شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (292)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، الذي تولى شرح أحاديث هذا الكتاب، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا في حديث عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- نستكمل ما تبقى منه.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أما بعد،

مازلنا في أحكام استقبال القبلة المتعقب لحديثي أبي أيوب وابن عمر معًا؛ فلابد من استحضار الحديثين.

يقول الإمام الموفق بن قدامة في المغني: لا يجوز استقبال القبلة في الفضاء لقضاء الحاجة في قول أكثر أهل العلم؛ لما رواه أبو أيوب قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يوليها ظهره، ولكن شرقوا أو غربوا» قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بُنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر الله –عز وجل-.

ولمسلم عن أبي هريرة عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها». وقال عروة بن الربيعة وداود: يجوز استقبالها واستدبارها؛ لما روى جابر، قال: «نهى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلة ببولٍ، فرأيته قبل أن يُقبض بعام يستقبلها». قال الترمذي هذا حديث حسن غريب، وهذا دليل على النسخ، فيجب تقديمه.

يقول ابن قدامة: ولنا أحاديث النهي وهي صحيحة، وحديث جابر يحتمل أنه رآه بالبنيان، أو مستترًا بشيء، ولا يثبت النسخ بالاحتمال، ويتعين حمله على ما ذكرنا؛ ليكون موافقًا للأحاديث التي نذكرها.

فأمّا في البنيان أو إذا كان بينه وبين القبلة شيء يستره ففيه روايتان:

 إحداهما -يعني: في المذهب-:

إحداهما: لا يجوز أيضًا، وهو قول الثوري وأبي حنيفة؛ لعموم الأحاديث في النهي.

والثانية: يجوز استقبالها واستدبارها في البنيان، رُوي ذلك عن ابن العباس وابن عمر –رضي الله عنهم. وبه قال مالك والشافعي وابن المنذر، وهو الصحيح، يعني التفريق بين الفضاء والبنيان؛ لحديث جابر، وقد حملناه على أنه كان في البنيان.

وروت عائشة –رضي الله عنها- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ذُكر له أن قومًا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: «أو قد فعلوها؟ أستقبل بمقعدتي القبلة» رواه أصحاب السنن وأكثر أصحاب المسانيد، منهم أبو داود الطيالسي رواه عن خالد بن الصلت عن عراك بن مالكٍ عن عائشة. قال أبو عبد الله: أحسن ما رُوي في الرخصة حديث عائشة وإن كان مُرسلًا، فإن مخرجه حسن.

قال أحمد: عراك لم يسمع من عائشة، والكلام على هذا الحديث تقدم في كلام العيني الحلقة السابقة.

قال أحمد: عراك لم يسمع من عائشة، فلذلك سماه مرسلًا، الإرسال هنا هو الانقطاع؛ لا أنه رفع التابعي الخبر إلى رسول الله –عليه الصلاة والسلام- يعني: بالمعنى الأعم في الإرسال، وهذا كله في البنيان، وهو خاص يقدم على العام.

وعن مروان الأصفر قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليها، فقلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قد نُهي عن هذا؟ قال: «بلى إنما نُهي عن هذا في الفضاء، فإن كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس» رواه أبو داود، وهذا تفسير لنهي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- العام، وفيه جمع بين الأحاديث، فيتعين المصير إليه.

يعني حديث عائشة: «أستقبل بمقعدتي القبلة».

المقدم: قلنا يضعفه بعضهم.

ضُعِّف بالإرسال، وضُعِّف بغيره، على كل حال على قول من يحسنه، وأحمد يقول: مخرجه حسن، أحسن ما رُوي. هذه الصيغة لا تقتضي التحسين، لكنه أمثل ما في الباب؛ لأن أهل الحديث لا يستعملون أفعال التفضيل على بابها، فيقولون: أصح وليس بصحيح، ولكنه أقوى ما في الباب، وهنا يقول: أحسن ما في الرخصة حديث عائشة. على كل حال اعتبره حسنًا، لفظه مقبول أم غير مقبول؟

المقدم: غير مقبول.

«أستقبل بمقعدتي القبلة» ما المراد بالمقعدة؟

المقدم: مؤخرة الإنسان.

ما يلزم، المقعد مكان القعود، يعني: اللبنتان اللذان يقضي حاجته عليهما بدلاً أن تكون إلى جهة الشمال أو الجنوب تُجعل إلى القبلة، يعني مكان القعود.

المقدم: ممكن.

ولذلك أهل العلم جعلوا له شأنًا ورددوه، وبعضهم استدل به، وأحمد كأنه في كلامه يقويه؛ لأن الإرسال عند المتقدمين ليس بعلة، احتج به الحنفية مطلقًا، احتج به المالكية مطلقًا، الإمام أحمد أحيانًا وأحيانًا، مالك اشترط له شروطًا، المقصود أن مثل هذا الخبر وفيه من الكلام ما سمعتم، لفظه من يسمعه يستنكره؛ لأن العرف عندنا في المقعدة العجيزة، مؤخرة الرجل، لكن إذا قلنا: إن المقعد أو المقعدة هو مكان القعود ما صار فيه إشكال، تبرز على لبنتين مقعد، أنت ألا تُسمي الكرسي مقعدًا؟

المقدم: بلى.

يعني مكان للقعود.

وعن أحمد: أنه يجوز استدبار الكعبة في البنيان والفضاء جميعًا؛ لما روى ابن عمر قال: «رقيت يومًا على بيت حفصة فرأيت النبي –صلى الله عليه وسلم- على حاجته مستقبل الشام مستدبرًا الكعبة» متفق عليه.

كم مضى من قول؟ المنع مطلقًا، الجواز مطلقًا، والقول بالنسخ، التفريق بين الصحاري والبنيان، التفريق بين الاستقبال والاستدبار؛ لأن الأخير قال: وعن أحمد أنه يجوز استدبار الكعبة في البنيان والفضاء جميعًا؛ لما روى ابن عمر قال: «رقيت يومًا على بيت حفصة فرأيت النبي –صلى الله عليه وسلم- على حاجته مستقبل الشام مستدبرًا الكعبة» متفق عليه.

المقدم: فيجوز الاستدبار ويحرم الاستقبال على هذا القول؟

نعم.

المقدم: القول بالتخصيص ما ذكرته يا شيخ أو تعتقد ضعفه؟ القول بخصوصية أهل النبي –صلى الله عليه وسلم-؟

لا يُلتفت إليه. في بداية المجتهد لابن رشد، قال: اختلف العلماء في استقبال القبلة للغائط والبول واستدبارها، فإن لهم فيها ثلاثة أقوال، الآن الأقوال أكثر. قال: فإن لهم فيها ثلاثة أقوال، قول: أنه لا يجوز استقبال القبلة لغائط ولا بولٍ أصلاً.

المقدم: في البنيان وغير البنيان؟

لا يجوز أن تستقبل القبلة بغائط ولا بولٍ أصلًا، ولا في موضع من المواضع. وقول: إن ذلك يجوز بإطلاق. وقول: إنه يجوز في المباني والمدن ولا يجوز ذلك في الصحراء وفي غير البنيان والمدن. والسبب في اختلافهم هذا: حديثان متعارضان ثابتان، أحدهما: حديث أبي أيوب الأنصاري أنه قال –عليه الصلاة والسلام-: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا». والثاني: حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- أنه قال: «ارتقيت على ظهر بيت أختي حفصة فرأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قاعدًا لحاجته على لبنتين مستقبل الشام مستدبر القبلة». فذهب في هذين الحديثين ثلاثة مذاهب:

أحدها: مذهب الجمع.

والثاني: مذهب الترجيح.

والثالث: مذهب الرجوع إلى البراءة الأصلية.

كلام ابن رشد فيه دقة، أي: إذا نظرنا للحديثين -حديث أبي أيوب وحديث ابن عمر- فمنهم من عمل بحديث أبي أيوب ولم يلتفت لحديث ابن عمر، ومنهم من عكس، ومنهم من جمع ووفق، ومنهم من قال: هما متعارضان فرجع إلى البراءة الأصلية.

أحدها: مذهب الجمع، والثاني: مذهب الترجيح، والثالث: مذهب الرجوع إلى البراءة الأصلية، إذا وقع التعارض، وأعني بالبراءة الأصلية عن الحكم فمن ذهب مذهب الجمع حمل حديث أبي أيوب الأنصاري على الصحاري وحيث لا سترة، وحمل حديث ابن عمر على السترة وهو مذهب مالك.

ومن ذهب مذهب الترجيح رجح حديث أبي أيوب؛ لأنه إذا تعارض حديثان أحدهما فيه شرع موضوع، والآخر موافق للأصل الذي هو عدم الحكم، ولم يُعلم المتقدم منهما من المتأخر وجب أن يُصار إلى الحديث المثبت للشرع، إذ أن المثبت مقدم على النافي، والمثبت ناقل عن البراءة الأصلية والنافي ماشي على البراءة الأصلية، وجب أن يُصار للحديث المثبت للشرع؛ لأنه قد أوجب العمل بنقله من طريق العدول وتركه الذي ورد أيضًا من طريق العدول يمكن أن يكون ذلك قبل شرع ذلك الحكم، ويمكن أن يكون بعده، فلم يجز أن نترك شرعًا وجب العمل به بظن من لا لم نؤمر أن نوجب النسخ به إلا لو نُقِل أنه كان بعده، يعني حديث، عندنا البراءة الأصلية أنقله عن الحكم أصلًا، البراءة الأصلية تدل على الجواز، وعندنا حديث ناقل عن هذه البراءة الأصلية بالمنع، وحديث موافق للبراءة الأصلية.

المقدم: صحيح.

يعني هذا نظير من تيقن الحدث والطهارة، وشك في السابق منهما، قالوا: فهو بضد حاله قبلهما، وعندنا البراءة الأصلية، شوف لتنظير المسألة بتلك التي تقدمت، وربط المسائل بعضها ببعض يوضح هذا الإشكال؛ لأن هذه المسألة من الدقائق، يعني: عندنا البراءة الأصلية حيث لا حكم قبل مجيء الشرع تدل على الإباحة، تستقبل أو تستدبر، بنيان وغير بنيان، جاءنا حديث ينقلنا عن هذه البراءة الأصلية حديث أبي أيوب، ثم جاء حديث يدل على موافقة البراءة الأصلية، الآن الأصل عندنا البراءة الأصلية، ثم جاءنا أمران شككنا في السابق منهما، يعني مثلما قالوا في الأول: إذا تيقن في الطهارة والحدث وشك في السابق منهما، فهو بضد حاله قبلهما.

المقدم: قبلهما الأصل ما هو؟

صلى الفجر ثم حصل منه أمران لا يُدرى ما السابق؟ نقض الطهارة وتطهر، هو بضد حاله قبلهما.

المقدم: الذي هي الطهارة.

بضد الطهارة هو محدث، نقض الطهارة بيقين وشك هذا الطهور قبل النقض أو بعده لا يُلتفت إليه، نحن عندنا البراءة الأصلية بيقين، ثم اختلفنا في الرافع وعدمه، أيهما السابق؟ فنرجع إلى ضد الحال السابق؛ لأنها ارتفعت بيقين، ورفع الرافع ليس بيقين، فالتنظير مطابق بين المسألتين، فيقول ابن رشد: ومن ذهب مذهب الترجيح رجح حديث أبي أيوب؛ لأنه إذا تعارض حديثان أحدهما فيه شرع موضوع، والآخر موافق للأصل الذي هو عدم الحكم ولم يُعلم المتقدم منهما من المتأخر وجب أن يصار إلى الحديث المثبت للشرع؛ لأنه قد أوجب العمل بنقله من طريق العدول وتركه الذي..، لأنه أوجب العمل بنقله من طريق العدول، وتركه الذي.. -ترك النقل- الذي ورد أيضًا من طريق العدول يمكن أن يكون قبل شرع ذلك الحكم، ويمكن أن يكون بعده، فلم يجز أن نترك شرعًا وجب العمل به بظن من لم نؤمر أن نوجب النسخ به إلا لو نُقِل أنه كان بعده، فإن الظنون التي تستند إليها الأحكام محدودة بالشرع عن التي توجب رفعها أو إيجابها، وليست هي أي ظن ولذلك يقولون: إن العمل ما لم يجب بالظن وإنما وجب بالأصل المقطوع به، ويريدون بذلك الشرع المقطوع به الذي أوجب العمل بذلك النوع من الظن، وهذه الطريقة التي قلناها هي طريقة أبي محمد بن حزم الأندلسي، وهي طريقة جيدة مبنية على أصول أهل الكلام الفقهي، وهو راجع إلى أنه لا يرتفع بالشك ما ثبت بالدليل الشرعي.

حينما يختلف قول أهل العلم في الجرح والتعديل، قالوا: يُقدم الجرح، لماذا؟ لأن فيه زيادة علم على من عدل، فيه زيادة علم على قول من عدَّل، لماذا؟ لأن قول هذا  المعدل قد يخفى عليه سبب الجرح الذي أبداه الجارح، لكن إذا قال المعدل: أنا أعرف السبب الذي جرحه به لكنه تاب منه، انتفى، يعني: لو قيل: فلان فاسق؛ لأنه قتل زيدًا يوم الخميس، فقال المعدل: زيد صلى بجانبي يوم الجمعة، هذا صار معه زيادة علم، ولذلك يقول: إلا لو نُقِل أنه كان بعده، يعني: أن.. ما كان على البراءة الأصلية، وأما من ذهب مذهب الرجوع إلى الأصل عند التعارض فهو مبني على أن الشك يسقط الحكم ويرفعه، وأنه كلا حكم، وهو مذهب أبي داود الظاهري، ولكن خالفه أبو محمد بن حزم في هذا الأصل مع أنه من أصحابه، يعني: ابن حزم ليس بمقلِّد تقليدًا من غير نظر ولا روية لكلام إمام المذهب داود.

فيه بعد كلام ابن رشد مما لا يتعلق بموضوعنا، لكنه يبين فيه منهجه في الكتاب، يعني في غير موضعه، قال القاضي: فهذا الذي رأينا أن نثبته في هذا الكتاب من المسائل التي ظننا أنها تجري مجرى الأصول وهي التي نطق بها الشرع في أكثر ذلك، أعني: أن أكثرها ما يتعلق بالمنطوق به، إما تعلقًا قريبًا أو قريبًا من القريب وإن تذكرنا لشيء من هذا الجنس أثبتناه في هذا الكتاب، وأكثر ما عولت فيما نقلته من نسبة هذه المذاهب إلى أربابها وهو كتاب الاستذكار، الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، لابن عبد البر، شرح للموطأ على طريقة الفقهاء، وأما شرحه للتمهيد فهو على طريقة أهل الحديث.

يقول: وأنا قد أبحت لمن وقع من ذلك على وهم لي أن يصلحه، والله المعين والموفق.

 في البدايات المجتهدون فيهم أوهام في نسبة المذاهب، وسبب هذه الأوهام الاعتماد على الوسائط، هو اعتمد كما صرَّح به على ابن عبد البر على الاستذكار، وابن عبد البر لا شك أنه يُعنى بأقوال المذاهب الثلاثة، مذهب أبي حنيفة والشافعي ومالك، لذلك لما ترجم للأئمة الفقهاء ترجم للثلاثة، ما ترجم لأحمد باعتباره من أهل الحديث، فمادام اعتمد على صاحب الاستذكار، و صاحب الاستذكار يصنف الإمام أحمد محدثًا، ولم يصنفه من الفقهاء فلابد أن يقع في نقله عنه شيء من الخلل؛ لأن الإمام أحمد تُروى عنه روايات فقد يختطف أدنى رواية من رواياته التي ليست هي المذهب، وهذا سبق أن ذكرناه مرارًا في نقل المذاهب، وأنها لا تُنقل إلا عن أربابها.

على كل حال: المُرجَّح من حيث الاستعراض الجمع بين الحديثين، وأن حديث ابن عمر محمول على البنيان، وحديث أبي أيوب محمول على الصحاري، وهو الذي رجحه ابن قدامة.

المقدم: لكن –عفوًا يا شيخ- بلا شك أن الأفضل عدم..

الاتقاء، نعم أن يتقي.

المقدم: هذا الأولى؛ ولذلك لو يكون هناك إشارة إلى المسؤولين عن البنيان والعمران والمخططين أن المسألة يسيرة بحمد لله.

نعم، يوجهون المقاعد "مقاعد قضاء الحاجة" إلى غير جهة القبلة لا استقبالًا ولا استدبارًا.

المقدم: يا شيخ وجدناها في البلدان التي كان مذهب الحنفية فيها مسيطرًا من سبعمائة سنة وثمانمائة سنة بعض البنيان مثلًا في الهند وباكستان في البلدان القديمة كان من شروطهم ألا يكون الحمام باتجاه القبلة.

نعم؛ لأن رأي أبي حنيفة المنع مطلقًا، ولاشك أن هذا له أثر على أتباعه.

هذا الحديث خرجه الإمام البخاري في أربعة مواضع: الأول في كتاب الوضوء، في باب من تبرز على لبنتين، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- أنه كان يقول: إن ناسًا يقولون: إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس، وذكر الحديث، وهذا سبق ذكر مناسبته.

والموضع الثاني: في كتاب الوضوء أيضًا، باب التبرز في البيوت، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن محمد بن يحيى بن حبان عن واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال: «ارتقيت فوق ظهر بيت حفصة لبعض حاجتي، فرأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام» والمناسبة ظاهرة، التبرز في البيوت.

والموضع الثالث: في الكتاب والباب المذكورين في كتاب الوضوء في باب التبرز في البيوت، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان أن عمه واسع بن حبان أخبره أن عبد الله بن عمر أخبره، قال: «لقد ظهرت ذات يوم على ظهر بيتنا، فرأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قاعدًا على لبنتين مستقبل بيت المقدس» والمناسبة ظاهرة.

والموضع الرابع: في كتاب فرض الخمس، باب ما جاء في بيوت أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم- وما نُسب من البيوت إليهن، يعني بيوت أزواج النبي مع فرض الخمس، أن الخمس لله ورسوله، وما كان لرسوله فهو لتستمتع به أزواجه في حياته وبعد مماته، باب ما جاء في بيوت أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم- وما نُسب من البيوت إليهن، وقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]، أضاف البيوت إليهن، {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب:53]، فأضاف البيوت إلى النبي، والبيت بيت الأسرة ممكن أن يُضاف إلى الرجل كما هو الأصل؛ لأنه هو الذي ملكه، وقد يُضاف إلى الزوجة، بيت فلانة، بيت حفصة، وبيت عائشة وبيت كذا، وهذا مستعمل إلى الآن.

المقدم: حتى في الأحاديث كان في بيت عائشة، كان في بيت حفصة -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

نعم، {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} في القرآن.

قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا أنس بين عياض عن عبيد الله عن محمد بن يحيى بن حبان عن واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قال: «ارتقيت فوق بيت حفصة، فرأيت النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام».

قال ابن حجر: قوله باب ما جاء في بيوت أزواج النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما نُسِب من البيوت إليهن، إلى آخر الترجمة، قال ابن المُنَيِّر: غرضه بهذه الترجمة أن يُبيِّن أن هذه النسبة تحقق دوام استحقاقهن للبيوت ما بقين؛ لأن نفقتهن وسكناهن من خصائص النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- والسر فيه حبسهن عليه، يعني: لما يموت الزوج العادي، خلاص انتهت العلاقة بينه وبين زوجته، لا نفقة ولا سكنى، لماذا؟ لأن المال انتقل من المورث إلى الوارث، لكن بالنسبة له- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أولًا هو لا يورث، ما ترك صدقة. الأمر الثاني: أنه لا يتسنى لأزواجه أن يتزوجن من يسكنهن، وينفق عليهن؛ لأنهن حُبسن عليه.

وفي المتواري على أبواب البخاري لابن المُنَيِّر ذكر ما تقدم ذكره عن الحافظ ابن حجر، قال: وفيه أيضًا ساق البخاري الأحاديث التي تنسب إليهن البيوت بها تنبيه على أن هذه النسبة تحقق دوام استحقاقهن للبيوت ما بقين، والله أعلم.

والحديث خرَّجه الإمام مسلم، فهو متفق عليه.

المقدم: أحسن الله إليكم، شيخ، في ضبط الرواة هل تضبط أسماؤهم من كتب الرجال، التراجم نفسها أو فيه كتب تُعنى بالضبط، حبان قبل قليل لفظته؟

كُتب تُعنى بالضبط.

المقدم: ضبط أسماء الرواة؟

ضبط أسماء الرواة، والشراح يُعنون، وفيه كتب التراجم كتب رجال الأحاديث تضبط، لكن فيه كتب متخصصة للضبط، المشتبه وتبصير المنتبه والإكمال لابن ماكولا، وكتب كثيرة في هذا الباب، والمغني في ضبط أسماء الرجال للفتّني.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

 

يتجدد بكم اللقاء بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.