شرح الموطأ - كتاب المساقاة (1)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الله اغفر لشيخنا واجزيه عنا خير الجزاء واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-: كتاب المساقاة باب ما جاء في المساقاة

حدثنا يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ليهود خيبر يوم افتتح خيبر أقركم فيها ما أقركم الله -عز وجل-: على أن الثمر بيننا وبينكم، قال: فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبعث عبد الله بن رواحه فيخرص بينه وبينهم ثم يقول: إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي فكانوا يأخذونه.

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب سليمان بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يبعث عبد الله بن رواحه إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود خيبر، قال فجمعوا له حلياً من حلي نسائهم فقالوا له هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم فقال عبد الله بن رواحه يا معشر اليهود والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم وأما ما عرضتم من الرشوة فإنها سحت وإنا لا نأكلها فقالوا بهذا قامت السماوات والأرض.

قال مالك -رحمه الله-: إذا سقا الرجل النخل فيها البياض فما ازدرع الرجل الداخل في البياض فهو له قال وإن اشترط صاحب الأرض أنه يزرع في البياض بنفسه فذلك لا يصلح لأن الرجل الداخل في المال يسقي لرب المال ليسقي رب الأرض فذلك زيادة ازدادها عليه، قال: وإن اشترط الزرع بينهما فلا بأس بذلك إذا كانت المئونة كلها على الداخل في المال البذر والسقي والعلاج كله فإن اشترط الداخل في المال على رب المال أن البذر عليك كان ذلك غير جائز لأنه قد اشترط على رب المال زيادة ازدادها عليه وإنما تكون المساقات على أن على الداخل في المال المئونة كلها والنفقة ولا يكون على رب المال منها شيء فهذا وجه المساقات المعروف.

قال مالك -رحمه الله-: في العين تكون بين رجلين فينقطع مائها فيريد أحدهما أن يعمل في العين ويقول الآخر لا أجد ما أعمل به إنه يقال للذي يريد أن يعمل في العين اعمل وانفق ويكون لك المال كله تسقي به حتى يأتي صاحبك بنصف ما أنفقت فإذا جاء بنصف ما أنفقت أخذ حصته من الماء وإنما أعطي الأول الماء كله لأنه أنفق ولو لم يدرك شيئاً بعمله لم يعلق الآخر من النفقة شيئاً.

قال مالك: وإذا كانت النفقة كلها والمئونة على رب الحائط ولم يكن على الداخل شيء إلا أنه يعمل بيده إنما هو أجير ببعض التمر فإن ذلك لا يصلح لأنه لا يدري كم إجارته إذ لم يسمي له شيئاً يعرفه ويعمل عليه لا يدري أيقل ذلك أم يكثر.

قال مالك: وكل مقارض أو مساق فلا ينبغي له أن يستثني من المال ولا من النخل شيئاً دون صاحبه وذلك أنه يصير له أجير بذلك يقول أساقيك على أن تعمل لي في كذا وكذا نخلة تسقيها وتأبرها وأقارضك في كذا وكذا من المال على أن تعمل لي بعشرة دنانير وليست مما أقارضك عليه فإن ذلك لا ينبغي ولا يصلح وذلك الأمر عندنا.

قال مالك: والسنة في المساقات التي يجوز لرب الحائط أن يشترطا على المساقي شد الحظار وخم العين وسرو الشرب وإبار النخل وقطع الجريد وجد الثمر فهذا وأشبهه على أن للمساقي شطر الثمر أو أقل من ذلك أو أكثر إذا تراضيا عليه غير أن صاحب المال لا يشترط ابتداء عمل جديد يحدثه العامل فيها من بئر يحتفرها أو عين يرفع رأسها أو غراسا يغرسه فيها يأتي بأصل ذلك من عنده أو ظفيرة يبنيها تعظم فيها نفقته وإنما ذلك بمنزلة أن يقول رب الحائط لرجل من الناس ابني ليها هنا بيتا أو احفر لي بئر أو اجري لي عينا أو اعمل لي عملا بنصف ثمر حائطها هذا قبل أن يطيب ثمر الحائط ويحل بيعه فهذا بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها.

قال مالك: فأما إذا طاب الثمر وبدا صلاحه وحل بيعه، ثم قال رجل لرجل إعمل لي بعض هذه الأعمال لعمل يسميه له بنصف ثمر حائط هذا فلا بأس بذلك إنما استأجره بشيء معروف معلوم وقد رآه ورضيه فأما المساقات فإنه إن لم يكن للحائط         ثمر أو قل ثمره أو فسد فليس له إلا ذلك وأن الأجير لا يستأجر إلا بشيء مسمى لا تجوز الإجارة إلا بذلك وإنما الإجارة بيع من البيوع إنما يشتري منه عمله ولا يصلح ذلك إذا دخله الغرر لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الغرر.

قال مالك: السنة في المساقات عندنا أنها تكون في أصل كل نخل أو كرم أو زيتون أو رمان أو فرسك أو ما أشبه ذلك من الأصول جائز لا بأس به على أن لرب المال نصف الثمر من ذلك أو ثلثه أو ربعه أو أكثر من ذلك أو أقل.

قال مالك: والمساقات أيضاً تجوز في الزرع إذا خرج واستقل فعجز صاحبه عن سقيه وعمله وعلاجه فالمساقات في ذلك أيضاً جائزا.

قال مالك: لا تصلح المساقات في شيء من الأصول مما تحل به المساقات إذا كان فيه ثمر قد طاب وبدا صلاحه وحل بيعه وإنما ينبغي أن يساقي من العام المقبل وإنما مساقات ما حل بيعه من الثمار إجارة لأنه إنما ساقها صاحب الأصل ثمر قد بدا صلاحه على أن يكفيه إياه ويجذه له بمنزلة الدنانير والدراهم يعطيه إياه وليس ذلك بالمساقات إنما المساقات ما بين أن يجذ النخل إلى أن يطيب الثمر ويحل بيعه.

قال مالك: ومن ساق ثمر في أصل قبل أن يبدو صلاحه ويحل بيعه فتلك المساقات بعينها جائزة.

قال مالك: ولا ينبغي أن تساقي الأرض البيضاء وذلك أنه يحل لصاحبها كرائها بالدنانير والدراهم وما أشبه ذلك من الأثمان المعلومة، قال: فأما الرجل الذي يعطي أرضه البيضاء بالثلث أو الربع مما يخرج منها فذلك مما يدخله الغرر، لأن الزرع يقل مرة ويكثر مرة وربما هلك رأساً فيكون صاحب الأرض قد ترك كراء معلوما يصلح له أن يكارئ أرضه به وأخذ أمراً غررا لا يدري أيتم أم لا يتم فهذا مكروه وإنما ذلك مثل رجل استأجر أجيراً بسفر بشيء معلوم ثم قال الذي استأجر الأجير هل لك أن أعطيك عشر ما أربح في سفري هذا إجارة لك فهذا لا يحل ولا ينبغي.

قال مالك: ولا ينبغي لرجل أن يؤاجر نفسه ولا أرضه ولا سفينته إلا بشيء معلوم لا يزول إلا غيره.

قال مالك: وإنما فرق بين المساقات في النخل والأرض البيضاء أن صاحب النخل لا يقدر على أن يبيع ثمرها حتى يبدو صلاحها وصاحب الأرض يكرئها وهي أرض بيضاء ولا شيء فيها.

قال مالك: والأمر عندنا في النخل أيضاً أنها تساقى السنين الثلاث والأربع أو أقل من ذلك أو أكثر، قال وذلك الذي سمعت وكل شيء مثل ذلك من الأصول بمنزلة النخل يجوز فيه لمن ساقه من السنين مثل ما يجوز في النخل.

قال مالك: في المساقي أنه لا يأخذ من صاحبه الذي ساقه شيئاً من ذهب ولا ورق يزداده ولا طعام ولا شيء من الأشياء لا يصلح ذلك ولا ينبغي أن يأخذ المساقي من رب الحائط شيئاً يزيده إياه من ذهب ولا ورق ولا طعام ولا شيء من الأشياء والزيادة فيما بينهما لا تصلح.

قال مالك: والمقارض أيضاً بهذه المنزلة لا يصلح إذا جعلت الزيادة في المساقات أو المقارضة صارت إجارة وما دخلته الإجارة فإنه لا يصلح ولا ينبغي أن تقع الإجارة بأمر غرر لا يدري أيكون أم لا يكون أو يقل أو يكثر.

قال مالك: في الرجل يساقي الرجل الأرض فيها النخل والكرم وما أشبه ذلك من الأصول فيكون فيها الأرض البيضاء.

قال مالك: إذا كان البياض تبعاً للأصل وكان الأصل أعظم ذلك أو أكثره فلا بأس بمساقاته وذلك أن يكون النخل الثلثين أو أكثر ويكون البياض الثلث أو أقل من ذلك وذلك أن البياض حينئذ تبع للأصل وإذا كانت الأرض البيضاء نخل أو كرم أو ما يشبه ذلك من الأصول فكان الأصل الثلث أو أقل والبياض الثلثين أو أكثر جاز في ذلك الكراء وحرمت فيه المساقات وذلك أن من أغوى ذلك أن من أمر الناس أن يساقوا الأصل وفيه البياض وفيه تكرى الأرض وفيها الشيء اليسير من الأصل أو يباع المصحف أو السيف وفيهما الحلية من الورق بالورق أو القلادة أو الخاتم وفيهما الفصوص والذهب بالدنانير ولم تزل هذه البيوع جائزة يتبايعها الناس ويبتاعونها ولم يأتي في ذلك شيء موصوف موقوف عليه إذا هو بلغه كان حراما أو قصر عنه كان حلالاً والأمر في ذلك عندنا الذي عمل به الناس وأجازوه بينهم أنه إذا كان الشيء من ذلك الورق أو الذهب تبعاً لما هو فيه جاز بيعه وذلك أن يكون النصل أو المصحف أو الفصوص قيمتها الثلثان أو أكثر أو الحلية قيمتها الثلث أو أقل.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

((كتاب المساقات باب ما جاء في المساقات))

كتاب تقدم ذكره مراراً والمساقات مفاعلة من السقي والمراد به عن السقي سقي الثمار والزروع بالماء أطلق على هذه المعاملة السقي فقط وإن كان تحتاج إلى غيره لأن الماء إنما يكون النبات به وحياة النبات بالماء وجعلنا من الماء كل شيء حي فحياة النبات كحياة الحيوان بالماء فأطلق على العمل في الزرع مساقات مفاعلة من طرفين فأحد الطرفين يكون له الزرع والثاني يكون منه العمل في هذا الزرع أما المزارعة فهي الأرض تدفع من قبل صاحبها إلى من يزرعها والخلاف في طويل بين أهل العلم وكثير لأنه جاء في المنع بأحاديث صحيحة جاء المنع بالأحاديث الصحيحة وجاء أيضاً للأذن ولا شك أن المنع يتنزل على صور والإذن يتنزل على صور فإذا كان الضرر لاحقاً بأحد الطرفين منعت سواء كانت المساقات أو المزارعة وإذا كان الضرر تبعاً للربح والغرم مع الغرم والخراج بالضمان على الطرفين على حد سواء تنزلت نصوص الجواز فإذا دفع صاحب الأرض زرعه إلى من يقوم عليه حتى يجذه على أن يكون له نصف الثمرة أو ربع الثمرة ولصاحبه ثلاثة الأرباع جاز ذلك وإذا ساقاه على أساس أن يكون له الجزء الغربي والمساقي الجزء الشرقي أو العكس لم يجز لأنه عرضه لأن يغنم أحدهما دون الآخر فيغرم أما إذا كان بنسبة معلومة مشاعة بينهما فلا غرر حينئذ على وحد دون الآخر وعلى هذا تنزل نصوص الجواز.

((يقول -رحمه الله-: باب ما جاء في المساقات))

((حدثنا يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ليهود خيبر يوم افتتح خيبر أقركم فيها)) يعني في مزارع خيبر التي آلت إلى المسلمين بالفتح وصارت غنيمة((ما أقركم الله -عز وجل-)) فالمدة مجهولة فيحتمل أن ينزل القرآن بإجلائهم فوراً أو يستمر كما هو الأمر سنين خيبر في السنة السابعة وأقر سنة سبع وثمان وتسع وعشر وتوفي النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم أمر وأوصى بإجلائهم اليهود والنصارى من جزيرة العرب فأجلوا إلى خيبر وتيماء يوم افتتح خيبر أقركم ما أقركم الله -عز وجل- فعلى هذا المساقات والمزارعة تجوز إلى أجل معلوم أو مجهول نعم من باب أولى مجهول وعلى كل حال ((على أن الثمر بيننا وبينكم)) هذا إذا كان ينتظر مثل هذا إذا كان ينتظر أما إذا كان لا ينتظر شيئاً مثلاً هذا شخص عنده زرع ومقدم على عمال ومعروف أن العمال إذا قدم عليهم يأتوا بعد مدة شهرين أو ثلاثة أو يتأخرون إلى ستة، فقال أقرك أو أساقيك هذه المزرعة حلى يأتي العمال مثلاً أنا قدمت المزارعين فإذا جاؤوا أنتها هذا يصح أم لا، وهنا يقول أقركم فيها ما أقركم الله -عز وجل- يعني ما يكون في أثناء الزرع وإنما يكون بعد تمامه وجذاذه ثم بعد ذلك ما يلي ذلك من الأعوام لا يحدد.

هنا يقول هل هؤلاء اليهود في حكم الأرقاء في حكم السبي فمن باب التفضل عليهم أقرهم ليعملوا والأصل أن يعملوا مجاناً أو هم أحرار لم يسبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقرهم على أعمالهم والمزارع للمسلمين غنيمة منهم من يقول المساقات على هذه الطريقة لا تصح لأن هؤلاء في حكم الأرقاء لكن لو كانوا في حكم الأرقاء ما كان التعليق على حكم الله -عز وجل- ولا لزم أن يكون هناك عقد بينهم على أن الثمر يكون بننا وبينكم ولا تدل على أنهم يملكون والمقصود أقركم ما أقركم الله -عز وجل- عليه من السنين التي تكون بها الثمرة قد تمت أما في أثناء الثمرة التي يكون فيها الضرر على العامل لو افترضنا أنه استأجر أي ساقها شخص مثلاً زيد ساق عمرو على هذا الزرع ثم بعد شهر أو شهرين قال أقرك عندما يأتي العمال وأتى العمال بعد شهرين والثمر لم يبدي صلاحه ماذا يكون هنا للساقي هذا، نعم أجرة المثل لكن هل يصح مثل هذا أو لا يصح نعم إنه لا يصح، لأنه مادام قال عناء الثمر بيننا وبينكم لزم بهذه الصورة وبهذا المتفق عليه والمسلمون على شروطهم فكيف يلجأ إلى أجرة المثل مع إمكان أن يأخذ بعد شهر أو شهرين نصف الزرع أو نصف الثمرة، نعم هو تنتقل إذا قلنا أنها تصح إلى أجل مجهول تنتقل من كونها مساقات إلى إجارة ثم بعد ذلك تكون الأجرة بالمثل وعلى أن الإجارة لا تجوز إلا بأجل معلوم، ويلجأ إلى أجرة المثل عند إنفضاض الشركة دون، مثل لو قال الجعالة عقد جائز فقال من أحضر لي غلامي أو دابتي الشاردة فله مائة ريال وقال شخص أنا أحضرها فسعى مدة أسبوع مثلاً في طلبها ثم قال له صاحبها أنا لا أريدها لا تبحث أنهينا العقد، والجعالة عقد جائز لابد أن يدفع أجرة المثل لهذه الأيام فالأجرة يلجأ إليها عند انفضاض العقود هنا يقول قال ليهود خيبر يوم افتتح خيبر أقركم أقرهم على ما في أيدهم هذا يدل على أنه جميعاً ما أقركم الله -عز وجل- أقر كل مزارع في مزرعته التي كانت له، على كل حال الخبر الذي عندنا مرسل أرسله جميع رواة الموطأ لكنه صحيح يعني جاء من طرق موصول ليس في إشكال وعلى كل حال سواء أقل المساقات هنا في جميع المزارع أو في بعضها المقصود ما يتفق عليه منها ((قال: فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبعث عبد الله بن رواحه فيخرص بينه وبينهم)) اتفقوا على أن يكون الثمر بينه وبينهم فهذا يحتاج إلى قسمة فيخرص الثمر وهو على رؤوس النخل ويقال هذه النخيل لنا وهذه لكم هذه تساوي هذه ((إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي فكانوا يأخذونه)) معنى هذا الكلام أي يخرص بينه وبينهم يعني إن شئتم فلكم وتدفعون نصيبنا بالقيمة أو العكس وإن شئتم فلي وندفع لكم قيمة نصيبكم أو يقسم النخل قسمين ثم يقول إن شئتم هذا القسم لي أو لكم لأن الذي يقسم يتولى القسمة يخير الطرف الثاني لا يتخير هو إنما التخير للطرف الثاني، فكانوا يأخذونه أي يأخذون الثمر فيدفعون القيمة.

((وحدثني عن مالك عن ابن شهاب سليمان بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يبعث عبد الله بن رواحه إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود خيبر، قال فجمعوا له حلياً من حلي نسائهم فقالوا له هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم)) يعني رشوة وهم عرفوا بهذا عرفوا بأكل أموال الناس بالباطل والسحت ((فقال عبد الله بن رواحه يا معشر اليهود والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي)) وهكذا ينبغي بأن يكون شأن كل مسلم لأن اليهود جرى من أفعالهم وأعمالهم وخياناتهم وغدرهم بالأنبياء فمن دونهم ما يقتضي بغضهم ((وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم)) قال الله -عز وجل-: ولا يجرمنكم شانئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)) فالعدل مطلوب مع العدو كالصديق ((على أن أحيف عليكم)) يعني أجور وأميل وأظلمكم ((فأما ما عرضتم من الرشوة فإنها سحت)) بلا شك وهم يأكلون السحت ويؤكلونه ((وإنا لا نأكلها)) وهذا قول الصحابي الجليل وهكذا ينبغي على كل مسلم أن لا يأكل السحت وكل جسد نبت على سحت فالنار أولى به وفي العصور المتأخرة تساهل المسلمون في مثل هذا فدفعوا الرشوة وأكلوا الرشوة أكلوا المال الحرام ولم يتحروا في أموالهم ولذلك يلاحظ عليهم أنهم يدعون فلا يستجاب لهم ((فقالوا بهذا قامت السماوات والأرض)) يعني بالعدل، هذا مرسل في جميع الموطئات.

((قال مالك -رحمه الله-: إذا سقا الرجل النخل فيها البياض فما ازدرع الرجل الداخل في البياض فهو له)) الآن الذي دفع له زرع أرض مزروعة لكن لو قدر أن في هذه الأرض مقدار مائة متر أو ألف متر مثلاً لا يوجد فيه زرع بياض فجاء العامل فزرعه يكون هذا للزارع فقط لماذا لا يكون بينهما هذا منه الأرض وهذا منه الزرع فتكون مزارعة فهو ليس له أن يطالب الداخل فيما اتفقا عليه لكن هذه أرض بياض ملك صاحب الزرع فهل لصاحب الزرع أن يستثمر لصاحب هذا البياض لنفسه فقط أو يكون بينهما مزارعة، نعم لا تنسوا أن لهم رأي في المزارعة غير ما يراه الحنابلة مثلاً المقصود أنه سيأتي من كلام الإمام -عليه رحمة الله تعالى-، لكن هل للداخل هذا أن يزرع هذا البياض دون إذن صاحبه يكون هذا تعدي وغصب لابد أن يستأذن فإذا استأذن فله الثمر دون صاحب الأرض ((قال وإن اشترط صاحب الأرض أنه يزرع في البياض بنفسه فذلك لا يصلح لأن الرجل الداخل في المال يسقي لرب المال ليسقي رب الأرض فذلك زيادة ازدادها عليه)) لأن الأصل أنه في المساقات يكون الربح والخسارة بينهما كالمضاربة لا يجوز أن يشترط لنفسه قدر جائز على ذلك كما تقدم نظيره في المضاربة ((فذلك زيادة ازدادها عليه)) وهذا لا يجوز لابد أن يدخل مدخلاً واحداً فيشتركان في النسبة من الزيادة والنقص ((قال: وإن اشترط الزرع بينهما فلا بأس بذلك إذا كانت المئونة كلها على الداخل في المال البذر والسقي والعلاج كله)) هذا رأي الإمام مالك في المزارعة، يدفع الأرض لمن يزرعها وتكون الثمرة بينهما على أن يكون المئونة كلها على الداخل ويكون على صاحب الأرض الأرض ويكون على الداخل المزارع المئونة، لماذا هنا يقول البذر والسقي والعلاج كله؟! ليكون من صاحب الأرض شيء ويكون من العامل شيء آخر ما هو السبب؟! لتكون شركة بينهما، أما إذا سلمه الأرض والبذر صارت أجرة وليست بشركة والأجرة لابد أن تكون معلومة وهنا الأجرة مجهولة فلا تصح، يعني إذا دفع هذا الأرض وهذا بذر البذر والسقي والعلاج كله يعني عليه كل ما تتطلب منه الأرض فكانت شركة بينهما، لكن لو كان الأرض والبذر والمئونة كلها على صاحب الأرض صارت إجارة وإجارة بأجرة مجهولة فلا تصح يعني إذا علمت النسبة وجهل المقدار يعني إذا قال لك الثلث هل أنت تعلم ما هو الثلث لا إذا مجهولة والأجرة لابد أن تكون معلومة ((فإن اشترط الداخل في المال على رب المال أن البذر عليك كان ذلك غير جائز لأنه قد اشترط على رب المال زيادة ازدادها عليه وإنما تكون المساقات على أن على الداخل في المال المئونة كلها والنفقة ولا يكون على رب المال منها شيء فهذا وجه المساقات المعروف)) يعني يدخلان على أساس أنهم شركاء.

((قال مالك -رحمه الله-: في العين تكون بين رجلين فينقطع مائها فيريد أحدهما أن يعمل في العين ويقول الآخر لا أجد ما أعمل به)) يعني مثلاً بئر بين رجلين ثم انقطع مائها فيقول أحدهما نأتي بخبراء ينزلون في هذه البئر ويستنبطون الماء من أسفل وهؤلاء الخبراء وهذه الشركة التي تستنبط الماء من عمق أكثر تحتاج إلى عشرة آلاف فمثلاً أنت أعطني خمسة وعليه هو خمسة فيقول أنا لا أملك خمسة ألف ماذا يصنع هنا يقول مالك:((ويقول الآخر لا أجد ما أعمل به إنه يقال للذي يريد أن يعمل في العين اعمل وانفق ويكون لك الماء كله)) لأن الثاني انقطع عنه الماء ولم يدفع بأي وجه يأخذ شيء من الماء قد يقول قائل إن له من الماء بقدر نصيبه من البئر لأن البئر إذا افترضنا أنها عشرين متر وأحتاج إلى حفر عشرة متر أخرى فهذا العمق بعشرة الأمتار لو حفر على وجه الأرض دون شراكة لم يخرج الماء إذاً فما خرج الماء بهذا العمق إلى بواسطة نصيب الآخر مروراً بنصيب الثاني، ومالك يقول بمعنى الكلام مادام حفر زيادة عشر أمتار وطلع الماء فالماء له كله الثاني وقف عنه الماء ولم يدفع إذاً لا يستحق من الماء شيء قد يقول الشريك لو لا أنك حفرت في بئري التي لي نصفها لم تحصل على الماء فلي نصيبي من هذه العشرين المتر، يعني لو أتى شخص وهذه البئر شركة بين اثنين عشرين متر ثم أتى آخر وقال أنا أستنبط لكم الماء فحفر خمسة أمتار زيادة ولم يطلع الماء هل يستحق شيء أو لا على قول الإمام مالك ليس له شيء حتى يخرج الماء ويكون الماء لمن استنبطه وأخرجه ((ويقول الآخر لا أجد ما أعمل به إنه يقال للذي يريد أن يعمل في العين اعمل وانفق ويكون لك المال كله تسقي به حتى يأتي صاحبك بنصف ما أنفقت فإذا جاء بنصف ما أنفقت أخذ حصته من الماء وإنما أعطي الأول الماء كله لأنه أنفق ولو لم يدرك شيئاً بعمله لم يعلق الآخر من النفقة شيئاً)) يعني لو أنه قال مثلاً هات خمسة آلاف قال ذلك ما عندي قال أنا أعملها بمفردي وأنفق عشرة آلاف ولم يطلع ماء هل هنا يقول أعطني خمسة آلاف لأنني عملت لا يعلق أي لا يلزم ومعلوم أن الخراج بالضمان والغرم مع الغرم.

((قال مالك: وإذا كانت النفقة كلها والمئونة على رب الحائط ولم يكن على الداخل شيء إلا أنه يعمل بيده إنما هو أجير ببعض التمر فإن ذلك لا يصلح لأنه لا يدري كم إجارته إذ لم يسمي له شيئاً يعرفه ويعمل عليه لا يدري أيقل ذلك أم يكثر)) لكن لو قال إعمل وعليك كل شيء وأعطيك مائة صاع أجرتك وهي معلومة يصح هنا لكن لو ما ظهر شيء من الثمرة يضمنها المستأجر.

((قال مالك: وكل مقارض أو مساق فلا ينبغي له أن يستثني من المال ولا من النخل شيئاً دون صاحبه)) مقارض أي مضارب والمساق الذي نحن بصدده فلا ينبغي له أن يستثني من المال ولا من النخل شيئاً دون صاحبه لا يقول هذه النخلة مثلاً لي وهذه خمسة نخلات برحي أنا أريدها خاصة لي وأنت مالك علاقة بها لا يجوز له أن يستثني شيئاً مثل ما قلنا سابقاً في الضاربة مثلاً يدفع مائة ألف ويقول ضارب بها في الكتب القديمة مثلاً لكن أي كتاب يأتي من مطبعة كذا أنا أريده أو أي كتاب يأتي ورقه كذا أو تجليد فلان أنا أريده يعني بقيمته فليس له أن يستثني ((وذلك أنه يصير له أجير بذلك يقول أساقيك على أن تعمل لي في كذا وكذا نخلة تسقيها وتأبرها وأقارضك في كذا وكذا من المال على أن تعمل لي بعشرة دنانير وليست مما أقارضك عليه فإن ذلك لا ينبغي ولا يصلح وذلك الأمر عندنا)).

((قال مالك: والسنة في المساقات التي يجوز لرب الحائط أن يشترطا على المساقي)) يجوز أن يشترط على المساقي لكن ما الذي يجوز هنا يجوز أن يشترط على المساقي ما ينتفع به الزرع ليكون نفع وهذا النفع للإثنين على حد سواء لا لأحدهما دون الآخر يجوز أن يشترط عليه شروط احتياطية ينتفع بها الطرفان لا ينتفع بها لنفسه فقط ((شد الحظار)) يعني الحظار الذي يحوط الزرع بأن يحكمه ويتقنه من دخول ما يعرض له من خلل إما دواب وما أشبه ذلك ((وخم العين)) أي تنقيتها ((وسروا الشرب)) الشرب ما يحيط بالشجرة مما يحفظ الماء لشربها وسروه كنسه وتنظيفه ((وإبار النخل)) يعني تلقيحه ((وقطع الجريد)) الذي يضر بالنخلة إذا كثر ((وجذ الثمر)) يعني يبقى عليك الجذاذ ((فهذا وأشبهه على أن للمساقي شطر الثمر)) يكون له نسبة معلومة المقدار مجهولة المكان والعين ((أو أقل من ذلك أو أكثر إذا تراضيا عليه غير أن صاحب الأصل لا يشترط ابتداء عمل جديد يحدثه العامل فيها من بئر يحتفرها أو عين يرفع رأسها)) يعني العين مساوية للأرض فيقول له ارفع رأسها بالحجارة أو باللبنة أو بما أشبه ذلك ((أو غراسا يغرسه فيها)) لأن المسألة مسألة مساقات وليست مزارعة ((فيها يأتي بأصل ذلك من عنده أو ظفيرة يبنيها)) الظفيرة يقول موضع يجتمع فيه الماء يعني حوض يجتمع فيه الماء ((يبنيها تعظم فيها نفقته)) يكون عليه ضرر من هذا العمل الذي اشترط عليه لأن الشيء اليسير يتجاوز يعفى عنه لأنه ليس من مصلحة الجميع ((وإنما ذلك بمنزلة أن يقول رب الحائط لرجل من الناس ابني ليها هنا بيتا أو احفر لي بئر أو اجري لي عينا)) يعني كأنه اشترط شيئاً يقتص به وهذا لا يجوز على ما تقدم ((أو اعمل لي عملا بنصف ثمر حائطها هذا)) كأنه قال له احفر البئر وأعطيك نصف الثمر صارت إجارة والأجرة مجهولة فلا تصح ((قبل أن يطيب ثمر الحائط ويحل بيعه فهذا بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه)) لأن الإجارة في حكم البيع ((وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها)).

((قال مالك: فأما إذا طاب الثمر وبدا صلاحه وحل بيعه، ثم قال رجل لرجل إعمل لي بعض هذه الأعمال لعمل يسميه)) سواء كان في المزرعة نفسها أو في خارجها أو في بيته مثلاً قال ابن لي غرفة أو غرفتين بمرافقهما في بيتي في السطح أو في الملاحق ولك نصف الثمرة والثمرة بدا صلاحها يجوز بيعها فلا غرر في ذلك يصلح هذا ((فأما إذا طاب الثمر وبدا صلاحه وحل بيعه ثم قال رجل لرجل إعمل لي بعض هذه الأعمال لعمل يسميه له بنصف ثمر حائطه هذا فلا بأس بذلك إنما استأجره بشيء معروف معلوم وقد رآه ورضيه فأما المساقات فإنه إن لم يكن للحائط    ثمر أو قل ثمره أو فسد فليس له إلا ذلك)) يعني في حال المساقات الجائزة أما المساقات التي تصح عند مالك عند غيره فإنه إن لم يكن للحائط ثمر أو قل ثمره أو فسد فعلى الجميع الضرر على الجميع ((وأن الأجير لا يستأجر إلا بشيء مسمى)) لابد أن تكون الأجرة معلومة ولا ((ولا يصلح ذلك إذا دخله الغرر لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الغرر)) والأجرة في حكمه.

((قال مالك: السنة في المساقات عندنا أنها تكون في أصل كل نخل أو كرم أو زيتون أو رمان أو فرسك أو ما أشبه ذلك من الأصول جائز لا بأس به على أن لرب المال نصف الثمر من ذلك أو ثلثه أو ربعه أو أكثر من ذلك أو أقل)).

((قال مالك: والمساقات أيضاً تجوز في الزرع إذا خرج واستقل فعجز صاحبه عن سقيه وعمله وعلاجه فالمساقات في ذلك أيضاً جائزا)) يعني إذا خرج واستقل أما قبل ذلك فيكون في حكم المزارعة إذا عجز صاحبه عن سقيه فيتركه يموت فإما أن يأجره بالدراهم والدنانير المعلومة أو يساقي على ذلك.

((قال مالك: لا تصلح المساقات في شيء من الأصول مما تحل به المساقات إذا كان فيه ثمر قد طاب وبدا صلاحه وحل بيعه)) يعني المساقات إنما تكون بين المزارعة وبين ما يجوز بيعه مثلاًً يوجد زرع ويوجد ثمر لكن لم يبدوا صلاحه لأنه إذا لم يكن فيه زرع صارت مزارعة وإذا بدا صلاحه انتهى لا يساقا ((وإنما ينبغي أن يساقي من العام المقبل وإنما مساقات ما حل بيعه من الثمار إجارة لأنه إنما ساقها صاحب الأصل ثمر قد بدا صلاحه)) لأنه الآن صارت أجرة معلومة أمن العاهة الزرع وضمن المزارع والمساقي الثمرة فصارت أجرة وليست مساقات ((لأنه إنما ساقها صاحب الأصل ثمر قد بدا صلاحه على أن يكفيه إياه ويجذه له بمنزلة الدنانير والدراهم يعطيه إياه وليس ذلك بالمساقات إنما المساقات ما بين أن يجذ النخل إلى أن يطيب الثمر ويحل بيعه)) إلا أن يجذ النخل أي إلى أن يطيب الثمر يعني يساقيه إذا جذ للمستقبل فيجوز ما بين الجذاذ إلى أن يجوز بيعه قبل ذلك مزارعة وبعده إجارة.

((قال مالك: ومن ساق ثمر في أصل قبل أن يبدو صلاحه ويحل بيعه فتلك المساقات بعينها جائزة)).

((قال مالك: ولا ينبغي أن تساقي الأرض البيضاء وذلك أنه يحل لصاحبها كرائها بالدنانير والدراهم وما أشبه ذلك من الأثمان المعلومة)) والمساقات هل لا تحل بالدراهم والدنانير لو كانت المساقات بين الجذاذ وبين بدو الصلاح مساقات فلا يأتي ويقول تعال واعمل لي بأجر قدره كذا وكذا هذا إجارة بالدراهم والدنانير، ويعني الذي جعل المساقات جائزة عند مالك من خلال هذا الكلام أنه لا يحل كرائها بالدراهم والدنانير هذا مفهوم كلامه، وما أشبه ذلك من الأثمان المعلومة لكن هل هذا مراد أو ليس بمراد الإظهار هنا أنه ليس مراد لأن المساقات كما تجوز بالنسبة تجوز أيضاً بالدراهم والدنانير وتكون حينئذ إجارة وليست مساقات لأنه إذا صارت بالدراهم والدنانير صارت أجرة وليست مساقات، ولأنها لو كانت بالدرهم والدنانير على كل حال صارت إجارة حتى المساقات إذا كانت بالدراهم والدنانير هذه لا تسمى مساقات تسمى إجارة وتجوز المساقات بغير الدراهم والدنانير ((قال: فأما الرجل الذي يعطي أرضه البيضاء بالثلث أو الربع مما يخرج منها فذلك مما يدخله الغرر، لأن الزرع يقل مرة ويكثر مرة وربما هلك رأساً فيكون صاحب الأرض قد ترك كراء معلوما يصلح له أن يكارئ أرضه به وأخذ أمراً غررا لا يدري أيتم أم لا يتم فهذا مكروه وإنما ذلك مثل رجل استأجر أجيراً بسفر بشيء معلوم ثم قال الذي استأجر الأجير هل لك أن أعطيك عشر ما أربح في سفري هذا إجارة لك فهذا لا يحل ولا ينبغي)) نفهم من كلام مالك أنه لا يجيز المزارعة لأن المزارعة تكون على الأرض البيضاء ولا بد أن تكون بالدراهم والدنانير ولا يجوز بجزء ولو كان مشاعاً مما يخرج منها لأنها مجهولة يعني مثلاً شخص استأجر أجير ليدله الطريق أو ليحمل معه متاعه بدراهم معلومة ودنانير معلومة بمائة درهم مثلاً ثم قال في نصف الطريق لماذا لا نلغي عقد الإجارة وأعطيك ربع الربح أنا مثلاً عندي بضاعة ممكن تحملها لك ربع الربح فنقول هذه أجرة لكنها مجهولة فلا تصح والإمام مالك -رحمه الله- ينظر المزارعة بهذا ((هل لك أن أعطيك عشر ما أربح في سفري هذا إجارة لك فهذا لا يحل ولا ينبغي)) لأنه غرر بأجرة مجهولة.

((قال مالك: ولا ينبغي لرجل أن يؤاجر نفسه ولا أرضه ولا سفينته إلا بشيء معلوم لا يزول إلا غيره)) يعني يتفقان على شيء معلوم محدد بحيث لا يؤول الأمر إلى شقاق ولا نزاع.

((قال مالك: وإنما فرق بين المساقات في النخل والأرض البيضاء أن صاحب النخل لا يقدر على أن يبيع ثمرها حتى يبدو صلاحها وصاحب الأرض يكرئها وهي أرض بيضاء ولا شيء فيها)) يعني هناك بديل من المزارعة بكن المساقات لا يوجد بديل.

((قال مالك: والأمر عندنا في النخل أيضاً أنها تساقى السنين الثلاث والأربع أو أقل من ذلك أو أكثر، قال وذلك الذي سمعت وكل شيء مثل ذلك من الأصول بمنزلة النخل يجوز فيه لمن ساقه من السنين مثل ما يجوز في النخل)) يعني الأجل معلوم ولو كان مجهول من وجه فلابد أن يكون معلوم من وجه لا ضرر فيه على الطرفين معلوم من وجه ولا يكون فيه ضرر على الطرفين وإن كان مجهولاً في تمديد هذه المدة المعلومة.

((قال مالك: في المساقي أنه لا يأخذ من صاحبه الذي ساقه شيئاً من ذهب ولا ورق يزداده ولا طعام ولا شيء من الأشياء لا يصلح ذلك ولا ينبغي أن يأخذ المساقي من رب الحائط شيئاً يزيده إياه من ذهب ولا ورق ولا طعام ولا شيء من الأشياء والزيادة فيما بينهما لا تصلح)) لا يقول نتفق على المساقات في هذه المزرعة ولي مع النصف أو مع الثلث أو مع الثلثين مائة دينار أو ألف درهم لا يصلح ولا يأخذ من لا رب الحائط ولا العامل المساقي والزيادة فيما بينهما لا تصلح لأن فيه ضرر على من يؤخذ منه المال لأنه قد يكون هذا المال المشترط أكثر من نصيبه فيتضرر.

((قال مالك: والمقارض أيضاً بهذه المنزلة لا يصلح إذا دخلت الزيادة في المساقات أو المقارضة صارت إجارة وما دخلته الإجارة فإنه لا يصلح ولا ينبغي أن تقع الإجارة بأمر غرر)) لأنه صارت إجارة والإجارة صارت بالدراهم المشروطة وجزء من الزرع وجزء من الثمرة وفي الأصل اشترط أن له الربع فصاحب المزرعة له الربع ومائة دينار الآن ما صارت مساقات صارت إجارة والإجارة هنا بعضها معلوم وبعضها مجهول إذاً إذا ضممت المعلوم مع المجهول صار المجموع مجهول وفيه غرر ((ولا ينبغي أن تقع الإجارة بأمر غرر لا يدري أيكون أم لا يكون أو يقل أو يكثر)).

((قال مالك: في الرجل يساقي الرجل الأرض فيها النخل والكرم وما أشبه ذلك من الأصول فيكون فيها الأرض البيضاء)) يعني فيها أصول وفيها أرض بيضاء.

((قال مالك: إذا كان البياض تبعاً للأصل وكان الأصل أعظم ذلك أو أكثره)) يعني اليسير يدخل في الأصل ويثبت تبعاً مالا يثبت استقلالاً يعني إذا كان يسير عشرة أمتار مثلاً بيضاء أو ما أشبه ذلك وأراد أن يحيها مع ما يساقيه فإن هذا لا يؤثر ((وكان الأصل أعظم ذلك أو أكثره فلا بأس بمساقاته وذلك أن يكون النخل الثلثين أو أكثر)) فجعل الثلث أو أقل من الثلث يسير مما يعفى عنه في هذا الباب ((ويكون البياض الثلث أو أقل من ذلك)) لأن الحكم للغالب والغالب هو الثلثان((وذلك أن البياض حينئذ تبع للأصل وإذا كانت الأرض البيضاء نخل أو كرم أو ما يشبه ذلك من الأصول)) والكرم هو العنب ((فكان الأصل الثلث أو أقل والبياض الثلثين أو أكثر جاز في ذلك الكراء وحرمت فيه المساقات)) يعني جاز في الإجارة ومنعت المساقات لأن الغالب معلوم والمجهول معفواً عنه لأنه يسير ((وذلك أن من أمر الناس أن يساقوا الأصل وفيه البياض وفيه تكرى الأرض وفيها الشيء اليسير من الأصل)) يعني الآن يمكن أن تستأجر مثلاً بيت وفيه عشر نخلات أو فيه نخلة أو نخلتين ويقول لك صاحب البيت لا تنسى النخل اسقيها فهذا السقي إنما هو تبع لإجارة البيت واغتفر فيه مالا يغتفر وماله كان مستقلاً لأنه يثبت تبعاً مالا يثبت استقلالاً ((وتكرى الأرض وفيها الشيء اليسير من الأصل أو يباع المصحف أو السيف وفيهما الحلية من الورق بالورق)) مصحف فيه فضة أو سيف فيه فضة يباع بالفضة لماذا، لأن هذه الفضة التي في السيف أو في المصحف شيء يسير بالنسبة لوزنه ((أو القلادة أو الخاتم وفيهما الفصوص والذهب بالدنانير)) على أنه يجب فصل مثل هذه القلادة أو الخاتم إذا بيعت القلادة من ذهب بذهب وفيها فصوص من غير ذهب وكذلك الخاتم يجب فصل وتخليص الذهب من هذه الفصوص والقصة منصوص عليها في الحديث ولا تحتاج إلى اجتهاد ((ولم تزل هذه البيوع جائزة يتبايعها الناس ويبتاعونها ولم يأتي في ذلك شيء موصوف موقوف عليه إذا هو بلغه كان حراما)) يعني ما فيه نسبة معينة إذا بلغ يكون حراماً المهم أن يكون أقل مما يجوز بيعه بجنسه لكن المحقق ما دل عليه النص في حديث القلادة أن فيها فصوص من غير جنسها وحينئذ يجب فصل هذه الفصوص لأنه لا تتحقق المماثلة إلا بإزالة هذه الفصوص وتنحية هذه الفصوص من هذه القلادة والجهل بالتساوي عند أهل العلم كالعلم بالتفاضل والربا لا يجوز حال من الأحوال يسيره وكثيره ((ولم يأت في ذلك شيء موصوف موقوف عليه إذا هو بلغه كان حراما أو قصر عنه كان حلالاً والأمر في ذلك عندنا الذي عمل به الناس وأجازوه بينهم أنه إذا كان الشيء من ذلك الورق أو الذهب تبعاً لما هو فيه جاز بيعه وذلك أن يكون النصل)) يعني في المسحاة أو في الفأس ((أو المصحف أو الفصوص قيمتها الثلثان أو أكثر أو الحلية قيمتها الثلث أو أقل)) لأن الحكم للغالب، نصل السهام أيضاً نصل المسحاة لأن الذي يتصور فيه عندنا نصل المسحاة، أيضاً المصحف مطلي بفضة فهذا الطلاء لا يعادل ثلث القيمة السيف مقبضه من فضة مثلاً هذا المقبض لا يعادل الثلث هذا يعفى عنه لكن النصل إذا كان في مفرد في السهم ما الذي يحدث يعني في رأسه على كل حال يرد هذا وهذا، وإذا كان نصل المسحاة الذي هو خشبة وهو معروف بهذا الاسم قيمته الثلث جاز ذلك عندهم المقصود أن مثل هذا يجوز تبعاً، هذا غير المسائل الربوية أما الربا فلا يعفى عن شيء منه قل أو كثر.

ونقف على الشرط في الرقيق.

 

والله أعلم وصلى وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.