شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (189)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبدهِ ورسولهِ نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

مستمعي الكرام: سلامُ الله عليكم ورحمتهُ وبركاته، طابت أوقاتكم جميعًا بكل خير، وأهلًا بكم إلى حلقةٍ جديدة في "شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح" والذي يتولى شرح أحاديث هذا الكتاب صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، والذي نسعد بالترحاب به مع مطلع حلقتنا فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: في حديث أبي شُريح توقفنا عند قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أن يسفك بها دمًا»، وكان نهاية الحلقة الماضية حول هذا الموضوع، أحسن الله إليكم، نستكمل ما تبقى يا شيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبدهِ ورسولهِ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ذكرنا فيما تقدم مذهب أبي حنيفة في حكم أو فيمن قتل؛ في قتل من ارتكب حدًّا في الحرم، وأنهُ لا يُقتل حتى يخرج إلى الحل باختياره.

المقدم: من ارتكب حدًّا خارج الحرم ودخل الحرم.

لا يُقتل في الحرم حتى يخرج.

المقدم: نعم، لكن ارتكب خارج الحرم، هو ارتكبه.

لا لا في عموم الجملة.

المقدم: أبو حنيفة رأيهُ في العموم.

في العموم.

المقدم: قتل في الحرم.

لا يُقتل أحد في الحرم، نعم بعضهم نقل الاتفاق على من أن قتل في الحرم..

المقدم: يُقتل.

يُقتل كابن الجوزي، لكن مذهب أبي حنيفة لا يُقتل في الحرم حتى يخرج إلى الحل باختياره، لكن لا يُجالس ولا، المهم يُضطر إلى الخروج باختياره، فرق بين أن يُضطر.

المقدم: بالإكراه.

نعم.

المقدم: أن يُضطر بالإكراه وأن يُضطر باختياره.

نعم، فرقٌ بين أن يرى نفسه مُضطرًا إلى الخروج فيخرج، وبين أن يُخرج بغير اختياره، كما هو قول أبي يوسف.

ومالك والشافعي قالوا: يجوز إقامة الحد مُطلقًا فيها؛ لأن العاصي هتك حرمة نفسهِ، فأبطل ما جعل الله له من الأمن، طيب ماذا عن مذهب الحنابلة؟ في مختصر الخِرقي وهو من أشهر كُتب الحنابلة الفقهية من متونهم، ولقي قبولًا من كبارهم، وشُرح شروحًا كثيرة جدًّا؛ كأنها.. عدد كبير جدًّا شروح الخرقي يُبالغ بعضهم يقول: إنه شرح مائة شرح أو كذا، ومن أعظم شروحه المغني للموفق ابن قدامة، في هذا المختصر يقول: ومن قتل أو أتى حدًّا خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم لم يُبايع، ولم يُشار حتى يخرج من الحرم فيُقام عليه الحد، يعني مثل مذهب..

المقدم: مالك الشافعي.

لا.

المقدم: في مسألة عدم هذا.

أبي حنيفة. ومن قتل أو أتى حدًّا خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم لم يُبايع، ولم يُشار حتى يخرج من الحرم فيُقام عليه الحد.

المقدم: لكن مثل مذهب أبي حنيفة على جزء أنت الآن تؤكد على أن أبا حنيفة يرى...

يرى عدم القتل مطلقًا.

المقدم: لكن مالكًا والشافعي.

يريان القتل مطلقًا.

المقدم: ويُفهم منه عندما قال بأنه هتك حرمة نفسه أنه قتل أصلًا خارج الحرم، هذا يُفهم من هذا الكلام يا شيخ، في مذهب مالك والشافعي.

إقامة الحد مُطلقًا يعني سواء فعله في الحرم أو خارج الحرم.

المقدم: لأنه هتك.

لأنه هتك حرمة نفسه بمباشرة.

المقدم: القتل.

الجريمة.

المقدم: نعم.

ومن قتل، أو أتى حدًّا خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم لم يُبايع ولم يشار حتى يخرج من الحرم فيُقام عليه الحد.

وقال: ومن قتل أو أتى حدًّا في الحرم أُقيم عليه في الحرم، هذا كلام الخِرقي، يعني يُفرق بين من صارت جريمته خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم، هذا يُنتظر حتى يخرج، ومن كانت جريمته في الحرم يُقام عليه الحد في الحرم، وعرفنا فيما تقدم الفرق بين الصورتين، قال ابن قُدامة: جُملتهُ أن من جنى جناية توجب قتلًا خارج الحرم ثم لجأ إليه لم يُستوف منه فيه، جُملته أن من جنى جناية توجب قتلًا خارج الحرم ثم لجأ إليه لم يستوف منه فيه، وهذا قول ابن عباس وعطاء وعبيد بن عمير والزهري ومجاهد وإسحاق والشعبي وأبي حنيفة وأصحابه.

 وأما غير القتل من الحدود كلها والقصاص فيما دون النفس فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما: لا يُستوفى من الملتجئ إلى الحرم فيه؛ يعني حتى فيما دون النفس، يعني إقامة الحدود كلها. أو القصاص فيما دون النفس، أحمد عنه في هذه المسألة روايتان: إحداهما: لا يستوفى من الملتجئ إلى الحرم فيه، والثاني: يُستوفى وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأن المروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- النهي عن القتل بقوله: «فلا يسفك فيها دمٌ» وحرمة النفس أعظم، فلا يُقاس عليه غيرها، فلا يقاس على النفس غيرها فيما دونها، يعني سرق تُقطع يده ، جنى جناية، فقأ عين إنسان تُفقأ عينه، وقال مالك والشافعي: يُستوفى منه فيه؛ لعموم الأمر بجلد الزاني وقطع السارق واستيفاء القصاص من غير تخصيص بمكان دون مكان، يعني قول مالك والشافعي إذا كانوا يقولون بقتله فلأن يقولوا بما دون ذلك من باب أولى، وسببُ الخلا،ف يعني منشأ الخلاف في المسألة معارضة مثل حديث الباب «فلا يسفك فيها دمًا» مع أحاديث الحدود والقصاص، هذا إذا كانت الجناية خارج الحرم.

المقدم: مع أحاديث؟

مع أحاديث الحدود والقصاص.

المقدم: لماذا ما يقول مع نصوص.

مع نصوص أعمَّ، ما فيه ما يمنع.

المقدم: يعني فيه آيات يا شيخ.

ما فيه شك. أقول: معارضة هذا الحديث مع النصوص على ما تفضلت الأخرى التي توجب إقامة الحدود وتمنع من تعطيلها.

أما إذا كانت الجنايةُ الموجبة للحد، أو القصاص في الحرم فقال ابن قدامى: من انتهك حُرمة الحرم بجنايةٍ تُوجب حدًّا أو قصاصًا؛ من انتهك حُرمة الحرم بجنايةٍ توجب حدًّا أو قصاصًا فإنهُ يُقام عليه حدها، لا نعلم فيه خلافًا، مع أنه يدخل في كلام أبي حنيفة السابق؛ لا نعلم فيه خلافًا، وكلامه هذا موافق لكلام ابن الجوزي الذي ساقه سابقًا، لا نعلم فيه خلافًا، وقد أمر الله بقتال من قتل في الحرم؛ وقد أمر الله بقتال من قتل في الحرم، فقال تعالى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [آل عمران:191]، فأباح قتلهم عند قتالهم في الحرم؛ ولأن أهل الحرم كغيرهم يحتاجون إلى الزجر عن ارتكاب المعاصي كغيرهم؛ حفظًا لأنفسهم وأموالهم وأعراضهم، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة:179]، فتُحفظ الأموال، الدماء والأموال والأعراض بإقامة الحدود، فلو لم يُشرع الحد في حق من ارتكب الحد في الحرم لتعطلت حدود الله تعالى في حقهم، وماتت هذه المصالح التي لا بُد منها، ولا يجوز الإخلال بها.

 وفي منسك الشيخ ابن جاسر، وهو من أطول المناسك، اسمه "مفيد الأنام ونور الظلام"، في هذا المنسك يقول الشيخ -رحمه الله-:

الذي يظهر أن الخصوصية إنما هي في جواز البداءة بالقتال؛ لأن الصورة التي حصلت منه -صلى الله عليه وسلم- ونفاها عن غيره، وذكر أنها من خصائصه البداءة بالقتال، وعاد التحريم بعد الساعة التي أحل الله مكة فيها لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلا يجوز لنا أن نبدأ أحدًا بالقتال فيها، أما إذا بدأنا أحد بالقتال جاز لنا قتاله؛ لقوله تعالى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [آل عمران:191]. أقول: القتال والقتل كلاهما حاصل في فعله -صلى الله عليه وسلم-، فقد دخل مكة غازيًا مُقاتلًا بادئ بالقتل، وقتل ابن خطل في هذه الأثناء، وجاء قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عباس وأنه لم يحل القتال: «وإنه لم يحل القتالُ فيه لأحدٍ قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار» متفق عليه، وفي رواية عند مسلم قال: بدل القتال القتل؛ بدل القتال القتل، فيشمل الأمرين، وكلاهما حصل منه -عليه الصلاة والسلام- بفعله وقوله، القتل والقتال. وهذا لا شك يدلُّ على حرمة هذا البلد الشريف واختصاصه بهذا الحكم، فلا يجوز ابتداء القتال فيه، فإن ابتدأ الكافر أو الباغي بالقتال...

المقدم: يُقاتل.

جاز قتاله؛ لقوله تعالى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [آل عمران:191]، وأما قتل من استحق القتل؛ كالقاتل، والزاني المحصن، والمرتد، فالقول بأنه يُضيقُ عليه، فالقول بأنه يُضيق عليه حتى يخرج من الحرم له وجه وقوفًا مع النص؛ فالقول بأنه يُضيق عليه حتى يخرج من الحرم له وجه يعني وقوفًا مع النص، وتعظيمًا لحرمة هذا البلد وبيانًا لخصوصيته، وإن لم يخرج فعموم أحاديث الحدود والقصاص يشمله، والله أعلم.

 استدل بالحديث من يرى عدم جواز دخول مكة بغير إحرام، النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة وعلى رأسه المغفر.

المقدم: معناه غير محرم.

غير محرم، فكيف يُستدل بالحديث أو يستدل بالحديث من يرى عدم جواز دخول مكة بغير إحرام.

المقدم: أنه قال: أُحلت لي هذه الساعة.

ساعة من نهار.

المقدم: فبالتالي عادت كما كانت.

بمعنى أنه لا يجوز أن يدخل فيها غير مُحرم في غير هذه الساعة، يقول في المنتهى وشرحهِ، والمنتهى من متون الحنابلة المتينة لابن النجار، وشرحه للشيخ منصور البهوتي، يقول في المنتهى وشرحه: فصلٌ: ولا يحل لمكلف حر مسلم أراد مكة أو أراد الحرم أو أراد نُسكًا تجاوز، ولا يحلُ لمسلم، لمكلفٍ حر مسلم أراد مكة أو أراد الحرم أو أراد نُسكًا تجاوز ميقاتٍ بلا إحرام؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- وقَّت المواقيت ولم يُنقل عنه ولا عن أحد من أصحابه أنه تجاوز ميقاتًا بلا إحرام، إلا إن تجاوزه إلا إن تجاوزه لقتالٍ مباح؛ يعني استثنوا هذه الصورة؛ لدخوله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح وعلى رأسه المغفر، يعني يُجيزون لمن أراد أن يدخل مكة لقتالٍ مباح أن يدخل بغير..

المقدم: إحرام.

إحرام، والنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي سوغ له الدخول بغير إحرام ما هو؟

المقدم: القتال.

هذه الساعة؛ كونه في هذه الساعة. ولذا يقول ابن جاسر موردًا على هذا الكلام ما يفهمه من الحديث يقول: إذا جاز لنا دخول مكة أو الحرم بلا إحرام للقتال المباح، فكيف يكون دخول النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكة محلين ساعةً من يوم الفتح من خصائصه -صلى الله عليه وسلم-، كلام ظاهر.

المقدم: نعم.

يقول: إذا جاز؛ هم يقولون: لا يجوز أن تدخل مكة إلا محرمًا، إلا إذا كان هناك قتال مُباح فأن تدخل غير محرم، إذًا ما خصيصة النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا ودخلها لقتال مباح؟ يقول: إذا جاز لنا دخول مكة أو الحرم بلا إحرام للقتال المباح، فكيف يكون دخول النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكة محلين ساعة من يوم الفتح من خصائصه -صلى الله عليه وسلم-؟ لا شك أن هذا يرد.

 في فتح الباري يقول: استدل به على اشتراط الإحرام على من دخل الحرم، قال القرطبي: معنى قوله حرمه الله أي يحرم على غير المحرم دخوله حتى يُحرم، ويُجرى هذا مجرى قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:23]، أي: وطئهن. {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة:3] أي أكلها، وجاء التنصيص في حديث الشاة؛ شاة ميمونة التي ماتت، وقال: هلا انتفعتم بإهابها، قالوا: إنها ميتة، قال: إنما حُرم أكلها، فعرف الاستعمال يدل على تعين المحذوف؛ لأنه أحيانًا يُطلق التحريم بإزاء شيء ثم يُتردد، هل التحريم من هذا الوجه أو هذا الوجه أو هذا الوجه؟ فمثلًا {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:23]، حرمت عليكم أمهاتكم، ما المحرم من الأمهات؟

المقدم: النكاح.

ومثلها النكاح والوطء بلا شك، لكن ألا يحتمل اللفظ أمورًا أخرى؟ يحتمل، لكن العرف عرف الاستعمال يدل على التعيين، والسياق سياق محرمات النكاح {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة:3].

المقدم: الأكل.

الأكل، وجاء التنصيص عليه في حديث شاة ميمونة، قال يقول ابن حجر: وقد دل على صحة هذا المعنى اعتذاره عن دخول مكة غير محرمٍ مُقاتلًا بقوله: «لم تحل لي إلا ساعة من نهار»، الحديث دخل غير محرم واعتذر عن دخوله غير محرم، أو دخل مقاتلًا، واعتذر عن دخوله مقاتلًا، أو اعتذر عن الأمرين؟ يعني هل الاعتذار عن دخوله غير محرم؟ احتمال؛ لأنه دخل غير محرم. هل اعتذار عن دخوله مُقاتلًا؟

المقدم: احتمال.

هذا هو الأظهر، وهو الذي جاء التنصيص عليه، فإن ترخص أحدٌ لقتال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيرد عليه بما ذكر، فهذا منصوص عليه، الاعتذار عن القتال دخوله في النص قطعي؛ لأنه منصوص عليه. أما اعتذاره عن عدم الإحرام فهو مما يشمله عموم النص، لكنه ليس بقطعي، قال: وقد دل على صحة هذا المعنى اعتذاره عن دخول مكة غير محرم مُقاتلًا بقوله: لم تحل لي إلا ساعةً من نهار... الحديث، قالوا: وبهذا أخذ مالك والشافعي في أحد قوليهما ومن تبعهما في ذلك فقالوا: لا يجوز لأحدٍ أن يدخل مكة إلا محرمًا إذا كان ممن يكثر؛ إلا محرمًا إذا كان ممن يُكثر التكرار.

المقدم: تكرار الخروج والعودة؟

نعم.

المقدم: لكن اسمح لنا يا شيخ ما أُثر عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه دخل مكة غير محرم أبدًا.

هذا الذي ذكره نعم.

المقدم: طيب ذهابه لثقيف في قصته المشهورة لدعوتهم، عاد ليس بمحرم، أو كان دون المواقيت لما ذهب للدعوة بالطائف، لما ذهب إلى الطائف هل كان دون السيل ورجع غير محرم -صلى الله عليه وسلم-؟

متى كان ذهابهُ؟

المقدم: كان في الدعوة يدعوهم.

متى؟

المقدم: في مكة هو كان -صلى الله عليه وسلم-.

قبل الهجرة.

المقدم: قبل الهجرة نعم.

ومتى فرض الحج؟

المقدم: الكلام الآن على المواقيت وهذا الكلام.

ومتى حُددت المواقيت؟ بعد هذا بزمان.

المقدم: بالنسبة للعمرة اعتمر -صلى الله عليه وسلم-.

المقصود أن هذا لا يُقال بوجوبه، كانت العرب يحجون ويعتمرون على المأثور عن إبراهيم-عليه السلام-، والنبي -صلى الله عليه وسلم- حج قبل فرض الحج، لكن ليس على سبيل الإلزام، والمسألة بعد فرض الحج.

وقال في موضعٍ آخر واستُدل بقوله: في حديث ابن عباس ممن أراد الحج والعمرة؛ يعني أحاديث المواقيت، فمفهومه أن المتردد إلى مكة لغير قصد الحج والعمرة لا يلزمه الإحرام.

وقد اختلف العلماء في هذا فالمشهور من مذهب الشافعي عدم الوجوب مُطلقًا؛ لا يلزمه أن يُحرم إذا كان لا يُريد حجًّا ولا عمرة، هذا المشهور من مذهب الشافعي، وفي قولٍ يجب مُطلقًا، وفيمن يتكرر دخولُه خلافٌ مُرتب، وأولى بعدم الوجوب للمشقة؛ من يتكرر دخوله. والمشهور عن الأئمة الثلاثة الوجوب؛ أنه لا يُمكن أن يدخل مكة إلا مُحرمًا؛ عملًا بعموم الحديث، فإن أحدٌ ترخص فيُرد عليه بما ذُكر أنها أحلت ساعة، ما دام أُحلت هذه الساعة لا يلزم الإحرام؛ لأن الإحرام ضد الإحلال، والمشهور عن الأئمة الثلاثة الوجوب، وفي روايةٍ عن كل منهم لا يجب؛ يعني كون الأئمة الأربعة كلهم يُذكر عنهم الوجوب وعدمه من غير قطع في المسـألة يدل على أن الأدلة متقاربة، وفي رواية عن كل منهم: لا يجب، وهو قول لعمر والزهري والحسن وأهل الظاهر، وجزم الحنابلة باستثناء ذوي الحاجات المتكررة؛ أنه لا يجب عليهم للمشقة.

المقدم: مثل السائقين يا شيخ؟

نعم، واستثنى الحنفية من كان داخل الميقات؛ يعني لا يلزمهُ الإحرام. وزعم ابن عبد البر أن أكثر الصحابة والتابعين على القول بالوجوب؛ وزعم بعضهم كابن القاص من الشافعية أن دخول مكة بغير إحرام من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال ابن حجر: وفيه نظر؛ لأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، لكن زعم الطحاوي أن دليل ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي شُريح وغيره: «أنها لم تحل إلا ساعةً من نهار»، وأن المراد بذلك جواز دخولها له بغير إحرام، لا تحريم القتل والقتال فيها، كلام الطحاوي. لكن زعم الطحاوي أن دليل ذلك، دليل الخصوصية قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي شُريح وغيره أنها لم تحل له -صلى الله عليه وسلم- إلا ساعة من نهار، وأن المراد بذلك جواز دخولها له من غير إحرام لا تحريم القتل والقتال فيها، هذا غريب من الطحاوي! كيف يقول: أن إحلالها ساعة لدخوله بغير إحرام لا للقتل والقتال، مع أن النص فإن أحدٌ ترخص.

المقدم: لقتال.

لقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، يعني لو قال: فإن أحدٌ ترخص بدخول النبي -صلى الله عليه وسلم- بغير إحرام فقولوا: إن الله قد أذن له أن يدخل بغير إحرام ولم يأذن لكم، اتجه كلام الطحاوي، لكن الحديث رد عليه، وهذه من العجائب، يعني مخالفة النص الصحيح الصريح لا شك أنها من العجائب، وهو حمل هذا الكلام على غير محمله؛ لأنه قال: لأنهم أجمعوا على أن المشركين لو غلبوا -والعياذ بالله تعالى- على مكة حل للمسلمين قتالهم وقتلهم فيه. فتعامله مع هذا النص..

المقدم: بالإجماع.

نعم.

المقدم: بفهمه للإجماع.

كيف يرد نصًّا صحيحًا صريحًا غير محتمل بكلامٍ يُمكن تأويله؟!

المقدم: صحيح.

بكلام يُمكن تأويله؛ لأنهم أجمعوا على أن المشركين لو غلبوا -والعياذ بالله تعالى- على مكة حل للمسلمين قتالهم وقتلهم فيها، والخلاف تقدم في هذه المسألة مع أن الممنوع البداءة بالقتال لا أصل القتل والقتال.

 ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بقوله: باب: دخول الحرم ومكة بغير إحرام، ودخل ابن عمر بغير إحرام، وإنما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإهلال لمن أراد الحج والعمرة، ولم يذكره للحطابين وغيرهم يعني ممن استثني، ممن يُتكرر دخوله.

 أقول: هذه المسألة سبب الخلاف القوي فيها تعارض أمرين: عندنا عموم وخاص، وعندنا أيضًا مفهوم، فمن يُقدم العموم؛ من يُقدم عموم المنطوق على المفهوم مُطلقًا يقول بقول الأكثر، يستدل بعموم حديث الباب ويقدمه على مفهوم حديث ممن أراد الحج والعمرة، ومن يُقدم الخاص وإن كان مفهومًا على العموم وإن كان منطوقًا يقول بقول الإمام البخاري والمشهور عن الشافعي.

فأقول من استدل بحديث الباب على عدم جواز الدخول بغير إحرام استدلالٌ بالعموم، ولأن عموم لفظ الحديث يشمل اختصاصه بالدخول من غير إحرام، كما يشمل قتاله لأهلها. عموم لفظ الحديث يشمل الأمرين، لكنه عموم يُقابله خصوص، وهو مفهوم حديث ممن أراد الحج والعمرة. فمن رجح جواز الدخول بغير إحرام لغير مريد الحج والعمرة كالبخاري والمشهور من مذهب الشافعي استدل بمفهوم حديث المواقيت، وفيه: «هن لهن ولكل من أتى عليهن من غيرهم ممن أرد الحج والعمرة»، وفي هذه المسألة تعارض العموم المنطوق مع المفهوم الخاص، وفي هذه المسألة تعادل للكفتين؛ لأن في كل من الطرفين وجه قوة ووجه ضعف، فاستدلال الجمهور بعموم حديث الباب وجه قوته أنهُ منطوق، ووجه ضعفهِ أنهُ عموم، وما في استدلال البخاري بحديث المواقيت وجه القوة فيه أنهُ..

المقدم: مخصوص.

مخصوص.

المقدم: ووجه الضعف فيه.

ووجه الضعف فيه أنه مفهوم لا منطوق، وهنا تتعادل الكفتان، فنحتاج إلى مُرجح، ففي هذه المسألة تعارض المنطوق مع المفهوم الخاص، فمن قدم المنطوق وإن كان عامًّا قال بعدم الجواز. ومن قدم الخاص وإن كان مفهومًا قال بالجواز، ونظير ذلك اختلافهم في التفريق بين القليل والكثير من الماء إذا وردت عليه النجاسة فمن قال: لا تؤثر إلا إذا غيَّرت أحد أوصافه، فقد استدل بعموم حديث أبي سعيد «إن الماء طهور لا يُنجسه شيء» عموم، لكنه منطوق.

المقدم: ومن قال.

وقدمه على منطوق حديث القُلتين؛ لأنه مفهوم، ومن قال: إنها تؤثر بمجرد الملاقاة ولو لم يتغير استدل بمفهوم حديث القُلتين، وعندي أن الراجح في مسألتنا عدم الوجوب؛ عدم وجوب الإحرام إلا لمن أراد الحج والعمرة؛ عملًا بالمفهوم الخاص لاسيما أن سياق اللفظ العام في حديث الباب يُشعر بالقتل والقتال؛ يُشعر بالقتل والقتال؛ لمناسبته لظرف يوم الفتح؛ الظرف ظرف قتال. وقصد الدخول بغير إحرام فيه بُعد شديد وإغراق في العموم، لظرف يوم الفتح واقترانه بتحريم عضد الشجر وتنفير الصيد، وغير ذلك مما يتعلق بمن إيش؟ لمناسبة ظرف يوم الفتح الذي هو القتال واقترانه بتحريم عضد الشجرة وتنفير الصيد، فما يتعلق بمن كرمه الله من الآدميين أولى بلا شك.

المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، ونستكمل بإذن الله في حلقة قادمة، وأنتم على خير، أيها الإخوة والأخوات، كان هذا هو فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير شكر الله له، شكرًا لكم أنتم على طيب المتابعة، نلقاكم في حلقة قادمة بإذن الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.