شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (274)

 

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم" شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".

مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: لازلنا في الحديث أسامة بن زيد- رضي الله عنهما-، وتوقفنا عند أطراف الحديث، نبدأ هذه الحلقة بذكر الأطراف، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد،

فالحديث قد خرَّجه الإمام البخاري في خمسة مواضع:

الأول: هنا في كتاب الوضوء، في باب إسباغ الوضوء، وقال ابن عمر: إسباغ الوضوء الإنقاء، قال- رحمه الله-: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن موسى بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس- رضي الله عنهما- عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنَّه سمعه يقول: دفع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبرل، فذكر الحديث، وسبق ذكر مناسبته.

الموضع الثاني: في كتاب الوضوء أيضًا، في باب الرجل يوضئ صاحبه، قال: حدثني محمد بن سلام، قال: أخبرنا يزيد بن هارون عن يحيى عن موسى بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد أنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمَّا أفاض من عرفة عدل إلى الشعب فقضى حاجته، قال أسامة بن زيد: فجعلت أصب عليه الوضوء.. الحديث.

المناسبة في قوله: "فجعلت.. 

المُقَدِّم: أصب عليه.

أصب عليه ويتوضأ" مناسبة جدًّا لقوله: باب الرجل يوضئ صاحبه، إلا أنَّ هناك فرقًا دقيقًا بين الصب على المتوضئ وبين توضئة المتوضئ، أمَّا إعانة المتوضئ بالصب عليه..

المُقَدِّم: فلا يعني توضيئه.

لا يعني توضيئه، يعني مباشرة الأعضاء، بينهما فرق، وعلى كل حال العلماء يقولون: تباح معونته، وتنشيف أعضائه، معونته بالصب عليه، ولو اقتضى الأمر أنَّه يُوضأ ويُدلك إذا كان لا يستطيع ذلك فلا مانع من ذلك، والمسألة فيها سعة. المقصود أن يُغسل العضو على أي وجه كان من المتوضئ، وهو أفضل أن يُعاني وضوءه بنفسه لا سيما تدليك الأعضاء، أمَّا بالنسبة للمعونة والصب عليه فهذا دل عليه، وهو واضح.

الموضع الثالث: في كتاب الحج، في باب النزول بين عرفة وجمع، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن موسى بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- حيث أفاض من عرفة مال إلى الشعب فقضى حاجته فتوضأ.. الحديث.

باب النزول بين عرفة والجمع، الباب في كتاب الحج، باب النزول بين عرفة وجمع، وليس في الحديث ذكر للفظ النزول، لكنه قال: «حين أفاض من عرفة مال إلى الشعب فقضى حاجته»، قضاء الحاجة يستلزم النزول؛ لأنَّه لا يتصور أن يقضي حاجته وهو على دابته، ظاهر أم ليس بظاهر؟

المُقَدِّم: ظاهر.

نعم، الموضع الرابع: في الكتاب والباب السابقين يعني في كتاب الحج، في باب النزول بين عرفة والجمع، قال- رحمه الله-: حدثنا قتيبة، حدثنا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنَّه قال: ردفت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من عرفات، فلمَّا بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال، ثم جاء فصببت عليه الوضوء، فتوضأ وضوءًا خفيفًا، فصببت عليه الوَضوء فتوضأ وضوءًا خفيفًا..الحديث، والمناسبة كما في سابقه إلا أنَّه هنا قال: «أناخ»، وهناك يقول: « مال إلى الشعب فقضى حاجته وتوضأ»، وكلاهما يدل على أنَّه نزل، ومن هنا تأتي المناسبة للباب.

والخامس، الموضع الخامس: في كتاب الحج، في باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك عن موسى بن عقبة عن كريب عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهم- أنَّه سمعه يقول: دفع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من عرفة، وفيه التنصيص على الجمع، فالمناسبة ظاهرة؛ لأنَّه يقول: باب جمع الصلاتين بالمزدلفة، تقدم في أصل الحديث أنَّه صلى وجمع بين المغرب والعشاء جمعًا في هذا الحديث.

 والحديث خرجه الإمام مسلم فهو متفق عليه.

المُقَدِّم: قال المصنف- رحمه الله تعالى- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-: أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ.

الذي في الأصل: «فَمَضْمَضَ»

المُقَدِّم: «فَمَضْمَضَ»؟

فَمَضْمَضَ بِهما وَاسْتَنْشَقَ، أو بِهَا، «فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ».

المُقَدِّم: عندك فتمضمض يا شيخ؟ الإخوان عندهم فتمضمض، نعدلها يا شيخ؟

الأصل الذي في الصحيح «فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ».

المُقَدِّم: ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا، أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الأُخْرَى فَغَسَلَ بِهما وَجْهَهُ، ثمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى، ثمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى ثمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثمَّ أَخَذَ غَرْفَةً أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا يَعْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- يَتَوَضَّأُ.

أولًا: راوي الحديث حبر الأُمَّة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، مرَّ ذكره مرارًا.

 وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري- رحمه الله- بقوله: باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة، يقول ابن حجر: مراده بهذا التنبيه على عدم اشتراط الاغتراف باليدين جميعًا، والإشارة إلى تضعيف الحديث الذي فيه أنَّه- صلى الله عليه وسلم- كان يغسل وجهه بيمينه، مراده بهذا التنبيه على عدم اشتراط الاغتراف باليدين جميعًا؛ لأنَّه قال: أخذ غرفة من ماء ثم أضافها إلى يده الأخرى، أخذ غرفة من ماء فتمضمض بها، ثم أخذ غرفة من ماء ثم جعل بها هكذا، أضافها إلى يده الأخرى، دلَّ على أنَّه اغترف بيد واحدة أم باليدين؟

المُقَدِّم: بيد واحدة.

بيد واحدة، ومراده بهذا التنبيه على عدم اشتراط الاغتراف باليدين جميعًا، والإشارة إلى تضعيف الحديث الذي فيه أنَّه- صلى الله عليه وسلم- كان يغسل وجهه بيمينه؛ لأنَّه أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا، أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهما وجهه، يعني غسل يده بيديه كلتيهما، لا بيمينه فقط، وجمع الحليمي بينهما بأنَّ هذا حيث كان يتوضأ من إناء يصب منه بيساره على يمينه، والآخر حيث كان يغترف، يقول ابن حجر: لكن سياق الحديث يأباه؛ لأنَّ فيه أنَّه بعد أن تناول الماء بإحدى يديه أضافه إلى الأخرى وغسل بهما.

أولًا: الحليمي معروف من أئمة الشافعية، وله كتاب اسمه شعب الإيمان مطبوع في ثلاث مجلدات، وهو من أئمة الشافعية المتقدمين، يقول العيني: أي هذا بابٌ في غسل الوجه إلى آخره، والغرفة بالفتح بمعنى المصدر يعني الاغتراف، والغرفة بالفتح بمعنى المصدر، وبالضم بمعنى المغروف، اسم المفعول غُرفة، {إِلَّا مَنْ اغْتَرَفَ}.

المُقَدِّم: {غُرْفَةً}.

نعم، بمعنى المغروف وهي ملء الكف، وقرأ أبو عمرو: {إلا من اغترف غرفة} بفتحها، وفي العُباب: غرفت الماء بيدي غرفًا، فالغرفة المرة الواحدة، والغرفة بالضم اسم للمفعول منه؛ لأنَّك ما لم تغرفه لا تسميه غرفة، وقرأ ابن كثير وأبو جعفر ونافع وأبو عمرو: إلا من اغترف غرفة بالفتح، والباقون بالضم، وجمع المضمومة غرفة غراف، كنطفة ونطاف، والغرفة بالضم: العلية يعني المكان المرتفع، والجمع غرفات وغرف، والغَرفة أيضًا الخصلة من الشعر، والحبل المعقود بالشوطة أيضًا انتهى. هذا كلام..

المُقَدِّم: العيني.

العيني، ويحكي أنَّ أبا عمرو وتطلب شاهدًا على قراءته من أشعار العرب، أبو عمرو يقول: إلا من اغترف غَرفة، بفتح، يحكي أنَّ أبا عمرو وتطلب شاهدًا على قراءته من أشعار العرب فلما تطلبه الحجاج هرب منه إلى اليمن، تطلبه الحجاج على إيش؟ من أجل إيش؟ أن يثبت شاهدًا على قراءته، الحجاج رغم ما يُعرف عنه من ظلم، إلا أنَّ له عناية بالقرآن، هرب منه إلى اليمن فخرج ذات يوم فإذا هو براكب ينشد قول أمية بن أبي الصلت:

ربما تكره النفوس من الأمر

 

له فرجة كحل العقال

فَرجة، قال فقلت له: ما الخبر؟ قال مات الحجاج، قال أبو عمرو: فلا أدري بأي الأمرين كان فرحي أكثر.

المُقَدِّم: كلمة فَرجة أم موت الحجاج.

نعم، بموت الحجاج أو بقوله فرجة؛ لأنَّه شاهد لقراءته. أي كما أنَّ مفتوح الفرجة هنا بمعنى المنفرج، كذا مفتوح الغرفة بمعنى المغروف، فقراءة الضم والفتح يتطابقان على هذا، هذا الكلام بحروفه في شرح الكرماني دون كلام صاحب العباب السابق، المقصود أنَّ أبا عمرو لمَّا قرأ بالفتح، وطلب منه الشاهد، وهرب من الحجاج فوقع على شاهد، هل أبو عمرو هنا يبحث عن شاهد لتصحيح قراءته؟ أو أنَّ قراءته صحيحة بالسند المتواتر إلى النبي- عليه الصلاة والسلام-؟ وحينئذٍ هل نقول إنَّ القراءة يُستشهد بها أو يُستشهد لها؟

المُقَدِّم: المفترض أنَّها صحيحة، ما رواها أبو عمرو إلا وعنده سند متصل، هذا الأصل.

نعم، معروف، بلا شك، وقرأ بها غيره أيضًا ابن كثير، وأبو جعفر ونافع، كلهم قرؤوا بالفتح.

المُقَدِّم: فبالتالي بحثه عن الشاهد للاستدلال عليها فحسب.

نعم؛ لتأييد...

المُقَدِّم: للتأييد.

لتأييد قراءته عند هذا الظالم الذي طلبه، وإلا فالأصل مادامت القراءة سبعية متواترة لا يُطلب لها شاهد، لكن إن طلب لها شاهد، أو ذُكِرَ لها شاهد من كلام العرب فنور على نور، لكن ليس بهذه الطريقة وبهذه الوسيلة، يطلب ليؤذى فيهرب، لكن هذا لائق بحال الحجاج، في تفسير ابن الجوزي: { إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غَرْفَةً} قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: غرفة بفتح الغين، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي بضمها، قال الزجاج: من فتح الغين أراد المرة الواحدة باليد، ومن ضمها أراد ملء اليد، وزعم مقاتل أنَّ الغرفة كان يشرب منها الرجل ودابته وخدمه ويملأ قربته.

وقال بعض المفسرين: لم يرد به غرفة الكف وإنَّما أراد المرة الواحدة بقربة أو جرة أو ما أشبه ذلك.

يعني نظير ما يُقال في الرضعة، الرضعة هل المقصود منها..

المُقَدِّم: الواحدة أو المشبعة؟

أو المشبعة؟

المُقَدِّم: المقصود المشبعة.

نعم، وهنا هذا نظيره.

المُقَدِّم: كلام مقاتل.

كلام، قال بعض المفسرين، هناك زاد مقاتل: يشرب منها الرجل ودابته وخدمه ويملأ قربته، هذه يحتاجون إلى شيء كثير، قال بعض المفسرين: لم يرد به غرفة الكف، وإنَّما أراد المرة الواحدة بقربة أو جرة أو ما أشبه ذلك.

لو قالوا: المراد بالغرفة الرية الواحدة بمعنى أنَّه يشرب حتى يرتوي نظير الرضعة، وعلى كل حال لا يعنينا أكثر من فهم أنَّهم امتحنوا وابتلوا بذلك، أنَّهم امتحنوا وابتلوا بذلك، وهذا هو الشاهد من الكلام في القراءة.

المُقَدِّم: غرفة.

غَرفة أو غُرفة، وكونهم يشربون حتى يرتووا أو يرتوي خدمهم ويملؤوا القرب هذا شيء آخر، لكنَّه في الأصل خلاف الظاهر، وإنَّما يتم الابتلاء بهذه الغَرفة إذا كانت غير مشبعة ولا مروية، يعني يأتي شخص محتاج إلى الماء ثم يُقال: لا يشرب، {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ} [البقرة:249]، ابتلاء بالمنع، ثم ابتلاء بعدم الري، وهذا هو المناسب، وهو ظاهر السياق؛ لأنَّ المسألة مسألة ابتلاء واختبار، هل يصلحون لهذه المسؤولية أم لا يصلحون؟ في تفسير القرطبي قال بعض المفسرين: الغرفة بالكف الواحدة، والغُرفة بالكفين، وقال بعضهم: لغتان بمعنىً واحد.

يقول العيني: فإن قلت: ما المراد من هذه الترجمة؟ قلت: التنبيه على عدم اشتراط الاغتراف باليدين جميعًا، فإنَّ ابن عباس- رضي الله عنهما- لما توضأ كوضوء النبي- صلى الله عليه وسلم-...

المُقَدِّم: عليه الصلاة والسلام.

أخذ..، الآن العيني يقول: فإنَّ ابن عباس، والحديث حديث أسامة.

المُقَدِّم: الحديث حديث ابن عباس يا شيخ.

الحديث الثاني الذي يليه، نعم نعم، حديث ابن عباس، حديث أسامة الذي قبله.

المُقَدِّم: نعم.

قلت: التنبيه، يقول العيني: فإن قلت: ما المراد من هذه الترجمة؟ قلت: التنبيه على عدم اشتراط الاغتراف باليدين جميعًا، فإنَّ ابن عباس- رضي الله عنهما- لما توضأ كوضوء النبي- صلى الله عليه وسلم- أخذ غرفة من الماء بيده الواحدة، ثم ضم إليها يده الأخرى ثم غسل بتلك الغرفة وجهه على ما يأتي، إن شاء الله تعالى.

فإن قلت: ما وجه المناسبة بين البابين؟ هذا الباب والذي قبله باب إسباغ الوضوء، وفي هذا كلام كثير جدًّا في المناسبة، وردود بين الشراح..

فإن قلت: ما وجه المناسبة بين البابين هذا والذي قبله باب إسباغ الوضوء؟ قلت: المناسبة بين البابين المذكورين وبين أكثر أبواب كتاب الوضوء غير ظاهرة، المناسبة بين البابين المذكورين وبين أكثر أبواب كتاب الطهارة غير ظاهرة؛ ولذلك قال الكرماني: فإن قلت: ما وجه الترتيب لهذه الأبواب؟ وأشار به إلى الأبواب المذكورة ههنا ثم قال في باب التسمية: إذ التسمية إنَّما هي قبل غسل الوجه لا بعده، ثم إنَّ توسط أمر الخلاء بين أبواب الوضوء لا يناسب ما عليه الوجود، الخلاء، نعم، يقول: ثم إنَّ توسط أمر الخلاء.

المُقَدِّم: الخلاء سيأتينا بعد.

نعم سيأتي بعد.

المُقَدِّم: نعم.

 بين أبواب الوضوء لا يناسب ما عليه الوجود، يعني الظاهر من هذا الترتيب أنَّه غير متناسب، ثم أجاب عن ذلك بقوله- الكرماني-.

المُقَدِّم: نعم.

ثم أجاب عن ذلك بقوله: قلت: البخاري لا يراعي حسن الترتيب، وجملة قصده إنما هو في نقل الحديث وما يتعلق بتصحيحه لا غير ونعم المقصد انتهى.

المُقَدِّم: هذا كلام الكرماني يا شيخ؟

نعم، يقول: قلت: البخاري لا يراعي حسن الترتيب، وجملة قصده إنما هو في نقل الحديث وما يتعلق بتصحيحه لا غير ونعم المقصد انتهى كلامه.

وقال بعد ثلاثين صفحة، يقول: معظم نظر البخاري إلى نقل الحديث وإلى ما يتعلق بتصحيحه غير مهتم بتحسين الوضع، وترتيب الأبواب؛ لأنَّ أمره سهل.

يعني مهمة البخاري إنَّما هي في جمع...

المُقَدِّم: في انتقاء الصحيح.

أبواب الطهارة من غير ترتيب، لكن انتقاء الصحيح.

قال العيني: قلت: لا نسلم أنَّ جملة قصده نقل الحديث وما يتعلق بتصحيحه فقط، بل معظم قصده ذلك، معظم قصده ذلك يعني نقل الحديث وما يتعلق بتصحيحه، مع سرده في أبواب مخصوصة؛ ولهذا بوب الأبواب على تراجم معينة، حتى وقع منه تكرار كثير لأجل ذلك، فإذا كان الأمر كذلك ينبغي أن تتطلب وجوه المناسبات بين الأبواب، وإن كانت غير ظاهرة بحسب الظاهر.

يقول: إذا كان الأمر كذلك ينبغي أن تتطلب وجوه المناسبات بين الأبواب، وإن كانت غير ظاهرة بحسب الظاهر. فنقول: وجه المناسبة بين البابين المذكورين من حيث إنَّ من جملة المذكور في الباب الأول بعض وصف وضوء رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وفي هذا الباب المذكور أيضًا وصف وضوء النبي- عليه الصلاة والسلام-، فإنَّ ابن عباس- رضي الله عنهما- لمَّا توضأ على الوجه المذكور في الباب قال: هكذا رأيت النبي- صلى الله عليه وسلم- يتوضأ، فهذا المقدار من الوجه كافٍ على أنَّ المناسبة العامة موجودة بين هذه الأبواب كلها؛ لكونها من وادٍ واحد، ثم توجيه المناسبات الخاصة إنما يكون بقدر الإدراك.

على كل حال في شرح ابن بطال تقديم باب التسمية على هذا الباب، يعني تقديم باب التسمية؛ لأنَّ التسمية قبل غسل الوجه؛ لأنَّ الباب هذا في غسل الوجه باليدين والتسمية قبله، يوجد هناك مناسبة في التقديم والتأخير. في شرح ابن بطال تقديم باب التسمية على هذا الباب.

المُقَدِّم: مع أنَّها ليست موجودة في الأصل؟

أين؟

المُقَدِّم: كيف في الشرح؟

ابن بطال.

المُقَدِّم: الآن ترتيب البخاري باب التسمية قبل هذا، قبل غسل الوجه؟

هذا عند ابن بطال.. شرح ابن بطال.

المُقَدِّم: فقط.

وإلا ففي الشروح كلها لا، العكس.

المُقَدِّم: هذا هو، نعم.

 إذا كانت التسمية مقدمة على هذا الباب فظهرت المناسبة، تظهر أم ما تظهر؟

المُقَدِّم: بلى.

تظهر، لكنَّ ابن حجر تعقب الكرماني في مواضع كثيرة يردد فيها مثل هذا الكلام، وقد يقول كلامًا لا يليق بمقام البخاري، أحيانًا يقول: ذكر البخاري هذا الحديث في هذه الترجمة ولا رابط بينهما، بل هذا تعجرف، هذا الكرماني إنَّما يؤتى من قِبَلِ فهمه، يعني تخفى عليه المناسبة ثم يقول مثل هذا الكلام، وسببه القصور في الفهم، أو التقصير في البحث، سببه قصور أو تقصير، وإلا فالمناسبات في سائر، أو في جميع الحالات ظاهرة إلا أنَّ في بعضها شيئًا من الخفاء والتكلف. على كل حال كلام ابن حجر طويل، ويتبعه كلامٌ آخر لغيره.

المُقَدِّم: نأتي عليه إن شاء الله.

وكلام لنا أيضًا نعقبه به يكون في بداية الحلقة اللاحقة.

المُقَدِّم: بإذن الله.

إن شاء الله تعالى.

المُقَدِّم: نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد، أيُّها الإخوة والأخوات بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة في شرح" التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، يتجدد بكم اللقاء بإذن الله في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، شكرًا لكم.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.