شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (336)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد،

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام إلى لقاء جديد في هذا البرنامج: شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، وهو المشهور بمختصر صحيح البخاري للإمام زين الدين أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الزبيدي.

 مرحبًا بكم وأهلًا وسهلًا، ويسعدني في مطلع هذا اللقاء أن أرحِّب بضيف حلقات هذا البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير -وفقه الله-، فمرحبًا بكم فضيلة الشيخ، وأهلًا وسهلًا.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: وفيكم، حفظكم الله، كلمة أبدأ بها هذا اللقاء، وهو الأول لي في هذا البرنامج، وهي تحية وتقدير للزميل الأخ الشيخ فهد بن عبد العزيز السنيدي الذي رافق الشيخ عبد الكريم منذ بدايات هذا البرنامج منذ أكثر من ثماني سنوات، فجزاه الله خيرًا، ونفع به حيثما كان. وإذا سمحتم لنا شيخنا الفاضل أن نبدأ حيث انتهيتم- حفظكم الله- في الحديث عن حديث عائشة-رضي الله عنها- قالت: «كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله».

 وهو الحديث في باب التيمن في الوضوء والغسل، أتممتم الحديث حول هذا الحديث حفظكم الله، والباقي إن تفضلتم حديث عن أطراف هذا الحديث.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

وأنا بدوري أحيي الأخ الأستاذ فهد السنيدي، الذي صحبنا في البرنامج من أوله إلى هذه الحلقة، وأرجو أن يكون له أجره ما دام باقيًا؛ لأنه هو الذي ابتدأه، فيجرى عليه أجره، إن شاء الله تعالى.

 الحديث خرَّجه الإمام البخاري في خمسة مواضع:

الأول: هنا في كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل قال- رحمه الله تعالى-: «حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني أشعث بن سليم قال: سمعت أبي عن مسروق عن عائشة قالت: كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله»، وتقدم ذكر المناسبة بين الحديث والترجمة، وأنها ظاهرة؛ إذ الترجمة: باب التيمن والنبي-عليه الصلاة والسلام- كان يعجبه التيمن، فمطابقة تامة. والموضع الثاني: في كتاب الصلاة، في باب التيمن في دخول المسجد وغيره، وكان ابن عمر- رضي الله عنهما- يبدأ برجله اليمنى، فإذا خرج بدأ برجله اليسرى قال- رحمه الله-: «حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا شعبة عن الأشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة قالت: كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله»، والمناسبة ظاهرة؛ لأن دخول المسجد داخل في شأنه الذي أُكد بالكل، فيشمل الوضوء والغسل والتيمم، وأيضًا دخول المسجد.

 يقول ابن حجر: يحتمل أن يقال في قولها ما استطاع احتراز عما لا يُستطاع فيه التيمن  شرعًا.

 الآن دخول المسجد وأعضاء الوضوء والغسل هذه مستطاعة في الأصل، لكن قد لا تستطاع إما شرعًا في بعض الأحوال غير ما ذُكر، الخروج من المسجد مستطاع أن يقدم رجله اليمنى، لكنه شرعًا غير مستطاع حكمًا.

يقول: يحتمل أن يقال في قولها: ما استطاع احتراز عما لا يستطاع فيه التيمن شرعًا كدخول الخلاء مثلًا، يعني ألا يستطيع إنسان أن يقدِّم رجله اليمنى؟

المقدم: بلى.

يستطيع، لكنه شرعًا لا يستطيع، حكمًا لا يستطيع.

المقدم: كيف ذاك؟

الآن فيه أحد يمنع الإنسان إذا أراد أن يدخل الخلاء أن يقدم اليمنى؟

المقدم: لا، الأمر إليه في هذا.

الأمر إليه، إذا أراد أن يدخل المسجد هل هناك ما يمنعه أن يقدم اليسرى؟

المقدم: أبدًا.

الاستطاعة موجودة، التي هي القدرة البدنية موجودة، لكن القدرة الشرعية بمعنى حكم شرعي ممنوع، مثلاً صيام يوم العيد مستطاع على الإنسان صح أم لا؟

المقدم: نعم.

لكنه ممنوع منه شرعًا، فهو غير مستطيع، إما بإخباره لها بذلك، وإما بالقرائن، يعني تتبعت أحواله -عليه الصلاة والسلام-، فوجددته يحب كذا إما بالتيمن أو العكس، يعني في الأمور المستقذرة.

 الموضع الثالث: في كتاب الأطعمة، في باب التيمن في الأكل وغيره، وقال عمر بن أبي سلمة: «قال ليَ النبي-صلى الله عليه وسلم-: كل بيمينك».

 قال- رحمه الله-: «حدثنا عبدان قال: أخبرنا عبد الله» -عبدان هو عبد الله بن عثمان المروزي العتكي معروف، وعبد الله الذي يروي عنه عبدان هو ابن المبارك-  قال: «أخبرنا شعبة، وهو ابن الحجاج، عن أشعث بن أبي سليم، الذي تقدم عن أبيه عن مسروق عن عائشة-رضي الله عنها- قالت: كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يحب التيمن ما استطاع في طهوره وتنعله وترجله».

  في البخاري في الأصل بعد ذلك قال: وكان.. قال بواسط قبل هذا «في شأنه كله» الآن هذا اللفظ الذي معنا في الموضع الثالث في كتاب الأطعمة ليس فيه «في شأنه كله»، ولذلك قال: وكان قال بواسط «في شأنه كله»، والطريق الذي من قبله «في شأنه كله»، وفي حديث الباب الذي شرحناه «في شأنه كله»، لماذا ينص البخاري على هذه الكلمة التي لم توجد في هذا السياق، ووجدت في سياقات أخرى؟ نعم؛ ليدخل الأكل، الآن ما ذكر البخاري «في شأنه كله» الذي يدخل فيه الأكل في كتاب الأطعمة لو بحثت في لفظ الحديث عن عائشة-رضي الله عنها- أنها قالت: «كان النبي-صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه التيمن ما استطاع في طهوره وتنعّله وترجّله» إذًا ما فيه مناسبة للكتاب كتاب الأطعمة إلا أن البخاري يستحضر ما جاء في طرق أخرى، وأحيانًا يقصد- رحمه الله- الإغراب فيأتي بطريق لا دلالة فيه على الترجمة لكن في طرق الحديث الأخرى..

المقدم: موجود.

موجود؛ لكي يشحذ طالب العلم أن يجمع طرق الحديث.

المقدم: يتتبعها.

يتتبعها، فتوجد هذه المناسبة، يعني من الغرائب- وهذا رددناه مرارًا في مناسبات البخاري رحمة الله عليه- يُغرب جدًّا، باب ما جاء في النظر إلى السماء ثم قال: وقول الله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [سورة الغاشية 17]، يعني ما هي بأصرح منها الآية التي بعدها هي التي تدل على المراد؟ لكن إما أن يريد من الطالب أن يكمل فيقف على المراد في الآية التي بعدها، أو يريد أن يستدل بدليل فيه بُعد، ويحتاج إلى بُعد غور وغوص في المراد فيقول: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [سورة الغاشية 17]، الذي ينظر إلى الإبل من بني آدم فلابد أن يرفع رأسه.

المقدم: فيقول سبحان الله.

لابد أن يرفع بصره.

المقدم: باعتبار ارتفاع...

الإبل نعم، فإذا ارتفع بصره إلى السماء، مجرد ما يرتفع الرأس ينظر إلى السماء إذا ارتفع بصره إلى الإبل لابد أن ينظر إلى السماء، لكن قد يقول قائل: إن الإبل باركة فلا يحتاج النظر إلى السماء، قال بعضهم: إن الإبل من أسماء السحاب، وهذا أغرب، فيقول الإمام البخاري يحتاج إلى نظر دقيق، وهو يربي قوة الفهم، ينمي قوة الفهم في طالب العلم، ولذلك فُضل صحيح البخاري على غيره من الكتب بهذه الدقائق، يعني يُربى عليه عالم، لا أقول طالب علم فقط، يربى عليه عالم، بينما الكتب الأخرى التي الدلالة منها واضحة وصريحة ما تحتاج إلى كل هذا.

 وكان قال بواسط قبل هذا في شأنه كله.

 قال ابن حجر: الحديث ظاهر فيما تُرجم له، وظن بعضهم أن هذه الترجمة تكرار؛ لأنه تقدم في قوله: باب التسمية على الطعام والأكل باليمين ترجم البخاري ترجمة في كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام والأكل باليمين، وهنا كتاب الأطعمة، باب التيمن في الأكل وغيره، البخاري-رحمة الله عليه- ما أورد الحديث الذي شرحناه في ترجمة باب التسمية على الطعام والأكل باليمين، إنما أورده في باب التيمن في الأكل وغيره، قال ابن حجر: الحديث ظاهر فيما تُرجم له، وظن بعضهم أن في هذه الترجمة تكرارًا؛ لأنه تقدم في قوله: باب التسمية على الطعام والأكل باليمين، وقد أجاب عنه ابن بطال بأن هذه الترجمة أعم من الأولى؛ لأن الأولى لفعل الأكل فقط والأكل باليمين، وترجمة الباب الذي معنا الذي أورد الحديث بعده في كتاب الأطعمة قال: باب التيمن في الأكل وغيره.

 أجاب عنه ابن بطال: بأن هذه الترجمة أعم من الأولى؛ لأن الأولى لفعل الأكل فقط وهذه لجميع الأفعال، فيدخل فيه الأكل والشرب بطريق التعميم، يعني عطف العام وغيره على الطعام من باب عطف العام على الخاص، فيدخل فيها كل ما يُحتاج إليه، ومن جملة العموم عموم متعلقات الأكل، أولًا عموم فيما يُأكل من جهة، وعموم متعلقات الأكل من أين يبدأ؟

المقدم: باليمين.

باليد اليمين، لكن فيما يُأكل إذا قُدم الطعام.

المقدم: الذي يليه.

الذي يليه من جهة اليمين أو من جهة الشمال؟ افترض أنه عن يمينك طعام، وعن يسارك طعام، فماذا تُقدم؟

المقدم: الظاهر هنا اليمين طبعًا.

تقدم اليمين، لو كان الذي رتّب الطعام ما حسب حسابًا، وجعل الأهم والأولى في اليسار مثلاً.

المقدم: من حيث سُنية الأمر.

نعم معنى الكلام في الشرع، شيخ الإسلام-رحمه الله تعالى- يقول: إن الإنسان قد يرجح بغير مرجِّح كاختيار أحد الطريقين، والبدء بأحد الرغيفين، يعني عندك طرق من بيتك إلى المسجد أكثر من طريق، والمسافة واحدة.

المقدم: فترجح بغير مرجح.

قد تذهب مرة من هنا، ومرة من هنا، وتُنوع إلى آخره، فكونك تبدأ بهذا الطريق أو هذا الطريق ما فيه فرق عندك، وكذلك إذا كان أمامك أكثر من رغيف تبدأ بأيّها؟

المقدم: بهذا أو بذاك.

بهذا أو بذاك، يعني ترجيح بغير مرجح كونك ترجح هذا أو هذا لكن يبقى عندنا أن التيمن في الأكل العموم الموجود عندنا في الأكل وغيره.

المقدم: يدخل في متعلقات الطعام.

كل متعلقات الطعام، يقول: ومن جملة العموم عموم متعلقات الأكل، كالأكل من جهة اليمين، وتقديم من على اليمين في الإتحاف، يعني إذا أردت أن تعطي أحدًا طعامًا، تتحفه بطعام تقدم الأيمن، وتقديم من على اليمين في الإتحاف ونحوه على من على الشمال وغير ذلك، بالمناسبة أحيانًا الأكل من الذي يليك، جاء «كل بيمينك مما يليك» في حديث عمر بن أبي سلمة.

المقدم: «يا غلام سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك».

لأن البركة تنزل في وسط الطعام، فإذا هجم إنسان على وسط الطعام كأنه يريد أن يذهب البركة، أو تقل البركة عن الموجودين، لكن من باب الترف الموجود في عصرنا هناك أطعمة وسطها أجوف ليس فيها شيء، يكون الطعام على حافة الإناء ووسط الإناء أجوف فأين تنزل البركة حينئذ؟ يعني لو نمثِّل بمثال صغير يعرفه الناس يقيسون عليه شيئًا أكبر منه الذي يسمونه "الدونات" هذه.

المقدم: مجوفة.

مجوفة ليس في وسطها شيء، افترض أن هناك طعامًا مثل هذه الدونات لكنه كبير فأين تنزل البركة؟ فعلى الإنسان أن يلحظ ما جاءت التوجيهات الشرعية فيه ويطبق فيجعل وسط الطعام لتنزل فيه البركة، ويأكل بيمينه مما يليه، ويكون أيضًا التعميم الذي ذكره البخاري- رحمه الله- في الأكل وغيره على ذكر منه.

 قال: ومن جملة العموم عموم متعلقات الأكل كالأكل من جهة اليمين، وتقديم من على اليمين في الإتحاف ونحوه على من على الشمال وغير ذلك.

وقوله: كان قال بواسط قبل هذا في شأنه كله، القائل هو شعبة، والمقول عنه أنه قال بواسط هو أشعث بن سُليم، قال الكرماني: قال بعض المشايخ: القائل بواسط هو أشعث كذا نقل وليس بصواب ممن قال، الآن الحافظ ابن حجر يقول من القائل؟ يقول: القائل شعبة، والمقول عنه شيخه في السند أشعث، الكرماني، يقول قال بعض المشائخ: القائل بواسط هو أشعث، إذًا المقول عنه هو أبوه؛ لأنه يروي عن أبيه، قال: كذا نقل، وليس بصواب ممن قال، الكرماني ينقل أحيانًا من غير تحقيق ولا تدقيق، والفن يحتاج له أهله، الكرماني ليس من أهل الرواية، نعم أجاد في شرحه، وعليه ملاحظات كثيرة، لكنه في الغالب ينقل، فتحصل له بعض الأوهام أو حصل له أوهام تصدى لها الشراح.

الموضع الرابع: في كتاب اللباس، بابٌ يُبدأ بالنعل اليمنى. قال- رحمه الله-: «حدثنا حجاج بن منهال قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني أشعث بن سليم سمعت أبي يُحدث عن مسروق عن عائشة-رضي الله عنها- قالت: كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يحب التيمن في طهوره وترجله وتنعله»؛ لأنه قال: باب يبدأ بالنعل اليمنى، وفي النص: وتنعله، إذًا المناسبة ظاهرة جدًّا، فيها خفاء؟

المقدم: أبدًا.

ما فيها خفاء، ولذا قال ابن حجر: وهو ظاهر فيما تُرجم له.

 والموضع الخامس: في كتاب اللباس أيضًا، باب الترجيل والتيمن فيه. قال- رحمه الله-: «حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة عن أشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة- رضي الله عنها- عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه كان يعجبه التيمن ما استطاع في ترجله ووضوئه» الترجمة باب الترجيل والنص في الترجل.

المقدم: وأيضًا هذا واضح.

واضح، لكن لماذا لم يقل: في كتاب اللباس باب الترجل.

المقدم: لم يقل الترجيل.

كما يترجم أكثر أهل العلم الترجل، لمَ قال الترجيل، والنص في ترجله؟ أحيانًا البخاري- رحمة الله عليه- زيادة على ما ينبه عليه من فوائد فقهية وحديثية أحيانًا ينبه إلى فوائد لُغوية، وأن الترجل والترجيل...

المقدم: بمعنى واحد.

هما مصدران لـ رجّل يُرجِّل ترجيلًا، مثال ذلك نص الحديث إذا لم تستحي (بالياء) فاصنع ما شئت، هذا نص الحديث في البخاري وغيره، إذا لم تستحي..

المقدم: بإثبات الياء.

بإثبات الياء إذا لم تستحي فاصنع ما شئت، البخاري ترجم إذا لم تستحِ ( بالكسر) لماذا؟

المقدم: لينبه على هذه الفائدة.

نعم لينبه أنّ (تستحي) هي لغة قريش التي نطق بها النبي-عليه الصلاة والسلام-، وأما لغة تميم فبحذف الياء، يستفيد طالب العلم إذا..

المقدم: نظر إلى هذه الفروقات.

قارن بين الترجمة والحديث لماذا أتى بهذا الفرق؟ ليستفيد الطالب، وهذا من دقة غوصه- رحمه الله-.

كأنه كان عن عائشة- رضي الله عنها- عن النبي- صلى الله عليه وسلم أنه كان يعجبه التيمن ما استطاع في ترجله ووضوئه، قال ابن حجر: التيمن في الترجل أن يبدأ بالجانب الأيمن، وأن  يفعله باليمنى، قال ابن بطال: الترجيل تسريح شعر الرأس واللحية ودهنه، وهو من النظافة، وقد ندب الشرع إليها، طيب الترجيل والتسريح ودهن اللحية أليس من باب... الترجيل من باب  إزالة ما يعلق بالشعر من أوساخ، أليس هو من أجله؟ أليس نظيره التسوك؟

المقدم: نعم، باعتبار أنه من التنظف.

كله تنظف.

المقدم: لكن قد يكون أيضًا للعناية به.

أو نقول: إن الترجيل بعد التنظيف، بعد ما يغسل الرأس ولا يبقى إلا التسريح ما يكون من باب إزالة قذر فيُتناول بالشمال أو باليمين كما قالوا عن السواك: إنه يُتسوك بالشمال؛ لأنه إزالة قذر، وشيخ الإسلام يقول: لا أعلم أحدًا من الأئمة قال بالتسوك باليمين.

المقدم: ولا عند إقامة الصلاة؟

ولا عند شيء، ما دام تسوك كل الأئمة على أنه بالشمال، مع أن جده المجد يقول: يُستحب أن يُتسوك باليمين؛ لأنه عبادة، انظر الآن الرابط بين التسوك الذي يقول أهل العلم إنه باليمين وبين الترجيل الذي هو تسريح الشعر، يسرح باليمين أم بالشمال؛ لأنه يعجبه التيمن في ترجله، لأنه جاء في بعض الروايات: «وفي سواكه»، فالآن التيمن في السواك والترجيل هل هو بالنسبة لليد التي فيها الآلة أو بالنسبة للشق الأيمن؟

المقدم: أو لكليهما.

عمومًا اللفظ يحتمل الجميع، لكن يبقى أن الأئمة كلهم قالوا: السواك باليسار باعتبار أنه لا يدخل في الحديث، يعني دخلنا الدخول للمسجد أخرجنا الخروج منه، دخلنا الخروج من محل قضاء الحاجة باليمين، لكن الدخول فيه باليسار، فما يعجبه التيمن في الأمور المستقذرة، فإذا قلنا: إن الترجيل من باب إزالة القذر كالسواك قلنا: إنه يُتناول بالشمال، لكن يُبدأ بالشق الأيمن، قال ابن بطال: الترجيل تسريح شعر الرأس واللحية ودهنه، وهو من النظافة، وقد ندب الشرع إليها، وقال الله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }. [سورة اﻷعراف 31]، يعني عند كل صلاة، وأنت تعجب حينما ترى بعض الناس وليسوا أطفالًا أو ناسًا لا يفهمون، كبار يأتون إلى صلاة الفجر مع الأسف بثياب النوم، أو بثياب البذلة بقميص أو شبهه، أو يأتي بعضهم وقد رأيناه بدون ثياب، يأتي وقد لبس الفروة أو البشت على الملابس الداخلية، هذا استهانة بهذه العبادة العظيمة، والله-جل وعلا- يقول: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }. [سورة اﻷعراف 31]، لكن انتظر لو ساعة إذا أراد أن يخرج إلى الدوام ماذا يصنع لمقابلة البشر؟ فعلى المسلم أن يهتم بهذا والله -جل وعلا- يقول: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }. [سورة اﻷعراف 31]. وأما حديث النهي عن الترجل إلا غبًّا قد ندب الشرع إليها ندب الشرع إلى تسريح الشعر ودهن الشعر واللحية وما أشبه ذلك، لكن بدون مبالغة، ما يسرح كل يوم ويدهن كل يوم إنما غبًّا، يومًا يفعل، ويومًا لا.

المقدم: أو وقتًا يفعله ووقتًا لا يفعله.

هم قالوا يومًا ويومًا، وأما حديث النهي عن الترجل إلا غبًّا فالمراد به ترك المبالغة في الترفه، لأن الدين وسط بين الغالي والجافي، لا تصلح أن تكون هيئة الإنسان مستقذرة، والشخص المتدين محل إزدراء من الناس، هذا ما يصلح، لكن أيضًا لا يبالغ بحيث يأخذ عليه وقتًا طويلًا، ويوجد الآن عندهم صوالين في البيوت يمكثون الساعات، هذه مبالغة لم يرد بها الشرع، بل جاء النهي عنها.

فالمراد به ترك المبالغة في الترفه، وقد روى أبو أمامة رفعه «البذاذة من الإيمان»، وهو حديث صحيح أخرجه أبو داود، والبذاذة بموحدة ومعجمتين: رثاثة الهيئة، لكن أيضًا لا تصل إلى حد بحيث يُزدرى، لكن مثل هذا الحديث يُكسر به غُلو بعض الناس في الترفه، كما أن ما جاء في مثل هذا الحديث والادهان يكسر به إهمال بعض الناس، فالدين وسط، دين الله وسط بين الغالي والجافي.

المقدم: ولعلنا أيضًا نكسر الحديث يا شيخ.

ما بقي إلا القليل؛ لأن باقي هذا نسرده سردًا.

المقدم: طيب تفضل يا شيخ.

وهو حديث صحيح أخرجه أبو داود والبذاذة بموحدة ومعجمتين رثاثة الهيئة، والمراد بها هنا ترك الترفه والتنطع في اللباس، والتواضع فيه مع القدرة لا بسبب جحد نعمة الله تعالى؛ لأن بعض الناس عنده الأموال، فإذا لبس لبس الرديء، ركب ركب الرديء سكن سكن الردئ، أكل أكل الرديء، لماذا؟

المقدم: عدم إظهار نعمة الله.

الله-جل وعلا- يحب أن تظهر أثر النعمة على الإنسان على المسلم، وإذا خُوطب قال: البذاذة من الإيمان، هذا ليس صحيحا، لشيء في نفسه، هذا بخل وشح عنده، لكن بعض الناس يفرح بمثل هذا النص، يقول: الحمد لله، هذا الشرع جاء بما يوافق الهوى، ومقصوده الأول اتباع الهوى.

 وأخرج النسائي من طريق عبد الله بن بريدة «أن رجلًا من الصحابة يقال له عبيد قال: كان النبي-صلى الله عليه وسلم- ينهى عن كثير من الإرفاه» قال ابن بريدة: الإرفاه الترجل. يقول ابن حجر: الإرفاه بكسر الهمزة وبفاء وآخرها: التنعم والراحة، ومنه الرَفَه بفتحتين، وقيده في الحديث بالكثير، عن كثير من الإرفاه، بالكثير إشارة أن الوسط المعتدل منه لا يُذم، وبذلك يجمع بين الأخبار، وقد «أخرج أبو داود بسند حسن عن أبي هريرة رفعه: من كان له شعر فليكرمه»، ولو شهدوا من حديث عائشة في الغيلانيات يقول ابن حجر: وسنده حسن.

 وحديث الباب خرجه أيضًا الإمام مسلم، فهو متفق عليه.

المقدم: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ على ما تفضلتم به في الحديث عن أطراف حديث عائشة- رضي الله تعالى عنها-، والذي فيه «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله».

 شكر الله لكم فضيلة الشيخ، وأيضًا الشكر موصول لزميلنا خالد المنور الذي سجل هذا اللقاء، نلقاكم بإذن الله تعالى في لقاء مقبل مستمعينا الكرام، حتى ذلكم الحين نستودعكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.