شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (176)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".

مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- وفي "باب عظة الإمام النساء وتعليمهن"، توقفنا عند أطراف الحديث، لنبدأ هذه الحلقة بذكر أطرافها إذا تكرمت فضيلة الشيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فالحديث خرجه الإمام البخاري في ستة عشر موضعًا، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- يكرر كثيرًا، كرر حديث جمل جابر، حديث جابر في قصة الجمل، في عشرين موضعًا، فهو يكرر الأحاديث، ويقطع الأحاديث، في الأبواب يترجم على كل جملة من جمله تبعًا لما يستنبط منه من أحكام، تراجمه هذه هي فقهه، ولذلك نُعنى بها، ونهتم بها، فهذا فقهه المبني على الدليل، ولذلك احتمال أن يكون حلقة، أو أكثر من حلقة لهذه المواضع، مربوطًا؛ نربط فيها بين ترجمة الإمام التي هي فقهه بالخبر وكيفية الاستنباط على ضوء ما تقدم باختصار، وإلا لو بسطنا كل مسألة ما انتهينا إلى شيء.

 على كل حال هذا الحديث مما كرره الإمام البخاري، وأكثر من تكراره؛ حيث خرجه في ستة عشر موضعًا، هناك أحاديث لم يكررها البخاري، وبعضها في موضع أو موضعين، لكن هذا الحديث مثل ما ذكرنا أكثر من تكراره.

فالموضع الأول هنا في كتاب العلم، في باب "باب عظة الإمام النساء وتعلميهن" قال -رحمه الله تعالى-: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَال:  أَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ قَالَ عَطَاءٌ: أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فذكر الحديث، وسبق ذكر المناسبة، وسبق ذكر المناسبة، هذا كلامنا على أول الحديث.

 والموضع الثاني: في "كتاب الأذان، في باب وضوء الصبيان"، ومتى يجب عليهم الغُسل، والطهور وحضورهم الجماعة، والعيدين، والجنائز، وصفوفهم، الثاني في كتاب الأذان تأمل، في كتاب الأذان في باب وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغُسل، والطهور، وحضورهم الجماعة، والعيدين، والجنائز، والصفوف، ما علاقة هذا الكلام بكتاب الأذان..؟

المقدم: ذكرنا مرة أنه يعني يدرج حديثًا في كتاب الأذان، وإن كانت تخص الصلاة.

نعم. نعم، مر بنا مرارًا أن الإمام البخاري أدرج كثيرًا من أبواب الصلاة في كتاب الأذان، وهذا مجرد اجتهاد ممن رقَّم الكتاب، هذا مجرد اجتهاد ممن رقم الكتاب؛ ليوافق ترقيم "المعجم المفهرس".

 يقول الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ قال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ رَجُلٌ: شَهِدْتَ الْخُرُوجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْلاَ مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ -يَعْنِي مِنْ صِغَرِهِ- أَتَى الْعَلَمَ الَّذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ، فذكر الحديث بنحوه، مناسبة الحديث للباب في قول ابن عباس: ولولا مكاني منه ما شهدته –يعني لصغره-، فمثله لا مانع من حضوره للأمر، بالأمر للصبي في الصلاة لسبع وضربه عليها لعشر؛ لأنه يقول: ومتى يجب عليهم الغسل، حضورهم الجماعة، ابن عباس صغير جدًّا في هذه الواقعة.

المقدم: وبالتالي حضر.

حضر، وحضورهم الجماعة. الآن نقول حضور أم شهود، ويقول: شهدتُ أي شهدتَ، شهدت الخروج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: نعم، ولولا مكاني منه ما شهدته، يعني من صغره لقربه من النبي- عليه الصلاة والسلام-، فابن عباس ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- زوج خالته ميمونة، المقصود أنه لقربه منه شهد، هل هناك فرق بين شهد وحضر؟ لأن في الترجمة يقول حضورهم الجماعة والعيدين.

المقدم: وفي المتن (شهدت)؟

يقول: شهدت قال له رجل: شَهِدْتَ الْخُرُوجَ نعم، ولولا مكاني منه ما شهدته، الحضور والشهود معنى واحد، الحضور والشهود معنى واحد، المحدثون عن "باب الاستطراد والفائدة" من بلغ الخمس، من بلغ الخمس سنين في مجالس التحديث يقولون: "روى وسمع"، ومن لم يبلغ الخمس يقولون: "حضر أو أُحضر"، ولا يثبتون له سماعًا، ففرق بين السماع ومجرد الحضور، لكن هناك فرق بين الشهود والحضور؟ هنا ما فيه فرق، ما فيه فرق.

والموضع الثالث: في "كتاب العيدين في باب الخطبة بعد العيد" وضوء الصبيان يؤخذ من قصة ابن عباس من كونه شهد العيد، والعيد مما يتطلب الوضوء، متى يجب عليهم الغُسل والطهور؟ إنما يجب عليهم بوجوب الصلاة عليهم بالتكليف، وأما مجرد حضورهم الجماعة، والعيدين، والجنائز، والصفوف، مثل هؤلاء إذا اتجه إليهم الأمر بالصلاة، وذلك لسبع، فمثل هؤلاء يحضرون، وسيأتي في كتاب الصلاة متى يحضر الصبي؟ متى يحضر؟ ومتى يلزم؟ وهل إذا حضر قبل السبع ابن ست سنين مثلًا هل تصح مصافته؟ هل يكون وجوده في الصف مؤثرًا ولا غير مؤثر؟ يأتي إن شاء الله تعالى بسطه.

الموضع الثالث: في "كتاب العيدين في باب الخطبة بعد العيد" في باب الخطبة بعد العيد، قال: حدثنا أبو عاصم قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: شهدت العيد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة، كلهم كانوا يصلون قبل الخطبة، والترجمة باب الخطبة بعد العيد..

المقدم: بعد الصلاة.

يعني بعد صلاة العيد.

 ثم قال أيضًا: وهو الموضع الرابع بنفس الباب، حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا شعبة عن عَدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى يوم الفطر ركعتين ثم أتى النساء، وهذا أصرح، يعني كرره في الموضع نفسه لصراحته، وإلا فالاستنباط واحد، الحكم الشرعي المستنبط واحد الذي هو الترجمة، يقال: لماذا كرره؛ لأنه أصرح. صلى يوم الفطر ركعتين ثم أتى النساء، الأمر الثاني أن البخاري –رحمه الله تعالى- لا يكرر حديثًا في موضعين بسنده ومتنه دون فائدة زائدة، وإذا نظرنا إلى السند، نجد فيه اختلافًا، والمتن أيضًا فيه اختلاف، وإذا كرره، المناسبة في قولهم: فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة، وفي الثاني: صلى ثم أتى النساء، فدل على أن الخطبة بعد الصلاة.

الموضع الخامس في "كتاب العيدين، باب خروج الصبيان إلى المُصلى" في كتاب العيدين، باب خروج الصبيان إلى المُصلى، قال: حدثنا عمرو بن عباس قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان عن عبد الرحمن قال: سمعت ابن عباس قال: خرجت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم فطرٍ أو أضحى ثم خطب، والمناسبة في كون ابن عباس صبيًّا آنذاك، وخرج إلى المصلى، خرجت مع النبي، خرجت مع النبي- صلى الله عليه وسلم-، وهو صبي، والترجمة باب خروج الصبيان إلى المصلى.

الموضع السادس في "كتاب العيدين، باب العلم الذي بالمصلى" العلم الذي بالمصلى، قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن سفيان، قال: حدثني عبد الرحمن بن عابس، قال سمعت ابن عباس -رضي الله عنه- قيل له: أشهدت العيد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت، فصلى ثم خطب، فصلى ثم خطب، المناسبة في كونهم جعلوا للمصلى شيئًا يعرف به، وهو المراد بالعلم والشيء الشاخص، حتى أتى العلم الذي عند ذلك كثير بن الصلت.

المقدم: وهذا العلم موضوع لـ يعرفه الناس.

نعم؛ لكي يعرفه الناس.               

المقدم: أن هذا المكان للتجمع.

نعم.

المقدم: يعني ما كان عندهم مصلى معروف مضروب هذا مصلى للعيد والاستسقاء؟

النبي -صلى الله عليه وسلم- يخرج إلى المصلى، والمصلى لا شك أنه قد يكون متميزًا بنفسه، بحيطانه، ولذا له أحكامه، ففي حديث أم عطية: أمرنا أن نخرج الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ؛ لَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، ويعتزل الحيض المصلى.

المقدم: مما يدل على أنه معروف.

نعم معروف، ولكن هنا زيادة في المعرفة؛ لئلا يأتي حديث إسلام مثلًا لم يشهده قبل ذلك ليعرف به.

المقدم: أو يكون العلم يا شيخ مقدمة المصلى، بحيث لا يتجاوزه الناس، ويُعرف أن هذا مكان الخطيب، فما يتقدمون إلى الأمام؟

المقصود: أن المُصلى فيه علم، وهو شيء شاخص؛ لكي يُعرف به.

والموضع السابع في "كتاب العيدين في باب موعظة الإمام النساء يوم العيد"، قال ابن جريج: وأخبرني الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: شهدت الفطر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- يصلونها قبل الخطبة ثم يخطب بعد.. الحديث.

وليس فيه التنصيص على لفظ الموعظة، ليس فيه التنصيص على لفظ الموعظة، والترجمة في كتاب العيدين في باب موعظة الإمام النساء يوم العيد، وعرفنا مرارًا أن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- قد يترك اللفظ الصريح في موضعه؛ ليستحضر القارئ المواضع الأخرى، فكأنه يحيل بالترجمة إلى موضعٍ آخر، من أوضح ما مر بنا "باب رفع المصلي بصره إلى السماء"، باب رفع المصلي بصره إلى السماء، وقوله -جل وعلا-: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية 17]، باب رفع البصر إلى السماء {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} يعني التي بعدها، {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية:18]، هذه أصرح، لكن ليجعل القارئ مرتبطًا بما قبل ما يذكر، وما بعده، وهذه عادة عنده يؤثر الإغراب أحيانًا؛ لكي يلفت نظر القارئ إلى ما هو أهم.

الموضع الثامن في "كتاب العيدين، في باب الصلاة قبل العيد وبعدها"، باب الصلاة قبل العيد وبعدها، وقال أبو المعلى: سمعت سعيدًا عن ابن عباس كره الصلاة قبل العيد؛ يعني صلاة النافلة قبل صلاة العيد وبعدها أيضًا قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا علي بن ثابت قال: سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج يوم الفطر فصلى ركعتين، لم يصلِّ قبلهما، ولا بعدهما، المناسبة ظاهرة أم غير ظاهرة؟ المناسبة ظاهرة، باب الصلاة قبل العيد، لكن قوله: باب الصلاة قبل العيد وبعدها هل هذا إثبات للصلاة؟ أو نفي للصلاة؟

المقدم: هذا إثبات يا شيخ.

باب الصلاة قبل العيد وبعدها إثبات ويقول: صلى ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما، أو باب الصلاة قبل العيد وبعدها ما حكم ذلك؟ يعني ما حكم ذلك؟ ثم يرجح بالدليل الصلاة قبل العيد، الآن الارتباط بالعيد أو بمكانه؟

المقدم: يظهر الارتباط بالمكان.

النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج يوم الفطر وصلى ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما.

المقدم: يظهر الارتباط بالمكان.

بالمكان، فإذا صليت العيد بالمساجد..

المقدم: تحية المسجد.

تحية المسجد، فلا يجوز حتى يصلي ركعتين، هل هذا باطراد أو للإمام خاصة؟ الآن في صلاة الجمعة وهي في مسجد..

المقدم: الإمام يدخل ولا يصلي.

ولا يصلي.. ويسن له أن يصلي بعدها في بيته، أفضل من صلاته في المسجد، فهل نقول: إن هذا خاص بصلاة العيد أن لا نصلى قبلها ولا بعدها؟ أو نقول: الذي من كان حاله كحال النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يصلي قبلها ولا بعدها؟

المقدم: الإمام

النبي -عليه الصلاة والسلام- قدوة، لكنه قدوة باعتبارات، قدوة باعتبارات، فيقتدي به الأئمة في مسائل الإمامة، ويقتدي به الإمام الأعظم فيما يخصه، ويقتدي به القاضي فيما يخصه، ويقتدي به عموم المسلمين فيما يخصهم.

الآن هل نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- خرج يوم الفطر صلى ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما باعتباره إمامًا، ونقول مثل هذا في الجمعة مثلًا؟ نقول: الرسول -صلى الله عليه وسلم- دخل الجمعة، وصعد المنبر، دخل الجمعة وصعد المنبر، هل نقول للناس: يقتدون به فلا يصلون قبلها، النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الذي جلس..

المقدم: قم فصلِّ.

 قم فصلِّ ركعتين وتجوز فيهما، فالأئمة يقتدون به في هذا، هل نقول مثل هذا الكلام في صلاة العيد؟ بأن لا نصلي قبلهما ولا بعدهما؟ لا شك أن مصلى العيد ليس له أحكام المسجد من كل وجه، المسجد له أحكام، مصلى العيد له أحكام دون أحكام المسجد، مصلى الجنائز عند الفقهاء له أحكام دون أحكام مصلى العيد. فاللفظ محتمل أنه صلى ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما باعتباره إمامًا؛ لأنه جاء وانشغل بالصلاة، ولكن من جاء قبل إقامة الصلاة يجلس أو يصلي؟

المقدم: قبل إقامة الصلاة.

قبل أن يبدأ في الصلاة.

المقدم: في العيدين؟

في العيدين نعم.

المقدم: وهو في المسجد يا شيخ؟

أما في المسجد فالنص ظاهر فلا يجلس حتى يصلى ركعتين، وأما في مصلى العيد فالمسألة محتملة، وكراهة الركعتين قبل صلاة العيد وبعدها معروفة عند أهل العلم، ومنهم من يقول: هذا خاص بالإمام؛ فالإمام لا يصلي يشرع في الصلاة المباشرة فلا يصلي، وأما ما عداه فالأمر فيه سعة.

المقدم: والذين كرهوه ما كرهوه من أجل وقت النهي يا شيخ المتحقق في وقت..

لا لا ليس لهذا، إنما لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يصلِّ قبلها ولا بعدها، فيه نص على هذا.

الموضع التاسع في "كتاب الزكاة، في باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها"، باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها قال: حدثنا مسلم، قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا عَدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: خرج النبي –صلى الله عليه وسلم- يوم عيدٍ فصلى ركعتين لم يصلِّ قبل ولا بعد، ثم مال على النساء ومعه بلال فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن الحديث.

الترجمة باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها، فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن، الوعظ والأمر بالصدقة لا شك أنه تحريضٌ عليها الذي هو لفظ الترجمة، قال ابن حجر: قال الزين بن المنير: يجتمع التحريض والشفاعة، يجتمع التحريض والشفاعة في أن كلًّا منهما إيصال الراحة للمحتاج، التحريض والشفاعة في أن كلًّا منهما إيصال الراحة للمحتاج.

ويفترقان في أن التحريض معناه "الترغيب" بذكر ما في الصدقة من الأجر، والشفاعة فيها معنى السؤال والتقاضي للإجابة، هذا كلام ابن المنير، ويفترقان؛ لأن الشفاعة لا تكون إلا في خير، بخلاف التحريض، وبأنها قد تكون بغير تحريض.

الآن عندنا "باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها"، والحديث فيه فوعظهن وأمرهن، لو أراد المطابقة التامة، لقال باب الأمر بالصدقة والوعظ فيها، بدل من التحريض على الصدقة والشفاعة فيها، أما التحريض على الصدقة فهو مأخوذ من الأمر بلا شك، والشفاعة فيها كأن الوعظ يدل عليها، وكأنها شفاعة للمحتاجين عند هؤلاء النسوة من النبي -عليه الصلاة والسلام-، حينما وعظهن أن يتصدقن، يتصدقن على من؟

المقدم: على المحتاج.

على المحتاجين، فهذه شفاعة من الرسول -عليه الصلاة والسلام- لدى هؤلاء النسوة من أجل المحتاجين.

والموضع العاشر "في كتاب الزكاة أيضًا، في باب العرض في الزكاة"، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا إسماعيل عن أيوب عن عطاء بن أبي رباح قال: قال ابن عباس: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِع النِّسَاءَ فَأَتَاهُنَّ وَمَعَهُ بِلَالٌ نَاشِر ثَوْبه، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ، فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي وَأَشَارَ أَيُّوبُ إِلَى أُذُنِهِ وَإِلَى حَلْقِهِ. المراد بالعرض ماعدا النقدين، ماعدا النقدين وهو بفتح المهملة وسكون الراء، العرض ماعدا النقدين، وهو بفتح المهملة وسكون الراء، وذكر البخاري في الباب، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تصدقن ولو من حليكن» فلم يستثنِ صدقة العرض من غيرها، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها، ولم يخص الذهب والفضة من العروض.

الآن باب العرض في الزكاة، هل البخاري ترجم بهذه الترجمة عرض الزكاة على ما جاء في الحديث من إلقاء؟ نعم. الخروص والسخاب.

 طيب افترض أن هذه الخروص والسخاب ذهب أو فضة، ولا يوجد معهما غير الذهب والفضة، هل ينطبق الحديث على الترجمة؟ أو نقول: إن الذهب والفضة، الذهب والفضة نقد ولو ضرب؟ الآن المرأة جعلت تلقي خرصها، وسخابها، افترضنا أن الخروص والسخاب هذه ذهب، يكون فيهم مطابقة بين الحديث والترجمة، والترجمة في باب العرض في الزكاة، والعرض ماعدا الذهب والفضة، ماعدا النقدين، ماعدا النقدين، فهل نقول: إن الذهب المصوغ المضروب.

المقدم: ليس من النقدين.

يخرج عن كونه نقدًا أو يستمر نقدًا؟

المقدم: يستمر نقدًا.

ولذا يجري فيه الربا، يجري فيه الربا، خلافًا لمن يقول: الصياغة والصناعة تخرجه عن ذلك، فالترجمة في كونه أطلق -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: البخاري ما يقل بهذا يا شيخ؟ بكون الذهب إذا ضرب خرج من النقدين؟ ما كان له رأي في هذا؟

الآن معنا ما نعرفه، وأمرهن أن يتصدقن بأي شيءٍ كان.

المقدم: طيب.

عموم هذا يشمل الذهب والفضة، وغير الذهب والفضة، وإذا قال: فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها، ولم يخص الذهب والفضة من العروض. يعني ما عين الذهب والفضة، إنما قبل كل ما أعطي -عليه الصلاة والسلام-، وما ذكره هو طرف من حديث ابن عباس، قاله ابن حجر وقال: وقوله فلم يستثن، وقوله أيضًا فلم يخص كلاًّ من الكلامين من البخاري ذكرهما بيانًا لكيفية الاستدلال على أداء العروض في الزكاة.

المقدم: البخاري أدخلها في لفظ الحديث؟

لا لا. "تعقيب الحديث".

المقدم: تعقيب.

بيانًا لكيفية الاستدلال على أداء العروض في الزكاة هو مصيرٌ منه؛ لأن مصارف الصدقة الواجبة كمصارف صدقة التطوع بجامع ما فيهما من قصد القربة، بجامع ما فيهما من قصد القربة سواء إن كانت صدقة تطوع، أو صدقة واجبة، الآن حينما يُطلب تبرعات مثلًا حينما يطلب تبرعات، فالطالب هذا الذي يطلب التبرعات إن كانت من مصارف الزكاة، فلا يلزمه أن يبيّن؛ لأنه مهما أُعطي من صدقات واجبة، أو نوافل تصلح لمصارف الزكاة، لكن إذا كان يطلب التبرعات لغير مصارف الزكاة فلا بد أن يبين. ويقول:..

المقدم: لأن مصارف الزكاة أضيق وأقل.

أضيق، بجامع ما بينهم من قصد القربة، والمصروف إليهم، بجامع الفقر والاحتياج إلا ما استثناه الدليل، وقال ابن رُشيد: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم، لكن قاده إلى ذلك الدليل، قاده إلى ذلك الدليل، فكيف وافق الحنفية في قبول العروض في الزكاة، في قبول العروض في الزكاة؟ وأجاب الجمهور: الأدلة التي ذكرها... بأدلة نذكرها إن شاء الله تعالى في كتاب الزكاة؛ لأنه يطول بحث المسألة.

المقدم: باقي ستة من الأطراف، لعلنا إن شاء الله أن نستفتح بها الحلقة القادمة، إن أذنتم لنا فضيلة الشيخ.

 أيها الإخوة والأخوات؛ بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، بقية أطراف هذا الحديث نأتي عليها بإذن الله في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.