شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الاعتكاف - 29

 

المقدم:

 

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام إلى لقاء جديد في شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، هذا البرنامج الذي نستضيف فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير -وفقه الله- عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، فمرحبًا بكم معالي الشيخ وأهلاً وسهلاً.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: بدأتم يا شيخ في ذكر أطراف حديث صفية -رضي الله تعالى عنها-، وهل بقي من هذه الأطراف شيء؟

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد، فقد بقي من أطرافه السادس والسابع، فالسادس: في كتاب الأدب في باب التكبير والتسبيح عند التعجب، قال -رحمه الله-: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري، ح وحدثنا إسماعيل قال: حدثني أخي عن سليمان عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن علي بن الحسين أن صفية بنت حيي زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- أخبرته أنها جاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوره وهو معتكف في المسجد، في العشر الغوابر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة من العشاء فذكر الحديث.

يقول ابن حجر: قوله: باب التكبير والتسبيح عند التعجب، قال ابن بطال: التسبيح والتكبير معناه تعظيم الله وتنزيهه من السوء، واستعمال ذلك عند التعجب واستعظام الأمر الحسن، وفيه تمرين اللسان على ذكر الله تعالى، وهو توجيه جيد كأن البخاري رمز إلى الرد على من منع ذلك، لماذا يذكر أن هناك من منع؟ يعنى وهل يتصور أن يمنع أحد من التسبيح والتكبير؟

المقدم: عند التعجب؟

عند التعجب؛ لأنه يذكر الله، ولا يقصد بذلك ذات الذكر، إنما يقصد بذلك التعجب.

المقدم: كأنه صرف هذه العبادة؟

نعم، كأنه وضعها في غير موضعها، ولذلك ينكر بعض الناس من يردد بعض الأذكار أو بعض الأقوال الحسنة أو بعض الأشعار المستحسنة عند العمل مثلاً، مع أنه عُرف أنهم لما كانوا يبنون المسجد في عهده -عليه الصلاة والسلام- أنهم يقولون بعض الأشعار.

المقدم: يرجزون.

يرتجزون، المقصود أن مثل هذه الأمور كون الإنسان يعود لسانه ذكر الله -جل وعلا- هذا مما يحمد عليه.

المقدم: لكن لم يكن من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه..

يسبح ويكبر، وهذا ديدن أهل العلم قاطبة، لكن وجد من آثار مثل هذا؛ لأن البخاري -رحمه الله- تعالى يترجم بتراجم يقصد بها الرد على من خالف، باب قول الرجل: ما صلينا، الترجمة لها فائدة؟ نعم يريد بذلك الرد على من منع هذا اللفظ، ويريد أن ينبه أن هناك من قال بالمنع، لكن لا وجه له، ومثل هذا كثير عنده -رحمه الله-. وذكر فيه حديث صفية بنت حيي في قصة الرجلين اللذين قال لهما النبي -صلى الله عليه وسلم-: «على رسلكما، إنها صفية»، فقال: سبحان الله، أورده من طريق شعيب بن أبي حمزة، ومن طريق ابن أبي عتيق، وساقه على لفظ ابن أبي عتيق، وقد تقدم شرحه في الاعتكاف. وقوله: «العشر الغوابر» بالغين المعجمة ثم الموحدة المراد بها هنا البواقي، وقد تطلق أيضًا على المواضي، وهو من الأضداد.

المقدم: قلت العشر هي أو قال: العشر الغوابر ولا الأربع؟

الغوابر.

المقدم: العشر قال؟

أي في العشر الغوابر. وقوله: العشر الغوابر بالغين المعجمة ثم الموحدة المراد بها هنا البواقي، وقد تطلق أيضًا على المواضي وهو من الأضداد.. بالمناسبة لما طبع كتاب الذهبي العِبر في خبر من غَبر، والمراد به من مضى، في التاريخ في تاريخ الذهبي هذا المختصر في خبر من غبر يعنى من مضى، كثر الكلام في معنى غبر حتى إن بعضهم استدرك على الذهبي وقال: الأصل أن يقول: عبر يعنى مضى، ولأن من غبر من بقي، ثم بعد ذلك كتب من كتب وهو الموجود يعنى يكتب اللغة وهو من الأضداد، يستعمل في البواقي، كما يستعمل في المواضي، وهو من الأضداد. يقول ابن حجر: وهو مطابق لما ترجم له؛ لأن الظاهر أن مرادهما بقولهما: سبحان الله، التعجب من القول المذكور بقرينة قوله: وكبر عليهما، أي عظم وشق، والموضع السابع في كتاب الأحكام في باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولاية القضاء أو قبل ذلك للخصم، في كتاب الأحكام في باب الشهادة التي تكون عند الحاكم في ولاية القضاء أو قبل ذلك للخصم. قال -رحمه الله-: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن علي بن الحسين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتته صفية بنت حيي، فلما رجعت انطلق معها، فمر به رجلان من الأنصار فدعاهما فقال: «إنما هي صفية»، قالا: سبحان الله، قال: «إن الشيطان يجري من بن آدم مجرى الدم» رواه شعيب وابن مسافر وابن أبي عتيق وإسحاق بن يحيى عن الزهري عن علي -يعنى ابن الحسين- عن صفية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

يقول ابن حجر: قوله: باب الشهادة التي تكون عند الحاكم في ولاية القضاء أو قبل ذلك للخصم، أي هل يقضي له على خصمه بعلمه ذلك أو يشهد له عند حاكم آخر؟ يعنى إذا كان القاضي يعلم القضية، يعرف القضية، فهل يقضي بعلمه أو لابد أن يؤدي هذا العلم عند قاضٍ آخر؟ يعنى مسألة قضاء القاضي بعلمه مسألة خلافية بين أهل العلم معروفة. هكذا أورد الترجمة مستفهمًا بغير جزم؛ لقوة الخلاف في المسألة، وإن كان آخر كلامه يقتضي اختيار ألا يحكم بعلمه فيها. قوله: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتته صفية بنت حيي هذا صورته مرسل؛ لأنه يحكي قصة لم يشهدها مثل ما مر بنا في مواضع سبقت.

هذا صورته مرسل، ومن ثم عقّبه البخاري بقوله: رواه شعيب وابن مسافر وابن أبي عتيق وإسحاق بن يحيى عن الزهري عن علي بن الحسين عن صفية يعنى أنه حكى القصة عن صاحبتها، يعنى فوصلوه، فتُحمَل رواية إبراهيم بن سعد على أن علي بن حسين تلقاه عن صفية. ووجه الاستدلال بحديث صفية لمن منع الحكم بالعلم أنه -صلى الله عليه وسلم- كره أن يقع في قلب الأنصاريَين من وسوسة الشيطان شيء، فمراعاة نفي التهمة عنه -عليه الصلاة والسلام- مع عصمته تقتضي مراعاة نفي التهمة عمن هو دونه. النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه لما قال ما قال: إنها صفية، يريد أن ينفي التهمة التي يتوقع أن يقذف بها الشيطان في قلبيهما، فإذا كان هذا بجنابه مع عصمته -عليه الصلاة والسلام- ألا يمكن أن يحتاط للقضاة وأن تنفى التهمة عنهم بألا يحكموا بعلمهم فيُتهموا؟!

والحديث خرجه الإمام مسلم، فهو متفق عليه.

المقدم: أحسن الله إليكم، الحديث التالي يا شيخ؟

نعم.

المقدم: قال المؤلف -رحمه الله-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يومًا.

هنا راوي الحديث هو راوية الإسلام الصحابي الجليل أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، على خلاف في اسمه تقدم بيانه، ومر ذكره مرارًا، والحديث ترجم عليه الإمام البخاري -رحمه الله- بقوله: باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان، العشر الأوسط من رمضان.

المقدم: ما قال له آخر.

نعم؛ لأن اعتكاف عشرين يومًا ما يمكن أن يقال: في الأواخر، حتى يكون معها الأواسط. باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان، قال ابن حجر: كأنه أشار بذلك إلى أن الاعتكاف لا يختص بالعشر الأخير وإن كان الاعتكاف فيه أفضل، يقول الكرماني: فإن قلت: كيف يدل على الترجمة، وهو أنه العشر الأوسط؟ قلت: هذا مطلق، والروايات الأخرى مقيدة بالأوسط، فيحمل المطلق عليه، أو الغالب أنه لا يفهم من إطلاق العشرين إلا عشرين يومًا متوالية، فيلزم اعتكاف العشر الأوسط ضرورة؛ لأنها إن كانت العشرين الأوائل ففيها العشر الأوسط، وإن كانت العشرين الأواخر بعد العشر الأول..

المقدم: ففيها أيضًا.

 ففيها الأوسط، يقول ابن حجر أيضًا مقررًا كلام العيني: مطابقة الحديث للترجمة، فإن الظاهر بإطلاق العشرين أنها متوالية، فيتعين لذلك العشر الأوسط، أو أنه حمل المطلق على هذه الرواية على المقيد في الروايات الأخرى وهذا كلام الكرماني. ويقول العيني: أي هذا باب في بيان مباشرة الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان، وكأنه أشار بذلك إلى أن الاعتكاف لا يختص بالعشر الأخير وإن كان فيه أفضل، ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: عشرين يومًا؛ لأن فيها العشر الأوسط.

قوله: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، قال ابن بطال: هذا يدل على أن الاعتكاف من السنن المؤكدة، كان يعتكف في كل رمضان، هذا يدل على أن الاعتكاف من السنن المؤكدة؛ لأنه مما واظب عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فينبغي للمؤمنين الاقتداء به في ذلك، الاقتداء بنبيهم في ذلك. وذكر ابن المنذر عن ابن شهاب أنه كان يقول: عجبًا للمسلين، تركوا الاعتكاف وإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتركه منذ دخل المدينة كل عام في العشر الأواخر حتى قبضه الله، يعنى هذه سنة مؤكدة وكادت أن تُهجر في بعض الأزمان وفي بعض الأماكن حتى إن الإمام مالك ذكر أن الناس هجروها، وقال العيني: قاعدة أصحابنا أن مواظبته -صلى الله عليه وسلم- على عمل يدل على الوجوب، والسنة المؤكدة في قوة الواجب، العيني يقول: قاعدة أصحابنا أن مواظبته -صلى الله عليه وسلم- على عمل يدل على الوجوب والسنة المؤكدة في قوة الواجب.

المقدم: نعم، ولعلكم توضحون فضيلة الشيخ هذا الأمر في الحلقة المقبلة، حيث انتهى وقتنا في هذا اللقاء، نتقدم في ختامه بالشكر الجزيل لمعاليكم، شكر الله لمعالي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير -وفقه الله- عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، ولكم أنتم مستمعي الكرام ونلقاكم في لقاء مقبل بإذن الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.