شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (240)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة، الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير،

فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لعلنا فضيلة الشيخ- أحسن الله إليكم- نستكمل بقية الأطراف، بقي معنا بعض الأطراف في الحلقة الماضية في حديث أبي بن كعب.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فقد مضى من الأطراف عشرة وبقي ثلاثة؛ لأن الإمام البخاري خرَّج الحديث في ثلاثة عشر موضعًا.

فالحادي عشر: في كتاب التفسير في باب قول الله -جل وعلا-: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف:62]، إلى قوله: { قَصَصًا} [الكهف:64].

والباب الذي يليه قال: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} [الكهف:63] قال –رحمه الله-: حدثني قتيبة بن سعيد..

الباب الأول ما فيه حديث {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف:62] إلى قوله: {قَصَصًا} [الكهف:64] ما فيه حديث.

ومعروف أنه مما يستدل به، أو مما يورد البخاري -كما جرت عادته- بذلك هذا الحديث؛ لأنه في القصة نفسها، ولذلك أورده في الباب الذي يليه {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} [الكهف:63]، فبدلًا من أن يكرره في البابين، اقتصر على إيراده في الباب الثاني دون الأول، ظاهر أم ليس بظاهر؟

المقدم: ظاهر.

قال –رحمه الله-: حدثني قتيبة بن سعيد، قال: حدثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوفًا البكالي يزعم أن موسى بني إسرائيل ليس بموسى الخضر، فقال: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل» الحديث مطولاً، والمناسبة ظاهرة، يعني في قوله من الحديث لقوله –جل وعلا-: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} [الكهف:63]، ولقوله أيضًا: {فَلَمَّا جَاوَزَا} [الكهف:62]، نعم؛

المقدم: نعم.

 لأنهما مذكوران في الحديث.

والموضع الثاني عشر: في كتاب الأيمان، والنذور في كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسيًا في الأيمان وقول الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب:5]، {قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} [الكهف:73]

انظر إلى الإغراب من الإمام -رحمه الله تعالى- كتاب الأيمان والنذور، إذا حنث ناسيًا في الأيمان، وهل في القصة يمين أو شرط؟

المقدم: شرط.

شرط، باب إذا حنث ناسيًا في الأيمان وقول الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب:5]، وقال أيضًا وقال -جل وعلا-: {لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} [الكهف:73].

المقدم: يمكن قصده أن الشرط من النبي بمنزلة اليمين من غيره؟

ننظر ما قاله أهل العلم، قال –رحمه الله- حدثنا الحميدي، قال حدثنا سفيان، قال حدثني عمرو بن دينار، قال: أخبرني سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس، فقال: حدثنا أبي بن كعب، أنه سمع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: {قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسرًا} [الكهف:73]

قال: «إذ كانت الأولى من موسى نسيانًا» قال ابن حجر: قوله: كانت الأولى من موسى نسيانًا، يعني أنه كان عند إنكاره خرق السفينة كان ناسيًا لما شرط عليه الخضر في قوله: {فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف:70]، فإن قيل: ترك مؤاخذته بالنسيان متجه، وكيف واخذه؟ ترك مؤاخذته بالنسيان متجه، فكيف واخذه؟ الآن هو آخذه، أم ما واخذه ؟ حسب عليه.

المقدم: نعم.

وإن كان ناسيًا.

المقدم: صحيح.

يقول ابن حجر: قلنا: عملًا بعموم شرطه الذي التزمه، فلما اعتذر له بالنسيان علم أنه خارج بحكم الشرع من عموم الشرط، وبهذا التقرير يتجه إيراد هذا الحديث في هذه الترجمة.

ما معنى هذا الكلام؟ واخذه أم ما واخذه؟ وهو ناسٍ، والناسي معروف أن التكليف المؤاخذة لا مؤاخذة، الناسي، والغافل، والساهي، والنائم أثناء التلبس بهذه الأوصاف لا مؤاخذة عليه، ومع ذلك واخذه، ولذا قال: فإن قيل: ترك مؤاخذته بالنسيان متجه، فكيف واخذه؟ قلنا: يقول ابن حجر: قلنا عملاً بعموم شرطه الذي التزمه، فلما اعتذره بالنسيان علم أنه خارج بحكم الشرع من عموم الشرط، وبهذا التقرير يتجه إيراد هذا الحديث في هذه الترجمة.

الترجمة إذا حنث ناسيًا في الأيمان، إذا حنث ناسيًا في الأيمان، الحكم الشرعي حلف ألا يأكل، فأكل ناسيًا، تلزمه كفارة، أم ما تلزمه؟ {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب:5]، ومثله النسيان، {قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} [الكهف:73].

وهنا سياق ابن حجر، فإن قيل: ترك مؤاخذته بالنسيان متجه، فكيف واخذه؟ قلنا: بعموم شرطه؛ لأن النسيان أثره في معاملة الرب –جل وعلا-، في معاملة الخالق لا أثر له، لكن في المعاملة بين الناس، يؤاخذ أم ما يؤاخذ؟

المقدم: يؤاخذ، نعم.

يؤاخذ، من باب ربط الأسباب بالمسببات، عملاً بعموم شرطه الذي التزمه، فلما اعتذر له بالنسيان علم أنه خارج بحكم الشرع من عموم الشرط، يعني ما يقال: إنه أخلف من حيث الإثم، وأما من حيث مؤاخذته فقد واخذه، ولذلك لما حصل منه التكرار ماذا حصل؟ {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78].

المقدم: وبينك.

وبهذا التقرير يتجه إيراد هذا الحديث في هذه الترجمة، فإن قيل: فالقصة الثانية لم تكن إلا عمدًا، فما الحامل له على خلف الشرط؟

قلنا: لأنه في الأولى كان يتوقع هلاك أهل السفينة، فبادر للإنكار، فكان ما كان، واعتذر بالنسيان، وقدر الله سلامتهم.

وفي الثانية: كان قتل الغلام فيها محققًا فلم يصبر على الإنكار، فأنكر ذاكرًا الشرط عامدًا لإخلافه، تقديمًا لحكم الشرع، ولذلك لم يعتذر بالنسيان، وإنما أراد أن يجرب نفسه في الثالثة؛ لأنها الحد المبين غالبًا لما يخفى من الأمور، الشرط الذي بينهما أن لا يسأله عن شيء حتى يحدث له منه ذكرًا.

المقدم: ذكرًا.

سأله عن خرق السفينة، الأولى ناسيًا، الثانية ناسيًا، أم عامدًا؟

المقدم: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} [الكهف:76]

ما صرح بالنسيان.

فإن قيل: فالقصة الثانية لم تكن إلا عمدًا، فما الحامل على خلف الشرط؟

أحيانًا الذهول.

المقدم: فظاعة الأمر الذي أمامه.

نعم.

المقدم: الأمر فظيع الذي أمامه.

نعم الأمر كبير جدًّا، فالذهول متصور.

المقدم: صحيح.

 لكن قصر النسيان على الأولى في قوله –عليه الصلاة والسلام-: «كانت الأولى من موسى نسيانًا» يدل على أن الثانية عمدًا، كانت الأولى من موسى نسيانًا، مفهومه أن الثانية كانت عمدًا، وإلا لم يكن للتنصيص على الأولى فائدة، قلنا؛ لأنه في الأولى كان يتوقع هلاك أهل السفينة، فبادر للإنكار، فكان ما كان، واعتذر بالنسيان، وقدر الله سلامتهم، وفي الثانية كان قتل الغلام فيها محققًا فلم يصبر على الإنكار، فأنكر ذاكرًا الشرط عامدًا لإخلافه، تقديمًا لحكم الشرع، ولذلك لم يعتذر بالنسيان، وإنما أراد أن يجرب نفسه في الثالثة؛ لأن الحد المبين غالبًا، المبين غالبًا لما يخفى من الأمور.

الآن قد يلتزم الإنسان على نفسه شيئًا، ويعد، وقد يحلف، يحلف ألا يعترض، لكن هناك أمور الحنث أفضل من الاستمرار فيها، وإخلاف الوعد فيها أفضل من إنفاذه، لو اتفقت مع شخص، أو اتفق زيد مع عمرو ألا يكشف له سرًّا، وأعطاه العهد والميثاق أن لا يكشف له سرًّا يعني التزم، ووعده بألا يكشف له سرًّا، وحلف على ذلك ألا يكشف له سرًّا، ثم رأى عمرو من زيد أمرًا فظيعًا، إن سكت عليه كانت الآثار مترتبة عليه أعظم من الآثار المترتبة على الخلف في الوعد، أو على الحنث في اليمين، فعلى هذا يحنث ويخلف الوعد؛ لأن الأمر أشد؛ لأن السكوت على هذا السر يترتب عليه آثار أعظم، فعلى هذا يكون إذا حنث تلزمه الكفارة أم لا تلزمه؟ أو هل نقول: لا تلزمه باعتبار قول الله –جل وعلا-: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب:5]

ندخله في الخطأ، أو نقول: هذا عمد، والإخلاف خير من عدمه، والحنث أفضل من عدمه، فيكون داخلًا في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «والله إني لأحلف علي يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير»، يعني إذا كان زيد مثلاً في هذا الأمر الذي طلب من عمرو أن يكتمه عن الناس وأحلفه عليه فيه ضرر متعدٍ، قال له: أنا عندي سر، قال: ما هو؟ قال: لا، لا أخبرك به حتى تعدني أنك لا تظهره، وتحلف على ذلك، فوعده ألا يبوح بسره، وحلف على ذلك، قال: إنه يريد قتل فلان.

المقدم: يبوح.

 لا بد أن يبوح، ولا بد أن يحنث.

فإن قيل: فهل كانت الثالثة عمدًا أو نسيانًا التنصيص على الأولى أنها عمد.. أنها نسيان، والثانية المفهوم أنها عمد، والثالثة...

يقول: قلنا يظهر أنها كانت نسيانًا، وإنما واخذه صاحبه بشرطه الذي شرطه على نفسه من المفارقة في الثالثة، وبذلك جزم ابن التين، وإنما لم يقل: إنها كانت عمدًا؛ استبعادًا لأن يقع من موسى -عليه السلام- إنكار أمر مشروع، وهو الإحسان لمن أساء، والله أعلم.

نعم، يحتمل في الثالثة؛ لأن الأمر فيها إقامة الجدار إحسان، فلا يمكن أن يخلف وعده، لينكر إحسانًا، يخلف وعده لينكر قتل نفس، واضح أم ليس بواضح؟ الفرق بين المسألتين، لكن لا يخلف وعده للإحسان، وإن كان مضطرًا إلى الطعام.

والموضع الثالث: عشر في كتاب التوحيد، والموضع الثالث عشر في كتاب التوحيد، باب في المشيئة والإرادة، في كتاب التوحيد باب في المشيئة والإرادة، وقول الله تعالى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران:26] {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30]، {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف:23]، {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:24]، {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]، هذه الآيات فيها إثبات المشئية والإرادة لله -جل وعلا- على ما هو معروف في مذهب أهل السنًّة والجماعة من إثبات ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام-، الآن أي الآيات تناسب الحديث الذي معنا؟

 أولاً: كتاب التوحيد، المشئية والإرادة، وهذا من المشيئة والإرادة من توحيد إيش؟ الأسماء والصفات، الآيات قوله -جل وعلا-: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران:26]، قوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30]، {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف:23]، {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:24]، {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]، هل في الحديث ما يناسب الترجمة؟

قال -رحمه الله-: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أبو حفص عمرو، هو ابن أبي سلمة التنيسي، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه تمارى هو، والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى أهو خضر؟ فمر بهما أبي بن كعب الأنصاري فدعاه ابن عباس، فقال: إني تماريت أنا وصاحبي في هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه، هل سمعت الرسول -صلى الله عليه وسلم- يذكر شأنه؟ قال: نعم... الحديث.

الآن الآيات الترجمة المشيئة والإرادة، والآيات التي أوردها كلها تثبت المشيئة والإرادة، والحديث فيه، يعني كما يقول ابن حجر المراد منه قوله فيه حكاية عن موسى {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف:69]، {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} ففيه إثبات المشيئة لله -جل وعلا-؛ لأنه قد يتصور متصور أن القصة في سورة الكهف، والآية: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلا أن يشاء الله} [الكهف:23]، هنا ارتباط بين الحديث، وهذه الآية.

المقدم: قد يتصور هذا.

قد يتصور هذا؛ لأن القصة والآية في سورة الكهف، لكن هل هناك...؟

نعم، الرابط بين جميع الآيات، والحديث وجود المشيئة المترجم بها، فالآيات كلها مطابقة للترجمة، والحديث أيضًا مطابق؛ لأن فيه قول موسى: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف:69]، كثيرًا ما يقول أهل العلم حكاية عن موسى يقول الله قوله -جل وعلا- حكاية عن موسى، حكاية عن فلان.

معروف أن مذهب الأشاعرة أن القرآن حكاية عن كلام الله -جل وعلا-، فهل في قولهم: حكاية عن موسى ارتباط بقول الأشعرية، أو ما فيه ارتباط ؟ يعني لو قال واحد منا: يقول الله –جل وعلا- حكاية عن آدم....

المقدم: المستقر من مذهب الأشاعرة أنه حكاية أم عبارة يا شيخ؟

المقصود أنه سواء حكاية أو عبارة لهم أو للماتريدية.

المقدم: الماتريدية.

ما فيه إشكال، لكنه قول من أقوال المبتدعة.

المقدم: نعم.

 فهل في قولهم حكاية عن موسى فيه محظور؟

المقدم: إقرارا لهؤلاء.

 نعم.

المقدم: نعم.

 أو نقول: يترك؛ لأن فيه قول مشابهة، ولو فيه إطلاق اللفظ، وإن كان المراد هنا غير المراد هناك

المقدم: صحيح.

يعني إذا قال.

المقدم: المراد مختلف واضح.

مختلف، لاسيما إذا كان الإطلاق ممن عرف باقتفاء السلف الصالح في مذهبهم الصحيح في إثبات ما أثبته الله لنفسه، ومن ذلك صفة الكلام، إذا عرف عن الشخص أنه يثبت جميع ما أثبته الله لنفسه، ثم قال حكاية، لا يظن به أنه يشابه المبتدعة، لكن من باب الاتفاق اللفظي، يقال: نعدل عن هذه الكلمة.

المقدم: نعم.

 يعني لو قال مثلًا: شيخ الإسلام أو ابن القيم في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «والذي نفسه بيده»، معروف أن شيخ الإسلام، وابن القيم على مذهب أهل السنًّة والجماعة يثبتون اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله، وعظمته، لكن لو قال واحد منهما، والذي روحي في تصرفه، ونحن نعرف أن ابن القيم وشيخ الإسلام ما فروا من إثبات اليد.

المقدم: صحيح.

 وقد يفسر الشيء بلازمه عند من يثبت حقيقة ما يثبته النص، لكن لو قال مثلاً ابن حجر أو النووي الثاني، والثالث من الشراح روحي في تصرفه قلنا: فرارًا من إثبات الصفة، وليس هذا من المكيال بمكيالين، يعني نعتذر عن فلان، ونعتذر عن فلان هذا صراحة قوله...

المقدم: صحيح.

 تدل على ذلك، النووي صراحة قوله يؤول اليد، وشيخ الإسلام وابن القيم صراحة قوله...

المقدم: يثبت اليد.

 يثبت اليد نعم، وكل ما كان فيه مشابهة لأقوال المبتدعة، ولو من بعد، ولو لم يقصد ينبغي اجتنابه، ولو كانت المشابهة لفظية دون المعنى، وفيه إشارة يقول: المراد منه قوله فيه حكاية عن موسى {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف:69]، وفيه إشارة إلى أن قول ذلك يرجى فيه النجح، ووقوع المطلوب غالبًا، يعني ربط القول بالمشيئة، سليمان -عليه السلام- لما قال: أنه يطأ تسعة وتسعين امرأة كل واحدة منهن تلد غلامًا يجاهد في سبيل الله.

المقدم: ما قال: إن شاء الله.

ما قال: إن شاء الله، ولقنه الملك ما قال، فما ولدن إلا واحدة جاءت بشق، نصف ولد، ولو قال: إن شاء الله لرجي النجح، ولذا قال: وفيه إشارة إلا أن قوله ذلك يرجى فيه النجح، ووقوع المطلوب غالبًا.

الفقهاء الحنابلة يعلقون على كلام صاحب الروض، في قوله: وما أبين من حي فهو كميتته، قال صاحب الروض: "وما أبين من حي فهو كمييته إلا مسك في فأرته، والطريدة"، وستأتي في كتاب الصيد، ما جاءت.

قال المعلقون: لو قال: إن شاء الله لغلب على الظن أنها تلد، وفيه هنا شرط؛ لأن قول ذلك يرجى فيه النجح، ووقوع المطلوب غالبًا، وقد يتخلف ذلك إذا لم يقدر الله وقوعه، يعني لحصول مانع.

هذه الآية، آية الكهف {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلا أن يشاء الله} [الكهف:23]، ذكر الصاوي في حاشيته على الجلالين كلام تحت تفسير هذه الآية في غاية الشناعة، يعني نبه عليه، ويحذر منه، الصاوي حاشيته على الجلالين ذكر تحت هذه الآية يقول: ولا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة، ولا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة، ولو خالفت الكتاب، والسنًّة، وقول الصحابي.

المقدم: أعوذ بالله.

 ولو خالفت الكتاب، والسنًّة، وقول الصحابي؛ لأن العمل بظواهر النصوص من أصول الكفر، نسأل الله العافية، كلام شنيع جدًّا.

المقدم: في تفسير الجلالين.

 في حاشية تفسير الجلالين الصاوي، وله أيضًا هفوات، له فيه هفوات، المقصود أن هذه من أعظمها، نسأل الله العافية، وله أيضًا في باب التصوف، وفي باب التأويل له هفوات كثيرة، المقصود أن إقحام مثل هذه الأمور الأشياء المستشنعة المستبشعة في تفسير كلام الله –جل وعلا- هذا أمر لا يقبل.

 وهذا الحديث خرجه الإمام مسلم، فهو متفق عليه.

المقدم: قال -رحمه الله تعالى- عن أبي موسى -رضي الله عنه-، قال جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال يا رسول الله: ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضبًا، ويقاتل حمية، فقال: «من قاتل؛ لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».

 راوي هذا الحديث أبو موسى الأشعري، عبد الله بن قيس بن سليم، صحابي مشهور، مات سنة خمسين، تقدم ذكره في الحديث السبعين.

 وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب من سأل وهو قائم عالمًا جالسًا، باب من سأل وهو قائم عالمًا جالسًا.

 وأيش؟ ما الرابط بين الحديث والترجمة؟

المقدم: قد يكون ما ظهر لنا، قد يكون الرجل واقفًا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- جالس.

هذا مصرح به في الصحيح في نفس الموضع.

المقدم: نعم، لكن ليس عندنا.

حذفه المختصر.

المقدم: نعم.

 ولذلك كون المختصر لا يذكر تراجم حقيقة، يعني إدخاله في كتاب العلم بهذه الصيغة التي أوردها المؤلف، وحذف ما يدل عليها الحديث...

المقدم: خطأ.

 خطأ بلا شك.

الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب من سأل وهو قائم عالمًا جالسًا، قال ابن حجر: وهو قائم جملة حالية عن الفاعل، وقوله: عالمًا المفعول، وجالسًا صفة له، والمراد أن العالم الجالس إذا سأله شخص قائم لا يعد من باب من أحب أن يتمثل له الرجال قيامًا.

المقدم: صح.

والمراد أن العالم الجالس إذا سأله شخص قائم لا يعد من باب من أحب أن يتمثل له الرجال قيامًا، بل هذا جائز بشرط الأمن من الإعجاب -قاله ابن المنير-، والشاهد من الحديث مما حذفه المختصر، ففي الأصل لما سأله الرجل رفع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- رأسه، رفع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- رأسه قال: وما رفع إليه رأسه، إلا أنه كان قائمًا.

المقدم: نعم.

يعني لو كان جالس ما احتاج أن يرفع له رأسه.

المقدم: ما احتاج أن يرفع له رأسه.

 والقائل ما رفع إليه رأسه وظاهره أنه أبو موسى، ويحتمل أن يكون ممن دونه، فيكون مدرجًا في أثناء الخبر، تقدم لنا نظير هذا الاستنباط، تقدم أكثر من مرة، استنباط قريب من هذا في قول الله –جل وعلا- في ترجمة البخاري باب النظر إلى السماء.

المقدم: نعم.

 باب النظر إلى السماء.

المقدم: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17]

وإيرادها {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17]؛ لأنه إذا نظر إلى الإبل فلا بد أن يرفع رأسه، سواء كان جالسًا أو قائمًا بالنسبة.. لأنها أرفع منه، فالذي يرفع رأسه إنما هو من هو أخفض من المنظور إليه.

المقدم: صحيح.

 وفي عمدة القاري قريب مما ذكره الحافظ، ثم قال: وجه المناسبة بين البابين من حيث إن في كل منهما سؤالًا عن العالم، وهذا لأن في الأول سؤال موسى عن الخضر، وفي هذا سؤال العالم، سؤال المتعلم عن العالم الجالس؛ لأن في كل منهما سؤالًا عن العالم؛ وذلك لأن في الأول سؤالًا موسى عن الخضر، وفي هذا سؤال عن العالم الجالس.

المقدم: نعم.

 يعني كلاهما فيه سؤال.

المقدم: فيه سؤال.

 نعم، لكن أقول هذا الاستنباط، والربط بين سؤال موسى عن الخضر، موسى بحث عن الخضر يعني لو كان المراد ما ذكره العيني أورد البخاري -رحمه الله تعالى- من يقول: أين ابن عبد المطلب؟ أين محمد؟ أين رسول الله؟ هذا الذي يسأل عن العالم أما الذي جعل سؤال للعالم، لا عنه.

المقدم: لا عنه عن أمر معين.

لا عنه نعم.

المقدم: جيد، نكتفي بهذا شيخنا على أن نستكمل ما تبقي في الحلقة القادمة..

أيها الإخوة والأخوات، سوف نستكمل بإذن الله هذا الحديث في الحلقة القادمة، وأنتم على خير

شكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.