شرعاً وإلا عرفاً؟ الظاهر أنكم ما فهمتم مقصودي.

لأنه عندنا الكلام لا بد له من حقيقة والأصل الحقيقية، خلافاً لمن يقول بالمجاز، الذي يقول بالمجاز ما عنده أدنى مشكله في الحديث، يقول: أطلق عليه الطعام مجازاً وانتهى من الإشكال؛ لكن هنا حينما يقول: ((يطعمني ربي ويسقيني)) هل نقول أن هذه حقيقة لغوية؟ هل يوجد في لغة العرب ما يدل على هذا؟ نعم، هل هناك حقيقة عرفية بمعنى أنك يمكن أن تقرأ في الكتب النافعة وتستغني به عن الطعام؟ لأن المرجح عند ابن القيم أن هذا الطعام والشراب ما يفاض عليه من الغذاء الروحي من الله -جل وعلا-.

لا شك أن الإنسان قد يحس من نفسه أنه في بعض الأوقات إذا قرأ قراءة مفيدة ونافعة واستغرق معها، أنه ليس بحاجة إلى طعام ولا شراب، هذا يدركه كل أحد، بحيث لو قدم الطعام وهو بأمس الحاجة إليه قبل أن يشرع في القراءة كان أشوق الناس إليه؛ لكن لما صار يقرأ استغنى عنه، هذه لذة يدركها الناس كلهم، يدركها طلاب العلم على وجه الخصوص؛ لكن يبقى أن نريد أن نطبق الحقائق الثلاث التي لا رابع لها على الطعام والشراب المذكور، يعني يوجد في لغة العرب طعام وشراب غير المأكول والمشروب؟ لا يوجد، يوجد في حقيقة الناس وعرفهم شيء غير المأكول والمشروب؟ لا يوجد.

طالب:........

كيف أكل المر، يأكل المر إيش يصير؟

طالب:.......

إيه لكن هل إطلاق هذا من باب الحقيقة التي تعارف عليها الناس أو من باب المجاز استعمال الشيء في غير ما وضع له؟

طالب:.......

خلي إننا ننكر المجاز، هنا الإشكال عند من يقول بعدم وجود المجاز، كيف يتخلص من مثل هذا الحديث؟

المترجح عندنا وعند علمائنا وشيوخنا وأهل التحقيق من أهل العلم أنه لا مجاز، ونتفق على هذا، لكن أنا أريد أن أطبق الحقائق الثلاث على النص، يعني هل لغة العرب فيها ما يحتمل مثل هذا الكلام؟ أو نقول: أنها حقيقة شرعية، مع أن الأكل الحقيقي حقيقة شرعية، يعني الأكل الحقيقي تتوافر عليه الحقائق الثلاث، هذا وعاء، وهو أيضاً إناء، وتتوافق فيه الحقائق الثلاث: لغة وعاء، عرفاً وعاء، شرعاً وعاء، نعم، أيضاً الأكل والشرب الحسي تتفق فيه الحقائق الثلاث؛ لكن لما تقول: ابن آدم وعاء، الله -جل وعلا- هو الذي يضع فيه هذه العلوم والمعارف والأخلاق المحاسن والمساوئ إيش تصير هذه؟

أقول: قد تأتي الحقيقة الشرعية لأكثر من معنى، ورددنا مراراً المفلس مثلاً، المفلس حقيقة شرعية أنه هو الذي يأتي بأعمال أمثال الجبال ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا، وأكل مال هذا، وقذف هذا، هذه حقيقة شرعية، جاءت في الحديث الصحيح.

وحقيقة شرعية أخرى، أنه لا درهم له ولا متاع، في باب الحجر والتفليس له حقيقة، وفي باب الترهيب من ظلم الناس له حقيقة، فيكون له أكثر من حقيقة، وهنا نقول: للأكل والشرب أكثر من حقيقة شرعية؛ لأن مثل هذا النص نلزم به من يقول بالمجاز، يقول: ما نتفق على الحقائق الثلاث كلها الأكل والشرب المحسوس؟ نقول: لا، نتفق على هذا أيضاً من حقيقته الشرعية الأكل المعنوي؛ لأنه لو كان أكل حسي ما ثبت أنه صائم، ما صار مواصل لو كان أكل حسي، إذاً ليس بأكل حسي، هو أكل معنوي، وهذا الأكل المعنوي حقيقة شرعية بدلالة هذا النص، مثل ما قلنا في المفلس.

الحديث فيه دليل على أن الوصال من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم-، والأصل في النهي التحريم، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال؛ لكن حمله كثير من أهل العلم على أنه للكراهة.

نعم لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- واصل بهم، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوماً ثم يوماً لأنه لو كان الوصال محرماً ما أدبوا بهذا المحرم، فلما أدبوا به عرف أنه جائز؛ لكنه خلاف الأولى ويكون هذا صارف عن النهي من التحريم إلى الكراهة.

ومن أهل العلم من يرى أن الأمر والنهي إذا جاء من أجل الشفقة على المأمور أو على المنهي فهو للاستحباب، حينما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) نقول: يحرم على ابن عمر أن يزيد على أن يقرأ القرآن في أقل من سبع؟ أو نقول: هذا من باب الرأفة به والشفقة عليه مع جواز غيره؟ فيكون النهي للكراهة، وعامة أهل العلم على أنه تجوز قراءة القرآن في أقل من سبع، وكأنهم جعلوا الصارف ما ذكر من أن الأمر من أجل الشفقة على المأمور والنهي من أجل الشفقة على المنهي.

((وأيكم مثلي فإني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)) فلما أبو أن ينتهوا من الوصال واصل بهم يوماً ثم يوماً ثم رأوا الهلال، فقال: ((لو تأخر الهلال لزدتكم)) كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا" متفق عليه.

هذا يدل على أن الوصال جائز أو حرام، وإلا مكروه، يعني هل يمكن أن يؤدب الإنسان بمحرم؟

طالب:.......

محرم يؤدب الإنسان بمحرم ممكن؟ محرم، محرم يعني حصل من إنسان مخالفة نعم فعزر بشيء حرام، افترض أنه شرب خمراً ثم شرب، ثم شرب ثم جلد وهكذا فلم ينتهِ فقيل: اسقوه سماً، مثلاً أو افعلوا معه فعلاً محرماً، من باب التنكيل، أهل العلم يقولون: أن فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- واصل بهم يوماً ثم يوماً صارف للنهي من التحريم إلى الكراهة.

جاء الترخيص بالوصال إلى السحر ((فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر)) وهذا أسلوب لا شك أنه لا يدل على الاستحباب، وإنما يدل على الترخيص، وذلك لمخالفته تعجيل الفطر؛ لكنه من واصل إلى السحر هل يسمى وصال وإلا ما يسمى وصال؟ (فليواصل) سماه النبي -عليه الصلاة والسلام- وصال؛ لكنه وصال نسبي، وصال لهذه المدة الطويلة؛ لكنه ليس وصالاً بين يومين متواليين.

بعض الناس يضرب عن الطعام على حد زعمه أنه يتوصل بذلك إلى إخراج حقه من خصمه، يواصل اليومين والثلاثة والعشرة والأكثر، يسميه إضراب عن الطعام، وهو ليس بشرعي، يعني ما عرف إلا أن أم سعد بن أبي وقاص رفضت أن تأكل أضربت عن الطعام حتى يرتد ابنها، واصلت وأضربت عن الطعام وقال: "لو أن لها روح تخرج ثم روح تخرج ثم... ما أرتد" -رضي الله عنه- فكانوا يفتحون فمها بعود ليدخلوا فيه الطعام.

فليس لائق بالمسلمين أن يفعلوا مثل هذا، وليس من صنيعهم، ولا عرف عنهم هذا، ليس من الحلول الشرعية أن يترك الإنسان ما أوجب الله عليه، ويعرض نفسه للهلاك، يوجد عند بعض طوائف الصوفية الامتناع عن الأكل على حد زعمهم أربعين يوماً، وأنهم يحصل لهم من الفيوض والكشوف مكاشفات والعلوم والمعارف مالا يحصل لغيرهم بهذه الرياضة على حد زعمهم، الحافظ الذهبي أشار إلى مثل هذا في مواضع من السير وقال: إنه ضرب من الهلوسة، الإنسان إذا جاع واشتد جوعه لا شك أنه يترآى له أمور وخيالات نعم، ويقر في قلبه شيء من الهذيان، وقد يسمع غير مسموع، وقد يتكلم بكلام لا معنى له، يسمونها فيوض، وهذا خلاف الشرع، إذا كان الوصال بين يومين منهي عنه فكيف بما زاد على هذه المدة؟ إيش النتيجة.

على كل حال الأمور تقدر بقدرها إذا لم يكن وسيلة لاستخراج الحقوق أو فيه نكاية في عدو وما أشبه ذلك، المسألة أظن أصلها غير شرعي، وبعد ذلك ينظر في حقيقتها على حسب ما تجلبه من مصالح؛ لكن أصلها غير شرعي.

يقول ابن القيم: "المراد ما يغذيه الله -في قوله: ((يطعمني ويسقيني))- ما يغذيه الله به من عارف ويفيض على قلبه من لذة المناجاة، وقرة عينه وقربه وتنعمه بحبه وشوقه إليه" إلى غير ذلك، لا شك أن هذا غذاء روحي؛ لكن في الاكتفاء به عن غذاء البدن يحتاج إلى أن يصل الإنسان إلى أن يبيت عند ربه، يعني هذا قد يكون من خواصه -عليه الصلاة والسلام-، بل هو من خواصه، لا يمكن أن يصل الإنسان إلى هذه الدرجة.

وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) رواه البخاري وأبو داود واللفظ له.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه" متفق عليه، واللفظ لمسلم وزاد في رواية "في رمضان".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- وعنه من؟ أبي هريرة صحابي الحديث السابق، -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من لم يدع قول الزور)) والكذب ((والعمل به والجهل)) والسفه، وسقط القول، ((فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) وفي رواية: ((الرفث)).

في الحديث الصحيح ((الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق)) والرفث الجماع ودواعيه وقيل: هو الكلام في النساء مع المواجهة لهن به، يعني إذا كان الكلام في الجماع ودواعيه مما يواجه به النساء، هذا هو الرفث، أما إذا كان هذا الكلام موجه إلى رجال ليس بحضرة نساء فلا يدخل في الرفث، وهذا معروف عن ابن عباس فيما نقله المفسرون وأهل اللغة، والمعتبر عند أهل العلم أن الرفث: الجماع والكلام فيه والحديث عنه، وما يتعلق به.

((من لم يدع قول الزور)) يدع: فعل مضارع مستعمل والأمر مستعمل أيضاً، ((دع ما يريبك)) والمصدر مستعمل ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات)) أم الماضي (ودع) فقد أميت، كما نص على ذلك غير واحد من أئمة اللغة، أميت ماضيه واستغني عنه بتَرَكَ، قريء في الشواذ: (ما ودَعَك ربك) يعني ما تركك؛ لكنها قراءة شاذة.

((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة)) مفهومه أن من ترك هذه الأمور أن الله -جل وعلا وتعالى وتقدس- له حاجة في صيامه، والله -جل وعلا- هو الغني، ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً)) فلا شك أن المفهوم غير مراد.

((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))

هذه الأمور هل تبطل الصيام أو تذهب الأثر المترتب عليه؟ بمعنى أنه لا أجر له، صيامه غير مقبول، ولا يعني أنه غير صحيح بل يؤمر بإعادته، صيامه لا تترتب عليه آثار، بل على الإنسان أن يصوم الصيام الشرعي المورث للتقوى، أما الصيام الأجوف الشكلي الظاهري الذي يزاول صاحبه في أثناءه ما حرم الله -جل وعلا- هذا ليس بصيام، وإن كانت صورته صورة الصيام، وإن كان مجزئاً مسقطاً للطلب؛ لكن الآثار من أعظمها تقوى الله -جل وعلا-، ما ترتبت عليه، ولهذا مثل هذا الصيام وجوده كعدمه في حياة المسلم الصائم.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم؛ ولكنه كان أملككم لإربه" متفق عليه، واللفظ لمسلم، وزاد في رواية: "في رمضان".

القبلة للصائم لا شك أن الصائم ممنوع من الجماع، وما يؤديه إليه من باب منع الوسائل؛ لكن مجرد القبلة التي لا أثر لها في الصيام، ولا تتسبب في إبطاله، بأن يخرج منه شيء، يخل في الصيام شبهها النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عمر بالمضمضة، الصائم يتمضمض والمضمضة مظنة لانسياب شيء إلى بطنه إلى جوفه؛ لكنها لذاتها لا تمنع، وكذلك القبلة لذاتها لا تمنع، لذاتها لا تمنع، أما إذا أدت إلى خدش الصيام أو غلب على الظن أنها تؤدي إلى إبطاله فلا، ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل من نسائه أم سلمة، وحفصة، وعائشة، حصل التقبيل منه -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن كما قالت عائشة: "ولكنه كان أملككم لإربه" والإرب هو حاجة النفس من الوطء، ومنهم من يقول: "أملككم لعضوه" بحيث لا يترتب عليه خروج شيء من هذا العضو، لكن لو قبل الإنسان ثم أنزل أو قبل فأمذى؟ عند الحنابلة لا فرق سواءً أمنى أو أمذى يبطل صومه وغيرهم يقول: لا إن أمنى بطل صومه لأنه شهوة، وإن أمذى فلا، الأصل أن الصيام يبطل بالجماع؛ لكن يلحق بالجماع ما يحصل فيه اللذة، ولذا جاء في الحديث الصحيح ((يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)) أما المذي فليس به شهوة فلا يبطل الصيام؛ لكن على الإنسان أن يحتاط لدينه.

وجاء في حديث النعمان في اتقاء الشبهات: ((من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه)) وجاء التفريق بين الشاب والشيخ فرخص للشيخ ولم يرخص للشاب، أما بالنسبة للمرفوع فضعيف، وأما ما ثبت عن ابن عباس فصحيح، التفريق لا شك أن الدواعي بالنسبة للشاب أشد، والتأثر بالنسبة للشاب أشد، بخلاف الشيخ، ولذا جاء الأمر بالزواج موجه إلى الشباب: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) وليس معنى هذا أن الشيخ لا يتزوج، يتزوج؛ لكن الداعي عنده أقل، فعلى الإنسان أن يحتاط لدينه.

أما أصل المسألة فلا شيء فيه؛ لأنه ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قبل، فمجرد التقبيل لا بأس به، واستحبه أهل الظاهر اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لكن هو على حسب ما يترتب عليه.

قد يقول قائل: الوسائل لها أحكام المقاصد، نهينا عن الاستنشاق ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) والاستنشاق وسيلة إلى دخول الماء إلى الجوف، والقبلة وسيلة، نقول: الاستنشاق وسيلة يغلب على الظن حصول الغاية معه، بينما القبلة لا يغلب على الظن حصول الغاية معه، ولو غلب على الظن حصول الغاية معها لمنعت.

"يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم" يباشر: يعني يمس البدن من غير حائل، وليس معنى هذا أنه يطأ في ما دون الفرج هذه مباشرة؛ لكن الوطء هذا يحصل به الإنزال، والإنزال مبطل للصوم؛ لكن المباشرة المقصود بها: مس البدن من غير حائل "ولكنه كان أملككم لإربه" فعائشة تثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقبل لكن عنده ما يمنعه مما يخدش الصوم.

أيضاً يمنع الصائم مما يمنع منه غيره، فإذا كان قول الزور والعمل به والجهل والرفث ممنوع في غير وقت الصيام يتأكد منعه في حال الصيام؛ لأن مضاعفة الذنوب لا تضاعف؛ لكنها تعظم بسبب شرف الزمان والمكان، وقل مثل هذا في النظر إلى النساء محرم في كل وقت، والرجل مأمور بغض البصر سواءً كان النساء على الطبيعة أو على الشاشات أو في صور الصحف والمجلات، المقصود أنه ممنوع من النظر إلى النساء الأجنبيات، بل هو مأمور بغض البصر، وإذا كان هذا في غير رمضان، كان المنع منه في رمضان أشد، والعقوبة فيه أغلظ، نسأل الله السلامة والعافية.

وبعض الناس يسترسل في هذه الأمور، ويتعرض لإبطال صومه، بل لإبطال صلاته، أحياناً ينظر في هذه الشاشات وفي هذه القنوات وفي هذه الصورة ثم إذا مثل بين يدي ربه -جل وعلا- خرج منه ما يخرج، هذا كثير، لا سيما عند الشباب، فعلى الإنسان أن يبعد عن مواطن التهم، الموطن التي تخدش دينه، يبعد عما حرم الله عليه، ويتقي الله -جل وعلا-، حب وتتذلل لله -جل وعلا-، وليس بحر، كما يردد بعض الناس، أبداً ليس بحر، بل هو عبد لله -جل وعلا-، خلق لهدف عظيم، وغاية عظمى، وهي العبادة، تحقيق العبودية بعض الناس يرددون أبداً الناس أحرار، نعم الناس أحرار من رق العباد، أما من رق الخالق فهم عبيد، وخلقوا للعبادة، فلتجري عليهم الأحكام.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم" رواه البخاري، وعن شداد بن أوس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان فقال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) رواه الخمسة إلا الترمذي وصححه أحمد وابن خزيمة وابن حبان.

وعن أنس بن مالك قال: "أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أفطر هاذان)) ثم رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم، رواه الدار قطني وقواه.

وعن عائشة -رضي الله عنها- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اكتحل في رمضان وهو صائم" رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف، وقال الترمذي: لا يصح في هذا الباب شيء.

قال المؤلف -رحمه الله-: وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم" هما جملتان، ومنهم من يجمع الجملتين، ويقول: احتجم وهو محرم صائم، لكن هل ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أحرم وهو صائم؟ صام عام الفتح في رمضان فلما بلغ الكديد، أو كراع الغميم، أو عسفان أفطر.

((واحتجم وهو صائم)) ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه احتجم وهو صائم، وأيضاً ثبت عنه أنه احتجم وهو محرم، في هذا دليل على قول الجمهور بأن الحجامة لا تؤثر في الصيام، لا تؤثر في الصيام.

ماذا عن حديث شداد؟ شداد بن أوس -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أتى على رجل بالبقيع، البقيع هذه غير محفوظة؛ لأن القضية كانت بمكة عام الفتح، النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى على رجل وهو يحتجم في رمضان فقال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) رواه الخمسة إلا الترمذي وصححه أحمد وابن خزيمة وابن حبان، احتجم النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو صائم، وقال في حديث شداد بن أوس: ((أفطر الحاجم والمحجوم)).

الإمام الشافعي يرى أن حديث شداد منسوخ بحديث ابن عباس؛ لأنه متأخر عنه، ما الدليل على تأخره عنه؟

طالب:........

هذا إذا قلنا: هو محرم صائم، إذا قلنا: أنها جملة واحدة؛ لكن إذا قلنا: بانفكاك الجملتين احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم.

طالب:.......

قلنا: ألا يحتمل أنه محرم في عمرة من عُمَرِه في عمرة القضاء مثلاً، وهي بعد الفتح أو قبله؟ قبله، قبل الفتح، نعم كل من قال بالنسخ ومنهم الإمام الشافعي يرى أن حديث ابن عباس كان في حجة الوداع؛ لكن في حجة الوداع هل حفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان صائم؟ عمدتهم الجمع بين الجملتين، احتجم وهو صائم، احتجم وهو محرم، فجمعتا جملة واحدة، فصارت احتجم وهو صائم محرم.

حقيقة يشم رائحة التأخر لحديث ابن عباس، أن حديث شداد لا إشكال في كونه في عام الفتح، وابن عباس إلى عام الفتح وهو مع أبويه بمكة، ثم انتقل بعد ذلك أو قبل؟

طالب:........

نعم انتقل بعد، فحديث ابن عباس متأخر عن حديث شداد، وهو الذي مال إليه الشافعي وجمع غفير من أهل العلم، يرون أن حديث شداد بن أوس منسوخ بحديث ابن عباس، ومنهم من يقول وهو المعروف عند الحنابلة ورجحه شيخ الإسلام والمفتى به أن الحجامة مفطرة، والحديث نص ((أفطر الحاجم والمحجوم)) منهم من يرى أن الحاجم والمحجوم في هذه القضية كانا يغتابان الناس، فالفطر هذا حسي أو معنوي؟ معنوي كانا يغتابان الناس فحكم عليهما بأنهما أفطرا فطراً معنوياً؛ لكن ابن خزيمة تعجب من هذا القول، يقول: "لو سئل هذا القائل هل الغيبة تفطر الصائم أو لا تفطر؟ لقال: لا، فكيف يقول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) لأنهما كانا يغتابان الناس، لا شك أن مثل هذا لا حظ له من النظر، منهم من يقول: أفطر الحاجم والمحجوم لأن الحجامة تؤول بهما إلى الفطر، كيف تؤول بهما إلى الفطر؟ الحاجم قد ينسى شيء من الدم في جوفه فيفطر، والمحجوم قد يضعف عن متابعة الصيام فيفطر، أما إذا قوي وتابع صيامه إلى غروب الشمس فلم يفطر، والحاجم أيضاً إذا احتاط لنفسه ولم ينساب شيء في بطنه فلم يفطر، لو كان الحاجم مثلاً بآلة، يحجم بآلة كهربائية لا علاقة له بفمه، نقول: أفطر الحاجم، هل يمكن أن يقول أحد أفطر الحاجم لهذا؟ لا يمكن أن يقال، والحديث يتناوله ما في تفصيل، الحديث يتناوله؛ لكن هذا التأويل سائغ في أن الحجامة تؤول بالحاجم والمحجوم إلى الفطر، فمن كانت تضعفه الحجامة منعت في حقه؛ لأنها تؤول به إلى الفطر، وهذا رجحه جمع من أهل العلم أيضاً، والاحتياط ألا يحتجم الصائم، فإن احتاج إليها فليحتجم بالليل، كما قال ابن عمر، إن احتاج إليها، وإن اضطر إليها فهو صائم بيقين، ولا يبطل صيامه إلا بيقين مثله، لا سيما مع وجود المعارض من حديث ابن عباس، وهو أقوى منه؛ لأنه في البخاري، وهذا في المسند والسنن.

الحجامة لها ذيول مثل: سحب الدم للتحليل مثلاً، سحب الدم للتبرع، تغيير الدم بالنسبة للغسيل، الشيء اليسير الذي لا يؤثر على الصائم كسحب شيء يسير لا أثر له في الغالب، هذا لم يقل أحد بأنه يفطر، الشيء الكثير الذي بمقدار ما يخرج في الحجامة يلزم من قال بالتفطير بالحجامة أن يفطر بهذا، وأما الغسيل واستخراج الدم من البدن ثم إعادته إليه بعد إضافة مواد مطهرة منقية لا شك بأن هذا يفطر، للإعادة وإن لم نقل بأن الحجامة تفطر، هذا مفطر قطعاً، ومثل ما قلنا: أن الاحتياط ألا يحتجم الصائم، فإن اضطر إلى الحجامة يحتجم في الليل، وإن اضطر إليها ولا مفر ولا مناص وقرر الأطباء أنه لا بد من استخراج هذا الدم فالصوم ثابت بيقين واستخراجه وإبطاله يحتاج إلى يقين مثله، ولا سيما أن حديث ابن عباس أقوى من حديث شداد.

وعن عائشة -رضي الله عنها- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اكتحل في رمضان وهو صائم" رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف، الحديث ضعيف، ولذا قال الترمذي: لا يصح في هذا الباب شيء.

والكحل، العين ليست بمنفذ إلى الجوف، وكون المكتحل أو المتداوي بعينه قد يرى طعم الكحل في فمه لا يعني أنه منفذ، بدليل أن من وطئ الحنظل بقدمه وجد طعمه في حلقه، وجد أثره في معدته، هل معنى هذا أنه نفذ إليها؟ ليست بمنفذ، بينما الأنف منفذ، الفم منفذ، الأذن منفذ أو ليس بمنفذ؟ هي منفذ إلى الفم، فإن أخرج ما يصل إلى الفم بواسطتها فلا أثر له على الصيام، وإن ذهب لأنه لا شك أن هذا مجرب أنه يصل، يصل جرم ما هو مجرد طعم نعم.

طالب:........

لولا حديث صفوان بن عسال: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) يدل على أنه منفذ، الفم الصائم منهي عن المبالغة في الاستنشاق؛ لكن هل ينهى عن المبالغة في المضمضة ((بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) هل ينهى عن المبالغة في المضمضة؟ هل نقول: من باب أولى لأنه المنفذ الأصلي؟ أو نقول: لا، له أن يبالغ لأن المنفذ الأصلي محكم، ما هو مثل الأنف، الأنف مفتوح ما في شيء يمنع من انسياب الماء، بينما الفم محكم، ما هو مثل الأنف، فهل نقول: بأنه يبالغ في المضمضة وبعد أن يدير الماء في فمه بلسانه يخرجه أو نقول: لا يبالغ بل هي مثل الاستنشاق، وإن قيل: أنها أولى لأنه المنفذ الأصلي صار له وجه؛ لكن يبقى أن الفارق واضح، الفم يمكن التحكم فيه بخلاف الأنف، ولذا جاء التنصيص على الاستنشاق دون المضمضة.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
هذا يقول: هل يجوز شراء ثياب الكفار بعد استعمالها من قبل الكفار؟

إذا غلب على الظن أنهم يزاولون فيها النجاسات فهم في الغالب لا يستنجون، فتلبس بعد غسلها، المسألة معلقة بغلبة الظن، إذا غلب على الظن أنهم غسلوها غسلاً معتبراً قبل بيعها يكفي.

يقول: بعض الأوروبيين يقولون: أعيادهم ثابتة التاريخ في السنة الميلادية، أما المسلمون في كل عام يختلفون في وقت دخول رمضان، وكذلك في العيد؟

نعم هذا صحيح، وليس بعيب وليس بقادح، نحن أمة مطالبون بأوامر ونواهي نقف عندها، ولا عيب في ذلك، بل هذا مما يمدح به المسلمون؛ لأنه إذا أمر بأمور مختلفة غير ثابتة ودار مع هذه الأوامر في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، على مراده وعلى خلاف مراده، هذا لا شك أنه أكمل.

هذا قال: أسائلكم بالله أن تجيبوا على هذا السؤال لما له من أهمية يقول: شخص مبتلى بكلام الفتيات والحديث معهن الساعات الطوال علماً بأنه متزوج وعنده أطفال، وأنه يريد الخلاص والتوبة والرجوع إلى الله تعالى، بما تنصحونه، وأرجو الدعاء؟

على كل حال الكلام مع النساء الأجنبيات لا شك أنه وسيلة وباب لشر مستطير وخطر عظيم، فعليك، بل يجب عليك فوراًَ أن تقطع هذه المكالمات، وأن توصد جميع الأبواب الموصلة إليها، ولا تعرض نفسك للفتن، إذا كان الكلام مع المرأة الأجنبية محرم إلا بقدر الحاجة، فإذا دعت الحاجة إلى مكالمة النساء بقدر الحاجة، يعني امرأة تستفتي تجاب، ولا يزاد على ذلك، ولا يسترسل معها، إلا بقدر ما يتطلبه السؤال من جواب، وجمع من أهل العلم ينصون على أن صوت المرأة عورة، لا يجوز أن تسمعه الرجال؛ لكن بقدر الحاجة لا بأس به، ومع أمن الفتنة بهذا القيد، بالحاجة ومع أمن الفتنة، فإذا دعت الحاجة إلى مخاطبة الرجال والفتنة غير مأمونة فإنه حينئذ لا يجوز لها أن تخاطب الرجال؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
فعليك أن تبادر فوراً بقطع الحديث معهن، وسد جميع الأبواب الموصلة إلى ذلك، وعليك أن تكتفي بما أباحه الله لك لئلا تسلب هذه النعمة، تعاقب بسلب هذه النعمة، وتبتلى في زوجك في بناتك في أخواتك، يعني ما شعورك أنت وأنت تدخل والمرأة تخاطب رجال على خفية منك، أو بنتك أو أختك تصور هذا، بل الغالب أن الجزاء من جنس العمل، و الوفاء من الأهل إن لم يكن من النفس، فالمقصود أن عليك أن تتقي الله -جل وعلا- في بنات المسلمين وفي أعراضهم، وتراقب الله -جل وعلا- في السر والعلن.