شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (021)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسعد الله أوقاتكم جميعًا بكل خير، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب التجريد لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ونشكر لفضيلته قبول دعوتنا، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: كنا مستمعي الكرام في الحلقة الماضية قد وعدناكم أن نخصص هذه الحلقة لعرض بعض الأسئلة التي وردت إلينا من عدد من الإخوة المستمعين الكرام، أشكر لكل من راسل البرنامج، وأود في البداية أن أؤكد على قضية هامة، وهي أن تكون الأسئلة خاصة بما تم شرحه حتى تتم الفائدة من خلال ذكر الأبواب التي سبق لفضيلة الدكتور الحديث عنها في هذا البرنامج. قبل أن نبدأ في عرض أسئلة هذه الحلقة، أستأذنكم فضيلة الدكتور في عرض قضية هامة كثر –الحقيقة- الحديث عنها، وهي أن بعض المتحدثين، عند ذكر الصلاة على النبي  -صلى الله عليه وسلم- يقول: صلى الله عليه وآله وسلم. طرحي لهذا السؤال بسبب هام، وهو أن شارح التجريد، وهو صِدِّيق حسن خان -رحمه الله-، تحدَّث عن هذا الموضوع وأسهب فيه، بل إنه أطال النفَس فيه، وربما ذكر بعض العبارات التي قد ترد من خلال إجابتكم -أحسن الله إليكم-، ليكن هذا بداية الحديث في هذه الحلقة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الشارح، شارح المختصر، صِدِّيق حسن خان، معدود على أهل السنة في الجملة، ونصَر مذهب أهل السنة في بلده الهند، ونشر كتب المحققين من أهل العلم، إلا أنه تأثر تأثرًا واضحًا بالشوكاني والصنعاني. فالصنعاني أوجب الصلاة على الآل تبعًا للصلاة عليه –عليه الصلاة والسلام-، وشدَّد صِدِّيق تبعًا للصنعاني، في حواشي شرح العمدة في هذه المسألة، وقال: إن الصلاة على الآل واجبة، ومن فرَّق بينهما، فقد فرَّق بين المتماثلات؛ لأن الأمر بالصلاة على الآل جاء تبعًا للأمر بالصلاة عليه، وذلك في التشهد، قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. لا شك أنه في التشهد لا بد من الصلاة على الآل، وكُلٌّ على مذهبه، فمن يقول بوجوب الصلاة على النبي –عليه الصلاة والسلام- يَلزمه أن يقول بوجوب الصلاة على الآل في التشهد، ومن يقول باستحباب الصلاة على النبي –عليه الصلاة والسلام- في التشهد يقول بالاستحباب، فرَّق بينهما بعض أهل العلم فأوجب الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يوجب الصلاة على الآل في التشهد، وهذا محل نظر؛ لأن الأمر جاء بالأمرين معًا. هذا بالنسبة للصلاة داخل الصلاة في التشهد، أما خارج الصلاة فيتم الامتثال بالصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- فقط؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- أمر بذلك، كما في سورة الأحزاب: {إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَّلٌّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [سورة الأحزاب 21] فكلام صِدِّيق وتشديده في هذه المسألة واتِّهامه أهل العلم من المحدِّثين الكبار كالبخاري ومسلم وسائر الأئمة أنهم لم يصلُّوا على الآل تقيَّة، وخوفًا من الخلفاء في أزمانهم الذين هم في الغالب على حد تعبيره نواصب، لا يرون الآل فضلاً عن الصلاة عليهم، ونقول: الامتثال يتم بإفراده -عليه الصلاة والسلام-؛ هذا في خارج الصلاة، أما داخل الصلاة، فلا بد من الصلاة على الآل تبعًا له -عليه الصلاة والسلام-. لكن من باب الوفاء للآل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمَر بحفظ حقهم، ولا شك أن لهم حق على الأمة، نصلي عليهم تبعًا له، كما نصلي على الصحب أيضًا، وعلى هذا لا بد من الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- كلما ذُكِر، فإن زدنا فلنزد الآل والصحب؛ لأن الاقتصار على الآل صار شعارًا لبعض المبتدعة، كما أن الاقتصار على الصحب صار شعارًا لقومٍ آخرين من أهل البدع، فعلى هذا، إذا صلينا على الآل نصلي على الصحب، وإذا صلينا على الصحب نصلي على الآل لئلا نوافق أحد الطرفين من أهل الابتداع.

الصنعاني -رحمه الله تعالى-، وإن كان في الجملة على مذهب أهل السنة، ومثله الشوكاني، إلا أن البيئة لا بد أن تؤثِّر في ساكنها، فتأثَّر بمن حوله، وهم في الغالب من الشيعة الزيدية، فكونه تأثَّر وسطر ذلك في كتبه أو في بعضها، وقلنا، أشرنا سابقًا إلى أن صِدِّيق مغرَم بتقليد الشوكاني والصنعاني، وهما لا شك أنهما من أهل الأثر، وهم في غالب أحوالهم وفي غالب كلامهم مقتدون بالكتاب والسنة، متبعان لهما.

وعلى كل حال، إذا أضفنا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الآل فنضيف أيضًا الصحب، ولكلٍّ منهما حق. قد يقول قائل أننا إذا قلنا الآل دخل فيهم الصحب؛ لأن المراد بالآل أتباعه على دينه، نقول: الكلام صحيح، لكن لما كان شعارًا، لا بد أن نجتنب هذا الشعار؛ لأنها تكون حينئذٍ الجملة موهِمة، مادامت شعارًا، نجتنب مثل هذا الشعار الذي يسلكه بعض أهل البدع ونضيف إليهم الصحب. وأيضًا، لو قال قائل: نقتصر على الصحب؛ لأن كبار الآل من الصحب، فإذا قلنا: الصحب، دخل فيهم العباس ودخل فيهم علي ودخل فيهم الحسن والحسين، كلهم صحابة، فلماذا لا نقتصر على الصحب؟

فليس أحدهما بأولى من الآخر، فإما أن نضيف الآل والصحب، وإما أن نقتصر على الصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- كما أمرنا الله بذلك.

المقدم: أحسن الله إليكم، أيضًا نعود إلى جملة من أسئلة الإخوة المستمعين. هذا المستمع، إبراهيم المُفدَّى من الرياض، بعث بعدد من الأسئلة لهذا البرنامج، أشكر الأخ على رسالته، ويبدو أنه من المستمعين الدائمين لهذا البرنامج. من أسئلته -فضيلة الدكتور- يقول: لماذا يكثر الإمام الحافظ ابن حجر من العزو إلى كل من الـ...

الكشميهني.

المقدم: الكشميهني -كتبه خطأً، قدَّم الهاء على الميم- وأبي ذر والكرماني؟

أما بالنسبة للكُشْمِيْهَنِي، فهو من رواة الصحيح، وهو راوية فقط ولم يكن من الحفاظ، كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر، أما أبو ذر، فهو أيضًا راوي من الرواة، وهو أتقن الرواة، وعلى روايته اعتمد الحافظ ابن حجر. ذكر في مقدمة الجزء الأول أنه اعتمد على رواية أبي ذر لكونها أتقن الروايات، وأشار إلى ما عداها عند الحاجة. والكرماني شارح من شراح الصحيح، وهو متقدِّم على العيني وابن حجر والقسطلاني، وهم يكثرون النقل عنه، وهو أيضًا محل انتقاد وعليه ملاحظات كثيرة، تعقبه الحافظ ابن حجر فيها. شرحه نافع ماتع مختصَر مفيد، إلا أنه لا يسلم من ملاحظات، تعقبه الشراح ممن أتى بعده فيها.

المقدم: أحسن الله إليكم، أيضًا يقول المستمع إبراهيم المفدَّى من الرياض: نسمع كثيرًا بأن السند المعنعن يختلف قبوله من الإمام البخاري والإمام مسلم، فما وجه الصواب في هذه المسألة؟

السند المعنعن هو الذي يُروَى بصيغة (عن)، فيقال: فلان عن فلان عن فلان، والسند المعنعنن إذا سَلِم راويه من التدليس محمول على الاتصال عند أهل العلم، عند عامة أهل العلم، لا بد أن يسلم من التدليس، أما إذا وُصِم الراوي بالتدليس فلا بد أن يصرح بالتحديث عند جمهور العلماء. فالسند المعنعن يقبله الإمام مسلم مطلقًا إذا ثبتت المعاصرة بين الراوي ومن روى عنه، والإمام البخاري يشترط اللقاء، هذا نَسَبَه إليه كثير من أهل العلم، ولا شك أن مثل هذا الكلام يؤيده ما عرف به الإمام البخاري من التحري والتثبت. الإمام مسلم شدَّد في مقدمة صحيحه وشنَّع على من يقول باشتراط اللقاء.

أولاً: الاشتراط لا يُفهَم منه أنه ما يلزم من عدمه العدم في هذا الباب، لا يلزم من عدمه العدم وإنما هو مجرد احتياط، فلا يلزم من اشتراط عمر -رضي الله عنه- أن يشهد مع أبي موسى الأشعري أن يروي معه غيره أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لا يقبل رواية الواحد، بل هذا مجرد احتياط منه، وإذا ذهب المبتدعة إلى أنه لا بد من رواية اثنين عن اثنين كالمعتزلة، استدلالاً بقول عمر، ورددنا عليهم وشدَّدنا النكير عليهم، فإننا لا نرد على عمر في هذا، بل هذا مجرد احتياط من عمر. وإذا شدَّد الإمام مسلم في مقدمة صحيحه في النكير على مبتدع يشترط اللقاء، فإنه لا يلزم منه أن يرد على الإمام البخاري، بل هو يرد على من استَغَلّ قول الإمام البخاري لنصرة مذهبه ورأيه كما قلنا نظيره في عمر -رضي الله عنه-، إذا رددنا على أبي علي الجُبَّائي أو على أبي الحسين البصري الذين يشترطون أن يكون الرواة أكثر من واحد، اثنان فأكثر، ليس معنى هذا أننا نرد على عمر -رضي الله عنه-، هذا مجرد احتياط من عمر، كما أن اشتراط اللقاء، إن ثبت عن الإمام البخاري، فهو لائق بتحرِّيه واحتياطه -رحمه الله تعالى-.

المقدم: أحسن الله إليكم، هذه أيضًا مجموعة من الأسئلة، وردت من أحد الإخوة المستمعين، لم يذكر اسمًا، بعث بعدد من الأسئلة. في أحد أسئلته يقول: هل مقدمة فتح الباري من كلام ابن حجر أم هي زيادة من طلابه أملاها عليهم؟

مقدمة الفتح لا شك ولا ريب في نسبتها إلى الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-، فهي كسائر الشرح من صنيعه وتأليفه -رحمه الله تعالى-، وإن كان -رحمه الله تعالى- يستفيد من طلابه في جمع بعض المادة العلمية، ولا يمنع أن يستفاد من الطلاب، لا مانع أن يقول: يا فلان أثبت، أو أحضر لنا رأي الشافعية في هذه المسألة أو رأي الحنفية في هذه المسألة من كتبهم أو كذا؛ لأن هذه موسوعة ضخمة، لو لم يَستفِد من طلابه، يمكن ما خرجت على هذا الوجه، مكث الحافظ ابن حجر قرابة ربع قرن يؤلف في هذا الكتاب، يزيد وينقص وينقح، ولا شك أن الكتاب ثابتة النسبة له، وإن استفاد من بعض طلابه في إحضار بعض المسائل، ثم يتولى تحريرها هو بنفسه وصياغتها.

المقدم: أشهر ما في المقدمة فضيلة الدكتور، مقدمة الفتح.

مقدمة الفتح تضمنت ترجمة الإمام البخاري والسبب الباعث لتأليفه الصحيح، ومن تُكُلِّم فيه من رواة الصحيح وما انتُقِد من رواة الصحيح، والألفاظ الغريبة في الصحيح، وأيضًا المناسبات بين الأبواب بين أبواب الصحيح وهكذا. فهي شرح مختصر، يعني الذي في الأسفار يصحبها مع الصحيح يرجع إليها فيما يُشكِل عليه، هي نافعة جدًا.

المقدم: كنا ذكرنا في مقدمات الحديث، تفضلتم بالقول بأن هناك مواضع في الفتح ليست من كلام ابن حجر، هل تقصدون بهذا متن الحديث، أم تقصدون الفواصل القواطع التي يذكرها مثل قوله قوله قوله هكذا؟

الفتح الذي هو الشرح كله لابن حجر، ونقصد بالذي أدخل في الصحيح المتن الذي طبع معه، وإلا فإن الأصل أن الحافظ جرد الشرح من المتن لئلا يطول الكتاب، وقد نبَّه على ذلك في أول المجلد الأول من الكتاب، لكن الطابع تصرف وأدخل المتن، ومن طبع الكتاب قبله أيضًا أدخلوا المتن، لكن مفصول عن الشرح، فليس فيه دمج وإدخال للمتن في الشرح، هذا من جهة. الأمر الثاني أن من أدخل المتن في ثنايا الشرح، لا أقصد قوله قوله من كلام الحافظ، قوله ثم يأتي بجملة يشرحها، هذا من كلام الحافظ لا إشكال فيه، لكن الكلام على متن الحديث كاملاً أدخل في ثنايا الشرح، هذا تصرف من الطابع، وأشرنا مرارًا أنه ليت الطابع لما تصرف أدخل نسخة موافقة للشرح، بل أدخل نسخة ملفَّقة من روايات متعددة تختلف عما اعتمده الحافظ في الشرح، ولذا تجد في الشرح، يقول الحافظ: قوله كذا ولا تجدها في المتن والعكس، تجد جمل في المتن تحتاج إلى شرح لأنها ثابتة في روايات أخرى غير ما اعتمده الحافظ ابن حجر، ولا تجدها في الشرح، تحتاج إلى شرحها، فالحافظ يعتني برواية أبي ذر، ويشير في الشرح إلى ما عداها عند الحاجة، هذا خلاف طريقة القسطلاني الذي يشير إلى جميع الروايات، لا يقتصر على ما يحتاج إليه، بل يشير إلى جميع الروايات، وهذه ميزة لإرشاد الساري للقسطلاني.

المقدم: أحسن الله إليكم، أيضًا من أسئلة المستمع يقول: ما الفرق بين قول المحدِّثين: حديث منكر، أو منكر الحديث؟

قولهم: حديث منكر، هذا حكم على الحديث، وقولهم منكر الحديث، هذا حكم على راويه، هذا حكم على الراوي وليس بحكم على الحديث نفسه، وإن كان هناك تلازم بين الحكم على الراوي والحكم على مرويه إذا تفرد به، أما إذا جاء من طرق أخرى ترتفع النكارة عنه فإنه يرتقي إذا كانت الطرق قابلة للانجبار.

المقدم: أيضًا من أسئلة المستمع، وهو يبدو آخر سؤال في أسئلة الأخ المستمع. هذا يقول: هل شرط البخاري في كتابه التاريخ الكبير يختلف عن شرطه في الصحيح؟ وما معنى قوله: باب الأفناء من الناس؟

لا شك أن شرطه للصحيح، الكتاب الذي تلقَّته الأمة بالقبول يختلف عن شرطه في سائر كتبه وعن شرط غيره من الأئمة، فشرطه في هذا الكتاب ضيِّق، تحرَّى فيه الدقة، بل ثبت عنه أنه صلى بعد ذكر كل حديث ركعتين، أو قبل ذكر كل حديث ركعتين، وهذا من احتياطه -رحمه الله تعالى-، وترك أحاديث كثيرة جدًّا ليست على شرطه، كما أنه ترك أحاديث خشية الطول، فشرطه في صحيحه ضيِّق جدًّا، لا يدانيه ولا يقاربه غيره، ومع ذلكم شرطه في كتبه الأخرى، كالتاريخ، والأدب المفرد وجزء القراءة ورفع اليدين وغيرها، شرطه أخف، فيخرِّج في الأدب المفرد ما لا يخرِّجه في الأدب، الذي هو كتاب من كتب الجامع الصحيح، ويخرِّج في جزء القراءة ما لا يخرِّجه في الصحيح وهكذا، فشرطه في الصحيح ضيِّق.

المقدم: كتاب التاريخ هذا -فضيلة الدكتور- هل هو في التاريخ، هذا الاسم على ما يحويه أم هناك معنًى آخر؟

الإمام البخاري له تواريخ، فكتابه التاريخ الكبير من أعظم كتب الرجال، التواريخ المقصود به تواريخ الرجال، وما قيل فيهم من تقوية وتضعيف، من جرح وتعديل، وقد يذكر الراوي ولا يذكر فيه شيئًا فيسكت عنه؛ لأنه لم يقف فيه ولم يتبين له، لم يقف فيه على قول أحد ولم تتبين له حاله، هذا هو المعتمَد في هذه المسألة، فحكم من سكت عنه الإمام البخاري في تاريخه حكم المستور، الذي لم يوقف فيه على جرح ولا تعديل، وإن ذهب بعضهم إلى أن سكوت الإمام البخاري وابن أبي الحاتم في الجرح والتعديل أمارة التوثيق كالشيخ أحمد شاكر ومن يقول بقوله، لكن هذا القول لا مستند له.

المقدم: معنا مجموعة من الإخوة، من أراد عرض الأسئلة فيما تبقى من الوقت؟ تفضل يا أخي.

السائل: أحسن الله إليكم يا شيخ، بعض المعاصرين أخرج فتح الباري برواية أبي ذر الهروي، ما رأيكم -عفا الله عنكم- بهذه الطبعة؟ هل هي موافقة لرواية أبي ذر المعتمدة -عفا الله عنكم-؟

هذه الرواية أو هذه الطبعة التي أشرتم إليها ذكرناها سابقًا في حلقة مضت، وأن هناك من قابلها على النسخ التي تعتني بذكر الروايات وتشير إلى رواية أبي ذر وترمز له، ووجد هناك اختلافًا كبيرًا بين هذه الطبعة وبين رواية أبي ذر، فالنسخة يمكن أنه كتب عليها بعض النساخ برواية أبي ذر، ولعله تجوَّز في هذه العبارة، لأنه وقف في سندها مثلاً على ذكرٍ لأبي ذر، أو يوجد تصرُّف من بعض أصحاب خزائن الكتب، يكتبون كتاب كذا لفلان أو برواية فلان، يتجوَّزون في هذا، لا سيما إذا كانت الكتابات متأخرة عن نسخ الكتاب. شرح التبصرة والتذكرة للحافظ العراقي طبع باسم فتح المغيث، والحافظ العراقي لم يسم كتابه فتح المغيث، إنما اعتمد الطابع على نسخة في دار الكتب المصرية كُتِب عليها بخطٍّ حديث فتح المغيث في شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي، ليس اسم شرح الحافظ العراقي فتح المغيث أبدًا، بل وهِم الطابع ثم اعتذر في آخر الكتاب عن هذا الوهم الذي وقع فيه.

المقدم: أحسن الله إليكم، هذه -الحقيقة- مجموعة كبيرة من الأسئلة وصلت من المنطقة الشرقية، تربو على ثلاثين سؤالاً من أحد الإخوة المستمعين، أشكره في البداية على هذه المقدمة الطويلة التي ذكرها والثناء العاطر على البرنامج، هناك مجموعة من القضايا المتعلِّقة بالنواحي الفنية تحدثت فيها أو عنها مع منفِّذ هذا البرنامج، الزميل حمد الوابلي وسوف يعنيها -بإذن الله تعالى- رعاية خاصة.

يسأل في هذه الحلقة -فضيلة الدكتور- ويرجو منكم أثناء الشرح عند التعرض لمسائل يكون فيها خلاف للعلماء التوسع في هذه النقطة مع الفصل وتبيين الراجح، لأننا نجد إشكالية في تعدد الفتاوى والآراء، فإذا رجحتم الرأي الصواب، ثم ربطتم ذلك بالدليل الراجح، حصل بهذا الاطمئنان لهذا الرأي.

لا شك أن هذا الطلب وجيه، بل وجيه جدًّا، ليس من المفيد أن تُعرَض الأمور بإيجازٍ واختصار، لكن بالمقابل، هناك طلبات أخرى تقول بالاختصار من أجل إنجاز الكتاب وإتمامه، ومثل هذا الطلب قد يتجه في مسائل شائكة كثر فيها وطال فيها الخلاف وصعُب حسم النزاع فيها، لا سيما في كتاب الإيمان وأبواب العبادات والمعاملات على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، وسوف نولي هذا الطلب عناية، -إن شاء الله تعالى- بقدر ما يسعف به الوقت، وإلا فالكتاب طويل، ومدة البرنامج قليلة بالنسبة للكتاب فلا بد من التسديد والمقاربة حينئذ.

المقدم: أحسن الله إليكم، يقول: لماذا لم يعد الموطأ من الكتب الستة، وما السبب في عد الكتب الستة وعدم إدخال كتب السنة الأخرى معها؟

الكتب الستة، هذا مجرد اصطلاح لأهل العلم، مع أنهم مختلفون في السادس، بعد اتفاقهم على الخمسة: البخاري ومسلم، أبو داوود، الترمذي، النسائي، السادس اختلفوا فيه، فالأكثر على أنه سنن ابن ماجه، وأول من أدخله في الستة أبو الفضل بن طاهر في أطرافه وفي شروط الأئمة، ومن أهل العلم من أدخل الموطأ سادسًا للكتب كرَزين العبدري في تجريد الأصول، وابن الأثير في جامع الأصول. ومنهم من قال: ينبغي أن يكون السادس الدارمي وهكذا، فالمسألة خلافية. من أدخل ابن ماجه رأى كثرة الزوائد فيه وما اشتمل عليه من الأحاديث الكثيرة التي تفرَّد بها وتشتمل على أحكام لا توجد في الكتب الخمسة، أما الموطأ، فالأحاديث المرفوعة فيه قليلة بالنسبة لهذه الكتب التي سادسها سنن ابن ماجه على ما ذكرنا، وأما الدارمي فلا شك أنه كتاب قيِّم ونافع وحري بأن يجعل من الأمهات، لكنه أقل في الزيادات من سنن ابن ماجه، هذا هو السبب، وإن كان الضعيف في سنن ابن ماجه أكثر منه في الموطأ وفي الدارمي أيضًا.

المقدم: أحسن الله إليكم، يذكر الأخ أننا في بدايات التعريف بالبرنامج ذكرنا اختيار طبعة معينة تحتوي على زوائد الزَّبيدي، يقول: هل ستقومون بشرح هذه الزوائد مع كتاب التجريد؟

الأصل في البرنامج كتاب التجريد، وأما هذه الزوائد، إن كانت بالفعل زائدة وأهملها المختصِر سنشير إليها -إن شاء الله تعالى- ونتكلم عليها بقدر الحاجة، على أنه مر علينا حديث عدَّه صاحب الزوائد من الزوائد، وهو في الحقيقة ليس بزائد، أشار إليه المؤلف.

المقدم: أيُّ حديث في كتاب بدء الوحي؟

في بدء الوحي، مر علينا الحديث الأول من الزوائد وهو موجود في المختصَر.

المقدم: نعم، موجود، نعم. أحسن الله إليكم، يقول: ذكرتم...

هذه المسألة أشرنا إليها سابقًا، وأنه قد يقول القائل: لماذا صارت عدة أحاديث الكتاب تزيد على الألفين بمائة وخمسة وتسعين حديثًا، بينما عدة أحاديث البخاري، على التحرير وبدون تكرار، فيما ذكره الحافظ ابن حجر ألفان وستمائة وحديثان، فنقَص من العِدَّة أكثر من أربعمائة حديث، أربعمائة وسبعة أحاديث، أين ذهبت هذه الأحاديث؟ قد يقول قائل إنها فاتت الزَّبيدي، فلا بد من استدراكها.

نقول: هي لم تفت الزبيدي في الحقيقة؛ لأن الزبيدي يعتني بالمتون بغض النظر عن الأسانيد، قد يكون الحديث بلفظ واحد مروي عن ابن عمر وابن عباس يعدُّه ابن حجر حديثين، بينما هو معدود في المختصَر حديث واحد، لأن المختصِر هِمَّته المتن دون ما تعارف عليه أهل الحديث واصطلحوا عليه من أنه إذا اختلف الصحابي فهو حديث آخر وإن اتحد المتن، لأن المختصِر جرَّد كتابه ليُحفَظ، ليكون أقل قدرًا، وعنايته وهمته بالمتون.

المقدم: أحسن الله إليكم، عند الحديث عن ترجمة الإمام البخاري، ذكرتم سعة علمه وغزارته، فلماذا لم يكن له مذهب كمذاهب الأئمة الأربعة، وما السبب في اختلافهم في نسبته إلى مذاهبهم؟

الإمام البخاري إمام -كما ذكرنا- مجتهد، اجتهاده مطلق، ولا ينتمي إلى أي مذهب، وإن ادعاه أرباب المذاهب وترجموه في طبقاتهم، لكن دل كتابه على أنه قد يوافق في مسألة مذهب أبي حنيفة، وفي مسألة أخرى مذهب مالك، وفي مسألة ثالثة مذهب الشافعي وأخرى مذهب أحمد وهكذا، إلا أن ميله إلى أهل الحديث أكثر كمالك وأحمد وإسحاق، لأنه يوافقهم في الأصل، في المأخذ، وكذلك الشافعي، ويشير إلى ما يقول به أهل الرأي من قوله: قال بعض الناس، وهو بعيد عن رأي أهل الرأي وعن اختياراتهم، وإن كان يوافقهم في بعض الأحيان لأنه مجتهد، لا يُلزَم باتباع مذهب معيَّن، ولم يلتزم بذلك، فهو إمام مجتهد، وغيره من الأئمة أيضًا، كإسحاق إمام مجتهد مطلق، الثوري إمام مجتهد مطلق، والطبري إمام مجتهد مطلق، ومع ذلكم ليس لهم أتباع، لأنه قد يشتهر الشخص بعلم من العلوم، فإذا اشتهر بعلم من العلوم غطى على غيره، فشهرة الإمام البخاري بالحديث غطت على كونه فقيهًا، والناس إنما يقلدون الفقهاء، عامة الناس إنما تقلد الفقهاء، فكون البخاري اشتهر بالحديث غطت على كونه فقيهًا فقيل حُسِب على المحدِّثين، ولم يحسب على الفقهاء. الإمام الطبري اشتهر بالتفسير مثلاً، فاتبعه من يعرفه من الطبقة الأولى من الأصحاب من أتباعه، والثانية، ثم انقرض مذهبه، عرف بأنه مفسِّر، وإن كان محدِّث، وفقيه بالدرجة الأولى، مثله بقية الأئمة.

فمن اعتنى بعلم، وفاق فيه -بالنسبة له- غيره من العلوم، فإن الناس ينظرون إليه من هذه الزاوية، وكذلك المفسِّر، ولو كان فقيهًا، يتجهون إلى الفقيه فيسألونه في الأحكام، وكذلك المحدث، والإمام أحمد أيضًا نُسِب إلى أهل الحديث وادُّعِيَ أنه ليس بفقيه، وابن عبد البر ألَّف كتابه الانتقاء ولم يترجِم للإمام أحمد من الفقهاء، بل عدَّه على المحدِّثين، ولكنه فقيه ومنزلته في الفقه كمنزلته في الحديث -رحمه الله ورضي عنه-.

المقدم: أحسن الله إليكم، إذًا يا مستمعي الكرام، بهذا، خصصنا هذه الحلقة لجملة من أسئلتكم واستفساراتكم التي وصلت، وأعدكم -بإذن الله- أن تكون هناك حلقات خاصة بهذا الموضوع فيما نستقبله من الوقت -بإذن الله تبارك وتعالى-. أذكركم في ختام هذه الحلقة بعنوان البرنامج: المملكة العربية السعودية، وزارة الإعلام، إذاعة القرآن الكريم، صندوق بريد 60059، الرياض 11545، أو على الفاكس: 4425544، ويشترط أن يذكر اسم البرنامج: شرح التجريد الصريح.

شكرًا لكم مستمعي الكرام، ألقاكم بإذنه تعالى في الحلقة القادمة وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.