شرح الموطأ - كتاب الأقضية (04)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

باب: القضاء فيمن هلك وله دين وعليه دين له فيه شاهد واحد.

قال يحيى: قال مالك في الرجل يهلك وله دين عليه شاهد واحد، وعليه دين للناس لهم فيه شاهد واحد، فيأبى ورثته أن يحلفوا على حقوقهم مع شاهدهم، قال: فإن الغرماء يحلفون ويأخذون حقوقهم، فإن فضل فضل لم يكن للورثة منه شيء، وذلك أن الأيمان عرضت عليهم قبل فتركوها إلا أن يقولوا: لم نعلم لصاحبنا فضلاً، ويعلم أنهم إنما تركوا الأيمان من أجل ذلك، فإني أرى أن يحلفوا ويأخذوا ما بقي بعد دينه.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله-:

باب: القضاء فيمن هلك وله دين

يعني: وله فيه شاهد واحد.

"وعليه دين له فيه شاهد واحد"

يعني أحد الطرفين متوفى ووراءه ورثة سواء كان دائناً أم مديناً ولا يوجد إلا شاهد واحد يشهد بهذا الدين، ومعلوم أن صاحب الدين إذا هلك فاليمين المتجهة إليه تتجه إلى ورثته؛ لأنهم يقومون مقامه.

"قال يحيى: قال مالك في الرجل يهلك وله دين" يموت وعليه دين، والعرف عند أهل العلم أنه إذا قيل: هلك، يعني في المواريث ما فيه إشكال يكثر، لكن إذا هلك فلان سواء كان من المعاصرين أو من المتقدمين في كتب التواريخ والتراجم إذا قيل: هلك فهو في الغالب غير مرضي السيرة، لا يقال في مرض السيرة: هلك، هذا عرف، وإن كان الهلاك يراد به الموت ولا فرق، {حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا} [(34) سورة غافر] وهو رسول من الرسل، وقيل فيه: هلك في القرآن، المقصود أن العرف عند أهل العلم لا سيما الذين يكتبون في التراجم وفي التواريخ لا يقولون: هلك، يقال الجهم: هلك، ورؤوس المبتدعة يقال لهم: هلك مثلاً، أو كافر يقال له: هلك، لكن عالم مرضي السيرة صحيح المعتقد يقال له: هلك؟ لا يعرف هذا عن أهل العلم, في الفرائض مستفيض عندهم أن يقال: هلك هالك كثير عندهم؛ لأنه مبهم لا يدرى من هو، لكن لو عندنا مثلاً في كتب التراجم يقال: هلك الشيخ فلان تستساغ أو لا تستساغ؟ هنا لا تستساغ؛ لأن العرف على خلافها، والناس إذا درجوا على شيء سواء كان من أهل العلم أو من العامة تنفر طباعهم عن مخالفته، يعني مثل هذا على سبيل الاستطراد الصلاة والسلام على غير الأنبياء، لا شك أن الناس تنفر منه هل تقدر أن تقول مثلاً: أبو بكر -صلى الله عليه وسلم-, أو عمر -صلى الله عليه وسلم-، هذا خلاف المتعارف عليه عند أهل العلم كما قرر ذلك ابن القيم، كما أنك لا تستطيع أن تقول: محمد -عز وجل- يعني وإن كان عزيزاً جليلاً، فلا تستطيع أن تقول هذا، فالعرف لا شك أن له اعتبار عند أهل العلم.

"قال مالك: في الرجل يهلك وله دين عليه شاهد واحد" تقدم أن القول بالشاهد مقبول إذا دعم باليمين وإلا بمفرده لا يكفي, {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ} [(282) سورة البقرة] هذا الأصل "عليه شاهد واحد وعليه دين للناس" الآن اليمين متعذرة لأنه ميت، "وعليه دين للناس، ولهم فيه شاهد واحد" دائن ومدين في الوقت نفسه، لهم فيه شاهد واحد، فيأبى الورثة أن يحلفوا على حقوقهم مع شاهدهم؛ لأنهم لم يحضروا الصفقة، وقد يكون كثيراً منهم لا علم له بهذا الدين، أما من له علم بهذا الدين فيحلف، لكن الذي لا يعرف حقيقة هذا الدين، ولم يشهد العقد له أن يحلف أو ليس له ذلك؟ نعم؟

طالب:.......

له وإلا ما له؟

طالب:.......

ليس له، الوارث الذي لا يعلم حقيقة الأمر ليس له، لكن لو سمع أباه يقول: إن لي دين عند فلان، مع اليمين يحلف أنه سمع أباه يقول كذا، وإذا رأى بخط أبيه الذي لا يشك فيه يعني وجادة أنه له بذمة فلان كذا يحلف عليه أنه خطه، لكن يكفي وإلا ما يكفي مع اليمين؟

طالب: لا يكفي.

لماذا لا يكفي؟

طالب: ليس شهادة صريحة....

لا، اليمين المتجهة على من له الدين، لو حلف هذا الوارث على الدين قبل يمينه مع الشاهد؛ لأنه يقوم مقام مورثه، لكن هو الآن يثبت على إدعاء أبيه أن له دين بذمة فلان، يحلف على هذا لأنه سمع أباه يدعي هذه الدعوى، أو رأى خط أبيه بهذه الدعوى، يعني له أن يحلف أن أباه كتب هذه الكتابة، أو أن أباه سمعه يقول كذا، أما أن يحلف أنه بذمة فلان لأبيه مبلغ كذا، وهو لم يشهد العقد، ولم يبلغه بطريق يجزم به مفيد للعلم حيث يحلف عليه فلا.

"ويأبى ورثته أن يحلفوا على حقوقهم مع شاهدهم، فقال: فإن الغرماء يحلفون ويأخذون حقوقهم، فإن فضل فضل لم يكن للورثة منه شيء" لماذا؟ فضل من أي شيء؟

طالب: بالإرث.

لماذا؟

طالب:.......

وراه.

طالب: لأنهم لم يثبتوا لأنفسهم...

الإرث ثابت لهم، أموال ودور وضياع، وله ديون لم يثبتوها، ديون ما حلفوا عليها إذاً لا تثبت لهم، وعليه ديون صفيت التركة فبلغت خمسمائة ألف، وعليه ديون جمعت، له دين بمائتي ألف وعليه ديون بمائتي ألف وما حلفوا إذاً هذه المائتين الألف تضيع، عليه ديون لغرماء لهم فيه شاهد واحد وحلفوا على ذلك يستحقون المائتين إذا تحسم من الخمسمائة، الثلاثمائة الباقية لهم أو ليست لهم

طالب: على كلام مالك ليست لهم....

لماذا ليست لهم؟ هل في من يدعيها؟ إذا قدرنا الآن التركة بخمسمائة ألف، وله ديون بمائتي ألف فيها شاهد واحد ورفض نكل الورثة عن اليمين، ما حلفوا، إذاً لا يثبت لهم الدين، الآن الورثة يدعون في مقام أبيهم مورثهم ألا تتجه اليمين على المدعى عليهم؟ الآن معنا شاهد ويمين، ما قامت البينة لإثبات الدعوى تتجه على المدعى عليه، إن حلف برئ، ما صار لهم شيء، هم في الوقت نفسه عليهم دعوى بمائتي ألف للغرماء فيها شاهد واحد، وحلف الغرماء أن بذمة فلان لنا مبلغ مائتي ألف ريال، إذا أخذت هاتان المائتان من الخمسمائة يفضل لهم ثلاثمائة ألف، هل هذه فيها إشكال أنها لهم؟ ليس فيها إشكال.

"فيأبى ورثته أن يحلفوا على حقوقهم مع شاهدهم، قال: فإن الغرماء يحلفون ويأخذون حقوقهم، فإن فضل فضل لم يكن للورثة منه شيء" كيف لم يكن للورثة منه شيء؟ "وذلك أن الأيمان عرضت عليهم قبل فتركوها إلا أن يقولوا: لم نعلم لصاحبنا فضلاً، ويعلم أنهم إنما تركوا الأيمان من أجل ذلك، فإني أرى أن يحلفوا ويأخذوا ما بقي بعد دينه" المسألة مفترضة فيما إذا جمعت الديون، وبلغت كما قلنا: مائتي ألف، وأعيان التركة الموجودات مائتي ألف، وله دين بمبلغ مائتي ألف راح عليهم؛ لأنهم رفضوا أن يحلفوا، وعليه دين بهذا المقدار لغرماء لهم به شاهد واحد، وحلف الغرماء مع هذا الشاهد يمين، واستحقوا المائتين، وظن الورثة أن هذا الدين استغرق التركة.

"وذلك أن الأيمان عرضت عليهم قبل فتركوها" اللهم إلا أن يقولوا: لم نعلم لصاحبنا...، إحنا ما درينا أن لصاحبنا عنده أكثر من مائتي ألف، لما أعادوا الحساب مرة ثانية وجدوا ثلاثمائة ألف يستحقون هذه المائة أو لا يستحقونها؟ عند مالك لا يستحقونها، لماذا؟ لأنهم نكلوا على اليمين، والأصل أن الدين يستغرق التركة، فإذا نكلوا عن اليمين لا يستحقون.

"إلا أن يقولوا: لم نعلم لصاحبنا فضلاً" ما درينا أن التركة أكثر من الديون، "ويُعلم أنهم إنما تركوا الأيمان من أجل ذلك" تركوا الأيمان باعتبار أنهم يخلصون منها لا لهم ولا عليهم "فإني أرى أن يحلفوا ويأخذوا ما بقي بعد دينه"

طالب:.......

لكن هل هذه الصورة واضحة وإلا ما هي بواضحة؟

طالب:.......

إيه ما هي بواضحة؛ لأن الحقوق محفوظة، التركة للورثة هذا الأصل، من الحقوق المتعلقة بالتركة الدين، وهو مقدم على الإرث، ومقدم على الوصية، فإذا انتزع هذا الدين فما بقي فهو للورثة، لم يوصِ فهو للورثة.

طالب:.......

يحلفوا على أنهم سمعوا أباهم يقول كذا، أو يحلفوا على أنهم وجدوا بخط أبيهم كذا, فالخط يورث غلبة ظن, والرواية بالوجادة عند أهل العلم لها شوب اتصال، ومن أهل العلم من يرى أنه إذا وجد بخط أبيه أنه يحلف عليه؛ لأنه يحلف على غلبة ظن، وغلبة الظن يحلف عليها، دليل ذلك قول الأعرابي الذي جامع في نهار رمضان: والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتنا، يعني هل هو استقرأ البيوت كلها؟ وعرف واقع الناس كلهم أن ما في المدينة أفقر منهم؟ أو غلبت على ظنه أنه هكذا فحلف؟ ولا ألزم بكفارة ولا نهي عن ذلك؟ فدل أن اليمين تجوز على غلبة الظن، فإذا وجد بخط أبيه الذي لا يشك فيه يحلف عليه عند جمع من أهل العلم؛ لأن اليمين تجوز على غلبة الظن.

طالب: معه مال....

لا المال الآن في وقت الدعوى انتقل منه إلى غيره، فلا بد أن يحلف صاحب المال الذي هو الوارث.

اللي بعده، الباب الذي بعده.

باب: القضاء في الدعوى

قال يحيى: قال مالك: عن جميل ابن عبد الرحمن المؤذن أنه كان يحضر عمر بن عبد العزيز، وهو يقضي بين الناس، فإذا جاء الرجل يدعي على الرجل حقاً نظر، فإن كانت بينهما مخالطة أو ملابسة أحلف الذي ادعي عليه، وإن لم يكن شيء من ذلك لم يحلف.

قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا أنه من ادعى على رجل بدعوى نظر، فإن كانت بينهما مخالطة أو ملابسة أحلف المدعى عليه، فإن حلف بطل ذلك الحق عنه، وإن أبى أن يحلف ورد اليمين على المدعي فحلف طالب الحق أخذ حقه.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: القضاء في الدعوى

يعني هل كل دعوى ينظر فيها؟ وكل شخص يدعي على آخر ينظر فيه؟ أو ليست كل دعوى تنظر؟ يعني بعض الناس لا يشق عليه أن يجر فلان، ولا يستحي من فلان ولا علان ويدعي، يقول: نجد لنا أحداً من أهل الورع إذا ادعينا عليه رفض يحلف، وأخذنا منه بعض الشيء، سواءً كان يعرفه أو لا يعرفه، فمثل هذا ينظر في كل ما يدعيه؟ أو لا بد أن يكون هناك قرينة تدل على قبول قول المدعي في الجملة يعني؟ له وجه يعني، يعني كل من ادعى يقبل قوله؟ نعم؟ الجادة ((شاهداك أو يمينه)) هذه قاعدة مطردة، لكن بعض الناس قد يوجد بعض اللئام من يقول: الدعوى ما تضر، إن ثبت شيء وإلا ما إحنا بخسرانين شيء، نمسك فلان أو علان، لا سيما يدور ناس أهل ورع وأهل دين، يشق عليهم ويصعب اليمين، أو أهل حياء مثلاً يشق عليه أن يمثل بين يدي قاضي، أو يتردد على محكمة، يقول: ما أنا بخسران شيء، عمر بن عبد العزيز ما ينظر في كل دعوى، إن كان بينهم..، عرف بينهم مخالطة ومعاملة قبلت الدعوى، وإلا إذا لم يكن أدنى علاقة ليش ينظر في الدعوى؟ يعني ولو في مقابل هذا الصنيع من أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- الخليفة الراشد، لو جعل الوالي ولي الأمر تعزير لمن يدعي على الناس وهو غير محق، لكن كيف يعرف أن هذا محق وذاك غير محق؟ لأنه قد يكون محقاً ولا يحضر بينة، ما يستطيع إحضار البينة وهو محق، لا شك أن هناك قرائن تدل على الصادق من الكاذب، والقضاة يعرفونها، فمثل من يدعي على الناس بشيء لا علاقة ولا ارتباط له به، مثل هذا لو يعزر ما هو ببعيد؛ لأن الناس أوقاتهم يجب حفظها عن الضياع، وأيضاً كراماتهم يجب أن تحفظ، إيش معنى أنه يجرجره إلى المحكمة متى ما أراد، وأخيراً يقول: إن كسبنا وإلا ما خسرنا شيء؟!

يقول: "قال يحيى: قال مالك: عن جميل بن عبد الرحمن المؤذن أنه كان يحضر عمر بن عبد العزيز وهو يقضي بين الناس، فإذا جاء الرجل يدعي على الرجل حقاً نظر -رحمه الله-، فإن كان بينهما مخالطة أو ملابسة" يعني بينهم معاملة وبينهم حساب "أحلف الذي ادعي عليه" يعني إذا أحضر بينة المدعي يحتاج أن يحلف الذي ادعي عليه؟ لا يحتاج، إذا كانت البينة ممن يثبت بشهادته الحق "أحلف الذي ادعي عليه" لأنه ليس للمدعي بينة "وإن لم يكن شيء من ذلك لم يحلفه" ما يحتاج، لا سيما إذا دلت القرائن على أنه كاذب، أو تكرر منه ذلك، أو اشتهر بين الناس بذلك، فإنه حينئذٍ لا يحلف المدعى عليه.

"قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا" يعني في المدينة "أنه من ادعى على رجل بدعوى نظر، فإن كانت بينهما مخالطة أو ملابسة أحلف المدعى عليه، فإن حلف بطل ذلك الحق عنه" لأنه لم يثبت حقه بالبينة، فاتجهت اليمين إلى المدعى عليه، وحلف حينئذٍ وبرئ "وإن أبى أن يحلف ورد اليمين على المدعي فحلف طالب الحق أخذ حقه" نعم؟

طالب:......

أي شاهد؟

طالب:......

ما عنده شاهد، المدعي ما عنده شاهد، ما عنده شاهد، اتجهت اليمين على المدعى عليه، نكل المدعى عليه عن اليمين، خلاص يقولون: ما في شيء انتهوا؟ أو ترد اليمين على المدعي؟ الإمام مالك -رحمه الله- قال: "ورد اليمين على المدعي فحلف طالب الحق أخذَ حقه" أخذَ حقه الذي ادعاه؛ لأن النكول مشعر بأن في الذمة شيء، يعني قد يكون المانع الورع، لكن قد يكون المانع منه أن في ذمته شيء، لكن ليس فيه بينة، فإذا نكل ردت اليمين على المدعي، وأخذ حقه، نعم.

أحسن الله إليك.

باب: القضاء في شهادة الصبيان

قال يحيى: قال مالك: عن هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير كان يقضي بشهادة الصبيان فيما بينهم من الجراح.

قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أن شهادة الصبيان تجوز فيما بينهم من الجراح، ولا تجوز على غيرهم، وإنما تجوز شهادتهم فيما بينهم من الجراح وحدها لا تجوز في غير ذلك، إذا كان ذلك قبل أن يتفرقوا أو يخببوا أو يعلموا، فإن افترقوا فلا شهادة لهم إلا أن يكونوا قد أشهدوا العدول على شهادتهم قبل أن يفترقوا.

باب: القضاء في شهادة الصبيان

الأصل في الشهادة والرواية أنها لا تقبل إلا من عدل، ومن شرط العدالة أن يكون قد بلغ الحلم، وعلى هذا فشهادة الصبي ورواية الصبي لا تجوز، لا تجوز شهادة الصبي، ولا رواية الصبي؛ لأنه ليس بمكلف، ولا شك أن التكليف يجعل عنده من الإحساس بالمؤاخذة ما يجعله يمتنع من الكذب في الرواية وفي الشهادة، لكن إذا عرف الصبي أنه غير مكلف ما يكتب عليه شيء ولو كذب، ما الذي يمنعه من الكذب؟ لا شيء يمنعه، ولذلك اشترط أهل العلم في الرواية والشهادة التكليف، لكن أحياناً قد يتجاوز عن بعض الشروط، فمن شرط قبول الشهادة الإسلام، تقبل شهادة الكافر في السفر كما في أواخر سورة المائدة، تقبل شهادته في الوصية على مثله، الصبي تقبل شهادته فيما يدور بين الصبيان، مما لا يوجد فيه كبار، يعني صبيان يلعبون في الشارع فرمى واحد حجر فأصاب آخر، من أين نأتي بشهود مقبولين كبار يثبت هذه الدعوة؟ ما في إلا منهم، لا يوجد شاهد إلا منهم قبل أن يتفرقوا، ففي مثل هذا إذا لم يوجد ما يُبين الحق إلا هذه الشهادة الناقصة فإنها تقبل قبل التفرق، والصبيان في الجملة إذا لم يلقنوا، أو يكونوا مثلاً في بيت عُرف بالتجاوز في الكلام، وفي تعليم الحيل مثلاً، فإنه في الجملة على الفطرة، أحياناً يخبرك الطفل بخبر تجزم أنه صحيح، لا يستطيع الطفل أن يحوك مثل هذه القصة، فإذا شهدوا في موقع الحادث قبل أن يتفرقوا، ولا يوجد من ينوء بهذه الشهادة غيرهم تقبل.

"قال يحيى: قال مالك: عن هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير كان يقضي بشهادة الصبيان فيما بينهم من الجراح" يعني لو لم تقبل شهادة الصبيان في هذا لضاع الحق.

"قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أن شهادة الصبيان تجوز فيما بينهم من الجراح، ولا تجوز على غيرهم" لا تجوز على الكبار "وإنما تجوز شهادتهم فيما بينهم من الجراح وحدها" ما يأتي طفل ويقول: إن فلان من الأطفال يطلب الآخر مبلغ كذا، لا تقبل شهادته في الأموال، وإنما تقبل في الجراح وحدها، لا تجوز في غير ذلك "إذا كان ذلك قبل أن يتفرقوا" لأنهم إذا تفرقوا أثر عليهم "أو يخببوا" يعني ولو لم يتفرقوا في مكان الحادث جاء كبير ووجد صبي قد ضرب بحجر فسال منه الدم، فسأل فإذا بولده أو بقريبه أو ولد صديقه هو الجاني فيما بين الصبيان إذا أخبروه بهذا، فقال لهم: لا ليس هو، وخببهم، وضيع الحق، ولقنهم أن يعدلوا عن شهادتهم "أو يعلموا" هذا بمعناه قريب منه "فإن افترقوا فلا شهادة لهم" لأن الأصل شرط الشهادة متخلف وهو التكليف، وإذا تفرقوا لا شك أنه يؤثر عليهم، أو ينسون ما حصل بالتحديد، ويشهدون بما لم يروه؛ لأنهم إذا تفرقوا ثم سار مجموعة من هؤلاء الصبية في طريق معين، فواحد اللي تحدث عليهم وقال: إن فلان ضرب فلان، فالبقية يسارعون في الشهادة أن فلان هو الضارب؛ لأنهم لا يتورعون عن مثل هذا لعدم التكليف "فإن افترقوا فلا شهادة لهم إلا أن يكونوا قد أشهدوا العدول على شهادتهم قبل أن يفترقوا" جاء واحد كبير أو اثنين وقالوا: ما الذي حصل؟ قالوا له: كذا، هذا الذي حصل، فهذا يضبط ويشهد على شهادتهم، وهذا الشهادة على الشهادة معروفة، نعم؟

طالب:......

إيش؟

طالب:......

أيوه.

طالب:......

يعني أنه علم طالب بالأسئلة مثلاً.

طالب:......

إيه، شهدوا عليه أن المدرس الفلاني علم الطلاب الطالب الفلاني بالأسئلة، أخبره بالأسئلة، تقبل وإلا ما تقبل؟ لأنهم متهمون، هم متهمون في هذا، الأمر الثاني: أنهم قد لا يضبطوا، قد يخبره بشيء آخر فيظنوا علمه بالأسئلة فلا تقبل شهادتهم، نعم؟

طالب:......

في الجراح فقط، الإمام مالك في الجراح فقط.

طالب:......

إيه لا تقبل الشهادة، والسبب واضح.

طالب:......

فقط، هو في الجراح بينهم، شهادة صبي على صبي.

طالب:......

كبير، نعم؟

طالب:......

لا، من وجوه ممنوعة الشهادة هنا.

طالب: أحسن الله إليك، كانوا يضربون على الشهادة في الصغر....؟

الظاهر أنهم يضربونهم على المنع منها، على المنع منها؛ لئلا يبادروا إليها، نعم؟

طالب:......

إذا كان المراد بالشهادة الشهادة على الحقوق، نعم.

باب: ما جاء في الحنث على منبر النبي -صلى الله عليه وسلم-

قال يحيى: حدثنا مالك عن هشام بن هشام بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن نسطاس عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حلف على منبري آثماً تبوأ مقعده من النار)).

وحدثني مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن معبد بن كعب السلمي عن أخيه عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري عن أبي أمامة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة، وأوجب له النار)) قالوا: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: ((وإن كان قضيباً من أراك، وإن كان قضيباً من أراك، وإن كان قضيباً من أراك)) قالها ثلاث مرات.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: ما جاء في الحنث على منبر النبي -صلى الله عليه وسلم-

والمراد الحلف على عند المنبر، ومعلوم أن ما بين المنبر والبيت روضة من رياض الجنة، فهذا المكان معظم شرعاً، فإذا حلف كاذباً في هذا المكان المعظم شرعاً لا شك أن الإثم يزداد بشرف المكان وشرف الزمان.

"قال يحيى: حدثنا مالك عن هشام بن هشام بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن نسطاس عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حلف على منبري آثماً –يعني كاذباً- تبوأ مقعده من النار))".

((من حلف على منبري)) الأصل أنه يكون عالياً صاعداً المنبر، العلو والصعود، لكن الشراح حملوه على أنه عند المنبر؛ لأن المقصود البقعة لا المنبر ذاته، ((تبوأ مقعده من النار)) يعني اتخذه وهيأه له، هذا وعيد شديد فيمن حلف على شيء يقتطع به مال امرئ مسلم كاذباً، فإذا انضاف إلى ذلك شرف المكان أو شرف الزمان يعني في رمضان في ليالي العشر في عشر ذي الحجة كل هذا أمره عظيم.

"وحدثني مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن معبد بن كعب السلمي" سلَمي نسبة إلى بني سلِِمة بكسر اللام، فإذا كانت اللام أو الحرف الثاني من الكلمة مكسور فتح في النسب، سلِِمة سلَمي، نمِرة، نمَري، ملِك ملَكي، ما تقول: ملِكي؛ لأن بعض الناس حتى الآن يقول: صاحب السمو الملِكي، يعني نسبة إلى الملِك لا إلى الملَك، ملِكي، نقول: لا يا أخي الجادة والقاعدة أنه إذا كان الحرف الثاني مكسور فتح في النسب، تقول: ملَكي، ما في ما يمنع أبداً، بل هذا هو الأصل، سلِِمة سلَمي، نمِرة، نمَري، أبو عمر بن عبد البر النمَري، فيُفتح.

"عن أخيه عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري عن أبي أمامة" أبو أمامة اسمه؟ صدي بن عجلان "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة، وأوجب له النار))" هذا إذا كانت اليمين غموس، يحلف على يمين كاذباً يقتطع به حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة، وأوجب له النار، حتى أن أهل العلم يقولون: إن اليمين الغموس لا كفارة لها، لا تلزمه كفارة كما تلزم في اليمين التي لا يقتطع به حق امرئ مسلم.

"قالوا: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: ((وإن كان قضيباً من أراك))" يعني السواك، هذا قضيب من أراك، يعني غصناً مقطوعاً من شجر الأراك، الذي يؤخذ منه السُوُك ((وإن كان قضيباً من أراك، وإن كان قضيباً من أراك، وإن كان قضيباً من أراك)) قالها ثلاث مرات.

وهذا للتشديد والتشنيع من هذا الفعل والتنفير منه، فكيف إذا كان أعلى من ذلك؟!

طالب:......

غيره، سلَمة، وسُليم، وسلِمة، إذا كان من بني سلِمة قيل: سلَمة، إذا كان من بني سُليم نعم سُلمي، نعم اقرأ، خلونا نأخذ هذا.

طالب:......

كيف؟

طالب:......

كل شيء يعظم لا شك أنه تجب هيبته، وتعظم عقوبة المخالف عنده، نعم.

أحسن الله إليك.

باب: جامع ما جاء في اليمين على المنبر

قال يحيى: قال مالك: عن داود بن الحصين أنه سمع أبا غطفان بن طريف المري يقول: اختصم زيد بن ثابت الأنصاري وابن مطيع في دار كانت بينهما إلى مروان بن الحكم، وهو أمير على المدينة، فقضى مروان على زيد بن ثابت باليمين على المنبر، فقال زيد بن ثابت: أحلف له مكاني، قال: فقال مروان: لا والله إلا عند مقاطع الحقوق، قال: فجعل زيد بن ثابت يحلف أن حقه لحق، ويأبى أن يحلف على المنبر، قال: فجعل مروان بن الحكم يعجب من ذلك.

قال مالك: لا أرى أن يحلف أحد على المنبر على أقل من ربع دينار، وذلك ثلاثة دراهم.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: جامع ما جاء في اليمين على المنبر

الذي سبق التحذير منه في الباب السابق.

"قال يحيى: قال مالك: عن داود بن الحصين أنه سمع أبا غطفان بن طريف المُري" المري نسبة إلى بني مرة الذين تكثر فيهم القافة "يقال: اختصم زيد بن ثابت الأنصاري وابن مطيع في دار كانت بينهما" كل يدعيها، والظاهر أن المدعي ابن مطيع وليست لديه بينة فاتجه اليمين إلى زيد، هذا الذي يظهر من الدعوى، "إلى مروان بن الحكم، وهو أمير على المدينة، فقضى مروان على زيد بن ثابت باليمين على المنبر" لأن ابن مطيع هو المدعي وليست لديه بينة "فقضى مروان على زيد بن ثابت باليمين على المنبر، فقال زيد بن ثابت: أحلف مكاني" التعظيم لله -جل وعلا- في كل مكان، فلا داعي أن أحلف على المنبر "أحلف له مكاني" هيبة من هذا المكان المعظم المقدس شرعاً "أحلف له مكاني، فقال مروان: لا والله إلا عند مقاطع الحقوق" مقاطع الحقوق: يعني التي يقطع بها، ويحكم بواسطتها "قال: فجعل زيد بن ثابت يحلف أن حقه لحق" ويحتمل أن يكون المدعي زيد بن ثابت وليست لديه بينة فاتجهت اليمين على ابن مطيع فنكل فردت اليمين إلى زيد، "فجعل زيد يحلف أن حقه لحق" يعني دعواه ثابتة "ويأبى أن يحلف على المنبر، قال: فجعل مروان بن الحكم يعجب من ذلك" يعني كيف يحلف على الأرض ولا يحلف على المنبر؟! أو يحلف في مكانه الذي هو بعيد عن المنبر ويأبى أن يحلف عند المنبر عند من يقول: إن معنى (على) بمعنى (عند) يعجب من ذلك.

"قال مالك: لا أرى أن يحلف أحد على المنبر" يعني ما يحتاج أن تأتي بشخص إلى المسجد، وتضع المصحف بين يديه، وفي عصر جمعة وتقول له: احلف، على شيء تافه يسير "لا أرى أن يحلف أحد على المنبر على أقل من ربع دينار" لأنه نصاب السرقة "وهو ثلاثة دراهم" فأقل من نصاب السرقة شيء تافه؛ لقول عائشة: "كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه" فدل على أن ما دون ربع دينار شيء ثابت، ينبغي أن تصان اليمين عنه في الجملة، فكيف إذا اقترن بها ما يعظمها؟!

باقي أبواب في الرهن متتابعة.

يقول: يكثر في أيام الدراسة بمختلف المراحل أن يستعير الطلاب من بعضهم بعض أقلام أو أدوات أو أشياء يسيرة، وربما افترقوا ولم تعد هذه الأشياء، وربما نسي المعير والمستعير أمثال هذه الأمور اليسيرة تحدث كثيراً، وقد يتعذر ردها أو أداؤها للنسيان، والفرقة بين الأصدقاء، وتنائي الديار.

يعني بعد نهاية الدراسة كل واحد من هؤلاء الطلاب يذهب إلى بلده، وتنسى هذه الأمور، لا شك أن الورع أن يخرج من عهدتها بيقين، لا بد أن ترد إلى أهلها، أو يتصدق بأقيامها، أو بها على نية ثوابها لأهلها.

يقول: ما حكم كتابة الاسم على القبر لمعرفته عند زيارته؟

الكتابة لا تجوز على القبور.

ما هو المذهب الزيدي في الفقه؟

نعم؟

طالب:......

كيف؟

طالب:......

المقصود أنه لا يجعل له شيء يميزه عن غيره إلا بقدر ما يعرف به، يعني ما يميز بشيء يدل على تعظيمه عند من وضع هذه العلامة، وضع شيء يسير، أو حجر يسير تميزه، أو علامة تدل عليه، ولا يرفع ولا شيء، الأمر سهل -إن شاء الله-، لكن لا يسترسل في هذا، نعم؟

طالب:......

يكتبها على إيش؟ على لوح خام؟

طالب:......

اسم الميت على اللوح رخام.

طالب:......

لا، لا.

طالب:......

هاه؟

طالب:......

الكتابة يمنعها أهل العلم، الكتابة بجميع صورها وأشكالها، لكن يضعون علامات أشياء تدل على أصحابها، جرت العادة أن كل قبيلة، أو كل عائلة، أو كل أسرة لهم علامة تدل عليهم، يسمونه عندنا وسم، مثل وسم إبل الصدقة وغيرها، توضع هذه العلامة على القبر، ويعرف بها، وكونه يجهل أسهل من كونه يتعدى فيه الحد المشروع، نعم؟

طالب:......

أرقام؟ شوف هم بادين يكتبون على السور أرقام، يعني مقابل هذا الممتد في مقابل هذا الرقم معروف أن قريبك رقم خمسة وأربعين في امتداده، وأنت تعرف تعد كم واحد حتى تصل إلى قريبك، ثم بعد ذلك مسحوها، لا شك أن هذه أمور محدثة ينبغي ألا تكون، والجهل بالميت خير من أن يتعدى المشروع، كونه ما يعرف بالكلية، ويدعى له ولو لم يوقف عليه أسهل بكثير من أن يتعدى المشروع، وهذا الموضوع في غاية الحساسية؛ لأنه وسيلة إلى الغلو، وحماية جناب التوحيد مهمة جداً، سد الذرائع الموصلة للغلو والشرك أمر لا بد منه، ووقع في يدي كتاب اسمه: (إحياء المقبور في استحباب بناء المساجد والمشاهد على القبور) وكتبه شخص له عناية بالحديث، لكنه مع ذلك في باب الاعتقاد مخرف، عنده شطحات عظيمة يعني يميل مع التصوف المغرق الذي يدعو فيه الأولياء إلى الرفض الكامل -نسأل الله السلامة والعافية-، ومع ذلك هو معدود من أهل الحديث، فالحديث إن لم يكن معه توفيق من الله -جل وعلا-، واتخذ صنعة ومهنة، وبني لا على أساس ثابت من كتاب وسنة فإنه لا ينفع صاحبه.

طالب:......

هاه؟

طالب:......

ويش هو؟

طالب:......

تكفي جنسيته، مغربي، وفي البداية تساءل قال: هل يستحب البناية على القبور كما دل على ذلك إجماع الأمة سلفاً وخلفاً؟ أو يمنع ذلك بناءً على مذهب خوارج القرن الثالث عشر؟ لأئمة الدعوة الشيخ محمد ومن يقول بقوله، الذين لما دخلوا المدينة ومكة هدموا القباب على قبور الصالحين، وأما بلادهم -يعني نجد- فليس فيها ولي ولا صالح ولا عالم ولا زاهد يستحق أن يبنى عليه قبة، وهذا الشخص نفسه على تلخيص كتاب الاستغاثة لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مسح الإسلام وكتب الكفار، يعني شيخ الكفار، ما هو بشيخ الإسلام -نسأل الله السلامة والعافية- نعوذ بالله من الزيغ والضلال.

طالب:......

يعني كونه يقرب منه، ويسلم عليه، ويأنس بذلك ما دلت على ذلك الأخبار الكثيرة من رؤى وغيرها، أهل العلم يقولون: إنه يحس بذلك ويشعر به، على وجهٍ لا على مثل إحساس الحي؛ لأنه فارقت روحه جسده، المقصود أن القرب منه طيب، والدعاء له، والسلام عليه، وتأنيسه، يعني هناك وقائع دلت على شيء من هذا، وإن لم...، وإن دعي له من بعد فالأمر سهل.

طالب:......

لا، آثار، أكثرها آثار.

طالب:......

يستقبل وجهه ويقال: السلام عليكم يا أبا فلان، أو يا والدي، أو يا والدتي.

طالب:......

هاه؟

طالب:......

لا، لا.

طالب:......

وين؟

طالب:......

يستقبل يجعل القبلة خلفه، ثم بعد ذلك إذا أراد أن يدعو له استقبل القبلة.

 

اللهم صل على محمد....