شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (224)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك علي عبده ورسوله محمد، وعلي آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلًا بكم إلي حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع مطلع هذا الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زال الحديث مستمرًّا عن حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في باب حفظ العلم، توقفنا عند قوله- صلى الله عليه وسلم- "ضمه".

الحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أما بعد،

 فقوله -عليه الصلاة والسلام- "ضُمَّه" أو "ضُمُّه" بالهاء مع ضم الميم تبعًا للضاد، وفتحها وهى رواية "أبي ذر" لأن الفتح أخف الحركات، وكسرها؛ لأن الساكن إذا حرك حرك بالكسر وفك الإدغام فيصير اضممه، والهاء فيه ترجع إلي الحديث كذا في القسطلاني، مع ضم الميم "ضمه" مع ضم الميم تبعًا للضاد، وفتحها يعني ومع فتحها "ضَمه" وهى رواية "أبي ذر"؛ لأن الفتح أخف الحركات، وكسرها ضبط ثالث؛ لأن الساكن إذا حرك حرك بالكسر، وفك الإدغام وهذا رابع فيصير اضممه، والهاء فيه ترجع إلى الحديث كذا في القسطلاني.

وفي فتح الباري ضم نعم بدون هاء، وللكشميهني والباقيين ضمه، وهو بفتح الميم ويجوز ضمها، الكلام الكثير عند.. هل هذه اللفظة بفتح الميم أو بالضم يتعين الضم ويجوز يعني هل هو بفتح الميم ويجوز الضم أو الضم هو المتعين؛ لأجل الإتباع في ضمة الهاء يقول ابن حجر: ضم بدون هاء، وللكشميهني والباقيين ضمه، وهو بفتح الميم ويجوز ضمها وقيل: يتعين لأجل ضمة الهاء ويجوز كسرها لكن مع إسكان الهاء ضمه، وكسرها ضِمه وضُمه.

 وتعقبه العيني بأن دعوى التعيين غير صحيحة، بأن دعوى التعيين غير صحيحة؛ لأنه قال ابن حجر: وقيل يتعين عن الضم، لكون الضم ولا كون الضمة لأجل الهاء، فالتعقب يقول: دعوى التعيين غير صحيحة؛ لأن ابن حجر يقول: ويجوز ضمها وقيل: يتعين لأجل ضمة الهاء، هذا كلام ابن حجر، تعقبه العيني بأن دعوى التعيين غير صحيحة ولا كون الضمة لأجل الهاء، وإنما هو لأجل ضمة الضاد، كما ذكرنا، وقال: ويجوز كسرها، لكن مع إسكان الهاء، قال: يعني ابن حجر ويجوز كسرها لكن مع إسكان الهاء، قلت: إن أراد بالإسكان في حالة الوقف فمسلم، وإن أراد مطلقًا فممنوع فافهم، فإن مثل هذا لا يحققه إلا من أمعن في النظر في العلوم الآلية، هو يريد أن ابن حجر نقل مجرد نقل ولم يُعن بالنظر، الآن ابن حجر ماذا يقول؟ يقول: هو بفتح  الميم ضمه ويجوز ضمها وقيل يتعين، يعني ينقل عن غيره ممرضًا له، لأجل ضمه الهاء، يعني إتباعًا للهاء الهاء مضمومة، تعقبه العيني، قال: ويجوز كسرها يعني ابن حجر مع إسكان الهاء وكسرها "ضِمه وضُمه"، العيني تعقبه في مواضع في مسألة التعين وفي إتباع الميم للهاء الضم من أجل إتباع الميم للهاء، وأيضًا مع إسكان الهاء وكسرها، تعقبه في هذه المواضع كلها في كل كلامه تعقبه.

 العيني يقول دعوى التعيين غير صحيحة، هل ابن حجر يتبنى التعيين؟! مع أنه يقول: وقيل يتعين، ولا كون الضمة لأجل الهاء "ضُمُّه"، وإنما هو لأجل ضمة الضاد، ضمة الميم هي إتباع على كل حال، لكن هل هي إتباع للهاء التي بعدها أو هي إتباع للضاد التي قبلها؟ ابن حجر يري أنها إتباع للهاء، والعيني يقول: لا إتباع للضاد، وإنما هو لأجل ضمة الضاد كما ذكرنا، قال: ويجوز كسرها لكن مع إسكان الهاء. قلت: إن أراد بالإسكان في حالة الوقف فمسلّم، وإن أراد مطلقًا فممنوع، فافهم فإن مثل هذا لا يحققه إلا من أمعن النظر في العلوم الآلية.

 صاحب المبتكرات وهي في المحاكمة بين العيني وابن حجر يقول العيني: اعترض عن ابن حجر بأمور منها أنه قال: لا يجوز إلا ضم الميم تبعًا للهاء بعدها، مع إن ابن حجر يقول بفتح الميم ويجوز ضمها ولم يقل ولا يجوز إلا الضم، ظاهر؟ ومنها اعتراضه بأن الضمة تابعة لضمة الهاء مع أنها تابعة لضمة الضاد، والحق أن التبع هذا كلام صاحب المبتكرات، والحق أن التبع كما هو جائز في السابق يجوز في اللاحق، يعني كما يجوز إتباع الميم للضاد يجوز للهاء، والحق أن التبع كما هو جائز في السابق يجوز في اللاحق، كما قاله الفراء في إعراب {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، قال: يجوز الحمدِ لله فتتبع الدال اللام وهى بعدها على سبيل الاتباع، بإتباع الدال للام كلمة الجلالة، ومنها اعتراضه على إطلاق إسكان الهاء لاحتماله جواز الإسكان في غير الوقف مع أنه جائز، وانظر الأوجه التي ذكرها الفراء في قوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:90] حتى مع الدرج يقف عليها بالإسكان، وهذا وجه من الأوجه التي ذكرها الفراء.

في شرح النووي في قوله -عليه الصلاة والسلام- «إنا لم نرده عليك إلا أنّا حرم» هو بفتح الهمزة من أن حرم وحرم بضم الحاء والراء محرمٌ، قال القاضي عياض -رحمه الله تعالى –: رواية المحدثين في هذا الحديث لم نرده بفتح الدال، قال: وأنكره محققو شيوخنا من أهل العربية وقالوا: هذا غلطٌ من الرواة، وصوابه ضم الدال، لم نردهُ، مثل ضمهُ، قال: ووجدته بخط بعض الأشياخ بضم الدال، وهو الصواب عندهم على مذهب سيبويه، في مثل هذا من المضاعف إذا دخلت عليه الهاء أن يضم ما قبلها في الأمر ونحوه من المجزوم مراعاة للواو، في الأمر مثل ما عندنا ضمُّه، ونحوه من المجزوم لم نردُّه مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء بعضها لخفاء الهاء، يعني الهاء خفية كأنها غير موجودة "والمراعاة"، نعم لخفاء الهاء فكان ما قبلها ولي الواو ولا يكون ما قبل الواو إلا مضمومًا، أين الواو؟ فيكون ما قبلها ولي الواو..، الهاء قلنا: أنها خفية، الواو التي نشأت عنها ضمة الهاء.

 المقدم: نردُّهُ.

 نعم، ولا يكون ما قبل الواو إلا مضمومًا هذا في المذكر، وأما المؤنث مثل ردها، فمفتوح الدال ونظائرها مراعاة للألف، هذا آخر كلام القاضي يعني على كلامه الاتباع للضاد أم للهاء.

 المقدم: لا هنا للهاء.

 قطعًا للمتأخر، لأنه فرّق بين ضمير المذكر المضموم وبين ضمير المؤنث المفتوح، فلو كان عندنا ضمَّها.

 المقدم: تصير مفتوحة.

 تصير مفتوحة قطعًا بدون تردد، هذا آخر كلام القاضي فإما ردها ونظائرها من المؤنث ففتحة الهاء لازمة بالاتفاق، لأن الضم إنما كان للإتباع ولا إتباع هنا، ولو كان الإتباع للحرف الأول كما قال العيني: لصارت مضمومة باطراد، سواء كانت ضميرًا للمؤنث أو للمذكر، فدل على أن الإتباع للهاء لا للضاد كما قال العيني، ظاهر أم ليس بظاهر، فأما ردها ونظائرها من المؤنث ففتحة الهاء لازمة بالاتفاق، وأما ردَّهُ أو ردُّهُ ونحوه للمذكر ففيه ثلاثة أوجه: أفصحها وجوب الضم كما ذكره القاضي، والثاني الكسر وهو ضعيف، والثالث الفتح وهو أضعف منه. يعني أضعفها الفتح، يعني ما تقل ضُمَّه، ولا لم نردَّه، هذا أضعف الأوجه.

 قال: وممن ذكره ثعلب في الفصيح، له كتاب مطبوع اسمه الفصيح لثعلب، وعليه شروح كثيرة، الفصيح رائج عن أهل اللغة، لكن غلطوه، غلطوا ثعلب؛ لأنه ذكر الفتح ولم ينبه على ضعفه، ولكن غلطوه؛ لكونه أوهم فصاحته؛ لأن الكتاب في الفصيح يعني إدخاله في هذا الكتاب يدل على الفصاحة، لكن غلطوه؛ لكونه أوهم فصاحته ولم ينبه على ضعفه، ظاهر أم ليس ظاهر.

المقدم: بلى.

 والضمير في ضمه يرجع إلى الحديث، يعني ضم الحديث الذي اغترفه النبي -عليه الصلاة والسلام- ووضعه في الرداء.

 المقدم: أم للرداء ضم الرداء.

 نعم، في كلام القسطلاني يقول: والهاء فيه ترجع إلي الحديث، وفي كلام غيره الضمير في ضمه يرجع إلي الحديث، يدل عليه ما روي في غير الصحيح، فغرف بيديه ثم قال: ضم الحديث، يعني ضم الحديث في الرداء، وفي بعض طرق عند "البخاري"، "لن يبسط أحدٌ منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمعها إلى صدره فينسى من مقالتي شيئًا أبدًا" فبسطت نمرة ليس عليّ ثوب غيرها حتى قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- مقالته ثم جمعتها إلى صدري فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالتي تلك إلى يومي، فضممته يقول "أبو هريرة": فما نسيت شيئًا بعده، أي بعد الضم، وفي رواية الأكثر بعد، مقطوع عن الإضافة مبني على الضم؛ لأن قبل وبعد والجهات الست، إذا قطع عن الإضافة مع نية المضاف إليه فإنه يبنى على الضم، لله الأمر...

 المقدم: من قبلُ ومن بعد.

 من قبلُ ومن بعدُ، لكن إذا قطع الإضافة مع عدم نية المضاف إليه فإنه يعرب لا يبنى وينون.

فصاغ لي الشراب وكنت قبلاً

لأن الضمة هذه من أجل الإضافة المنوية، وكذلك إذا أضيف فإنه يعرب {قد خلت من قبلكم}، وفي رواية الأكثر بعد مقطوعًا عن الإضافة مبنيًّا على الضم، وتنكير شيئًا بعد النفي ظاهرُ العموم في عدم النسيان منه، لكل شيء في الحديث وغيره، فما نسيت شيئًا يعني من الحديث وغير الحديث؛ لأن النكرة في سياق النفي تدل عليه، لكن وقع في رواية ابن عيبنة وغيره عن الزهري في الحديث الماضي، "فهو الذي بعثه بالحق ما نسيت شيئًا سمعته منه"، وفي رواية يونس عند "مسلم"، فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئًا حدثني به، قال ابن حجر: وهذا يقتضي تخصيص عدم النسيان بالحديث، يعني لا في كل شيء، يعني في أموره العادية هو رجل عادي، لكن في الحديث ما نسي شيئًا بعد أن بسط رداءه ثم ضمه، ووقع في رواية شعيب، فما نسيت من مقالته تلك من شيء، وهذا يقتضي عدم النسيان بتلك المقالة فقط، لكن سياق الكلام يقتضي ترجيح رواية يونس ومن وافقه؛ لأن أبا هريرة نبه به على كثرة محفوظة من الحديث فلا يصح حمله على تلك المقالة وحدها، لأنه لو لاحظ تلك المقالة فقط يتميز؟ ما يتميز يحفظ المقالة ويرددها ويبقي بقية الحديث على الأصل النسيان، لكن قال ابن حجر: سياق الكلام يقتضي ترجيح رواية يونس ومن وافقه؛ لأن "أبا هريرة" نبه به على كثرة محفوظه من الحديث، فلا يصح حمله على تلك المقالة وحدها.

 المقدم: لكن يخص به الحديث فقط، ما يقول شيء كل شيء.

 مما حدثني به، في بعض الرواة فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئًا حدثني به، أما كونه يحفظ كل ما، هذا احتمال، فما نسيت شيئًا هذا احتمال؛ لأنها نكرة في سياق النفي فتعم أي شيء بعد تلك المقالة، ويحتمل أنه خاص بالحديث لرواية يونس عند "مسلم"، ويحتمل أيضًا أنه من تلك المقالة في ذلك اليوم، لكن سياق الكلام يقتضي ترجيح رواية يونس ومن وافقه؛ لأن "أبا هريرة" نبه به على كثرة محفوظه من الحديث، فلا يصح حمله على تلك المقالة وحدها، يعني كثير من الناس يضبط مقالة أو يضبط مقالات، ويضبط حديثًا أو يضبط أحاديث، لكن يبقي البقية على الأصل وهو النسيان، لما جبل عليه ابن آدم، فلا تكون له مزية؛ لأنه ضبط هذه المقالة إنما المزية في ضبط كل ما يسمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن قوة الحفظ نعمة من الله -جلا وعلا-، فلا علم إلا بحفظ، وما كان علمه محفوظًا له لا شك أنه يتيسر له الاغتراف منه متى شاء بخلاف من كان علمه في الكتب، ذكرنا مثالًا سابقًا، وذكره من قبلنا أن من كان علمه في حافظته كمن زاده التمر ما يحتاج إلى إعداد، متى احتجت مد يدك وكل، ومن كان علمه في كتبه مثل من زاده البُر يحتاج إلى طحن، ويحتاج إلى خبز، ويحتاج إلى طبخ، يحتاج إلى وقت، وهذا يحتاج إلى مراجعة الكتب قد يجد وقد لا يجد، المقصود أن الحافظة نعمة من الله -جل وعلا-.

 المقدم: بعض الناس يا شيخ الآن يهاجمون مسألة الحفظ, لكن هجومهم على مسألة الحفظ يجعلونها بمقارنة الفهم، يعني ما عندهم كما يقال حل آخر، فيقولون: إن الذين يحفظون لا يفهمون كأن هذه معادلة عندهم لرمي الحفظ، وهذا بلا شك خطأ المفترض لا يقارن الحفظ بالفهم أن كل الذي يحفظ لا يفهم، كأنهم يريدون هدم مبدأ الحفظ والقيام عليه.

 لا هذا جاءنا من غيرنا؛ لأن غير المسلمين أمورهم مبنية على التجارب أمور عملية لا تحتاج إلى حفظ، الأمور العملية ما تحتاج إلى حفظ، لكن الأمور الخبرية النصوص لا يمكن الاجتهاد فيها، لا بد من حفظها، فمن يقتنع في يوم من الأيام أن القرآن يكفي حفظه عن فهمه، أو السنة يكفي حفظها عن فهمها، كيف تستدل على دعواك من الكتاب السنة، وأنت ليس لديك محفوظ، المسألة في المفاضلة إذا وجد شخص يفهم وحافظته ضعيفة أو العكس يحفظ وفهمه ضعيف، أما إذا اجتمعا لشخص جمعهم الله -جل وعلا- لشخص فلا إشكال في أن هذا هو الغاية، ولا يمكن أن يبنى علم على مجرد فهم دون حفظ، لا يمكن أن يحصل هذا، لكن إذا وجد الفهم مع الحفظ نور على نور.

 وبقي أننا كيف نقول.. أيهما أفضل من يحفظ دون فهم، وهذا الذي يعبر عنه على لسان كثير من العلماء يقولون: زاد نسخة في البلد، إذا كان لا يتصرف، يحفظه ويورد لك النص، وهو لا يدرى أين يضعه، ومع من يحفظ مع من يفهم، يعني فهمه دقيق، لكن حافظته ضعيفة مثل هذا لا شك أنه أنفع؛ لأن هذا بإمكانه أن يفتح الكتاب، ويحلل ويستنبط ويستدل، أما ذاك فليست لديه الأهلية، فهو بمنزلة الكتاب، إذا قارنا بين الحافظة المجردة والفهم المجرد قلنا: الفهم أفضل، لكن لا يستوي هذا أو هذا مع من جمع الله له بينهما، قالوا: ويحتمل أن تكون وقعت له قضيتان، فالتي رواها "الزهري" مختصة بتلك المقالة، والتي رواها سعيد المقبري عامة، وعندي أنه يمكن حمل رواية من مقالته أي من وقت مقالته، فتكون لابتداء الزمان من مقالته أي من وقت مقالته، فتتحد الروايتان، قال ابن حجر: فائدة المقالة المشار إليها في حديث "الزهري" أبهمت في جميع طرقه، وقد وجدتها مصرحًا بها في جامع الترمذي وفي الحلية "لأبي نعيم" من طريق أخرى عن "أبي هريرة" قال:" "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «ما من رجل يسمع كلمة أو كلمتين أو ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا مما فرض الله فيتعلمهن ويعلمهن إلا دخل الجنة» فذكر الحديث، هذا هي المقالة التي قيلت في تلك المناسبة، في شرح الكرماني: فإن قلت النسيان من لوازم الإنسان حتى قيل: إنه مشتق من النسيان، فإن قلت: النسيان من لوازم الإنسان حتى قيل: إنه مشتق من النسيان فما معناه، هل المعنى أن "أبا هريرة" بعد ذلك تخلى عن هذه الصفة الملازمة للإنسان.

 يجيب الكرماني، يقول: قلت هذا من بركة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو معجزة ظاهرة، النسيان لا شك أنه من لوازم الإنسان، وما سمي الإنسان إلا لنسيه، لكن إذا حصل مثل هذه المعجزة من النبي -عليه الصلاة والسلام- ارتفع هذا الوصف؛ لأن الوصف كمال أم وصف نقص. الذي هو النسيان؟

 المقدم: لا، نقص..

        يعني في الجملة وإلا فقد يكون من مصلحة الإنسان ومن فوائد النسيان كما قرر ابن القيم ذلك نسيان المصائب، يعني لو أن الإنسان على ذكر منها باستمرار ما هَنأ بعيش ولا تلذذ بنوم، لكن من نعم الله -جل وعلا- النسيان، لكن النسيان في العلم أو النسيان في العبادة لا شك أنه نقص، وارتفاع هذا الوصف عن "أبي هريرة" بعد أن كان كثير النسيان معجزة من بركة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن قلت: تقدم أن ابن عمرو كان أكثر حديثًا من "أبي هريرة" لضبطه بالكتابة، فإذا لم يكن "أبو هريرة" من الناسين، فلم يكن هو أكثر منه حديثًا، يعني الوصف يتصف به عبد الله بن عمرو، وارتفع عن "أبي هريرة" فكيف يقول "أبو هريرة" إن عبد الله بن عمرو أكثر مني، ما من أصحاب النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- من هو أكثر مني حديثًا إلا ما كان عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب.

 يجيب الكرماني، قلت لعل ذلك قبل هذه القصة أو هو استثناء منقطع ومعناه ما أحد أكثر مني حديثًا، ولكن ما كان من عبد الله بن عمرو من الكتابة لم يكن مني فيكون الاستثناء في الكتابة لا في الكثرة، وعلى كل حال يمكن أن يكون هذا قبل هذه الدعوة، ويمكن أيضًا أن يكون على حد ظن "أبي هريرة ويظن ما دام يكتب وأحاديثه مرئية؛ لأنها مكتوبة بخلاف المحفوظ؛ لأنه غير مرئي فلا يقدر.

 المقدم: أنت قد تقابل شخصًا وتظنه أحفظ منك وأعلم منك أحيانًا في حادثة معينة.

 نعم يبهرك في محفوظه فيما يورده لا فيما يطلب منه؛ لأن بعض الناس يبادر فيورد من محفوظه شيئًا كثيرًا فيبهر السامعين، لكن إذا سئل تبين، وفي الحديث معجزة للنبي -عليه الصلاة والسلام- حيث رَفع من "أبي هريرة" أو رُفع من "أبي هريرة" النسيان الذي هو من لوازم الإنسان حتى قيل: إنه مشتق منه، وحصول هذا من بسط الرداء وضمه أيضًا معجزة، حيث جعل الحفظ كالشيء الذي يغرف منه فأخذ غرفة منه ورماها في ردائه، ومثّل بذلك في عالم الحس.

 وفي شرح ابن بطال: فيه حفظ العلم والدؤوب عليه والمواظبة على طلبه، وهى فضيلة "لأبي هريرة" فضله- عليه السلام- بها بأن قال له: «ابسط رداءك» ثم قال: ضمَّه، فما نسي شيئًا بعد، "أبو هريرة" عُرف بالحرص، فلما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- سؤالًا، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- : إني ظننت أنه لن يسألني أحدًا قبلك، هذا السؤال؛ لحرصك على الخير أو لحرصك على الحديث فالذي يحرص على شيء لا شك أنه يستحق هذا التخصيص، روى الحاكم في المستدرك من حديث زيد بن ثابت، قال: قلت أنا و"أبي هريرة" وآخر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ادعوَا أو ادعوْا فدعوت أنا وصاحبي -زيد بن ثابت-، فدعوت أنا وصاحبي وأمن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم دعا "أبو هريرة" فقال: اللهم إني أسألك مثل ما سأل صاحباي وأسألك علمًا لا ينسى، فأمن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلنا: ونحن كذلك يا رسول الله فقال: سبقكما الغلام الدوسي.

 وأطراف هذا الحديث فيما سبق في الحديث الذي قبله؛ لأنه جزءٌ منه.

المقدم: جزاك الله خيرًا، وأحسن إليكم، لعلنا إن شاء الله نكتفي بهذا على أن نتحدث في الحلقة قادمة في الحديث الذي يليه, وإن كان عندي سؤال في هذه القضية, لكن لعلنا ندخله في الحلقة القادمة بإذن الله، شكر الله لكم فضيلة الدكتور على ما تفضلتم به، شكرًا لكم أنتم أيها الإخوة والأخوات، لقاؤنا بكم بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.