شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (316)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح" في بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: توقفنا ووعدنا الإخوة والأخوات أن نستكمل ما تبقى من أحكام حديث عثمان بن عفان مائة وسبعة وعشرين في المختصر، مائة وتسعة وخمسين في الأصل، عند مسألة غسل الرجلين هل تغسل الرجلان أم تمسح يا شيخ؟

الحمد لله رب العالمين، وصل الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد،،

ففي الحديث كما هو منطوقه (ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين) فالحديث دليل على غسل القدمين لا مسحهما، يعني لم يحفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في وضوء واحد أنه مسح قدميه، إنما لزم الغسل، وتوعّد الأعقاب بالنار «ويل للأعقاب من النار»، وهذا يدل دلالة ظاهرة على لزوم الغسل، يقول ابن رشد في بداية المجتهد: اتفق العلماء على أن الرجلين من أعضاء الوضوء، واختلفوا في نوع طهارتهما، فقال قوم: طهارتهما الغسل، وهم الجمهور، وقال قوم: فرضهما المسح، وقال قوم: بل طهارتهما تجوز بالنوعين الغسل والمسح، وأن ذلك راجع إلى اختيار المكلف.

 وسبب اختلافهم القراءتان المشهورتان في آية الوضوء، أعني قراءة من قرأ: (وأرجلَكم) بالنصب عطفًا على المغسول، وقراءة من قرأ (وأرجلِكم) بالخفض عطفًا على الممسوح، وذلك أن قراءة النصب ظاهرة في الغسل، وقراءة الخفض ظاهرة في المسح كظهور تلك في الغسل، فمن ذهب إلى أن فرضهما واحد من هاتين الطهارتين على التعيين إما الغسل وإما المسح ذهب إلى ترجيح ظاهر إحدى القراءتين على القراءة الثانية، الآن لا مجال لتضعيف إحدى القراءتين، كلاهما متواترتان، لا يمكن أن ترجح قراءة على قراءة وهما متواترتان ثابتتان عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحكم القراءتين المتواترتين حكم الآيتين، الأمر يختلف بين أن أقف على قراءة متواترة وأخرى متواترة أتعامل معهما على أنهما آيتان، لكن لو وقفت على لفظ صحيح في حديث ولفظ آخر صحيح في نفس الحديث، هل أتعامل معهما على أنهما حديثان أو حديث واحد يحتمل أن أحد الرواة رواه بالمعنى فأخطأ المعنى مثلًا.

لابد من التفريق بين الأمرين، بالنسبة للقرآن المتعبد بلفظه المنقول بحروفه إذا ثبتت القراءة يتعامل معها على أنها آية ثانية، بينما الحديث وقد جوز الأئمة روايته بالمعنى لابد من أن نرجح بين هذين اللفظين، ونجزم بأن أحدهما هو الصواب والمحفوظ، والثاني شاذ غير محفوظ، مثل هذا الكلام لابد أن يستحضر من الآن؛ لأنه قد يقول قائل: لفظ واحد كيف يصح كذا، ويصح كذا؟

نقول: نعم القرآن روي بالتواتر وباللفظ أيضًا، تلقته الأمة كافة عن كافة حتى وصل إلينا بلفظه، لماذا؟ لأن الله -جل وعلا- تكفل بحفظه، أما السنة مع تجويز الأئمة الرواية بالمعنى فيمكن أن ينظر في رواية فلان مع رواية فلان، وأيهما أرجح، وقد لا نستطيع الترجيح من خلال حال الراويين، بل نرجح بالقرائن كما يفعل الأئمة.

وسبب اختلافهم القراءتان المشهورتان في آية الوضوء، أعني قراءة من قرأ: (وأرجلَكم) بالنصب عطفًا على المغسول، وقراءة من قرأ (وأرجلِكم) بالخفض عطفًا على الممسوح، وذلك أن قراءة النصب ظاهرة في الغسل، وقراءة الخفض ظاهرة في المسح كظهور تلك في الغسل، فمن ذهب إلى أن فرضهما واحد من هاتين الطهارتين على التعيين إما الغسل وإما المسح ذهب إلى ترجيح ظاهر إحدى القراءتين على القراءة الأخرى، والترجيح باللفظ بلفظ القراءة أم من مرجحات أخرى؟

المقدم: بمرجحات.

يعني ما نرجح القراءة بمعنى أن نضعف الأخرى، لا، كما يقتضي الترجيح بين الروايات رواية الحديث، لا، لا يلزم، إنما نرجح من حيث الدلالة، لا من حيث الثبوت، من حيث دلالة القراءة على المراد، فالدلالة لا شك أنها يدخلها النظر، فالآية مجزوم بأنها قطعية الثبوت، لكن دلالتها على الحكم أحيانًا تكون ظنية، فمثل دلالة: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ} [الكوثر: 2].

المقدم: على صلاة العيد.

على صلاة العيد.

المقدم: دلالة ظنية.

ثبوتها قطعي، لكن دلالتها على صلاة العيد ظنية، ولذلك اختلف فيها أهل العلم، فمن ذهب إلى أن فرضهما واحد من هاتين الطهارتين على التعيين إما الغسل وإما المسح ذهب إلى ترجيح ظاهر إحدى القراءتين على القراءة الثانية، وصرف بالتأويل ظاهر القراءة الثانية إلى معنى ظاهر القراءة التي ترجحت عنده، ومن اعتقد أن دلالة كل واحدة من القراءتين على ظاهرها.. على السواء، وأنه ليست إحداهما على ظاهرها أدل من الثانية على ظاهرها أيضًا جعل ذلك من الواجب المخيَّر، ما دام ثبوتهما على السواء كله بالتواتر، ثبوتهما بالتواتر ودلالتهما على السواء النصب تدل على الغسل، والجر تدل على المسح على حد سواء.

 من ذهب إلى أن دلالة القراءة الأولى على الغسل كظهور دلالة الثانية على المسح على حد سواء، لابد أن يقول بالتخيير، ومن اعتقد أن دلالة كل واحد من القراءتين على ظاهرها على السواء، وأنه ليست إحداهما على ظاهرها أدل من الثانية على ظاهرها أيضًا جعل ذلك من الواجب المخير ككفارة اليمين وغير ذلك، وبه قال الطبري وداود، ويأتي كلام الطبري من تفسيره، وبه قال الطبري وداود.

 وللجمهور تأويلات في قراءة الخفض، أجودها أن ذلك عطف على اللفظ لا على المعنى، إذ كان ذلك موجودًا في كلام العرب، الآن قد تحيل أحيانًا على اللفظ، وأحيانًا على المعنى إذا كان اللفظ الواحد يحتمل مثلًا، من قام فأكرمه، ومن ناموا فلا تكرمهم مثلًا، انتبه في الدرس، وغيرهم نام مثلًا، أو قام إلى الصلاة، وهذا نام عن الصلاة، فتعيد الضمير إلى من؟ أحيانًا على اللفظ بالإفراد، من قام، وعلى المعنى أحيانًا بالجمع، لكن هل ما عندنا من التأويل؟ هنا يقول: وللجمهور تأويلات في قراءة الخفض، أجودها أن ذلك عطف على اللفظ لا على المعنى، يعني عطف (وأرجلِكم) على {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} هذا عطف على المعنى أو عطف على اللفظ؟ ما معنى هذا الكلام؟

يعني هل (وأرجلِكم) منفكة عن {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ}؟ أو نقول: إن العطف على نية تكرار العامل، يعني فكما قال: امسحوا برءوسكم، وامسحوا بأرجلكم، نعم. إذا قلنا هذا قلنا إن هذا الكلام لا قيمة له أنه عطف على اللفظ، لكن إذا ألغينا العامل، ونظرنا إلى لفظ (رؤوسكم) وعطفنا عليها (وأرجلِكم) بغض النظر عن العامل، وجعلنا العامل هو ما تقدم (اغسلوا) لكننا عطفنا على لفظ رؤوسكم، وهذا الذي يرمي إليه في كلامه هنا، وللجمهور تأويلات في قراءة الخفض أجودها أن ذلك عطف على اللفظ لا على المعنى؛ إذ كان ذلك موجودًا في كلام العرب مثل قول الشاعر:

لعب الزمان بها وبغيرها

 

بعد سوافي المور والقطرِ

الأصل والقطرُ، بالخفض ولو عطف على المعنى لرفع القطر، وأما الفريق الثاني، الفريق الأول أجابوا عن قراءة الجر، الفريق الثاني بما أجابوا عن قراءة النصب وهي متواترة؟ أما الفريق الثاني وهم الذين أوجبوا المسح، فإنهم تأولوا قراءة النصب على أنها عطف على الموضع، ما الموضع؟

المقدم: موضع الجر الخفض.

الآن الذين يردون، وأما الفريق الثاني وهم الذين أوجبوا المسح فإنهم تأولوا قراءة النصب، الفريق الأول لا يمكن أن ينكروا قراءة الجر، فتأولوها، قالوا: إن العطف على اللفظ دون المعنى، يقابلهم الفريق الثاني الذين هم أيضًا لا يمكنهم أن ينكروا قراءة النصب، لابد أن يتأولوها فقالوا: إنها عطف على الموضع، يعني المجرور الأصل فيه أنه معمول للفعل لفظه مخفوض، لكن معناه.

المقدم: معمول للفعل.

معمول للفعل يعني أن الأصل فيه أنه منصوب، فهؤلاء يقولون: وإن كان منصوبًا لفظًا تأولوا قراءة النصب على أنها عطف على الموضع، يعني موضع (وأرجلَكم) هي مجرورة لفظًا وهي معمولة للفعل، فحقها يعني موضعها النصب، فعلى هذا قراءة النصب مراعى فيها العطف على الموضع، لا على اللفظ، هذا يقوله من؟

المقدم: الذين يرون وجوب المسح.

نعم، كما قال الشاعر:

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

بعد ليس غالبًا يجر الخبر بالباء، غالبًا لكن يأتي بدون باء والأصل في (ليس) أنها ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، هذا الأصل فيها، إذا جر خبرها بالباء وعطف عليه، هل نعطف على اللفظ؛ لأنه مجرور بالباء، أو نعطف على الأصل وهو أن خبر ليس منصوب، فإما أن نعطف على اللفظ ونجر، أو نعطف على المعنى الذي هو موضع خبر ليس المنصوب فننصب، العطف على اللفظ والعطف على المعنى فإن عطفنا على اللفظ قلنا: ولا الحديدِ، وإن عطفنا على المعنى، قلنا: ولا الحديدَ، فلسنا بالجبال ولا الحديدَ، وقد رجح الجمهور قراءتهم هذه بالثابت عنه -عليه الصلاة والسلام-؛ إذ قال في قوم لم يستوفوا غسل أقدامهم في الوضوء: «ويل للأعقاب من النار» قالوا: فهذا يدل على أن الغسل هو الفرض؛ لأن الواجب هو الذي يتعلق بتركه العقاب، والغسل أشد مناسبة للقدمين من المسح، من حيث المعنى، والغسل أشد مناسبة للقدمين من المسح كما أن المسح أشد مناسبة للرأس من الغسل، إذ كانت القدمان لا ينقي دنسهما غالبًا إلا الغسل، وينقي دنس الرأس المسح، هذا من حيث المعنى، الآن نسب إلى الطبري أنه يقول بالتخيير، وكلام الطبري الذي لا يدقق فيه لا شك أنه قال محتمل قال بعموم الغسل بالماء وعموم المسح.

المقدم: ونقصد بالطبري إمام المفسرين.

إمام المفسرين الآن.

المقدم: لأنه يوجد طبري آخر.

سيأتي، كتب أهل السنة التي تنقل رأي الطبري يريدون به الإمام أبا جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتأريخ الذي يقرأ في تفسيره ولا شك أن أسلوبه المتين البديع قد يصعب فهمه على كثير من القراء؛ لأنه قرر أن قراءة النصب تفيد تعميم الرجل بالغسل، وقراءة المسح تفيد تعميم الرجل بالمسح، تعميم الرجل بالمسح، مادامت القراءتان ثابتتين فالتخيير متجه، لكن هل كلام الطبري يفيد التخيير مع هذا أو لا يفيد؟ أو أنه لابد من الجمع بينهما؟

المقدم: الجمع.

والجمع بينهما مرة يمسح كذا يمرر بيده الماء على قدمه ثم يعيده غسلًا؟

المقدم: لا.

نعم نريد أن نبين أنه ليس معنى التخيير أنه يمسح بيده المبلولة كما يمسح الرأس، ثم يغسلها بالماء أو العكس، وإنما هو يرى أن الغسل الذي نفعله يجمع بين الغسل والمسح، وسيأتي بيانه، والذي في تفسير الطبري بعد أن ذكر القراءتين ومن قرأ بهما قال: والصواب من القول عندنا في ذلك أن الله -عز ذكره- أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم، وإذا فعل ذلك بهما المتوضئ كان مستحقًا اسم ماسح غاسل، يعني إذا مسح أو عمم الرجل بالمسح بالماء استحق أنه ماسح غاسل؛ لأن غسلهما إمرار الماء عليهما، أو إصابتهما بالماء ومسحهما إمرار اليد وما قام مقام اليد عليهما، فإذا فعل ذلك بهما فاعل فهو غاسل ماسح، ولذلك من احتمال المسح المعنيين الذين وصفت العموم والخصوص الذين أحدهما مسح ببعض.

 والآخر مسح بالجميع اختلفت قراءة القرأة في قوله: {وأَرْجُلَكُمْ فنصبهما بعضهم توجيهًا منه إلى أن الفرض فيهما الغسل، وإنكارًا منه المسح عليهما مع تظاهر الأخبار عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – بعموم مسحهما بالماء، وخفضها بعضهم توجيهًا منه ذلك إلى أن الفرض فيهما المسح، ولما قلنا في تأويل ذلك أنه معني به عموم مسح الرجلين بالماء كره من كره للمتوضئ الاجتزاء بإدخال رجليه في الماء دون مسحهما بيده، الآن لو أدخل رجله في الماء.

المقدم: دون إمرار.

وغمرها الماء وتجاوز الكعبين، من دون مسح، من دون إمرار اليدين، يجزئ أم ما يجزئ؟

المقدم: يجزئ.

على كلامه.

المقدم: على كلامه لا يجزئ.

لا يجزئ.

المقدم: نعم.

يعني لابد مع الغسل من مسح باليد، الطبري حينما يقول: إنه لابد من الجمع بينهما؛ ليثبت في ذلك ما هو أشد من قول الجمهور.

المقدم: المسح وزيادة.

المسح وزيادة الذي هو الغسل غسل الرجلين وزيادة لا يعني أنه يريد بالمسح هنا مثل مسح الرأس باليد المبلوبة، يريد غسلًا مع إمرار، وأنه لا يكفي إدخال الرجلين بالماء، وإن قال الجمهور بأنه يكفي، ولما قلنا في تأويل ذلك أنه معني به عموم مسح الرجلين بالماء كره من كره للمتوضئ الاجتزاء بإدخال رجليه في الماء دون مسحهما بيده، أو بما قام مقام اليد توجيهًا منه قوله: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وأَرْجُلَكُمْ إلَى الكَعْبَيْنِ} إلى مسح جميعهما عامًا باليد، أو بما قام مقام اليد دون بعضها، أو دون بعضهما مع غسلهما بالماء، كما حدثنا ابن بشار، وذكر بإسناده إلى طاوس أنه سئل عن الرجل يتوضأ ويدخل رجليه في الماء، قال: ما أعد ذلك طائلًا، الغسل حصل، لكن لابد من المسح باليد مع الغسل، وأجاز ذلك.

 لكن قد يقول قائل: إن قوله: {وأَرْجُلَكُمْ} أو (وأرجلِكم) يجتمع فيه لو قلنا: إنه على نية تكرار العامل سواء قلنا: وأرجلَكم واغسلوا أرجلَكم، أو قلنا: وأرجلِكم وامسحوا بأرجلِكم أن اغسلوا يحتمل المعنيين، وامسحوا يحتمل المعنيين، فيكون فيه استعمال اللفظ الواحد في معنييه، على كلام الطبري، وسيأتي ما فيه في كلام الأئمة فيما بعد، وأجاز ذلك من أجاز توجيهًا منه إلى أنه معني به الغسل، فذكر بإسناده إلى الحسن في الرجل يتوضأ في السفينة قال: لا بأس أن يغمس رجليه غمسًا، وحينئذٍ يكون اقتصر على الغسل دون المسح، قال: لا بأس أن يغمس رجليه غمسًا، ثم ذكر أن قراءة الخفض أعجب إليه، أرجح عند ابن جرير، لماذا؟ لأنها تعطف إلى الأقرب على الرأس، وإن لم تدل في محتواها على ما دلت عليه في مسح الرأس.

المقدم: لكن فقط القراءة، أما معناها فهو الغسل وزيادة.

الغسل وزيادة في قول الطبري ليس بالتخيير يفعل هذا أو هذا، لا وإنما يفعل هذا مع هذا، لابد من الغسل بالماء، والمسح باليد مع الغسل، ليس معنى هذا أن الطبري يقول: تمر الماء بيدك على رجلك كما تمره بالرأس أو تغسل رجليك أو حتى تجمع بينهما لا، إنما تمسح بيدك.

المقدم: على موضع القدم.

على موضع القدم بالماء الذي هو الغسل، ثم ذكر أن قراءة الخفض أعجب إليه أن يقرأ بها لقرب الممسوح وهو الرأس، ثم قال: فإن قال قائل وما الدليل على أن المراد بالمسح في الرجلين العموم دون أن يكون خصوصًا نظير قولك في المسح بالرأس؟ قيل: الدليل على ذلك تظاهر الأخبار عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أنه قال: «ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار»، ولو كان مسح بعض القدم مجزئًا من عمومها بذلك لما كان الويل بترك ما ترك مسحه منها بالماء، أو ما ترك مسحه منها بالماء بعد أن يمسح بعضها؛ لأن من أدى فرض الله عليه فيما لزمه غسله منها لم يستحق الويل، يعني ما توعد على مثل هذا إلا بأمر عظيم، الويل وادٍ في جهنم، والذي يأتي فيه الوعيد يكون من الكبائر، فإذا كان المسح سائغًا فكيف يتوعد من ترك شيئًا من قدمه بالويل، «ويل للأعقاب من النار».

 يقول: لما كان الويل بترك ما ترك مسحه بالماء بعد أن يمسح بعضها؛ لأن من أدى فرض الله عليه فيما لزمه غسله منها لم يستحق الويل، بل يجب أن يكون له الثواب الجزيل، وفي وجوب الويل لعقب تارك غسل عقبه في وضوئه أوضح الدليل على وجوب فرض العموم بمسح جميع القدم بالماء، وصحة ما قلناه في ذلك، وفساد ما خالفه، ثم ذكر الحديث بطرقه الكثيرة.

 وبهذا نعرف أن ما نسب إلى الإمام الطبري من تجويز الأمرين الغسل والمسح لا يستقيم مع ما تقدم ذكره من اختياره أن المسح متجه إلى مسح الرجل باليد مع الماء، ووجوب تعميم القدم بالماء، واستدلاله بحديث: «ويل للأعقاب من النار»، وتأكيده ذلك بسياق الحديث من طرق كثيرة.

 وفنّد الألوسي في تفسيره ما نسب إلى ابن عباس وأنس وغيرهما من جواز المسح، وقال: إنه كذب مفترى، ونسبته إلى أبي العالية وعكرمة والشعبي زور وبهتان أيضًا، وكذلك نسبة الجمع بين الغسل والمسح أو التخيير فيهما إلى الحسن البصري -عليه الرحمة-، ومثله نسبة التخيير إلى محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير والتفسير الشهير، وقد نشر رواة الشيعة هذه الأكاذيب المختلقة، ورواها بعض أهل السنة ممن لم يميز الصحيح والسقيم من الأخبار بلا تحقيق ولا سند، واتسع الخرق على الراقع، ولعل محمد بن جرير القائل بالتخيير هو محمد بن جرير بن رستم الشيعي صاحب الإيضاح للمترشد في الإمامة، لا أبو جعفر محمد بن جرير بن غالب الطبري الشافعي الذي هو من أعلام أهل السنة، والمذكور في تفسير هذا هو الغسل فقط لا المسح ولا الجمع ولا التخيير الذي نسبه إليه الشيعة، لكن قوله الشافعي؟

المقدم: هل هو الشافعي؟

ليس بالشافعي، هو إمام متبوع مجتهد صاحب مذهب مستقل، يقول ابن العربي في أحكام القرآن..

المقدم: ممكن نرجئه.

طيب لا بأس؛ لأنه فيه كلام لابن العربي مهم وكلام أيضًا للألوسي، وكلام للشنقيطي كلها تبين أن المراد بقراءة الجر هو الغسل.

المقدم: إذًا نرجئها بإذن الله إلى الحلقة القادمة.

 أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

نلقاكم على خير بإذن الله في الحلقة القادمة.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.