شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب صلاة التراويح وفضل ليلة القدر (عام 1428 هـ) - 24

 

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى لقاء جديد في شرح كتاب الصوم، من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. في بداية الحلقة نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: قال- رحمه الله تعالى-: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ- رضي الله عنه- قَالَ: اعْتَكَفْنَا مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَخَطَبَنَا وَقَالَ: «إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا- أَوْ نُسِّيتُهَا- فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الْوَتْرِ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَلْيَرْجِعْ». فَرَجَعْنَا وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ، وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ- صلى الله عليه وسلم-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد:

فراوي الحديث أبو سعيد الخدري، سعد بن مالك بن سنان الخدري الخزرجي الأنصاري، مر ذكره مرارًا، وهذا الحديث تحت الترجمة السابقة، باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله.

المُقَدِّم: «فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ».

«فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ»، يعني لاشتمالها على السبع المترجم بها، وإلا فالترجمة التماس ليلة القدر في السبع الأواخر، الترجمة، وفي الحديث «فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ».

المُقَدِّم: مع أنَّ الترجمة التي بعدها أولى أن يكون فيها الحديث، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، وقال: «فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الْوِتْرِ».

من وجه أولى.

المُقَدِّم: نعم.

من وجه، «فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ». على كل حال لابد من توجيه وضع البخاري هذا الحديث في هذا المكان، قوله: "اعْتَكَفْنَا مَعَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم-" سيأتي إن شاء الله تعالى الكلام عن الاعتكاف في باب مفرد بجميع أحكامه- إن شاء الله تعالى-. قال: "اعْتَكَفْنَا مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- الْعَشْرَ الأَوْسَطَ" يقول الكرماني: المشهور في الاستعمال تأنيث العشر، يعني الأواخر والأوائل والأواسط، أو الأوسط، العشر الأوسط، الأصل أنَّها مؤنثة فيقال الوسطى؛ لأنَّ الحديث عن الليالي لا عن النهار الأيام. قال الكرماني: المشهور في الاستعمال تأنيث العشر، وأمَّا تذكيره فهو باعتبار الوقت ونحوه، يعني العشر الأصل فيها الليالي لا سيما أنَّ القيام إنَّما هو.

المُقَدِّم: في الليل.

في الليل، لكن الاعتكاف، "اعْتَكَفْنَا مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- الْعَشْرَ الأَوْسَطَ".

المُقَدِّم: الاعتكاف ليلًا ونهارًا.

نعم، لماذا قال: المشهور في الاستعمال تأنيث العشر؟ لأنَّ لفظ العشر مؤنث، والمذكر عشرة وإلا لو ذُكِّر باعتبار اليوم أو أُونِّث باعتبار الليل لجاز؛ لأنَّ الاعتكاف.

المُقَدِّم: في الليل والنهار.

في الليل والنهار، بخلاف القيام، وأمَّا تذكيره فهو باعتبار الوقت ونحوه.

وقال ابن حجر: هكذا وقع في أكثر الروايات، والمراد بالعشر الليالي، وكان من حقها أن توصف بلفظ التأنيث، لكن وصفت بالمذكر على إرادة الوقت أو الزمان، أو التقدير الثلث، الثلث الأوسط؛ لأنَّ العشر الأوسط هي الثلث الأوسط، أو التقدير الثلث الأوسط. يعني الثلث يتصور فيه أوسط، وفيه أول، وفيه آخر؛ لأنَّهم ثلاثة أشياء، لكن ماذا عن نصف الليل الأوسط؟ في حديث عبد الله بن عمرو في مسلم: «وصلاة العشاء من مغيب الشفق إلى نصف الليل الأوسط»، النصف ما فيه أوسط.

المُقَدِّم: صحيح.

فيه طرفان فقط، لكن ما يتركب من ثلاثة فيه طرفان ووسط، فما فيه إلا أنَّه وصف باعتبار وقوعه في وسط الليل من هذه الحيثية. يقول: أو التقدير الثلث- يعني الأوسط- كأنَّه قال الليالي العشر التي هي الثلث الأوسط من الشهر، ووقع في الموطأ: العشر الوُسُط بضم الواو والسين جمع وسطى، ويُروى بفتح السين وُسَط، مثل كُبَر، {إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ } [سورة المدثر:35]، وكبرى، ورواه الباجي في الموطأ بإسكانها: كُبْر، نعم، بإسكانها على أنَّه جمع واسط كبازل وبزل، وهذا يوافق رواية الأوسط، ووقع في رواية محمد بن إبراهيم في الباب الذي يليه «كان يجاور العشر التي في وسط الشهر»، وفي رواية مالك الآتية في أول الاعتكاف «كان يعتكف»، والاعتكاف مجاورة مخصوصة، أيش الفرق بين الاعتكاف والمجاورة؟

المُقَدِّم: الاعتكاف لفظ شرعي.

والمجاورة؟

المُقَدِّم: ليس بلازم شرعي.

نعم، لكنها مجاورة، المجاورة أعم من الاعتكاف، إذا قيل: جاور.

المُقَدِّم: مجاورة مخصوصة.

إذا قيل: جاور فلان، جاور بمكة، لا يلزم أن يكون اعتكافًا، يعني سكن في مكة مجاورًا لبيت الله الحرام، ويتردد عليه، يكثر من التردد عليه، لكن الاعتكاف أخص بأن يكون في المسجد. ولمسلم من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد: «اعتكف العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له فلما انقضين أمر بالبناء فقوض»، «فلمَّا انقضين» يعني العشر الوسط، «أُمر بالبناء فقوض ثم أبينت له أنَّها في العشر الأواخر فأمر بالبناء فأعيد»، وزاد في رواية عمارة بن غزية عن محمد بن إبراهيم «أنه اعتكف العشر الأول، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم اعتكف العشر الأواخر»، يعني اعتكف العشر الأول، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم اعتكف العشر الأواخر كل هذا بحثًا عن.

المُقَدِّم: الأجر.

ليلة القدر، يعني تحريًا لليلة القدر. ومثله في رواية همام المذكورة وزاد فيها «إن جبريل أتاه في المرتين فقال له: إن الذي تطلب أمامك»، يعني اعتكف في العشر الأول، ثم لمَّا انتهت قال له: «إنَّ الذي تطلب أمامك».

المُقَدِّم: فاعتكف العشر الأوسط.

فاعتكف العشر الأوسط، فقال له: إنَّ الذي تطلب أمامك.

المُقَدِّم: وهذا في عام واحد كلها يا شيخ؟

يقول: ومثله في رواية همام المذكورة، رواية همام من خرَّجها؟ وزاد فيها «إن جبريل أتاه في المرتين فقال له: إنَّ الذي تطلب أمامك»، وهو بفتح الهمزة والميم أي قدامك، كما قال النبي- عليه الصلاة والسلام- في منصرفه من عرفة إلى مزدلفة: «الصلاة أمامك».

وفي شرح القسطلاني، ذكر الأوسط وكان حقه أن يقول الوسطى بالتأنيث، إمَّا باعتبار لفظ العشر من غير نظر إلى مفرداته ولفظه مذكر فيصح وصفه بالأوسط، وإمَّا باعتبار الوقت أو الزمان أي ليالي العشر التي هي الثلث الأوسط من الشهر. هذا كلام القسطلاني في زيادة أنَّ لفظ العشر مذكر، العشر مذكر؛ لأنَّه جرد من تاء التأنيث، يعني لفظه مذكر وإن كان التذكير اللائق بالمؤنث والعكس.

المُقَدِّم: نعم.

العشر لائق بالليالي، والعشرة لائق بالنهار وبالأيام. وقال الطيبي: وصف الأول والأوسط بالمفرد، والأخير بالجمع الأواخر، أيش؟ اعتكف العشر الأول، العشر الأوسط، العشر الأواخر، وصف الأول والأوسط بالمفرد، والأخير بالجمع إشارة إلى تصوير ليلة القدر في كل ليلة من ليالي العشر الأخير دون الأولين. يعني في ليلة بعينها من العشر الأول، والعشر الثاني الأوسط، لكنَّها بالنسبة للعشر الأواخر لابد من طلبها في جميع الليالي.

«مِنْ رَمَضَانَ» "من" هذه تبعيضية أم بيانية؟

المُقَدِّم: بيانية.

وهي بعض أيضًا، يعني فيها شوب التبعيض، وكثيرًا ما تأتي البيانية في شوب التبعيض والعكس، خاتم من حديد، بيان، لكنَّ الخاتم بعض من الحديد.

«فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَخَطَبَنَا» بـ"فاء" التعقيب، وفي كلام كثير لأهل العلم حول «خَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَخَطَبَنَا»، لماذا؟ لأنَّ العشرين مازالت العشر الأوسط ما انتهت، تنتهي بغروب الشمس.

المُقَدِّم: يوم عشرين.

يوم عشرين. «فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَخَطَبَنَا» بـ"فاء" التعقيب، قال العيني: يُشكل على هذا رواية مالك من حديث أبي سعيد على ما يأتي فإنَّ فيه «كان يعتكف العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عامًا حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه» يقول العيني: قلت: معنى قوله:« وهي التي يخرج من صبيحتها» أي من الصبح الذي قبلها، يعني صبح عشرين، أي من الصبح الذي قبلها فيكون في إضافة الصبح إليها تجوز ويوضحه أن في رواية الباب الذي يليه «فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي وتستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه». ونحوه لابن حجر بأطول منه تقريرًا، يعني ابن حجر أطال حول هذه، وهذا ملخص ما في كلامه؛ لأنَّ ابن حجر يذكر روايات، ثم قال ابن حجر: وقد أطال ابن دحية في تقرير أنَّ الليلة تضاف لليوم الذي قبلها.  يعني ابن دحية هو الخطاب، ابن دحية له مؤلفات في المناسبات، مؤلف في رجب، مؤلف في كذا، مؤلف في كذا..إلخ.

قال: وقد أطال ابن دحية في تقرير أنَّ الليلة- في المواسم والأيام أيضًا له مؤلف- وقد أطال ابن دحية في تقرير أنَّ الليلة تضاف لليوم الذي قبلها. ورد على من منع ذلك، ولكن لم يوافَق على ذلك، الأصل أنَّ الليلة تضاف

المُقَدِّم: إلى ما بعدها.

إلى اليوم الذي بعده، إلا ليلة.

المُقَدِّم: عرفة.

أو ليلة جمع.

المُقَدِّم: ليلة مزدلفة.

نعم، فقال ابن حزم: رواية ابن أبي حازم والدراوردي يعني رواية حديث الباب مستقيمة، ورواية مالك مشكلة، وأشار إلى تأويلها بنحو ما ذكرته- ابن حجر-، وأشار إلى تأويلها بنحو ما ذكرته، ويؤيده أنَّ في رواية الباب الذي يليه «فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه»، وهذا في غاية الإيضاح. لكن يبقى أنَّ رواية الباب مشكلة، نعم، هذا في غاية الإيضاح لإيضاح رواية مالك، لكن على رواية الباب مشكلة، يستقبل إحدى وعشرين، يستقبلها قبل غروب شمس يوم عشرين، لا يُمكن.

أفاد ابن عبد البر في الاستذكار أنَّ الرواة عن مالك اختلفوا عليه في لفظ الحديث، فقال بعد ذكر الحديث: هكذا رواه يحيى بن يحيى ويحيى بن بكير والشافعي عن مالك «يخرج في صبيحتها من اعتكافه»، ورواه ابن القاسم وابن وهب والقعنبي وجماعة عن مالك فقالوا: «وهي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه»، والرواة الأُوَل يحيى بن يحيى، وابن بكير والشافعي قالوا: «يخرج في صبيحتها من اعتكافه». قال: وقد روى ابن وهب وابن عبد الحكم عن مالك فقال: من اعتكف أول الشهر أو وسطه فإنَّه يخرج إذا غابت الشمس من آخر يوم من اعتكافه، من اعتكف أول الشهر أو وسطه اعتكف العشر، نعم الأول، العشر الأوسط مثلًا، يخرج منه بغروب اليوم، بغروب شمس اليوم العاشر، أو بغروب شمس اليوم العشرين، ومن اعتكف في آخر الشهر فلا ينصرف إلى بيته حتى يشهد العيد. يعني استحب هذا جماعة من أهل العلم، لكن بغروب شمس آخر يوم من رمضان انتهت العشر، وانتهى رمضان، فالمكث في ليلة العيد وشهود العيد قبل أن ينصرف إلى بيته، ويشهد صلاة العيد بثياب الاعتكاف كما يقرره كثير من الفقهاء، كل هذا من باب الاستحسان والاستحباب.

المُقَدِّم: لكنه خلاف السُّنَّة.

على كل حال هل منشأ ذلك من أجل إحياء ليلة العيد التي جاء في فضلها الحديث الضعيف المعروف «من أحيا ليلتي العيدين لم يمت قلبه» هذا حديث ضعيف، لكن لعل مستندهم مثل هذا، وأنَّه يشهد صلاة العيد بثيابه، مع أنَّ السُّنَّة المعروفة من فعله- عليه الصلاة والسلام-.

المُقَدِّم: التجمل يوم العيد.

أنَّه كان يتجمل للعيد.

المُقَدِّم: كان يخرج من معتكفه- عليه الصلاة والسلام- إذا أُعلن العيد.

هذا الأصل أنَّ رمضان ينتهي بغروب الشمس من آخر يوم منه، قال ابن عبد البر: ولا خلاف في الأول- يعني أنَّه يخرج بغروب الشمس من آخر يوم من اعتكافه-، وإنَّما الخلاف فيمن اعتكف العشر الأخير هل يخرج إذا غابت الشمس أو لا يخرج حتى يصبح؟ قال: وأظن الوهم دخل من وقت خروج المعتكف، الوهم في أيش؟ فمن روى عن مالك، نعم، رواية الباب، وأظن الوهم دخل من وقت خروج المعتكف، هذا كلام ابن عبد البر، يقول ابن حجر: وهو بعيد؛ لما قرره هو من بيان محل الاختلاف، يعني الاختلاف على مالك- رحمه الله-.

قال ابن حجر: وقد وجَّه شيخنا الإمام البلقيني رواية الباب بأنَّ معنى قوله: «حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين» أي حتى كان المستقبل من الليالي ليلة إحدى وعشرين، وقوله: (وهي الليلة التي يخرج) الضمير يعود على الليلة الماضية ويؤيد هذا قوله: «من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر»؛ لأنَّه لا يتم ذلك إلا بإدخال الليلة الأولى. لابد أن يكون قد دخل معتكفه مع غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين ليصح أنَّه اعتكف العشر الأواخر. انحل الإشكال أم ما انحل؟ ما انحل بوضوح، يعني يبقى أنَّ المسألة لابد فيها أن يُحكم على إحدى الروايتين بالوهم، لكنني أقول بحثًا لا جزمًا؛ لأنَّي أخشى أن تخرج على رواية لم أطلع عليها تهدم ما ذكرت، فأقول: إنَّ رواية مالك وقوله: «حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه» يعني في السنوات الماضية، إذا أراد أن يعتكف العشر الأواسط خرج ليلة إحدى وعشرين هي التي يخرج منها من اعتكافه.

المُقَدِّم: في المعتاد.

نعم، يعني في السنوات الماضية، وذلك لاستكمال العشر الأوسط، ولا يُمكن استكمالها حتى تغيب شمس يوم العشرين من الشهر، وتدخل ليلة إحدى وعشرين. أمَّا في السنة المذكورة في حديث الباب، نعم، التي أُرِيَ فيها ليلة القدر وأنَّه يسجد في ماء وطين وهي ليلة إحدى وعشرين، فقد خرج من صبيحة عشرين؛ ليتهيـأ للاعتكاف في العشر الأواخر، ليخبرهم بهذه الرؤيا ويتمكنوا معه من العود إلى الاعتكاف في العشر الأواخر، ظهر أم ما ظهر؟

المُقَدِّم: ظهر، لكن يا شيخ هذا يحتاج إلى مجموعة من الأمور.

مثل أيش؟

المُقَدِّم: أولًا: يعني الذي يظهر- والله أعلم- أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- أول ما شُرِعَ الصيام اعتكف العشر الأوَل، السنة القادمة اعتكف العشر الوسط، هذه السنة الثالثة يعني من الهجرة بقي لك كم سنة، بقي سبع سنوات، والحديث حديث عائشة المعروف كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأخيرة من رمضان حتى توفاه الله، فكوننا نحكم على رواية الإمام مالك هذه، هذا يدل على أنَّها أكثر من مرة، إمَّا ثلاث مرات، أو أربع مرات، وهذا لا يُتصور.

وأيش المانع؟

المُقَدِّم: ما يُتصور.

لأنَّه يقول: «حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها» كانت تدل على الاستمرار.

المُقَدِّم: يعني خرج مرة مرتين، يُستبعد أن يكون أكثر من ذلك.

ولو، لنفرض أنَّها مرتين، أو مرة واحدة في سنة مضت، إذا قلنا (كان) لا تدل على الاستمرار. وجاءت نصوص تدل على هذا ما تدل على الاستمرار، يعني العام الماضي خرج ليلة إحدى وعشرين، استكمل العشر الأوسط، هذه الليلة أُري في منامه إمَّا في ضحى أو ليلة عشرين أُرِي في المنام، لمَّا أصبح قال: انتهى، من اعتكف يرجع إلى معتكفه ليلة إحدى وعشرين.

المُقَدِّم: معنى ذلك أنَّه ما اعتكف في العشر الأواخر إلا أربع مرات فقط؛ لأنَّ في مرة من المرات توقف لم يعتكف لمَّا رأى الأخبية.

طيب.

المُقَدِّم: فاعتكف في العشر الأول من شوال.

جيد.

المُقَدِّم: وعندنا الآن مرتان اعتكف الوسط والأول والمرة الثالثة التي نفترضها هذه أربع سنوات.

وأيش المانع؟

المُقَدِّم: يعني.

ما فيه ما يمنع، أنا أقول لك بحث، أنا أخشى أن يخرج عليَّ رواية تهدم ما قلت، وإلا فهذا واضح بالنسبة لتصوري، يعني ما ذكره أحد من الشُّراح، لكن لابد رواية إمام نجم السنن مالك، يعني نقول روايتين مختلفتين في مسألة واحدة، والرواية كل الرواة عنه جِلة الذين رووا عنه، لابد أن نقول: إنَّ رواية مالك وقوله: «حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه» يعني في السنوات، نعم، «ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها» يعني في السنوات الماضية، وذلك لاستكمال العشر الأوسط، ولا يُمكن استكماله حتى تغيب شمس يوم العشرين من الشهر، وتدخل ليلة إحدى وعشرين. أمَّا في السنة المذكورة التي أُرِي فيها ليلة القدر، وأنَّه يسجد في ماء وطين، يعني الماء والطين متى سجد؟ ليلة إحدى وعشرين.

المُقَدِّم: فجرًا.

ليلة، هذه الرؤيا ليلة القدر هي ليلة إحدى وعشرين؛ لأنَّه سجد في صبيحتها يوم واحد وعشرين، فقد خرج صبيحة عشرين ليخبرهم بهذه الرؤيا ويتمكنوا معه إلى الاعتكاف في العشر الأخير والله أعلم، وعلى كل حال هذا احتمال من ضمن الاحتمالات التي ذكرها أهل العلم.

وقال في خطبته- عليه الصلاة والسلام-: «إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» بضم أوله على البناء لغير معين، وهي من الرؤيا أي التي أُعلمت بها، أو من الرؤية أي أبصرتها وإنَّما أُرِيَ علامتها وهي السجود في الماء والطين كما وقع في رواية همام المشار إليه بلفظ: "حتى رأيت أثر الماء والطين على جبهة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تصديق الرؤيا".

المُقَدِّم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، لعلنا نستكمل بإذن الله ما تبقى في حلقة قادمة. أيُّها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإيَّاكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة قادمة وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.