شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (309)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين:

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقةٍ جديدة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا في حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – في باب لا يستنجى بروث في الحديث مائة وأربعة وعشرين، مائة وستة وخمسين حسب الأصل، في الحلقة الماضية انتهينا عند إيراد الإمام ابن حجر لكلام الإمام الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ – ثم تعقب العيني له في الرد، لعلنا نربط فقط أطراف الموضوع ثم نستكمل، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد،

ففي قوله: يقول ابن مسعود: فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ، يعني النبي –عليه الصلاة والسلام- وَأَلْقَى الرَّوْثةَ، يقول ابن حجر: اسْتَدَلَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُشْتَرَطًا لَطَلَبَ ثَالِثًا، ثم كَذَا قَالَ ابن حجر وغفل - رَحِمَهُ اللَّهُ –  عَمَّا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ من حديث ابن مَسْعُودٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ فِيهِ فَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: «إِنَّهَا رِكْسٌ ائْتِنِي بِحَجَرٍ».

هذا رد؛ لأنه جاء في طريق طلب الثالث، من جهةٍ أخرى رد أيضًا ابن حجر على كلام الطحاوي بأن ابن مسعود احتمال أن يكون اكتفى بالأمر الأول في طلب الثلاثة.

المقدم: ولا يحتاج إلى تجديد.

 ولا يحتاج إلى تجديد.

تعقب العيني كلام ابن حجر - رَحِمَهُ اللَّهُ – في كلامٍ ذكرناه بالأمس في قوله: لم يغفل الطحاوي عن ذلك، وإنما الذي نسبه للغفلة هو الغافل، وكيف يغفل وقد ثبت عنده عدم سماع أبي إسحاق عن علقمة؟

ابن حجر لما أورد رواية أحمد التي فيها «إِنَّهَا رِكْسٌ، ائْتِنِي بِحَجَرٍ». هي من طريق معمر عن أبي إسحاق عن علقمة، العيني يقول: إن الطحاوي لم يغفل عن هذه الرواية، وبالفعل يعني الطحاوي مع كونه إمامًا في النظر هو إمام في الأثر أيضًا، له مؤلفات في الحديث، لم يغفل عن هذه الرواية قال: لأنه قد ثبت عنده عدم سماع أبي إسحاق عن علقمه.

ابن حجر أيضًا ما غفل عن هذا الرد، لماذا؟ لأنه يقول: وقد قيل: إن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة.

المقدم: استدرك هذا حتى..

يعني قبل أن يرد عليه استدرك.

المقدم: يعرف..

يعرف هذا، لكن أثبت سماعه لهذا الحديث منه الكرابيسي يقول: وحتى على تقدير أنه لم يسمع يكون حكمه الإرسال، والطحاوي حنفي، العيني حنفي، وإمامهم يقبل المراسيل.

ففي مذهبهم قبول المراسيل، فهذا الرد حقيقةً لا يتجه على ابن حجر مع أنه أثبت سماعه منه الكرابيسي، لكن لو قُدر أن الخصم.. يعني إذا وجدنا نقطة نستطيع أن نلج فيها لغلبة الخصم من حيث المناظرة، يعني لو قدر أن هذا الخبر بالفعل لم يسمع أبو إسحاق من علقمة، والعيني والطحاوي قبله وإمامهم أبو حنيفة يرى الاحتجاج بمثل هذا، هل نرد عليهم بمثل هذا ونحن لا نراه؟

يعني لو ثبت انقطاع الخبر، هذه الرواية «ائتني بحجر»، يعني ثالثًا، المناظِر ابن حجر، والمنَاظَر الطحاوي، ويتبعه العيني، هل الخصم همه وقصده أن يغلب خصمه، أم يقرر الحق؟

المقدم: لا شك تقرير الحق.

تقرير الحق.

 لو قُدر أنه بالفعل لم يسمع أبو إسحاق من علقمة هل نقول: يلزمكم أو يلزم العمل بهذه الرواية؛ لأن مذهبك أيها المخالف قبول مثل هذا ولو كان منقطعًا وأنا لا أراه؟ لا.

ولا يصلح لمز العيني أيضًا بقوله: فالذي يدعي صنعة الحديث كيف يرضى بهذا الكلام؟ ابن حجر ما اقتصر على هذا، بل قرر أنه سمع منه، وأيضًا له شواهد، والمرسل يعتضد بالشواهد وأورد له شاهدين.

المقدم: لكن في رد ابن حجر هل استدرك الرد عليه أم تركه؟ سيأيتنا رد ابن حجر على تعقب العيني..؟

في تعقبات للحافظ ابن حجر في الانتقاض سيأتي كلامه.

 أبو الحسن القصار المالكي ذكر قال: روي أنه أتاه بالثالث، لكن لا يصح، وعرفنا أنه في تقرير الحافظ ابن حجر أنه صحيح رواية أحمد.

قال: فالاستدلال به لمن لم يشترط الثلاثة قائم ولو صح، يعني لو ثبت «ائتني بحجر»، فالاستدلال به لمن لا يشترط الثلاثة قائم، لماذا؟

المقدم: مثل ما قلنا عند المخرجين..

نعم؛ لأنه اقتصر في الموضوعين على ثلاثة فحصل لكلٍّ منهما أقل من ثلاثة. انتهى.

يقول ابن حجر: وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ ثَابِتَةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا وَقَفَ عَلَى الطَّرِيقِ الَّتِي عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فَقَطْ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا مِنْ سَبِيلٍ وَاحِدٍ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ مِنْهُمَا. إلى آخره، في كلام مضى بالأمس.

المقدم: في الحلقة الماضية.

في الحلقة الماضية نعم.

قالوا: لأن كونه لم يطلب إلا ثلاثة في كلام أبي الحسن...

نعم، في كلام أبي الحسن بن القصار المالكي في كونه لم يطلب إلا ثلاثة واحتمال أن يكون يحتاج الاستنجاء للمخرجين أيضًا فيه استدارك على من يشترط الثلاثة، وعرفنا رد الحافظ ابن الحجر لأنه قال: يحتمل أنه لم يخرج منه إلا بسبيل واحد.

لكن لم يذكر في حديثٍ واحد أنه طلب ستة، نعم ابن حجر استدرك هذا؛ لأنه يحتمل أن يكون استعمل كل واحد من هذه الأحجار في زاويتين مثلاً في مسحتين، والمقصود المسحات.

يقول العيني: وقوله: لأن المقصود بالثلاث يعني يمسح بها ثلاث مسحات ينافيه اشتراطهم العدد في الأحجار؛ لأنه يستدلون بظاهر قوله: «ولا يستنجي أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار».

يعني حرف المسألة وطرف المسألة وأس المسألة هل الثلاثة مقصودها لذاتها يعني مثل ما قال في ثلاثة قروء، أو أن المقصود المسحات الثلاث؟

المقدم: طبعًا بالإجماع ذكرنا أن الجمهور على أن المسحات الثلاثة مجزئة.

بلا شك أنها مجزئة، لكن الكلام على أنه هل الثلاثة مقصودة لذاتها التي أصل الإشكال في أخذ الحجرين وألقى الروثة، لماذا لم يكتفِ بالحجرين؟

واحتمال أن يكون أحد الحجرين له أكثر من حرف طرف يستنجي به لا شك أن هذا موضع إشكال، لكن المقصود الإنقاء مع استيعاب المسحات الثلاث.

وقوله: وذلك حاصلٌ ولو بواحد، يكون له ثلاث شعب، مخالف لصريح الحديث، قوله: «ولا يستنجي أحدهم بأقل من ثلاثة أحجار»، الحنابلة والشافعية يستدلون بهذا الحديث، فاكتفاؤهم بالمسحات الثلاث من حجر أو حجرين ترك لظاهر هذا الحديث «ولا يستنجي أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار»، ما هو بترك العمل بظاهر هذا الحديث.

قوله: وذلك حاصل ولو بواحد مخالف لصريح الحديث، فهل رأيت من يرد بمخالفة ظاهر حديثه، الذي يحتج به على من يحتج بظاهر الحديث بطريق الاستدلال الصحيح؟

 يعني أولاً ابن حجر ومن يقول باشتراط الثلاثة من الشافعية والحنابلة كلهم يستدلون بظاهر حديث «ولا يستنجي أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار»، يستدلون بلفظه، ثم يقررون المسألة بالمعنى ويقولون: إن المقصود بالثلاثة المسحات الثلاث.

ولذلك استغل العيني هذا الخلل في الاستدلال قال: وقوله ذلك حاصل ولو بواحد مخالفٌ لصريح الحديث «ولا يستنجي أحدهم بأقل من ثلاثة أحجار»، فهل رأيت من يرد بمخالفة ظاهر حديثه؟

هو يخالف ظاهر حديث ابن حجر حينما يقول: المسحات بالشعب الذي يحتج به على من يحتج بظاهر الحديث بطريق الاستدلال الصحيح، لكن نقول: إذا كان ابن حجر خالف ظاهر لفظ الحديث، واستدل بما يراد من العدد، وهو الإنقاء بالمسحات الثلاث، يعني خالف الظاهر «ولا يستنجي أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار»، لكنه من حيث المعنى بالمسحات الثلاث ما خالف.

قول هذا أولى بالقبول ممن يظاهر الظاهر والمفهوم، ممن يخالف المنطوق والمفهوم، نعم إذا خالفنا منطوق الحديث «ولا يستنجي أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار»، وعملنا بمفهومه الذي يحتوي ويشتمل أو يدل على الاستنجاء بثلاث مسحات ولو بحجرٍ واحد أولى ممن يخالف الظاهر والمفهوم.

المقدم: نعم، صحيح.

 لأنهم لا يقولون بالعدد بالثلاثة ولا يقولون بالمسحات الثلاثة، بل يقولون: يكفي أقل من ذلك، المقصود الإنقاء.

المقدم: والأول أقرب إلى الدلالات العامة في النصوص، قاعدة مطردة..

الفقهاء منهم من يعقد خنصره على اللفظ ويدور معه حيثما دار، ولو خالف معناه المنقول والمعقول.

المقدم: وهذا مطرد عندهم..؟

نعم عند الظاهرية، ومنهم من يعمل باللفظ ويستفيد من المعنى، لا يلغي المعنى، ومنهم من يرجح المعنى، بعبارة أخرى منهم من اقتصر على الظاهر كالظاهرية، ومنهم من يعمل بالنظر والأثر مع ترجيح الأثر.

المقدم: وهم أهل الحديث.

وهم أهل الحديث، وواضح من كلام ابن حجر، ومنهم من يعمل بالنظر والأثر ويكون عنده النظر أقوى وأوضح في كلامه من الأثر.

المقدم: وهم الفقهاء.

طريقة الفقهاء والعيني واحدٌ منهم.

يقول: وهل هذا إلا مكابرة وتعنت- عصمنا الله من ذلك- ومن أمعن النظر في أحاديث الباب، هذا كلام العيني، ومن أمعن النظر في أحاديث الباب ودقق ذهنه في معانيها علم وتحقق أن الحديث حجةٌ عليه، وأن المراد الإنقاء لا التثليث.

وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكاه العبدري، وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك وداود، وهو وجه للشافعية أيضًا، انتهى من عمدة القاري.

ابن حجر في انتقاض الاعتراض يقول: قلت: هذا الكلام كلا كلام، يعني لغو وجوده مثل عدمه، أما استبعاده غفلة الطحاوي مع قوله أنّه ثبت عنده عدم سماع أبي إسحاق من علقمة فلا ملازمة بينهما؛ إذ قد يعرف أن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة، ولا يعرف أنّه روى عنه هذا الحديث بعينه.

يعني كلام الطحاوي في تقرير عدم سماع أبي إسحاق من علقمة كلام عام في غير هذا الموضع.

يقول: أما استبعاده غفلة الطحاوي مع قوله إنّه ثبت عنده عدم سماع أبي إسحاق من علقمة فلا ملازمة بينهما؛ إذ قد يعرف - يعني الطحاوي - أن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة، ولا يعرف أنّه روى عنه هذا الحديث بعينه، بل لو عرفه لأورده بالانقطاع.

يعني إذا استدل به، هو ما استدل به، لكن أنت –العيني- ركبت من كلام الطحاوي في موضعٍ غير هذا الموضع، يعني الطحاوي في حديثٍ آخر قال: إن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة فأنت جئت بهذا، وكثيرًا ما يُورد في ذكر المذاهب وأدلتها أدلة لم يطلع عليها أصحاب المذاهب يوردها المتأخرون.

يعني خلاف في مسألة: لمالك قول، ولأبي حنيفة قول، وللشافعي قول مثلاً، وهم يقررون هذه المسائل باختصار، كلٌّ يوردها من وجهة نظره، ويذكر دليله، ثم بعد ذلك المتأخر من أتباعهم يحشد أدلة لم يطلع عليها المتقدم.

أو اطلع عليها ولم يذكرها، فيقول: استدل أبو حنيفة بكذا، هذا ليس بصحيح، يقول: مما يستدل به لأبي حنيفة كذا، ومثل هذا كلام العيني بالنسبة للطحاوي، الطحاوي ما أورد هذا الحديث بعينه وقال: إن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة، وإنما ركب العيني كلام الطحاوي في موضع وهو صحيح يستدل له بكذا، يجاب عنه بكذا، لكن ما نقول: إنه في هذا الموضع ذكر هذا.

انظر كلام ابن حجر يقول: أما استبعاده غفلة الطحاوي مع قوله إنّه ثبت عنده عدم سماع أبي إسحاق من علقمة، فلا ملازمة بينهما؛ إذ قد يعرف أن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة، ولا يعرف أنّه روى عنه هذا الحديث بعينه، بل لو عرفه لأورده بالانقطاع.

يعني يورده، ويبقى ذكره أنه منقطع، لو كان كما زعم هذا المعترض، مع أن الانقطاع، مع أن هذا الانقطاع لا يقدح عند الطحاوي في صحة هذا الحديث؛ لما –فيه بياض- في انتقاض الاعتراض.

المقدم: في الأصل.

نعم في الأصل.

 لكن أنا أقول: لعل المقصود لما عرف من مذهبه كمذهب إمامه من قبول المراسيل والاحتجاج بها.

وأمّا دعواه أن متابعة أبي شيبة لا يعتبر بها؛ لضعفه، فماذا يصنع في متابعة عمار الثقة، مع أن المتابعات قد يقصد بها الاعتضاد، وبالأصالة قد يقصد بها تكثر الطرق.

قد يقصد بها الاعتضاد إذا كان المتابع يحتاج إلى هذه الاعتضاد، يعني إذا كان فيه شيء من الضعف نأتي بالمتابعات والشواهد؛ لترفع هذا الضعف.

مع أن المتابعات قد يقصد بها الاعتضاد، وبالأصالة قد يقصد بها تكثير الطرق، قد يكون الأصل المتابع المتسدل به صحيح في الصحيحين، فلماذا نورد في المسألة حديثًا رواه ابن ماجه، وفيه ضعف؟

يعني إذا أوردنا حديثًا في المسألة في سنن أبي داود بسندٍ حسن، ثم وجدنا عند الترمذي متابعة لهذه الرواية بسندٍ فيه شيء من الضعف، هذا المتابعة نستفيد منها لتقوية...

المقدم: ذاك الضعف.

لكن لو كان الأصل في الصحيحين، ثم وجدنا حديثًا في سنن أبي داود فيه شيء من الضعف، نحن أصالةً ما نحتاج، الحكم قائم ثابت في الصحيحين، لكن يقول: وبالأصالة قد يقصد بها تكثير الطرق، يعني من باب حشد الأدلة.

ولذلك تجدهم يوردون في أصل المسألة الأقوى، ثم الذي يليه ثم الذي يليه، ثم بعد ذلك تجدهم يوردون أحاديث لا يستدلون بها على جهة الاستقلال، ولذلك شيخ الإسلام لما قيل له: إن الأئمة يستدلون بالضعيف، قال: لا، إن هذا مجرد تكثير الأدلة كالاستدلال مثلاً بالسنن الإلهية وحوادث العالم وما أشبه ذلك، هي ليست بأدلة، الحوادث التي تقع ليست أدلة، لكن يعضد بها أو تكثر بها الأدلة.

وقد يقصد بها تكثير الطرق؛ ليرجح بها عند الحاجة؛ لأنه قد يكون الحديث الأصل في الصحيحين، لكن مع معارضه حديث في الصحيحين، كيف نرجح بين هذا وهذا؟

نرجح بالأدلة ولو كان فيها كلام، ولذلك ابن القيم - رَحِمَهُ اللَّهُ – مع أنه لا يرى الاحتجاج بالضعيف يرى الترجيح بالضعيف، وذكر هذا في تحفة المودود في أحكام المولود؛ لأن أهل العلم قد يرجحون بالقشة، كما عندهم في قواعد الترجيح.

يرجح بها عند الحاجة مع أن معْمرًا مستغنٍ عن المتابع، فذكر المتابع زيادة قوة، وصاحب الحديث..

صاحب الحديث لأنه غمز هنا قال: والذي يدعي صنعة الحديث.

وصاحب الحديث لا يضره الرضا بهذا الكلام بل الذي يرد هذا الكلام هو الذي لا معرفة له بصناعة الحديث.

ثم نقل هذا المعترض، يعني العيني عن ابن القصار المالكي أنه قال: روي أنه أتاه بثالث، ولا يصح، ولو صح فالاستدلال به لمن لا يشترط الثلاثة قائم.

أولًا: تقدم الكلام في أن الخبر صحيح.

فالاستدلال به لمن لا يشترط الثّلاثة قائم؛ لأنّه اقتصر في الموضعين على ثلاثة/ فحصل لكل منهما أقل من ثلاثة، قلت: ارتضى هذا المعترض كلام ابن القصّار، ونفيه الصِّحَّة لا يستلزم نفي ما دونه وهو الحسْن، ووجوده كافٍ في الاحتجاج/ وما ادعاه من قيام الاستدلال بالذي ذكره ممنوع.

يعني هذه الرواية لو لم تصل إلى درجة الصحة فعلى الأقل حسنة، وكون ابن القصار يقول: لم يصح، لا ينفي أن يكون حسنًا، وهذه مسألة يحتاج إليها كثيرًا، يعني إذا قال العلماء: لم يصح في هذا الباب شيء، لم يصح في هذه المسألة شيء، لم يصح عن فلان شيء/ هل مقصودهم نفي الصحة دون ما دونها؟

المقدم: يعني حتى الحسن منها.

يعني المراتب صحيح أعلاها ثم حسن ثم ضعيف، إذا نفينا الحسْن فمن باب أولى أن ننفي؟ الصحة، لكن إذا نفينا الصحة.

المقدم: هل ينتفى الحسْن أم لا؟

هذا الكلام، يعني الذي يعرف من صنيع الأئمة، الذي يعرف ويتتبع صنيع الأئمة يجدهم كثيرًا ما يستعملون عدم الصحة في عدم الثبوت، لا يصح في هذا الباب شيء يعني لم يثبت فيه شيء، ولا يريدون الكلام بمفهومه أنه إذا انتفت الصحة لا يلزم من ذلك انتفاء الحسْن، وإن كان هو المتبادر.

وإن كان هذا هو المتبادر، إذا قيل: لا يصح في الباب شيء، هل معناه فيه حديث حسن؟ لا، لا يلزم، بل إذا قالوا عن حديث: لم يصح، ولم يصح في الباب شيء، فمعناه لا يثبت فيه شيء، شيء ملزم، سواء كان صحيحًا أو حسنًا، وكثيرٌ من الأئمة يدخل الحسن في الصحيح، بجامع القبول.

ونفيه الصِّحَّة لا يستلزم نفي ما دونها وهو الحسن، ووجوده كافٍ في الاحتجاج، وجود الحسن كافٍ في الاحتجاج؛ لأن الحسن يحتج به عند عامة أهل العلم.

ووجوده كافٍ في الاحتجاج، وما ادعاه من قيام الاستدلال بالذي... ذكره إلى آخره ممنوعٌ.

ثم اعترض العيني على قول ابن حجر: وفي استدلال الطحاوي نظر أيضًا، فإن لم تثبت الرِّواية بطلب الثّالث فلعلّ الصحابي اكتفى بطرف أحدهما عن الثّالث؛ لأنّ المقصود بالثلاث أن يمسح ثلاث مسحات وهي تحصل بطرف واحد، ثمّ جاء شخص آخر فمسح بطرفه الآخر أجزأهما بلا خلاف.

قال العيني: نظره مردود عليه؛ لأنّ الطحاوي استدل بصريح النص لما ذهب إليه، فلا يدفع بالاحتمال البعيد. يعني كونه استنجى بحجر من جهتين هذا احتمال، لكنه بعيد، استدلال الطحاوي استدل بصريح النص لما ذهب إليه، فلا يدفع بالاحتمال البعيد، والاكتفاء المذكور ينافيه اشتراطهم العدد في الأحجار؛ لأنّهم يستدلون للاشتراط بحديث ولا يجزئ بأقل من ثلاثة أحجار، فقوله: وذلك حاصل ولو بواحد مخالف لصريح الحديث، وهل الاستدلال بما استدل به إِلَّا مكابرة وتعنت، ومن أمعن النظر عرف أن الحديث حجة عليهم.

يعني على ما تقدم ورده.

يقول ابن حجر في الانتقاض: نقول بما قال من إمعان النظر. يعني وافق العيني على هذا.

نقول بموجب ما قال من إمعان النظر فنقول: وجدنا الأمر باشتراط الثلاث؛ لأنّه مقتضى الحديث الذي فيه: ولا يجزئ بأقل من ثلاث، واستنبطنا من هذا النص معنًى يعممه، وهو أن المقصود ثلاث مسحات بمسمى ثلاثة أحجار، والمسحات تحصل بما ذكرنا، ووجدنا من اجتزأ بأقل من ثلاث تمسك بالسكوت عن طلب الثّالث، وزعم أنّه يدلُّ على أنّه اجتزأ بالاثنين، ولا يلزم من السكوت الإِجزاء، وعلى تقدير التسليم فيتعارض العقل وصريح الأمر أو يفرض أن لا دلالة في السكوت، فما الجواب عن دلالة النّهي بعدم الإِجزاء بدون الثلاث؟

يعني الذي تحرر في هذه المسألة أن الحنفية والمالكية عمدتهم فأخذ الحجرين، وعمدة الحنابلة والشافعية: "ولا يجزئ بأقل من ثلاثة أحجار".

ثم بعد ذلك مفهوم الحديثين والكلام الطويل فيهما يتمسك به كلٌّ من الطرفين، يتمسكون بأمورٍ خفية في الخبرين، ابن حجر لا شك أنه أورد الزيادة في مسند أحمد، وهي صحيحة، لكن هل يقول بموجبها ويتقيد بحرفية الثلاثة؟

أو يقول: إن المقصود المعنى، وهو المسحات الثلاث؟ وأولئك يقولون: المقصود المعنى وهو الإنقاء، نعم ما دام اجتزأنا بأقل من ثلاثة أحجار بحجر له ثلاث شعب أو بحجرين واحدٌ منهم له شعبتان فمعناه أننا خالفنا حديث أبي هريرة وسلمان في اشتراط الثلاثة، فالمقصود الإنقاء.

الشافعية والحنابلة يقولون: نعم ليس المقصود الثلاثة لذاتها، وإنما المقصود الإنقاء مع عدد المسحات.

المقدم: لعلنا نستكمل، يبدو أنه بقي من ردودهما – رَحِمَهُمُا اللهُ – شيء يا شيخ؟

نقتصر على هذا؛ لأنا أطلنا الحديث.

المقدم: إذًا نكتفي بهذا على أن نستكمل ما تبقى إن شاء الله في حلقة قادمة، أيها الأخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

لقاؤنا بكم في حلقة قادمة بإذن الله.

لتذكير الأخوة والأخوات، بإمكانكم متابعة بث حلقات هذا البرنامج بعد بثه في الإذاعة عن طريق الموقع الخاص بالشيخ عبد الكريم الخضير، وهو موقع: www.khudheir.com، شكرًا لكم.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.