شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الحج - 02

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقةٍ جديدة في شرح كتاب الحج من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع لقائنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: قال المصنف -رحمنا الله وإياه-: "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كَانَ الْفَضْلُ ابن العباس رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَر،ِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ"

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أولاً: الحج عرَّفوه في اللغة بأنه: القصد، وقال الخليل: كثرة القصد إلى معظم، وفي المصباح: حج حجًّا من باب قتل، قصد، فهو حاجٌ هذا أصله.

ثم قُصر استعماله في الشرع على قصد الكعبة للحج أو العمرة، ومنه يُقال: ما حج ولكن دج، فالحج: القصد للنسك، والدج: القصد للتجارة، لكن الاستعمال العرفي للكلمة...

المقدم: دج يعني ضائع ما له أي قيمة.

نعم.

المقدم: معناها: يتمدح بها أحيانًا.

هو قصد التجارة سواءً ربح أو خسر لعلها من قصد التجارة مع الخسارة للاستعمال العرفي.

فالحج القصد للنسك، والدج القصد للتجارة.

والاسم اسم المصدر الحِج بالكسر إذا كان المصدر الحج؛ لأن عندنا حجَّ من باب قتل، قتل قتلاً، حج حجًّا، إذًا ماذا يكون إذا كان المصدر الفتح الحَج؟ فالحِج بالكسر اسم مصدر, والحِجة المرة بالكسر على غير قياس، لكن القياس حجة وفعلةٌ لمرةً, والجمع: حجج يقول: مثل سدرة وسدر تيجي ولا ما تيجي؟

المقدم: سدرة واحدة.

سدرة واحدة مثل حجة واحدة، لكن الجمع حجج.

المقدم: سدر.

سدر كذا...

هذا كلامهم والجمع حجج مثل سدرة، نعم.

المقدم: سدرة سدر.

حجج...سدر

قد يكون أصلها الفتح لكنها سُكِّنت للتخفيف.

المقدم: الفتح.

سدر مثل حجج

قال ثعلب: قياسه الفتح ولم يُسمع من العرب سدر، وبها الحجة سُمي الشهر ذو الحجة بالكسر يعني عكس القاعدة، وبعضهم يفتح في الشهر، يقول: ذو الحَجة، وجمعه ذوات الحِجة، والحِجة أيضًا السَّنة والجمع حجج.

من سار نحو الدار سبعين حجةً

 

فقد حان منه الملتقي وكأن قضي

نعم الحجة هي السَّنة، والجمع حجج.

والحُجة بالضم الدليل والبرهان والجمع حُجج.

المقدم: وهي عند العرب قبل الإسلام.

أين؟

المقدم: يطلقون الحُجة والحِجة على السًّنة في بعض أشعارهم.

وجِد نعم.

تحفظ شيء في إطلاق الحج؟

المقدم: أبدًا لا.

تحتاج إلى مراجعة في إطلاقهم.

المقصود أنها تُطلق ويُراد بها السَّنة كما يُطلق السبت ويُراد به الأسبوع.

والحجة بالضم الدليل والبرهان والجمع حُجج، مثل غرفة وغرف، والحج في الشرع القصد إلى البيت الحرام بأعمالٍ مخصوصة قال ابن حجر: وبفتح المهملة وكسرها الحَج والحِج لغتان، نقل الطبري أن الكسر لغة أهل نجد يقولون: حِج مستعملة إلى الآن، والفتح لغيرهم الحَج، ونقل عن حُسين الجعفي أن الفتح الاسم، والكسر المصدر. وعن غيره عكسه، يعني ما تقدم، وما تقدم أن الحج من باب قتل، فيكون مصدر حجًّا، والحج اسم المصدر، هنا يقول: نُقل عن حُسين الجعفي أن الفتح الاسم، والكسر المصدر عكس ما تقدم، وعن غيره عكسه.

يقول -رحمه الله تعالى- في الحديث: "عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: كَانَ الْفَضْلُ ابن العباس رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..." إلى آخره.  

راوي الحديث هو عبد الله بن عباس ابن عم النبي –عليه الصلاة والسلام- حبر الأمة وترجمان القرآن مر ذكره مرارًا، وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب وجوب الحج وفضله، وقول الله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين} [آل عمران:97]

يقول القرطبي في تفسيره قوله تعالى: {ولله} اللام لام الإيجاب والإلزام، ثم أكده بقوله تعالى: {عَلَى النَّاسِ} وعلى هذه من صيغ الوجوب عند أهل العلم، يقول: ثم أكده بقوله تعالى: {عَلَى} التي هي من أوكد ألفاظ الوجوب عند العرب.

المقدم: التأكيد الأول.

بقوله: {ولله} [آل عمران:97] لأن اللام هذه لام الإيجاب والإلزام، ثم أكد هذا الوجوب والإلزام بقوله: {عَلَى} [آل عمران:97] التي هي من أوكد ألفاظ الوجوب عند العرب، فإذا قال العربي: لفلان على كذا، فقد وكده وأوجبه.

فذكر الله تعالى الحج بأبلغ ألفاظ الوجوب؛ تأكيدًا لحقه وتعظيمًا لحرمته، ولا خلاف في فريضته وهو أحد قواعد الإسلام وليس يجب إلا مرةً في العمر.

وقال بعض الناس –الكلام للقرطبي- وقال بعض الناس: يجب في كل خمسة أعوام مرة، ورووا في ذلك حديثًا أسندوه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- والحديث باطلٌ لا يصح، والإجماع صاد في وجوههم.

ثم قال القرطبي: وذكر عبد الرزاق في مصنفه في الجزء الخامس في الصفحة الثالثة عشرة، قال: حدثنا سفيان عن العلاء بن المسيب عن أبيه عن أبي سعيدٍ الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يقول الرب -عزَّ وجل- إن عبدًا أوسعت عليه في الرزق فلم يفد» في القرطبي «فلم يعد» في مصنف عد الرزاق «فلم يفد» كذا في بقية المصادر من كتب السُّنة «فلم يفد إلي في كل أربعة أعوام لمحروم»

يقول القرطبي: حديثٌ مشهور من حديث العلاء عن المسيب بن رافع الكاهلي من أولاد المحدِّثين رواه عنه غير واحد منهم من قال: في كل خمسة أعوام، ومنهم من قال‏:‏ عن العلاء بن خباب عن أبي سعيد في غير ذلك من الاختلاف‏.

الحديث الباطل الذي لا يصح الذي أشار إليه القرطبي الذي هو مستند من قال: أن الحج يجب كل خمسة، هو هذا الحديث؟ لا.

المقدم: لأن هذا الحديث لو قيل: أنه مستندًا ليس فيه دليلاً على الوجوب.

لا، هو لعله وقف على حديثٍ فيه تنصيص على وجوبه في كل خمسة أعوام.

يقول: والحديث باطلٌ لا يصح والإجماع صادٌ في وجوههم، ثم ذكر الحديث –القرطبي- والحديث خرَّجه ابن حبان في صحيحه بإسنادٍ جيد عن أبي سعيدٍ الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن عبدًا صححت له جسمه، ووسعت له في المعيشة يمضى خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم» وذكره الهيثمي في المجمع، وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط، ورجال الجميع رجال الصحيح على كل حال الحديث لا شك أنه قوي، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند البيهقي وغيره، والحديث قابل للتصحيح يصح عن غيره؛ ولذا صححه الألباني -رحمه الله تعالى- لكن ليس فيه حُجة لمن أوجب الحج كل خمس سنوات على ما نقله القرطبي عن بعضهم؛ للإجماع على أنه لا يجب إلا مرةً واحدة، لكن الحرمان ظاهر فيمن تيسر له أداء هذه العبادة العظيمة، وتوفرت له الأسباب ولم يمنعه من ذلك مانع مع ما ثبت في فضل المتابعة بين الحج والعمرة، ولعل الحديث مستند لمن أفتى بمنع تكرار الحج كل سنة لاسيما مع الحاجة الداعية لذلك؛ لكثرة الحجيج في السنوات الأخيرة، لعله يستمسك هذا.

يعني مفهومه أن الذي لا يحج إلا كل خمسة سنوات يعني إذا حج كل خمس سنوات ليس بمحروم, على هذا لا مانع من منعه من الحج مادام ليس بمحروم، وهذا قد يُحتاج إليه في تأييد المصلحة المترتبة عليه لأن الحاجة داعية إلى التعديل، فلو ترك المجال للناس مع تيسر الأمور قد يكون هذا على حساب الذين لم يؤدوا الفريضة؛ ولذا أفتى جمعٌ من أهل العلم بأن لولي الأمر أن يمنع، لأن لا شك الحاجة تقتضي هذا، لكن يبقى النصوص الأخرى باقية على أصلها «تابعوا بين الحج والعمرة» لمن لا يكون له أثر سلبي وجوده على بقية الحجاج؛ لأن بعض الناس ينفع أكثر فمثل هذا لا مانع من أن يحج كل سنة.

على كل حال الحرمان ظاهر فيمن تيسر له الحج فلم يحج، والحرمان أمرٌ نسبي فليس معناه أنه محروم أنه فعل محرمًا يعني من ترك الواجب محروم، وهو أعظم فيمن ترك مستحب وهو أيضًا محروم، يعني ماذا عن رجل قيل له: الصلاة على الجنازة بُدئت افتتحت الآن قم فصلِّ، فقال: أنا صليت أمس على جنازة، هذا الحرمان ظاهر، ومع ذلك لا نقول: أنه آثم؛ لأنه ترك مستحب، صلاة الجنازة فرض كفاية قام بها من يكفي، لكن الحرمان ظاهر بالنسبة لهذا، فالحرمان من الأمور النسبية.

يقول القرطبي: وأنكرت الملحدة الحج، فقالت: إن فيه تجريد الثياب، وذلك يُخالف الحياء.

المقدم: هذا مثل سؤالنا في الحلقة الماضية عن بعض الكتبة -مع كل أسف- ممن قال: في الحج بعض طقوس الوثنية يلفون حول الكعبة، يقبلون حجر، يرمون حصى، يقفون في بيداء وغير ذلك؟

 لكن المسلم بل الجن والإنس الهدف الشرعي، الهدف الرباني من إيجادهم وخلقهم تحقيق العبودية، والعبودية لا تتم إلا بالدخول بالإسلام الذي هو الاستسلام الكامل وقنطرة الإسلام لا تثبت إلا أو قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، لابد أن يستسلم الإنسان للأوامر والنواهي عرف الحكمة لا بأس، لم يعرف الحكمة عليه أن يستسلم مادام ثبت الأمر والنهي عليه أن يقول: سمعنا وأطعنا؛ ولذا لو لاحظت مثلاً كتب التفسير عند المتقدمين وعند المتأخرين في قوله جل وعلا: {لِيشَهدُوا مَنافعَ لَهُم} [الحج: 28] تجد المتأخرين يطنبون في بيان هذه المنافع، بينما عند المتقدمين إشارات يسيرة جدًّا، وبعضهم لا يلتفت إليها، لماذا؟ لأن الامتثال عند المتقدمين ما يحتاج لمعرفة حكمة، بينما كثر التساؤل عند المتأخرين لماذا كذا؟ لماذا شُرع كذا؟ لماذا نفعل كذا؟ فصار العلماء يعنون ببيان الحكمة وإظهارها لهم إضافةً إلى أن الأصل في الامتثال هو النص.

يقول: أنكرت الملحدة الحج، فقالت‏:‏ إن فيه تجريد الثياب، وذلك يخالف الحياء، وفيه السعي.

مفهوم معروف السعي بين الصفا والمروة بين العلمين النبي –عليه الصلاة والسلام- كان يسعى سعيًّا شديدًا؛ حتى كانت الرُّكب تنكشف.

"والسعي وهو يناقض الوقار".

الجري يُناقض الوقار

"ورمي الجمار لغير مرمى، وذلك يضاد العقل".

لكن هذا الذي يقول هذا الكلام: "فيه تجريد الثياب" إذا أراد أن يُزاول الرياضة التي نصحه الأطباء بها يجرد الثياب ويسعى ويجري؛ نظرًا لمصلحة بدنه، أما مصلحة الدين هذا يخرق الحياء، وأيضًا يُناقض الوقار، "ورمي الجمار لغير مرمى ذلك يضاد العقل" وتجده يقول ويفعل كل ما يناقض في كل لحظة.

يقول: فصاروا إلى أن هذه الأفعال كلها باطلة؛ إذ لم يعرفوا لها حكمة ولا علة، وجهلوا أنه ليس من شرط المولى مع العبد، أن يفهم المقصود بجميع ما يأمره به.

يعني إذا افترضنا أن السيد قال: خذ هذا المبلغ اشتر كذا، هل للعبد أن يقول لماذا أشتريه؟

المقدم: وماذا تُريد من؟ ما هي الحكمة؟

له ذلك؟

المقدم: أبدًا.

وهذه مسألة عبودية ناقصة، فكيف بالعبودية لله جلًّ وعلا؟! الذي لا يُسأل عما يفعل.

وجهلوا أنه ليس من شرط المولى مع العبد، أن يفهم المقصود بجميع ما يأمره به، ولا أن يطَّلع على فائدة تكليفه، وإنما يتعين عليه الامتثال، ويلزمه الانقياد من غير طلب فائدة ولا سؤالٍ عن مقصود‏؛ ولهذا المعنى كان -عليه الصلاة والسلام- يقول في تلبيته‏:‏ «‏لبيك حقًّا حقًّا تعبدًا ورقًا لبيك» امتثال عبودية تامة «لبيك إله الحق».

في تفسير الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- المسمى (أضواء البيان) في قوله تعالى –جلَّ وعلا-: {لِيشَهدُوا مَنافعَ لَهُم} [الحج:28] اللام هي لام التعليل وهي متعلقةٌ بقوله تعالى: {وأذِّن فِي الناسِ بالحجِّ يأتوكَ رجالًا وعلَى كلِّ ضامرٍ} [الحج:28] الآية: أي: إن تؤذن فيهم يأتوك رجالاً وركبانا؛ لأجل أن يشهدوا...نعم.

المقدم: منافع.

أي: يحضروا منافع لهم، والمراد بحضورهم المنافع يعني مجرد مشاهدة المنافع أو حصول هذه المنافع لهم؟

المقدم: حصولها.

نعم، والمراد بحضورهم المنافع حصولها لهم.

وقوله: {مَنافعَ} [الحج: 28] جمع منفعة، ولم يُبين هنا هذه المنافع ما هي، وقد جاء بيان بعضها في بعض الآيات القرآنية، وأن منها ما هو دنيوي، ومنها ما هو أخروي، أما الدنيوي فكأرباح التجارة؛ لأن الله أباح لهم أن يبتغوا فضلاً من ربهم، فكأرباح التجارة إذا خرج الحاج بمال تجارة معه، فإنه يحصل له الربح غالبًا، وذلك نفعٌ دنيوي.

يعني إذا كسدت البضاعة في بلده واصطحبها معه إلى الحج لابد أن يجد زبون، وذلك نفعٌ دنيوي إلى آخر ما قال رحمه الله تعالى.

قلت: أما المنافع الأخروية فلو لم يكن منها إلا ما صح به الخبر من أن «من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» فهل هذه يقابلها شئ؟ «والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» «والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».

في (التحرير والتنوير) للطاهر ابن عاشور هذا تفسير من تفاسير المعاصرين، تفسير جيد فيه فوائد ونفائس وفيه أيضًا إطلاع للقارئ على أسرار التعبير القرآني وإعجازه وبيانه.

المقدم: ابن عاشور معاصر؟

نعم هو متوفي لكنه من المتأخرين.

المقدم: له غير (التحرير والتنوير)؟

له كان مُكثر –رحمه الله- له (صاحب التحرير) كتاب على اسمه.

قوله: {لِيشَهدُوا} [الحج:28] يتعلق بقوله: {يأتوكَ} [الحج:28] فهو علةٌ لإتيانهم الذي هو مسببٌ عن التأذين بالحج، فآل إلى كونه علة في التأذين بالحج. ومعنى {لِيشَهدُوا} [الحج:28] ليحضروا منافع لهم، أي: ليحضروا فيحصلوا منافع لهم، إذ يحصل كل واحدٍ ما فيه نفعه، وأهم المنافع ما وعدهم الله على لسان إبراهيم -عليه السلام- من الثواب، فكنى بشهود المنافع عن نيلها، ولا يُعرف ما وعدهم الله على ذلك بالتعيين، وأعظم ذلك اجتماع أهل التوحيد في صعيدٍ واحد ليتلقى بعضهم عن بعض ما به كمال إيمانه، وتنكير {مَنافعَ} [الحج: 28] للتعظيم المراد منه الكثرة، وهي المصالح الدينية والدنيوية؛ لأن في مجمع الحج فوائد جمة للناس لأفرادهم من الثواب، والمغفرة لكل حاج، يعني بشرطه مع انتفاء المانع لا شك أن الحج سبب للمغفرة، لكن لابد مع وجود الشرط والسبب انتفاء المانع؛ لئلا يُعتمد على مثل هذا، لأن بعض الناس يضمن أنه حج خلاص رجع من ذنوبه ولا يلزم قد يتلبس بمانع يمنع من قبول حجه.

ولمجتمعهم لأن في الاجتماع صلاحًا في الدنيا بالتعارف والتعامل. وانتهى كلامه رحمه الله.

أقول للعلماء من هذه المنافع أوفر الحظ والنصيب، حيث يلتقون من أقطار الأرض -العلماء من المشرق والمغرب وكافة الأقطار والأقاليم- حيث يلتقون من أقطار الأرض ويبحثون ويتباحثون ما يُشكل عليهم من مسائل علمية، ويروي بعضهم عن بعض، فبعض الناس ما يتيسر له أن يرحل من المشرق إلى المغرب والعكس، والرحلة معروفة عند أهل العلم.

المقدم: ولذلك يلقى بعضهم بعضًا.

في الحج ويروي بعضهم عن بعض، ويتباحثون في بعض المسائل، وعند بعضهم إشكالات، وعند الآخر إشكالات ليست عند الآخر، وتتلاقح الأفكار في مثل هذه الاجتماعات الطيبة.

ويروي بعضهم عن بعض وهكذا وكم في رحلاتهم إلى هذه المشاعر من فوائد علمية عظيمة, يعني لو أخذنا مثال رحلة ابن رشيد رحلة في خمسة أسفار مملوءة بالفوائد العلمية اسمها (ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى مكة وطيبة) فهو التقى بالعلماء في طريقه كله، ولا شك أن الرحلات فيها فوائد كثيرة لكن بعضها هي متفاوتة على أقدار المؤلفين وقدراتهم، بعض الرحلات لا قيمة لها بل بعضها ضار، فلا يعني أن كل الرحلات فيها فوائد نعم فيها متعة من جهة، لكن يبقى أن بعض الرحلات بعض الرحالة يُعنى بأمور حقيقةً إماتتها أفضل من ذكرها، وقد يرتكب في رحلاته بعض المخالفات، فيُسطِّر هذه المخالفات ويرشد الناس عليها، وهذا موجود في المتقدمين والمتأخرين، فرحلة ابن بطوطة مشحونة بالأمور المخالفة لتوحيد الإلهية، لا يعني أننا إذا مدحنا هذه الرحلات بأن الرحلات كلها نافعة لا، لكن رحلات أهل العلم، أهل الورع، أهل التُّقى لا شك أنها نافعة, وأيضًا الساسة لهم نصيبهم من هذه المنافع بحيث يبحثون ويتباحثون ما يُصلح شئون رعاياهم، وللعامة أيضًا ما يُناسبهم من منافع؛ ولذلك جاءت المنافع نكرة، ونكرةٌ في سياق الامتنان فدلت على عموم هذه المنافع.

المقدم: أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم، لعلنا نكتفي بهذا على أن نعد الإخوة والأخوات -بإذن الله- أن نستكمل ما تبقى من شرح هذا الحديث من كتاب الحج في حلقةٍ قادمة.

أيها الإخوة والأخوات كنا وإياكم مع صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير تحدثنا أو شرح بداية حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- في كتاب الحج من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

نستكمل –بإذن الله- في حلقةٍ قادمة وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.