شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الحج - 08

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب الحج ضمن شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يركب راحلته بذي الحليفة، ثم يهل حتى تستوي به قائمة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

ففي الحديث "ثم يهل" يقول الزمخشري: الإهلال رفع الصوت بالتلبية، ومنه: إهلال الهلال واستهلاله، إذا رفع الصوت بالتكبير عند رؤيته؛ لأنه جرت العادة أن يرفع الصوت عند رؤية الهلال، ومنه استهلال الصبي، وهو صوته عند ولادته.

"حتى تستوي به الراحلة" واستواؤها كمال قيامها "قائمة" حال، و"حتى" هنا "حتى تستوي به قائمة" دلالة حتى أنه يبدأ قبل أن تستوي، ويستمر حتى تستوي.

المقدم: فإذا استوى انقطع.

يكون انقطاعه عند استوائها "حتى تستوي" في بعض الروايات: "حين تستوي به الراحلة" حين تستوي، ويكون إهلاله بعد استوائها، وسيأتي ما للعلماء من كلام في هذه المسألة، وجاء في حديث جابر عند الإمام البخاري، وهو الذي يلي هذا الحديث، حديث الباب، مما لم يذكره المختصر: أن إهلال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذي الحليفة حين استوت به راحلته، وسيأتي أيضًا بعد أحاديث عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أهل إلا من عند المسجد، وسيأتي أيضًا -إن شاء الله تعالى- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركب راحلته ...

المقدم: وكانت زاملته.

المقدم: ركب راحلته؟

نعم، حتى استوى على البيداء هو وأصحابه.

إهلاله -عليه الصلاة والسلام-، وفي حديث ابن عمر: "بيداؤكم التي تكذبون فيها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد" على ما سيأتي، فكونه روي عنه بالسند الصحيح أنه أهل حين استوت به راحلته، أو من عند المسجد، أو من عند الشجرة، كلها أحاديث صحيحة.

المقدم: إذًا أهل بها كلها.

في حديث ابن عباس عند أبي داود والحاكم أنه -صلى الله عليه وسلم- لما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أهلَّ بالحج حين فرغ منهما، يعني في مكانه بعد أن سلم من ركعتين أهلَّ، فسمع قوم فحفظوه، وقالوا: إنه أهلَّ من المسجد.

المقدم: ثم أهل مرة أخرى.

فلما استقرت به راحلته أهلَّ، وأدرك ذلك منه قوم لم يشهدوا في المرة الأولى فسمعوه حين ذلك، فقالوا: إنما أهلَّ حينما استقلت به راحلته، ثم مضى فلما علا على شرف البيداء أهلَّ، وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فنقل كما سمع.

المقصود أنه بدأ الإهلال من بعد الصلاة مباشرة، ثم كرره لما استقلت به راحلته، فلما علا -عليه الصلاة والسلام- على ظهر البيداء أهل، وما زال يلبي حتى .. ، المحرم متى يقطع التلبية؟

المقدم: بالنسبة للحج؟

نعم.

المقدم: بعد رمي جمرة العقبة.

إذا رمى جمرة العقبة أو إذا بدأ الرمي، على الخلاف الذي سيأتي.

المقصود أنه يرفع صوته بالتلبية؛ لأن الإهلال رفع الصوت بالتلبية، فهل يقول قائل: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أهل إلا لما دخل مكة مثلًا لأنه استمر يلبي؟ في حديث ابن عباس الجمع بين هذه الأحاديث وكلها صحيحة، كلها في الصحيح، فمن قال: إنه أهلّ من المسجد سمعه يهل في المسجد، ومن قال كابن عمر: أهلّ حينما استوت به راحلته إنما رآه كذلك.

المقدم: ومن قال عند الشجرة كذلك.

كذلك، وعلى ظهر البيداء كذلك.

المقدم: وابن عباس -رضي الله عنهما- ...

وفي حديث ابن عباس فيه الجمع، الجمع بين .. ، فهذا فيه جمع بين الأحاديث المختلفة في موضع إهلاله- عليه الصلاة والسلام-.

يقول صاحب عون المعبود: "وهذا يدل على أن الأفضل لمن كان ميقاته ذا الحليفة أن يهلَّ في مسجدها بعد فراغه من الصلاة، ويكرِّر الإهلال بعد أن يركب على راحلته، وبعد أن يمرَّ بشرف البيداء.

يعني يكرر الإهلال.

يقول ابن حجر: وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك، وإنما الخلاف في الأفضل.

الأفضل في ماذا؟

المقدم: متى يبدأ؟

متى يبدأ، هل يبدأ من المسجد أو يبدأ حين تستقل به راحلته، أو يبدأ إذا علا على البيداء؟ الخلاف في الأفضل، وإذا اعتمدنا الجمع الذي ذكره ابن عباس قلنا: إنه يبدأ من المسجد، ويكرر ذلك إذا استقلت به راحلته واستوت، ويستمر إذا علا على شرف البيداء بعد ذلك، الكلام في البداءة.

يقول: اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك، وإنما الخلاف في الأفضل.

روى مسلم وأبو داود وغيرهما عن ابن عمر قال: بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها، ما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد، يعني ذا الحليفة، الذين قالوا: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل من البيداء؛ لأنهم سمعوه كذلك، فهل يقال: إن كلامهم كذب، الكذب هنا يراد به الخطأ، فمن قال: إنه -عليه الصلاة والسلام- أهل من البيداء أخطأ من وجهة نظر ابن عمر؛ لأنه عنده إنما أهل حينما استوت به راحلته.

وفي رواية عنه إلا من عند الشجرة، ومعنى تكذبون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي تقولون: إنه أحرم فيها ولم يحرم فيها، وإنما أحرم قبلها من مسجد ذي الحليفة، ومن عند الشجرة التي كانت هناك، وكانت عند المسجد.

قال ابن حجر: وإنكار ابن عمر على من يخص الإهلال بالقيام على شرف البيداء، الذي يخص الإهلال، يعني يبدأ الإهلال على شرف البيداء، ولا يهل قبل ذلك.

يقول العيني: والحديث احتج به مالك، وأكثر الفقهاء على أن يهل الراكب إذا استوت به راحلته قائمة.

احتج به مالك وأكثر الفقهاء على أن يهل الراكب إذا استوت به راحلته قائمة، واستحب أبو حنيفة أن يكون الإهلال عقيب الصلاة إذا سلم منها، وقال الشافعي: "يهل إذا أخذت ناقته بالمشي" وأما أكثر أصحاب مالك فقالوا: "يستحب أن يهل إذا استوت به ناقته إن كان راكبًا، وإن كان راجلًا فحين يأخذ في المشي".

على كل حال الأمر فيه سعة، إذا صلى قبل الإحرام إن كان وقت فريضة فهو الأصل، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أوقع إحرامه بعد الفريضة.

المقدم: صلى الظهر يا شيخ؟

نعم، هو صلى بذي الحليفة الظهر والعصر، أو صلى الظهر في المدينة على خلاف بين النووي وابن القيم، صلى الظهر أربعًا بالمدينة، ثم صلى العصر ركعتين، ثم المغرب، ثم العشاء، ثم الفجر، ثم الظهر خمس صلوات، ويكون إهلاله بعد صلاة الظهر.

المقدم: وبين ذي الحليفة والمدينة عشرة كيلو.

عشرة كيلو.

المقدم: يعني بمجرد ما ...

يعني مكث يومًا كاملًا أو أكثر من يوم.

المقدم: في هذه العشرة كيلو؟

في هذه العشرة كيلو، والناس يتضايقون من مثل هذه التصرفات، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- معه الجموع من المدينة، عل بعضهم أن يطرأ له أمر غاب عن باله فيرجع إلى أهله فيقضيه، عل بعضهم نسي حاجة، هذا رفق بالأمة.

الحديث الذي يليه.

الحديث عرفنا أنه تقدم في كتاب الوضوء مطولًا، وأطرافه هناك.

المقدم: قال -رحمه الله-: وعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حج على رحل، وكانت زاملته.

راوي الحديث الصحابي الجليل أنس بن مالك، خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تقدم ذكره مرارًا.

والحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب الحج على الرحل، وفيه: عن ثمامة بن عبد الله بن أنس قال: حج أنس على رحل ولم يكن شحيحًا.

حج أنس يعني جده على رحل ولم يكن شحيحًا، وحدث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حج على رحل وكانت زاملته.

المطابقة ظاهرة الترجمة باب الحج على الرحل، وفي الحديث أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- حج على رحل، والرحل بفتح الراء وسكون المهملة هو للبعير كالسرج للفرس، وأراد أن يشير بهذه الترجمة وبما ذكر تحتها إلى أن التقشف أفضل من الترفه، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر.

وكانت زاملته أي: الراحلة التي ركبها، وهي وإن لم يجر لها ذكر، لكن دل عليها ذكر الرحل، الرحل لا يكون إلا على راحلة، كانت هذه الراحلة زاملته، والزاملة: البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع من الزمل وهو الحمل، ومراده بذلك أنه لم تكن معه زاملة تحمل طعامه ومتاعه، بل كان ذلك محمولًا معه على راحلته، وكانت هي الراحلة وهي الزاملة، الزاملة التي تحمل الطعام والمتاع، والمراد بذلك أنه لم يكن معه رواحل أخرى.

المقدم: يعني ما سبقه أقوام بالتجهيزات كما يفعل ... ؟

بالأثاث.

المقدم: والأثاث

الله المستعان.

المقدم: ونقل كامل قبله.

معه، معه، في راحلته، في زاملته.

المقدم: -عليه الصلاة والسلام-.

يعني راحلة واحدة تحمله مع أثاثه، مع طعامه، ومع متاعه.

المقدم: الله المستعان.

مراده أنه لم تكن معه زاملة تحمل طعامه ومتاعه، بل كان ذلك محمولًا معه على راحلته، وكانت هي الراحلة وهي الزاملة.

وقوله: "ولم يكن" يعني جده أنس شحيحًا أي: بخيلًا، لم يترك الهودج أو عموم وسائل الراحة للبخل، واقتصر على الرحل للمتابعة التامة للنبي -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: هذا في أصل الحديث يا شيخ؟

نعم، ولم يكن شحيحًا.

المقدم: وليس عندنا في المختصر.

نعم، هو اقتصر على المرفوع، صاحب المختصر يقتصر على المرفوع.

المقدم: الذي قال: ولم يكن شحيحًا، الراوي عن أنس.

الراوي ثمامة عن جده أنس؛ لأنه فتحت له الدنيا أنس بدعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- كثر ماله، ومع ذلك لم يكن شحيحًا، وحج على رحل، لماذا؟ للمتابعة، وفي هذا الحديث التقشف في المعيشة في المأكول والمركوب وغيرهما، من شؤون الحياة، والمراد بذلك ترك القدر الزائد من التنعم، وهذه حاله، وهذا عيشه- عليه الصلاة والسلام-، في سفره وإقامته، وجاء في صفة عيشه -عليه الصلاة والسلام- أنه قد يمر عليه الهلال والثاني والثالث ثلاثة أهلة في شهرين لا توقد في بيته نار، وفراشه من خوص، قد أثر في جنبه- عليه الصلاة والسلام-، ووساده من أدم حشوها ليف، فالدنيا ليست هدف، إنما عنايته بما يحقق ما خلق له- عليه الصلاة والسلام-، وهكذا ينبغي أن تكون العناية لأتباعه، وليس معنى هذا أن الإنسان يحرم نفسه من الضروريات حتى يبين الضر في بدنه، ولا الحاجيات فيعذب نفسه، فالله -سبحانه وتعالى- عن تعذيب الإنسان نفسه غني، بل إنه -جل وعلا- يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، لكن المطلوب التوسط لا سيما فيما يتعلق بالعبادات، بما يقرب إلى الله -جل وعلا-، الإنسان إذا جاء لعبادة مثلًا يحرص أن يتجه لما هو بصدده من هذه العبادة من تكميلها والإقبال عليها، وفي الغالب أن الإنسان إذا اعتنى أو اتجهت همته لغير ما هو بصدده ينشغل عنه، فإذا تصورنا أن شخصًا أراد الحج مثلًا، ثم بحث عن الحملات الأكثر راحة، مع الأسف أصحاب الحملات يتنافسون بالدعاية لحملاتهم.

المقدم: بالترفيه الزائد.

الزائد.

المقدم: يخرجون صور الأسرة والتلفزيونات الآن صارت تدخل في المخيمات يا شيخ، يبرز صورة التلفاز ويقول: نوفر لك كامل القنوات الفضائية التي تريد وسيارة خاصة.

نسأل الله العافية، المقصود أن العبادة شأنها أعظم، وإلا فالمسلم مطلوب منه ترك المحرمات على كل حال، فكيف بهذه المحرمات في وقت أداء العبادة؟! لماذا يتعب الإنسان نفسه، ويتجشم المصاعب والمتاعب من أجل أداء هذه العبادة، وقد تكون نافلة، فيسأل عن أغلى الحملات، وذكرت مبالغ خيالية تنفق على أسر مدة طويلة، يتنافسون، يذهب الإنسان في العشر الأواخر إلى الديار المقدسة من أجل الفراغ والخلوة في هذه الأوقات الشريفة التي ترجى فيها ليلة القدر، وفي هذا المكان الطيب الطاهر، ويسأل عن أفخر الفنادق، لا أدري كيف يجتمع القلب في هذه الأماكن الفخمة الضخمة المزخرفة إذا أراد أن يؤدي ما يؤدي من عبادة؟ لأنه إذا كان الهدف أن يقال: إنه سكن في كذا، وأكل كذا، وشرب كذا، وركب كذا، هذه حقيقة مرة، يجلس في بيته أفضل له، وإن كان المراد من ذلك أن يؤدي ما طلب منه، وما يقربه إلى الله -جل وعلا-، فالأمر دون ذلك، بدون ذلك يتأدى.

المقصود أن على المسلم أن يتوسط في أموره كلها، لا يزاول ما يقذر به، ويشان به، ويعاب به، بحيث يستقذره الناس، أو يرمونه بوصف لا يستحقه، ولا يتوسع توسع غير مرضي، بل عليه أن يتوسط.

سيأتي ما كان -عليه الصلاة والسلام- من الزهد في الفانية، والرغبة في الباقية، وما يقرب إليها -إن شاء الله تعالى- بالتفصيل.

المقدم: قال -رحمه الله-: عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل الأعمال، أفلا نجاهد؟ قال: «لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور».

راوية الحديث أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها وعنه-، مر ذكرها مرارًا.

وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: "باب فضل الحج المبرور" والمطابقة ظاهرة؛ لأن السؤال عن ماذا؟

المقدم: عن الجهاد، عن أفضل الأعمال.

لأن السؤال عن أفضل الأعمال، هي لما ذكرت الجهاد بعد أن عرفت فضله بنصوص الكتاب والسنة، ففضله ثابت متقرر، فدلت على ما هو أفضل منه، الجهاد هي تسأل عن جهاد العدو وقتاله، وقد تقرر أنه من أفضل الأعمال بالأدلة من نصوص الكتاب والسنة، فدُلَّت على ما هو أفضل منه، فهذا يدل على فضل الحج.

تقول: "نرى الجهاد" أي: نعتقد ونعلم ونجزم، والمراد بالجهاد قتال العدو؛ وذلك لكثرة ما ورد في فضله من نصوص الكتاب والسنة، فالرؤية المذكورة مبنية على نصوص، وليست رأيًا مجردًا، مبنية على نصوص، ولذلك تمنت أم سلمة الغزو والجهاد كالرجال، بل تمنت أن لو كانت رجلًا يغزو ويجاهد مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فروى الإمام أحمد والترمذي أن أم سلمة قالت: يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو، فأنزل الله -جل وعلا-: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء 32].

"نرى الجهاد أفضل العمل" أي: أفضل العمل المقرب إلى الله -عز وجل-، الموصل إلى جناته، "أفلا نجاهد" الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار، قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا» أي: لا تجاهدن؛ لأنه ليس على النساء جهاد كما سيأتي.

لكن قال ابن حجر: اختلف في ضبط ماذا؟ لكنّ أو لكُنَّ، عندك؟

المقدم: لكنّ

"نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ قال: «لا ».

المقدم: لكنّ أفضلَ، هذه عندنا.

أو لكُن أفضل الجهاد حج مبرور.

المقدم: ممكن هذه وهذه.

يقول ابن حجر: اختلف في ضبط هذه اللفظة، فالأكثر بضم الكاف خطاب للنسوة، "لكُن" وقال القابسي: وهو الذي تميل إليه النفس.

"لكُن" لأنه لو كانت "لكن" استدراك «أفضل الجهاد حج مبرور» لشمل الرجال والنساء، واضح؟

المقدم: واضح، نعم.

يكون على إطلاقه «لكن أفضل الجهاد حج مبرور» بالنسبة للرجال والنساء.

المقدم: ما يرد على مثل هذا القول أن المخاطبة هي عائشة والسؤال منها.

العبرة بعموم اللفظ؛ لأنه لو قال: لكن أفضل الجهاد حج مبرور، لاقتضى هذا تفضيل الحج على الجهاد مطلقًا للرجال والنساء، وعلى الضبط الذي ذكره ابن حجر، وأضافه ونسبه للأكثر، بضم الكاف خطاب للنسوة، يكون الخطاب موجه للنساء دون الرجال، فيكون الحج أفضل بالنسبة للنساء دون الرجال.

المقدم: يعني هذه مسألة ستأخذ وقت، وهي مسألة الحديث عن الجهاد بالنسبة للنساء، فنستأذنك فضيلة الدكتور أن تكون -بإذن الله- في مطلع حلقتنا القادمة لاستكمال أيضًا ألفاظ هذا الحديث.

بهذا أيها الإخوة والأخوات نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب الحج في كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

نحن في حديث عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- في باب فضل الحج المبرور، نستكمله -بإذن الله- مع مطلع حلقتنا القادمة، وأنتم على خير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.