التعليق على الموافقات (1430) - 04

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

طالب: أحسن الله إليك.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

 في تمام "المسألة العاشرة" يقول الإمام العلامة الشاطبي -رحمه الله تعالى-: "وتمام العشرين: الاجتباء، فقال تعالى في الأنبياء -عليهم السلام-: {وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 87]، وفي الأمة: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وفي الحديث: أنه -عليه الصلاة والسلام- مصطفى من الخلق، وقال في الأمة: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32]".

والاجتباء والاصطفاء بمعنى واحد؛ ولذا جعلهما في قسم واحد. الاجتباء والاصطفاء بمعنى، هو يريد أن يقرر إتمامًا لما سبق أن الأمة لها نصيب مما خُص بها نبيها من بين سائر الأنبياء، إلا ما دل الدليل على اختصاصه به دون أمته.

طالب: "والحادي والعشرون: التسليم من الله، ففي أحاديث إقراء السلام من الله تعالى على نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وقال تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59]، {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 54]".

يعني على سبيل العموم، ثم جاء على سبيل الخصوص ما يخص خديجة -رضي الله عنها وأرضاها-.

طالب: "وقال جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام- في خديجة: «اقرأ عليها السلام من ربها ومني».

والثاني والعشرون: التثبيت عند توقع التفلت البشري، قال تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً} [الإسراء: 74]".

يعني تفلت النفس على صاحبها، الله -جل وعلا- ثبت نبيه وثبت الذين آمنوا.

طالب: "وفي الأمة: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27].

والثالث والعشرون: العطاء من غير مِنة، قال تعالى: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ} [القلم: 3]، وقال في الأمة: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 6]".

يعني من غير منة تتبع هذا العطاء، وفي القول الآخر أن المراد بالـ{مَمْنُونٍ}: المقطوع، يعني عطاء دائم لا ينتهي ولا ينقطع، فأجر النبي -عليه الصلاة والسلام- غير مقطوع، وكذلك أجر الأمة يجري عليها أجرها من غير انقطاع. والمراد قلنا من غير انقطاع، فالمراد ثوابه أو ما كانوا سببًا فيه، وأما المعلوم أنه إذا مات ابن آدم الإنسان انقطع عمله انقطع أجره إلا ما كان سببًا فيه.

طالب: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا...} [إبراهيم: 27].......

{فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27]. نعم.

طالب: "والرابع والعشرون: تيسير القرآن عليهم، قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 17 - 19]، قال ابن عباس: علينا أن نجمعه في صدرك، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَه} [القيامة: 19] علينا أن نبينه على لسانك. وفي الأمة: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17]".

في القرآن يَسر الله حفظه على نبيه -عليه الصلاة والسلام- بعد أن كان يعاني من التنزيل شدة، ثم يسَّره الله عليه، ثم يسَّره على أمته: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [القمر: 17].

طالب: "والخامس والعشرون: جعل (السلام عليكم) مشروعًا في الصلاة؛ إذ يقال في التشهد: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين»".

كما أن السلام مشروع على النبي -عليه الصلاة والسلام-، يُشرع على أن يسلم المصلي على نفسه وعلى غيره من عباد الله الصالحين.

طالب: "والسادس والعشرون: أنه سمى نبيه -عليه السلام- بجملة من أسمائه كالرءوف الرحيم، وللأمة نحو المؤمن والخبير والعليم والحكيم".

يعني من الأسماء المشتركة التي لا يختص بها إلا الله -جل وعلا- كلفظ الجلالة والرحمن، أما الأسماء المشتركة بين الخالق والمخلوق يشترك فيها الله -جل وعلا- والنبي -عليه الصلاة والسلام- والأمة: رءوف، رحيم، كريم، عليم، خبير، حكيم، هذه من أسماء الله الحسنى، وهي أيضًا تنطبق عليه -عليه الصلاة والسلام- وعلى من اتصف بها من أمته.

طالب: "والسابع والعشرون: أمر الله تعالى بالطاعة لهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ} [النساء: 59]".

وهذه الأوجه التي ذكرها قد لا تكون حاصلة لجميع الأمة؛ إنما لبعضهم ممن اتصف بها دون ما سواها، فمن المسلمين من هو مؤمن، ومنهم من لا يستحق الإطلاق، إنما هو مسلم، ومنهم الخبير، ومنهم من لا يستحق هذه التسمية، ومنهم من هو عليم، ومنهم العامي الذي لا يستحق أن يوصف بالعلم، وكذلك الحكيم بالأمة من هو حكيم، وهؤلاء هم الأقل، ومن عداهم لا يستحق الوصف بأنه حكيم، وكذلك الطاعة: الطاعة ليست لكل الأمة، وإنما هي لأولي الأمر من الأمراء والعلماء.

طالب: أحسن الله إليك، من الأسماء.......

نعم.

طالب: يوصف بها المخلوق أم تعرف بأل......

جاء وصف الرسول -عليه الصلاة والسلام- بالرءوف الرحيم تعريف أم تنكير؟

طالب: نكرة.

نكرة.

طالب: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].

خلاص ما فيه إشكال.

طالب: "وهم الأمراء والعلماء، وفي الحديث".

لكن لو أن شخصًا تسمى بشيء من هذه الأسماء، وادعى أنه مستحق له، يعني الحَكَم، أنكر النبي -عليه الصلاة والسلام- تسميته بالحكم، لماذا؟

لأنه استحضر المعنى الذي هو من خصائص الربوبية، وكذلك الحكيم لو استحضر المعنى؛ إنما مجرد تسمية واتصافه بشيء من الحكمة، لا المراد الحكمة المطلقة التي تقتضيها (ال) الجنسية؛ فهذه لا يستحقها المخلوق.

طالب: "وفي الحديث: «من أطاع أميري فقد أطاعني»، وقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]".

يوجد عندك رقم اثنين في الحاشية: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]؟

طالب: في الحاشية: أخرجه البخاري.

{وَمَنْ تَوَلَّى} [النساء: 80]؟

طالب: لا، في الحاشية عندي أخرجه البخاري، كأنه قطعة من حديث.

حديث أم آية؟

طالب: هو آية، آية في النساء.

نعم؟

طالب: آية النساء.

نعم، آية، لكن لما ذكر الآية خرجه من البخاري على أنه حديث، وقال في الذي قبله: هو قطعة من الحديث الآتي. ولو أراده حديثًا لساقه مساقًا واحدًا: «من أطاعني فقد أطاع الله»، و«من أطاع أميري فقد أطاعني»، ساقه مساقًا صار حديثًا. لكن يقتطع منه ما يتفق مع الآية بحروفها، وإلا فالحديث ليس بهذا اللفظ أيضًا: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]. نعم.

طالب: "والثامن والعشرون: الخطاب الوارد مورد الشفقة والحنان، كقوله تعالى: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 1، 2]، وقوله: {فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ} [الأعراف: 2]، {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48]. وفي الأمة: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] الآية، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]، {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]".

هذه كلها سواء ما يتعلق بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أو بأمته، كلها من خطاب الشفقة على الرسول -عليه الصلاة والسلام- وعلى أمته، وهذا مما تشترك فيه الأمة مع نبيها -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان استحقاقه لهذه الشفقة أكثر.

طالب: "والتاسع والعشرون: العصمة من الضلال بعد الهدى، وغير ذلك من وجوه الحفظ العامة".

أما بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- فهذا أمر مجمع عليه، وأما بالنسبة لما يتعلق بالأمة فالمراد بمجموعها لا بالنظر إلى أفرادها.

طالب: "فالنبي قد عصمه الله تعالى من ذلك كله، وجاء في الأمة: «لا تجتمع أمتي على ضلالة»".

هذا الحديث بهذا اللفظ ضعيف عند أهل العلم، ومفرداته لا تسلم من مقال، وإن كان مفاده ومحتواه صحيحًا متفقًا عليه: أن الأمة لا يمكن أن تفرط بشيء من دينها أو أن تدعي شيئًا ليس منه منه.

طالب: "وجاء: «احفظ الله يحفظك»".

هذا وإن كان خطابًا لمفرد، إلا أن المراد به الجميع. هذا الخطاب موجه لابن عباس، لكن في معناه جميع الأمة.

طالب: "وفي القرآن: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82، 83]، تفسيره في قوله: «لا تجتمع أمتي على ضلالة»".

لأنه لا يستطيع إغواء الأمة بكاملها، ولذا استثنى، ما قال: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82] وسكت، استثنى العباد المخلصين؛ مما يدل على أنه لا يستطيع إغواء الأمة بكاملها.

طالب: "وفي قوله: «وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها»".

يعني تتنافسوا بهذه الدنيا، كما تنافست الأمم السابقة، فتهلك هذه الأمة، كما أهلكت من قبلها. نعم.

طالب: "وتمام الثلاثين: إمامة الأنبياء، ففي حديث الإسراء أنه -عليه الصلاة والسلام- أمَّ بالأنبياء، قال: «وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فحانت الصلاة فأممتهم»،
وفي حديث نزول عيسى -عليه السلام- إلى الأرض في آخر الزمان: «إن إمام هذه الأمة منها، وإنه يصلي مؤتمًّا بإمامها»"
.

فثبت أن من هذه الأمة من يؤم نبيًّا، كما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمَّ الأنبياء.

طالب: وحتى.....

طالب:....... صلاة النبي .

الأنبياء نعم.

طالب:.........

المقصود أنهم صلوا خلفه.

طالب:.........

ما يلزم أن تكون صلاة مفروضة.

طالب: "ومن تتبع الشريعة وجد من هذا كثيرًا، مجموعه يدل على أن أمته تقتبس منه خيرات وبركات، وترث أوصافًا وأحوالاً موهوبةً من الله تعالى ومكتسبةً".

ويكون هذا ببركة اتباعها للنبي -عليه الصلاة والسلام-، لا بمجرد الانتساب إليه من غير اتباع.

طالب: "والحمد لله على ذلك.

فصل: وهذا الأصل ينبني عليه قواعد منها:

أن جميع ما أُعطيته هذه الأمة من المزايا والكرامات والمكاشفات والتأييدات وغيرها من الفضائل، إنما هي مقتبسة من مشكاة نبينا -عليه الصلاة والسلام-، لكن على مقدار الاتباع".

نعم. يحصل للمسلم وللمؤمن وللولي من هذه الأمور بقدر اتباعه للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ويكون إرثه من هذه الأمور بقدر إرثه من اتباعه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا مطرد، تجد العالم العامل المخلص ورث من النبي -عليه الصلاة والسلام- أمورًا كثيرة على رأسها العلم والعمل، ثم بعد ذلك ما يتبعه من صيانة الأمة بسببه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]، وهذا ملاحظ.

 يعني إذا وُجد العالم العامل الرباني تجد أن الله -جل وعلا- يدفع عن الأمة بسببه الشيء الكثير، وتجد الهيبة في قلوب الناس والرعب في قلوب الناس لهذا العالم بقدر علمه وعمله، وإن كان في تركيبه سمحًا سهلًا لينًا ليس بفظ ولا غليظ، تجد الناس يهابونه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نُصر بالرعب، ووُراثه كذلك، وأدركنا من هذا النوع من يأتي ليسأل الأسئلة الكثيرة ثم ينساها، إن سأل سؤالًا أو سؤالين نسي الباقي، كله من هيبة هذا العالم الذي بسط نفسه للناس، وتلطف بهم، وتحبب إليهم، ومع ذلك يهاب بقدر إرثه من النبي -عليه الصلاة والسلام- من علم وعمل.

 وكذلك الكرامات للأولياء، لكنهم بقدر ما يُحتاج إليه، قد يحتاج إلى الكرامة بنفسه ليُثبَّت، وقد يحتاج الكرامة لغيره؛ ليُتبع، وقد يكون من أعبد الناس وأعلمهم، ولا يحصل له شيء من الكرامات؛ لعدم احتياجه إلى ذلك، وليس معنى هذا أن فلانًا حصل له كرامة أنه أفضل من غيره ممن لم تحصل له كرامة، وإنما الكرامة يجريها الله -جل وعلا- على يد ولي من أوليائه؛ لاحتياجه إلى ذلك، إما احتياجه لتثبيت نفسه أو دعوة غيره.

طالب: أحسن الله إليك، النصر بالرعب في مسيرة شهر، كيف يكون ميراث هذه الأمة يعني هل بمقياس قوة معتقدات الجيوش....... والإمام؟

بلا شك، حتى قدوتهم ومقدمهم وعلماؤهم إذا كانوا على هذا المستوى لا شك أنهم يكون لهم نصيب من هذا.

طالب: "فلا يظن ظانّ أنه حصل على خير بدون وساطة نبوته -عليه الصلاة والسلام-، كيف وهو السراج المنير الذي يستضيء به الجميع، والعَلَم الأعلى الذي به يهتدي في سلوك الطريق. ولعل قائلاً يقول: قد ظهرت على أيدي الأمة أمور لم تظهر على يدي النبي ، ولا سيما الخواص التي اختص بها بعضهم، كفرار الشيطان من ظل عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-، وقد نازع النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- في صلاته الشيطان، وقال لعمر: «ما سلكت فجًّا إلا سلك الشيطان فجًّا غير فجك»".

يعني ما جاء مثل هذا في النبي -عليه الصلاة والسلام- أن الشيطان يفر إذا لقيه يفر وأنه يفر من ظله، الشيطان تفلت على النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته، لكن يقال: عمر- رضي الله تعالى عنه- هو وجميع أعماله وما أنتج هذه الكرامات إلا اتباعه للنبي -عليه الصلاة والسلام- فهو حسنة من حسناته. الأسباب لا شك أنها لها أثرها، يعني لو أن إنسانًا اخترع آلة، وهذه الآلة تنتج أشياء كثيرة يُنتفع بها، هل نقول: إن هذه الآلة أنفع من فلان الذي اخترعها؟ لولاه ما وُجدت هذه الآلة، فهي حسنة من حسناته؛ لأنه اخترع آلات كثيرة. هذا على سبيل التقريب، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي دل الأمة على الهدى، وله أجر كل من فعل من هذا الهدى «من دل على خير فله مثل أجر فاعله».

طالب: "وجاء في عثمان بن عفان -رضي الله عنه-: «أن ملائكة السماء تستحي منه»، ولم يرد مثل هذا بالنسبة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
وجاء في أسيد بن حضير وعباد بن بشر: «أنهما خرجا من عند رسول الله
في ليلة مظلمة، فإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا، فافترق النور معهما»، ولم يُؤثر مثل ذلك عنه- عليه الصلاة والسلام-... إلى غير ذلك من المنقولات عن الصحابة ومن بعدهم، مما لم يُنقل أنه ظهر مثله على يد النبي . فيقال: كل ما نُقل عن الأولياء أو العلماء أو يُنقل إلى يوم القيامة من الأحوال والخوارق والعلوم والفهوم وغيرها، فهي أفراد وجزئيات داخلة تحت كليات ما نُقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، غير أفراد الجنس وجزئيات الكلي قد تختص بأوصاف تليق بالجزئي من حيث هو جزئي، وإن لم يتصف بها الكلي من جهة ما هو كلي، ولا يدل ذلك على أن للجزئي مزية على الكلي، ولا أن ذلك في الجزئي خاص به لا تعلُّق له بالكلي، كيف والجزئي لا يكون كليًّا إلا بجزئي؟".

نعم. ما سمي كُلي إلا لأنه له جزئيات، لا يمكن أن يسمى شيئًا ليست له جزئيات: كلي، كلي لا بد أن تكون له جزئيات، والجزئيات لا بد لها أن تنضوي تحت كلي.

طالب: "إذ هو من حقيقته وداخل في ماهيته، فكذلك الأوصاف الظاهرة على الأمة لم تظهر إلا من جهة النبي ، فهي كالأنموذج من أوصافه -عليه الصلاة والسلام- وكراماته. والدليل على صحة ذلك أن شيئًا منها لا يحصل إلا على مقدار الاتباع والاقتداء به، ولو كانت ظاهرةً للأمة على فرض الاختصاص بها والاستقلال".

لكن قد يقول قائل: إن هذه الكرامات حصلت لأناس من التابعين أكثر مما حصل في عهد الصحابة، وحصل من الكرامات ممن بعد التابعين أكثر مما حصل لبعض التابعين؟ ومرد ذلك إلى الحاجة، يعني في عصر الصحابة لا يكون بحاجة إلى مثل هذا التثبيت، ومن بعدهم أقوى ممن بعدهم فلم يحتاجوا إلى شيء من هذا التثبيت؛ لأن الكرامات تثبيت لصاحبها أو لمن أراد صاحبها دعوته.

طالب: "والدليل على صحة ذلك أن شيئًا منها لا يحصل إلا على مقدار الاتباع والاقتداء به، ولو كانت ظاهرة للأمة على فرض الاختصاص بها والاستقلال لم تكن المتابعة شرطًا فيها، ويتبين هذا بالمثال المذكور في شأن عمر. ألا ترى أن خاصيته المذكورة هي هروب الشيطان منه، وذلك حفظ من الوقوع في حبائله وحمله إياه على المعاصي، وأنت تعلم أن الحفظ التام المطلق العام خاصية الرسول ؛ إذ كان معصومًا عن الكبائر والصغائر على العموم والإطلاق، ولا حاجة إلى تقرير هذا المعنى هنا، فتلك النقطة الخاصة بعمر من هذا البحر. وأيضًا، فإن فرار الشيطان أو بُعده من الإنسان إنما المقصود منه الحفظ من غير زيادة، وقد زادت مزية النبي فيه خواص؛ منها: أنه -عليه الصلاة والسلام- أقدره الله على تمكنه من الشيطان، حتى هَم أن يربطه إلى سارية المسجد ثم تذكر قول سليمان- عليه السلام-: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]، ولم يقدر عمر على شيء من ذلك".

ولذا يقال: إن الإفادة من الشياطين إنما هي من خواص سليمان -عليه السلام-، فلا يجوز لأحد أن يدعي أنه يستفيد منهم، وأن يطلب منهم الخدمة فيخدموه أو يستعلمهم عن شيء فيخبروه؛ هذا من خواص سليمان -عليه السلام-، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أراد أن يربط الجني الشيطان قال: «تذكرت دعوة أخي سليمان».

طالب: "ومنها: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اطلع على ذلك من نفسه ومن عمر ولم يطلع عمر على شيء منه".

يعني ما قال عمر إن الشيطان يفر مني، ما اطلع على ذلك؛ إنما الذي أطلعه على ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: "ومنها: أنه -عليه الصلاة والسلام- كان آمنًا من نزعات الشيطان وإن قرب منه، وعمر لم يكن آمنًا وإن بعُد عنه. وأما منقبة عثمان، فلم يرد ما يعارضها بالنسبة إلى النبي ، بل نقول: هو أولى بها، وإن لم يذكرها عن نفسه؛ إذ لا يلزم من عدم ذكرها عدمها. وأيضًا، فإن ذلك لعثمان لخاصية كانت فيه وهي شدة حيائه، وقد كان النبي أشد الناس حياءً، وأشد حياء من العذارء في خدرها، فإذا كان الحياء أصلها، فالنبي -عليه الصلاة والسلام-".

فإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أشد الناس حياء فهو أشد حياء من عثمان، إن كانت الملائكة تستحي من عثمان لشدة حيائه، فاستحياؤها من النبي -عليه الصلاة والسلام- أشد. نعم.

طالب: "فإذا كان الحياء أصلها فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي حواه على الكمال. وعلى هذا الترتيب يجري القول في أُسيد وصاحبه؛ لأن المقصود بذلك الإضاءة حتى يمكن المشي في الطريق ليلاً بلا كلفة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكن الظلام يَحجب بصره، بل كان يرى في الظلمة كما يرى في الضوء، بل كان لا يحجب بصره ما هو أكثف من حجاب الظلمة، فكان يرى من خلفه كما يرى من أمامه، وهذا أبلغ".

نعم. أما كونه "يرى في الظلمة كما يرى في الضوء"، فهذا من طرق ضعيفة لا تسلم من قادح، فالخبر ضعيف. وكونه "يرى من خلفه كما يرى من أمامه"؛ هذا في الصلاة ثابت في الصحيح، ولا يعني أن هذا مطرد.

طالب: "حيث كانت الخارقة في نفس البصر لا في المُبصَر به، على أن ذلك إنما كان من معجزات النبي".

"المُبصَر به": النور والظلمة، النور وسيلة للإبصار، والظلمة وسيلة لتغطية المُبصَر، وهذا "المُبصَر به" أمره أخف من أن يكون الخارق في البصر في نفس البصر، يعني أعمى فجأة ليبصر ويرى هذا أشد من كونه مُبصِرًا ويرى في الظلام، فرق بين هذا وهذا.

طالب: "على أن ذلك إنما كان من معجزات النبي -عليه الصلاة والسلام- وكراماته التي ظهرت في أمته من بعده وفي زمانه. فهذا التقرير هو الذي ينبغي الاعتماد عليه، والأخذ لهذه الأمور من جهته لا على الجملة، فربما يقع للناظر فيها ببادئ الرأي إشكال، ولا إشكال فيها بحول الله، وانظر في كلام القرافي في قاعدة الأفضلية والخاصية".

قف على هذا. نعم.

طالب: قوله........

نعم، لكن الكلام في الشرع، الكلام في الحكم الشرعي، يقول: لا يجوز أن يستخدمه.

طالب:.........

نعم، أُجيبت، دعوة سليمان أُجيبت.

طالب:.........

كيف؟

طالب: يعني وقع من النبي -عليه الصلاة والسلام-.... الشياطين.

لا ينبغي شرعًا لأحد.

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

يختلفون في هذا، والأصل أنه معصوم -عليه الصلاة والسلام- لا سيما فيما يتعلق بالتبليغ هذا محل إجماع، وما عدا ذلك فالكبائر إجماع أيضًا والصغائر.