شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (234)

المقدم:

بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم، وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم في حلقة جديدة من برنامجكم (شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح)، مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه- توقفنا عند قوله: «فجاء عصفوٌر فوقع على حرف السفينة».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،

فقد تقدم حديث عن العصفور، وهل هو العصفور المعروف، وأنه الصرد كما قال بعضهم، أو أنه الخطاف كما ذكر الخطيب في كتابه الرحلة، فوقع على حرف السفينة، فوقع على حرف السفينة قال في النهاية: الحرف في الأصل: الطرف، والجانب، وبه سمي الحرف من حروف الهجاء، قال في النهاية: الحرف في الأصل الطرف، والجانب، وبه سمي الحرف من حروف الهجاء، من أين جاءت هذه التسمية، وهل هي مطابقة للطرف والجانب؟ حرف الهجاء، إلا إذا قلنا: إن الحرف طرف الكلمة، طرف يعني جزء منها.

حرف.

المقدم: حرف.

نعم، لكن في الغالب أن الطرف الذي يكون في الآخر، أو في الأول، الطرف الآخر، أو الطرف الأول يبقى الوسط، هل يقال له: حرف، أو لا يقال له: حرف؟  حرف نعم، نقول فعل، ثلاث حروف، الفاء طرف، واللام طرف.

المقدم: نعم.

والوسط العين، ولذا كثيراً ما يقال في تقرير مذهب أهل السنَّة والجماعة أنهم وسطٌ بين طرفين، فهل نقول للعين إنها حرف، والحرف الأصل الطرف؛ لأنهم قالوا: وبه سمي الحرف من حروف الهجاء.

المقدم: هو حرف.

حرف بلا إشكال، لكن مطابقة الحرف، حرف الهجاء للطرف، تتأتى، أم ما تتأتى؟

المقدم: في العين لا تتأتى.

نعم، وقال الكرماني: وحرف السفينة بالفاء طرفها، فنقر نقرةً بالنصب على المصدر، أو نقرتين عطف عليه؛ أي أخذ بمنقاره مرة أو مرتين، أي أخذ بمنقاره مرة أو مرتين، فقال الخضر: يا موسى ما نقص علمي الذي علمنيه الله، وعلمك الذي علمكُ الله من علم الله -جل وعلا-، قال ابن حجر: لفظ النقص ليس على ظاهره، لفظ النقص ليس على ظاهره؛ لأن علم الله لا يدخله النقص، فقيل: معناه لم يأخذ، ننتبه لهذا.

ما نقص علمي، وعلمك من علم الله إلا إيش؟

المقدم: إلا كنقرة هذا العصفور.

نعم.

المقدم: هل معنى ذلك أن نقص شيء؟

ظاهر اللفظ.

المقدم: ألا نقص؟

نعم، لكن اللفظ ليس على ظاهره، لماذا؟ لأن علم الله -جل وعلا- لا يدخله النقص، فقيل: معناه لم يأخذ، وهذا توجيه حسن، ويكون التشبيه واقعًا على الآخذ لا على المأخوذ منه، وأحسن..

كيف يكون التشبيه واقعًا على الآخذ لا على المأخوذ منه؟

المقدم: يعني هذا العصفور هو الآخذ، والمأخوذ منه البحر

والمأخوذ منه البحر، فهل نقص البحر من أخذة العصفور؟

المقدم: لا.

مهما كان، مهما كان المأخوذ يسيرًا إلا أن له وقعًا، يعني نقص بنسبة ذرة من ملايين، يعني النقص ظاهر في البحر، وإن كان نقص كلا نقص، لكنه أخذ من هذا البحر، فنقص بنسبة هذا المأخوذ، لكن باعتبار القلة المتناهية في النسبة.

المقدم: كأنها لا شيء.

كأنها لا شيء، وحينئٍذ يكون التشبيه من جهة أن البحر لم يتأثر بما أخذ منه، فكأنه لم يؤخذ منه، فعلم الله -جل وعلا- لا ينقص، هكذا قال.

قالوا: وأحسن منه أن المراد بالعلم المعلوم، أن المراد بالعلم المعلوم بدليل دخول حرف التبعيض؛ لأن العلم القائم بذات الله تعالى صفة قديمة لا تتبعض، والمعلوم هو الذي يتبعض، كلام ماشٍ أم لا؟

المقدم: شيء ما.

يعني هل العلم والمعلوم، العلم والمعلوم بينهما فرق؟ بينهما فرق، العلم عبارة عن مجموعة المعلومات.

المقدم: معلومات.

نعم، هذا بالنسبة لما يتعلق بعلم المخلوق، فهل علم الخالق من هذا الباب؟ لأنه قال: وأحسن منه أن يقال: المراد بالعلم المعلوم، بدليل دخول حرف التبعيض؛ لأن العلم قائم بذات الله تعالى صفة قديمة لا تتبعض، يعني هل نستطيع أن نقول مثل ما قلنا في صفة الكلام أنه قديم النوع متجدد الآحاد، أو لا نستطيع؟ لا نستطيع؛ لأن علم الله -جل وعلا- علم الشيء قبل أن يكون الشيء.

المقدم: أن يكون.

قبل أن يكون، وأما الكلام فهو متجدد باعتبار أن الله -جل وعلا- يتكلم متى شاء إذا شاء، فالفرق بينهما ظاهر أم ليس بظاهر؟ ظاهر، علم الله، الله –جل وعلا- علم ما كان، وما يكون، وما لم يكن...

المقدم: لو كان كيف يكون.

لو كان كيف يكون.

دليل هذا قوله -جل وعلا-: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا} [الأنعام:28]، {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا} [الأنعام:28] يعني إذا رأوا العذاب ودخلوا النار، لو ردوا إلى الدنيا، لعادوا لما كانوا عليه قبل موتهم، فهذا لن يكون، لن يكون، وعلم الله- جل وعلا- أنهم لو رُدوا لعادوا.

المقدم: لعادوا.

لعادوا.. وهو لم يكن ولن يكون؛ لأنهم لن يردوا، فعلم الله -جل وعلا- محيطٌ بما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، كما قال الله -جل وعلا-: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا } [الأنعام:28].

أفضل الأجوبة أن يقال: إن هذا النقص الذي في البحر من نقرة العصفور كلا نقص ألبتة، ومن هذه الحيثية اعتبرنا أن البحر لم ينقص بنقرة العصفور مرة أو مرتين، وعلم الله -جل وعلا- لا ينقص، بالنظر إلى جميع ما أولاه وأعطاه إلى جميع خلقه؛ لأن هؤلاء المخلوقات كلها مهما أوتوا من العلم؛ ومهما قيل في آحادهم من كبار أهل العلم أنهم من بحور العلم، فهم لن يخرجوا عن دائرة قول الله -جل وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85].

 وقال الإسماعيلي: المراد أن نقص العصفور لا ينقص البحر بهذا المعنى، لا ينقص البحر بهذا المعنى، وهو كما قيل:

         ولا عيب فيهم

المقدم: غير أن سيوفهم

                        غير أن سيوفهم                                      

                                                           بهن فلول من قراع الكتائبِ

وهذا يمثل به أهل العلم لتأكيد المدح بما يشبه الذم.

            ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم                  بهن فلول من قراع الكتائب

أي ليس فيهم عيب.

وحاصله أن نفي النقص أطلق على سبيل المبالغة، يعني قريب من هذا، في حديث أبي ذر القدسي: «يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فأَعْطَيْتُ كُلَّ واحد... مِنْهُمْ مسألته مَا نقص».

المقدم: إلا كما ينقص المخيط في البحر.

المخيط في البحر، المخيط إذا ادخل وهو يابس ثم أخرج من البحر، وهو مبلول.

المقدم: فيه ماء.

فيه ماء إذا نقص، وهذه النسبة وجودها مثل عدمها كلا شيء، وحاصله أن نفي النقص أطلق على سبيل المبالغة، وقيل: إلا بمعنى ولا، إلا بمعنى ولا؛ أي ولا كنقرة هذا العصفور، أي ولا كنقرة هذا العصفور.

وقال القرطبي: من أطلق هذا اللفظ هنا تجوز، من أطلق اللفظ هنا تجوز؛ لقصده التمسك والتعظيم، إذ لا نقص في علم الله، ولا نهاية لمعلوماته.

 وقد وقع في رواية ابن جريج بلفظ، بلفظ أحسن سياقًا من هذا، وأبعد إشكالًا، فقال: ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور بمنقاره من البحر، وهو تفسير للفظ الذي وقع هنا، لماذا كانت رواية ابن جريج أحسن سياقًا وأبعد إشكالًا؟

المقدم: ليس فيها إشارة إلى نقص علم الله.

نعم، ليس فيها إشارة إنما فيها النسبة، نسبة علم موسى، وعلم الخضر بالنسبة لعلم الله -جل وعلا-.

المقدم: كنسبة ما أخذ العصفور من البحر.

نعم، يقول: وهو تفسير للفظ الذي وقع هنا، يعني ما فيه محظور نسبة علم المخلوق لعلم الخالق؛ يعني العلم المتناهي نسبته إلى العلم غير المتناهي الذي لا نهاية له.

المقدم: لا شيء فيه.

ما فيه إشكال، وبه يفسر ما جاء...

المقدم: إلا كما علمني ربي، ونسبة العلم أنها من الله -عز وجل- ظاهرة في النصوص.

هو لا شك أنا لا أقصد أن الإنسان يكتسب بنفسه، ولذا يطلب العلم من الله -جل وعلا-، وما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالاستزادة من شيء إلا العلم {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114] فهو من الله -جل وعلا-، لكن يبقى أن نسبة علم المخلوق إلى نسبة علم الخالق إلى علم الخالق كما أخذ هذا العصفور من هذا البحر، وهذا في جنب علم الله -جل وعلا- كلا شيء.

 وفي إرشاد الساري قيل: هذا الطائر من الطيور التي تعلو مناقيرها بحيث لا يعلق بها ماء ألبتة. قيل: هذا الطائر من الطيور التي تعلو مناقيرها، كيف تعلو مناقيرها؟ بحيث لا يعلق بها ماء ألبتة، لكن ما يمكن يقع فيها ماء، كيف يشرب؟ الله –جل وعلا- يقول: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ} [الأنبياء:30] الطائر هذا لا بد له من ماء، ولا بد له من شرب، فهذا الكلام فيه ما فيه.

فعمد بفتح الميم في المصباح: عمدت للشيء عمدًا من باب ضرب، وعمدت إليه؛ يعني يتعدى باللام، ويتعدى بإلي، قصدت، وتعمدته قصدت إليه أيضًا، ونبه الصاغاني على دقيقة فيه، فقال: فعلت ذلك عمدًا، يعني ما هي مجرد قَصَد، معنى عمد يعني قصد، وقصد يعني تعمد، ونبه الصاغاني على دقيقة فيه، فقال: فعلت ذلك عمدًا على عين، وعمد عين، أي بجد ويقين، وهذا احتراز ممن يرى شبحًا فيظنه صيدًا فيرميه، فإنه لا يسمى عمد. فإنه لا يسمى عمد عين؛ لأنه إنما تعمد صيدًا على ظنه وعلى احتراز من يرى شبحًا يظنه صيدًا فيرميه فلا يسمى عمد عين؛ لأنه إنما تعمد صيدًا على ظنه، ما معنى هذا الكلام؟ أنه لو قصد جسمًا على شجرة، وظنه طائرًا...

المقدم: ولم يكن ذلك.

وظنه طائرًا فرماه بسهمه فلم وقع تبين أنه ماذا؟

المقدم: يعني مثل حيوانات الأشجار هذه، نوع من القرود مثلًا صغيرة،

أو عرض من العروض النفيسة مثلًا وضعه الإنسان على هذه الشجرة، فأتلفه لا يكون عمدًا؛ لأنه إنما عمد إلى قتل هذا الصيد فتبين غيره، لكن هل لهذا الأثر؟ هل لهذا الظن أثر في الواقع أو لا أثر له؟ لأنه ضامن ضامن سواء قصد أو لم يقصد، فهل له أثر من حيث الحكم الشرعي؟ ما دام ظنه طائرًا، نفترض أنت هذا الطائر في الحرم مثلًا، رأى شبحًا على شجرة فظنه غير طائر.

المقدم: رماه فأصبح طائرًا.

أصبح طائرًا، فيضمن، أم لا يضمن؟

المقدم: يعني يلزم بالفدية.

بالبدل.

المقدم: بالبدل نعم.

فجزاء مثل ما قتل من النعم، والآية قيدت الجزاء {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة:95] بالعمد، وإن كان من أهل العلم أن يضمنه مطلقاً، ولو قتل خطئًا؛ لأن هذا فيه إزهاق، لكن صريح الآية رد هذا.

على كل حال إذا لم يقصد ويعمد إلى الطائر فإنه لا يضمنه.

 فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السفينة، إلى لوح من ألواح السفينة، في المفردات للراغب الأصفهاني المفردات في غريب القرآن، اللوح واحد ألواح السفينة، اللوح واحد ألواح السفينة، لكن مثل هذا التفسير، ومثل هذا التعريف، ومثل هذا التخصيص هو يتحدث عن اللوح، يتحدث عن اللوح، ثم بعد ذلك يخصصه بألواح السفينة، مناسب أم غير مناسب؟ لاسيما، وأن الآية، أو الآيات، الآية التي سوف يذكرها في سفينة، والحديث لوح سفينة، يقول في المفردات: اللوح واحد ألواح السفينة، قال تعالى: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [القمر:13] وما يكتب فيه من الخشب، وغيره، يعني صار اللوح أعم من أن يكون واحد ألواح السفينة، ألواح السفينة نوع فرد من أفراد الألواح.  

المقدم: اللوح الأساسي.

واللوح من ألواح الخشب الذي يكتب عليه أيضًا، فرد من أفراد الألواح غير ألواح السفينة، وفي المصباح: اللوح كل صفيحة من خشب وكتف إذا كتب عليه سمي لوحًا، والجمع ألواح، والسفينة معروفة، والجمع سفين بحذف الهاء وسفائن، ويجمع السفين على سفن بضمتين، وجمع السفينة على سفين شاذ، -هذا كلام صاحب المصباح- يقول: السفينة معروفة، يعني لا نحتاج أن نعرف السفينة؛ لأن كل واحد يعرف معنى السفينة، والجمع سفين، تصور يا أخي قال: والجمع سفين، ثم قال بعد ذلك: وجمع السفينة على سفين شاذ، كيف؟ يقول السفينة، والجمع سفين بحذف الهاء، وسفائن يجمع السفين على السفن بضمتين، وجمع السفينة على سفين شاذ.

المقدم: غريب فيه تضارب.

كأنه في الأول ينقل عن غيره، وفي الثاني يقرر، وجمع السفينة على سفين شاذ؛ لأن الجمع الذي بينه وبين واحده الهاء بابه المخلوقات، بابه المخلوقات مثل تمرة وتمر، نخلة ونخل، وأما في المصنوعات مثل سفينة وسفين فمسموع في ألفاظ قليلة، ومنهم من يقول: السفين لغة في الواحدة، وهي فعيلة بمعنى فاعلًا؛ لأنها تسفن الماء أي تقشره وصاحبه سفّان، انتهى من المصباح، يعني أشار إلى شيء، وهو أن الذي يفرق بين واحده، وجمعه بالهاء، إنما هو خاص بالمخلوقات.

المقدم: شيخنا لعلنا نستكمل بإذن الله ما تبقى في حلقة قادمة من ألفاظ هذا الحديث.

أيها الإخوة والأخوات بها نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

نستكمل بإذن الله في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.