شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب صلاة التراويح وفضل ليلة القدر (عام 1428 هـ) - 25

 

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين. أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب الصوم، من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. في بداية هذه الحلقة نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: لازلنا في حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- عند خطبته- صلى الله عليه وسلم- في قوله: «إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ..» نستكمل، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد:

ففي حديث أبي سعيد قال: "اعْتَكَفْنَا مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَخَطَبَنَا وَقَالَ:" يعني قال في خطبته: «إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا»، «إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» بضم أوله على البناء لغير معين، وهي من الرؤيا أي أعلمت، أو من الرؤية أي أبصرتها وإنَّما أُرِيَ علامتها، وهي السجود في الماء والطين كما وقع في رواية همام المشار إليها بلفظ: «حتى رأيت أثر الماء والطين على جبهة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تصديق رؤياه».

«ثُمَّ أُنْسِيتُهَا أَوْ نُسِّيتُهَا أو نسيِتُها» يقول الكرماني: من الإنساء يعني أُنسيتها من الإنساء، وفي بعضها من التنسية نُسِّيتُهَا، وفي بعضها من النسيان.

المُقَدِّم: نَسِيتها.

يعني نَسِيتها، أيُّهما أولى أن يُقال: نَسيت أو نُسِّيت أو أُنسيت؟

المُقَدِّم: كل الروايات وردت.

هو موجود هنا في بعضها التنسية، وفي بعضها من النسيان هي موجودة نعم، لكن، لا، بغض النظر عن هذا الموضع يعني إذا نَسِيَ الإنسان هل يقول: نَسيت، أو نُسِّيت، أو أُنسِيت؟

المُقَدِّم: في القرآن {وَمَا أَنْسَانِيهُ} [سورة الكهف:63].

نعم، حتى في القرآن جاء النهي عن قول: نَسيت، جاء النهي عن قول الإنسان نَسْيت، ولكن يقول: نُسِّيت أو أُنْسِيت.

المُقَدِّم: {وَمَا أَنْسَانِيهُ} [سورة الكهف:63].

الحديث في الصحيح. أمَّا في غيره فالنسيان مما جُبِل عليه الإنسان، مما جُبِل عليه ممكن أن يُضاف إليه نَسيت، أعتذر.

المُقَدِّم: لكن للإيضاح، تقول: وفي القرآن جاء النهي عن قول.

نعم، جاء النهي عن قول: نسيت آية كذا.

المُقَدِّم: نعم، المقصود ورد في السُّنَّة النهي عن ذكر النسيان في القرآن.

نسيت شيئًا من القرآن، أي؛ لا إنَّ الدليل في القرآن، لا، لا، نسيت آية كذا، بل يقول: أُنْسِيت أو نُسِّيت؛ لئلا يدخل في قوله: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [سورة طه:126]. نعم، {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}

فإن قلت: إذا جاز النسيان في هذه المسألة جاز في غيرها، فيفوت منه التبليغ إلى الأُمَّة، يعني مسألة مهمة شرعية كليلة القدر التي هي من خصائص هذه الأُمَّة إذا نسيها ألا يحتمل أن يكون نسي أحكامًا أخرى؟ نعم، يقول: إذا جاز النسيان في هذه المسألة جاز في غيرها، فيفوت منه التبليغ إلى الأُمَّة، قلت: نسيان الأحكام التي يجب عليه التبليغ لها لا يجوز، ولو جاز ووقع لذكره الله تعالى. قال ابن حجر: شك من الراوي، أُنْسِيتُهَا أَوْ نُسِّيتُهَا أو نسيتُها، شك من الراوي هل أنساه غيره إياها أو نسيها هو من غير واسطة؟ ومنهم من ضبط نُسِّيتها بضم أوله والتشديد، يعني نحتاج إلى مزيد عناية في الإشكال الذي أورده الكرماني، يقول: إذا جاز النسيان في هذه المسألة جاز في غيرها، فيفوت منه التبليغ إلى الأُمَّة. يعني ما وكل إليه تبليغه وبيانه لا يجوز أن ينساه.

المُقَدِّم: نعم، وبالتالي الكرماني يقول: لو نسي هذا لكان نسيانه..

نعم، ممكن ينسى أحكامًا أخرى، نقول: ما أُمر بتبليغه.

المُقَدِّم: لا ينساه.

لا يجوز عليه النسيان فيه؛ لأنَّه الأصل أنَّه بلَّغ البلاغ المبين، ووظيفته البيان فبيَّن، وما ترك شيئًا على الأُمَّة مما تحتاج إلى بيانه، بلَّغ- عليه الصلاة والسلام-، أتم البلاغ وبيَّن أوضح البيان، لكن قد ينسى وقد يُنَسَّى ليسُنَّ، يعني قد يترتب على هذا النسيان مثلاً حكم.

المُقَدِّم: تشريع.

تشريع نعم، يعني نَسِي في صلاته، نسي التشهد الأول مثلاً.

المُقَدِّم: لنعرف أحكام السهو في الصلاة.

نعم، لا لخلل في صلاته- عليه الصلاة والسلام-، وإنَّما لو لم يأتِ مثل حديث عبد الله ابن بحينة في نسيان التشهد الأول ما عرفنا الحكم.

المُقَدِّم: نَسِيَ صلاة الفجر.

حديث ذي اليدين.

المُقَدِّم: نعم، السلام قبله، نام عن صلاة الفجر.

نعم، نام عن صلاة الفجر مع أنَّه لا ينام قلبه.

المُقَدِّم: عليه الصلاة والسلام.

عليه الصلاة والسلام؛ لأنَّه لو لم ينم عن صلاة في عمره كله فنام شخص من أهل التحري والاجتهاد في الطاعة يعني يمكن تضيق به الدنيا ذرعًا، يتقطع من الأسى، فمثل هذه الأمور تجري للتشريع.

قال ابن حجر: أُنسيتها أو نُسِّيتها شك من الراوي هل أنساه غيره إياها فيُبنى الفعل للمجهول، أو نسيها هو من غير واسطة فيُبنى للمعلوم، ومنهم من ضبط نسيتها بضم أوله والتشديد، فهو بمعنى أنسيتها، والمراد أنَّه أنسي علم تعيينها في تلك الرؤيا، أو في تلك الليلة بعينها، وسيأتي سبب النسيان في هذه القصة في حديث عبادة بن الصامت بعد باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس، سيأتي.

المُقَدِّم: وهو ليس في المختصر.

لا.

ولذلك سقته بتمامه، يعني باب معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس، ولفظه قال: خَرَجَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: «خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَرُفِعَتْن وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ»، يقول ابن حجر: الملاحاة المخاصمة والمنازعة والمشاتمة، خَرَجَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: «خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ» يعني رفع تعيينها؛ لا أنَّها رفعت من الوجود كما يقوله بعض المبتدعة، «وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ» لا شك أنَّ إخفاء هذه الليلة والإخفاء مقصود شرعي، ورفعها مقصود؛ ليجتهد المسلم في جميع ليالي العشر، ولو عُرِفت بعينها لاجتهد فيها وحُرِم من أجر غيرها، وعسى أن تكرهوا، «وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ»، « فَالْتَمِسُوهَا» أي اطلبوها، يعني ليلة القدر، يعني الالتماس بمعنى الطلب من كل وجه، أو أنَّه نوع خاص من الطلب؟ يعني مع تكرار الطلب مع التحري والتشديد في الطلب.

المُقَدِّم: لفظ الالتماس واضح فيها.

أنَّه أخص من مجرد الطلب.

المُقَدِّم: نعم، أخص.

نعم، «فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الْوَتْرِ» أي في أوتار الليالي كليلة الحادي والعشرين، والثالث والعشرين، لا في أشفاعها، قاله الكرماني. الآن قد يقول قائل وهذا ملاحظ، يعني تلاحظ المساجد في ليالي الوتر تزدحم أكثر من

المُقَدِّم: الشفع.

ليالي الأشفاع.

وتجد الإنسان إذا كان عنده أي عمل من الأعمال يؤجله إلى ليالي الأشفاع، والأوتار جاء التأكيد عليها، لكن جاء أيضًا ما يدل على الأشفاع، «في تاسعة تبقى» إذا كان الشهر كاملًا.

المُقَدِّم: إذا كان كاملًا.

وعلى ما سيأتي الخلاف في أنَّ منهم من يقول: تاسعة تبقى هي ليلة واحد وعشرين على أي حال كَمُل أو نقص. ويأتي إن شاء الله بيان هذا. «فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الْوَتْرِ» أي في أوتار الليالي كليلة الحادي والعشرين، والثالث والعشرين، لا في أشفاعها، قاله الكرماني. قال القسطلاني: وهذا لا يُنافي قوله: «التمسوها في السبع الأواخر»؛ لأنَّه- صلى الله عليه وسلم- لم يُحدِّث بميقاتها جازمًا به. فكل الليالي صالحة لهذا الالتماس.

«وَإِنِّي رَأَيْتُ» أي في منامي، «أَنِّي أَسْجُدُ» في رواية الكشميهني "أن أسجد" «فِي مَاءٍ وَطِينٍ» الطين عبارة عن أيش؟

المُقَدِّم: الطين هو ماء مع تراب.

تراب وماء، كيف يُقال: «مَاءٍ وَطِينٍ» يعني ماء وتراب.

المُقَدِّم: لا.

يؤدي الغرض أم ما يؤدي؟

المُقَدِّم: لا، هو قد يكون المراد الماء يعني الجريد الآن الذي هو السقف يصب الماء عليه، والطين ابتلت الأرض.

فصار طينًا، يعني من مجموع المركّب من الماء والتراب صار طينًا.

المُقَدِّم: لكن كأنَّه يشير.

هل يُمكن أن نستغني عن ماء فنقول: في طين فقط؟ أو نقول: نأتي بالمركبين بجزأي المركّب، فنقول: ماء وتراب؟

المُقَدِّم: يا شيخ ممكن يكون المراد أنَّه يسجد في الطين، والسماء أيضًا تصب الماء، كأنَّه يشير إلى أنَّ المطر مستمر.

فالطين من تحت.

المُقَدِّم: نعم.

والبلة من فوق.

المُقَدِّم: والماء من فوق.

لكن لو قال: ماء وتراب، احتمل أنَّ يكون غير مختلط.

المُقَدِّم: أينعم.

أن يكون غير مختلط، فالطين هو التراب المبتل بالماء أقول: فما معنى عطفها على الماء؟ هو لِما ذُكِر، أنَّ الطين من تحت.

المُقَدِّم: والماء.

والبلة من فوق.

المُقَدِّم: لأنَّه قال: حتى سال سقف المسجد.

نعم، «فَمَنْ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَلْيَرْجِعْ إلى معتكفه» من القائل: «فَمَنْ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَلْيَرْجِعْ»؟

المُقَدِّم: الظاهر أنَّه الرسول- عليه الصلاة والسلام-.

نعم، «فَلْيَرْجِعْ» يعني إلى معتكفه، قال القسطلاني: وفيه التفات؛ إذ الأصل أن يقول نعم، فمن كان اعتكف معي، وهذا أيضًا موجود عند ابن حجر، فيه التفات من التكلم إلى الغيبة، اعتكف معي يعني تكلم، غيبة «فَمَنْ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَلْيَرْجِعْ»، طيب، ألا يُمكن أن يكون هذا تجريدًا؟ وأن يكون النبي- عليه الصلاة والسلام- جرّد من نفسه شخصًا تحدث عنه كما في.

المُقَدِّم: قصة سعد.

أعطى.

المُقَدِّم: نفرًا.

رهطًا وسعد جالس، وهو المتكلم. « فَرَجَعْنَا» أي إلى معتكفنا، «وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ».

المُقَدِّم: «قَزَعَة».

«قَزَعَةً»، «وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً» قال الكرماني: القزعة بالمفتوحات القطعة الرقيقة من السحاب، وفي المصباح القَزَعُ القطع من السحاب المتفرقة، الواحدة قزعة، مثل قصب وقصبة، قال الأزهري: وكل شيء يكون قطعًا متفرقة فهو قَزَع، ونهى عن القَزَع وهو حلق بعض الرأس دون بعض، يعني قطع بقع متفرقة، بعضها محلوق وبعضها غير محلوق.

«فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ» بفتحتين، «فَمَطَرَتْ» بفتحتين، وفي الباب الذي يليه من وجه آخر «فاستهلت السماء»، في الدر النثير في تلخيص نهاية ابن الأثير للسيوطي، نهاية ابن الأثير في غريب الحديث معروف، نقلنا منها مرارًا، الدر النثير في تلخيص نهاية ابن الأثير للسيوطي هو مطبوع معها، وهو خلاف الدر المنثور.

المُقَدِّم: في التفسير.

في التفسير بالمأثور، يقول السيوطي في الدر النثير: انهلَّ المطر انهلالًا اشتد انصبابه، وفي الكرماني «استهلت» الهلل أول المطر، يُقال: استهلت السماء وذلك في أول مطرها، ويُقال: هو صوت وقعه يعني على الأرض.

«حَتَّى سَالَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ»، في رواية مالك: «فوكف المسجد» أي قطر الماء من سقفه، «وَكَانَ على عريش» أي على مثل العريش، وإلا فالعريش هو نفس سقفه، والمراد أنَّه كان مظللًا بالجريد والخوص، ولم يكن محكم البناء بحيث يُكنّ من المطر الكثير، انتهى من فتح الباري.

«وكان على عريش» يعني السقف على عريش، نعم، يعني أي مثل العريش، وإلا فالعريش هو نفسه سقفه، والمراد أنَّه كان مظللًا بالجريد والخوص، ولم يكن محكم البناء بحيث يُكن من المطر الكثير، يعني إذا كان من الجريد، فهل يُمكن أن يكون محكمًا؟ بمعنى أنَّه لا يُمكن أن يكف، ونقول: إنَّ المسجد غير محكم، أو نقول: إنَّ هذا الإحكام الممكن؟

المُقَدِّم: هذا أقصى ما يستطيعونه مع وجود مطر شديد.

إذًا كل الجريد لابد أن يكف، هو يوضع مع الجريد الإذخر.

المُقَدِّم:  لمنعه أن يكف.

نعم، ويوضع عليه أيضًا الطين، ومع ذلك إذا طال به العهد يكف. قال: ولم يكن محكم البناء بحيث يُكن من المطر الكثير، انتهى من فتح الباري. وقال العيني: فيه مجاز من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال كما يُقال: سال الوادي، «سَالَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ» إذا قلنا: سال الوادي، ما الذي سال؟ الوادي أم الماء؟

المُقَدِّم: الماء الذي سال.

نعم الماء، أُطلق المحل وأُريد الحال، أُطلق المحل الذي هو الوادي، وهو سقف المسجد عندنا، وأُريد الحال وهو الماء الذي سال منه. «وَكَانَ» يعني السقف «مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ» الجريد سعف النخل، سُمِّي به؛ لأنَّه جُرِد عنه خوصه كذا في العيني، وقال العيني في موضع سابق في كتاب الصلاة: الجريد بمعنى المجرود، وهو القضيب الذي يُجرد عنه الخوص، هذا هو الصحيح؛ لأنَّه قال هنا: الجريد سعف النخل، لا، السعف الآن الجريد والقضيب يتركب منهما، يتركب منهما أيش؟

المُقَدِّم: السعف.

لا، إذا قطعناه من النخل ما يُقطع من فروع النخل، ما يُقطع.

المُقَدِّم: هذا جريد.

لا، ما نقول جريد إلى الآن، مادام في سعف، القضيب العصا.

المُقَدِّم: طيب.

وفيه السعف، نعم، هذا قبل أن يُجرد. لكن إذا جُرد يُقال له: جريد.

المُقَدِّم: طيب.

جريد بمعنى مجرود، فهل الجريد للسعف؟

المُقَدِّم: أو للقضيب؟

أو للقضيب؟

المُقَدِّم: لا، للسعف، ما يتخيل يا شيخ أنَّ القضيب لوحده هو الذي يظلل المسجد.

هو الذي يُبنى منه، هو الأصل في البناء.

المُقَدِّم: يُبنى، لكن يُبنى معه السعف، السعف بعد يخاط، هذا المعتاد عندهم، يعني هم يجمعون السعف ويخيطونه خياطة.

الآن العيني كلامه في الموضعين اختلف، قال: الجريد سعف النخل، السعف معروف أنَّه النوع الطري اللين الذي يتثنى، بخلاف القضيب الذي هو العصا، نعم، هما شيئان، فإذا أُزيل السعف بقي القضيب، في الموضع الأول في الموضع الذي معنا في كتاب فضل ليلة القدر، في حديث الباب المشروح يقول العيني: الجريد سعف النخل سُميت به؛ لأنَّه قد جُرد عنه خوصه. أنا أريد أن أقول أنَّ السعف هو الخوص، نعم، بخلاف القضيب، القضيب الذي هو العصا الذي جُرد عنه الخوص؛ ولذلك قال في الموضع الذي معنا الجريد سعف النخل سميت به؛ لأنَّه قد جرد عنه خوصه. قال في كتاب الصلاة: الجريد بمعنى المجرود وهو القضيب.

المُقَدِّم: فاختلف الكلام.

هناك قال: الجريد سعف، وهنا الجريد بمعنى المجرود، وهو القضيب الذي يُجرد عنه الخوص، أي يُقشر- يعني يُقشر عنه الخوص-.

المُقَدِّم: أي اختلف الكلام.

اختلف كلامه.

«وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ» يعني صلاة الصبح، وتقدم شرح الحديث في كتاب الصلاة «فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ- صلى الله عليه وسلم-». قال ابن حجر: وفي رواية مالك: «على جبهته أثر الماء والطين»، وفي رواية أبي حازم في الباب الذي يليه: «انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طينًا وماءًا» وهذا يُشعر بأنَّ قوله: «أثر الماء والطين» لم يرد به محض الأثر، وهو ما يبقى بعد إزالة العين، والحديث في كتاب الصلاة مستوفى.

يقول في رواية مالك: «على جبهته أثر الماء والطين»، في رواية أبي حازم في الباب الذي يليه: «انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طينًا وماءً» وهذا يُشعر بأنَّ قوله: «أثر الماء والطين» لم يرد به محض الأثر وهو ما يبقى بعد إزالة العين، نعم، ..إلخ؛ لأنَّ قوله: «ممتلئ طينًا وماءً»، وسيأتي في فوائد الحديث المراد بهذا الامتلاء، يعني هل هو بحيث يخفي ملامح الوجه، أو أنَّ الملامح باقية وفيه من هذه المادة شيء يُمكن أن يُطلق عليه اسم الماء والطين.

المُقَدِّم: ما يُمكن يا شيخ دقيقتان نأخذهما؟

وأيش هو؟

المُقَدِّم: الفوائد.

لا، باقي كثير.

المُقَدِّم: حتى نبدأ الحديث القادم به عن ابن عباس، صفحة ما يُمكن؟

كم باقي من الوقت؟

المُقَدِّم: نحن الآن خمسة وعشرون نقدر إلى سبع وعشرين، ثمانٍ وعشرين ما يمنع.

طيب.

المُقَدِّم: أي والله ودنا نأخذها.

في هذا الحديث من الفوائد كما قال أهل العلم: ترك مسح جبهة المصلي والسجود على الحائل، وحمله الجمهور على الأثر الخفيف، لكن يُعكر عليه قوله في بعض طرقه: «ووجه ممتلئ طينًا وماءً» يعني من أين أخذوا السجود على الحائل؟ أنَّ الماء والطين حائل دونه ودون الأرض.

أجاب النووي بأنَّ الامتلاء المذكور لا يستلزم منه ستر جميع الجبهة، يعني قد يُقال الوجه فيه ماء وطين، لكن لا يغير ملامح الوجه، يعني ليس مطليًّا طليًا تامًّا بالماء والطين.

ثانيًا: فيه جواز السجود في الطين، هذا لا سيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وإلا لا شك أنَّه قد يخل بشيء من الطمأنينة كالسجود على السيل مثلًا، أو على الأرض غير المستوية، فيها شيء من الشوك أو الحصى، هذا يُشغل، لكن إذا لم يوجد غيره فيجوز.

وفيه الأمر بطلب الأولى والإرشاد إلى تحصيل الأفضل، من أين؟

المُقَدِّم: أنَّه قال لهم كانوا اعتكفوا في الوسط.

نعم، من كان اعتكف معي فليرجع، فرجعنا. والأمر الرابع: فيه أنَّ النسيان جائز على النبي- صلى الله عليه وسلم-، ولا نقص عليه فيه، لا سيما فيما لا يؤذن له في تبليغه. نقول: إنَّ هذا كمال بالنسبة له- عليه الصلاة والسلام-؛ لأنَّه يتضمن تشريعًا، وقد يكون في ذلك مصلحة تتعلق بالتشريع كما في السهو في الصلاة أو بالاجتهاد في العبادة كما في هذه القصة، يعني نسي ليجتهد في العبادة ويجتهدوا معه؛ لأنَّ ليلة القدر لو عيِّنت في ليلة بعينها حصل الاقتصار عليها، ففات العبادة في غيرها وكأنَّ هذا هو المراد بقوله: «عسى أن يكون خيرًا لكم» كما في حديث عبادة.

وفيه استعمال رمضان «العشر الأوسط من رمضان» ما قال: من شهر رمضان، وفي أول شرح كتاب الصيام ذكرنا عن بعض السلف أنَّ بعضهم كره أن يُقال: رمضان بدون شهر، وفي هذا وفي غيره من النصوص.

المُقَدِّم: دلت على الجواز.

جاء استعمال رمضان، «من صام رمضان»، «من قام رمضان» بدون.

المُقَدِّم: شهر.

استعمال الشهر. واستحباب الاعتكاف فيه وترجيح اعتكاف العشر الأخير، وأنَّ من الرؤيا ما يقع تعبيره مطابقًا؛ لأنَّ النبي- عليه الصلاة والسلام- رأى أنَّه يسجد في ماء وطين، وبالفعل سجد في ماء وطين، وترتب الأحكام على رؤيا الأنبياء؛ لأنَّ رؤيا الأنبياء وحي، كذا في فتح الباري ونحوه في عمدة القاري وغيرهما من الشروح.

المُقَدِّم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، أيُّها الإخوة والأخوات، بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة، نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة قادمة وأنتم على خير، شكرًا لطيب المتابعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.