كتاب بدء الوحي (009)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المسألة الأخرى وهو ما سببه قول صاحب القاموس: أن الدنيا نقيض الآخرة، والتردد الذي حصل هل الدنيا والآخرة من باب النقيض أو من باب الضد؟ ويلزم على كونهما نقيضين ألا دار ثالثة، وعلى كونهما ضدين أن الدور ثلاث.

هذا يقول: الذي يظهر في مسألة هل البرزخ دار منفصل عن الدارين أو هي ملحقة بأحدهما، يقول: الذي يظهر أن البرزخ يتصل بالدنيا مكاناً لا زماناً لحديث: غروب الشمس، وهي ليست من الدنيا استقلالاً؛ لأن سؤال الملكين لا يكون في الدنيا، كذلك ليس ملحقة بالآخرة؛ لأن المكان سيبدل يومئذٍ، ويختلف الزمان وكذلك فليس فيها دار للسؤال بل دار جزاء، ويقول: والأقرب -والله أعلم- أنها محلقة بالدنيا، ويستثنى من ذلك الشهداء حيث أنهم مستثنون من الحياة البرزخية، هذا ما توصلت إليه، فإن كان صواب فمن الله، وإن كان غير ذلك فمن نفسي المقصرة والشيطان.

هذا واحد من الإخوان يقول هذا الكلام.

والآخر يقول: بالنسبة لموضوع الدنيا واليوم الآخر هل هما ضدان أم نقيضان؟ نفيدكم بأنني حاولت البحث في المسألة ووصلت إلى النتيجة التالية: وهي أن من معتقد أهل السنة والجماعة الإيمان باليوم الأخر، وينصون على أن منه الإيمان بما يقع في القبر من فتنة وغيرها، وبهذا يكون الآخر نقيض الدنيا، لكن اليوم الآخر يتكون من عدة أجزاء مثل البرزخ وهو وإن كان معناه الحاجز إلا أنه لا يمنع أن يكون جزءاً من أحدهما ومثل البعث ومثل الحساب ومثل دخول الجنة والنار فالاسم العام لليوم الآخر يكون نقيض أما إذا أريد أحد أجزائه وهو البعث والحساب  فيكون ضدين.

وهذا أيضاً يقول مسألة: هل البرزخ دار ثالثة أم هي دار تابعة للدنيا أو للآخرة؟ يقول: ذكر ابن القيم -رحمه الله- في كتابه: (الروح) فصل: البرزخ أول دار الجزاء، قال -رحمه الله-: لما كانت دار الدنيا دار تكليف وامتحان لا دار جزاء لم يظهر فيها ذلك، وأما البرزخ فأول دار الجزاء فظهر فيها من ذلك ما يليق بتلك الدار، وتقتضي الحكمة إظهاره، فإذا كان يوم القيامة الكبرى وفيها أهل الطاعة وأهل المعصية ......... ووفي أهل الطاعة وأهل المعصية ما يستحقونه من نعيم الأبدان والأرواح وعذابهما فعذاب البرزخ ونعيمه أول عذاب الآخرة، حتى وصل -رحمه الله- يقول: فحكمة الرب تعالى منتظمة لذلك أكمل الانتظام في الدور الثلاث، فذكر -رحمه الله- الدور الثلاث دلالة على أن البرزخ دار ثالثة ومستقلة بنفسها، هذا ما وفقنا الله إليه.

يقول هذا: مما يؤيد قول صاحب القاموس ألا برزخ قائم بذاته إلا والدنيا قائمة فيتوجه كلامه على النقض الزمني.

ما أدري والله .............إيش معنى النقيض؟

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فمما يتلق بقول صحاب القاموس: "الدنيا نقيض الآخرة" فالذي يظهر أن الدنيا ضد الآخرة كما نص على ذلك ابن القيم وشارح الطحاوية، حيث نصوا أن الدور ثلاث: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار الآخرة، فعلى هذا تكون الدور ثلاث، هذا بالنسبة للعموم، وبالنسبة لكل شخص وما يخصه كما يقول أهل العلم: من مات قامت قيامته، فإنه إذا انتقل من هذه الدنيا انتقل إلى غيرها إلى الدار الآخرة بالمعنى الأعم الذي يشمل البرزخ ويشمل ما بعد البعث، لكن إذا نظرنا في الواقع وبالنسبة للعموم فإن هناك برزخ فاصل بين الدنيا لا يمكن إلحاقه بالدنيا بالنسبة لمن مات، ولا يمكن إلحاقه بالنسبة للآخرة لأن الجزاء سوف يتأخر إلى البعث.

((فمن كانت هجرته لدنيا)) أو امرأة ((فمن كانت هجرته لدنيا يصيبها)) أي يحصلها؛ لأن إصابتها أو لأن تحصيلها كإصابة الغرض بالسهم؛ لأن تحصيلها كإصابة الغرض بالسهم بجامع حصول المقصود، قاله ابن حجر.

((أو امرأة)) سبق أنه يقال: امرأة، ويقال: مرأة، يقال: مرأة كما يقال: مرة، يقول الشاعر:

تقول: عرسي وهي لي في عومرة
 

 

بئس امرأً وإنني بس المرة
ج

والتنصيص على المرأة وهي من أغراض الدنيا من باب  ذكر الخاص بعد العام، للاهتمام بشأن الخاص والعناية به ((فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة )) المرأة من أمور الدنيا فالتنصيص عليها من باب ذكر الخاص بعد العام، النووي -رحمه الله- تعقب هذا الكلام بأن لفظ دنيا نكرة، دنيا نكرة وليست في سياق النفي فلا تعم، قال: وهي لا تعم في سياق الإثبات، فلا يلزم دخول المرأة فيها، نكرة في سياق الإثبات لا تقتضي العموم فكيف يقال: إن المرأة التي عطفت على الدنيا -على دنيا- نكرة من سياق الإثبات من باب ذكر الخاص بعد العام، تعقب النووي بأنها في سياق الشرط فتعم، في سياق الشرط فتعم، هذا ظاهر يعني كون النكرة في سياق النفي وفي سياق الشرط معروف هذا، لكن في مثل قوله -جل وعلا- في أواخر سورة الرحمن: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [(68) سورة الرحمن] يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: إن الفاكهة "ونخل" نكرة في سياق الإثبات فلا تعم جميع أنواع الفواكه، ولا جميع أنواع النخيل، ولا جميع أنواع الرمان، ويريد بذلك -رحمه الله تعالى- أن يفضل الجنتين الأوليين على الأخريين، لكن مثلما قيل هنا: نكرة في سياق الشرط، يقال هناك: نكرة في سياق الامتنان فتعم، ننتبه لمثل هذه الأمور ترى من الدقائق، والحافظ ابن كثير رجح بأن الجنتين الأوليين أفضل من الأخريين بمثل هذا، قال: نكرة في سياق الإثبات فلا تعم، فلا تعم مثل ما جاء في سياق الجنتين الأوليين، ويقال له: هذه نكرة في سياق الامتنان فتفيد العموم، وقد مثل بهذه الآية في كتب الأصول على مثل هذا، على أن النكرة في سياق الامتنان تفيد العموم، مثلوا بهذه الآية نعم؟

طالب:........

إيه في وعد.

تعقب بأنها نكرة في سياق الشرط فتعم، ونكتة الاهتمام بالمرأة حيث أفردت من جميع الأمور المتعلقة بالدنيا نكتة الاهتمام الزيادة في التحذير؛ لأن الافتتان بها أشد؛ لأن الافتتان بالمرأة أشد، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه ما ترك فتنة هي أضر أو أشد على الرجال من النساء، فالتنصيص عليها في مثل هذا المقام لأنها باعث قوي، باعث قوي على الهجرة، يترك الإنسان بلده، ويترك قومه وعشيرته، وقد يترك ولديه وقد يترك أولاده ليتزوج امرأة في بلد آخر باعث قوي على الهجرة، وهي منافس للهجرة الشرعية، مع أنه قد يقول قائل: إن الإنسان إذا ضاقت عليه المسالك في بلده في أمور الدنيا ما وجد فرصة عمل في بلده، وهاجر إلى بلد أخر من أجل الدنيا، هجرته متمحضة للدنيا أو بحث عن زوجة فلم يجد فهاجر من أجل أن يتزوج في بلد أخر يجد فيه امرأة هل يلام أو لا يلام؟ لا شك أن السياق في الحديث سياق ذم، حيث جعلت الهجرة إلى الدنيا ومن أجل امرأة في مقابل الهجرة إلى الله ورسوله، فالسياق سياق ذم، ومن هاجر لطلب الدنيا لأن المسالك في بلده ضاقت عليه، أو بحث عن زوجة في بلده فلم يجد لا يلام ولا يأثم، ما يتوجه إليه لوم، وقد يؤجر إذا نوى بالاكتساب التقوي على طاعة والبذل في سبيل الله أو نوى بالهجرة إلى هذه المرأة أن يرزق منها أولاد صالحين، ينفع الله بهم الإسلام والمسلمين يؤجر على هذه النية، فكيف تساق الدنيا والمرأة على وجه الخصوص مساق الذم؟ نعم؟

طالب:.......

نعم الأصل في مثل هذا أنه مسوق لبيان الذم المتجه لمن يظهر أنه إنما ترك أهله وعشيرته ووطنه مهاجر إلى الله ورسوله، وهو في حقيقة الأمر مهاجر من أجل الدنيا، أو مهاجر من أجل المرأة، وقصة المهاجر مهاجر أم قيس معروفة أنه هاجر من أجلها في وقت يهاجر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه لله -جل وعلا-، وعلى هذا إذا كان الظرف وإن لم يصرح هو إذا كان الظرف محمول على هذا يعني الظرف الذي وقع فيه هذا الحدث يفهم منه أن هذا سافر من أجل كذا أو من أجل كذا، يعني شخص انطلق في اليوم السابع من ذي الحجة إلى مكة، والناس يرونه يحمل متاعه على سيارته وين تبي تروح؟ والله أبي أروح مكة هو ما نوى الحج ولن يحج، رايح لعمل، لكنه أظهر مع الناس أنه بلسان حاله لا بلسان مقاله، لو كان بلسان المقال كان الأمر أعظم، كان في كذب وفي رياء وفي أمور مجتمعة، لكن بلسان حاله أنه إنما استقل راحلته وحمل متاعه ليحج مع الناس وإن لم يصرح بذلك، هذا يذم، وفي مثل هذا عليه أن يبين ((أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت)) لأن الوقت وقت قيام أخر الليل، قد يسكت الإنسان وهو يقول: ما كذبت، لكن الناس يحملونه على أنه لقيام الليل أو للحج.

ذكرنا مثلاً كررناه  في مناسبات وقلنا: إن الإنسان قد يخرج من بيته قبل غروب الشمس بنصف ساعة يوم الاثنين ومعه التمر والقهوة والماء، فإذا دخل المسجد وضع السماط ووضع عليه التمر والماء والقهوة والأبواب مشرعة والناس يدخلون إلى المسجد تفضل يا أبو فلان وينتظر حتى يؤذن فإذا أذن قال: بسم الله وأكل وهو ما صام، لسان الحال لا لسان المقال يقول: إنه صائم وهو ما صام، لكن الأصل في الأكل في المسجد مباح ما في إشكال، لكن في هذا الظرف الذي الناس فيه صيام وينتظر الأذان يعني لو كان قبل الأذان بربع ساعة ما في إشكال، يعني ينتظر الأذان، ويلفت أنظار الناس إليه، قد يدخل واحد من باب بعيد ما يراه يقول: تفضل يا أبو فلان، تفضل يا أبو فلان، هذا لسان حاله يقول: إني صائم، هذا يتجه إليه الذم وإلا ما يتجه؟ يتجه إليه الذم، وهذا مثله الذي سافر يوم السابع من ذي الحجة والثامن وحمل متاعه وين تبي يا أبو فلان؟ والله مكة، قاصدين هالبيت الشريف، يعني بروح يطوف وإلا..، ما هو بحاج أو راح من أجل امرأة وإلا أرضاً تبي تباع وإلا شيء، لا بد أن يبين لئلا يتجه إليه الذم؛ لأن الحال والظرف الذي يعيشه كأنه يقول: إنه حاج، هذا أحياناً يكون الكذب بالقول، وأحياناً يكون بالفعل، يعني لو أن هناك نقطة تفتيش مثل المرور ثم بعد ذلك يصعب عليهم أن يستوقفوا الناس كلهم ويطلبوا رخصة وإثبات وما أدري إيش؟ واستمارة هل تمت وإلا ما تمت ثم يقال في المكبر: الذي ما معه رخصة على جنب يا الإخوان الذي ينطلق يذهب هذا كذب بالفعل كأنه يقول: أنا معي رخصة، فمثل هذا الأمور لا بد من مراعاتها، قد يقول قائل: إني أغرم غرامات وهذه ضرائب وهذه ما أدري مكوس وشيء من هذا ويتأول لنفسه ويريد أن يتنصل من هذه العقوبات المالية التي لا يجيزها جمع من أهل العلم، يعني المسألة خلافية، فالأمر فيها يعني قد يكون أخف من الصور السابقة، لكن الذي يأتي قبل أذان المغرب يوم الاثنين هذا أمره شديد، ويجلس ينتظر للأذان ثم إذا أذن بسم الله فيأكل وبعد ذلك يأتي بالأدعية المأثورة بعد ذلك، يتجه إليه الذم وإلا فالأصل أن من أكل في المسجد لا شيء عليه مباح الأكل في المسجد، ومن هاجر لطلب الدنيا لا يذم، ومن هاجر ليتزوج امرأة لا يذم إلا إذا أوحى للناس بفعله أو بتصرفاته أو بلسان حاله أنه إنما هاجر لله -جل وعلا-.

وقد تقدم النقل عمن حكى أن سبب هذا الحديث قصة مهاجر أم قيس، يقول ابن حجر: ولم نقف على تسميته، ولم نقف على تسميته، وهذا هو الغالب في المبهمات، بل هذا هو الأصل في المبهمات، في المبهم الذي جاء ذمه في النص، أنه لا يذكر اسمه ولا يتداوله الرواة، وإن كان معروف عند أولهم، قد يكون معروف عند الصحابي الذي روى هذه القصة أو التابعي الذي يروي عنه لكنه يترك ستراً عليه، والفائدة من القصة لا تتوقف على معرفة اسمه، وحينئذٍ لا يذكر، وكثير من المبهمات من هذا النوع، قال العلماء: لم نفق على اسمه، ونقل ابن دحية أبو الخطاب بن دحية، معروف بمذهب أهل الظاهر يقول: إن اسم المرأة قيلة، بقاف مفتوح وتحتانية ساكنة، بقاف مفتوح وتحتانية ساكنة، وحكى ابن بطال في شرحه عن ابن سراج: إن السبب في تخصيص المرأة بالذكر أن العرب كانوا لا يزوجون المولى العربية، حكى ابن بطال عن ابن سراج أن السبب في تخصيص المرأة بالذكر أن العرب كانوا لا يزوجون المولى العربية، ويراعون الكفاءة في النسب، ويراعون الكفاءة في النسب، فلما جاء الإسلام بين المسلمين في مناكحتهم فهاجر كثير من الناس إلى المدينة ليتزوج بها من كان لا يصل إليها قبل ذلك، انتهى.

قال ابن حجر: ويحتاج إلى نقل ثابت أن هذا المهاجر كان مولى، وكانت المرأة عربية، يعني يحتاج إلى إثبات هذا لنوقع أو نطبق هذا الحديث على ما قاله ابن سراج، يقول: وليس ما نفاه عن العرب على إطلاقه من كونهم لا يزوجون الموالي، ليس على إطلاقه، بل قد زوج خلق كثير منهم جماعة من مواليهم وحلفائهم قبل الإسلام، بل زوج بل قد زوج خلق كثير منهم جماعة من مواليهم وحلفائهم قبل الإسلام، ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، من أشراف الناس وساداتهم من رؤوس قريش، من زوجها؟ المقداد، المقداد بن الأسود، ولذا لما أورد الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- قصتها في الاستثناء والاشتراط "أني أريد الحج وأجدني شاكية، قال: ((حجي واشترطي، فإن لك على ربك ما استثنيتِ)) هذا مخرج في الصحيح ونفاه بعض الكبار، قال: لم يخرجه البخاري في الصحيح، لماذا؟ لأنه بحث عنه في كتاب الحج ما وجده، في الإحصار ما وجده، البخاري -رحمه الله تعالى- أورده في كتاب النكاح تحت عنوان: باب: الأكفاء في الدين.

((أو امرأة ينكحها)) النكاح في اللغة: الضم والتداخل، يعني كما يقولون: تناكحت الأشجار يعني تداخلت وانضم بعضها إلى بعض، وفي الاصطلاح: عقد الزوجية أو الوطء يعني على خلاف بين العلماء أيهما الحقيقة في لفظ النكاح هل هو العقد أو الوطء؟ خلاف بين العلماء في المراد به عند الإطلاق، منهم من يقول: هو حقيقة في العقد مجاز في الوطء، ومنهم من يقول العكس، ومنهم من يقول: هو حقيقة فيهما.

شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: النكاح المأمور به لا يتحقق إلا بهما، لا يمكن أن يقال: هذا نكاح شرعي ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) لا يمكن أن يقول: والله أنا تزوجت بمجرد العقد أو بمجرد الوطء، ولا يتم امتثال الأمر إلا بالجمع بين العقد والوطء, هذا كلام شيخ الإسلام، والنكاح المنهي عنه يعني في سياق النهي يتحقق بأحدهما، فيكون مرتكباً للمحظور قال: والواقع في المنهي عنه بمجرد العقد أو بمجرد الوطء {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم} [(22) سورة النساء] إذا عقد على زوجة أبيه هذا دخل في النهي، ولو لم يطأ ولو وطأ لدخل في النهي ولو لم يعقد، وأيهما أشد في مثل هذا أن يعقد أو يطأ؟ يعني زوجة الأب أيهما أشد أن يعقد عليها أو أن يطأها؟ هاه؟ ماذا صنع النبي -عليه الصلاة والسلام- برجل عقد على امرأة أبيه؟ هاه؟ قتله وخمس ماله؛ لأن هذا استحلال، ردة هذا، بينما مجرد الوطء لا يدل على استحلال، موبقة من الموبقات، وكبيرة من الذنوب، لكن لا يدل على استحلال.

((فهجرته إلى ما هاجر إليه)) أي من الدنيا أو من المرأة، أي هي منصرفة لهما، يعني الدنيا أو المرأة وإن كانت صورتهما صورة الهجرة إلى الله ورسوله، هجرته إلى ما هاجر إليه الدنيا أو المرأة، لا إلى الله ورسوله، وإن كان مظهراً ذلك.

يقول الكرماني: ((فهجرته إلى ما هاجر إليه)) إما أن يكون متعلقاً بالهجرة والخبر محذوف أي هجرته إلى ما هاجر إليه غير صحيحة أو غير مقبولة، وإما أن يكون خبر فهجرته والجملة خبر المبتدأ أي الذي هو من كانت وأدخل الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط، يقول: إما أن يكون متعلقاً بالهجرة إلى ما هاجر إليه ((فهجرته إلى ما هاجر إليه)) جار ومجرور متعلق بقوله فهجرته، والخبر محذوف أي فهجرته إلى ما هاجر إليه غير صحيحه أو غير مقبولة، وإما أن يكون هو الخبر، فهجرته كائنة إلى ما هجر إليه، أو صائرة إلى ما هاجر إليه، وإما أن يكون خبر فهجرته، والجملة من المبتدأ والخبر ((فهجرته إلى ما هاجر إليه)) خبر المبتدأ الذي هو من؟ وأدخل الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط.

يقول: فإن قلت: المبتدأ والخبر بحسب المفهوم متحدان، فمالفائدة في الإخبار؟ وهذا يظهر في الجملة الأولى المبتدأ والخبر بحسب المفهوم متحدان،..... في هذه الجملة بحسب المفهوم، لكن في الجملة الأولى بحسب المنطوق ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فجرته إلى الله ورسوله)) يعني كما لو قيل: من قام قام، يفيد هذا الكلام؟ اتحاد الجواب مع الشرط، ((من كانت هجرته إلى الله ورسوله)) متحدان بالمنطوق، ولو الجملة الثانية متحدان بالمفهوم، فمالفائدة في الإخبار؟ يقول الكرماني فمالفائدة في الإخبار؟ قلت: لا اتحاد، الكرماني ذكرنا مرراً أنه يورد إشكالات ثم يجيب عنها، إشكالات يورد احتمالات ثم بعد ذلك يجيب عن هذه الاحتمالات، قلت: لا اتحاد إذ الخبر محذوف وهو فلا ثواب له عند الله، والمذكور مستلزم له دال عليه، أو فهي هجرة قبيحة خسيسة؛ لأنه الخبر، وكذا الشرط والجزاء إذا اتحدا صورة يعلم منه التعظيم، يعني في الأول ((من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) هذا دليل على التعظيم، ولذا لم يأتِ بالكناية لم يأتِ بالضمير، ما قال: "فمن كان هجرته إلى الله ورسله فجرته إليهما"، "أو فهجرته إلى ما هاجر إليه"، كرر ذكر الله وذكر رسوله للتعظيم والتلذذ باستماعهما والنطق بهما.

يعلم منه التعظيم، يعني أبو النجم الراجز المعروف يقول:

أنا أبو النجم وشعري شعري
 

 

...................................
ج

في بيت يقول:

أنا أنا وشعري شعري
 

 

...................................
ج

يريد بذلك تعظيم نفسه وتعظيم شعره.

يقول: والمذكور مستلزم له دال عليه، أو فهي هجرت قبيحة خسيسة؛ لأنه الخبر، وكذا الشرط والجزاء إن اتحدا صورة يعلم منه التعظيم، يقول نحو: أنا أنا وشعري شعري، ((ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) أو التحقير نحو: ((فهجرته إلى ما هجر إليه)) انتهى كلامه.

يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: وفي قوله: ((إلى ما هجر إليه)) تحقير لما طلبه من أمر الدنيا، واستهانت به حيث لم يذكره بلفظه، يعني في الجملة الأولى كرر الجواب باللفظ، وفي الجملة الثانية قال: ((فهجرته إلى ما هاجر إليه)) وهذا من باب التحقير؛ لأن ما هجر إليه لا يستحق الذكر، ليس كما هاجر إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، لأن من هاجر إلى الدنيا لا تستحق الدنيا الذكر، وكذلك المرأة لا تستحق الذكر في مقابل الهجرة إلى الله ورسوله.

وأيضاً فالهجرة إلى الله ورسوله واحدة فلا تعدد فيها، فلذلك أعاد الجواب فيها بلفظ الشرط، يقول ابن رجب: وأيضاً فالهجرة إلى الله ورسوله واحدة فلا تعدد فيها، فلذلك أعاد الجواب فيها بلفظ الشرط، قد تتعدد الهجرة إلى الله ورسوله، يهاجر من بلد كفر إلى بلد بدعة، ثم يهاجر من بلد بدعة إلى بلد معصية، يعني إذا جلس في بلد البدعة مدة قال: لا نهاجر إلى بلد أفضل من هذا، ثم يهاجر  إلى بلد ويجد فيه العصاة والمنكرات ظاهرة، ثم يقول: نهاجر إلى بلاد الأخيار إلى الله ورسوله؛ لنستعين على طاعة الله -جل وعلا- ونتشجع معهم، ثم يهاجر إلى بلد الأتقياء الأخيار، هذه هجرة متعددة وإن كانت لله ورسوله.

يقول: وأيضاً فالهجرة إلى الله ورسوله واحدة فلا تعدد فيها، فلذلك أعاد الجواب فيها بلفظ الشرط، نعم الهجرة المذكورة في الحديث وهي التي حصلت في عهده -عليه الصلاة والسلام- من مكة إليه هذه واحدة، وإلا فقد حصلت الهجرة إلى الحبشة مرتين، ثم الهجرة إلى المدينة، فهي متعددة حتى في زمنه -عليه الصلاة والسلام- لكن الأصل أن الإنسان ينتقل من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، فلا تعدد فيها، يقول: فلذلك أعاد الجواب فيها بلفظ الشرط.

هنا يقول: واحدة فلا تعدد فيها، هل المراد ابن رجب المقصود بينما المقاصد متعددة بالنسبة إلى الهجرة من أمر الدنيا، لا شك أنه قد تعدد المقاصد ينتقل من بلد إلى بلد يتيسر فيه امرأة، يتيسر فيه بيت، يتيسر فيه سيارة، ويتيسر فيه عمل، مقاصد متعددة، وأيضاً الذي يريد الله -جل وعلا- والدار الآخرة في طلبه للعلم قصده واحد، والذي يريد أمور متعددة من وظيفة، وقيام أسرة، وبناء مستقبل، وغير ذلك من المقاصد الدنيوية لا شك أنها متعددة.

يقول: والهجرة لأمور الدنيا لا تنحصر، فقد يهاجر الإنسان لطلب دنيا مباحة تارة، ومحرمة أخرى، وأفراد ما يقصد بالهجرة من أمور الدنيا لا تنحصر، ولذلك قال: ((فهجرته إلى ما هجر إليه)) يعني كائناً ما كان، يعني حذف المعمول إذا قلت: ضرب زيدٌ، إذا قلت: عمراً انتهى الإشكال، يعني ما ضرب إلا عمرو، لكن لو قلت: ضرب زيدٌ، ضرب زيدٌ وحذفت المفعول ليفيد العموم أنه ضرب كل من لقيه، فحذف المعمول يدل على العموم، يقول: ((فهجرته إلى ما هاجر إليه)) يعني كائناً ما كان، ثم قال ابن رجب -رحمه الله تعالى-: وسائر الأعمال كالهجرة في هذا المعنى، وسائر الأعمال كالهجرة في هذا المعنى، فصلاحها وفسادها بحسب النية الباعثة عليها كالجهاد والحج وغيرهما، نعم؟

طالب:.........

لا المقصد واحد، هو مهاجر إلى الله ورسوله، لا أنا أريد بس أنا أورد على كلامه ما يمكن أن يرد، وإلا معروف أن مراده القصد إلى الله ورسوله إلى أي جهة كانت، ثم قال -رحمه الله-: وسائر الأعمال كالهجرة في هذا المعنى، فصلاحها وفسادها بحسب النية الباعثة عليها كالجهاد والحج وغيرهما، وقد سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن اختلاف نيات الناس في الجهاد، وما يقصد به من الرياء وإظهار الشجاعة والعصبية وغير ذلك أي ذلك في سبيل الله؟ قال: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو سبيل الله)) فخرج بهذا كل ما سألوا عنه من المقاصد الدنيوية، يعني الرجل يقاتل شجاعة، يقاتل حمية، يقاتل ليرى مكانه، يقاتل كذا لكذا، يعني ما أجاب -عليه الصلاة والسلام- بالإفراد؛ لأن الجواب بالأفراد يطول، يطول، وإذا أمكن حصر أحد الجهتين تركت الأخرى، يعني إذا سئل عن مباح والحصر في المباح بينه؛ ليكون ما عداه محرم، وإذا سئل عن محرم والحصر في المحرمات ذكرت ليكون ما عدها على الإباحة، ومن لحظ الأجوبة النبوية وجدها على هذا ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)) إيش معنى هذا؟ أن من قاتل من أجل المقاصد التي ذكرت في السؤال أنه ليس في سبيل الله، نعم؟

طالب:.........

نعم مثل ما يلبس المحرم يفعل، ومثل سئل عن الماء وسئل عن أمور كثيرة يعني يحدد المحدد ويترك ما عداه، يعني يأتي بما يمكن حصره ليكون ما عداه على الضد، سواء كان هو المباح أو هو المحرم.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في شرح الحديث في الجزء الثامن عشر من الفتاوى، يقول: النية محلها القلب باتفاق العلماء، فإن نوى بقلبه ولم يتكلم بلسانه أجزأته النية باتفاقهم، وقد خرج بعض أصحاب الشافعي وجهاً من كلام الشافعي غلط فيه على الشافعي، فإن الشافعي إنما ذكر الفرق بين الصلاة والإحرام بأن الصلاة في أولها كلام، بأن الصلاة في أولها كلام فظن بعض الغالطين أنه أراد التكلم بالنية، أنه أراد التكلم بالنية، وإنما أراد التكبير والنية تتبع العلم، النية تتبع العلم، يعني لو قال لك شخص: نريد أن نذهب إلى المكان الفلاني إلى مسجد الراجحي مثلاً نصلي على جنائز، علمت أنت بالمكان وعلمت بالهدف والمقصد وهذه هي النية ذهبت إلى ذلك المكان تلبية لهذه الدعوة، مخلص في ذلك لله -جل وعلا- ولا يلزم أن تقول: أذهب للمكان الفلاني من أجل كذا أو من أجل كذا، لكن لو قال: أركب وين تبي تروح؟ اركب بس ونعلمك بعدين، الآن أنت ما تعلم، فهل تستطيع أن تنوي في مثل هذه الحالة؟ لا تستطيع لأن النية تتبع العلم، العلماء يقولون: من شرط التكليف العدم، هاه؟ العدم، التكليف بالفعل من شرطه العدم، ويش معناها؟ نعم إيجاد الموجود مستحيل، فتكليفك بإيجاد نية موجودة عندك مستحيل.

يقول -رحمه الله تعالى-: والنية تتبع العلم فمن علم ما يريد فعله فلا بد أن ينويه ضرورة، كمن قدم بين يديه طعام ليأكله فإذا علم أنه يريد الأكل فلا بد أن ينويه، يعني ما يمكن أمامك طعام قدم لك إكراماً لك ويش معنى هذا؟ هل من أجل أن تبيعه فيمن يزيد من الحضور؟ تحرج عليه يباع ويش تسوي به؟ نعم قدم إليك من أجل أن تأكل، ولا يمكن أن يرد في ذهنك غير هذا، يعني إذا تعددت المنافع فأنت إما أن تفعل كذا وإما كذا وإما كذا لا بد تحدد، لكن الآن المنفعة متحدة، ما في غير طعام يقدم ليأكل، شراب ليشرب، يعني هل بالإمكان أن يقدم طعام في وقت الطعام وعلى هيئة الطعام المعهودة المتعارف عليها ويقال: للعرض فقط؟ يمكن؟ ما يمكن، ما يمكن إطلاقاً، أو ليباع في هذا المكان في هذا الظرف على هذه الكيفية ما يمكن، فأنت قصد بهذا، أو قصد بهذا الأكل لا غير، يعني لو أن إنسان سور أرضه وسقفها ووضع لها محراب ومنارة وأبواب وما أدري إيش وجعل بجنها دورات وبيت للإمام والمؤذن ثم كتب عليه للإيجار؟ صحيح وإلا لا؟ يمكن؟ ما يمكن إطلاقاً، الآن بهذه الكيفية أنت أوقفت شئت أم أبيت، أنت الآن أوقفت ما يقول: أنا أجهزه لمن يريد أن يوقف، لو سور أرضاً وأذن للناس بالدفن فيها فقد أوقفها مقبرة شاء أم أبى، هذه الأمور ما تعدد أغراضها لا تعدد أغراضها، فالذي لا تعدد أغراضه تحدد نيته، كما قالوا: شهر رمضان لا يحتمل غير صيام شهر رمضان، يعني ما يمكن أن يرى شخص صائم في نهار رمضان يقال: والله هذا عليه نذر وإلا عليه شيء، فهذه الأمور متحددة الأغراض فهي متحددة المقاصد.

طالب:……..

وش هو؟

طالب:……..

….... بلدها، تقول: والله ما عندي استعداد اسكن الرياض مثلاً....

طالب:……..

يعني هجرة، هجرة شرعية، يعني تريد تقول: الرياض والله كثرت فيها المخالفات، والوفود من كل جنس، وكل واحد يحمل معه من أفكاره وعاداته وتقاليده، نهاجر إلى بلد صغير محفوظ، يعني أهله من جنس واحد وعادتهم واحدة، وما تغيروا، ولا دخلهم حاضرة، ولا شيء اشترطت عليه هذا، تقصد هذا أنت؟

طالب:……..

أي ما يخالف.

.............

طالب:………

نعم؟

طالب:……..

يعني الابتغاء من فضل الله مع الحج مأذون به شرعاً، هذا جاء الإذن فيه، الغنيمة أيضاً مع الجهاد جاءت فيها النصوص، ومع ذلك أجر من ابتغي من فضل الله مع الحج ليس بمقدار الأجر بالنسبة لمن تمحظت نيته وخلص عمله للحج، وكذلك الغنيمة مع الجهاد فلا بد من الخدش.

السائل اللي سأل وقال: إن رجل تزوج امرأة من بلده واشترطت عليه أن يهاجر معها إلى بلد أخر تقل فيه المنكرات، فهاجر معها هذا لا يخلو من أن يكون اقتنع بالفكرة، وأن البلد الانتقال إليه إلى بلد تقل فيه المعاصي ونوى قبل مباشرة الفعل مثلما نوت أن الأجر واحد وفضل الله واسع، لكن إذا هاجر معها مكرهاً أنا لا أريد أن أترك بلدي، أو ما هو بمقتنع، أو لا فرق بين هذا البلد وبين غيره ولو كثرت المنكرات أو قلت لا فرق مثل هذا لا شك أنه قادح.

يقول: كيف نخرج قصة إسلام أبي طلحة لما أراد الزواج من أم سليم مع الحديث من ذم الهجرة من أجل امرأة؟

لما خطبها أبو طلحة قالت: أنت رجل مشرك وأنا مسلم والإسلام يحرم نكاح المشرك للمسلم، فاشترطت أن يكون مهرها الإسلام فأجاب، يعني لو قبض في هذا الظرف قلنا: إنه أسلم من أجل أن يتزوج، وما دام أنه نطق بالشهادتين فهو مسلم حكماً، وما عدا ذلك فالله -جل وعلا- يتولاه، لكن عاش بعد ذلك فحسن إسلامه وختم له بالخاتمة الحسنى انتهى الإشكال؛ لأن الإنسان قد يدخل في عمل ونيته كما قالوا في طلب العلم: "طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله" فهذا إذا مكن من العيش وانقلبت نيته وحسن حاله واستقر الإيمان في قلبه والعمل الصالح هذا على حسب ما يختم له.

طالب:……..

من هو؟

طالب:……..

أيه لكن لماذا آثر الحج؟ لماذا آثر الحج؟ لأنه قد يكون جهات أخرى أكثر وأنفع له في تجارته، إثاره  للحج مع ما يأتي به من أركانه وشرائطه وواجباته هذا لا شك أن له شأنه عند الله -جل وعلا-.

طالب:……..

ويش فيه؟

طالب:……..

هذا حاج بالفعل، الإشكال فيمن يذهب ليبتغي وجه الله بالتجارة، ويظهر للناس أنه يريد الحج، أما الذي يرد أن يحج هذا له حجه كامل، لكن يبقى أنه ليس كمثل من حج لا يريد إلا الحج، لا ينهزه إلى مكة إلى تلك المواقف إلا الحج، يعني مثلما قلنا فيمن يطوف وفيمن يصوم، يطوف وقد أمر بالمشي أو نصح بالمشي، ينصحه الأطباء بالمشي، أو يصوم وقد نصحه الأطباء بالحمية، صيامه صحيح، طوافه صحيح، لماذا عدل عن الحمية بمجرد الإضراب وترك الطعام عن قصد الصيام الشرعي من كذا إلى كذا، أو الطواف بالبيت سبعاً على الهيئة المشروعة، ما عدل عن المباح إلى هذا إلا لأن نيته التقرب إلى الله -جل وعلا-.

نكمل هذا.

شيخ الإسلام يقول: الزوج المأمور به لا يتم إلا بالأمرين، يعني ما يقول -والله شاب-: أنا الحمد لله عقدت وانتهيت أبي أطلق، امتثلت: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) امتثلت، ولا يقول قائل: إني وطئت فقد تزوجت، ولا علي بالباقي أنا أموت لست بأعزب، نقول: لا أنت أعزب، فلا بد من اجتماع الأمرين في النكاح المطلوب، وتحصل المخالفة بأحدهما في النكاح المنهي عنه، فإذا عُلم أنه يريد الأكل، أو فإذا عَلم أنه يريد الأكل فلا بد أن ينويه، بل لو كلف العباد أن يعملوا عملاً بغير نية كلفوا ما لا يطيقون، لو يقال لإنسان: توضأ للصلاة لكن بدون نية، هل يستطيع أن يتوضأ بدون نية؟ لا يمكن، ولو جيء  به بعد الوضوء إلى الصف وقيل له: صل لكن بغير نية، دعونا من بعض طوائف المبتدعة الذين يصلون ولا يقصدون الصلاة الشرعة وإنما تقية، أو بعض السائقين تجده غير مسلم وهو ينتظر الطلاب يخرجون من المدرسة وبجوارها مسجد والجو حار ثم يدخل إلى المسجد ليصلي مع الناس من أجل التبرد هذا موجود، نعم؟

طالب:……..

ويش نوى؟ نوى يتبرد، المقصود أن مثل هذه الأمور، يعني مرة صلى معنا واحد وإذا  به لا يحسن من الصلاة شيء فقيل له: أنت مسلم؟ فقال: لا بابا مسلم، يعني كفيله مسلم، مثل هذا..، النية حتى لو نوى النية ما تصح منه، إلا أن أهل العلم يقولون: من صلى فهو مسلم حكماً.

بل لو كلف العباد أن يعملوا عملاً بغير نية كلفوا ما لا يطيقون، يقول: وإنما يتصور عدم النية إذا لم يعلم ما يريد، يعني مثل قيل له: اركب، إلى أين؟ الله أعلم، اركب بس، هذا ما يستطيع أن ينوي، إذا لم يعلم مثل من نسي الجنابة واغتسل للنظافة أو للتبرد أو لمن أراد أن يعلم غيره الوضوء، ولم يرد أن يتوضأ لنفسه؛ لأنه قد يعلم ويتوضأ، وقد يعلم ولا يتوضأ، يتوضأ للتعليم دون التقرب، أو من يريد أن يعلم غيره الوضوء ولم يرد أن يتوضأ لنفسه، أو من لا يعلم أن غداً من رمضان فيصبح غير نوي للصوم، أو لم يعلم أن غداً من رمضان فيصبح غير ناوي للصوم، ومن عرف هذا تبين له أن النية مع العلم في غاية اليسر، مع إنها عند الموسوسين في غاية العسر، في غاية العسر، وما ذلكم إلا لشؤم المخالفة، مخالفة الشرع، يعني شخص يأتي في الثامنة صباحاً في الشتاء وصلاة العشاء مضى عليها ثلاثة عشرة ساعة، ثلاثة عشرة ساعة، ويقول: من ذلك الوقت وأنا أحاول أصلي العشاء ولم استطع، يعني في غاية العسر، والدين يسر، يقول شيخ الإسلام: ومن عرف هذا تبين له أن النية مع العلم في غاية اليسر لا تحتاج إلى وسوسة، وأصار وأغلال، ولهذا قال بعض العلماء: الوسوسة إنما تصدر للعبد من جهل بالشرع أو خبل في العقل، فالوسوسة إنما تصدر للعبد من جهل بالشرع أو خبل في العقل.

وقد تنازع الناس هل يستحب التلفظ بالنية؟ فقالت طائفة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد: يستحب، يعني من متأخريهم، يستحب ليكون أبلغ، وقالت طائفة من أصاحب مالك وأحمد: لا يستحب ذلك، بل التلفظ بها بدعة، بل التلفظ بها بدعة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين لم ينقل عن واحد منهم أنه تكلم بلفظ النية لا في صلاة ولا طهارة ولا صيام، قالوا: لأنها تحصل مع العلم بالفعل ضرورة، قالوا: لأنها تحصل مع العلم بالفعل ضرورة، فالتكلم بها نوع هوس وعبث وهذيان، يقول: فالتكلم بها نوع هوس وعبث وهذيان.

والنية تكون في قلب الإنسان، ويعتقد أنها ليست في قلبه، فيريد تحصيلها بلسانه وتحصيل الحاصل محال، تحصيل الحاصل محال، ولذلك يشترطون في الفعل أن يكون معدوماً، يشترطون في الفعل أن يكون معدوماً، أما الموجود فلا يمكن إيجاده، خلاص انتهى، الموجود لا يمكن إيجاده، يعني لو تقول لولدك: صل، قال: صليت، اللهم إلا إذا أريد غير الحقيقة التي يفهمها المخاطب، كما في حديث المسيء: ((صلِ فإنك لم تصلِ)) يقول له: صلِ وقد صلى، يوجد موجود لا الحقيقة تختلف، صلِ صلاة شرعية مجزئة مسقطة للطلب، أما الصلاة التي صورتها في الظاهر صلاة وهي في الحقيقة ليست بصلاة هذه لا تدخل في هذا الكلام.

يقول: والنية تكون في قلب الإنسان ويعتقد أنها ليست في قلبه فيريد تحصيلها بلسانه، وتحصيل الحاصل محال، فلذلك يقع كثير من الناس في أنواع من الوسواس واتفق العلماء على أنه لا يسوغ الجهر بالنية لا لإمام ولا لمأموم ولا لمنفرد، ولا يستحب تكريرها، وإنما النزاع بينهم في التكلم بها سراً هل يكره أو يستحب؟

ويقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في زاد المعاد: فصل: في هدية -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة يقول: كان -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر، ولم يقل شيئاً قبلها، ولا تلفظ بالنية البتة، ولا قال: أصلي لله صلاة كذا، مستقبل القبلة، أربع ركعات، إمام أو مأموم، ولا قال: أداء ولا قضاء ولا قال: فرض الوقت، وهذه عشر بدع لم ينقل أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولا مرسل لفظ واحدة منها البتة، بل ولا عن أحد من أصحابه ولا استحسنه أحد من التابعين ولا الأئمة الأربعة، وإنما غر بعض المتأخرين قول الشافعي -رضي الله عنه- في الصلاة: إنها ليست كالصيام ولا يدخل فيها أحد إلا بذكر فظن أن الذكر تلفظ المصلي بالنية، وإنما أراد الشافعي -رحمه الله تعالى- بالذكر تكبيرة الإحرام ليس إلا، وكيف يستحب الشافعي أمراً لم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاة واحدة؟ ولا أحد من خلفائه وأصحابه؟ وهذا هديهم وسيرتهم، فإن أوجدنا أحد حرفاً واحداً عنهم  في ذلك قبلناه وقابلنهم بالتسليم والقبول، ولا هدي أكمل من هديهم، ولا سنة إلا ما تلقوه عن صاحب الشرع -صلى الله عليه وسلم-.

هنا في كلام ابن القيم -رحمه الله- الذي ذكره عن الشافعي قال: إنها ليست كالصيام، وفي كلام شيخ الإسلام -رحمه الله-: إنما فرق بين الصلاة والإحرام، فرق هنا في كلام ابن القيم إنها ليست كالصيام، يعني فرق بين الصلاة والصيام لأن الصلاة في أولها نطق، وفرق بين الصلاة والإحرام لأن الصلاة في أولها نطق، يعني كلام شيخ الإسلام في المقارنة بين الصلاة والإحرام وفي كلام ابن القيم بين الصلاة والصيام، والمتفق عليه بينهما الصلاة، والمختلف فيه بينهما الصيام أو الإحرام وكذلك سائر العبادات، المقصود الذي يختلف عنها الصلاة، وما عداه من باب التمثيل، الصلاة في أولها نطق، لكن ما المراد بالنطق هنا؟ هل هو الجهر بالنية أو تكبيرة الإحرام؟ نعم؟

طالب:........

لا التلفظ بما يريد أن يهل به، لبيك عمرة، لبيك حج، هذا مثل تكبيرة الإحرام، لكن: "اللهم إني نويت أن أحج فإن حبسني حابس.." يقولها كثير من الناس، اللهم إني نويت أن أدخل في النسك، فإن حبسني حابس..، هذه يكررها كثير من الناس، هذه لا تنفع، هذه بدعة، السيوطي في الأشباه والنظائر ومن مباحث القاعدة الأولى: الأمور بمقاصدها، يقول: المبحث الخامس في محل النية، محلها القلب في كل موضع؛ لأن حقيقتها القصد مطلقاً، وقيل: المقارن للفعل، وذلك عبارة عن فعل القلب، يقول البيضاوي: النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقاً من جلب نفع أو دفع ضر حالاً أو مآلاً، والشرع خصصه بالإرادة المتوجة نحو الفعل لابتغاء رضاء الله تعالى، وامتثال حكمه، والحاصل أن هنا أصلين: الأول: أنه لا يكفي التلفظ باللسان دون القلب، الأول: أنه لا يكفي التلفظ باللسان دونه يعني دون القلب، والثاني: أنه لا يشترط مع القلب التلفظ.

أما الأول فمن فروعه لو اختلف اللسان والقلب فالعبرة بما في القلب، فلو نوى بقلبه الوضوء وبلسانه التبرد صح الوضوء وأما عكسه فلا، يقول: لو اختلف اللسان والقلب فالعبرة بما في القلب فلو نوى بقلبه الوضوء وبلسانه التبرد صح الوضوء وعكسه فلا، طيب أراد أن يقول لأمرته أنت طالق أراد الطلاق فقال: أنت طاهر، نعم؟ العبرة بإيش؟ تطلق وإلا ما تطلق؟ الآن نيته الطلاق.

طالب:........

بأي شيء....؟

طالب:........

هو يستقل عند المقاضاة، هو يستقل عند المقاضاة ويدين  بما في قلبه، والعكس لو أراد أن يقول: أنت طاهر لأن عهده بها وعليها العادة، فقال: أنت طالق تطلق وإلا ما تطلق؟ العبرة بما في القلب، وكذا لو نوى بقلبه الظهر وبلسانه العصر أو بقلبه الحج وبلسانه العمرة أو عكسه صح له ما في القلب، ومنها إن سبق لسانه إلى لفظ اليمين بلا قصد فلا تنعقد ولا تتعلق به كفارة، أو قصد الحلف على شيء فسبق لسانه إلى غيره، هذا في الحلف بالله فلو جرى ذلك في الإيلاء وفي الطلاق أو في العتاق لم يتعلق به شيء باطناً ويدين، يعني إذا قال: نويت كذا فيدين، هذا أمر بينه وبين ربه، نعم ولا يقبل في الظاهر لتعلق حق الغير به، لو أراد أن يقول: أنت طاهر فقال: أنت طالق، فخاصمته يقع الطلاق....، يحكم بما تلفظ به، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

هذا يقول: سؤال ضروري متعلق بالدرس الماضي وهو هل يدخل في مسمى الأنصار كل من ينصر النبي -صلى الله عليه وسلم- قولاً وفعلاً ابتداء أو اقتداء بسنته؟ وما صحة حديث: ((علامة الإيمان حب الأنصار، وعلامة النفاق بعض الأنصار))؟

أولاً: الحديث صحيح في البخاري باب: من الإيمان حب الأنصار، على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، والمراد بالأنصار هم الذين نصروه وهاجر إليهم في المدينة، فتعاهدوا معه وتعاقدوا على أن ينصروه ويقدموه على أنفسهم وأموالهم وأولادهم، وأما النصرة في معناها العام فتشمل كل مسلم؛ لأنه يجب عليه أن ينصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وينصر دينه وينصر سنته، هذا من حيث العموم.