شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1426 هـ) - 02

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقةٍ جديدة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح لصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.   

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في حديث  زيد بن ثابت –رضي الله عنه- في باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من فوائد الحديث مما تقدم تأنيس الفاضل أصحابه بالمؤاكلة، وجواز المشي بالليل للحاجة، وهذا تقدم الكلام فيه عن الحافظ ابن حجر  وتعقُّب العيني له، وفيه أيضًا حُسن الأدب في العبارة.

المقدم: «قدر خمسين آية» أو غيرها؟

لا، غيرها.

حُسن الأدب في العبارة لقوله: تسحرنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، ولم يقل: تسحرنا نحن ورسول الله –صلى الله عليه وسلم–، جاء بـ(مع) المشعرة بالتبعية، ولم يقل: نحن ورسول الله –صلى الله عليه وسلم– "لما يُشعر لفظ المعية بالتبعية" قاله ابن حجر، (مع) يعني: حينما تقول: جئت مع فلان.

المقدم: الفضل يكون له.

نعم، ولو تقول: جاء فلان معي.

المقدم: فهو التابع.

فهو التابع، وهذا ظاهر من تصرفاتهم، والأسلوب يدل عليه؛ ولذا يقول ابن الجوزي: يُستدل على ذكاء الطفل من أول الأمر حينما يقول: مَن يلعب معي؟ هذا يُتوقع أن يكون رأسًا، لكن مَن يقول: مَن ألعب معه؟ فهذا تابع، فلا شك أن مثل هذا واضح في التبعية.

وتعقَّبه العيني بقوله: كلمة (مع) موضوعة للمصاحبة، وإشعارها بالتبعية ليس من موضوع الكلمة، ومعنى قوله: تسحرنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أي: في صحبته، وأقول مثل هذا: كونها وُضعت للمصاحبة لا ينفي التبعية، مثل ما ذكرنا في المثال والتبعية فيها واضحة.

وفيه الاجتماع على السحور يعني: ما يتسحر الإنسان بمفرده، فالنبي –عليه الصلاة والسلام– كانوا يتسحرون معه، وهو فرعٌ من الحث على الاجتماع على الطعام في الجملة؛ لحصول البركة. وفي المسند والسنن من حديث وحشي بن حرب: «اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه يُبارَك لكم فيه» وهو حديثٌ حسن.

يقول القرطبي في المفهِم: هذا الحديث يدل على أنه كان يفرغ من السحور قبل طلوع الفجر.

نعم، يقول القرطبي في المُفهِم –مختصر مسلم–: هذا الحديث يدل على أنه كان يفرغ من السحور قبل طلوع الفجر، بدليل: كم كان بين الأذان والسحور؟ وهو معارَضٌ بظاهر حديث حذيفة حيث قال: هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع، فيمكن أن يُحمل حديث حذيفة على أنه قصد الإخبار بتأخير السحور، فأتى بتلك العبارة، يعني: قصد المبالغة.

 حديث حذيفة حينما قال: هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع، هل يُتصور أنهم أكلوا بعد طلوع الصبح وبعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس؟

المقدم: لا، ما يُتصور.

لا؛ إنما قُصِد بذلك المبالغة في الرد على من يُعجِّل السحور، ويُحتاج إلى مثل هذا الأسلوب أحيانًا في مقابلة الخصم المتشدد المبالغ، يحتاج أن يُقابَل بمبالغة.

فيُمكن أن يُحمل حديث حذيفة على أنه قصد الإخبار بتأخير السحور، فأتى بتلك العبارة.

قال ابن حجر: والجواب أن لا معارضة، بل تُحمل على اختلاف الحال، فليس في رواية واحدٍ منهما ما يُشعر بالمواظبة، فتكون قصة حذيفة سابقة.

يعني: يفعل هذا أحيانًا، ويفعل هذا أحيانًا، لكن قصة حذيفة سابقة، يعني: مفهوم كلام ابن حجر أنها منسوخة بما ذُكر في الأحاديث، وما جاء {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة:187]، وأنه لا يجوز الأكل بعد طلوع الصبح.

يعني كلام ابن حجر يُفهم منه أن قصة حذيفة سابقة يعني: منسوخة.

قال العيني متعقبًا ابن حجر قلت: هذا الجواب لا يشفي العليل، ولا يروي الغليل، بل الجواب القاطع ما ذكره أبو جعفر الطحاوي بقوله بعد أن روى حديث حذيفة، وقد جاء عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خلاف ما رُوي عن حذيفة، فذكر الأحاديث التي اتفق عليها الشيخان وغيرهما، منها قوله –صلى الله عليه وسلم–: «لا يمنعنَّ أحدكم أذان بلال.. الحديث».

وقال أيضًا: وقد يحتمل أن يكون حديث حذيفة –والله أعلم– قبل نزول قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا .. } الآية، وقال أبو بكر الرازي ما ملخصه: لا يثبت ذلك عن حذيفة، ومع ذلك هو من أخبار الآحاد، فلا يجوز الاعتراض به على القرآن، قال الله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}، فأوجب الصيام بظهور الخيط الأبيض الذي هو بياض الفجر، فكيف يجوز التسحر الذي هو الأكل بعد هذا مع تحريم الله إياه بالقرآن؟!

الآن ماذا خلص إليه العيني من كلام أبي جعفر الطحاوي؟

المقدم: إلى رد النسخ، هذا أولًا.

أنه غير منسوخ؟

المقدم: نعم اعتراضه على كلام..

لا، هو ما تطرق للجملة الأخيرة لابن حجر. ابن حجر قال في آخر كلامه: فتكون قصة حذيفة سابقة، فقال العيني: هذا الجواب لا يشفي العليل ولا يروي الغليل، بل الجواب القاطع ما ذكره أبو جعفر الطحاوي بقوله بعد أن روى حديث حذيفة: وقد جاء عن رسول –صلى الله عليه وسلم– خلاف ما رُوي عن حذيفة، فذكر الأحاديث التي اتفق عليها الشيخان منها قوله –عليه الصلاة والسلام–: «لا يمنعنَّ أحدكم أذان بلال.. » الحديث. قال: ويحتمل أن يكون حديث حذيفة –والله أعلم– قبل نزول قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا}، فيكون حديث حذيفة منسوخًا.

المقدم: منسوخ.

منسوخ لكلام العيني أيضًا، فيتفق مع كلام ابن حجر؛ لأن ابن حجر يقول: فتكون قصة حذيفة سابقة، وكونها سابقة يقتضي أنها منسوخة، والعيني لما نسف كلام ابن حجر قال: يحتمل أن يكون حديث حذيفة قبل نزول قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا}، فعاد إلى كلام ابن حجر.

وقال أبو بكر الرازي ما ملخصه: لا يثبت ذلك عن حذيفة، لماذا؟ لأنه حديث معارض بما هو أقوى منه؟

المقدم: الآية.

بالآية والأحاديث الصحيحة الصريحة، فيُحكم عليه بعدم الثبوت؛ لأنه معارض بما هو أقوى منه.

يقول أبو بكر الرازي المعروف بالجصاص من أئمة الحنفية، يقول: لا يثبت ذلك عن حذيفة، ومع ذلك هو من أخبار الآحاد، فلا يجوز الاعتراض به على القرآن، قال الله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ }، فأوجب الصيام بظهور الخيط الأبيض الذي هو بياض الفجر، فكيف يجوز التسحر الذي هو الأكل بعد هذا مع تحريم الله إياه بالقرآن؟

الآن أيش صار الخلاف بين ابن حجر والعيني؟

المقدم: لفظي.

انتهى إلى لا شيء؛ ولذا اكتفى الحافظ ابن حجر في انتقاض الاعتراض بقوله: انظر واحمد ربك على العافية.

المقدم: رحمهم الله.

الحنفية لهم مواقف مع خبر الآحاد إذا عارض القرآن، إذا كان في ظاهره ما يعارض القرآن ولو أمكن الجمع. كثيرًا ما يكون هذه زيادة على النص فتكون نسخًا عندهم، والمقطوع به لا يُنسخ بالآحاد الذي هو مظنون به، فيعتبرونه غير ثابت، غير صحيح، وعلى هذا جرى كلام الجصاص.

اكتفى ابن حجر في انتقاض الاعتراض بقوله: انظر واحمد ربك على العافية، لماذا؟ لأن العيني رجع إلى كلام ابن حجر.

المقدم: ما جاء بجديد.

نعم، ما جاء بجديد، لكن كلام ابن حجر ليس بصريح في النسخ، لكن كون قصة حذيفة سابقة واضح وإن لم يكن صريحًا.

قال البوصيري في المبتكرات: أقول: إن الجملة الأخيرة من كلام ابن حجر مشعرة بأن الآية ناسخة لكل ما تقدمها مما يخالفها الذي منها حديث حذيفة، وليس فيها ما يُفهم بأن حديث حذيفة يُعمل بمقتضاه بعد نزول الآية، بل كان عُمِل بها في بعض الأحوال وهو ما كان قبل نزول الآية، وعلى كل حال فالواجب على العيني أن ينقل عبارة ابن حجر الأخيرة أو يتأملها قبل الاعتراض، ولعله لو فعل لأغناه عن تكلف الاعتراض –والله أعلم–.

هذا كلام صاحب المبتكرات، مبتكرات اللآلئ والدرر في المحاكمة بين العيني وابن حجر للبوصيري.

وفي شرح ابن بطال قال المهلب: هذا يدل على تأخير السحور ليتقوى به على الصوم، وإنما كان يؤخره إلى الفجر الأول الذي هو البياض المعترض في الأفق؛ ولذلك جعل الله الفجر الأول حدًّا للأكل بقدر ما يُتم آكله فيطلع الفجر الثاني.

واضح كلامه ليس بواضح؟

المقدم: لا ما هو بواضح.

يقول المهلب: هذا يدل على تأخير السحور ليتقوى به على الصوم.

المقدم: هذا واضح.

وإنما كان يؤخره إلى الفجر الأول الذي هو البياض المعترض في الأفق، الذي ينتشر البياض المعترض؛ ولذلك جعل الله الفجر الأول حدًّا للأكل بقدر ما يُتم آكله فيطلع الفجر الثاني، ولولا هذا الفجر الأول لصعُب ضبط هذا الوقت على الناس، فقيل لهم: إذا رأيتم الفجر الأول فهو نذيرٌ بالثاني، وهو بأثره بقدر ما يتعجل الأكل وينهض إلى الصلاة.

هو يجعل في كلامه ما يدل على أن هناك فاصلًا بين نهاية الأكل والفجر الثاني، يعني: إذا طلع الفجر الأول فكن على حذر، خفف؛ لأنه قد يطلع الفجر الثاني دون أن تشعر فتكون قد أكلت في وقت الصيام، وهذا مما يُدرجه بعض أهل العلم في قاعدة "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" كغسل جزء من الرأس تبعًا للوجه، وإمساك جزء من الليل يعني: احتياطًا للصيام.

فأنت تُمسك قبل طلوع الفجر الثاني، لكن ماذا عن الآية {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} يعني: أننا نأكل إلى التبيُّن من الفجر، والمقصود بالفجر: الصادق الذي يمنع الآكل من أكله؛ لأنه جُعِل غاية للأكل.

على كل حال: الإمساك قبل طلوع الفجر الثاني هو مندرجٌ تحت القاعدة "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" وهذه قاعدة معروفة ومطردة عند أهل العلم، "ما لا يتم الواجب إلا به" كغسل جزء من الرأس يُمثلون بهذا، وإمساك جزء من الليل؛ لأنك إذا أكلت في جزءٍ من النهار بعد طلوع الصبح ما صحَّ أنك صمت النهار كاملًا، وإنما أكلت في وقت الصيام، فمن باب الاحتياط أن لا تأكل في وقت طلوع الصبح.

يسأل كثير من الناس أنه أذّن وهو يأكل، أو انتبه من النوم مع الأذان، هل يأكل أو لا يأكل؟ هذا يحصل كثيرًا، أذّن وبيده لقمة أو بيده إناء يشرب.

المقدم: يتوقف، يُمسك ولا يُكمل؟

يُكمل ما بيده، لكن مع ذلك ينبغي أن يُنظر إلى المؤذن نفسه هل هو يؤذن قبل الوقت ويحتاط للناس أو لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت؟ يُنظر في عادة وقاعدة المؤذن المطردة، فإن كان يؤذن بعد طلوع الفجر فلا يجوز الأكل بحال، أما إذا كان يؤذن قبل طلوع الفجر فمثل هذا لا مانع من إكمال ما بيده، مع ما يُثار حول التقويم من أنه متقدم على الوقت أو غير متقدم وهذه المسألة تحتاج إلى مزيد عناية.

فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه وإذا سمع المؤذن لا يأكل إلا إذا عرف من عادة المؤذن المطردة وبتصريحه لهم إذا سألوه وقال: إنه يؤذن قبل الوقت، إذا كان ممن يرقبون الوقت، فمثل هذا لا مانع من الأكل وهو يؤذن، أما مع الجهل فالاحتياط لهذه العبادة وهي ركن من أركان الإسلام أمرٌ لابد منه.

والحديث هذا خرَّجه الإمام البخاري هنا، وقبل ذلك في مواقيت الصلاة في باب وقت الفجر رقم خمس وسبعين وخمسمائة، قال: حدثنا عمرو بن عاصم، قال: حدثنا همام عن قتادة، عن أنس أن زيد بن ثابت حدثه أنهم تسحروا مع النبي –صلى الله عليه وسلم– ثم قاموا إلى الصلاة.. الحديث، وفيه قدر خمسين أو ستين آية.

وقال بعده في رقم ست وسبعين وخمسمائة في الباب المذكور: حدثنا حسن بن صباح، سمع روحًا، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك أن نبي الله –صلى الله عليه وسلم– وزيد بن ثابت تسحرا، فلما فرغا من سحورهما .. الحديث.

وفي كتاب التهجد في باب من تسحر فلم ينم حتى صلى الصبح، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا روحٌ قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك أن نبي الله –صلى الله عليه وسلم– وزيد بن ثابت تسحرا.. الحديث، وهذا حديث رواه مسلم فهو متفقٌ عليه.

المقدم: قال –رحمه الله–: عن أنس بن مالك –رضي الله عنه– قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم–: «تسحروا فإن في السحور بركة».

راوي الحديث الصحابي الجليل أنس بن مالك خادم رسول الله –صلى الله عليه وسلم– تقدم مرارًا، وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري –رحمه الله تعالى– بقوله: باب بركة السحور.

المقدم: من غير إيجاب.

باب بركة السحور من غير إيجابٍ؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم– وأصحابه واصلوا، ولم يُذكر السحور.

الحديث فيه أمر «تسحروا»، والبخاري قال: باب بركة السحور من غير إيجاب؛ ليدل على أن الأمر هنا للندب لا للإيجاب، واستدل بحديث الوصال، والوصال من لازمه عدم السحور؛ إذ لو وُجد السحور لما وُجد الوصال.

قال ابن حجر: ولم يُذكر السحور، يُذكر بالضم على البناء للمجهول، وللكشميهني والنسفي: ولم يُذكر سحور.

قال الزين بن المنير: الاستدلال على الحكم إنما يُفتقر إليه إذا ثبت الاختلاف، أو كان متوقعًا، والسحور إنما هو أكلٌ للشهوة وحفظ القوة.

الزين بن المنير في المناسبات يقول: الاستدلال على الحكم بهذا الحديث والترجمة (باب بركة السحور من غير إيجاب) يعني: لماذا قال البخاري من غير إيجاب؟ هل يُحتاج إلى أن يقول البخاري من غير إيجاب وهو لا يوجد من يُوجب؟

المقدم: يمكن يُفهم من قوله: «تسحروا» الأمر للوجوب.

يعني البخاري –رحمه الله– قد يترجم بترجمة غريبة جدًّا، لماذا؟ للرد على من قال بشيء. يعني باب الصلاة على الحصير، وصلى النبي –عليه الصلاة والسلام– في حديث أنس على حصيرٍ قد اسود من طول ما لبس، لماذا ترجم البخاري بمصطلح الحصير؟ نحتاج إلى ترجمة؟

المقدم: لأن هناك من يمنع.

من يكره الصلاة على الحصير، لماذا؟ {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء:8] من هذا الباب، وترجم البخاري: باب قول الرجل ما صلينا، فيه أحد يقول: إن "ما صلينا" ما تجوز؟ وأورد حديثًا لما قال عمر: ما صليت؟ فقال النبي –عليه الصلاة والسلام–: ونحن ما صلينا، فيجوز الرجل أن يقول: ما صلينا، ووُجد من السلف من يكره قول: ما صلينا.

فالبخاري يترجم بهذه التراجم للكراهة، للدلالة على الرد على من يقول بمثل هذه الأقوال وإن كانت ظاهرة البطلان، ظاهرة النقض، مثل ما تقدم باب ما جاء في رمضان من غير إضافة شهر؛ لأنه وُجد من يكره قول "رمضان".

المقصود: أن البخاري قد يشير إلى أمرٍ ولو لم يطلع عليه، فالبخاري إنما نص على غير الإيجاب واستدل بحديث الوصال؛ لوجود الأمر، لأنه لن يُعدم من يقول بالوجوب، وإن نُقل الإجماع على أن السحور مستحب.

الاستدلال على الحكم إنما يُفتقر إليه إذا ثبت الاختلاف، أو كان متوقعًا، يعني: ما ثبت اختلاف؛ لأنه نُقل الإجماع، لكن ما يُتوقع أن يوجد خلاف؟ يُتوقع أن يوجد خلاف.

الصنعاني في حاشيته على شرح العمدة قال: ظاهر الأمر الوجوب.

أو كان متوقعًا، والسحور إنما هو أكل للشهوة وحفظ القوة، لكن لما جاء الأمر به احتاج أن يُبين أنه ليس على ظاهره من الإيجاب، وكذا النهي عن الوصال يستلزم الأمر بالأكل قبل طلوع الفجر، انتهى.

مَن المتوقع أن يقول بالوجوب مع صريح الصيغة؟ متوقع أن يقول بالوجوب الظاهرية؛ كثيرًا ما يقولون بالوجوب. ويُنقل الإجماع على الاستحباب، وهم يقولون بالوجوب، لكن يقول ابن حزم في المحلى: لا يضر الصوم تعمد ترك السحور، لماذا؟ لأنه من حكم الليل، والصيام من حكم النهار، ولا يبطل عمل بترك عمل غيره إلا بأن يوجب ذلك نص فيوقَف عنده.

الآن فصل بين السحور وبين الصيام، وهو من متعلقاته وقد ورد الأمر به.

نأتي إلى قوله: في ركعتي الصبح والاضطجاع بعدها.

إذا لم يضطجع بعد ركعتي الصبح تبطل صلاة الفجر عنده، كيف ربط صلاة الفجر بالاضطجاع؟

المقدم: مع أن هذا من عمل الليل.

لا، قد لا يكون من عمل الليل، الاضطجاع بعد ركعتي الصبح، لكن ما الرابط بين هذا الاضطجاع وبين الصلاة؟

المقدم: المقدم: إلا ورود النص.

ما فيه إلا النبي –عليه الصلاة والسلام– اضطجع، وجاء الأمر به «إذا صلى أحدكم ركعتي الصبح فليضطجع» لكنه حديثٌ غير محفوظ، شاذ، أخطأ فيه راويه عبد الواحد بن زياد، وابن حزم يرى أن الصلاة غير صحيحة إذا لم يضطجع، وهنا كأنه يقول للجهة المنفكة: السحور شيء والصيام شيء آخر، لا يضر الصوم تعمد ترك السحور؛ لأنه من حكم الليل، والصيام من حكم النهار، ولا يبطل عمل بترك عمل غيره إلا بأن يوجب ذلك نصٌ فيوقَف عنده.

أقول: يرِد عليه إبطال صلاة الصبح بعدم الاضطجاع بعد ركعتي الصبح؛ ما فيه أدنى ارتباط بين الصلاة وبين الاضطجاع.

تُعقِّب ابن المنير بأن النهي عن الوصال إنما هو أمرٌ بالفصل بين الصوم والفطر فهو أعم من الأكل آخر الليل، فلا يتعين السحور.

الآن الإمام البخاري –رحمه الله– لما ترجم وقال: باب بركة السحور من غير إيجاب؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم– واصل ولم يُذكر السحور، وأمر بالسحور هنا.

وقال ابن المنير: الأمر إنما يُحتاج إليه.. متى يُفتقر إليه إذا ثبت الاختلاف وكان متوقعًا، والسحور إنما هو أكلٌ للشهوة وحفظ القوة، لكن لما جاء الأمر به احتاج أن يبين أنه ليس على ظاهره من الإيجاب، وكذا النهي عن الوصال يستلزم الأمر بالأكل قبل طلوع الفجر.

شف كلامه، الآن النهي عن الوصال يستلزم الأمر بالأكل قبل طلوع الفجر وهو السحور فثبت المطلوب، لكن هل يلزم منه السحور؟

المقدم: ما يلزم.

ما يلزم، لماذا؟ لأنه لو أكل لأفطر قبل صلاة المغرب، انقطع الوصال ولم يثبت السحور، يعني: ما صحَّ أنه تسحر، ولا امتثل هذا الأمر، وقد أفطر بعد أذان المغرب وقبل صلاة المغرب ما ثبت في حقه أنه واصل، ولم يثبت في حقه أنه تسحر.

تُعقِّب بأن النهي عن الوصال إنما هو أمرٌ بالفصل بين الصوم والفطر، فهم أعم من الأكل آخر الليل فلا يتعين السحور.

وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ندبية السحور. وقال القاضي عياض: أجمع الفقهاء على أن السحور مندوب إليه ليس بواجب.

المقدم: أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم.

أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب الصوم في كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، شكرًا لطيب متابعتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.