شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (268)

 

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح". مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بضيف اللقاء فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: لتذكير الإخوة والأخوات نحن في كتاب الوضوء من هذا الكتاب، في باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن، الحديث مائة واثني عشر بحسب المختصر، مائة وسبعة وثلاثين بحسب الأصل، في حديث عبد الله بن زيد، توقفنا عند وعد الإخوة والأخوات بإكمال المسائل المتعلقة بالشك واليقين في هذه المسائل، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد،

في آخر الحلقة السابقة ذكرنا رأي الإمام مالك فيما رواه عنه ابن القاسم أنَّه إذا شك في الحدث بعد تيقن الطهارة أنَّه عليه الوضوء، وذكرنا الحجة لرواية ابن القاسم هذه، وهو أننا تعبدنا بأداء الصلاة بيقين الطهارة، فإذا طرأ الشك عليها فقد أبطلها، وذكرنا رأي الحافظ العراقي وترجيحه لرأي مالك؛ لأنَّ مالكًا احتاط للصلاة وهي المقصد، وغيره احتاط للطهارة وهي الوسيلة، والاحتياط للمقاصد أولى من الاحتياط للوسائل. هذا كلام مقبول نظريًّا، لولا ورود حديث الباب لكان الكلام مقبولًا.

يقول ابن حجر: جوابه أنَّ ذلك قوي من حيث النظر، لكنه مغاير لمدلول الحديث؛ لأنَّه أُمر بعدم الانصراف لا أن يتحقق.

في مختصر الخرقي، وهو من متون الحنابلة المشهورة، لو قيل: إنَّه أشهر المختصرات وأقدم المختصرات عند الحنابلة لما بعد، وعليه من الشروح يعني عناية الحنابلة بهذا الكتاب أمر عجب، حتى قيل: إنَّه شرح من قِبل ثلاثمائة شارح.

المُقَدِّم: وأشهرها؟

أشهرها المُغني، في مختصر الخرقي يقول: مسألة.

المُقَدِّم: طُبِع يا شيخ المُغني معه، وطُبع مفردًا أم لا.

الخرقي، طُبع مفردًا مرارًا.

المُقَدِّم: نعم.

طُبع مفردًا مرارًا، وطُبع مع المغنى، مع الشروح الأخرى، شرحه الزركشي، وشرحه جمع من أهل العلم، أكثر من ثلاثمائة شارح.

المُقَدِّم: الشرح الكبير.

أين؟ لا.

المُقَدِّم: ليس له.

شرح الزركشي مطبوع في ثمانية مجلدات، ومطبوع في أربعة، حقق أكثر من مرة، وأمَّا الشرح الكبير فهو على المقنع، وطُبع مع المغني.

المُقَدِّم: نعم.

لأنَّ جلَّ مادة الشرح الكبير مستقاة من المُغني، فهو ينقل عن المُغني الصفحات بالحرف، ويزيد عليها أشياء يسيرة.

المُقَدِّم: فألحق بالمغني لها السبب.

لهذا السبب نعم، مع أنَّه إذا وجد كتابان بهذه المثابة، لا شك أنَّ الثاني ينفضح.

المُقَدِّم: صحيح.

وإن نصَّ على أنَّه استمده من كتاب شيخه الإمام الموفق، فإذا طبعت كتابين لا يفصل بينهما إلا خط وجدت الكلام في الكتاب الأول والثاني متطابقًا مشكلة.

المُقَدِّم: صح.

لكن مع ذلك هم لا يضيرهم هذا؛ لأنَّهم لا ينظرون إلى أنَّ هذا اعتداء، أو إخلال بالأمانة العلمية؛ لأنَّهم بينوا، ووضحوا، وطريقتهم معروفة، والمُغني بدل من أن يخدم مختصر الخرقي الشارح، في الشرح الكبير يخدم كتاب المُقنع للإمام الموفق، وهو أكثر مسائل، فشرح المُقنع مهم ما يُقال يُستغنى عنه بالمُغني؛ لأنَّ هناك مسائل في الشرح في المُقنع لا توجد في مختصر الخرقي، نعود إلى النقل عن مختصر الخرقي، قال: مسألة، ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو على ما تيقن منهما.

يقول الموفق في شرحه المُغني: يعني إذا علم أنَّه توضأ وشك هل أحدث أو لا بنى على أنَّه متطهر، إذا توضأ وشك هل أحدث أو لا بنى على أنَّه متطهر، وإن كان مُحدثًا فشك هل توضأ أو لا، فهو مُحدث يبني في الحالتين على ما علمه قبل الشك، ويُلغي الشك، وبهذا قال الثوري وأهل العراقي والأوزاعي والشافعي وسائر أهل العلم فيما علمنا إلا الحسن ومالكًا، فإنَّ الحسن قال: إن شك في الحدث في الصلاة مضى فيها، وإن كان قبل الدخول فيها توضأ، وهذا سبق نقله عن مالك. قال: إن شك في الحدث في الصلاة مضى فيها، وإن كان قبل الدخول فيها توضأ، والدليل على هذا القول ما نصَّ عليه الحديث «الرجل يخيل إليه في صلاته» فجعلوا هذا قيدًا، يخرج ما كان خارج الصلاة، ويترتب عليه إبطال العبادة، وتقدم الرد على هذا التوجيه.

وقال مالك: إن شكَّ في الحدث- هذا كلام صاحب المُغني-، وقال مالك: إن شكَّ في الحدث إن كان يلحقه كثيرًا فهو على وضوئه، يعني كان مبتلى بهذا بحيث تلحقه المشقة الشديدة في الخروج من صلاته، أو في نقض الوضوء بمجرد هذا الشك فهو على وضوئه، وإن كان لا يلحقه كثيرًا توضأ؛ لأنَّه لا يدخل..، نظير ما يقوله أهل العلم فيمن حدثه دائم، إن كان شيئًا يسيرًا يتوضأ، إن كان كثيرًا فهو دائم وله حكمه على ما سيأتي، وإن كان لا يلحقه كثيرًا توضأ؛ لأنَّه لا يدخل في الصلاة مع الشك.

يقول: "ولنا".. هذه طريقتهم في الاستدلال لمذهبهم، يذكرون مسألة في المذهب ثم يذكرون المخالف، ثم يذكرون دليل المذهب، وبعضهم يُعبِّر بعبارة فيها شيء من القسوة، دليلنا ثم يذكر يقول دليل الخصوم، دليل الخصوم، والخصم بمعنى المخالف، والمخالفة في الرأي لا تؤدي إلى المخالفة في القلب بحيث تؤدي إلى موالاة ومعاداة بسبب خلاف يحتمله الدليل، ولنا ما روى عبد الله بن زيد قال: شُكيَ إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الرجل يخليل إليه وهو في الصلاة أنَّه يجد الشيء، قال: «لا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا» متفق عليه.

ولمسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:« إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا»؛ ولأنَّه إذا شك تعارض عنده الأمران، فيجب سقوطهما كالبينتين إذا تعارضتا ويرجع إلى اليقين، فهو على يقين طهارة، فالشك تعارض عنده الطهارة مع الحدث فنرجع إلى اليقين، الأصل أنَّه مُحدث ثم تعارض عنده وجود الطهارة بعد هذا الحدث، أو عدم وجودها نرجع إلى الأصل وهو عدم الطهارة.

يقول: ولا فرق بين أن يغلب على ظنه أحدهما أو يتساوى الأمران عنده؛ لأنَّ غلبة الظن إذا لم تكن مضبوطة بضابط شرعي لا يُلتفت إليها، هذه مهمة، يقول: ولا فرق بين أن يغلب على ظنه أحدهما أو يتساوى الأمران عنده؛ لأنَّ غلبة الظن إذا لم تكن مضبوطة بضابط شرعي لا يُلتفت إليها، كما لا يلتفت الحاكم إلى قول أحد المتداعيين إذا غلب على ظنه صدقه بغير دليل.

 ثم قال: فصلٌ: إذا تيقن الطهارة والحدث معًا، يعني إذا تيقن الطهارة والحدث، تيقن أنَّه متوضئ، وتيقن أنَّه مُحدث، وشكَّ في السابق منهما، ماذا يصنع؟ يقول: ولم يعلم الآخر منهما مثل من تيقن أنَّه كان في وقت الطهر، في وقت الظهر متطهرًا مرة ومُحدثًا أخرى، ولا يعلم أيَّهما كان بعد صاحبه، فإنَّه يرجع إلى حاله قبل الزوال، ماذا كان عليه قبل الزوال؟ مُحدث أم متطهر؟

 المُقَدِّم: يبني عليه.

إن كان محدثًا فرفع هذا الحدث لم يتيقنه؛ لأنَّه مشكوك في رفعه، وجد منه الوضوء، ووجد منه الناقض، فهذان يتساقطان كما قال: كالبينتين إذا تعارضتا فيُرجع إلى اليقين وهو ما قبل الزوال، هو في هذه الصورة مُحدث، وبالعكس إذا كان متطهرًا.

يقول: فصلٌ: إذا تيقن الطهارة والحدث معًا ولم يعلم الآخر منهما مثل من تيقن أنَّه كان قبل وقت الظهر متطهرًا مرة ومُحدثًا أخرى، ولا يعلم أيَّهما كان بعد صاحبه فإنَّه يرجع إلى حاله قبل الزوال، فإن كان محدثًا فهو الآن متطهر، فهو بضد حاله قبلهما، ما معنى بضد حاله قبلهما؟ هو محدث قبل الزوال وبيقين رفع هذا الحدث، ثم هذا الرفع مشكوك فيه.

المُقَدِّم: فبضده.

فهو بضد حاله قبل الزوال، قلنا إنَّ حاله قبل الزوال محدث، وبعد الزوال أحدث وتوضأ، أو توضأ وأحدث لا يعلم أيُّهما السابق، نعرف أنَّه رفع الحدث بيقين الذي قبل الزوال، ثم لا نعلم، نقض هذا الحدث، هل النقض وقع قبل رفع الحدث، أو بعده؟ هذا مشكوك فيه فنرجع إلى ضد حاله قبل الزوال، فإن كان محدثًا فهو الآن متطهر؛ لأنَّه متيقن من أنَّه قد انتقل عن هذا الحدث إلى الطهارة، ولم يتيقن زوالها، والحدث المتيقن بعد الزوال يحتمل أن يكون قبل الطهارة، ويحتمل أن يكون بعدها، فوجوده بعدها مشكوك فيه، فلا يزول عن طهارة متيقنة بشك وإن كان قبل الزوال متطهرًا فهو الآن محدث لما ذكرنا في الطرف الآخر.

إن كان قبل الزوال متطهرًا، ثم بعد الزوال تطهر ونقض الوضوء، أو نقض الوضوء وتطهر، لا يدري أيُهما السابق فهو بضد حاله قبل الزوال؛ وعلى هذا يُحكم بأنَّه نقض الطهارة بيقين وتطهر طهرًا مشكوكًا فيه فهو بضد حاله قبلهما.

الشك بعد الفراغ من العبادة، الآن إذا شك وهو في صلاته، إذا شك وهو في صلاته، شك هل انتقض الوضوء أو لا في صلاته فلا ينصرف، شك هل صلى اثنتين أو ثلاثًا يبني على اليقين، واليقين هنا هو الأقل وهذا في الصلاة، لكن إذا انتهت العبادة، ثم شك، طرأ عليه شك فيه مبطل، شك أنَّه صلى. 

المُقَدِّم: فهو على غير طهارة.

كيف؟

المُقَدِّم: شك أنَّه صلى وهو على غير طهارة مثلًا.

صلى ثلاثًا في رباعية مثلًا، شك أنَّه ما أتى بركعة رابعة بعد الفراغ من العبادة.

المُقَدِّم: لا يلتفت.

لا يُلتفت إليه، أقول: إذا عُلم هذا فإنَّ الشك بعد الفراغ من العبادة لا يُلتفت إليه، يقول ابن عبد القوي في نظمه للمُقنع المسمى عقد الفرائض وكنز الفوائد، هذه منظومة كبيرة جدًّا في مجلدين، نظم للمُقنع دالية من أهم المنظومات في الفقه، ومن أوعبها لمسائل الفقه، يعني في مجلدين يمكن أربعة عشر ألف، أو خمسة عشر ألف بيت.

المُقَدِّم: لا إله إلا الله.

نعم، والعناية بها مهمة، وأذكر أنَّ الشيخ ابن سعدي- رحمه الله- نسخ هذا النظم، ونسخ مع كل باب من أبواب النظم ما يُقابله من الإنصاف، يعني مجرد وضع كتاب مع كتاب، يعني الشيخ ما شرح، يعني نسخ النظم، ونسخ معه الإنصاف؛ لأنَّ الإنصاف شرح للمُقنع، الإنصاف كتاب يعتني بالمذهب وروايات المذهب، وهو مناسب جدًّا لهذا النظم؛ لأنَّهما يدوران حول كتاب واحد، هذا نظمه، وهذا شرحه، فكأنَّ شرح الأصل شرح للنظم، لكن لو أنَّ الشيخ- رحمة الله عليه- علَّق على النظم من علمه وبأسلوبه وطريقته لكان نفعه أعظم؛ لأنَّه في هذا لم يزد على أن نسخ نسخة من الإنصاف، والشيخ- رحمة الله عليه- عنده من القدرة والمكنة والاستطاعة مما يشرح به هذا النظم الذي أشكل كثيرٌ منه على كثير من المتعلمين، الكتاب فيه صعوبة النظم، وفيه أيضًا ما يرجع إلى عدم وجود نسخة أصلية موثقة عتيقة، النسخ الموجودة كلها متأخرة، فحصل من ذلك وعورة في فهم بعض الأبيات، وأخطاء في الألفاظ، فلو أنَّ الشيخ تصدى لهذا الكتاب بطريقته، وأجزم أنَّ الشيخ لا يحتاج إلى مراجع في مثل هذا، يأخذ البيت اللهم إلا إلى بعض المراجع اللغوية؛ لأنَّ بعض الألفاظ يضطر الناظم إلى أن يُغرب فيها من أجل الوزن، وطلاب العلم بحاجة إلى كشف مثل هذه الألفاظ، ولو انبرى له بارع متمكن في اللغة والشعر مع الفقه لأبدع فيه، وأحسن إلى طلاب العلم في شرح هذا النظم.

يقول:

وما الشك بعد الفراغ مؤثر          يقاس على هذا جميع التعبد

رجل حج ورجع إلى أهله وبعد أن رجع قال: لا أدري أنا طفت طواف الإفاضة، أو طواف كذا، أو كملت السعي سبعة أشواط مجرد شك، هذا بعد الفراغ من العبادة لا يُلتفت إليه.

 وما الشك بعد الفراغ مؤثر          يقاس على هذا جميع التعبد

في الأشباه والنظائر في القواعد الفقهية للسيوطي، وهو من أجمل ما صُنف في القواعد الكلية والقواعد أيضًا الأغلبية، وإذا ضم هذا إلى قواعد ابن رجب صار عند طالب العلم معرفة بالقواعد وتصور شبه تام عن القواعد الكلية للشريعة، القواعد العامة للشريعة.

 يقول: القاعدة الثانية: اليقين لا يزول بالشك، ودليلها قوله- صلى الله عليه وسلم-:« إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا» رواه مسلم من حديث أبي هريرة، وأصله في الصحيحين عن عبد الله بن زيد فذكره، ذكر حديث الباب، وذكر غيرهما من الأدلة ثم قال: اعلم أنَّ هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه، والمسائل المتخرجة، المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه، وأكثر، ولو سردتها هنا لطال الشرح، ولكن أسوق منها جملة صالحة فأقول: يندرج في هذه القاعدة قواعد، هذه القاعدة يندرج فيها قواعد، وكل قاعدة من هذه القواعد يندرج تحتها فروع، يندرج في هذه القاعدة قواعد منها قولهم:

الأصل بقاء ما كان على ما كان، فمن أمثلة ذلك، من تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو فهو متطهر، من شك في الطهارة، من تيقن في الطهارة وشك في الحدث فهو متطهر، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث، ثم قال:

قاعدة.

الأصل براءة الذمة؛ ولذلك لم يُقبل في شَغل الذمة شاهد واحد، الأصل براءة الذمة، ولا ننتقل عن هذا الأصل إلا بناقل قوي، قال: ولذلك لم يُقبل في شَغل الذمة شاهد واحد ما لم يعتضد بآخر أو يمين المُدَّعي، وكذا أيضًا كان القول قول المُدَّعى عليه؛ لموافقته الأصل, ثم قال: قاعدة: ..أنا تركت الفروع.

المُقَدِّم: نعم.

يعني نذكر فرعًا فرعًا، ونترك الباقي للإطالة.

قاعدة: من شك أفعل شيئًا أم لا، فالأصل أنَّه لم يفعله، ويدخل فيها قاعدة أخرى: من تيقن الفعل وشك في القليل أو الكثير حُمل على القليل؛ لأنَّه المتيقن، من تيقن الفعل، تيقن أنَّه طاف، لكن ما يدري هل طاف ستة أو سبعة، حُمل على القليل؛ لأنَّه المتيقن، تيقن أنَّه صلى، لكن ما يدري صلى ثلاثًا أو أربعًا، يُحمل على القليل؛ لأنَّه المتيقن.

وهناك مسألة تخرج عن مثل هذا، وإن كان جمع من أهل العلم يطرد القاعدة، إذا شك هل غسل العضو مرتين أو ثلاثًا يقولون: يبني على الأقل؛ لأنَّه المتيقن ويزيد، والقول المتجه في مثل هذا أنَّه يبني على الأقل.. يبني على الأكثر، يبني على الأكثر في الوضوء؟ لماذا؟ في الصلاة إن كان شك صلى اثنتين أو ثلاثًا نقص الركعة مبطل للصلاة، نقص الركعة مبطل للصلاة، لكن نقص الغسلة في الوضوء مبطل أم لا؟ تردد هل غسل العضو مرتين أو ثلاثًا.

المُقَدِّم: لا، ما يُبطل.

ما يُبطل الوضوء، فكونك تتردد من سُنَّة إلى سُنَّة؛ لأنَّ النبي- عليه الصلاة والسلام- غسل مرتين مرتين، أفضل من كونك تتردد بين سُنَّة وبدعة، تردد بين ثلاثة وأربعة، يعني إذا بنيت على الأقل ترددت بين اثنتين وثلاث، وكلاهما سُنَّة، لكن إذا بنيت على الأقل وزدت.

المُقَدِّم: صارت أربعًا.

صارت إمَّا ثلاثة أو أربعة، فأنت ترددت بين سُنَّة وبدعة، وترددك بين سُنَّة وسُنَّة أولى من ترددك بين سُنَّة وبدعة.

قاعدة، يقول:

ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين، الأخذ بالأقل يعني شخص يدَّعي دينًا على زيد من الناس، فأحضر الشهود فقال المدَّعي: أنا أدَّعي على فلان أنَّ في ذمته لي مائة ألف، وهذه المائة ألف اقترضها أو استدانها على دفعات، جاء بالشهود فقال: نعم، في ذمته مائة ألف، وقال الثاني: لا، ثمانون ألف، القدر الأقل وهو الثمانون كلهم يتفقون عليه، وإنَّما يختلفون في القدر الزائد على الثمانين، فيُحكم بالثمانين بشهادة الاثنين، ثم يُطلب شاهد يدعم للعشرين.

المُقَدِّم: للزائد؟

للقدر الزائد؛ ولذا يقول أهل العلم: هل الأخذ بالأقل يعد إجماعًا أو لا؟ هل يعد إجماعًا؟ يعني في مسألتنا مثلًا، هل أجمع الثلاثة على أنَّ الثمانين في ذمته؟

المُقَدِّم: نعم.

هذه مسألة أصولية يبحثها أهل العلم منهم من يقول: إجماع، ومنهم من يقول: ليس بإجماع، لماذا؟ لأنَّه وجد خلاف في المسألة، اختلفوا فيه، هذا يقول كذا، وهذا يقول كذا، فلا إجماع مع الخلاف.

المُقَدِّم: الخلاف في القدر الزائد.

المقصود أنَّه وجد خلاف في أصل المسألة، فيختلفون في هذا ولو في الوقت فسحة فصلناه، قاعدة: ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين، وغير ذلك.

يقول في نظم القواعد الفقهية، وهذا أيضًا مهم اسمه الفرائد البهية في نظم القواعد الفقهية، وأكثره مأخوذ من الأشباه؛ ولذلك يقول: لخصتها من لجة الأشباه، المسمى الفرائد البهية للأهدل، وهو مطبوع بهامش الأشباه، ومطبوع مع شرحه، ومطبوع أيضًا مفردًا، يقول القاعدة الثانية: اليقين لا يزول بالشك.

دليلها من الحديث يا فتى

 

في مسلم وغيره قد ثبت

من طرق عديدة فتدخل

 

جميع الأبواب كما قد أصلوا

وتحتها قواعد مستكثرة

 

اندرجت فيها فهاكها محبرة

من ذلـك الأصـل كمـا استبانَ

 

بـقـاءُ مـا كـان عـلى مـا كانَ

والأصل فيما أصَّل الأئمة

 

براءة الذمة يا ذا الهمة

وحيث ما شك امرؤ هل فعل

 

أو لا فالأصل أنَّه لم يفعلا

أو في القليل والكثير حُمِلَ

 

على القليل حسبما تأصلا

كذا مما قعدوا الأصل العدم

 

فاعرف فروع ما يجيء وما قدم

وأيضًا تنظر هذه القاعدة في الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي، لكن عنده القاعدة الثالثة؛ لأنَّه قسم القاعدة الأولى إلى قسمين، الأمور بمقاصدها قسمها إلى قاعدتين، والسيوطي جعلها قاعدة واحدة، وعلى كل حال الاهتمام بمثل هذه الكتب في غاية الأهمية؛ لأنَّها تضبط له فقهه وتولد لديه فقهًا، وفيها فروع كثيرة تندرج تحت أصول يسيرة، فينضبط فقهه، وأشباه ابن نجيم مأخوذ من أشباه السيوطي، من الأشباه والنظائر للسيوطي، وأدخل عليه ما يناسب مذهبه الحنفي؛ لأنَّه جعلها في قواعد الحنفية، قواعد الفقه عند الحنفية، والسيوطي على قواعد الفقه عند الشافعية، على كل حال القواعد الخمس لا يختلف فيها أحد، القواعد الكلية، بخلاف القواعد المختلف فيها الأغلبية التي تلي ذلك.

المُقَدِّم: نكتفي بهذا- أحسن الله إليكم- على أن نستكمل ما تبقى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، أيُّها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإيَّاكم إلى ختام حلقتنا من شرح كتاب" التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، شكرًا لطيب متابعتكم، نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.