هدي النبي في رمضان (01)

أيها الإخوة المستمعون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله في مطلع هذا الشهر الكريم الذي نسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا فيه إلى الصيام والقيام إيمانا واحتسابا وأن يجعلنا من عتقائه من النار إنه سميع مجيب ومرحبا بكم في هذه اللقاءات التي ستكون بحول الله تعالى حول هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصيام وحول ما قيّده إمام من أئمة الهدى من أعلام هذه الأمة وهو ابن قيم الجوزية -رحمة الله تعالى عليه- في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد في هذه اللقاءات التي سيشرفنا ويسعدنا فيها فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله ليعلق على ما أورد ابن القيم -رحمة الله تعالى عليه- في ذلك الكتاب القيم في مطلع هذه اللقاءات يسرني ويسعدني أن أرحب بفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم حياكم الله يا شيخ عبد الكريم وأهلاً وسهلاً بكم معنا في هذه اللقاءات.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

أيها الإخوة لعل من المناسب أن نبدأ هذه اللقاءات في التعريف بهذا الإمام الإمام ابن القيم -رحمة الله تعالى عليه- هلا تكرمتم فضيلة الشيخ بتعريف وترجمة لذلك العَلَم ابن القيم -رحمة الله تعالى عليه-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن مؤلف الكتاب الإمام المحقق العلامة الحافظ المدقق أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي المشهور بابن قيم الجوزية وُلد -رحمه الله تعالى- سنة إحدى وتسعين وستمائة في قرية زُرَع قريبة من دمشق ثم تحوَّل إلى دمشق وتتلمذ لطائفة من علمائها ثم بعد ذلك لازم شيخ الإسلام ابن تيمية ملازمة تامة من سنة اثنتي عشرة وسبعمائة إلى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة في قوته العقلية وريعان شبابه تأثر به تأثرًا عجيبًا علمًا وعملاً إلا أنه لم يكن له مقلدًا تقليدًا أعمى يأخذ بكل ما يقول من غير روية ولا بحث ولا استدلال ولا نظر ولذا خالف شيخه في مسائل وناقشه فيها فمن المسائل مسألة التورّق قال فيها ولقد ناقشت شيخنا مرارًا يعني عله أن يرجع عن القول بالتحريم لكنه لم يرجع، المقصود أن ابن القيم ليس كما يقوله بعض الناس أنه صورة لشيخ الإسلام وأنه كالبوق، لا ليس الأمر كذلك بل مؤلفات ابن القيم تختلف اختلافًا كبيرًا عن مؤلفات شيخه في طريقة العرض والأسلوب وشيخ الإسلام كما يقال على متانة علمه وجزالة أسلوبه يخاطب العقول، وأما ابن القيم فلرقة أسلوبه وأدبه فإنه كما يقول أهل العلم أنه يخاطب القلوب، مصنفات ابن القيم شاهدة على ذلك وهي كثيرة جدًا في مختلف العلوم والمعارف تدل على دقة وفهم عجيبين، فمنها تهذيب سنن أبي داود وفيه ظهرت وبرزت براعة ابن القيم الحديثية حيث يتكلم في ذلك الكتاب على علل الأحاديث بكلام لا يكاد يوجد مثله لغيره، من ذلكم إعلام الموقعين عن رب العالمين وهو كتاب نفيس في بابه في الفتوى وشروطها وأهلها والتحذير من الإقدام عليها بغير علم، ومن ذلكم طريق الهجرتين وباب السعادتين، وإغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، والجواب الكافي، ومدارج السالكين.. وغيرها كثير، ومن أنفس كتبه كتابه الذي نحن بصدد الإفادة منه زاد المعاد في هدي خير العباد، توفي ابن القيم -رحمه الله تعالى- سنة إحدى وخمسين وسبعمائة.

يا شيخ عبد الكريم هذا الكتاب لو توقفنا عنده قليلا منهج الشيخ فيه وتعريف عام بهذا الكتاب الذي هو زاد المعاد في هدي خير العباد لو تكرمتم.

زاد المعاد في هدي خير العباد وقد اختصر اسمه في النقل عند أهل العلم فيقولون قال ابن القيم في الهدي الأصل في الزاد الأصل فيه القوت ثم استعمل في كل ما يعين على أمر الدين والدنيا ولذا جاء في القرآن كما قال الله -جلَّ وعلا- ﭭﭮ البقرة: ١٩٧  والمعاد من الإعادة وهي البعث بعد الموت والمراد بذلك ما يعين على الأهوال التي تكون في يوم القيامة وذلك يكون بتمام الاقتداء والائتساء بخير العباد محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي أمرنا بالاقتداء به والاهتداء بهديه، والهدي السيرة والهيئة والطريقة كما في النهاية لابن الأثير فهدي النبي -عليه الصلاة والسلام- طريقته وسيرته وسنته وهيئته وهو خير الهدي كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبته فيما رواه الإمام مسلم وغيره من حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا خطب كان كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومسّاكم ويقول: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-» الحديث فأحسن الطرق طريق محمد -عليه الصلاة والسلام- ومن العجائب أن هذا الكتاب العظيم البديع في محتواه وفي ترتيبه وعرضه وأسلوبه ألفه ابن القيم في حال السفر بعيدًا عن كتبه عن مكتبته بعيدًا عن شيوخه وزملائه وعن المواد التي يمكن أن يستمد منها هذا الكتاب إلا ما كان في حفظه وذاكرته قال ابن القيم في أوائل الكتاب: وهذه كلمات يسيرة لا يستغني عن معرفتها من له أدنى همة إلى معرفة النبي -عليه الصلاة والسلام- وسيرته وهديه اقتضاها الخاطر المكدود على عُجره وبُجره على معايبه ومساويه مع البضاعة المزجاة التي لا تنفتح لها أبواب السُّدد ولا يتنافس فيها المتنافسون مع تعليقها في حال السفر لا الإقامة والقلب بكل واد منه شعبة والهمة قد تفرقت شذر مذر، والكتاب مفقود الكتاب الذي هو المرجع الذي تؤخذ منه مادة المؤلف مفقود لأنه مسافر وكتبه في بلده -رحمة الله عليه- يعني أنه مسافر والكتاب مفقود ومن يفتح باب العلم لمذاكرته معدوم غير موجود يعني من أهل العلم والزملاء والأقران فعود العلم النافع الكفيل بالسعادة قد أصبح لاويًا وربعه قد أوحش من أهله وعاد منهم خاليًا فلسان العالم قد ملئ بالغلول مضاربة لغلبة الجاهلين، أي المنع من التكلم والحديث لماذا؟ لأنه غلب الجاهلين وهؤلاء لا يقدرون العلم قدره ففي هذه الظروف ومثلها إذا لم يوجد إلا جاهل فالعلم يمكن أن يعطى الجاهل بقدره ولا يعطى من دقائق العلوم وعضل المسائل فيوصف اللسان بالغلول يقول فلسان العالم قد ملئ بالغلول مضاربة لغلبة الجاهلين وعادت موارد شفائه وهي معاطبه لكثرة لكثرة المنحرفين والمحرفين فليس له معوّل إلا على الصبر الجميل وما له ناصر ولا معين إلا الله وحده وهو حسبنا ونعم الوكيل، هكذا ذكر ابن القيم في مقدمة الكتاب وأنه ألّفه في حال السفر وهذا من مما يدل على إمامة هذا الرجل وإحاطته بهدي النبي -عليه الصلاة والسلام- وما جاء عنه في سيرته وسنته -صلى الله عليه وسلم-.

طيب يا شيخ لعله..، أحسن الله إليكم، لو عرفنا الصيام وما إلى ذلك في مفتتح هذه اللقاءات وتكون خاتمة هذا اللقاء واللقاءات التالية تكون -إن شاء الله تعالى- في المواضيع التي ذكرها ابن القيم -رحمة الله عليه-.

عرف أهل العلم الصيام في اللغة بأنه الإمساك وترك التنقل من حال إلى حال ولذا يقال للصمت صوم لأنه إمساك عن الكلام كما قال -جلَّ وعلا- مخبرًا عن مريم    مريم: ٢٦  أي سكوتا عن الكلام ومنه قول النابغة:

خيل صيام وخيل غير صائمة     .

 

تحت العجاج وأخرى تعلق اللجما  

أي خيل ثابتة ممسكة عن الجري، والصيام في الشرع: الإمساك عن الطعام والشراب والجماع بنية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وعرّف أيضا بتعريف مقارب بأنه التعبد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطِّرات من طلوع الشمس إلى غروب الشمس، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

 

أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ أيها الإخوة المستمعون الكرام بهذه الكلمات التي أوردها فضيلة الشيخ نصل إلى ختام هذا اللقاء وهو الأول في هذه اللقاءات المتتابعة -بإذن الله تعالى- طوال أيام هذا الشهر الكريم الذي نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياكم فيه إلى أعمال البر والهدى إنه سميع مجيب أقول ستتابع إن شاء الله حلقات هذه هذا البرنامج لنستعرض فيه جملة مما أورده هذا الشيخ الجليل ابن القيم -رحمة الله تعالى عليه- في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد في ختام هذا اللقاء أتقدم بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله، الذي أتحفنا بهذا المفتتح لهذه اللقاءات ونسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا وبما قلنا إنه سميع مجيب وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"