التعليق على تفسير سورة العصر من تفسير الجلالين

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فالمقدم وفقه الله -إمام المسجد- لما قرأ السورتين في الصلاة تردد هل المطلوب العصر أو النصر، فلا شك أن هذا له أصل، هذا التردد له أصل، وهو أن الطلب أو الإجابة الأولى كانت في سورة النصر، ثم بعد ذلك قلنا الإعلان خرج باسم سورة العصر، لما قرأ الإمام السورتين كأنه يخيِّر في... لكن لما قدم عين، ذكر أن المطلوب سورة العصر.

بين يدي السورة:

وسورة العصر على قصرها سورة جامعة شاملة -كما تفضل- لخير الدنيا والآخرة للعلم والعمل، للعمل الخاص والعمل المتعدي، وجاء عن الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- أنه لو ما أنزل الله على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم.

وبالإمكان في تفسير هذه السورة أن يتكلم المتحدث عن جميع أبواب الدين؛ لأنها في ألفاظها الوجيزة كل لفظ يدخل تحته أبواب كثيرة من أبواب الدين، وهذه السورة سورة مكية في قول الأكثر، وقال بعضهم إنها مدنية.

هذه السورة جاء عن الصحابة -رضوان  الله عليهم- أنهم كانوا إذا التقى أحدهم بالآخر لم يفترقا حتى يقرأ أحدهم أو أحدهما سورة العصر، وجاء فيها من الأخبار مما يذكره المفسرون أن من قرأ سورة العصر كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، هذا وإن تواطأ على ذكره أكثر المفسرين، إلا أنه لا أصل له، يذكرون هذا في تفسير هذه السورة، ومما يذكر فيها من الأخبار قبل أن ندخل في مفرداتها أن عمرو بن العاص قبل أن يسلم -رضي الله عنه- ذهب إلى مسيلمة فسأله مسيلمة ماذا أنزل على صاحبكم؟ فقرأ عليه سورة العصر، فقال إني أنزل عليَّ مثلها، أنزل عليَّ مثلها، فقال ماذا؟ فقال من تراهاته وسخافاته التي تذكر عنه فيما يعارض به القرآن نسأل الله السلامة والعافية، فقال: يا وبر يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفز وقفر، قال: ماذا تقول يا عمرو؟ قبل أن يسلم، والعدو يفرح بمثل هذا الكلام الذي يعارض به كلام عدوه، لكن عمراً قال: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك كاذب، وهذا قبل أن يسلم عمرو، وأُثر عن مسيلمة من أمثال هذه الأقوال الساقطة التي لا يعارض بها الكلام العادي فضلاً عن أفصح الكلام وأثر أيضاً عن أبي العلاء المعري الزنديق المعروف الشاعر أنه عارض القرآن بكتاب مطبوع متداول، اسمه الآيات البينات في مواعظ البريات، وكان أصله في معارضة الآيات.

والله -جل وعلا- تحدى الخلق، تحدى العرب الذين هم أفصح من نطق أن يأتوا بمثله، ثم تحداهم بعشر سور، فلم يستطيعوا، ثم تحداهم بسورة ولو كانت أقصر السور، كهذه السورة أو سورة الكوثر مثلاً، لكنه لم يقع التحدي بآية، وقع التحدي بسورة، لكنه لم يقع التحدي بآية؛ وذلكم لأن العرب لا يعجز الواحد منهم أن يقول ثم نظر، أو يقول مدهامتان، وهما آيتان، لكن آية بقدر أقصر سورة لا يستطيع العرب ولو اجتمعوا أن يأتوا بمثله، فكيف بمثل هذا الكلام المضحك للصبيان، كيف يقال أن مثل هذا معارضة، أو يؤخذ له شيء في الاعتبار، هذا كله هذيان، أشبه بكلام المجانين الذي لا معنى له، أفترى على الله كذبا أم به جنة، هذا شبه المجنون.

جاء أيضاً في هذه السورة ما ذكره الرازي في تفسيره، وهو أن امرأة تجوب شوارع المدينة وسكَكَها تبحث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فدُلَّت عليه فقالت: يا رسول الله: إنها شربت –تعني الخمر– ثم زنت، ثم ولدت من الزنا، فقتلته، تقول: إنها شربت الخمر، ثم زنت بعد أن شربت، ثم ولدت من الزنا ثم بعد ذلك قتلت هذا الولد، هذه العظائم التي ارتكبتها -والخبر سيأتي الكلام عليه- يقول الرازي في سياق خبره هذا إن النبي -عليه الصلاة والسلام-  قال لها: أما الخمر ففيه الحد، وأما الزنا فلعلك لم تصل العصر، وأما القتل فالنار، هكذا قال الرازي في تفسيره في تفسيره، في تفسير هذه السورة، ونقله عنه الألوسي في روح المعاني، وقال تفرد بذكره الإمام – يقصد بذلك الرازي- وإذا أطلق في كتب المتأخرين -لاسيما ممن ينتسب إلى مذهب الشافعي- الإمام فهو المقصود – الرازي- قال تفرد به الإمام، ثم قال الألوسي: ولعمري إنه إمام، ولعمري إنه إمام في نقل ما لا يعرفه أهل الحديث، فهل هذا مدح أو ذم؟ ذم، ذم شديد، ولهذا الحديث لا أصل له، لا يوجد في داوين الإسلام المعتبرة، ومثل هذا الخبر إذا بحث عنه في الدواوين المعروفة من الصحاح والسنن والمسانيد والجوامع والمعاجم والمستخرجات -في الداواوين المعروفة عند أهل العلم- فما وجد هذه أمارة وعلامة من علامات وضعه، وممن قال بهذا الكلام الرازي نفسه، في المحصول قال هذا الكلام، أن الحديث إذا لم يوجد في دواوين الإسلام المعروفة فهذه أمارة وضعه، فلم يوجد هذا الخبر إلا عند الرازي وقد تفرد به وليس من أهل الرواية، فالخبر لا أصل له، وسمعنا كلام الألوسي فيه، فهذه الأمور التي ذكرناها بين يدي تفسير هذه السورة من قول الإمام الشافعي وقبل ذلك صنيع الصحابة إذا اجتمعوا وما جاء في قصة عمرو بن العاص، وما ذكره الرازي يمكن أن تكون هذه مدخل لتفسير هذه السورة.

حول البسملة:

هذه السورة كغيرها من سور القرآن عدا براءة، صُدِّرت بالبسملة، فالبسملة في المصاحف التي أجمع عليها الصحابة وأرسلها عثمان إلى الأمصار فيها البسملة مثبتة في مائة وثلاث عشرة سورة، في جميع سور القرآن عدا براءة والخلاف معروف بين أهل العلم هل البسملة آية من كل سورة؟ أو ليست بآية مطلقاً؟ أو هي آية واحدة نزلت للفصل بين السور؟ فمنهم من يقول أنها آية من كل سورة، يعني أن البسملة مائة وثلاث عشرة آية، بعدد السور التي صدرت بها، مع إجماعهم على أنها بعض آية في سورة النمل، واتفاق أهل العلم على أنها ليست بآية في صدر براءة، هذا القول يستند -وهو إثبات أن البسملة آية من كل سورة- إلى اتفاق الصحابة على كتابتها، مع اجتهادهم في تخليص القرآن من كل ما ليس بقرآن، فذكرهم واتفاقهم على ذكرها في مائة وثلاث عشرة موضعاً يدل على أنها آية، وبهذا يقول جمع من أهل العلم، والقول الثاني: أنها ليست بآية مطلقاً إلا في سورة النمل، بعض آية، أما في سورة النمل فهذا أمر متفق عليه، وبراءة أيضاً متفق على أنها ليست بآية، فمن أهل العلم من يرى أنها ليست بآية مطلقاً عدا ما استثني وهذا معروف عند المالكية، ومنهم من يرى أنها آية واحدة نزلت للفصل بين السور وبهذا يقول بعض الحنفية كالجصاص ويميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

إذا قلنا أنها آية من كل سورة، أو قلنا إنها آية واحدة نزلت للفصل بين السور، هل هناك فرق، فإذا قرأها الإنسان في تلاوته للقرآن مائة وثلاث عشرة مرة، سواء كانت مائة وثلاث عشر آية أو آية واحدة نزلت في فصل السور، يكررها مائة وثلاث عشرة مرة الأجر واحد، كل حرف بعشر حسنات، سواء كانت آية واحدة، أو مائة وثلاث عشرة آية، هل من فائدة لمثل هذا الخلاف؟ ما فائدة الخلاف؟ نعم.

طالب:..............

لا تختل قراءته للسورة، إذا لم تكن آية، لا تختل قراءته للسورة، إذا لم يقرأها من الفاتحة لم تبطل صلاته، أما لو كانت آية بطلت صلاته، إذا لم يقرأها من الفاتحة.

على كل حال هذه أقوال أهل العلم وكأن الذي مال إليه شيخ الإسلام متجه؛ لأن الأدلة على كونها ليست بآية من كل سورة لها حظ من النظر، ولو لم يكن من الأدلة على ذلك إلا الخلاف في كونها آية؛ لأن القرآن مقطوع بثبوته، ومع وجود مثل هذا الخلاف لا يقطع بثبوت البسملة من كل سورة.

تفسير السورة:

يقول الله -جل وعلا-: {وَالْعَصْرِ}: الواو حرف قسم، والعصر: هو الدهر، وأقسم الله به -جل وعلا- لما يحصل فيه من أعاجيب، فالدهر من أول الدنيا إلى آخرها يقال له العصر، وقد يطلق العصر ويراد به فترة من الزمن، العصور الإسلامية –مثلاً- العصر النبوي، عصر الخلفاء الراشدين، عصر بني أمية، عصر بني العباس وهكذا، فيراد به فترة من الزمن يشملها وصف واحد، ولذا قال جمع من المفسرين، أن المقسم به هو العصر النبوي، الذي هو أعظم عصور الدنيا، ومنهم من يقول إن العصر عصر كل إنسان بحسبه؛ لأنه في الحقيقة هو حياته من ولادته إلى وفاته، ولأهمية هذا الوقت الذي وجد فيه هذا الإنسان الذي ينبغي -بل يجب عليه- أن يستغل هذا الوقت بفعل الواجبات وترك المحرمات بتحقيق عبودية الله -جل وعلا- بل العصر عبارة عن الليالي والأيام المحدودة التي يعيشها كل إنسان بحسبه فهي الخزائن وهي العمر كله، عمر الإنسان كله من ولادته إلى أن يموت، والليالي والنهار -كما يقول أهل العلم- هي عبارة عن خزائن قيمتها بحسب قيمة ما يودع فيها، ومنهم من قال: إن المراد بالعصر وقت العصر، وقت العصر، الذي هو آخر النهار، ومنهم من يقول يبدأ من زوال الشمس إلى غروبها، ومنهم من يقول أن المراد بالعصر صلاة العصر، جاء في النصوص ما يدل على تعظيم وقت العصر، وجاء فيها أيضاً ما يدل على تعظيم شأن صلاة العصر، وهي الصلاة الوسطى -كما دل على ذلك الحديث الصحيح- هي الصلاة الوسطى، ومن ترك العصر فقد حبط عمله، المقصود أن العصر مختلف فيه بين المفسرين، والعصر الذي هو الوقت المعروف، من دخول وقته إلى غروب الشمس هذا له شأن وجاء في تعظيمه في النصوص ما جاء، وكذلك صلاة العصر التي هي الوسطى، التي هي الفضلى من بين الصلوات.

والعصر أقسم الله -جل وعلا-  بالعصر لما يحدث فيه سواء كان بكامله من أوله إلى آخره، أو بجزء من أجزائه طال أو قصر من الأعاجيب، يحصل فيه من الأعاجيب شيء قد لا يخطر على بال الإنسان، قد لا يدرك الإنسان شيئاً منه إذا كانت له عناية بقراءة التواريخ وأخبار الأمم الماضية، يدرك شيء من هذه الأعاجيب، وتصرف الأحوال وتصرم الليالي والأيام يدرك شيئاً من ذلك إذا كانت له عناية أو كان له بصيرة ينظر فيها بعين الاعتبار والادكار.

الله -جل وعلا-  أقسم بالعصر كما أقسم بالضحى وأقسم بالليل، وأقسم بالفجر، يقسم -جل وعلا- بما شاء يقسم بما شاء، ومن أهل العلم من يقدر مقسم به مضاف إلى العصر محذوف فيقول: ورب العصر، لكن الأكثر على أنه لا يحتاج إلى تقدير، وأن الله -جل وعلا- له أن يقسم بما شاء من خلقه، وبما شاء من آياته يقسم بما شاء ولو كان مخلوقاً، بينما المخلوق ليس له أن يقسم ولا يحلف إلا بالله -جل وعلا- ((من حلف بغير الله فقد أشرك)) فالقسم بغير الله من الشرك، إن كان من الشرك الأصغر عند أهل العلم، إلا إن وقر في قلب الحالف أنه حلف به؛ لأنه مساو لله -جل وعلا- في عظمته فهذا أكبر نسأل الله السلامة والعافية، وإلا فهو من الأصغر الداخل في قول الله -جل وعلا-:{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}[(116) سورة النساء] عند جمع من أهل العلم، وأن الشرك الأصغر كالأكبر لا يغفر بل لا بد أن يعذب بقدره ثم بعد ذلك مآله إلى الجنة إن لم يرتكب مكفراً مخرجاً، أما الشرك الأكبر فإن صاحبه خالد مخلد في النار نسأل الله السلامة والعافية.

الله -جل وعلا- أمر نبيه أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع من كتابه، والقسم إنما يؤتى به لتعظيم الكلام وتأكيده، فالله سبحانه وتعالى- أمر نبيه أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع، الأول في سورة يونس: {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي}[(53) سورة يونس] والثاني في الآية الثالثة من سورة سبأ:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي}[(3) سورة سبأ]، والثالث في سورة التغابن: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي}[(7) سورة التغابن] ثلاثة مواضع أمر الله -جل وعلا- نبيه أن يقسم فيها على البعث، وهذا لبيان شأن عظم المقسم عليه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كثيراً ما يحلف ويقسم على الأمور المهمة، ((والذي نفسي بيده)) ((لا ومقلب القلوب)) المقصود أنه يحلف -عليه الصلاة والسلام- وهو الصادق المصدوق، والله -جل وعلا- أقسم وأمر نبيه أن يقسم كل هذا لتعظيم شأن المحلوف عليه والاهتمام بشأنه، فالله -جل وعلا- أقسم بالعصر: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}[(2) سورة العصر] هذا المقسم عليه، إن الإنسان لفي خسر، هذا شأنه عظيم وجاء التأكيد بالقسم وإنَّ؛ لأن إنَّ حرف توكيد ونصب، ولفي المؤكدة، لفي خسر، {إِنَّ الْإِنسَانَ}: الإنسان المراد به الجنس؛ بدلالة جواز دخول "كل" مكان (أل) فلو قال إن كل إنسان لفي خسر صح الكلام، وعلامة كون "أل" جنسية أن يحل محلها (كل).

فكل إنسان محكوم عليه بالخسارة إلا من استُثني فكل إنسان يتجه إليه قول الله -جل وعلا-: إن الإنسان لفي خسر، ثم بعد ذلك اسْعَ في خلاص نفسك من هذه الخسارة، وحقق ما بعد (إلا) لتنجو من هذه الخسارة الفادحة التي ليست خسارة الدراهم والدنانير، الخسارة خسارة الآخرة، ولذلك يقول الله -جل وعلا-: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [(9) سورة التغابن] يعني التغابن الحقيقي هنالك، لا في الدنيا فلو أن إنساناً فقد جميع ما يملك في هذه الدنيا من مال وولد وجاه وصحة وبقي له رأس ماله الذي هو الدين هذا ليس بخسران، لكن لو خسر دينه وبقي جميع ما يملك في هذه الدنيا وأضعاف أضعاف ما كان يملك لفي خسر.

ونشاهد أو شاهدنا بعض الإخوان لما وجدت التجارات التي لا تتطلب جهداً بدنياً، وإنما تتطلب جهد ذهني، مثل الأسهم، كثير من طلاب العلم فقدناهم في الحِلق، فإذا سألنا عنهم قالوا إنهم ذهبوا إلى تجارة الأسهم، وإذا كُلِّموا قالوا المدة يسيرة نشتغل ونحرك فإذا كسبنا وربحنا ما يكفينا رجعنا إلى العلم، يعني على اصطلاحهم العلم ملحوق عليه ما هو بفائت، الإشكال في الأسهم اللي الناس يجنون منها ما يجنون ثم تنتهي، وكانت النتيجة عكسية، النتيجة عكسية حصل ما حصل من الخسارة ونسوا ما نسوا من العلم، بل منهم من نسي حفظ القرآن، بل منهم من نسي لب صلاته، وهو الخشوع؛ لهثوا وراء هذه الأسهم ووراء هذه الدنيا ثم مع ذلك خسروا الدنيا والآخرة، نسأل الله السلامة والعافية- منهم من نسي القرآن هذا مؤكد، منهم من صلى ولا يدري كم صلى، وإذا كانت جماعة صلوا في مكان من أماكن الأسهم مجتمعاتهم وصلى بهم الظهر وجهر بالقراءة وأمن ولا واحد سبح، نسأل الله السلامة والعافية، والنتيجة لا شيء، عِبَر، لنعرف الخسارة الحقيقة ألا {إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [(15) سورة الزمر] نسأل الله السلامة والعافية، أما خسارة الدنيا، فالدنيا عرض يطرأ ويزول وقد يحصل للإنسان ما لا يخطر بباله، ويذكر من بعض أهل القناعة أنهم صاروا سبباً في ربح أهليهم، وإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم، ومن أهل العلم من له شريك أخ شريك توفي والدهم وترك لهم أموال طائلة، وطالب العلم مقبل على علمه وعبادته وأخوه شريكه يضرب الأرض طولاً وعرضاً في التجارات والأموال تزداد، فقيل له أو سول له الشيطان أن هذا يطلب العلم ولا له أي دور في التجارة، وأنت يوم بالصين ويوم بكذا، ويوم... لو افترقتم وصارت مكاسبك لك، جاء إلى أخيه وقال له أيش رأيك... قال له اللي تشوف الأولاد قال له لعلكم تتفارقوا، الشيخ يتصرف بأمواله، وأنت تتصرف بأموالك وجاءه أيضاً من باب الورع، وقال: يمكن أني أتصرف في بعض الأموال وأنا ما شاورتك، أو آكل من هذه الأموال أكثر من نصيبي، فقال له الشيخ أبداً اقسم أنت، اقسم واللي لي ضعه على جنب وسلم لي  إياه، حصلت القسمة، حصلت القسمة، فأعطى الشيخ نصيبه وأخذ نصيبه وأخذ يضارب به والشيخ أودعه عند واحد من التجار يعمل به مضاربة، وعلى رأس الحول جاء الأخ يقول لأخيه الشيخ أيش رأيك لو رجعنا إلى الشركة؟ قال وأيش اللي عندك؟ قال والله ذهب جميع المال، والله ما بقي إلا شيء .......... قال إحنا على شركتنا شوف الأموال عند فلان روح هاتها، الإنسان يتصور أنه بجهده يرزق، بجهده يرزق وأسواق المسلمين تعج بالعباقرة لكن في النتيجة أكثرهم فقراء يتكففون الناس وبعض الناس ممن عرفناهم وشاهدناهم في أوقات الصفقات ينعسون، الصفقات الكبرى ينعس ثم بعد ذلك يأخذ الغلة كلها هذا الذي ينعس، فليست الأمور تخضع لخذق الإنسان بل عرف من القدم أن حذق الإنسان وزيادة ذكائه نقص في رزقه وشواهد الأحوال تدل على هذا.

الشاهد أن الخسارة، خسارة الدنيا لا شيء بالنسبة لخسارة الدين، أو شيء من الدين.

وكل كسر فإن الدين يجبره

وما لكسر قناة الدين جبران

{إِنَّ الْإِنسَانَ}: الجنس، كل الإنسان محكوم عليه بهذا الحكم إلا من استثني، وإلا أداة تخرج ما بعدها عن الحكم العام الذي قبلها، فمن المخرج من هذه الخسارة؟

من اتصف بالصفات الآتية:

{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[(3) سورة العصر]، أربع صفات لكنها شاملة لجميع خير الدنيا والآخرة.

{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواِِ}: حققوا الإيمان على ما جاء في حديث جبريل حينما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-  عن الإيمان، سأله ما الإيمان؟ قال: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره)) هذه أركان الإيمان الستة، فمن حققها تحقق له الوصف المخرج المنجي من الخسران، وشرح هذه الأركان الستة يخرج بنا عن موضوع الدرس، وهو موجود في مضانه.

فمن حقق آمن وأيقن وصدق واعتقد بدون تردد ولا شك ولا ريب، هذه الأركان الستة تحقق فيه وصف الإيمان. والإيمان عند أهل السنة قول باللسان واعتقاد وعمل، قول باللسان واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، هذه أجزاؤه التي يتركب منها، فمجرد الاعتقاد لا يكفي؛ لأنه دعوى لا بد عليها من دليل يثبتها بالقول فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أُمر أن يقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فلا بد من القول، والقول أيضاً دعوى ما لم يصدقها العمل كما قال الحسن: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل.

{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِِ}: عطف الأعمال على الإيمان، من باب عطف الخاص على العام، للاهتمام بشأن الخاص والعناية به، وإلا فالإيمان متطلب للأعمال، فلا بد من العمل في الإيمان، فالتنصيص عليه -على العمل- للاهتمام بشأنه والعناية به.

وعملوا الصالحات، والصالحات جمع صالحة أو صالح، الأعمال الصالحات ما توافر فيها شرطا القبول، العمل الصالح ما توافر فيه شرطا القبول، الذي هو الإخلاص لله -جل وعلا- والمتابعة لنبيه -عليه الصلاة والسلام- فلابد من الإخلاص، فلو أن إنساناً عمل جميع ما سمع به مما جاء الحث عليه في الوحيين لكنه لم يخلص في عمله لله -جل وعلا- ولم يرد به وجه الله تعالى فإنه لا يقبل منه، ولو عمل أعمالاً تستغرق أنفاسه هي في ظاهرها صالحة، ويريد بها وجه الله تعالى لكنها ليست على منهاج النبوة، وليست على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنها حينئذ لا تقبل: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) يعني مردود عليه، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[(2) سورة الملك] قال الفضيل: أحسن عملاً، أخلصه وأصوبه، فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإن كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، فلا بد من تحقيق هذين الشرطين، الإخلاص لله -جل وعلا- وأن يكون صواباً على سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-.

قد يقول قائل –وقد قيل-: لماذا لا نكتفي بالشرط الثاني، أن يكون عملنا على مقتضى ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لماذا نشترط الإخلاص؟

لأن العمل إذا لم يكن على، يعني إذا كان على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه لا بد أن يكون خالصاً لله -جل وعلا- وإذا لم يكن خالصاً، فإنه لن يكون على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-  شامل للأعمال الظاهرة البدنية وأعمال القلوب، فإذا كانت صورة العمل مطابقة لما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه ليس العمل خالصاً بل دخله وشابه ما شابه من مراءاة الناس أو التشريك في عبادته فإنه لن يكون على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا حاجة إلى الشرط الأول، هكذا قال بعضهم. الكلام سليم أو ليس بسليم، مستقيم أو غير مستقيم؟

نقول: لسنا بحاجة إلى أن نقول بالشرطين، يكفينا الشرط الثاني؛ لأنه إذا كان على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- صواباً على سنة محمد -عليه الصلاة والسلام- فإنه لا بد أن يكون خالصاً، فلا داعي لاشتراط الإخلاص.

تنصيص أهل العلم على الإخلاص للاهتمام به والعناية بشأنه؛ لأن كثيراً من المسلمين لو لم يذكَّر به لنسيه، فالنية شرود، ويذكر، وجاءت فيه النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة، ويتردد في كلام أهل العلم وهو شرط مؤكد عندهم يكررونه في كل عبادة من أجل أيش؟ أن يتذكره الإنسان فلا يعزب عن باله، وإلا فالنية شرود، النية شرود، أن تدخل بنية خالصة جئت إلى المسجد لتؤدي هذه الصلاة ولم ينهزك عن بيتك إلا هذه العبادة لله -جل وعلا- ثم بعد ذلك إذا كبَّرت النية لا بد أن تستحضرها، ولا تروح يمين وإلا يسار تفوتك، ويطرأ على الإنسان في أثناء صلاته ما لا يخطر في باله، فالناس لا بد من تذكيرهم بهذا الشرط والتنصيص عليه وإن كان كلام الآخر له وجه، لكن لا بد من التنصيص على مثل هذا؛ لأنه لو غفل عنه لمالت المقاصد بالمكلفين يميناً وشمالاً.

{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا}: عملوا الصالحات، لا بد من العمل لتتحقق النجاة من الخسران الذي حكم به على جميع الناس؛ لأن الإنسان وإن كان لفظه لفظ المفرد، إلا أن المراد به الجنس، المراد به الجنس.

{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِِ} تحقق فيهم الانتفاع، تحقق فيهم ما ينفعهم ويخرجهم من الحكم العام بالخسارة على جميع الناس فحققوا الإيمان وعملوا الصالحات وبقي النفع، بقي النفع المتعدي، فعلى الإنسان أولاً أن يعلم ثم يعمل ثم بعد ذلك ينفع.

{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ}: هذا الحق وهذا الإيمان، وما يطلبه هذا الإيمان إذا عمل به في نفسه انتفع كثيراً، لكن من متطلبات هذا الإيمان نفع الآخرين، من متطلبات العمل الصالح أيضاً التعدي، أن تكون هذه الأعمال الصالحة متعدية، وتواصوا بالحق، التواصي تفاعل، لا بد أن يكون من طرفين، فكل واحد يوصي أخاه بالحق الذي هو الدين، الدين بجميع فروعه، وأصوله، هو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال، فإذا تواصى المسلمون بالحق نجوا من الخسارة، وتواصوا أيضاً بالصبر؛ ؛لأن الإنسان إذا علم هذا الدين وهذا الإيمان وعمل به ودعا غيره إلى هذا المطلوب المنجي من الخسارة المحكوم بها على العموم، فإذا تواصى مع غيره لا بد أن يناله ما يناله من الأذى؛ لأن الناس لا يحتملون – يعني الناس جبلوا على ألا يحتملوا- من يعارض شهواتهم ونزواتهم، فلا بد أن يحصل له ما يحصل من الأذى، فعلى هذا يوصي نفسه ويوصي غيره بالصبر، يوصي نفسه ويوصي غيره ويوصيه غيره أيضاً بالصبر، لا بد أن يتواصوا بالصبر؛ لأن الطريق شاق فالذي لا يتعرض للناس، بمعنى أنه لا يأمرهم ولا ينهاهم هذا في الغالب سالم منهم، سالم منهم، ما في أحد يعتدي إلا إنسان ظالم، لكن الذي يرجو أن يعم نفعه وخيره وفضله وعلمه ويتعدى إلى الآخرين لا بد أن يناله ما يناله، وتنظرون فيمن يتولى الأمر والنهي والدعوة، تنالهم مشقة عظيمة، مشقة لاحقة ببدنه، مشقة لاحقة به من قبل غيره، فتجد الذي يقف ويحول دون الناس ودون شهواتهم ويوصيهم بالحق لا بد أن يوصي نفسه أولاً ويتجمل بهذا الخلق العظيم الذي هو الصبر، فلا بد من الصبر؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، والمكاره تحتاج إلى صبر، والصبر حبس النفس فلا بد من أن يصبر على طاعة الله، ولا بد من أن يصبر عن معصية الله، ولا بد أن يصبر على أقدار الله المؤلمة التي تخالف ما يشتهيه، فلا بد أن يصبر على جميع ما يعترضه في طريقه في علمه في عمله في دعوته في أمره في نهيه وجميع ذلك لا بد فيه من الصبر، لا بد أن يصبر ولا بد أن يحتسب، وبعض الناس تجده على شفه بمجرد أدنى هزة ينكص على عقبيه، لا يتحمل ولا يصبر فالمسألة تحتاج إلى صبر، والأنبياء حصل لهم ما حصل من أقوامهم، والعلماء والدعاة حصل لهم ما حصل، فلا بد من الاهتداء بهدي من سبق، ولا بد من التحمل والصبر على جميع الأذى الذي ينال الإنسان بدعوته وأمره ونهيه؛ لأن الطريق ليست كما يقول المعاصرون مفروشة بالورود، كل من أتاه ليدعوه وينكر عليه أو يأمره بالمعروف استقبله استقبال...بعض الناس يضرب من يأمره، بل حصل الأمر إلى القتل، والأمر جد خطير، فقتل من يأمر الناس بالقسط مقرون بقتل ا؛لأنبياء نسأل الله السلامة والعافية، وحصل لهذه الفئة -أعني أهل الحسبة أهل الأمر والنهي- يحصل لهم ما يحصل أكثر مما يحصل لغيرهم، يعني يحصل لأهل الأمر بالمعروف من الأذى أكثر مما يحصل للعُبَّاد، أكثر مما يحصل للدعاة، أكثر مما يحصل للعلماء والمعلمين؛ لأن أولئك في الواجهة، يعني يسعون إلى الحيلولة بين العصاة ومعاصيهم، فيحولون بين الناس وشهواتهم ونزواتهم، فيتعرضون لهم بما يؤذيهم فلابد من الصبر، فلابد من الصبر، والله -جل وعلا- يقول:{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[(155) سورة البقرة] فلا بد من الصبر.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول: في كتاب التفسير من فتح الباري أورد تنبيهاً في آخر سورة العصر...

يقول: في كتاب التفسير من فتح الباري أورد تنبيهاً في آخر سورة العصر، لم أرَ في تفسير هذه السورة حديثاً مرفوعاً صحيحاً، لكن ذكر بعض المفسرين حديث ابن عمر: من فاتته صلاة العصر، وقد تقدم في صفة الصلاة مشروحاً، فهل يصح الحديث الذي ذكر أن الرجلين لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر؟
الجواب: على كل حال صححه بعضهم كالألباني رحمه الله, ويذكر المفسرين في سورة العصر، من قرأ سورة العصر كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، وعرفنا أنه لا أصل له.

يقول في حالة دخولي في الصلاة تتوارد عليَّ الخواطر ويوسوس لي الشيطان بأني مراءٍ فما الحل؟

الجواب: لا شك أن الشيطان حريص على أن تخرج من صلاتك بلا شيء، وأن تكون صلاتك لا يترتب عليها شيئاً من الثواب؛ لأنه ليس للإنسان من صلاته إلا ما عقل، فعليك أن تقبل بقلبك وقالبك على مناجاة الله وأن تتصور أنك بين يدي الجبار.

هذا يقول: يحصل في بعض المناسبات تصوير وبعض التجار لا يدعم المشروع إلا بالتصوير، فهل يوافق على ذلك؟

الجواب: أولاً إذا عرفنا أن حكم التصوير محرم وجاءت النصوص الصحيحة الصريحة في تحريمه والتشديد في أمره، وإن اختلف في أنواع من التصوير الموجودة التي تدخل في النصوص أو لا تدخل، فالتصوير بجميع صوره وأشكاله وآلاته داخل في النصوص، ما دام صورة لذي روح فإنه داخل في النص, سواء كان باليد أو بآلة، وبعض الناس يقول: لا يضر أن تكون ضغطة زر لآلة ينتج عنها صورة أن يحصل فيها مثل هذا التشديد, أن يكلف بنفخ ويكون من أشد الناس عذاباً يوم القيامة ... إلى آخره، لا يمكن أن يكون مثل هذا الوعيد لهذا العمل اليسير، ضغطة زر يترتب عليه هذا الوعيد الشديد، نقول إن هذا ليس بأعظم من ضغطة زر المسدس وقتل مسلم، يترتب عليه الوزر العظيم وتوعد بالخلود في النار وقرن بالشرك، والأدلة الدالة على تعظيم شأن القتل لا يمكن حصرها, وإذا قلنا وعرفنا أن التصوير بجميع آلاته وأشكاله محرم، فإنما عند الله لا ينال بسخطه، هذا يقول مشروع خير لا يدعم إلا بمحرم لا يلزم ذلك، ما عند الله لا ينال بسخطه.

كيف يكون الصبر على أقدار الله المؤلمة؟

الجواب: حبس النفس عن التشكي والجزع على وفق الشرع.
وهل الصبر مجرد بغير رضا يؤجر عليه الإنسان؟
الجواب: نعم، الصبر يؤجر عليه الإنسان ولو لم يرض، والرضا قدر زائد على ذلك، حتى قال ابن حجر: إن الأجر المرتب على المصائب يحصل للإنسان ولو لم يصبر، لكن إن صبر كان أجره أعظم، وإن رضي بعد ذلك كان أجره أعظم.

يقول: ما هو شرح الحديث التالي مع التمثيل، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((خير العمل أدومه وإن قل))؟

الجواب: يعني المحافظة على العمل باستمرار فيه أفضل من الانقطاع ولو كثر العمل، فبدلاً من أن يقرأ القرآن في يوم ثم ينقطع أسبوع يوزع هذه الأجزاء الثلاثين على الأسبوع ويستمر في ذلك أفضل من كونه يقرؤه في يوم أو يومين ويترك بقية الأيام، وقل مثل هذا فيمن يصلي الصلوات الكثيرة في يوم ويترك أيام، لا أعني الفرائض، أعني من النوافل، تجد بعض الناس يصلي في يوم خمسين ستين ركعة، ثم بعد ذلك يفتر أيام ثم يعود، لو وزع هذه الصلوات على الأيام لكانت أخف عليه وأضمن للاستمرار؛ لأن النكوص وترك العمل لا شك أنه رغبة عن الخير وهذا مذموم شرعاً.

يقول: يأتي على الإنسان لحظات يشعر فيها بسعادة عظيمة دون سبب معين، وأحياناً يأتي لحظات يضيق فيها المرء ضيقاً حتى ليوسوس له الشيطان أن فعل المعصية باتباع الهوى هو ما يجعله سعيداً فما ......؟

الجواب: الذي يجعل الإنسان سعيداً وأسباب السعادة هي -بل من أعظمها- أسباب السعادة بالنسبة لهذه الحياة الدنيا في الإيمان بالله -جل وعلا- وبتحقيق توحيده ونفي الشرك بجميع صوره وأشكاله، الظاهر منه والخفي، هذه هي أسباب السعادة مع العمل الصالح وهذه الحياة الطيبة إنما تكون بذلك، والضيق والحسرة التي تمر بالإنسان إنما هي من وساوس الشيطان ليزين له الأعمال القبيحة.
ويذكر واحد من الإخوان أنه سافر إلى بلد لا يعرفه فيها أحد ولا يعرف أحداً فقال إنه بهذه الوحدة ولا يوجد من يؤنسه ويقول إن بعض الناس قالوا له إن الدخان يوسع الصدر، يقول: فاشتريته فوضعته في فمي وما أدري أيش يسمونه، المهم أنه يقول: من أول شفطة أصبت بكحة دائمة، وشرغ بذلك و..... في دورة المياه؛ فالشيطان لا شك أنه يوسوس للناس ويلبس عليهم, وتسمعون كلام بعض الشباب يقولون نبي نستأنس, والأنس كله في طاعة الله، ولا أعظم من لذة المناجاة إذا حصلت للإنسان, فا؛لأنس كله في طاعة الله -جل وعلا- وأما من لم يرد له الهداية فكأنما... كما قال الله -جل وعلا- : {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} [(22) سورة الزمر] الذي في آية الزمر...
طالب:...........
لا ذاك ثانية.
طالب:..............
يشرح صدره للإسلام... يجعل صدره ... الطرف الثاني، يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء، وهذه الآية فيها العجب حيث أثبتت التجربة أنه كلما ارتفع الإنسان عن مستوى سطح الأرض يضيق معه الصدر، ولذلك يوصي الأطباء من كان في قلبه شيء من المرض الحسي ألا يقصد الأماكن المرتفعة، لا يقصد الأماكن المرتفعة، على كل حال ضيق الصدر سببه وسواس من الشيطان، والبعد عن الله -جل وعلا- وعن ذكر الله وعن تلاوة كتابه على الوجه المأمور به، فإذا حصل لك مثل هذا الضيق قم وتوضأ وأحسن الوضوء وصل ركعتين واقرأ في كتاب الله ما تيسر لك ويزول إن شاء الله تعالى.

يقول: نريد كلمة قصيرة في الأدب مع المشايخ والعلماء ...من الإنترنت؟

الجواب: على كل حال المشايخ من أهل العلم لهم فضلهم على الناس، وقد ذكر الآجري في أخلاق العلماء مثالاً يبين فيه قدر العلماء وفضلهم على الناس, فذكر أن الناس كأنهم في أرض فلاة في وادٍ مشتمل على حصا وشوك وسباع وهوام في ليلة مظلمة، كأنهم يسيرون في هذه الليلة المظلمة في هذا الوادي الذي يكثر فيه الشوك والأشجار المؤذية والدواب والسباع والهوام ثم بعد ذلك جاءهم من بيده مصباح فأنار لهم الطريق حتى خرجوا من هذا الوادي، ففضله عليهم يمثل هذا بفضل أهل العلم على سائر الناس؛ لأنه تصور الإنسان أنه في بلد ما فيه من أهل العلم أحد، فأشكل عليه أي مسألة من مسائل الدين كيف يعمل؟ كيف يعبد الله -جل وعلا-؟ كيف يحقق الهدف الذي من أجله وجد، دون أهل العلم؟! لا يستطيع تحقيق الهدف، وإذا أضاع الهدف خسر دنياه وأخراه، بخلاف ما لو صار في بلد لا يجد من يعينه على التجارة أو لا يجد من يفتح له آفاق وأبواب للتجارة فإنه حينئذ يخسر شيئاً من الدنيا ولا يضيقه هذا, فلا شك أن أهل العلم لهم فضل على الناس فاحترامهم مطلوب, لكن لا يوصل بهم إلى حد الغلو كما يوجد عند بعض الفئات وبعض المجتمعات وبعض المذاهب، يغلون في علمائهم وشيوخهم ويصرفون لهم مما هو حق لله -جل وعلا-.

يقول: إذا عمل الإنسان عملاً وهو مجتهد، لكنه غير موافق لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- هل يأخذ أجر الاجتهاد أو يرد عمله هذا؟

الجواب: إن اجتهد من غير دليل فهذا لا يأخذ أجراً، لكن إن اجتهد على ضوء دليل، وأخطأ في فهم الدليل فلا شك أنه مأجور أجراً واحداً، ولو أصاب لكان له أجران.

يقول أحد الدعاة أن عبد العزيز بن باز أفتى بوجوب خروج الدعاة وأهل العلم في الإعلام؟

الجواب: على كل حال الشيخ نفسه ما خرج، وكان يوصي بعض من يتوسم فيه النفع أنه يتولى ذلك.

يقول: أجد من نفسي ميل إلى علم الحديث، فيا حبذا لو أرشدتني إلى كيفية التدرج في هذا العلم؟

الجواب: هذه المسألة لا شك أن شرحها يطول، وهناك أشرطة موجودة في التسجيلات فيها التدرج في هذا العلم وفي غيره من العلوم فليُرجع إليها.

يقول: ما هي الأسباب التي جعلت الناس في الأوقات الأخيرة في هذه السنوات المتأخرة يزهدون في المحاضرات ويقلون في حضورها، مع العلم أنه لو كان هناك إعلان عن مهرجان لوجدت الحضور كبيراً باستمرار، ولو كان في كل يوم أرجو التنبيه؟

الجواب: لو لم يستشعر الإنسان في هذا إلا أن الجنة حفت بالمكاره، لا شك أن حضور مثل هذه الدروس ثقيلة على النفس؛ لأنها مما حفت به الجنة، فهي ثقيلة على النفس والنفس لا تهوى مثل هذه الأمور كسائر التكاليف، أما الأمور التي فيها شيء من التوسع، وليس فيها شيء من التكليف هذا مما تهواه النفس وتميل إليه, لاسيما إذا كان فيه شيء من اللهو أو شيء من الممنوع شرعاً، فتجد الجمهور عليه يقبلون والله المستعان.

يقول: ما الفرق بين التواصي بالحق والتواصي بالصبر؟

الجواب: التواصي بالحق أعم، والتواصي بالصبر نوع من أنواع الحق, والتنصيص عليه من باب التنصيص على الخاص بعد العام للاهتمام به وشدة العناية به، والحاجة إليه، فالتواصي بالحق قلنا إنه الدين بجميع ما يتطلبه الدين من أصول وفروع، يتواصى به مع غيره، فيوصي غيره ويوصيه غيره, ومع ذلك إذا ترتب على ذلك شيء مما يحتاج إلى صبر تواصوا به.

هل يجوز الحلف بقول: لعمري، أو لعمرك أو نحو ذلك؟

الجواب: نعم يجوز مثل هذا، لا مانع منه، وليس بحلف؛ لأنه ليس بمقترن بحروف القسم الثلاثة.

ما كيفية الأنكار بالقلب، وهل يكفي كراهة المنكر مع الاستمرار في المخالطة؟

الجواب: الإنكار بالقلب يعني كره هذا المنكر وكره صاحبه، وإذا ارتدع بهذا يظهر علامات الكره والسخط فإذا ارتدع بذلك وإلا وجب عليه العزلة، أن يعتزل عنه.

هذا يقول ادع لي بالعافية مما ابتليت به من المعاصي والفقر فإن نفسي تراودني على الإقبال على الكبائر كالنظر إلى الحرام؟

الله المستعان نسأل الله -جل وعلا- أن يعصم الجميع مما يغضبه.

ما أفضل طبعة لحاشية الجمل على الجلالين؟

الجواب: الجمل على الجلالين مطبوع في مبطعة بولاق قبل مائة سنة، ثم طبع طبعات كثيرة طبعة بولاق هي أصحها.

يقول إذا كان الداعية في الهيئة أو غيرها من مجالات الدعوة ويُفتن بالنساء أو ما شابه النساء هل يستمر في هذا المجال أو يبحث عن مجال آخر من مجالات الدعوة؟ علماً بأنه لا يكون فيه في هذا المجال غيره.

الجواب: عليه أن يجاهد نفسه، عليه أن يجاهد نفسه, فإن استطاع أن يتخلص من هذا الداء فليستمر في مجاله وإلا فليبحث عن عمل آخر لا يعرضه للفتن، بعيداً عن محافل الناس.

هذا يقول: إنه موظف حكومي يخرج من الدوام بشكل مستمر وبأوقات متفاوتة؛ مع العلم بأن خروجه لا يؤثر على مصلحة العمل أو مصلحة المراجعين؟

الجواب: الخروج لا يجوز، الخروج من الدوام الذي اتفق عليه ويأخذ في مقابله أجر لا يجوز إلا لحاجة بعد استئذان من يملك الإذن.

يقول: جاء النهي عن الانتعال بالواحدة فهل يقاس عليه من يلبس شراباً واحداً عند لعب كرة القدم أو لا يقاس؟

الجواب: الذي يظهر أنه مثله إلا عند الحاجة، لو وجد حاجة تحت الرجلين شيء يتأذى بعرائها واحتاج أن يلبس شراب والثانية لا حاجة لها بذلك والوقت صيف لا يحتمل فيه مثل هذا، فالحاجة تقدر بقدرها.

يقول: ما رأيك في قول من قال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الركن السادس من أركان الإسلام؟ ولا بد له من الصبر، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فهل يكون الصبر واجباً؟

الجواب: الصبر واجب، الصبر على الطاعات الواجبة واجب، والصبر عن المحرمات واجب، والصبر على الأقدار واجب، فالصبر بجميع أنواعه واجب، لكن الصبر على فعل المستحبات مستحب، والصبر عن المكروهات مستحب أيضاً.
أما كونه الركن السادس فقد قال به جمع من أهل العلم، لكن عامة أهل العلم يخصون الأركان بما جاء في حديث جبريل، وحديث عبد الله بن عمر وغيرهما، أنه بني الإسلام على خمس.

يقول: أنا سافرت من بلدي إلى بلد آخر وسوف أستقر أقل من أربعة أيام، فهل السنة ترك السنة الراتبة، أو فعلها؟ وهل ينكر على من حافظ على السنة الراتبة أثناء السفر؟

الجواب: المسافر والمريض يكتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً؛ فإذا كان محافظاً على الرواتب فليتركها وفي هذا يقول ابن عمر: لو كنت مسبحاً لأتممت، وبعضهم يعكس هذا فيقول: إذا صلى خلف من يقيم ولزمه الإتمام فإنه يصلي الرواتب، وإن قصر الصلاة فإنه لا يصلي، وعلى كل حال ما دام الرخصة جاءت بهذا ولا يعرف عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه حافظ على شيء من الصلوات في السفر إلا الوتر وركعتي الفجر.

هذا يقول: ما توجيهكم للشباب المستقيم بالتواصي بالحق وترك الاستكانة أمام جلد أهل الباطل ودعاة التغريب على باطلهم؟

الجواب: أما بالنسبة للصراع بين الحق والباطل فهو قديم، الصراع بين الحق والباطل قديم قدم الإنسان، ولابد من التدافع ولابد من دفع الباطل بقدر الإمكان, والإشكال في الاستكانة على ما ذكر السائل، والله -جل وعلا- إذا علم من أهل الحق في المدافعة والتصدي لأهل الباطل فالله -جل وعلا- يعذرهم من جهة ويعينهم على دفع الباطل ويرفع عنهم ما يستحقون من عذاب، بسبب تركهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو خصيصة هذه الأمة، وسبب خيريتها وتفضيلها على الناس، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}[(110) سورة آل عمران].
بعض الناس يتصور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاص بمن وكل إليه الأمر، وخاص بأمر الناس بالصلاة أو الحيلولة بين بعض الفساق وبين شهواتهم في الأسواق والمجامع العامة.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشمل من ذلك، فيشمل المنكرات التي تدور في البيوت وتدور في الأسواق وتدور على كافة الأصعدة، كبرت هذه أو صغرت، تنوعت أساليبها, ولابد من مقاومتها، فسبب خيرية هذه الأمة وتفضيلها على الناس هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويلاحظ أنه في الآية قدم على الإيمان، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}[(110) سورة آل عمران].
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يصح ولا يقبل بغير الإيمان، لكنه قدم في الآية لتعظيم شأنه وأنه هو السبب الذي فضلت به هذه الأمة، وإلا فجميع الأمم التابعين للرسل، يؤمنون بالله، ومع ذلك فضلنا عليهم بأي شيء؟ بأننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وسبب لعن بني إسرائيل، {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [(79) سورة المائدة]. فلا بد من الجد والحزم في هذا الأمر والتواصي عليه، والتعاون عليه.

يقول: في السلسلة الصحيحة حديث: كان رجلان من أصحاب –صلى الله عليه وسلم- إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر والعصر، إن الإنسان لفي خسر، ثم يسلم أحدهم على الآخر، ما مفهوم الحديث؟ وكيف السبيل إلى تطبيقه؟

الجواب: مفهومه تلاوته يعني مجرد ما يجتمعان ويريدان الافتراق بعد ذلك يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر، ثم يسلم أحدهما على الآخر السلام، سلام الانصراف، وهو مستحب كسلام الدخول.

يقول: مسافر وصل إلى البلدة التي يريدها ودخل مع الإمام في صلاة الظهر والإمام قام للركعة الثالثة، هل بعد السلام يكمل أربعاً أم يكفي ركعتان؟

الجواب: لا بد من أن يأتي بأربع ركعات؛ لأنه إن صلى خلف مقيم لزمه الإتمام.

يقول: تعصف بالأمة الأحداث وتنزل بها النكبات والإعلام الكافر والمشبوه يتولى توجيه الناس...

يقول: تعصف بالأمة الأحداث وتنزل بها النكبات والإعلام الكافر والمشبوه يتولى توجيه الناس، حتى رأينا من أهل الخير والعقيدة الصحيحة من يشك ببعض الثوابت، وأصبح كثير من شباب الصحوة يتناظرون ويبحثون عن المرشد وربما أخذ بأيديهم مأفوكون في الإنترنت وبعضهم صار في ركاب الفئات الضالة والفرق الضالة الخارجة عن الإسلام؟
الجواب: على كل حال هذا الإعلام التي ابتليت به الأمة في هذه العصور المتأخرة لا شك أنه أحدث شرخاً كبيراً وضرراً عظيماً, لكنه مع ذلك فتح أبواباً وآفاقاً للعمل، وأيضاً ضاعف في الأجور -أجور العاملين-؛ لأن الأمور لو كانت سهلة وميسرة ما استحق كثير من العاملين مثل هذه الأجور العظيمة؛ لأن الأمر إذا كان سهل وميسر أجره المرتب عليه أقل مما لو كان صعب الحصول والمنال، {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ}[(10) سورة الحديد]؛ لأن كلما اشتدت الحاجة وتأزمت الأمور زادت الأجور، ولذا جاء في الحديث في المسند والسنن ((أن للعامل في آخر الزمان أجر خمسين قالوا يا رسول الله: منا أو منهم؟ قال: ((بل منكم)) وهذا الحديث حسنه ابن القيم وغيره.
على كل حال إذا ادلهمت الأمور في وجه طالب العلم أو العامل لا شك أنه أعظم لأجره، هذا أعظم لأجره فعليه أن يعمل، وبعد ذلك النتائج ليست بيده، يقول عملنا وعملنا وعجزنا أن نصلح, النتيجة ليست بيدك، فالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- منهم من يأتي وليس معه أحد, وبعض ا؛لأنبياء كنوح أقرب الناس إليه ما استطاع هدايته إنما هداه الدلالة والإرشاد، لكن هداية التوفيق والقبول بيد الله -جل وعلا-.