شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (153)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى لقاء طيب مبارك يجمعنا مع صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: قال المصنف رحمه الله: عن عمر -رضي الله عنه- قال: "كنت أنا وجارٍ لي من الأنصار في بني أمية بن زيد، وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينزل يومًا وأنزل يومًا، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك، فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فضرب بابي ضربًا شديدًا فقال: أثم هو؟ ففزعت فخرجت إليه فقال: حدث أمر عظيم، فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي فقلت: أطلقكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: لا أدري، ثم دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: وأنا قائم أطلقت نساءك؟ قال: «لا» فقلت: الله أكبر".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، راوي الحديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الخليفة الثاني، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، مناقبه وفضائله تفوت الحصر، سبق التعريف به فيما مضى في الحديث الأول، والحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب التناوب في العلم، باب التناوب في العلم.

ومناسبة الباب لكتاب العلم ظاهرة؛ لأنه تناوب..

المقدم: في العلم.

في العلم، ينوب أحدهما عن الآخر في تلقي العلم وتحمله، فالمناسبة لكتاب العلم ظاهرة، والشاهد من الحديث للترجمة التناوب قول عمر -رضي الله عنه-: كنت أنا وجار لي من الأنصار نتناوب، نتناوب النزول، هذا تناوب في العلم. يقول العيني: وجه المناسبة بين البابين، يعني هذا الباب التناوب في العلم، والذي قبله باب الرحلة في المسألة النازلة، من حيث إن المذكور في الباب الأول الرحلة في المسألة النازلة الرحلة في طلب العلم، وهي لا تكون إلا من شدة الحرص في طلبه، وفي التناوب أيضًا..

المقدم: حرص.

هذا المعنى فيه حرص.

المقدم: نعم.

لئلا يفوته شيء إذا غاب، وفي التناوب أيضًا هذا المعنى؛ لأنهم لا يتناوبون إلا لطلب العلم والباعث عليه شدة حرصهم.

قوله: "كنت أنا وجار"، جار مرفوع معطوف على الضمير المتصل اسم كان، وأنا ضمير فصل لا محل له من الإعراب يؤتى به؛ ليتم العطف على ضمير الرفع المتصل وجوبًا عند البصريين خلافًا للكوفيين، ابن مالك جرى على مذهب البصريين يقولون:

وإن علا ضمير رفع متصل
 

عطفت فافصل بالضمير المنفصل
 

يعني كما هنا "كنت أنا وجار"، فافصل بالضمير..

المقدم: المنفصل.

المنفصل أو فاصل ما، أي فاصل..

أو فاصل ما، وبلا فصل يرد                        
 

في النظم فاشيًا وضعفه اعتقد
.

المقدم: لو قال: كنت وجار لي.

ما فيه شيء.

المقدم: ما تستقي.

إلا على رأي الكوفيين.

المقدم: نعم.

"كنت أنا وجار لي من الأنصار": الأنصار جمع ناصر أو نصير، وهم الصحابة الذين آووا ونصروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل المدينة -رضي الله عنهم-، وهو اسم إسلامي، سمى الله به الأوس والخزرج، ولم يكونوا يُدعون الأنصار قبل نصرتهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا قبل نزول القرآن بذلك.

 قال العيني: ومناقبهم كثيرة وتقدم قوله -صلى الله عليه وسلم-، الذي تقدم في كتاب الإيمان: آية الإيمان حب الأنصار.

المقدم: حب الأنصار.

وآية النفاق بغض الأنصار؛ لأن مناقبهم لا تحصر.

المقدم: لكن أحسن الله إليك؛ لأننا عندما تحدثنا في حلقة ماضية عن حبهم المراد حبهم جملة، يعني محبة هؤلاء الأنصار جملة كما جاء به النص.

هو يتجه إلى الجملة، ويتجه إلى الأفراد ممن اتصف بهذا الوصف..

المقدم: من كونه.

هذا الوصف هذا الوصف الذي هو نصرة الدين، نصرة الرسول، إيواء الرسول -عليه الصلاة والسلام- الذي من أجله أحبهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: "لولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار"، الأنصار شعار والناس دثار، يعني هم أقرب الناس إلى قلبه -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه.

 الشعار هو الثوب الذي يلبس مما يلي البدن.

المقدم: صحيح.

 فنحبهم لأجل هذا.

نعم فنحبهم لنصرتهم الدين وإيوائهم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وبذلهم كل ما يملكون من مال وغيره لخدمة هذا الدين، فمثل هذا لا شك أنه موجب للمحبة.

المقدم: رضي الله عنهم.

 فالذي يحب شخصًا لدينه، لا شك أن هذه المحبة الشرعية، يحب المرء لا يحبه إلا لله، لكن لو أبغضه؛ لأنه ينصر الدين لا شك أن هذا نفاق -نسأل الله السلامة والعافية-، يعني فرق بين أن تحب شخصًا، افترض شخصًا من أهل الحسبة..

المقدم: نعم.

 تبغضه؛ لأنه يأمر وينهى هذا نفاقًا، نسأل الله السلامة والعافية؛ لأن الأمر والنهي شعيرة من شعائر الدين، وهذا تنكب عن الجهاد، لكن لو صار بينك وبينهم مشادة أو مشاحنة أو أمر دنيوي وكرهتهم من أجله رغم اتصافه بكونه آمرًا وناهيًا هذا أمر آخر يختلف، الكلام على الوصف الذي تميزوا به، {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]، هذه أوصاف لا شك أنها تفرض على المسلم محبتهم.

يقول ابن حجر: كانوا قبل تسميتهم بذلك يعرفون ببني قيلة، بقاف مفتوحة وياء تحتية ساكنة، وهي الأم التي تجمع القبيلتين فسماهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأنصار فصار ذلك علمًا عليهم، وأطلق أيضًا على أولادهم وحلفائهم ومواليهم.

 والجار المذكور الذي ذكره عمر -رضي الله تعالى عنه- قال ابن حجر: هو عتبان بن مالك، أفاده ابن القسطلاني، لكن لم يذكر دليله، لكن لم يذكر دليله، من ابن القسطلاني هذا؟

المقدم: ليس صاحب الفتح.

صاحب إيش؟ الشرح المعروف إرشاد الساري.

المقدم: نعم، لكن لماذا قال ابن...

لكن هل يقصد ابن القسطلاني هذا هو القسطلاني شارح البخاري؟

المقدم: ما أظن.

لماذا؟

المقدم: لأن هذا متقدم عليه.

اربط الكلام بالقائل ابن حجر.

المقدم: نعم.

 نعم هو المدار، القسطلاني شارح البخاري متأخر عن ابن حجر أم متقدم عليه؟

المقدم: متأخر.

متأخر.

المقدم: فأقول لك إن هذا متقدم عليه.

فهذا القطب بن القسطلاني، قطب الدين بن القسطلاني مشهور هذا له مؤلفات معروفة.

المقدم: نعم.

 نعم لكن لم يذكر دليله، وفي إرشاد الساري هذا القسطلاني.

المقدم: صح.

 وفي إرشاد الساري اسم الجار عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلاني الأنصاري الخزرجي، كما أفاده الشيخ قطب الدين القسطلاني، فيما ذكره الحافظ ابن حجر.

المقدم: عنه.

نعم، ولم يذكر غيره ابن حجر ما ذكر غيره، وعند ابن بشكوال وذكره البرماوي أنه أوس بن خولي، وعُلل بأن النبي -عليه الصلاة والسلام-..

المقدم: عليه الصلاة والسلام.

 آخى بينه وبين عمر -رضي الله تعالى- عنه، لكن لا يلزم من المؤاخاة الجوار، قد يكون بينهما مؤاخاة، لكنه بعيد عنه في المسكن، لا يلزم من المؤاخاة الجوار، والوصف هنا إيش؟

المقدم: جار.

جار نعم.

في فتح الباري في موضع متأخر في الجزء التاسع صفحة إحدى وثمانين ومائتين اسم الجار المذكور أوس بن خولي بن عبد الله بن الحارث الأنصاري، سماه ابن سعد، من وجه آخر عن الزهري عن عروة عن عائشة فذكر حديثًا، وفيه وكان عمر مؤاخيًا أوس بن خولي لا يسمع شيئًا إلا حدثه، ولا يسمع عمر شيئًا إلا حدثه، فهذا هو المعتمد، يعني ما تكفي المؤاخاة إنما لا يسمع شيئًا إلا حدثه، وعمر لا يسمع شيئًا إلا ...

المقدم: حدثه.

حدثه، وهو مقتضى التناوب في الحديث حديث الباب.

المقدم: صحيح.

هو مقتضى التناوب.

 يقول: وأما ما تقدم في العلم من قال إنه عتبان بن مالك فهو من تركيب ابن بشكوال، فإنه جوز أن يكون الجار المذكور عتبان بن مالك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم-..

المقدم: عليه الصلاة والسلام.

 آخى بينه وبين عمر، لكن لا يلزم من الإخاء أن يتجاوروا، والأخذ بالنص مقدم على الأخذ بالاستنباط.

 الآن في كلام القسطلاني السابق، المؤاخاة بين عمر وبين من؟

المقدم: بين عتبان.

لا؛ في كلام القسطلاني السابق يقول: وعند ابن بشكوال، وذكره البرماوي أنه أوس بن خولي، وعلل بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- آخى بينه وبين عمر، لكن لا يلزم من المؤاخاة الجوار.

المقدم: أن يكون جارًا له نعم.

نعم؛ وهنا في ابن بشكوال، جوز ابن بشكوال أن يكون الجار المذكور عتبان بن مالك؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- آخى بينه وبين عمر، لكن لا يلزم من الإخاء أن يتجاورا.

المقدم: وهنا خلاف.

نعم؛ لأنهم كلهم ينقلون عن ابن بشكوال.

المقدم: لكن هنا يقولون عتبان، وهناك لم يقل به.

نعم؟

المقدم: هنا ابن بشكوال يقول: إنه عتبان الذي آخى بينه وبين عمر.

في نقل القسطلاني الذي آخى في كلامه عن ابن بشكوال، المؤاخاة بين أوس بن خولي وبين عمر.

المقدم: نعم.

وفي كلام ابن حجر المؤاخاة نقلًا عن ابن بشكوال أيضًا.

المقدم: أنه عتبان.

عتبان نعم.

المقدم: طيب وهذا تناقض عن شخص واحد.

لكن لا يلزم من الإخاء أن يتجاورا كلهم قالوا هذا الكلام، لا يلزم من المؤاخاة الجوار، والأخذ بالنص مقدم على الأخذ بالاستنباط؛ لأن النص الذي ذكره ابن سعد يقول: وكان عمر مواخيًا أوس بن خولي لا يسمع شيئًا إلا حدثه ولا يسمع عمر شيئًا إلا حدثه، هذا نص.

المقدم: نعم.

نعم.

المقدم: لكن الجمع بين النقل عن ابن بشكوال بالخطأ، أو نقول بالتناقل بين الاسمين.

لكن الذي في كتاب ابن بشكوال هو مثل الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث المسندة يقول: قال لنا القاضي أبو عبد الله: قال لنا أبو علي: قال أبو عمر الحافظ: من أبو عمر الحافظ هذا؟

المقدم: ابن عبد البر.

ابن عبد البر نعم، الذي آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين عمر بن الخطاب هو عتبان بن مالك الأنصاري، وقيل: هو أوس بن خولي الأنصاري أتى ذلك في حديث من رواية خلف بن قاسم فيه طول.

المقدم: أتى بالقولين.

نعم؛ جيد في كتاب المستفاد.

المقدم: عفوًا دكتور، يعني هل تتوقع -أحسن الله إليك- أن نقل ابن الحجر مثلًا اختياره للاسم الثاني بناءً على أنه صرح بوروده في حديث أو في أثر.

بلا شك هذا ترجيح، هذا ترجيح من ابن حجر لأحد القولين.

المقدم: نعم.

 الذين ذكرهما ابن بشكوال، في كتاب المستفاد من مبهمات المتن والإسناد، وهذا أوسع كتاب في المبهمات للحافظ أبي زرعة أبي الحافظ العراقي في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لقد مكثت سنين أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن حديث ما يمنعني منه إلا هيبته الحديث في المرأتين اللتين قال الله فيهما" يقول: إلى آخره، هذا الحديث هو حديث الباب.

المقدم: نعم.

 بطوله سيأتي في بعض طرقه ذكر حديث المرأتين.

يقول: وكان وفيه: وكان أخ من الأنصار، وكان لي أخ من الأنصار وكنا نتعاقب النزول إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، قيل: إن الذي آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين عمر عتبان بن مالك، حكي عن ابن عبد البر، وقيل: أوس بن خولي الأنصاري رواه خلف بن القاسم، نظير ما هو.. كأنه نقل عن ابن بشكوال، كأنه ناقل عن ابن بشكوال.

 في بني أمية بن زيد أي ناحية بني أمية ،سميت البقعة باسم من نزلها، وهذا معروف في أحياء المدينة.

المقدم: أول من ينزل يسمى باسم.

تسمى باسم القبيلة، من عوالي المدينة قرى شرقي المدينة بين أقربها وبينها ثلاثة أميال أو أربعة، وأبعدها ثمانية، يقول: وكنا نتناوب، التناوب تفاعل، من ناب لي ينوب نوبًا ومنابًا، أي قام مقامي، فمعناه أننا نتناوب.. أن نتناوب جماعة لوقت معروف يأتون بالنوبة، يعني كل واحد له نوبة، له نوبة في النزول على النبي -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: اللهم صلِّ وسلم عليه.

النزول على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي إليه وفسره بقوله: ينزل، يعني صاحبه يومًا، وأنزل يومًا من العوالي إلى المدينة، حيث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أجل تعلم العلم من الشرائع وغيرها، فإذا نزلت جئته فإذا نزلت جئته.

 يقول الكرماني: إن كانت إذا شرطية، فالعامل فيها جئت أو نزلت، وإن كانت ظرفية فالعامل فيها جئت.

 ويقول العيني: فإذا ظرفية لكنه تضمن، يقول: إذا ظرفية، لكنه تضمن معنى الشرط، يعني ظرف تضمن معنى الشرط، وقوله: جئته جوابه، أحيانًا يشرب الحرف أكثر من معنى، قد تكون أحيانًا من تأتي بيانية وتبعيضية في آن واحد، ويختلف أهل العلم هل هي بيانية أم تبعيضية، ويشم منها رائحة المعنيين، خاتم من حديد، خاتم من حديد.

المقدم: من حديد.

هي بيانية.

المقدم: وأيضًا تبعيضية.

وأيضًا هي الخاتم بعض من الحديد، فمثل هنا يتجاذبها، الأصل فيها الظرفية، ويتجاذبها.. تتضمن معنى الشرط.

المقدم: نعم.

وقوله: "جئته جوابه بخبر ذلك اليوم" أي ما ينزل فيه من الوحي وغيره ومن بيانية، من الوحي قبل ذلك من الوحي وغيره من هذه بيانية، وإذا نزل جاري فعل معي مثل ذلك أي جاءني بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره فنزل صاحبي الأنصاري.

المقدم: المراد بغيره يعني من الأحداث مثلًا من القصاص.

يعني ما يترتب عليه أحكام وغيره، ومما لا يترتب عليه حكم.

فنزل صاحبي الأنصاري، بالرفع صفة لصاحبي فاعل نزل.

 يقول الكرماني: الأنصاري يعني النسبة إلى الجمع، وهو يريد أن يتحدث عن النسبة إلى الجمع؛ لأنه عندهم أنه إذا أردت أن تنسب إلى جمع فلا بد أن ترده إلى المفرد؛ لأن النسبة إلى الجمع شاذة عند أهل العلم.

 الأنصاري يقول: فإن قلت: الجمع إذا أريد النسبة إليه يرد إلى المفرد ثم ينسب إليه إلى المفرد، الآن إذا أردت أن تقول: الأنصاري تريد أن ترده إلى مفرده ناصر أو نصير، تقول: ناصري ولا نصيري هذا مقتضى إيش؟ الأصل عندهم؛ لأن النسبة إلى الجمع شاذة.

المقدم: قد هنا مفرد.

قل مثل هذا في الأعرابي مثلًا، كأعرابي نسب إلى الأعراب وهو جمع.

المقدم: نعم.

 يعني يستثنى بعض الجموع؛ لأن شهرة الجمع أكثر من شهرة المفرد، أو أن الجمع صار علمًا بحيث ينسب إليه كما هنا يقول: قلت الأنصار ها هنا صار علمًا لهم، صار علمًا لهم، يعني لا ينظر فيه على أساس أنه جمع، كما لو سميت شخصًا باسم جمع مثلًا سميته جمعًا، أو مثلاً بمثنى سميت شخصًا حسنين ترده إلى المفرد ثم تنسب إليه؟ هذا صار علمًا، وإذا صار علم لا يتصرف فيه.

يقول: ها هنا صار علمًا لهم فهو كالمفرد فلهذا نسب إليه بدون الرد.

المقدم: نعم.

 يوم نوبته أي يومًا من أيام نوبته، فسمع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اعتزل زوجاته، فرجع إلى العوالي، فجاء فضرب بابي ضربًا شديدًا، الفاء هذه تسمى... مرت بنا مرارًا.

المقدم: الفجائية.

لا.

المقدم: أو الاستئنافية.

الفاء هذه تسمى الفصيحة، الفصيحة تقدمت مرارًا فقال: أثم هو؟ بفتح المثلثة وتشديد الميم اسم يشار به إلى المكان نحو قوله تعالى: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ} [الشعراء:64] قال العيني: وهو ظرف لا يتصرف، ظرف لا يتصرف، فلذلك غلط من أعربه مفعولًا لرأيت، في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ} من أعربه مفعولًا لرأيت في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نعيمًا} [الإنسان:20]، ولا يتقدمه حرف التنبيه، ولا يتأخر عنه كاف الخطاب، كيف؟

المقدم: لا يتقدمه حرف التنبيه.

ولا يتأخر عنه كاف الخطاب، ثَمَّ؛ ثم اسم إيش؟ اسم إشارة يشار به إلى المكان الإشارة ذا.

المقدم: حرف التنبيه بهاء.

إذا أضفت إليها هاء تقدمتها هاء التنبيه قلت هذا.

المقدم: نعم.

وإذا أخرت عنها كاف الخطاب قلت ذاك،

المقدم: نعم.

هذا لا يتقدم حرف تنبيه.

المقدم: نعم.

 ولا يتأخر عنه كاف خطاب إنما قد تقترن به التاء ثمة.

ففزعت: الفاء فيه للتعليل أي لأجل الضرب الشديد فزعت، وفزعت بكسر الزاي أي خفت؛ لأن الضرب الشديد كان على خلاف العادة، كان على خلاف العادة، ولذا من أدب الاستئذان وطرق الأبواب..

المقدم: برفق.

يكون برفق، أيضًا تعليق الأجراس الآن بعض الناس يزعج الناس، هذا ليس بلائق أصلًا، اللهم إلا في ظروف خاصة إذا كان شخص وراءه أسد أو سبع أو صائل أو شيء ممكن، وليس من الأدب أن يأخذ حجرًا كبيرًا ويطرق الباب كما يفعل بعض الناس أو يعلق الجرس ويزعج الناس.

فليس من الأدب أبدًا، ولذلك فزع عمر -رضي الله تعالى عنه-؛ لأنه ليس هذا من عادتهم، وجاء أنهم كانوا يقرعون بابه -عليه الصلاة والسلام- بأي شيء؟ بالأظافير بالأظافير يقرعون بابه.

المقدم: هذا أصلًا ليس بعيدًا.

نعم.

 يعني ليس في مثل حالنا مع كل أسف تجد الباب في أقصى البيت.

على كل حال كل ظرف له ما يناسب، لكن يبقى أن الأصل الرفق.

المقدم: صحيح.

الأصل الرفق، ولذلك فزع عمر -رضي الله تعالى عنه-؛ لأن هذا على خلاف العادة.

 أخرج البخاري في كتاب التفسير قال عمر -رضي الله تعالى عنه-: كنا نتخوف ملكًا من ملوك غسان، ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا، وقد امتلأت صدورنا منه فتوهمت لعله جاء إلى المدينة فخفته لذلك، هذا في البخاري، وهذا كلام عمر يعني أفضل الناس بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- وبعد أبي بكر.

المقدم: كل هذا التفكير في هذه الفترة القصيرة.

يعني هذا خوف جبلي هذا.

المقدم: صحيح.

هذا خوف جبلي، يعني ما يلام الإنسان إذا خاف من عدو.

المقدم: صحيح صحيح.

فخرجت إليه: الفاء للعطف، ويحتمل السببية؛ لأن فزعه كان سببًا لخروجه، فقال: الفاء عاطفة، قد حدث أمر عظيم، قد حدث أمر عظيم.

 يقول ابن حجر: في أصل الحديث بعد قوله أمر عظيم طلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نساءه، قد حدث أمر عظيم طلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نساءه.

المقدم: الأنصاري يقول لعمر.

نعم؛ وهذه إشاعة لا تستند إلى حس، هي مجرد إشاعة، أشيع في المدينة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه، لماذا؟ لأنه آلى من نسائه شهرًا واعتزل في المشربة، فبعض الناس يحب الإشاعات، فأشاع بأن النبي –عليه الصلاة والسلام وسلم- طلق نساءه، ووجد قرينة قد يستدل بها ويستمسك بها، ولذا الإشاعات لا يعتمد عليها في إثبات نفي، في إثبات شيء ولا نفي.

والإشاعات التي تشاع، ويتداولها الناس، ولو كثر ناقلوها، لو كثر ناقلوها فإنها لا تقبل ما لم يكن مستندها الحس كما قرر ذلك أهل العلم، قوله: "قد حدث أمر عظيم" يقول ابن حجر في أصل الحديث بعد قوله: "أمر عظيم": "طلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نساءه". قلت: قد كنت أظن أن هذا كائن، عمر متوقع هذا نعم؛ لأن النساء -نساء الأنصار- يغلبن الرجال بخلاف نساء المهاجرين، فلما حصلت الهجرة واختلط المهاجرون بالأنصار تعلم نساء المهاجرين من نساء الأنصار، وعلى كل حال الغلبة هذه يغلبن الكريم؛ لأنهن عوان عندكم أسيرات، لا بد من مراعاة ما يطلبنه لكن بحدود.

المقدم: صحيح.

على الرجل أن يراعي هذه المرأة التي هي على كل حال ولي أمرها، وهي أسيرة عنده، وعليها أيضًا أن تراعي ظروفه ومشاكله.

قلت: "قد كنت أظن أن هذا كائن"، فصار من نساء النبي -عليه الصلاة والسلام- بسبب الخلطة شيء من المطالب التي قد ترهق النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصار يحصل بعض الأمور التي بلغت عمر -رضي الله عنه- وتدخل في بعض الأمور، وعوتب من قبل بعض أمهات المؤمنين، لكن يبقى أنه توقع عمر -رضي الله عنه- هذا.

"قد كنت أظن أن هذا كائن حتى إذا صليت الصبح شددت علي ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة" يعني أم المؤمنين بنته، قال الكرماني: فإن قلت: ما العظمة فيه؟ ما العظمة فيه؟ حتى لو صار طلاقًا ماذا صار؟ يعني  الكرماني يقول: ما العظمة فيه؟ يعني الطلاق أمر مشروع في الإسلام، ومقرر حل لكثير من المشاكل التي لا يمكن حلها إلا به.

يقول: فإن قلت: ما العظمة فيه؟ قلت: كونه مظنة للطلاق؛ كونه مظنة للطلاق وهو عظيم، الطلاق عظيم بلا شك بالنسبة لعمر، فإن ابنته إحدى زوجاته، زوجات النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن الطلاق بالنسبة لأمهات المؤمنين شيء عظيم.

المقدم: صحيح.

ولذويهن أمر عظيم جدًّا، يعني كون المرأة بصبحته -عليه الصلاة والسلام-، وأقرب الناس إليه في الدنيا والآخرة، نعم؛ كونها تخسر..

المقدم: صحيح.

 مثل هذا الشخص.

المقدم: اللهم صلِّ وسلم وعليه.

كارثة يعني خسارة فادحة لا يمكن أن تتعوض، ولذلك قال: "حدث أمر عظيم".

المقدم: فضيلة الدكتور فيما يتعلق بالحوار الذي دار بين عمر وبين حفصة -رضي الله عنهما-  أستأذنك في أن نؤجله، والحديث عن هذه القضية أيضًا في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى في تفصيل بقية الحديث.

مستمعينا الكرام نستكمل معكم بإذن الله بقية الحديث في الحلقة القادمة مع فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، شكرًا لطيب متابعتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.