شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (148)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا بكم إلى لقاء جديد في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا في حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-، أسلفتم الحديث عن شيء من ألفاظه، لعلنا نستكمل في هذه الحلقة يا شيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وصلنا في الحلقة السابقة إلى قوله: «فقمت حتى تجلاني الغشي، فجعلت أصب على رأسي الماء»، وبقي الكلام فيما بعد ذلك لقوله: «فحمد الله»، يعني أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حمد الله وأثنى عليه، وأثنى عليه عطف على الحمد، من باب عطف العام علي الخاص؛ لأن الثناء أعم من الحمد، وهو أعم من الشكر وأعم من المدح أيضًا، الثناء يشمل هذه الأمور كلها، فالحمد أخص من الثناء، وإن كان بعضهم أو كثير ممن يعرِّف الحمد، يعرِّفه بأنه هو الثناء على الله -جل وعلا-، فيقولون: الحمد هو الثناء على المحمود، لكن في حديث «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين» مخرّج في صحيح مسلم يدل على التغاير بين الحمد والثناء، لذا قال: «فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال: حمدني عبدي، فإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي»، فدل على تغايرهما، وابن القيم -رحمه الله تعالى- حقق معنى الحمد والثناء في الوابل الصيب، فليرجع إليه.

ثم قال –عليه الصلاة والسلام-: «ما من شيء لم أكن أُريته» بضم الهمزة، أي مما يصح رؤيته ويمكن إلا رأيته، قال الكرماني: لفظ أُريته بضم الهمزة قال العلماء: يحتمل أنه رأى رؤية عين، بأن كشف الله تعالى عن الجنة والنار مثلاً له، وأزال أو مُثّل له وأزال الحجب بينه وبينهما، كما فُرج له عن المسجد الأقصى حين وصفه بمكة للناس، يعني هذا احتمال، والاحتمال الآخر أنه يكون من باب..

المقدم: الرؤية.

الرؤية القلبية وليست البصرية.

 لكن الأصل الرؤية الحقيقية البصرية، (في مقامي) حال مقامي بفتح الميم الأولى وكسر الثانية، وزاد في رواية الكشميهني والحموي: (هذا) يعني في مقامي هذا خبر مبتدأ محذوف أي هو هذا، ويؤول بالمشار إليه، بالمشار إليه والاستثناء مفرغ متصل، فتُلغى فيه إلا من حيث العمل، لا من حيث المعنى، كسائر الحروف، نحو "ما جاءني إلا زيد"، تلغى فيه من حيث العمل يعني وجودها مثل عدمها من حيث العمل، تعرب الجملة بدونها، أما من حيث المعنى فهي مخرجة لما بعدها عن حكم ما قبلها، تبقى أنها استثناء من حيث المعنى، كسائر الحروف نحو ما جاءني إلا زيد، وما رأيت إلا زيدًا، وما مررت إلا بزيدٍ، قال الكرماني: فإن قلت: هذا من أي نوع من الاستثناء، وكيف وقع الفعل مستثنىً؟ يعني هل يستثنى الفعل؟ «إلا أريته» فعل، قلت هذا استثناء مفرغ، وقال النحاة: كل مفرّغ متصل ومعناه كل شيء لم أكن أُريته من قبل مقامي ها هنا رأيته في مقامي هذا، ورأيته في موضع الحال، وتقديره ما من شيء لم أكن أريته كائنًا في حال من الأحوال إلا في حال رؤيتي إياه، وجاز وقوع الفعل مستثنى بهذا التأويل، بهذا التأويل إلا في حال رؤيته «إلا أُريته» يعني إلا في حال رؤيتي، فالمستثنى الرؤية، إلا في حال رؤيتي، مستثنى إلا رؤيتي في هذه الحال، رؤيتي إياه في هذه الحال.

 قلت: قال الأصوليون: وهذا يقوله كثير من أهل العلم، قال الأصوليون: ما من عام إلا وقد خُص، إلا والله بكل شيء عليم، وبعضهم يذكر }إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:20]، مثل هذه النصوص ما دخلها تخصيص؛ لأنه ما من شيء إلا ويعلمه الله -جل وعلا- ما يخفى عليه، وما من شيء إلا ويقدر عليه، ما من شيء إلا وقد خُص، يعني هذه النصوص ما خصصت، تبقى علي عمومها، وبقية النصوص كلها مخصص عمومها، والمخصص قد يكون عقليًّا وعرفيًّا، مخصصه العقل، فخصصه العقل بما تصح رؤيته، والعرف بما يليق إبصارهما به مما يتعلق بأمر الدين والجزاء ونحوهما، فإن قلت- يقول الكرماني أيضًا-: هل فيه دلالة على أنه -صلى الله عليه وسلم- رأى في هذا المقام ذات الله تعالى؟ قلت: نعم، إذ الشيء يتناوله والعقل لا يمنعه، والعرف لا يقتضي إخراجه، ولفظ المقام يحتمل المصدر والزمان والمكان، فعندنا مسألتان:

 الأولى: في قول الكرماني: ما من عام إلا وقد خُص إلا هذه الآية، وقوله: هل فيه دلالة على أنه -صلى الله عليه وسلم- رأى في ذلك المقام ذات الله تعالى، وأثبت أنه لا مانع؟ يقول نعم، إذ الشيء يتناوله، يعني تناول الذات الإلهية، والعقل لا يمنعه والعرف لا يقتضي إخراجه فلم يخصص، لا يستحيل عقلاً، ولم يخصص لا بنص ولا بعرف، أقول: أما قوله نقلاً عن الأصوليين ما من عام إلا وقد خُص إلا ما ذُكر، فقد تعقّب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- الأصوليين في قولهم هذا، وذكر نصوصًا كثيرة جدًّا باقية على عمومها محفوظة من المخصصات، في مجموع الفتاوى بدأ بسورة الفاتحة، وذكر فيها ألفاظًا عامة لم يدخلها التخصيص، ألفاظ كثيرة، وبدأ بعد ذلك بأوائل سورة البقرة، فأثبت إثباتًا لا مراء فيه ولا يتطرق إليه أدنى شك، أو احتمال أن في النصوص ما هو محفوظ من التخصيص، بل هو باقٍ على عمومه.

 وأما قوله: إن عمومه يقتضي أن النبي –عليه الصلاة والسلام - رأى الله -عز وجل- فهذه مسألة خلافية، والخلاف فيها قديم وقع بين الصحابة -رضوان الله عليهم-، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- أجاب عمن سأله هل رأى ربه؟ بقوله: «نور أنّى أراه» يعني كيف أراه؟! نعم، وقالت عائشة -رضي الله عنها-: «من زعم أنه رأى ربه فقد أعظم الفرية»، وأثبتها بعض الصحابة، أثبت بعضهم..، وجاء ما يدل على ذلك.

المقدم: أثبت بعضهم الرؤية البصرية.

 نعم أثبت بعضهم الرؤية البصرية، لكن من نفاها واستدل بمثل هذا الحديث، وهو القول المرجح عند أهل العلم أن الرؤية قلبية؛ لتجتمع النصوص.

المقدم: لكن الرؤية القلبية أيضًا لا خلاف بين السلف فيها.

بلا شك نعم.

 يقول ابن حجر: روِّيناه بالحركات الثلاث، فالنصب على أن حتى عاطفة، عطفت الجنة على الضمير المنصوب في رأيته، والجر على أن حتى جار؛ حرف جر؛ لأن حتى من حروف الجر.

هاك حروف الجر وهي من إلى     حتى خلا حاشا عدا في عن على

إلى آخره..

 والرفع على أن حتى ابتدائية، نحو أكلت السمكة حتى رأسُها ورأسَها ورأسِها، يجوز فيها الوجوه الثلاثة.

 «فأُوحي» بضم الهمز وكسر الحاء، «إلي أنكم» بفتح الهمزة مفعول أوحي ناب عن الفاعل، «تفتنون، تمتحنون، وتختبرون في قبوركم»، وفيه إثبات السؤال في القبر، مثل أو قريبًا، مثل أو قريبًا كذا هو بترك التنوين في الأول وإثباته في الثاني، يعني الجادة أن يقول مثلًا أو قريبًا، مثل أو قريب، أثبت التنوين في الثاني وتركه في الأول، يقول ابن مالك في شواهد التوضيح، شواهد التوضيح موضوعه ماذا؟ شواهد التصحيح والتوضيح على مشكلات الجامع الصحيح، هذا مر بنا مرارًا من قبل، وقد ذكرنا، وقلنا إن اليونيني قرأ البخاري على ابن مالك، قرأ البخاري برواياته على ابن مالك، ويوجه له ابن مالك الروايات المخالفة للعربية، يوجه الروايات المخالفة للعربية، يعني للمستفيض بين الناس والمعروف عندهم، وإلا معروف أن مثل ابن مالك مع اطلاعه على أقوال العلماء من النحاة من أهل العربية لابد أن يجد لكل رواية توجيهًا؛ لأن الناس يختلفون في المسائل النحوية، كاختلافهم في غيرها من قضايا العلم، فيقول مثل هذا يجوز على مذهب هؤلاء، وهذا يجوز على مذهب الكوفيين، وهذا يجوز على مذهب البصريين، وهدا يجوزه فلان، وهذا نعم، قال ابن مالك: توجيهه أن أصله مثل فتنة الدجال، أو قريبًا من فتنة الدجال، فحُذف ما أُضيف إلى مثل، وتُرك على هيئته قبل الحذف، مثل فتنة الدجال؛ لأن المضاف إليه في مثل محذوف، وبقيت الكلمة بعد الحذف كما هي، وترك على هيئته قبل الحذف، وجاز الحذف؛ لدلالة ما بعده عليه، وصلح للدلالة من أجل مماثلته لفظًا ومعنى، والمعتاد في صحة هذا الحذف أن يكون مع إضافتين كقول الشاعر: أمام وخلف

أمام وخلف المرء من لطف ربه    

 

 

 

كوالئ تُزوى عنه ما هو يحذر

 أمام وخلف المرء، أمام وخلف المرء من لطف ربه كوالئ، يعني حوافظ، أمور تحفظه.

المقدم: تُزوى أم تَزوي يا شيخ؟

تَزوي عنه ما هو يحذر.

نعم تَزوي عنه ما هو يحذر، هذه الكوالئ، وهذه الحوافظ التي تحفظه من أمر الله، ما هو يحذر ومن وروده بإضافة واحدة، كالواردة في الحديث قول الراجز:

مه عاذلي فهائمًا، نعم لن أبرح بمثلي أو أحسن من شمس الضحى

 أراد بمثل شمس الضحى أو أحسن من شمس الضحى، والمسألة في شواهد التوضيح في صفحة مائة واثنين ومائة وثلاثة، وفي شرح الكرماني مثل أو قريب هما بغير التنوين، مضافان إلى فتنة المسيح، فإن قلت: فكيف جاز الفصل  بينهما؟ مثل أو قريب لا أدري أي ذلك قالت أسماء: «من فتنة المسيح الدجال»، فُصل بينهما بماذا؟ لا أدري أي ذلك قالت أسماء، فإن قلت: فكيف جاز الفصل بينهما وبين وما أضيف إليه بأجنبي وهو قوله: لا أدري أي ذلك قالت أسماء؟ قلت: هي جملة معترضة، مؤكدة لمعنى الشك المستفاد من كلمة أو، والمؤكد للشيء، لا تكون الجملة المؤكدة الشيء لا تكون أجنبية منه، فجاز كما في قوله: يا تيمَ تيمَ عدي، أو يا تيمُ تيمَ؟ يا تيمُ تيمَ يا سعدُ سعدَ عديٍّ، لكن هل هذا الفصل موجود في أصل الجملة أم ما هو موجود؟ يعني لو أن الحديث على أصله كما ألقي أولاً، ما يكون موجودًا، إذًا هذا الفصل طارئ، هذا الفصل طارئ؛ لبيان المراد بأو أو قريبًا وأنه للشك، يقول:

نجوت وقد بلّ المرادي سيفه                 بدم ابن أبي شيخ الأباطح طالب

الأصل بدم ابن أبي طالب شيخ الأباطح، ففصل بين المضاف والمضاف إليه بالوصف، لما كان الوصف ليس بأجنبي عن الموصوف.

المقدم: جاز الفصل.

جاز الفصل بينهما به.

المقدم: يا تيمُ تيمَ يا سعدُ سعدَ.

الآن يقول: فإن قلت فكيف فإن قلت فكيف جاز الفصل بينهما وبين ما أضيف إليه بأجنبي، وهو قوله لا أدري أي ذلك قالت أسماء، قلت هي جملة معترضة مؤكدة لمعنى الشك، المستفاد من كلمة أو، والمؤكدة للشيء لا تكون أجنبية منه، فجاز كما في قوله يا تيمُ تيمَ عدي، الأصل يا تيم عدي، ففصل بينهما بتيم الثانية؛ لأنها مؤكدة لتيم الأولى، والمؤكد ليس بأجنبي، فإن قلت: فهل يصح أن يكون للشيء الواحد مضافان؟ قلت: ليس هاهنا مضافان بل مضاف واحد، وهو أحدهما لا على التعيين، ولأن سلمنا فتقديره مثل فتنة المسيح أو قريب فتنة المسيح، فحذف أحد اللفظين أو فُحذف أحد اللفظين لدلالة الآخر عليه نحو قال الشاعر:

بين ذراعي وجبهة الأسد     

 

.........................

الأصل بين ذراعي الأسد وجبهته، نعم فلما دل ما أضيف إليه الثاني على ما دل.. على ما أضيف.. لما دل ما أضيف إليه الثاني الأسد على ما أضيف إليه الأول بعد حذفه، جاز حذفه، نعم الثاني أضيف جبهة الأسد، الأول حُذف المضاف إليه للعلم به مما أُضيف إليه الثاني، فالأصل أن يقال: بين ذراعي الأسد وجبهة الأسد، أطال الكرماني في تقريره هذا، لا داعي لنقل جميع كلامه.

 والمسيح هو الأعور الدجال الفتان الذي يكون في آخر الزمان، وأمرنا بالاستعاذة من فتنته في آخر كل صلاة، وسُمي مسيحًا؛ لأنه يمسح الأرض أو لأنه ممسوح العين، ودجالاً؛ لأن الدجل والكذب والتمويه وخلط الحق بالباطل؛ لأن الدجل الكذب والتمويه وخلط الحق بالباطل، وهو كذاب مموه خلاط، ووصف بالدجال؛ ليتميز عن المسيح بن مريم -عليه السلام-، ووجه الشبه بين الفتنتين؛ فتنة القبر وفتنة الدجال، الشدة والهول والعموم، ولكن الله -جل وعلا- {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:27]، ونسأل الله -جل وعلا- أن يثبتنا وإخواننا المسلمين بقوله الثابت.

يقال للمفتون، وهو بيان لقوله يفتنون؛ أي يمتحنون، ولهذا لم يدخل الواو عليه، ما علمك؟ ما علمك؟ الخطاب فيه للمقبور، يقول الكرماني: فإن قلت: لما جمع أولاً، حيث قال: في قبوركم: «إنكم تفتنون في قبوركم».

المقدم: لم يقل ما علمكم؟

هو قال هنا: ما علمك، ما قال ما علمكم؟

المقدم: لأن السؤال متوجه إلى الفرد.

فإن قلت: لما جمع أولاً حيث قال في قبوركم، وأفرد ثانيًا حيث قال: وما علمك؟

قال، يقول الكرماني: قلت: هو من مقابلة الجمع بالجمع فيفيد التوزيع، يعني مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفرادًا، «تفتنون في قبوركم»، هل معنى هذا أن السؤال يُلقى على الجميع في حال واحدة ولو أجاب واحد منهم كفى، كما هو الشأن في أماكن الدروس وغيرها يلقي الشيخ السؤال ويجيب واحد فيكفي؟

المقدم: لا.

لا، السؤال متجه إلى كل واحد بعينه.

 تفتنون في قبوركم، تفتنون الواو واو الجماعة، تقابل القبور مجموعة، ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفرادًا، يعني كل واحد منكم يفتن في قبره، يفتن في قبره، فعلى هذا، مادام كل واحد يُفتن في قبره، صيغة السؤال تتجه إلى كل شخص بمفرده، فيقال: ما علمك؟ قلت: هو من مقابلة الجمع بالجمع فيفيد التوزيع، وكأنه قال لكل أحد إنك تفتن في قبرك، أولًا أو لأن السؤال عن العلم يكون لكل واحد في انفراده واستقلاله، وكذلك لكل أحد جواب خاص بخلاف الفتنة، لكل أحد جواب خاص، بهذا الرجل أي بمحمد -صلى الله عليه وسلم- ولم يقل بِـ، اللفظ من النبي –عليه الصلاة والسلام -، لم يقل بأنكم تفتون يقال ما علمك بي؟ مثلًا، وإنما عدل قوله بهذا الرجل وهو المراد؛ لأنه حكاية من قول الملائكة، الذي يلقي السؤال هذا السؤال ما علمك بهذا الرجل؟

المقدم: الملائكة.

الملائكة، يعني لو كانت صيغة السؤال ما علمك بي؟

المقدم: ما يمكن أن يطرحه الملك بهذه الصيغة.

بهذه الصيغة أبدًا، ليكون الجواب عنه؛ نعم لأنها حكاية من قول الملائكة للمقبور، والقائل هما الملكان السائلان المسميان بمنكر ونكير، على ما جاء في بعض النصوص التي تدل على ذلك، وإن كان ثبوت التسمية فيه نزاع، ولم يقولا رسول الله لئلا يتلقن منهما إكرام الرسول –عليه الصلاة والسلام -، ما علمك بهذا الرجل؟ أن تريد أن تسأل شخصًا عن معتقد، وهو يريد أن يجيبك بما يرضيك، لو أشعرته بشيء من الاحترام والتقدير، عرف مرادك وأجاب بما تريد، ولذلك قالا.. ولم يقولا رسول الله لئلا يتلقن منهما إكرام رسول الله ورفع مرتبته ورفع مرتبته، فيعظمه تقليدًا لهما لا اعتقادًا، قاله الكرماني.

 فأما المؤمن أو الموقن المصدق بنبوته -صلى الله عليه وسلم- وأو للشك، ولذا قال الراوي: لا أدري بأيهما قالت أسماء، والشك من فاطمة بنت المنذر بن الزبير الراوية عن جدتها أسماء، فيقول، الفاء واقعة في جواب أما؛ لما فيها من معنى الشرط، أما الموقن المؤمن أو الموقن فيقول، يعني مثل ما تقول: أما بعد فكذا، فلابد من الإتيان بالفاء هنا، فالفاء واقعة في جواب أما؛ لما فيها من معنى الشرط، هو محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءنا بالبينات، أي بالمعجزات الدالة على نبوته، وجاءنا بالآيات البينات الواضحات الدلالة، والهدى أي الدلالة الموصلة إلى البغية كما في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:52]، فأجبنا أي قبلنا ما جاءنا به، واتبعناه، أي اقتدينا به واتبعنا أمره ونهيه فعلاً وتركًا، بأن فعلنا ما أمرنا به، وتركنا ما نهانا عنه، قال الكرماني: الإجابة في قوله: فأجبنا تتعلق بالعلم، يعني صدقنا واعتقدنا واتبعنا، الاتباع بالعمل، الاتباع بالعمل.

المقدم: في نسخنا: أجبناه واتبعناه.

نعم، الذي في الأصل فأجبنا واتبعنا كما في البخاري، وكذا وأيضًا في بعض الطبعات القديمة.

المقدم: وعندنا في قوله فيقول هو محمد هو رسول الله في الجواب الأول.

فيقول هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات.

المقدم: عندنا يقول: هو محمد هو رسول الله.

عندك في الأصل، فيقول: هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات فأجبنا واتبعنا، هو محمد ثلاثًا.

المقدم: لا، عندنا محمد هو محمد.

المختصِر الزبيدي قد ينقل لفظًا أورده البخاري في غير هذا الموضع، أورده البخاري في غير هذا الموضع، وقد يعتمد على رواية غير الرواية المتداولة بيننا، والخلاف يسير، يعني ما فيه شيء، هو محمدٌ ثلاثًا أي يقول: هو محمدٌ ثلاثًا..، يقول: مرتين بلفظ محمد، ومرة بصفته وهو رسول الله قال ذلك ثلاث مرات، فيقال له: نم حال كونك صالحًا منتفعًا بأعمالك الصالحة؛ إذ الصلاح كون الشيء في حد الانتفاع، قاله القسطلاني وقبله الكرماني، وقال العيني: ويقال: لا روع عليك، مما يروع به الكفار من عرضهم على النار، أو غيره من عذاب القبر، ويجوز أن يكون معناه صالحًا لأن تكرم بنعيم الجنة، قد علمنا إن كنت لموقنًا به، قد علمنا إن كنت لموقنًا به بكسر همزة إن، أي الشأن كنت، لموقنًا به أي أنك موقن كقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ} [آل عمران:110]، أي أنك موقن كقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناس} [آل عمران:110]، يعني إن كنت، في السابق مقتضاه، لكن في الحال أنت موقن أم غير موقن؟ لأن كان فعل ماضٍ فالماضي يدل على وقوع الحدث في الماضي.

 فالمراد به هنا الاستمرار كما في قوله -جل وعلا-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناس} [آل عمران:110]، أي أنتم خير أمة، يعني في الماضي وفي الحال وفي الاستقبال، أو تبقى على بابها، تبقى على بابها، يعني كنت في حال الحياة موقنًا، كنت في حال الحياة موقنًا، ومقتضى إيقانك في حال الحياة أن تبقى كذلك في دار الجزاء، بل في دار الجزاء تقابل بالآثار المترتبة على إيقانك في حال الابتلاء، أو تبقى على بابها، قال القاضي: وهو الأظهر، واللام في قوله: لموقنًا عند البصريين؛ للفرق بين إن المخففة وإن النافية، وأما الكوفيون فهي عندهم بمعنى ما واللام بمعنى إلا، كقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق:4]، أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، والتقدير ما كنت إلا موقنًا، «وأما المنافق» أي المقر بلسانه غير مصدق بقلبه بنبوته –عليه الصلاة والسلام-، وهو في مقابلة المؤمن، أو المرتاب أي الشاك وهو في مقابلة الموقن، وأو للشك من فاطمة، ولذا قالت: لا أدري أي ذلك قالت أسماء، «فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته»، أي قلت ما كان الناس يقولونه، فيقال له: كما جاء في بعض الروايات: «لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربةً يصيح صيحةً يسمعها من يليه غير الثقلين».

 المقدم: نسأل الله تعالى أن ينجينا وإياكم وجميع المسلمين من هذا.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة، على أن نستكمل مسائل الحديث وأطرافه بإذن الله في حلقة قادمة، وأنتم على خير.

شكرًا لطيب متابعتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.