شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (171)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم" شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح" يسرنا مع مطلع هذه الحلقة أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.    

المقدم: لازلنا أيها الإخوة، والأخوات في حديث أبي موسى في باب تعليم الرجل أمته وأهله، توقفنا عند لفظة: «وآمن بمحمد-صلى الله عليه وسلم-» يا شيخ نبدأ بها لو تكرمت.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله، وسلم، وبارك على عبده، ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

قوله في الحديث: «وآمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم-»، ولفظ الحديث هنا «رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، وآمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم-»، واللفظ لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في بعض الألفاظ، «وآمن بي».

المقدم: بي؟

فكونه رتّب له الأجران على إيمانه بنبيه، وإيمانه بمحمد -صلى الله عليه وسلم- فهذا الأجر أحدهما على اتباعه لنبيه، والثاني على اتباعه لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومقتضى إيمانه بنبيه إيمانه بأن محمدًا- صلى الله عليه وسلم- هو الموصوف في كتابه المنزل على نبيه. يعنى هل مجرد الإيمان، والتصديق كافٍ في ذلك قبل بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لو افترضنا أن يهوديًّا آمن بموسى، ومن مقتضى الإيمان بموسى الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وأنه سيبعث، وأن هذه أوصافه وقل مثل هذا في النصارى، يكفي هذا؟ أو قوله: «ثم آمن بي»، أو «آمن بي» يعنى دخل في اتباعي بعد بعثتي؛ لأن مجرد الإيمان الإجمالي به -عليه الصلاة والسلام- قبل بعثته من مقتضيات إيمانه بنبيه، إذ لو لم يؤمن بالنبي محمد- عليه الصلاة والسلام- من الإيمان الإجمالي على حسب ما جاء عندهم لم يكن مؤمنًا لا بعيسى، ولا بموسى -عليهما السلام-.

يقول القسطلاني: مؤمن أهل الكتاب لابد أن يكون مع إيمانه بنبيه مؤمنًا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- للعهد المتقدم، والميثاق في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِين} [سورة آل عمران: 81]، المفسر بأخذ الميثاق من النبيين، وأممهم مع وصفه تعالى له في التوراة والإنجيل، فإذا بُعث- صلى الله عليه وسلم- فالإيمان به مستمر، يقول: فإن قلت: فإذا كان الأمر كما ذكرت، فكيف تعدد إيمانه حتى تعدد أجره؟  إذا كان الإيمان بمحمد -عليه الصلاة والسلام- من مقتضيات الإيمان بموسى، وعيسى، فكيف تعدد إيمانه حتى تعدد أجره؟ أجيب بأن إيمانه أولًا تعلق بأن الموصوف بكذا رسول، وإيمانه ثانيًا تعلق بأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- هو الموصوف بتلك الصفات فهما معلومان متباينان، فجاء التعدد، كذا قال، يعني كأنه يقول إيمانه في وقت نبيه من غير تسمية.

المقدم: نعم.

هذا الذي يأتي.. هذا الموصوف رسول، ثم بعد ذلك إيمانه بمحمد الإيمان بالتسمية، وأن هذه الأوصاف لرسول يسمى..

المقدم: محمد.

محمد، لكن هل هذا متجه؟ يقول: فهما معلومان متباينان فجاء التعدد، التسمية جاءت حتى في الشرائع السابقة، ولذا يقول عيسى -عليه السلام-: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [سورة الصف:6] نقول: كذا قال، والذي يظهر لي أن إيمانه بمحمد -صلى الله عليه وسلم- في زمن نبيه إجمالي، وإيمانه به بعد بعثته تفصيلي. كإيماننا ببعض الأنبياء الذين لا نعرف عنهم إلا الأسماء، أو نعرف شيئًا من أمورهم حسب ما ورد في شرعنا عنهم الإيمان إجمالي هل يلزمنا البحث؟ هل من مقتضى إيماننا بموسى، وعيسى أن ندرس شرائعهم؟

المقدم: أبدًا.

شرائعهم منسوخة بدين، لكن من مقتضى ذلك، ومن شرط صحة الإيمان، بل ركن من أركانه أن نؤمن بهما، وبغيرهما ممن عرفناه من الأنبياء، والعبد المملوك هذا هو الثاني من الثلاثة، والمراد جنس العبد المملوك. قال الكرماني: ووصف بالمملوك.. لو قيل، والعبد يدخل فيه العبيد والأحرار؛ لأن كلهم عبيد، وصف بالمملوك؛ لأن جميع الأناسي عباد الله، فأراد تمييزه بكونه مملوكًا للناس، يقول أيضًا الكرماني: فإن قلت، وهذه ميزته إيراد..

المقدم: الإشكالات.

الإشكالات، والإجابة عنها، والعيني ينقلها بحروفها، وقد لا يعزوها في كثير من الحالات. فإن قلت: هذا مخالف لسابقه، ولاحقه؛ لوجهين من جهة التنكير، والتعريف، ومن جهة زيادة كلمة (إذا)، والظاهر أن يقال: عبدٌ، أو رجل مملوك أدى حق الله؛ لكي تكون الثلاثة على وتيرة واحدة، نعم هناك قال: «رجل من أهل الكتاب».

المقدم: «ورجل كانت عنده أمة»

«ورجل كانت عنده أمة»، وقال بينهما: «والعبد».

المقدم: «المملوك».

«المملوك» هذا مخالف لسابقه ولاحقه؛ لوجهين من جهة التنكير، والتعريف، ومن جهة زيادة كلمة (إذا)، والظاهر أن يقال عبد يعنى بالنسبة للسياق أن يقال: عبد، أو رجل مملوك أدى حق الله إلى آخره. قلت-الكرماني-: أورد هذا الإشكال ثم أجاب عنه بقوله قلت: لا مخالفة عند التحقيق؛ إذ المعرَّف باللام الجنسية مؤداه مؤدى النكرة، العبد من صيغ العموم؛ لأن "أل" هذه جنسية.

المقدم: جنسية.

والنكرة اسم شائع في جنسه، فالمؤدى واحد. قلت: لا مخالفة عند التحقيق إذ المعرف باللام الجنسية مؤداه مؤدى النكرة، وكذا لا مخالفة في دخول (إذا)؛ لأن (إذا) للظرف، «وآمن» حال، والحال في حكم الظرف؛ إذ معنى جاء زيد راكبًا جاء في وقت الركوب، وفى حاله، نعم أورد إشكالًا يدل على التفريق ثم..

المقدم: جمعها.

 جمعها، وحمل بعضها على بعض، أو تقول خالف بينهما -يعني جواب ثانٍ- خالف بينهما؛ إشعارًا بفائدة عظيمة، وهي أن الإيمان بنبيه لا يفيد في الاستقبال للأجرين، بل لابد من الإيمان في عهده حتى يستحق أجرين بخلاف العبد فإنه في زمان الاستقبال أيضًا يستحق الأجرين بلفظ (إذا) الدالة على معنى الاستقلال الاستقبال.

المقدم: هذا بناء عن رأيه الذي أشرنا إليه.

سابقًا. نعم، يقول ابن حجر: هو غير مستقيم؛ كلامه غير مستقيم.

 المقدم : نعم.

إشكاله أصلًا غير وارد. نعم يرد بالنسبة لمعرفته هو، وما اطلع عليه. يقول: هو غير مستقيم؛ لأنه مشى فيه مع ظاهر اللفظ الذي عنده، والذي يشرحه، والذي بين يديه، وليس متفقًا عليه بين الرواة، بل هو عند المصنف، وغيره مختلف فقد عبر في ترجمة عيسى ب(إذا) في الثلاثة. في ترجمة عيسى ب(إذا) مؤثرة عنده في الإشكال؟

المقدم: أبدًا.

وأجاب عنها يقول: بل هو عند المصنف، وغيره مختلف فقد عبر بترجمة عيسى ب(إذا) في الثلاثة مواضع كلها ب(إذا)، وعبر في النكاح بقوله: أيما رجلٍ في المواضع الثلاثة، فإشكال الكرماني في التفريق بين العبد المملوك، وما قبله، وما بعده.

المقدم: في رواية واحدة.

في الرواية التي بين يديه، وغفل عن الروايات السابقة، وعن الروايات اللاحقة في أحاديث الأنبياء، في صفة عيسى، في ترجمة عيسى، وفى كتاب النكاح، وعبر في النكاح بقوله: أيما رجل في المواضع الثلاثة، وهى صريحة في التعميم، وأما الاختلاف بالتعريف، والتنكير فلا أثر له هنا؛ لأن المعرف بلام الجنس مؤداه مؤدى النكرة، والله أعلم.

تعقّبه العيني، تعقب ابن حجر، وانتصر للكرماني، تعقبه العيني بقوله: ليس قصد الكرماني ما ذكر، وإنما قصده بيان النكتة في ذكر أفراد الثلاثة المذكورة في الحديث، وإنما قصده بيان النكتة في ذكر أفراد الثلاثة المذكورة في الحديث بمخالفة الثاني الأول والثالث، حيث ذكر الأول بقوله: «رجل من أهل الكتاب»، والثالث بقوله: «ورجل كانت عنده أمة»، وذكر الثاني بقوله: «والعبد المملوك» بالتعريف فخالف الأول، والثالث في التعريف، والتنكير، وأيضًا ذكر الثاني بكلمة (إذا) حيث قال: «إذا أدى حق الله، وحق مواليه» وكان مقتضى الظاهر أن يذكر الكل على نسق واحد بأن يقال: وعبد مملوك، أو رجل مملوك، ثم أجاب عن ذلك، أورد الإشكال، وأجاب عنه، ثم أجاب عن ذلك بأنه لا مخالفة عند التحقيق، فيعني أن المخالفة بحسب الظاهر، ولكن في نفس الأمر لا مخالفة، ثم بيَّن ذلك بقوله: إذ المعرّف بلام الجنس مؤداه مؤدى النكرة، وكذا لا مخالفة في دخول (إذا)؛ لأن (إذا) للظرف، (وآمن) حال، والحكم والحال في حكم الظرف يعنى كلام الكرماني السابق أجاب عن كلامه بكلامه، إذ معنى جاء زيدٌ راكبًا في وقت الركوب، وفي حاله يقول العيني وتعليل هذا القائل.

 المقدم: يقصد العيني.

 يعنى ابن حجر، وتعليل هذا القائل قوله: وهو غير مستقيم بقوله: لأنه مشى مع ظاهر اللفظ غير مستقيم، تعليل هذا القائل كلام العيني يريد ابن حجر قوله: وهو غير مستقيم بقوله: لأنه مشى مع ظاهر اللفظ غير مستقيم؛ لأن بيان النكات بحسب ما وقع في ظواهر الألفاظ، والاختلاف من الرواة في لفظ الحديث لا يضر دعوى الكرماني من قوله: إن الأجرين لمؤمني أهل الكتاب؛ يعني لو جئنا مثلًا في القرآن، في القرآن في سورة الأنعام مثلًا في قوله -جل وعلا-: {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} [سورة الأنعام:99] يعنى؛ لو جاء أحد من المفسرين، وأراد أن يبين ما النكتة في كون الرمان منه المشتبه، وغير متشابه، لماذا ما قال مشتبهًا، وغير مشتبه؟

المقدم: أو متشابه، وغير متشابه.

 نعم جعلهما لفظًا واحدًا.

المقدم: لفظًا واحدًا.

فأراد أن يعلل، وأوجد عللًا لهذا، هل يستدرك عليه بقوله فيما بعد: {وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} [سورة الأنعام: 141].

 المقدم: في موضع آخر من نفس السورة. 

في موضع آخر بنفسها، التنظير مطابق لما عندنا، أم لا؟

المقدم: صحيح جدًّا مطابق.

 نعم هل يلام الذي يوجد سببًا لاختلاف اللفظين في الموضع الأول؛ لأنه جاء في الموضع الثاني بلفظ واحد؟

المقدم: لا، ما يلام.

ما يلام، وكل هذا من باب دراسة النصوص دراسة دقيقة، وإيجاد مخارج لما يوجد من بعض الإشكالات، وعلى كل حال يقول: لأن بيان النكات بحسب ما وقع في ظواهر الألفاظ، والاختلاف من الرواة في لفظ الحديث لا يضر دعوى الكرماني من قوله: إن الأجرين لمؤمني أهل الكتاب لا يقع في الاستقبال، أما وقوع (إذا) في الثلاثة، وإن كانت (إذا) الاستقبال فهو أن حصول الأجرين مشروط بالإيمان بنبيه ثم بنبينا -صلى الله عليه وسلم-، وقد قلنا: إن بالبعثة تنقطع دعوة غير نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فلم يبقَ إلا الإيمان بنبينا- عليه الصلاة والسلام-، فلم يحصل الأجران، فلم يحصل إلا أجر واحد؛ لانتفاء شرط الأجرين، وأما وقوع أيما، وإن كانت تدل على التعميم صريحًا فهو في تعميم جنس أهل الكتاب، في تعميم جنس أهل الكتاب، ولا يلزم من تعميم ذلك تعميم الأجرين، فهو في حق أهل الكتاب أقول توضيحًا لذلك يعنى؛ ما ذكرنا من كلام الكرماني، واستدراك ابن حجر عليه، الكرماني أورد إشكالات ترد على هذه الرواية بغض النظر عن الروايات الأخرى، ابن حجر استدرك عليه بأنه لماذا نتكلف الإجابة عن إشكالات وردت في رواية هي محلولة بروايات أخرى؟ لماذا لا نرد الإشكال إشكال النص بنص؟ فأقول انتصارًا للعيني... الكرماني لا شك أن له وجهه، وأيضًا كلام ابن حجر له وجه، فأقول: ابن حجر يرى أن ما كان مرده إلى اختلاف الرواة الحديث واحد، ومخرجه واحد، فلا يقال النبي  -عليه الصلاة والسلام- مرة قاله كذا، ومرة قاله كذا، إنما سبب الاختلاف اختلاف الرواة، فابن حجر يرى أن ما كان مرده إلى اختلاف الرواة لا يتكلف اعتباره ولا تقريره، ولا الجواب عنه، هذا ما رأى.. مفاد كلام..

المقدم: ابن حجر.

ابن حجر، لكن مثل هذا قد لا يتسنى لكل أحد؛ لأن مقتضى هذا أننا لا نُقْدِم على شرح حديث حتى نجمع جميع طرق الحديث، وألفاظ الحديث ليحل بعضها بعضًا، نعم أولى ما يفسر به الحديث الحديث، وأيضًا جمع الطرق تبين لنا العلل، فالباب إذا لم تجمع طرقه لا يتبين خطأه كما يقول أهل العلم، وإذا جمعنا الطرق، والألفاظ تبين لنا حل كثير من الإشكالات، هذه وجهة نظر ابن حجر، لكن هل يتسنى هذا لكل أحد؟

المقدم: أبدًا.

نعم إذا تسنى للحافظ لا يتسنى للكرماني، ولا يتسنى للعيني؛ لأن الحافظ على اسمه ما سمي حافظًا إلا لأنه يحفظ من السنة شيئًا قد لا يدركه أكثر من ينتسب إلى الصنعة، لكن مثل هذا قد لا يتسنى لكل أحد، فالحافظ على اطلاع واسع يمكنه من معرفة اختلاف الرواة في البخاري، وغيره مما لا يوجد مثله عند الكرمانى، ولا عند العيني، أحيانًا الكرماني يستدرك، أو يستنبط من حديث في البخاري يرده حديث في البخاري، حتى قال ابن حجر في بعض المواضع: إن هذا جهل بالكتاب الذي يشرحه، الكرمانى ليست صنعته الحديث، ولا العيني، وإن شارك في الحديث ما هو مثل ابن حجر، ليسا مثل ابن حجر أبدًا.

أقول: لكن مثل هذا قد لا يتسنى لكل أحد، فالحافظ على اطلاع واسع يمكنه من معرفة اختلاف الرواة في البخاري، وغيره مما لا يوجد مثله عند الكرمانى، ولا عند العيني أيضًا، وجرت عادة الشراح إيجاد إشكالات، والإجابة عنها تلقيحًا لفهوم الطلاب، يورد إشكالًا مع ذلك ما عندك جواب، فلمَ تقوله؟ ما هو بإشكال، إذا كان إشكالًا محلولًا جوابه معروف هل يسمى إشكالًا؟ إذا كان إشكالًا محلولًا فما له قيمة، لكن بعضهم يورد مثل هذا الإشكال، ويجيب عنه، يعنى مثل ما يصنع الكرماني وغيره. جرت عادة الشراح إيجاد الإشكالات، والإجابة عنها؛ تلقيحًا لفهوم الطلاب، وتفتيحًا لقرائحهم، ويوجد هذا عند المفسرين كثيرًا؛ ليكون الطالب على علم بالإشكالات قبل إيرادها، فيتمكن من الجواب عنها.

 افترضنا أن طالبًا ما تربى على هذه الطريقة، فأورد عليه إشكال، فهل يستطيع أن يحله؟ لا، ما يمكن، لكن إذا تربى على هذه الطريقة، فأورد عليه إشكال لم يسمعه قبل، عنده ملكة، تكون لديه ملكة يستطيع أن يحل بها الإشكال، وإن لم يرد عليه قبل ذلك؛ لأن له نظائر تقدمت، ومرت به، فيتمكن من الجواب عنها، وليكون على دربة تامة، وخبرٍة في إجابة الشبه، والإشكالات التي قد تورد على بعض الآيات، وبعض الأحاديث مع أن هذه الطريقة قد تشغل كثيرًا من المتعلمين عن الأمور المهمة، وقد يتعب وراءها، ولا يدرك شيئًا لضعف في فهمه، فمثل هذا ينبغي أن يوجه إلى حفظ النصوص، واستنباط ما ظهر من أحكامها، وترك ما خفي من أحكام، وإشكالات للأذكياء من الطلاب.

 ولا شك أن العلم يدل بعضه على بعض.  ظاهر؟ يعنى ينبغي أن يوجد طلبة من النبهاء يمرنون على مثل هذا؛ لأن الإشكالات إن لم ترد من الموافق وردت من المخالف، نعرف أن هناك إشكالات يتمسك بها بعض المبتدعة في بعض الآيات المشتبهات، وبعض الأحاديث التي ظاهرها مع بعض التعارض، هل يعنى هذا أننا نتركها حتى يرد علينا من يولد الإشكال ثم لا نستطيع الجواب عنه؟ لا نتأهب للخصم قبل الخصومة؟

 «إذا أدى حق الله تعالى» مثل الصلاة، والصيام، «وحق مواليه» مثل خدمته مثل الخدمة، والمولى مشترك بين المعتِق، والمعتَق، وابن العم، والناصر، والجار، والحليف، وكل من ولي أمر أحد، والمراد هنا السيد؛ إذ هو المتولي لأمر العبد، والقرينة المعينة له لفظ العبد.

المقدم: إذ تطلق على المعتِق، والمعتَق؟

 نعم.

المقدم: مولى آل فلان.

نعم.

المقدم: يعنى عبده؟

 نعم مولى، والبخاري مولاه؛ لأنه أسلم على يديه.

 المقدم: وهنا المولى المراد به السيد.

الموالي جمع مولى، والمراد به السيد؛ لأنه في مقابل العبد. هل يمكن العبد إذا أدى حق الله، وحق مواليه يعنى جيرانه؟

 المقدم: لا.

ما يمكن، إلى آخره. قاله العيني، وقبله الكرمانى بحروفه، ثم قال: فإن قلت: لمَ لا يُحمل على جميع المعاني، العبد في الحديث يُحمل على جميع المعاني الواردة كما هو مذهب الشافعي -رحمه الله- إذ عنده يجب الحمل على جميع معانيه غير المتضادة؟ قلت: ذلك عند عدم القرينة، أما عند القرينة فيجب حمله على ما عينته القرينة اتفاقًا، على ما عينته القرينة اتفاقًا، وقال: فإن قلت: لما عدل عن لفظ المولى إلى لفظ الموالى من المفرد إلى الجمع؟ قلت: لما كان المراد من العبد الجنس جنس العبيد جُمع حتى يكون عند التوزيع لكل عبد مولى؛ لأن مقابلة الجمع بالجمع، أو ما يقوم مقامه من الجنس مفيدُة للتوزيع، العبد إذا أدى حق مواليه، العبد جنس يشمل جميع العبيد، والموالي جمع، فإذا قلنا هذا في حكم الجمع..

المقدم: هذا يُقابل هذا.

هذا يقابل هذا، فيقتضى أن لكل مولىً عبدًا، كما في ركب القوم دوابهم يعنى كل واحد منهم ركب دابته مقابلة الجمع بالجمع تقتضى القسمة أفرادًا كما يقرر أهل العلم، أو أراد أن استحقاق الأجرين إنما هو عند أداء جميع حقوق مواليه لو كان مشتركًا بين طائفٍة مملوكًا لهم، فإن قلت: فأجر المماليك على هذا ضعف أجر السادات، له أجران، أجر المماليك ضعف أجر السادات مفهوم؟ من خلال الحديث؟ ممكن؟

 المقدم: ومن خلال الحديث يعنى الإشارة للعبد أن من الممكن أن يكون له أجران، لكن لا يعنى هذا ألا يكون للأسياد..

لكن الحر له أجران؟

 المقدم: هنا لم يذكر.

 وليس له أجران من هذه الحيثية.

المقدم: نعم.

 فإن قلت: فأجر المماليك ضعف أجر السادات. قلت: لا محظور في التزام ذلك، أو يكون أجره ضُعِف من هذه الجهة، وقد يكون للسيد جهات أُخر يستحق فيها أضعاف أجر العبد.

المقدم: مثل الإحسان إليه.

 أو المراد ترجيح العبد المؤدي للحقين على العبد المؤدي لأحدهما، يعنى مفاضلة بين عبد مؤدٍ، وعبد ما أدى، لا بين عبد وحر. لكن هل قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «له الأجر مرتين» يقتضى التفضيل مطلقًا؟ يعنى أما الذي أعاد الوضوء، والصلاة له أجران، والذي لم يعد أصاب السنة، أيهما أفضل؟ الذي أصاب السنة أفضل، وأيضًا الذي يقرأ القرآن، ويتتعتع فيه له أجران، والذي يقرأه، والماهر فيه..

المقدم: مع السفرة.

مع السفرة، يعنى ما يلزم أن يكون كونه له أجران أن يكون أفضل من غيره. فإن قلت: فعلى هذا يلزم أن يكون الصحابي الذي كان مملوكًا كتابيًّا مملوكًا، وكتابيًّا يكون له أربعة أجور.

المقدم: نعم.

أجره زائد على أجر أكابر الصحابة، وذلك باطل بالإجماع، قلت: الإجماع- يقول العيني، الكرماني- قلت: الإجماع خصصهم، وأخرجهم من ذلك الحكم، ويُلتزم ذلك في كل صحابي، لا يدل دليل على زيادة أجره على من كان كتابيًّا. فيه كلام حول التفضيل المطلق يتسع الوقت له؟

 المقدم: لعلنا نرجئه يا شيخ إذا أذنتم إن شاء الله للحلقة القادمة.

 أيها الإخوة والأخوات، لعلنا نكتفي بهذا على أن نعد الإخوة والأخوات باستكمال الموضوع، وبالذات أننا توقفنا عند التفضيل المطلق بالنسبة للمولى، أو العبد، والحر.

 شكر الله لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير على ما بيَّنه في هذه الحلقة، شكرًا لكم أنتم، لقاؤنا بكم بإذن الله في حلقة قادمة.

 والسلام عليكم، ورحمة الله، وبركاته.