شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (288)

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".

في مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: قال المصنف- رحمه الله-: عَنْ أَبِي أَيُّوبِ الانْصَارِيِّ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلا يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ، شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

راوي الحديث أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن كعب الأنصاري النجاري، من بني غنم بن مالك بن النجار، غلبت عليه كنيته، شهد العقبة وبدرًا وسائر المشاهد، وعليه نزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حينما قدم المدينة مهاجرًا من مكة، فلم يزل عنده حتى بنى مسجده في تلك السنة، وبنى المساكن أيضًا، مساكن النبي- عليه الصلاة والسلام-، ثم انتقل- عليه الصلاة والسلام- إلى مسكنه، وآخى بينه وبين مصعب بن عمير، وكان- رضي الله عنه- مع علي بن أبي طالب في حروبه كلها، ثم مات بالقسطنطينية زمن معاوية سنة خمسين أو إحدى، أو اثنتين وخمسين كما في الاستيعاب لابن عبد البر.

هذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول إلا عند البناء جدار أو نحوه.

المُقَدِّم: إلا عند البناء، هذه زيادة ما هي عندنا، إلا عند البناء.

هذه في الأصل، هذه ترجمة الصحيح.

المُقَدِّم: إلا عند البناء.

إلا عند البناء، جدار أو نحوه، يقول ابن حجر: باب لا تستقبل القبلة في روايتنا بضم المثناة على البناء  للمفعول وبرفع القبلة، وفي غيرها بفتح الياء التحتانية.

المُقَدِّم: لا يستقبل.

 على البناء للفاعل.

المُقَدِّم: لا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ.

لا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، ونصب القبلة و(لام) تستقبل مضمومة على أنَّ (لا) نافية، ويجوز كسرها على أنَّها ناهية، قوله: إلا عند البناء جدار أو نحوه، وللكشميهني: أو غيره، أو نحوه، أو غيره هما متقاربان، أو غيره يعني كالأحجار الكبار والسواري والخشب وغيرها من السواتر.

 يقول الإسماعيلي: ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء المذكور، يعني لو تأملنا الحديث، ما فيه دلالة إلا عند البناء جدار أو نحوه، يقول الإسماعيلي: ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء المذكور.

 وأجيب بثلاثة أجوبة: أحدها أنَّه تمسك بحقيقة الْغَائِطَ؛ «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ» حقيقة الْغَائِط المكان المطمئن، والمكان المطمئن إذا جلس فيه من يريد قضاء الحاجة فيه ساتر مادام مطمئنًا ففيه ساتر، يقول: إنَّه تمسك بحقيقة الْغَائِط؛ لأنَّه المكان المطمئن من الأرض في الفضاء، وهذه حقيقته اللغوية، وإن كان قد صار يطلق على كل مكان أعد لذلك مجازًا، فيختص النهي به؛ إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة، وهذا الجواب للإسماعيلي الذي أورد الإشكال، يقول ابن حجر: وهو أقواها.

أولًا: الإسماعيلي في ترجمته من التذكرة، تذكرة الحفاظ للذهبي، يقول الذهبي: صنف الصحيح وأشياء كثيرة من جملتها مسند عمر- رضي الله عنه- في مجلدين طالعته وعلقت منه، وابتهرت بحفظ هذا الإمام، يعني النقل هذا من أجل هذا، وابتهرت بحفظ هذا الإمام، وجزمت بأنَّ المتأخرين على يأس من أن يلحقوا المتقدمين في الحفظ والمعرفة. يعني مثل هذا يجعل الدعوى بأن يُحاكي طلاب العلم المتقدمين، يجعلها مسألة ميؤوسًا منها، يعني الله- جلَّ وعلا- قدرته فوق من أن نيأس من أن يوجد في المتأخرين من يُضاهي المتقدمين، نعم، لا نيأس من هذا، لكن أيضًا كوننا ندعو الجفلا بأن يُضاهوا المتقدمين هذا لا شك أنَّه...

المُقَدِّم: صعب.

فيه ما فيه.

 على كل حال يقول: وجزمت بأنَّ المتأخرين على إياس من أن يلحقوا المتقدمين في الحفظ والمعرفة، وأحكام المتقدمين مبناها على الحفظ والمعرفة، فإذا يأسنا من أن نلحق المتقدمين في الحفظ والمعرفة لم نلحق، لم نستطع أن نلحق بهم في أحكامهم، لم نستطع أن نلحق بهم في أحكامهم؛ لأنَّ الحكم على الأحاديث إنَّما هو بمجموع النظر في إسناده ومتنه، وبجمع طرقه، فمن يستطيع أن يُضاهي المتقدمين في حفظهم، منهم من يحفظ سبعمائة ألف، ستمائة ألف، خمسمائة ألف، قد يقول قائل: إننا الآن الحفظ...

المُقَدِّم: ليس مرادًا بذاته.

الحفظ بالفعل ليس بموجود، لكن الحفظ بالقوة القريبة من الفعل موجود، الآلات الآن.

المُقَدِّم: نعم.

يستطيع طالب العلم بضغطة ذر أن يجمع ما ورد في الباب، ويتصور ما فيه، فهو مضاهٍ لحفظ المتقدمين، نقول: نعم، هذه الآلات يسرت كثيرًا، لكن كيف يتم إنضاج هذه المعلومات في الذهن فورًا من خلال نظرة أو نظرتين أو نظرة عابرة في آلة أو شيء، بينما الأئمة تلقوا هذا العلم بالتدريج، وحفظوه حديثًا حديثًا؛ ولذلك يبقى كلام الحافظ الذهبي في الإسماعيلي: وجزمت بأنَّ المتأخرين على إياس من أن يلحقوا المتقدمين في الحفظ والمعرفة.

وعلى كل حال هذا كله من أجل الحث، من أجل حث طلاب العلم على أن يحفظوا؛ لأنَّ العلم هو الحفظ، أيضًا طالب العلم يحتاج إلى الفهم؛ لأنَّ بعض الناس يستغرق في الحفظ، ويقول: الفهم مدرك فيما بعد، الآن أستطيع أن نكثر من المحفوظ، ثم بعد ذلك نتفرغ للفهم، لا لا، لا بد أن...

المُقَدِّم: يتوازنا.

يتواكبا، فالحفظ لابد منه، والفهم لابد منه، وهذا فيمن آتاه الله- جلَّ وعلا- هذه المواهب، وإلا فعادم المواهب لا يُكلف أكثر من طاقته.

نعود إلى قول الإسماعيلي: ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء المذكور، يقول ابن حجر: وأجيب بثلاثة أجوبة أحدها أنَّه تمسك بحقيقة الْغَائِط؛ لأنَّه المكان المطمئن من الأرض في الفضاء وهذه حقيقته اللغوية، وإن كان قد صار يطلق على كل مكان أعد لذلك مجازًا فيختص النهي به، إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة، وهذا الجواب للإسماعيلي وهو أقواها.

يقول العيني متعقبًا ابن حجر: قلت: ليس كذلك؛ لأنَّهم لما استعملوه للخارج وغلب هذا المعنى على المعنى الأصلي، يعني الحقيقة العرفية تقتضي أنَّ الْغَائِطَ...

المُقَدِّم: الخارج.

الخارج، نعم، ما هو بالمكان، المراد الحقيقة العرفية تقتضي أنَّ الْغَائِطَ هو الخارج من..

المُقَدِّم: السبيلين.

السبيلين، نعم، وأما الحقيقة اللغوية غير، المكان المطمئن، قال: لأنَّهم لما استعملوه للخارج وغلب هذا المعنى على المعنى الأصلي صار حقيقة عرفية غلبت على الحقيقة اللغوية، يقول: فهجرتْ حقيقته اللغوية، فكيف تراد بعد ذلك؟

يعني شيء مهجور، لماذا نحمل الحديث على شيء مهجور؟

طيب ماذا يقول ابن حجر في الانتقاض في الرد على العيني، يقول ابن حجر في انتقاض الاعتراض قلت: لقد تحجر واسعًا، وسيأتي قريبًا في باب: لا يستنجي بروث الكلام على حديث ابن مسعود، «فأمرني أن أتيه بثلاثة أحجار» والمراد بالْغَائِط فيه حقيقته اللغوية، يعني أنَّ النبي- عليه الصلاة والسلام- أتى الْغَائِطَ، هذا إيش؟ حقيقته اللغوية أم العرفية؟

المُقَدِّم: لا، اللغوية.

طيب «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ».

المُقَدِّم: هي كذلك اللغوية.

اللغوية بلا شك، نعم، والمراد بالْغَائِطَ به حقيقته اللغوية جزمًا، حتى قال هذا المعترِض- يعني العيني- في الكلام: قوله: « الْغَائِطَ» أي الأرض المطمئنة لقضاء حاجته، والمراد منه معناه اللغوي. انتهى كلامه.

يقول: وإنَّما قال أهل العلم إذا تعارضت الحقيقة اللغوية والحقيقة العرفية قُدِّمت العرفية، نعم، إذا تعارضت الحقيقة اللغوية والحقيقة العرفية قدمت العرفية. لا شك أنَّ تقديم الحقائق الثلاث بعضها على بعض لا يُجزم به مطلقًا، يعني الحقائق الشرعية مثلًا إذا جاء في نص حديث توضؤوا من كذا، هل يريد الشرع من هذا الأمر الحقيقة اللغوية، أو الحقيقة الشرعية، أو الحقيقة العرفية؟ يريد بذلك الحقيقة...

المُقَدِّم: الشرعية.

الشرعية هذا الأصل، لكن إذا وجد ما يمنع من هذه الحقيقة، رجعنا إلى حقائق أخرى، ففي كل كلام تنزّل فيه حقيقته، فإن كان في كلام الشرع فالمراد الحقيقة الشرعية، إن كان الكلام.. إذا وجد المعارض لجأنا إلى الحقائق الأخرى، إنَّما قال أهل العلم: إذا تعارضت الحقيقة اللغوية، والحقيقة العرفية قدمت العرفية ولم يقل أحد إنَّ الحقيقة اللغوية لا يصح الحمل عليها لوجود العرفية، لا يجوز الحمل..، لا يصح الحمل عليها لوجود العرفية، يقول ابن حجر: والله المستعان.

صاحب المبتكرات مبتكرات اللآلئ والدرر في المحاكمة بين العيني وابن حجر يقول في المحاكمة السادسة والثلاثين: باب لا يستقبل إلى آخره، عن أبي أيوب الأنصاري ثم ذكر الحديث قال العيني: إلا عند البناء استثناءٌ من قوله: «لا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ» وقال الإسماعيلي: ليس بحديث الباب دلالة على الاستثناء الذي ذكره، ثم أجاب عن ذلك بما حاصله أنَّ المراد بالْغَائِط معناه اللغوي لا معناه العرفي، وحينئذٍ يصح استثناء الأبنية منه، هذا كلام الإسماعيلي.

قال بعضهم، من هو؟

المُقَدِّم: العيني.

ابن حجر، قال بعضهم ابن حجر هذا كله كلام العيني.

المُقَدِّم: ينقل عن العيني.

هذا أقوى الأجوبة، هذا كلام ابن حجر أقوى الأجوبة، قلت: ليس كذلك؛ لأنَّهم لما استعملوه في الخارج وغلب هذا المعنى على المعنى الأصلي صارت حقيقة عرفية غلبت على حقيقته اللغوية، فهجرت حقيقته اللغوية، فكيف تراد بعد ذلك؟ هذا سبق أن ذكرناه.

نعم، وأقول- البوصيري صاحب المبتكرات-، وأقول: راجعت ابن حجر فإذا عبارته هكذا، قال الإسماعيلي: ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء المذكور، وأجيب بثلاثة أجوبة أحدها أنَّه تمسكٌ بحقيقة الْغَائِط؛ لأنَّه المكان المطمئن من الأرض في الفضاء، وهذه حقيقته اللغوية، وإن كان قد صار يطلق على كل مكان أعد لذلك مجازًا فيختص النهي به، إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة، وهذا الجواب للإسماعيلي، وهو أقواها. انتهى كلام ابن حجر. وبعد إمعان النظر في كلام الشيخين فُهم من كلام العيني أنَّ الحقيقة اللغوية إذا نقلت إلى العرف وصارت حقيقة عرفية بحيث هُجرت اللغوية فلا يُرجع إليها بعد ذلك، ولا تستعمل مطلقًا، مع أنَّ الأمر بخلاف ذلك، فالمقرر في كل كتاب أنَّ المعنى اللغوي بعد النقل إلى المعنى العرفي لا يُفهم عند الإطلاق إلا معناه العرفي، إلا إذا وجدت معها قرينة على إرادة المعنى اللغوي فإنَّه جائز من غير خلاف، فالعيني لم يُنازع إلا من هذه الجهة، فتوقف القلم عند هذا الحد، كما فُهم من كلام ابن حجر أنَّ الْغَائِطَ الموضوع لغة للمكان المطمئن من الأرض في الفضاء، وإن كان قد صار يُطلق مجازًا على كل مكان أعد لذلك، فيختص النهي به؛ إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة.

 يقول البوصيري: ونحن في غاية القصور في إدراك معناه تمامًا؛ لأنَّ المشار إليه في ذلك لم يتقدم له ذكر، والمقام يقتضي أنَّ المراد به الخارج المنتن، يعني الحديث ما فيه دلالة على أنَّ المراد به المكان «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ».

المُقَدِّم: الدلالة كأني بها ظاهرة أعني بها المكان.

وحتى في الموضع الذي أحال إليه ابن حجر، وأقره عليه فيه العيني لا شك أنَّ المراد به قطعًا المكان فيما سبق نقله.

المُقَدِّم: يعني الدلالة اللغوية.

الدلالة اللغوية مقطوع بها، ووافقه العيني على ذلك، وأيضًا فالضمير في قوله: (فيختص النهي به) لا يخلو إمَّا أن يرجع للحقيقة اللغوية فينحل المعنى إلى أنَّا نهينا عن استقبال القبلة في المكان المطمئن من الأرض في الفضاء.

يقول: فينحل المعنى إلى أنَّا نهينا عن استقبال القبلة في المكان المطمئن من الأرض في الفضاء، جاء إشكال آخر، الحافظ ابن حجر ألم يوجّه كلام الإسماعيلي، وأنَّه يقول الأجوبة.. والمراد بذلك الحقيقة اللغوية المكان المطمئن.

المُقَدِّم: بلى.

وإذا كان الإنسان في مكان مطمئن وجد الساتر؟

المُقَدِّم: هذا هو.

هو يريد أن يستدل به على جواز...

المُقَدِّم: استقبال..

الاستقبال.

المُقَدِّم: أو الاستدبار.

إذا وجد..

المُقَدِّم: ساتر.

ساتر، لكن إذا الحديث، تأمل في الحديث.

المُقَدِّم: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فلا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ ولا يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ، شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا»

يعني من خلال كلام ابن حجر..، من كلام الإسماعيلي الذي أقره عليه ابن حجر أنَّه «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ»

المُقَدِّم: خلاص ما يحتاج.

ما يحتاج إلى أن يقول: «لا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ».

المُقَدِّم: نعم.

له أن يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ تمشية للاستثناء الذي ذكره المؤلف.

المُقَدِّم: صحيح.

لأنَّ الْغَائِطَ المكان المطمئن في حقيقته اللغوية فيه ساتر.

المُقَدِّم: صحيح.

فورد عندنا إشكال آخر، يعني أنا كنت أتعجب من قول البوصيري: ونحن في غاية القصور في إدراك معناه تمامًا، يعني في كلام الإسماعيلي وتوجيه ابن حجر الحقيقة اللغوية، ما فيه إشكال، لكن تمشية هذا الكلام على لفظ الحديث يورد إشكالًا؛ ولذلك قال: ونحن في غاية القصور في إدراك معناه تمامًا؛ لأنَّ المشار إليه بذلك لم يتقدم له ذكر، والمقام يقتضي أنَّ المراد به الخارج المنتن، وأيضًا فالضمير في قوله: ( فيختص النهي) لا يخلو إمَّا أن يرجع إلى الحقيقة اللغوية فينحل المعنى، إلى أنَّا نهينا عن استقبال القبلة بالمكان المطمئن من الأرض في الفضاء، وهذا الاطلاق لا يقوله البخاري ولا غيره، لماذا لا يقوله البخاري؟ لأنَّه استثنى في الترجمة.

المُقَدِّم: نعم.

إلا عند البناء.

المُقَدِّم: جدار أو نحوه.

جدار أو نحوه، هذا يقول به البخاري؟ ما يقول به البخاري، وإمَّا أن يرجع إلى كل مكان أعد لذلك فيشمل كل كنيف أعد لذلك ولو كان نظيفًا، ولو لم يتبرز فيه قط، ولو كان واقفًا فيه أو جالسًا وهو أبعد من البعيد، هذا المكان أعد لقضاء الحاجة، لكن البيت ما سُكن، جديد هل نقول إنَّ هذا له أحكام الكنيف؟ أحكام الكنيف إنَّما ثبتت؛ لوجود الأذى فيه، الأذى الذي من أجله تحضر الشياطين، فاتقاؤه من هذه الحيثية.

يقول: فيشمل كل كنيف أعد لذلك، ولو كان نظيفًا، ولو لم يتبرز فيه قط، ولو كان واقفًا فيه أو جالسًا، وهو أبعد من البعيد، وينصر الوجه الأول قوله: إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة، هذا وإنَّ الكتب اللغوية والأصولية وغيرها التي في أيدينا كلها طافحة على أنَّ الحقيقة اللغوية في الْغَائِط هو المكان المطمئن من الأرض الواسع، ثم نُقل عرفًا إلى نفس الخارج، وهو في الأصل مجاز علاقته المحلية، يعني أُطلق..

المُقَدِّم: على المحل.

المحل وأُريد..

المُقَدِّم: الخارج.

الحال، وأُريد الحال، فإذا أطلق الْغَائِط لا ينصرف إلا إليه، وأمَّا ما قاله ابن حجر من أنَّ مجاز الْغَائِط كل مكان أعد لذلك فلِقِصَري مع وفور العدة لم أجده، يعني قلة المراجع عنده، يقول: فلقصري مع وفور العدة يعني مع وجود المراجع الكثيرة، لكن لقلة فهمه على حسب اعترافه، وإن كان يعني في كثير من تصرفاته يدل على أنَّه فاهم، فلقصري مع وفور العدة يعني كثرة المراجع لم أجده، وكلما قلبت ورقة من مظان ذلك لم يستقبلني إلا ما ذكرته آنفًا إلى أن وصلت مستدركات تاج العروس في مادة (تغوّط) فإذا فيه ما نصه: ويُقال لموضع قضاء الحاجة غائط مجازًا؛ لأنَّ العادة أن يُقضى في المنخفض من الأرض، حيث هو أستر له. واضح النقل من تاج العروس؟

المُقَدِّم: نعم.

إلى أن وصلت مستدركات تاج العروس في مادة (تغوَّط) فإذا فيه ما نصه: ويُقال لموضع الحاجة غائط مجازًا؛ لأنَّ العادة أن يُقضى في المنخفض من الأرض، حيث أستر له. لكن أنا لا أستبعد أنَّ صاحب تاج العروس أخذه من ابن حجر أو غيره، فلا يُحتج بكلامه، لماذا؟ لأننا وقفنا عليه في كثير من الحقائق، لا سيما الاصطلاحية يستفيدها من أهل العلم، وإن لم يكونوا من أهل اللغة، يعني ليست صنعتهم اللغة أساسًا، فمثلًا في تعريف البرذون في تاج العروس أخذه من الحافظ العراقي في شرح ألفيته، فهل إذا اختلفنا في البرذون ومعناه نرجع إلى تاج العروس ونحكِّمه في مثل هذا؟

المُقَدِّم: لا.

يعني إذا اختلف العراقي مع قول غيره ما نرجع؛ لأننا لن نخرج بنتيجة إذا صنعنا مثل هذا؛ لأنَّه متوفى سنة ألف ومائتين وخمسة، متأخر جدًّا يستفيد من كتب أهل العلم، وحشد في كتابه هذا وفي كتابه شرح الإحياء من مئات الكتب النقول، هو واسع الاطلاع، لكن مع ذلك كما كررنا مرارًا أنَّ الحقائق اللغوية والتعريفات اللغوية إنَّما تؤخذ من الكتب الأصلية المتقدمة لا الكتب التي تأثرت بالاصطلاحات العلمية، فلا شك أنَّها أثرت عليها.

ثم إنَّ الذي نفهم- صاحب المبتكرات- ثم إنَّ الذي نفهم من الترجمة أنَّ استقبال القبلة عند قضاء الحاجة البشرية منهي عنه، سواء كان في الفضاء أو في غيره إلا أن يوجد ساتر، وهذا الموجود في كتب الفروع فتأمل وطبق ما قاله الشيخان في فهم كلام البخاري، وما قاله غيرهما.

يقول: واصدع بقلمك بما يلقيه الله في روعك، لماذا يقول هذا الكلام؟ لأنَّه لم يستطع أن يرجح، يقول: فتأمل وطبق ما قاله الشيخان في فهم كلام البخاري، وما قاله غيرهما، واصدع بقلمك بما يلقيه الله في روعك، ولا تهتم بما سيقوله من معك في قرنك الرابع عشر؛ لأنَّه قد يأتي من أقرانك من يقول: أنت الآن رجحت غير كلام ابن حجر، وغير كلام العيني فمن أين جئت بهذا الكلام؟ فمن أين جئت بهذا الكلام؟ ثم يتنقص المتأخرين وكذا، لأنَّه قد يوجد، يقول: ولا تهتم بما سيقوله من معك في قرنك الرابع عشر، فسيأتي من يفهمه ويتأمله من بعدك ولو في القرن العشرين أو الثلاثين، والعلم لله.

يعني خلصنا أنَّه لم يستطع أن يرجح بين القولين، وكلام ابن حجر متجه لولا أنَّ سياق الخبر يأباه، ولا شك أنَّ الرجوع إلى الحقيقة اللغوية يعترف بها الجميع حتى العيني فيما نقله ابن حجر عنه.

المُقَدِّم: وهي أقرب، وفي الحديث أقرب إليه.

في الحديث..

المُقَدِّم: نعم، ظاهر.

هو في الحقيقة اللغوية؛ لأنَّ الإتيان إنما هو إلى المكان.

المُقَدِّم: نعم.

لكن يرد عليه التنافر مع الترجمة.

المُقَدِّم: صحيح.

من مراد البخاري، والله المستعان.

المُقَدِّم: أحسن الله إليكم، لعلنا نستكمل بإذن الله ما تبقى، بقي شيء في الترجمة يا شيخ في ترجمة الباب؟

الكلام في هذا يحتاج إلى..

المُقَدِّم: طويل، طيب، إذًا نستكمل ما تبقى من الكلام على الترجمة إن شاء الله في الحلقة القادمة، ليتابعنا الإخوة والأخوات.

 

أيُّها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإيَّاكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب" التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، شكرًا لصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، شكرًا لكم أنتم على طيب المتابعة، لنا بكم لقاء بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.