تعليق على تفسير سورة المائدة من أضواء البيان (10)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال المؤلف –رحمه الله تعالى-: "والجواب عن السؤال الثاني الذي هو لِما لا يُخصص عموم النفس بالنفس بالتفصيل المذكور في قوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة:178] هو ما تقرر في الأصول من أن مفهوم المخالفة".

تكملة السؤال -كما تقدم- السؤال الثاني، لِما لا يُخصص عموم قتل النفس بالنفس في الآية والحديث المذكورين، بقوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة:178]؟ لأن هذه الآية أخص من تلك؛ لأنها فصَّلت ما أُجمِل في الأولى؛ ولأن هذه الأمة مخاطبةٌ بها صريحًا في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة:178] عرفنا وجه الاعتراض لِما لا يُخص؟

الآن التخصيص الذي مشى عليه الجمهور عكس ما في السؤال، والسؤال اعتراض على طريقة الجمهور في الجمع بين النصين في حمل أحدهما على الآخر، ولا تستدرئك لِما لا يُخص عموم قتل النفس بالنفس في الحديث المذكور بقوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة:178]؟

الجواب: اقرأ.  

"هو ما تقرر في الأصول من أن مفهوم المخالفة إذا كان محتملًا لمعنىً آخر، غير مخالفته لحكم المنطوق، يمنعه ذلك من الاعتبار.

قال صاحب (جمع الجوامع) في الكلام على مفهوم المخالفة: وشرطه ألا يكون المسكوت تُرك لخوفٍ ونحوه، إلى أن قال: أو غيره مما يقتضي التخصيص بالذكر، فإذا علمت ذلك، فاعلم أن قوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة:178] يدل على قتل الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى، ولم يتعرض لقتل الأنثى بالذكر، أو العبد بالحر، ولا لعكسه بالمنطوق.

ومفهوم مخالفته هنا غير معتبر؛ لأن سبب نزول الآية أن قبيلتين من العرب اقتتلتا، فقالت إحداهما: نقتل بعبدنا فلان بن فلان، وبأمتنا فلانة بنت فلان، تطاولاً منهم عليهم، وزعمًا أن العبد منهم بمنزلة الحر من أولئك، وأن أنثاهم أيضًا بمنزلة الرجل من الآخرين، تطاولاً عليهم، وإظهارًا لشرفهم عليهم، ذكر معنى هذا القرطبي، عن الشعبي، وقتادة".

الكلام الذي ذكره المؤلف، وأن الصارف عن اعتبار مفهوم المخالفة ما ورد في سبب النزول، والمقرر عند أهل العلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهنا عندنا عموم مفهوم، وعندنا خصوص قصر العام على سببه، الأصل اعتبار المفهوم إلا إذا عُورِض بما هو أقوى منه.

 فعندنا حديث عمران بن حصين «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» هذا عمومه يتناول الفرض والنفل، وأهل العلم حملوه على الفرض دون النفل؛ لأن النفل يصح من قعود، ولو كان المصلي مستطيعًا، وجاء فيه: «صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ».

طيب لماذا لا يُحمل هذا على الفرض والنفل؟ دفعًا للتعارض، يعني لو قلنا: صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم تتناول الفرض، فماذا نصنع بحديث عمران بن حصين؟

طيب ما الذي جعل أهل العلم يجعلون هذا خاصًّا بالنفل، وذاك بالفرض؟

طالب:.........

كيف تجمع؟ 

طالب:.........

كيف تجمع؟

طالب:.........

وما الذي دعانا أن نُخصص هذا بالفرض، وهذا بالنفل؟

طالب:.........

قد يقول قائل: صلاة القاعد على النصف تشمل الجميع، ما المانع؟

طالب:.........

........ يُصلي قائمًا في النفل أيضًا؛ لأن عمران بن حصين عنده داء البواسير ويصعب عليه القيام، فقيل له: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» حديث عمران باقٍ على عمومه في الأصل؛ لأنه ما تُعرِّض له بشيء ولا ذُكِر له سبب، ولا شيء إلا ما عُرِف من قصة عمران.

الحديث الثاني: «صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ» له سبب، وهو: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد والمدينة مُحمة، يعني: فيها حُمى، فوجدهم يُصلون من قعود، فقال: «صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ أجر صَلَاةِ الْقَائِمِ» قال: «فتجشم الناس الصلاة قيامًا» ماذا نستفيد من هذا الحديث في الفرض أم في النفل؟ في النفل، لماذا؟ ما يصلون قبل أن يحضر، هم يُصلون قبل ما يأتي الرسول في الفريضة؟! دل على أنه في النفل.

الأمر الثاني: أنه في المستطيع للقيام ما هو بالعاجز؛ لأن العاجز أجره كامل سواءً كان في الفريضة أو في النفل، لكن المستطيع للقيام في النفل إذا صلى قاعدًا فله نصف الأجر؛ بدليل أنهم تجشموا الصلاة قيامًا وقاموا، دل على أنهم يستطيعون، فلو كانوا لا يستطيعون فأجرهم كامل، ولو كانت فريضة ما صلوها قبل حضوره –عليه الصلاة والسلام- يرد السؤال الذي أوردناه على هذا؟ أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

فإذا قلنا: إذا كان المفهوم مُعارضًا بمنطوق، إذا عورض المفهوم بما هو أقوى منه كالمنطوق أُلغي اعتباره مثل: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} [التوبة:80] مفهومه لو استغفر واحدًا وسبعين أو خمسة وسبعين أو ثمانين أنه يُغفر لهم، لكن هذا المفهوم مُعارض بقوله –جلَّ وعلا-: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:48] فأُلغي المفهوم، لو استغفر ألف مرة ما غُفِر.

وهنا أُلغي هذا المفهوم؛ لأن سبب النزول دلالته ظاهرة فيما عُدل إليه عن المفهوم.

طالب:.........

إن تستغفر لهم سبعين مرة فلا يغفر.

طالب:.........

أنا أعرف أنك تريد أن تقول: إن قوله: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة:80] سيان مهما بلغ العدد، لكن العدد هل له مفهوم أم ما له مفهوم في الأصل؟

طالب:.........

له مفهوم إلا إذا عُورِض بما هو أقوى منه.

"وروى ابن أبي حاتمٍ نحوه عن سعيد بن جبير، نقله عنه ابن كثيرٍ في تفسيره، والسيوطي في أسباب النزول، وذكر ابن كثيرٍ أنها نزلت في قريظة والنُّضير".

النَّضير.

"في قريظة والنَّضير؛ لأنهم كان بينهم قتال، وبنو النَّضير يتطاولون على بني قريظة.

فالجميع متفق على أن سبب نزولها أن قومًا يتطاولون على قوم، ويقولون: إن العبد منا لا يساويه العبد منكم، وإنما يساويه الحر منكم، والمرأة منا لا تساويها المرأة منكم، وإنما يساويها الرجل منكم، فنزل القرآن مبينًا أنهم سواء، وليس المتطاول منهم على صاحبه بأشرف منه؛ ولهذا لم يعتبر مفهوم المخالفة هنا.

وأما قتل الحر بالعبد، فقد اختُلف فيه، وجمهور العلماء على أنه لا يُقتل حرٌّ بعبد، منهم مالكٌ، وإسحاق، وأبو ثورٍ، والشافعي، وأحمد.

وممن قال بهذا أبو بكرٍ، وعمر، وعليٌّ، وزيدٌ، وابن الزبير -رضي الله عنهم- وعمر بن عبد العزيز، وعطاءٌ، والحسن، وعكرمة، وعمرو بن دينار، كما نقله عنهم ابن قدامة في المغني، وغيره.

وقال أبو حنيفة: يُقتل الحر بالعبد، وهو مرويٌّ عن سعيد بن المسيب، والنخعي، وقتادةُ، والثوري".

وقتادةَ.

وقتادةَ، والثوري، واحتج هؤلاء على قتل الحر بالعبد، بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» الحديث، أخرجه أحمد، والنسائي، وأبو داود، والحاكم وصححه.

فعموم المؤمنين يدخل فيه العبيد، وكذلك عموم النفس في قوله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] الآية، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ» في الحديث المتقدم، واستدلوا أيضًا بما رواه قتادة، عن الحسن، عن سمرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ، وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ» رواه الإمام أحمد، وأصحاب السنن الأربعة".

وهو من رواية الحسن عن سمُرة، وهي مختلفٌ فيها بين أهل العلم، منهم من يثبتها مطلقًا، ومنهم من ينفي مطلقًا أن الحسن لم يسمع من سمُرة، وفي صحيح البخاري عن حبيب بن الشهيد قال لمحمد بن سيرين: سل الحسن عمن سمع حديث العقيقة؟ فقال: من سمُرة، فثبت أنه سمع منه حديث العقيقة، لكن ليس سماعه من حديث العقيقة يقتضي السماع المطلق، الأصل لو أن الحسن لا يُعرف بتدليس، فإذا ثبت السماع في حديثٍ واحد حُكم له بالعموم، لكن الحسن معروفٌ بالتدليس، والتدليس الشديد، ويقول: حدَّثنا أبو هريرة، وقد حدَّث أهل البصرة وهو فيهم تدليسه شديد –رحمه الله-، فيُقتصر فيه على ما نُص عليه، وهو حديث العقيقة «كلُّ غلام مُرْتَهِن بعقيقته».

طالب:.........

هو أثبت القصة ليدعم الأصل المعروف أن الثقة إذا ثبت سماعه من شخص، لكن الحسن– رحمة الله عليه- تدليسه شديد، حتى أنه صرَّح بالتحديث وهو ما سمع.

طالب:.........

بالتأويل، يقول: حدَّثنا أبو هريرة، وهو في الحقيقة ما سمع منه ولا حدَّثه، وإنما حدَّث أهل البصرة وهو فيها.

"وقال الترمذي: حسنٌ غريب، وفي روايةٍ لأبي داود، والنسائي: «وَمِنْ خَصَي عَبْدَهُ»"

خصى.

"«وَمِنْ خَصَى عَبْدَهُ خَصَيْنَاهُ» هذه هي أدلة من قال بقتل الحر بالعبد.

وأجيب عنها من جهة الجمهور بما ستراه الآن -إن شاء الله تعالى- أما دخول قتل الحر بالعبد في عموم المؤمنين في حديث: «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» وعموم {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] في الآية، والحديث المذكور.

فاعلم أولاً أن دخول العبيد في عمومات نصوص الكتاب والسُّنَّة اختلف فيه علماء الأصول على ثلاثة أقوال:

الأول: وعليه أكثر العلماء: أن العبيد داخلون في عمومات النصوص؛ لأنهم من جملة المخاطبين بها.

الثاني: وذهب إليه بعض العلماء من المالكية، والشافعية، وغيرهم أنهم لا يدخلون فيها إلا بدليلٍ منفصل، واستُدل لهذا القول بكثرة عدم دخولهم، كعدم دخولهم في خطاب الجهاد، والحج، وكقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة:228] الآية، فالإماء لا يدخلن فيه.

الثالث: وذهب إليه الرازي من الحنفية أن النص العام".

مَن هو الرازي هذا؟

طالب:.........

مَن الذي قال: أبو بكر؟

طالب:.........

صحيح، المعروف بالجصاص.

"وذهب إليه الرازي من الحنفية أن النص العام إن كان من العبادات، فهم داخلون فيه، وإن كان من المعاملات لم يدخلوا فيه، وأشار في (مراقي السعود) إلى أن دخولهم في الخطاب العام هو الصحيح الذي يقتضيه الدليل بقوله".

هم يخرجون من هذا النص الذي دخلوا فيه بنصٍّ آخر.

"والعبد والموجود والذي كفر، مشمولة له لدى ذوي النظر، وينبني على الخلاف في دخولهم في عمومات النصوص، وجوب صلاة الجمعة على المملوكين، فعلى أنهم داخلون في العموم فهي واجبةٌ عليهم، وعلى أنهم لا يدخلون فيه إلا بدليلٍ منفصل، فهي غير واجبةٍ عليهم، وكذلك إقرار العبد بالعقوبة".

حتى لو قيل: بالعموم ودخلوا في العموم، فمن يرى عدم وجوب الجُمع عليهم يرى أنهم خارجون عن النص؛ لأن أوقاتهم ليست ملكًا لهم، فهم مملوكون كسائر السلع.

"وكذلك إقرار العبد بالعقوبة ببدنه ينبني أيضًا".

لكن إذا قلنا: إنهم داخلون في النصوص، وإن كان الوقت ليس ملكًا لهم إنما وجب بالشرع مستثنى كالموظف مثلاً الذي تُعُوقِد معه على وقتٍ يشمل وقت من أوقات الصلاة أو وقتين، نقول له: لا تُصلِّ؛ لأنه متعاقدٍ على الوقت؟ هذا مستثنى شرعًا.

"وكذلك إقرار العبد بالعقوبة ببدنه ينبني أيضًا على الخلاف المذكور، قاله صاحب (نشر البنود شرح مراقي السعود) في شرح البيت المذكور آنفًا، فإذا علمت هذا، فاعلم أنه على القول بعدم دخول العبيد في عموم نصوص الكتاب والسُّنَّة، فلا إشكال.

وعلى القول بدخولهم فيه، فالجواب عن عدم إدخالهم في عموم النصوص التي ذكرناها يُعلم من أدلة الجمهور الآتية -إن شاء الله- على عدم قتل الحر بالعبد، وأما حديث سمرة فيجاب عنه من أوجه:

الأول: أن أكثر العلماء بالحديث تركوا رواية الحسن عن سمرة؛ لأنه لم يسمع منه، وقال قوم: لم يسمع منه إلا حديث العقيقة، وأثبت علي بن المديني، والبخاري سماعه عنه.

الجمهور المتكلم في الرجال يقولون: إن أبا مسعود البدري، قيل له: بدري؛ لأنه سكن بدرًا، ولم يشهدها، والبخاري أثبته فيمن شهد بدرًا، يعني الخلاف في مثل هذه الأمور موجود بين أهل العلم، لكن الأكثر على أنه لم يشهد بدرًا.  

"قال البيهقي في (السُّنن الكبرى) في كتاب (الجنايات) ما نصه: وأكثر أهل العلم بالحديث رغبوا عن رواية الحسن عن سمرة.

وذهب بعضهم إلى أنه لم يسمع منه غير حديث العقيقة، وقال أيضًا في باب (النهي عن بيع الحيوان بالحيوان) إن أكثر الحُفاظ لا يثبتون سماع الحسن من سمرة في غير حديث العقيقة.

الثاني: أن الحسن كان يفتي بأن الحر لا يُقتل بالعبد، ومخالفته لِما روى تدل على ضعفه عنده، قال البيهقي أيضًا ما نصه...".

العلماء كثيرًا ما يُعبِّرون بأن العبرة بما روى لا بما رأى، إذا اختلفت رواية الراوي عن فُتياه، فإن العبرة بما روى لا بما رأى، لكن هذا إذا صح الخبر، ولا يكون فيه إشكال أو كلام لأهل العلم، أما إذا لم يصح فالترجيح.

" قال البيهقي أيضًا ما نصه: قال قتادة: ثم إن الحسن نسي هذا الحديث، قال: لا يُقتل حرٌّ بعبد، قال الشيخ: يُشبه أن يكون الحسن لم ينسَ الحديث، لكن رغب عنه لضعفه.

الثالث: ما ذكره صاحب (منتقى الأخبار) من أن أكثر العلماء قال بعدم قتل الحر بالعبد، وتؤلوا الخبر على أنه أراد من كان عبده".

يعني فيما مضى، باعتبار ما مضى كان عبدًا له، ثم عتق فقتله أو جدعه أو خصاه أو ما أشبه ذلك، فهو عبدٌ له باعتبار ما كان.

"لئلا يُتوهَّم تقدم الملك مانعًا من القصاص.

الرابع: أنه معارضٌ بالأدلة التي تمسك بها الجمهور في عدم قتل الحر بالعبد، وستأتي -إن شاء الله تعالى- مفصلة، وهي تدل على النهي عن قتل الحر بالعبد، والنهي مُقدمٌ على الأمر، كما تقرر في الأصول".

كما يقررون الحظر مُقدم على الإباحة إذا ورد حديث يدل على منع، وحديث يدل على الإباحة أو حتى على الأمر فالحظر عندهم أقوى من الأمر فضلاً عن الإباحة.

وما يُمثَّل له بحديث «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» في الحديث الآخر: نهانا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن نُصلي، وجاء النهي عن الصلاة في الأوقات المعروفة، وهذا له عموم، وهذا له مُخصصات، وعموم ذاك له مُخصصات، ومما يُرجَّح به النهي هذه القاعدة قاعدة الحظر مُقدم على الأمر.

طالب:.........

أين هو؟

طالب:.........

عنده.

طالب:.........

هو رواه، هل يلزم من جميع مرويات الراوي أن تكون صحيحة عنده؟ كم في المسند من حديثٍ ضعيف وقد رواها الإمام أحمد وهو يعرف ضعفها.

طالب:.........

يروي الراوي الحديث وهو ضعيف من باب نشر العلم، وبإسناده المتلقي يعرف ضعفه، كم في المسند من حديثٍ ضعيف والإمام أحمد الجهبذ النَّقاد الخبير وهو يعرف أنها ضعيفة، هذا ما في شيء عند المتقدمة.

طالب:.........

أين؟

طالب:.........

هو يروي ضعفه، يرى ضعفه ما ثبت عنده، هو يرويه ما هو يقول: قال الصحابي مما ثبت عنه، مما يُروى عنه.

طالب:.........

هذا ما فيه إشكال يروي الراوي أحاديث ضعيفة من طريق المتقدمين كم من العلماء من اشترط صحة المروي؟ نوادر، ولا وفى بذلك إلا البخاري ومسلم والبقية اشترطوا الصحة ورووا الضِّعاف.

طالب:.........

هذا متروك للنقد لأهل العلم سمع أم ما سمع هذا شيء آخر، كونه يقول: "لكن رغب عنه لضعفه" على فرض ثبوت الرواية عنه.

طالب:.........

هذا رأيه، هذا رأي الإمام أحمد أنه لم يسمع.

طالب:.........

ها.

طالب:.........

على كل حال كون إمام يقول: سمع، وإمام يقول:....كالخلاف المعروف.

طالب:.........

كلهم قالوا: ابتداه.

طالب:.........

لا يذكرون شيئًا خلاص، الذين يُثبتون سماع الحسن من سمرة مطلقًا ينفون سماع هذا الحديث؟ هذا الكلام أنه يبقى رأيهم.

"الخامس: ما ادعى ابن العربي دلالته على بطلان هذا القول من قوله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء:33]، وولي العبد سيده، قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة:178] الآية، ما نصه: قال ابن العربي: ولقد بلغت الجهالة بأقوامٍ إلى أن قالوا: يُقتل الحر بعبد نفسه. ورووا في ذلك حديثًا عن الحسن عن سمرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهَ قَتَلْنَاهُ» وهو حديثٌ ضعيف.

ودليلنا قوله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ} [الإسراء:33] والولي هاهنا: السيد، فكيف يجعل له سلطانًا على نفسه، وقد اتفق الجميع على أن السيد إذا قتل عبده خطأً أنه لا تُؤخذ منه قيمته لبيت المال.

وتعقب القرطبي تضعيف ابن العربي لحديث الحسن هذا عن سمرة، بأن البخاري، وابن المديني صححا سماعه منه، وقد علمت تضعيف الأكثر لرواية الحسن عن سمرة فيما تقدم، ويدل على ضعفه مُخالفة الحسن نفسَه له".

نفسِه.

"مُخالفة الحسن نفسِه له.

السادس: أن الحديث خارجٌ مخرج التحذير، والمبالغة في الزجر.

السابع: ما قيل من أنه منسوخ.

قال الشوكاني: ويؤيد النسخ فتوى الحسن بخلافه.

الثامن: مفهوم قوله تعالى: {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة:178]، ولكنا قد قدمنا عدم اعتبار هذا المفهوم، كما يدل عليه سبب النزول.

واحتج القائلون بأن الحر لا يقتل بالعبد -وهم الجمهور- بأدلةٍ، منها ما رواه الدارقطني، بإسناده عن إسماعيل بن عياشٍ، عن الأوزاعي، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جده: أن رجلاً قتل عبده متعمدًا، فجلده النبي -صلى الله عليه وسلم- مائة جلدة ونفاه سنة، ومحا اسمه من المسلمين، ولم يقده به، وأمره أن يعتق رقبة، ورواية إسماعيل بن عياش، عن الشاميين، قويةٌ صحيحة.

ومعلومٌ أن الأوزاعي شامي دمشقي، قال في (نيل الأوطار): ولكن دونه في إسناد هذا الحديث محمد بن عبد العزيز".

دمشقي أم بيروتي؟

طالب: دمشقي مكتوب.

نعم، مكتوب دمشقي أقرأه، قد يكون الراوي له أكثر من بلد يسكن هنا ويسكن هنا، يسكن في أول أمره في بلد كذا، وينتقل إلى بلد كذا، وبالإمكان أن يُنسب إلى البلدين باعتبار أنه عاش هنا، وعاش هناك.

"قال في (نيل الأوطار): ولكن دونه في إسناد هذا الحديث محمد بن عبد العزيز الشامي، قال فيه ابن أبي حاتم: لم يكن عندهم بالمحمود، وعنده غرائب.

وأسند البيهقي هذا الحديث، فقال: أخبرنا أبو بكرٍ بن الحارث الفقيه، قال: أنبأنا علي بن عمر الحافظ، قال: حدَّثنا الحسين بن الحسين الصابوني الأنطاكي، قاضي الثغور، قال: حدَّثنا محمد بن الحكم الرملي، قال: حدَّثنا محمد بن عبد العزيز الرملي".

علي بن عمر الحافظ من هو؟

طالب:........

صح، الدارقطني.

"قال: حدَّثنا محمد بن عبد العزيز الرملي، قال: حدَّثنا إسماعيل بن عياش عن الأوزاعي إلى آخر السند المتقدم بلفظ المتن، ومحمد بن عبد العزيز الرملي من رجال البخاري، وقال فيه ابن حجرٍ في (التقريب): صدوقٌ يهم، فتضعيف هذا الحديث به لا يخلو من نظر".

كونه من رجال البخاري، ويقول ابن حجر: "صدوقٌ يهم"، كونه من رجال البخاري:

أولاً: الإمام البخاري كغيره من أهل العلم قد ينتقي من روايات الراوي الذي فيه مغمز، وفيه تضعيف لأهل العلم ما يجزم بثبوته عنه، وما وُوفِق عليه من روايته، فلا إشكال في كونه من رواة البخاري وصدوقٌ يهم، لكن ابن حجر حصل له شيء من الوهم في أحكامه على الرجال، ونوع اضطراب وإن كان قليلًا نادرًا في حكمه على الرجل الواحد في أكثر من كتاب، فقال في عبيد الله بن الأخنس: صدوقٌ، قال ابن حبان: يُخطئ كثيرًا، الرجل من رواة البخاري.

وقال في (فتح الباري): ثقةٌ وشذَّ ابن حبان، فقال: يهم كثيرًا، فيه فرق بين الحكمين؟

طالب: تناقض.

فرق كبير، لكن إذا أردنا أن نعتذر لابن حجر، قلنا: إن حكمه في (التقريب) بالنظر لعامة ما روى، وحكمه في البخاري بخصوص ما رواه في الصحيحين.

طالب: أحسن الله إليك، الأوزاعي يقول هنا: كان يسكن بمحلة الأوزاع، وهي العقيبة الصغيرة ظاهر باب الفراديس بدمشق، ثم تحول إلى بيروت مُرابطًا بها إلى أن مات.

هذا الكلام أنه يسكن هنا وهناك، نعم.

ولو قال: شامي وسكت، فالشام يشمل بيروت، ويشمل دمشق، ويشمل بقية الأقاليم المشمولة بهذا الاسم.

"والظاهر أن تضعيف البيهقي له من جهة إسماعيل بن عياش، وقد عرفت أن الحق كونه قويًّا في الشاميين، دون الحجازيين، كما صرَّح به أئمة الحديث كالإمام أحمد، والبخاري؛ ولحديث عمرو بن شعيبٍ هذا شاهدٌ من حديث عليٍّ عند البيهقي، وغيره، من طريق إسماعيل بن عياش، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنينٍ عن أبيه".

حنين!

طالب: أو حُنين؟

الجادة حُنين ما اسمه حَنين.

"عن إبراهيم بن عبد الله بن حُنينٍ عن أبيه عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: أُتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برجل قتل عبده متعمدًا، فجلده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مائةً، ونفاه سنة، ومحا اسمه من المسلمين، ولم يقُده به، ولكن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة متروك".

جلده مائة ونفاه سنة هذا حد الزاني البكر كما هو معروف، فاللفظ لا يسلم من نكارة مع ضعف راويه.

"ومن أدلتهم على أن الحر لا يُقتل بعبدٍ ما رواه البيهقي، وغيره، عن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: أنه جاءته جاريةٌ اتهمها سيدها، فأقعدها في النار فاحترق فرجها، فقال-رضي الله عنه-: والذي نفسي بيده لو لم أسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لَا يُقَادُ مَمْلُوكٌ مِنْ مَالِكِهِ، وَلَا وَلَدٌ مِنْ وَالِدِهِ» لأقدناها منك فبرزه، وضربه مائة سوط، وقال للجارية: اذهبي فأنت حرة لوجه الله، وأنت مولاة الله ورسوله".

يعني ليس له ولاء.

"قال أبو صالح، وقال الليث: وهذا القول معمولٌ به، وفي إسناد هذا الحديث عمرَ بن عيسى".

عمرُ.

"وفي إسناد هذا الحديث عمرُ بن عيسى القرشي الأسدي. ذكر البيهقي عن أبي أحمد أنه سمع ابن حمادٍ".

مَن أبو أحمد؟ الحاكم الكبير، نعم.

"يذكر عن البخاري أنه مُنكر الحديث.

وقال فيه الشوكاني: هو مُنكر الحديث، كما قال البخاري: ومن أدلتهم على أن الحر لا يقتل بعبد، ما رواه الدارقطني، والبيهقي، عن ابن عباسٍ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ»، قال البيهقي بعد أن ساق هذا الحديث: وفي هذا الإسناد ضعف، وإسناده المذكور فيه جويبر، وهو ضعيف جدًّا.

وقال الشوكاني في إسناد هذا الحديث: فيه جويبرٌ وغيره من المتروكين، ومن أدلتهم على أن الحر لا يقتل بعبد، ما رواه البيهقي وغيره من طريق جابر بن زيدٍ الجَعفي".

الجُعفي.

"الجُعفي عن عليٍّ -رضي الله عنه-".

رافضي يؤمن بالرجعة.

"عن عليٍّ -رضي الله عنه- أنه قال: "من السُّنَّة ألا يُقتل حرٌّ بعبد" تفرَّد بهذا الحديث جابر المذكور، وقد ضعَّفه الأكثر، وقال فيه ابن حجر في (التقريب): ضعيفٌ رافضي.

وقال فيه النسائي: متروك، ووثقه قومٌ منهم الثوري، وذكر البيهقي في (السُّنن الكبرى) في باب النهي عن الإمامة جالسًا عن الدارقطني: أنه متروك.

ومن أدلتهم أيضًا ما رواه البيهقي في (السُّنن الكبرى) من طريق المثنى بن الصبَّاح، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: كان لزنباع عبدٌ يسمى سُندار".

سندر.

"يُسمى سندر".

طالب: عندنا فيها ألف بعد الراء.

يُسمى سندرًا.

"يُسمى سندرًا أو ابن سندر، فوجده يُقبل جارية له، فأخذه فجبه، وجدع أذنيه وأنفه، فأتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال «مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ أَوْ حَرَّقَهُ بِالنَّارِ فَهُوَ حُرٌّ، وَهُوَ مَوْلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ»، فأعتقه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يقُده منه".

يُقِده

"ولم يُقِده منه، فقال: يا رسول الله".

أوصِ بي.

"يا رسول الله أوصِ بي، فقال: «أُوصِي بِكَ كُلَّ مُسْلِمٍ»".

لحظة.. لحظة.

طالب:........

أعجمي، وهل استعماله في العربية عَلم أم وصف؟

طالب:........

إذا كان الاستعمال في العربية وصفًا يُصرف، وإذا كان يُسمى سندر عندهم في العربية، وإذا كان استعماله في الأعجمية وصفًا فإنه لا يُمنع من الصرف، له نظير.

طالب:........

نعم.

طالب:........

ما أدري، تعرفه أنت؟

طالب:........

ما ندري، لكن استعماله في العربية ما ندري لماذا صرفوه، لا بُد أن نُوجِد له عِلة، فالاسم المسمى به عربي إذا كان أعجميًّا، علمًا أعجميًّا فإنه يُمنع من الصرف، ما هو باستعماله في العالمية في العربية إذا كان علمًا أعجميًّا يُمنع، وإن كان وصفًا أعجميًّا فإنه.. قال: حدَّثنا– بالبخاري- حدَّثنا عبد الله بن سياهٍ، سياه أعجمي، قالوا: صُرِف؛ لأن استعماله في الأعجمية وصف وليس بعَلم، انظر جاء المثال هكذا؛ لأني ما عندي غيره.

النسيان بدأ، والله المستعان.

طالب: الله يمتعك.      

كمل.

"قال البيهقي بعد أن ساق هذا الحديث: المثنى بن الصبَّاح ضعيفٌ لا يُحتج به، وقد رُوي عن الحجاج بن أرطأة عن عمروٍ مختصرًا، ولا يُحتج به".

الحجاج بن أرطأة ذكروا في ترجمته سبب تضعيفه، وأنه عنده شيء من الكِبر ورؤية النفس، وأنه لا يُصلي في المسجد، ويقول: أصلي بين زبالٍ وحمال، هذا إن صح الخبر عنه، وإلا فالرجل ضعيف معروف.

"وقد قدمنا في آية التيمم تضعيف حجاج بن أرطأة.

وروي عن سوار بن أبي حمزة، وليس بالقوي، والله أعلم، هكذا قال البيهقي.

قال مقيده -عفا الله عنه-: سِوار".

سَوَّار.

"سَوَّار بن أبي حمزة من رجال مسلم، وقال فيه ابن حجرٍ في (التقريب): صدوقٌ له أوهام، ومن أدلتهم أيضًا ما أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جده قال: جاء رجلٌ مستصرخٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: حادثةٌ لي يا رسول الله، فقال: «وَيْحَكَ مَا لَكَ؟» فقال: شرٌّ، أبصر لسيده جاريةً، فغار، فجب مذاكيره، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «عَلَيَّ بِالرَّجُلِ» فطُلب فلم يقدر عليه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ»، فقال: يا رسول الله، على من نصرتي؟ قال: «عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ»، أو قال: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ».

ومن أدلتهم، ما أخرجه البيهقي في (السُّنن الكبرى) عن أبي جعفر، عن بكيرٍ أنه قال: مضت السُّنَّة بألا يقتل الحر المسلم بالعبد، وإن قتله عمدًا، وعليه العقل.

ومن أدلتهم أيضًا ما أخرجه البيهقي أيضًا عن الحسن، وعطاءٍ، والزهري، وغيرهم من قولهم: إنه لا يُقتل حر بعبد، وأخرج أحمد، وابن أبي شيبة، والبيهقي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن أبا بكرٍ وعمر كانا لا يقتلان الحر بالعبد.

وهذه الروايات الكثيرة، وإن كانت لا يخلو شيءٌ منها من مقال، فإن بعضها يشد بعضًا".

يعني مفرداتها لا تخلو من ضعف، ولكن مجموعها يشد بعضه بعضًا.

"فإن بعضها يشد بعضًا ويقويه؛ حتى يصلح المجموع للاحتجاج.

قال الشوكاني في (نيل الأوطار) ما نصه: وثانيًا بالأحاديث القاضية؛ بأنه لا يُقتل حرٌّ بعبد، فإنها قد رُويت من طرقٍ متعددة يقوي بَعضَها بعضًا".

بعضُها.

"يقوي بَعضُها بعضًا فتصلح للاحتجاج.

قال مقيده -عفا الله عنه-: وتعتضد هذه الأدلة على ألا يُقتل حرٌّ بعبد بإطباقهم على عدم القصاص للعبد من الحر فيما دون النفس، فإذا لم يُقتص له منه في الأطراف، فعدم القصاص في النفس من باب أولى، ولم يخالف في أنه لا قصاص للعبد من الحر فيما دون النفس إلا داود، وابن أبي ليلى".

ابن أبي ليلى ما اسمه؟ ابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن، الفقيه محمد، وأبوه المُحدِّث الثقة عبد الرحمن، والفقيه سيئ الحفظ؛ لأنه يدور اسمه كثيرًا في كتب الفقه، وإذا راجع طالب العلم الترجمة وجده سيئ الحفظ، وأبوه ثقة، قد يرى أن الذي يذكره العلماء ويتداولون اسمه اللائق به الثقة، والأمر ليس كذلك.

فيه رسالة في فقه ابن أبي ليلى، وحار الباحث طويلاً في البحث عن اسمه، وسأل من العلماء والمشرفين، والحل في كلمةٍ واحدة للنووي في (شرح مسلم) وفي (شرح المهذب) وذكرها أيضًا في (تهذيب الأسماء واللغات) قال: لما ترجم لمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهذا الأب، وأما الفقيه الذي يدور اسمه كثيرًا في كتب الفقه، فهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.

قد يقول قائل: سيئ حفظ، كيف يصير فقيهًا؟ صار أبو حنيفة مرميًّا بسوء الحفظ، وكل من أتى بشيء لا يلزم أن يبرز في جميع الأشياء، عاصم بن أبي النجود على ضبطه وإتقانه وقراءته المتواترة قيل فيه مثل ذلك، وإمام أهل المغازي ابن إسحاق قيل فيه أشد من ذلك.   

"وتعتضد أيضًا بإطباق الحجة من العلماء، على أنه إن قُتل خطأً ففيه القيمة، لا الدية.

وقيده جماعةٌ بما إذا لم تزد قيمته عن دية الحر".

يعني أدركنا العبيد قبل خمسين سنة، والقيمة أضعاف الدية، قيمة العبد وصلت إلى الخمسين، والأربعين، والدية في ذلك الوقت ستة عشر ألفًا دية الحر، فالقيد الذي ذكروه بما إذا لم تزد قيمته عن دية الحر.

طالب: أحيانًا تكون أقل.

الأصل أن قيمته أقل من دية الحر هذا الأصل، لكن قد تزيد، يحتاج الناس إلى العبيد، والحر– رحمه الله- قُتِل وراح ما فيه إلا ما حُدد شرعًا، لكن هذا العبد الذي تزيد قيمته أحيانًا أضعافًا، وقد تنزل إلى أقل ما يسمح. 

"وتعتضد أيضًا بأن شبه العبد بالمال أقوى من شبهه بالحر".

لأنهم يستعملون فيه قياس الشَّبه، وهو تردد الفرع بين أصلين، فيُحلق بأقواهما شبهًا، فهل شبهه بالسلع أقوى أو شبهه بالآدمي الحر أقوى؟ هم قالوا: يُشبَّه بالسلع؛ لأنه يُباع ويُشترى؟

فيه شيء؟

طالب:........

قَيِّد.. قيِّد، قيد هذا الكلام ونستفيد منه –إن شاء الله- أنت بعيد أنت أبعد واحد قرِّب تُفيد وتستفيد، قيِّد.. قيِّد نستفيد نحن والإخوان.

"من حيث إنه يجري فيه ما يجري في المال من بيعٍ، وشراء، وإرثٍ، وهديةٍ، وصدقةٍ، إلى غير ذلك من أنواع التصرف، وبأنه لو قذفه حرٌّ ما وجب عليه الحد عند عامة العلماء، إلا ما روي عن ابن عمر، والحسن، وأهل الظاهر من وجوبه في قذف أم الولد خاصة.

ويدل على عدم حد الحر بقذفه العبد ما رواه البخاري في صحيحه".

قذف أم الولد يختلف عن قذف الأمة أو العبد؛ لأن أم الولد في منزلةٍ متوسطة بين العبد والحر، فقذفها يتناول ولدها وهو حر، ويتناول السيد الذي ثبتت كونها أم ولدٍ له، ويلحقه من العار بقدر نِسبة هذا الولد إليه، فكونهم يستثنون أم الولد، وأيضًا أم الولد مسألة بيعها وعدمه مسألة خلافية بين أهل العلم، فهي في منزلة متوسطة بين الحر والعبد. 

"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- يقول: «منْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا يَقُولُ جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ»، وهو يدل على عدم جلده في الدنيا، كما هو ظاهر.

هذا ملخص كلام العلماء في حكم قتل الحر بالعبد".

يكفي.. يكفي.

"