شرح اختصار علوم الحديث (07)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا يطلب إتمام الشرح، شرح الكتاب، ويلح في ذلك، والشيخ ناصر بيرتب موعد لاحق -إن شاء الله تعالى- لتكميل الشرح.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم، أما بعد:

فيقول المؤلف رحمنا الله وإياه والمسلمين أجمعين:

شرح: النوع الثامن عشر: معرفة المعلل من الحديث:

النوع الثامن عشر: معرفة المعلل من الحديث، وهو فنٌ خفي على كثير من علماء الحديث, حتى قال بعض حفاظهم: معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل، وإنما يهتدي إلى تحقيق هذا الفن الجهابذة النقاد منهم, يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه, ومعوجه ومستقيمه, كما يميز الصيرفي البصير بصناعته بين الجياد والزيوف, والدنانير والفلوس، فكما لا يتمارى هذا كذلك يقطع ذاك بما ذكرناه، ومنهم من يظن، ومنهم من يقف، بحسب مراتب علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث, وذوقهم حلاوة عبارة الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي لا يشبهها غيرها من ألفاظ الناس.

فمن الأحاديث المروية ما عليه أنوار النبوة, ومنها ما وقع فيه تغيير لفظ أو زيادة باطلة أو مجازفة أو نحو ذلك, يدركها البصير من أهل هذه الصناعة، وقد يكون التعليل مستفاداً من الإسناد, وبسط أمثلة ذلك يطول جداً، وإنما يظهر بالعمل، ومن أحسن كتاب وضع في ذلك وأجله وأفحله "كتاب العلل" لعلي بن المديني شيخ البخاري، وسائر المحدثين بعده في هذا الشأن على الخصوص، وكذلك كتاب "العلل" لعبد الرحمن بن أبي حاتم، وهو مرتبٌ على أبواب الفقه، وكتاب "العلل" للخلال، ويقع في مسند الحافظ أبي بكر البزار من التعاليل ما لا يوجد في غيره من المسانيد.

وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك، وهو من أجل كتابٍ، بل أجلُّ ما رأيناه وضع في هذا الفن، لم يسبق إلى مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بشكله، فرحمه الله وأكرم مثواه، ولكن يعوزه شيءٌ لا بد منه وهو أن يرتب على الأبواب ليقرب تناوله للطلاب، أو أن تكون أسماء الصحابة الذين اشتمل عليهم مرتبين على حروف المعجم ليسهل الأخذ منه، فإنه مبدد جداً، لا يكاد يهتدي الإنسان إلى مطلوبه منه بسهولة، والله الموفق.

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى­­-: "المعلل من الحديث" والمعلل لا يوجد في كتب اللغة بالمعنى الذي يريده المؤلف ومن قبله، وإن كان أهل الحديث يطلقون المعلل والمعلول، وكذلك الأصوليون يطلقون أيضاً العلة والمعلول، وأيضاً المتكلمون، لكن لا يوجد معلل وعلله إلا بمعنى ألهاه بالشيء وشغله به، من تعليل الصبي بالطعام، والأولى أن يقال: معل، عله فهو معل، وأما معلول فهو موجود في كلام كثيرٍ من المحدثين والأصوليين والمتكلمين أيضاً.

قال ابن الصلاح عن ذلك: إنه مرذول، مرذول، وقال النووي: لحن، وقال الحريري: لا وجه لهذا الكلام البتة، وقال ابن سيده: "لست منها على ثقةٍ ولا ثلج" يعني ليس مرتاحاً منها، فالأولى أن يقال في ذلك: معل، يرى بعضهم أن استعمال معلول لا بأس به؛ لأنه وجد في عبارات أهل الفن، ولا يلتبس بغيره، معناه واضح ومعروف، فلا مانع من استعماله، لكن المرجع في ذلك اللغة، الشيء الذي لا يوجد له أصل في لغة العرب ينبغي أن لا يطرق.

نعم، إن أمكن توجيه كلام أهل العلم على وجهٍ يصح لغةً فلا بأس، على كل حال الحديث المعل هو الحديث الذي طلع فيه على علة تقدح في صحته، مع أن ظاهره السلامة منها، فالعلة سببٌ خفي يقدح في صحة الخبر مع أن ظاهر الخبر السلامة من هذه العلة، فالناظر في بادئ الأمر يرى أن الحديث لا إشكال فيه، لكن النقاد الخبير الجهبذ يقف على العلة التي لا يقف عليها غيره.

ولذا يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "وهو فنٌ خفي على كثيرٍ من علماء الحديث." نعم، لم يتصدى لهذا الفن أو لهذا النوع من هذا العلم إلا القليل النادر من الجهابذة الحفاظ الكبار، حتى قال بعض حفاظهم: "معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل"، وهذا شيءٌ مشاهد، أن من اعتنى بشيء اطلع على أسراره وخفاياه، بحيث لو تكلم به عند من يجهل ولم تكن له مثل هذه المعرفة ترى ما هو بالسفه طالبه بالدليل ولم يجد.

يعني أهل السيارات مثلاً الخبير بالسيارات مجرد ما يشوف السيارة يقول: هذه ما تصلح، طيب ويش السبب؟ شكلها طيب، ومحركاتها طيبة، يقول: لا أبداً ما تصلح، الصيرفي صاحب الذهب والفضة إذا أتي له بقطعة إما من الذهب أو من الفضة قال: هذه زيف، هذه مغشوشة، كيف؟ ما يقدر يشرح لك، وهكذا في سائر المهن والحرف والصناعات يطلع بعض الناس على ما لا يطلع غيره، الذي زاول مهنة العمار عَمَر مراراً خلاف الذي عَمَر مرة واحدة، يأتي هذا الذي عَمر مراراً يقول: شوف هذا وهذا..، هذا ما هو بعمل طيب، وصاحبه هو عنده أنه من أحسن الأشياء، فالمسألة مسألة اهتمام ومسألة خبرة، ولذا يقولون: "معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل"، تقول له: الحديث يقول: لا يصح، فيه علة، إيش هذه العلة؟ ما يستطيع التعبير عنها، فيرميه بالعجز، يقول: اذهب إلى فلان شوف إيش يقول لك؟ يذهب إلى فلان من النقاد ويقول له نفس الكلام، السبب؟ ما يدري، وهكذا من تعامل مع السنة، في حفظ متونها، والدربة على أسانيدها تجده أنه أول ما يسمع الخبر يتوقف فيه، وهم يتفاوتون كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: منهم من يقطع، ومنهم من يظن، ومنهم من يقف، بحسب مراتب علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث، ولا شك أن الذي يهتدي إلى تحقيق هذا الفن الجهابذة النقاد كعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي حاتم، وأبي زرعة، والدارقطني، من المتأخرين: ابن القيم وابن كثير، ابن رجب، وأمثال هؤلاء.

"فهؤلاء يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه، معوجه ومستقيمه كما يميز الصيرفي البصير بصناعته بين الجياد والزيوف -الرديئة المغشوشة- والدنانير والفلوس، فكما لا يتمارى هذا" يعني لو جيء لواحدٍ منكم بثلاث قطع ذهب أبيض وفضة وما يسمونه بالإكسسوار مثلاً، عادي الناس قد لا يميزون، كلها أبيض، وكلها لماع، وما يدريه؟ لكن أهل الخبرة والصناعة يعرفون ويميزون.

يقول: "فكما لا يتمارى هذا يقطع ذاك بما ذكرناه، ومنهم من يظن  -يعني تقل درجته عن درجة القطع فيغلب على ظنه أن هذا فيه علة- ومنهم من يقف، بحسب مراتب علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث، وذوقهم حلاوة عبارة الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي لا يشبهها غيرها من ألفاظ الناس".

يقول: "فمن الأحاديث المروية ما عليه أنوار النبوة، ومنها ما وقع فيه تغيير لفظ أو زيادة باطلة أو مجازفة أو نحو ذلك، يدركها البصير من أهل هذه الصناعة" والمقصود بذلك الزيادات الخفية، والألفاظ التي تشبه كلام النبوة، وليست الألفاظ التي لا تشبه كلام النبوة؛ لأنها يدركها كل الناس، لكن الكلام الذي يشبه كلام النبوة، كلام الحسن البصري مثلاً، في كثيرٍ من الجمل صدرت منه تلتبس على كثيرٍ من طلبة العلم، فيظنها مرفوعة؛ لأن في كلامه شبهاً بكلام النبوة.

يقول: "وقد يكون التعليل مستفاداً من الإسناد، وبسط أمثلة ذلك يطول جداً، وإنما يظهر بالعمل" العلة قد تكون في الإسناد بإبدال راوٍ براوٍ مثلاً، وإن كان ثقتين فهي علة، وإن كانت غير قادحة إلا أنها علة عند أهل العلم، "وبسط أمثلة ذلك يطول جداً، وإنما يظهر بالعمل" هناك العلة التي تكون في المتن، يأتي السند مثل الشمس لكن المتن فيه علة، مثلوا لعلة المتن بحديث البسملة، كما قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

وعلة المتن كنفي البسملة

 

إذ ظن راوٍ نفيها فنقله

في صحيح مسلم حديث -في الصحيحين- كان -عليه الصلاة والسلام- وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، الراوي ظن أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، ما دام يفتتحون بالحمد لله رب العالمين فهم أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، فصرح بذلك، وقال: إنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها، السند صحيح، لكن الراوي ظن هذا الظن فنقله، نقل فهمه للناس، ولا شك أن هذا من بعد الصحابة، هذا من بعد عصر الصحابة، وهي علةٌ خفية إذا نظرنا إلى إسنادها السند مقبول، لكن هذا الراوي ظن فهم من قول الصحابي أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، أنهم يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، قال: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، هذا المفهوم، هذا المفهوم فنقل فهمه هذا وأخطأ في ذلك، إذ للكلام أكثر من مفهوم، نعم يفهم منهم أنهم لا يذكرون بسم الله، ويفهم منه أيضاً أنهم لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، وإن رأى الحافظ ابن حجر توجيه هذه الرواية: "أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم جهراً"، فتلتئم مع الروايات الأخرى، والحديث إذا كان في الصحيحين، وأمكن توجيهه فإنه هو المتعين؛ لئلا يتطاول الناس على الصحيحين، لئلا يتطاول الناس على الصحيحين، لكن ما لا يمكن توجيهه بوجهٍ من الوجوه، لا بد من الإقرار بأن الراوي مهما كان عدالته وضبطه وإتقانه أنه لا بد أن يخطئ، والعصمة ليست متصورة في أحدٍ من الرواة، بل وقع الوهم والخطأ من الصحابة -رضوان الله عليهم-، لكن هذا الخطأ لا يقر، بل لا بد أن يوجد الصواب عند غيره، وقد استدركت عائشة على بعض الصحابة، واستدرك بعضهم على بعض كما هو معروف في كتب السنة.

تعرف العلل بجمع الطرق، تعرف العلل بجمع الطرق، فالباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطأه، إنما تبين العلة بجمع الطرق، فوظيفة طالب العلم الذي يريد أن يقف على العلل، لا بد أن يجمع الطرق، أما الأئمة الحفاظ المتقدمون الذين يحفظون مئات الألوف من الأحاديث، الطرق مجتمعة عندهم، لا يحتاجون إلى أن يجمعوا أكثر مما جمعوا، ولذا أناجيلهم في صدورهم، علمهم في صدورهم، مجرد ما يسمع الكلام الذي لا يليق به -عليه الصلاة والسلام-، أو حتى الكلام عن بعض الرواة التي لا تشبه مروياتهم يحكمون بأنها ليست من رواية فلان؛ لأنهم ضبطوا وحرروا وأتقنوا وحفظوا.

يقول: "ومن أحسن كتابٍ وضع في ذلك وأجله وأفحله كتاب "العلل" لعلي بن المديني شيخ البخاري، وسائر المحدثين بعده" علي بن المديني من أئمة هذا الشأن، وله مؤلفات في الحديث وعلومه وعلله، لكن مما يؤسف له أن أكثرها ضاع، ولم ينقل عنه إلا هذه القطعة، لم يبقَ منها إلا هذه القطعة التي طبعت في جزءٍ صغير، نعم أقواله محفوظة ومنقولة ومبثوثة في كتب أهل العلم، لكن يبقى أن علمه كان أكثر من ذلك، وكذلك كتاب العلل لابن أبي حاتم، وهو كتابٌ مطبوع في مجلدين، وحقق أيضاً في رسائل علمية، وهو مرتبٌ على أبواب الفقه.

وكتاب "العلل" للخلال، وله مختصر للموفق ابن قدامة، وهو كتابٌ جيد في بابه، يقع التعليل في كثيرٍ من كتب السنة، يقع في جامع الترمذي، ويقع كثيراً في سنن النسائي، تراجم النسائي علل، وإشارات أبي عبد الرحمن في آخر الأبواب علل، وكتابه من أنفس الكتب إلا أنه لصعوبته أحجم الناس عن شرحه، ولذا هو أفقر الكتب في الشروح، وقد تصدى لشرحه شخصٌ من المعاصرين بشرح جيد مطول، وجيد في الجملة، وإن كان أكثره نقول، لكنه في الجملة جيد، يخدم الكتاب، لا سيما متون الكتاب، إلا أنه لم يتعرض لهذه العلل لصعوبتها، يقع أيضاً التعليل في مسند البزار، والتعليل أيضاً يقع من الهيثمي في زوائده، مجمع الزوائد وغيرها، يشير إشارات طفيفة إلى هذه العلل.

ثم قال: "وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك" علل الدارقطني، "وهو من أجل الكتب وأنفسها، بل أجل ما رأيناه وضع في هذا الفن" لكن قد يسمع الطالب المبتدئ الثناء على مثل هذا الكتاب فيبادر باقتنائه وقراءته قبل الصحيحين وهذا لا ينبغي، بالمهم المهم ابدأ، هذه مرحلة ثانية التعليم، مرحلة لاحقة، كشخصٍ سمع الثناء على كتب العقل والنقل.

واقرأ كتاب العقل والنقل الذي

 

ما في الوجود له نظيرٌ ثاني

قول ابن القيم، فبادر باقتنائه وهو في المرحلة المتوسطة، العلماء الكبار المتمكنين من قراءة كتب شيخ الإسلام الذين قرؤوا جميع كتب شيخ الإسلام يطوون الصفحات الكثيرة من هذا الكتاب ما يفهمونه، فلا بد من التدرج في التعلم، لا بد أن نبدأ بالسلم من أوله، ولا بد أن نبدأ بصغار العلم قبل كباره، تعلماً وتعليماً، ولذا جاء في الرباني، كما قال ابن عباس في الصحيح: هو الذي يعلم الناس بصغار العلم قبل كباره، يأتيك طالب في المتوسط أو في الثانوي أو حتى في الجامعة أنت محتاج لكتاب أيها المعلم فتقول: ائتِ بالكتاب الفلاني، لا ما يصح، عليك أن تنصح هذا الطالب، وتنصح له، يأتي بكتابٍ يستفيد منه ويناسبه، ليس الملحوظ بالدرجة الأولى في التعليم مصلحة الشيخ، وإن كان هو المستفيد، المعلم هو المستفيد قبل الطالب، المؤلف مستفيد قبل القارئ، لكن ليس جلوسه للتعليم من أجل أن ينفع نفسه فقط، بل عليه أن ينصح من استنصحه، ولو قدر أنه طلب منه قراءة في كتاب، طلب من الشيخ أن يُقرأ عليه من كتاب لحاجة الطالب إليه، ويرى أن غيره من أهل العلم يحسن توضيح وشرح هذا الكتاب فالنصيحة تقتضي أن يدل على من هو أولى منه، وهذه رفعة له في الدنيا والآخرة، إيش المانع إذا جاءنا شخص يريد أن يقرأ في كتاب يعني ما عاملناه ولا زاولناه، وإن كان يعني ما يصعب علينا فهمه، لكن أن ننصح بمن عانى هذا الكتاب، وينفع الطالب أكثر من غيره، فهذا الذي يسمع مثل هذا الكلام من الحافظ ابن كثير: "وقد جمع أزمةَ ما ذكرناه الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك، وهو من أجل كتابٍ، بل أجل ما رأيناه وضع في هذا الفن، لم يسبق إلى مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بعده، فرحمه الله وأكرم مثواه".

يقول الحافظ ابن كثير: "ولكن يعوزه شيء لا بد منه، وهو أن يرتب على الأبواب ليقرب تناوله للطلاب، أو تكون أسماء الصحابة" لا بد أن يرتب، كما اقترح الحافظ ابن كثير، إما على الأبواب، أو على مسانيد الصحابة، والآن الفهارس المتنوعة تخدم الكتاب، هناك فهارس على المسانيد، وفهارس على ألفاظ المتون، وفهارس على الأبواب، وكلها تخدم الكتاب، فهذا الأعواز أمره سهل تؤديه هذه الفهارس.

يقول: "فإنه مبدد جداً، لا يكاد يهتدي الإنسان إلى مطلوبه منه بسهولة" وقد يكون من مقاصد الإمام توعير الحصول على الفائدة من كتابه، كما فعل ابن حبان، يذكر عنه أنه رتب كتابه على الأنواع والتقاسيم من أجل ألا يحصل الطالب ويقف على الحديث بسرعة فيترك الكتاب، إذا أراد الحديث يقرأ الكتاب كامل، كم من فائدة تمر عليه في قراءة الكتاب كامل؟ ونحن نقول: لا، لا بد من فهارس، ولا بد من حواسب بضغطة زر تحصل على كل ما تريد، فيما يتعلق بالحديث وبرواته، لكن ماذا ندرك؟ العلم صعب يحتاج إلى معاناة، ولذا رتب عليه هذا الأجر العظيم، ونباهة الذكر في الدنيا والآخرة.

شرح: النوع التاسع عشر: المضطرب:

النوع التاسع عشر: المضطرب، وهو أن يختلف الرواة فيه على شيخ بعينه, أو من وجوه أخر متعادلة لا يترجح بعضها على بعض، وقد يكون تارة في الإسناد, وقد يكون في المتن، وله أمثلة كثيرة، يطول ذكرها والله أعلم.

المضطرب: اسم فاعل من الاضطراب، وهو اختلال الأمر، وفساد نظامه، وأما تعريفه في الاصطلاح: فهو الحديث الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية، حديث واحد، لكنه يروى على أكثر من وجه، وأن تكون هذه الأوجه مختلفة لا متفقة، وأن يكون هذا الاختلاف بالتساوي، فلا يمكن ترجيح بعض الوجوه على بعض؛ لأنه إذا أمكن ترجيح بعض الأوجه على بعض انتفى الاضطراب، عمل بالراجح وترك المرجوح، وانتفى الاضطراب.

يقول الحافظ -رحمه الله-: "وهو أن يختلف الرواة فيه على شيخٍ بعينه أو من وجوه أخر متعادلة، لا يترجح بعضها على بعض، وقد يكون تارة في الإسناد، وتارة يكون في المتن" حديث: ((شيبتني هود وأخواتها)) مثلوا به للمضطرب، روي من أوجه كثيرة، فروي من مسند أبي بكر، وروي من مسند عائشة، المقصود أنه روي على أوجه أكثر من عشرة، وهذه العشرة مختلفة، مع أنه لا يمكن الترجيح بينها عند من مثل به، وإن كان الحافظ ابن حجر تمكن من ترجيح بعض هذه الوجوه على بعض، فانتفى الاضطراب، ((شيبتني هود وأخواتها)) فله طرق، منهم من يجعله من مسند عائشة، ومنهم من يجعله من مسند أبي بكر، ومنهم من يجعله من مسند سعد، ومنهم ومنهم.. إلى آخره.

وعلى كل حال السورة مظنة لذلك، لمن ألقى السمع، وقرأ بتدبر، وقرأ القرآن كما أمر، والقرآن كله كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله- من قرأه على الوجه المأمور به أورثه من الإيمان والعلم ما لا يدركه من لم يفعل مثل فعله، ما يمكن أن يدرك العلم إلا بهذه الطريقة، ونحن مع الأسف من يقرأ القرآن منا يقرأه على وجهٍ لا يدري كيف قرأ؟ بحيث لو تحرك عنده شيء ما يدري أين وقف؟ وهذا الواقع، نعم أثر عن السلف أنهم يقرؤون القرآن كثيرٌ منهم في سبع، وبعضهم في ثلاث، ووجد من يقرأ القرآن في يوم، لكن قد يُقرأ القرآن في يوم لكن مع حضور القلب والتدبر، ومع المران يُدرك ذلك، أما حديث: ((لن يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) فهذا في عموم الناس الذين تلهيهم الأعمال، وتشغلهم عن قراءة القرآن، لكن من جلس واعتنى بالقرآن، وجلس ليقرأ القرآن الوقت الطويل كل وقته في قراءة القرآن، فالمسألة وقت، إذا افترضنا أن الشخص يقرأ القرآن في سبع وخصص كل يوم ساعة، ما الفرق بينه وبين الذي يقرأ القرآن في يوم يخصص سبع ساعات؟ ما في فرق، صح عن عثمان أنه يقرأ القرآن في ليلة، صح عن الشافعي كذلك وأبو حنيفة، ولا ينكر ذلك إلا من لم يدرك حقيقة هذا الأمر بالفعل، ولا شك أن القرآن في بداية الأمر يحتاج إلى معاناة يحتاج إلى شيء من التعب، يحتاج إلى مجاوزة امتحان، وأعرف شخص اعتكف ليقرأ القرآن في يوم فجلس يوم وليلة ما استطاع أن يقرأ إلا عشرين، ثم اعتكف بعد سنوات فقرأه في يوم وهو مرتاح، والآن يقرأ القرآن في يوم بدون اعتكاف.

والخلاف بين أهل العلم معروف في المفاضلة بين الهذ والترتيل، فالجمهور على أن الترتيل أفضل، والشافعي -رحمه الله- يرى أن كثرة الحروف مع الهذ أفضل، وليست المسألة مفترضة فيمن يقرأ جزء ترتيل أو هذ لا هذا لا يختلف فيه أحد، لكن المسألة مفترضة فيمن يجلس ساعة يقرأ جزئين أو أربعة؟ هذا محل الخلاف، وفي ترجمة واحد من أهل العلم كان يقرأ القرآن في ثلاث الدهر كله، وله ختمة تدبر مكث فيها عشرين سنة -رحمه الله-، يقول ابن القيم -رحمه الله-:

فتدبر القرآن إن رمتَ الهدى

 

فالعلم تحت تدبر القرآنِ

القرآن فيه العجائب، لكن من يعتني بالقرآن وللأسف، كثيرٌ من طلبة العلم لا يعرفون القرآن إلا في رمضان، يعني إن تيسر له يحضر قبل الصلاة خمس دقائق، أو عشر دقائق فتح القرآن، وإلا إذا سلم خرج، لا، ليست هذه حالة من يريد الدار الآخرة، القرآن كلام الله، فضله على سائر الكلام كفضل الله.

هو الكتاب الذي من قام يقرأه

 

كأنما خاطب الرحمن بالكلمِ

عهدنا شيوخنا وهم يقرؤون سورة هود لهم وضعٌ آخر، المساجد تمتلئ وهم لا يسمعون الصوت، بدون مكبرات، لكن يسمعون البكاء والتأثر، والله المستعان.

على كل حال الحديث في هذا الباب يطول، فعلينا أن نعتني بكتاب الله، وأن نقرأه للتعلم والتدبر، إضافة إلى كسب الأجر العظيم، فلا يوجد في الوجود كلام متعبد بتلاوته فقط غير كلام الله -سبحانه وتعالى-، الحرف عشر حسنات، هذا الأقل عشر حسنات، يعني الختمة الواحدة ثلاثة ملايين حسنة، ثلاثة ملايين حسنة، يعني الذي يقرأ القرآن في سبع ما يكلفه شيء، يجلس بعد صلاة الصبح ساعة وينتهي الإشكال، حتى تطلع الشمس، ولا يحتاج إلى غيرها، لكن الحرمان ما له نهاية، الحرمان لا نهاية له، إذا جاء لائحة أو نظام من أنظمة البشر تجد مدير الدائرة والوكلاء ورؤساء الأقسام وغيرهم يحتجبون عن الناس حتى يقرؤوا هذه اللائحة بفهم وتدبر، ويش تحتمل؟ إلى أن تأتي اللوائح التفسيرية، ما هم بصابرين، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [(24) سورة محمد] والله المستعان.

فسورة هود ابن حجر -رحمه الله- رجح بعض الطرق على بعض، وانتفى الاضطراب، يعني الحديث وإن كان أكثرهم يمثل بهذا الحديث، ابن الصلاح ومن تبعه مثلوا بحديث الخط في السترة، مثلوا به للمضطرب، والحافظ في البلوغ يقول: "ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حديثٌ حسن" وذلكم لأنه رجح بعض هذه الطرق على بعض، وعلى كل حال أمثلة المضطرب كثيرة، مدونة في كتب علوم الحديث.

شرح: النوع العشرون: معرفة المدرج:

النوع العشرون: معرفة المدرج، وهو أن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوي, فيحسبها من يسمعها مرفوعة في الحديث فيرويها كذلك، وقد وقع من ذلك كثير في الصحاح والحسان والمسانيد وغيرها، وقد يقع الإدراج في الإسناد، ولذلك أمثلة كثيرة، وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب في ذلك كتاباً حافلاً سماه: "فصل الوصل لما أدرج في النقل" وهو مفيد جداً.

المدرج: اسم مفعول من الإدراج، تقول: أدرجت الشيء في الشيء إذا أدخلته فيه، أدرجت الشيء في الشيء إذا أدخلته فيه، وضمنته إياه، كما يقال: أدرج فلان في أكفانه إذا أدخل فيها.

وفي الاصطلاح: هو ما غُير إسناده، أو سياق إسناده، أو أدخل في متنه كلاماً ليس منه، ما غير سياق إسناده، أو أدخل في متنه كلاماً ليس منه، عرفه -رحمه الله- بأن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوي فيحسبها من يسمعها مرفوعة من الحديث، وذلكم لأن الذي يزيد هذه اللفظة أو هذه الجملة التفسيرية لا يشير إلى أنه زادها، لا يشير إلى أنه زادها، وحينئذٍ يقع اللبس، وغالب ما يقع من ذلك ما هو من تفسير الراوي من الصحابة فمن دونهم، كما في حديث بدئ الوحي: "فيتحنث -وهو التعبد-" تفسير التحنث بالتعبد مزيد، مدرج.

والزهري -رحمه الله- له من هذا النوع نصيب، يدرج -رحمه الله- من أجل التوضيح، فيأتي من يأتي بعده ويظن أن هذا من الخبر، أبو هريرة في حديث الإسباغ: "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتجيله فليفعل" وكما قال ابن القيم -رحمه الله- أن هذا من كيسه، في النونية نص عليه، وإن كان الخلاف جارٍ، وبعض الروايات تدل على أنه ليس بمدرج، لكن الأكثر على أن مثل هذا مدرج.

والإدراج يقع في أول الحديث، وفي أثنائه، وفي آخره، وهو أكثر، وقد يقع في الأحاديث الصحيحة، بل في الصحيحين منه أمثلة، والحسان في السنن والمسانيد وغيرها، وقد يقع الإدراج في الإسناد، وله صور كثيرة تدرك من شرح النخبة، وقد فصل الكلام في ذلك الحافظ -رحمه الله- فيؤخذ من هناك، الحافظ الخطيب أبو بكر البغدادي صنف في ذلك كتاباً حافلاً سماه: (فصل الوصل لما أدرج في النقل) وهو مفيدٌ جداً، لا يستغني طالب الحديث عن مؤلفات الخطيب بحال، مهما قيل ما قيل فيه، وأنه تأثر بالمتكلمين، ما من نوع من أنواع علوم الحديث إلا صنف فيه مصنف، وما من مؤلف من مؤلف هذا العلم إلا وقد اعتمد على كتب الخطيب، ثم يأتي من يأتي ويقول: إن الخطيب تأثر بالمتكلمين، ونريد أن ننقي وننظف هذا العلم من الكلام وأهله، الحق يقبل ممن جاء به، الحق يقبل ممن جاء به، والخطيب من أئمة هذا الشأن، إمامٌ حافظ مسند، وإن تأثر أو وقع في كلامه شيئاً من ذلك.

الإدراج إن كان من أجل التفسير والتوضيح فقد تسامح العلماء في حكمه، وأما إن كان لغير هذا مما يوقع اللبس عند السامع فتعمده حرام عند أهل العلم، والله المستعان.

شرح: النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع المختلق المصنوع:

النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع المختلق المصنوع، وعلى ذلك شواهد كثيرة: منها إقرار وضعه على نفسه قالاً أو حالاً, ومن ذلك ركاكة ألفاظه, وفساد معناه, أو مجازفة فاحشة, أو مخالفة لما ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة فلا تجوز روايته لأحد من الناس إلا على سبيل القدح فيه, ليحذره من يغتر به من الجهلة والعوام والرعاع.

والواضعون أقسام كثيرة: منهم زنادقة، ومنهم متعبدون يحسبون أنهم يحسنون صنعاً, يضعون أحاديث فيها ترغيب وترهيب وفي فضائل الأعمال وليعمل بها، وهؤلاء طائفة من الكرامية وغيرهم، وهم من أشر ما فعل هذا لما يحصل بضررهم من الغرة على كثيرٍ ممن يعتقد صلاحهم، فيظن صدقهم، وهم شرٌ من كل كذاب في هذا الباب، وقد انتقد الأئمة كل شيء فعلوه من ذلك، وسطروه عليهم في زبرهم عاراً على واضع ذلك في الدنيا، وناراً وشناراً في الآخرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) وهذا متواترٌ عنه، قال بعض هؤلاء الجهلة: نحن ما كذبنا عليه، إنما كذبنا له، وهذا من كمال جهلهم، وقلة عقلهم، وكثرة فجورهم وافترائهم، فإنه -عليه السلام- لا يحتاج في كمال شريعته وفضلها إلى غيره، وقد صنف الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كتاباً حافلاً في الموضوعات، غير أنه أدخل فيه ما ليس منه، وخرج عنه ما كان يلزمه ذكره، فسقط عليه، ولم يهتدِ إليه، وقد حكي عن بعض المتكلمين إنكار وقوع الوضع بالكلية، وهذا القائل إما أنه لا وجود له أصلاً، أو أنه في غاية البعد عن ممارسة العلوم الشرعية، وقد حاول بعضهم الرد عليه بأنه قد ورد في الحديث أنه -عليه السلام- قال: ((سيكذب علي)) فإن كان هذا الخبر صحيحاً فسيقع الكذب عليه لا محالة، وإن كان كذباً فقد حصل المقصود، فأجيب عن الأول بأنه لا يلزم وقوعه إلى الآن إذ قد بقي إلى يوم القيامة أزمان يمكن أن يقع فيها ما ذكر، وهذا القول والاستدلال عليه والجواب عنه من أضعف الأشياء عند أئمة الحديث وحفظاهم الذين كانوا يتضلعون من حفظ الصحاح، ويحفظون أمثالها وأضعافها من المكذوبات خشية أن تروج عليهم أو على أحدٍ من الناس -رحمهم الله ورضي عنهم-.

النوع الحادي والعشرون: الموضوع، وذكره وإضافته إلى أنواع الأحاديث كما قال الخطابي: "شر الأحاديث الموضوع" ثم تتابع أهل العلم على ذلك، إما لأنه يدخل في عموم ما يتحدث به، أو على حدِ زعم واضعه، واضعه يزعم أنه حديث، وإلا ليس هو من السنة بقبيلٍ ولا دبير، المختلق المصنوع المكذوب المنسوب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زوراً وبهتاناً لا تجوز روايته إلا على جهة التحذير منه، ولا يجوز إلقاؤه بين عامة الناس، كما يفعله بعض القصاص والوعاظ إلا مقروناً ببيان درجته، وإذا كان الأمر في السابق يكتفى فيه بذكر السند، ثم اكتفوا بقولهم: هذا حديثٌ موضوع أو باطل أو لا أصل له، فإنه في هذه الأزمان لا يكفي حتى يقال باللفظ المعروف أنه مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا خفي معنى الموضوع على بعض من ينتسب إلى العلم، فلأن يخفى على العامة من باب أولى، فالحافظ العراقي -رحمه الله- حكم على حديث بأنه باطل مكذوب لا أصل له، فقال له شخص ينتسب إلى العلم من العجم: كيف تقول هذا مكذوب وهو مروي في كتب السنة بالأسانيد؟ فأحضره من كتاب الموضوعات لابن الجوزي بسنده، فتعجب من كونه لا يعرف موضوع الموضوع، وحينئذٍ لا يكفي في الوقت الحاضر أن يقال على المنبر: هذا حديثٌ موضوع، أو يتحدث إلى عامة الناس ويأتي بحديث قد تشربه قلوبهم، ثم يقول: موضوع، إيش معنى موضوع؟ ما يفهمون، لا بد أن يبين البيان الذي تبرأ به الذمة.

الموضوعات عليها دلائل، والواضعون أقسام وأصناف، وأهدافهم مختلفة، يقول: "على ذلك شواهد كثيرة" يعني مما يستدل به على وضع الحديث:

"إقرار واضعه على نفسه قالاً أو حالاً"، يعني بلسان المقال أو بلسان الحال، بأن يعترف بأنه وضع هذا الحديث، وقد اعترف كثيرٌ من الوضاعين بأنهم وضعوا أحاديث، لا سيما من تاب منهم، وضعوا أحاديث روجوها إما لإفساد الدين على أهله، أو حسبة كما يزعم بعضهم، "إقرار واضعه على نفسه" الرجل كذاب فكيف يقبل إقراره؟ ابن دقيق العيد ينازع يقول: كيف نقبل إقرار هذا الواضع وهو كذاب؟ نعم، إذا لم يأتِ الحديث إلا من طريقه نقبل إقراره، واعترافه على نفسه بالكذب يجرحه، ويجعلنا لا نقبل.......، لكن لو قدر أنه أقر بأنه وضع حديثاً وهو مرويٌ من طرق أخرى لا عبرة بإقراره، لا سيما وأنه قد يعترف بوضع حديث، يأتي إلى حديثٍ يستدل به خصمه إما مخالفه في المعتقد أو في المذهب فيقول: هو الذي وضع هذا الخبر، يعترف على نفسه بأنه وضع الخبر، نقول: لا، إقرارك مردودٌ عليك، نعم أنت كذاب، وجميع ما ترويه ساقط، لكن يبقى أن هذا الحديث مروي من طرق أخرى بدونك؛ لأنه قد يعترف بأنه وضع الخبر لإبطال حجة الخصم، "قالاً" يعني بلفظه يقول ذلك "أو حالاً" بأن يذكر أنه روى هذا الحديث، فيقال له: من أين لك هذا الحديث؟ فيذكر أنه رواه عن شخصٍ نعرف أنه مات قبل ولادته، نعرف أنه كذاب ما روى هذا الحديث.

ومن ذلك: ركاكة ألفاظه، الرسول -عليه الصلاة والسلام- في ذروة الفصاحة والبلاغة، فإذا جاءنا لفظٌ ركيك وزعم لنا راويه أنه رواه باللفظ ما رواه بالمعنى نقول: أبداً الرسول ما يقول مثل هذا الكلام، لكن إذا كان الخبر مروياً بالمعنى، والرواية بالمعنى جائزة عند جمهور العلماء بشروطها قد تقصر عبارة الراوي، وقد تعوزه، يعوزه الموقف إلى عبارة تكون أقل من مستوى عبارته -عليه الصلاة والسلام-.

وفساد معناه: قد يكون معناه فاسد، ومخالف لما ثبت بالكتاب ((من أحسن ظنه بحجرٍ نفعه)) مخالف لجميع آيات التوحيد في القرآن.

مجازفة فاحشة: على عملٍ يسير جداً أجر كبير، فنحكم مباشرةً بسبب هذه المجازفة بأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يقول مثل هذا، إذا لم نقف على إسناده، ولم يوجد في دواوين الإسلام المعتبرة، لكن إذا وجد له إسناد يصح في دواوين الإسلام وجدت المجازفة حسبما يتصوره السامع، وإلا فضل الله لا يحد، ((من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) في الصحيحين، سبحان الله وبحمده مائة مرة في دقيقة ونصف، ما تصل إلى دقيقتين، نقول: هذه مجازفة؟ لا، فكلامهم هذا فيما إذا لم نقف له على إسناد فنحكم عليه، أما إذا وجدناه مروياً بالإسناد في دواوين الإسلام، ووجدنا الإسناد صحيح إيش المانع؟ فضل الله -سبحانه وتعالى-، عمر الإنسان كله ستين سبعين سنة يعمل هذه العبادات التي أمر بها، ويترك هذه المحرمات، وقد يزاول بعضها ثم يتوب ستين سنة، ويش الجزاء؟ الجزاء جنات عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، إذا أردنا أن نطلق المجازفة هذه المجازفة، لكن هذه ثابتة في الكتاب والسنة ماذا تقول؟ فليس الكلام هذا على إطلاقه، ونسمع كثيراً ممن يتصدى لإجابة الناس يقول حديث: ((من صلى الصبح في جماعة، وجلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين فله أجر حجة تامة)) يقول: هذه مجازفة، تكفي هذه......، ما هو بصحيح، جرب وشوف، خلي واحد يجلس إلى أن تطلع الشمس أثقل من جبل، لكن تمر وتضرب البوري تقول: يالله ....... مشينا.....، فالأمر ليس بالسهل على النفوس، هذه ليست مجازفة، نعم الخبر بجميع طرقه ما يسلم من مقال، لكن بمجموعها لا يقل عن درجة الحسن، وفضل الله واسع، فضل الله واسع، هل تعلمون أن من الناس من تجري حسناته مئات السنين؟ بسبب إيش؟ سن سنة حسنة، لو تصورنا أنه في القرن الثاني الآن له ألف وثلاثمائة سنة تجري حسناته، فضل الله واسع، له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، فليس هذا من باب المجازفة، ولا نأخذ هذا الكلام على إطلاقه، نعم هو قرينة، فإذا لم نقف في الخبر على إسناد نقول: هذه مجازفة، ولكن فضل الله لا يحد، الذنوب والمعاصي وإن كانت مثل زبد البحر تحط عن الشخص بسبب إيش؟ سبحان الله وبحمده مائة مرة في دقيقة ونصف، والله المستعان.

يقول: "فلا تجوز روايته لأحدٍ من الناس إلا على سبيل القدح فيه ليحذره من يغتر به من الجهلة والعوام والرعاع" لا سيما وأن الوضاعين تفننوا في العبارات، وهولوا بعض الأمور فقبل الناس منهم هذه الموضوعات، وأولعوا بها.

والواضعون أقسام: منهم زنادقة يريدون إفساد الدين على أهله، وهؤلاء أمرهم واضح ومكشوف، لكن الإشكال فيمن بعدهم، ولذا هم شرُّ أصناف الوضاعين، قومٌ متعبدون يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، يضعون أحاديث فيها ترغيب وترهيب، في فضائل الأعمال ليعمل بها، حسبة، فالناس لثقتهم بهم، الناس عموماً يثقون فيمن يميل إلى العبادة عموماً، عموم الناس يثقون به، وهو أهلٌ للثقة إذا كان على الجادة، فهؤلاء المتعبدون وضعوا أحاديث في فضائل القرآن؛ لأنهم رأوا الناس انصرفوا إلى فقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق وتركوا كتاب الله، فوضعوا في فضائل السور سورة سورة، فلمكانتهم وعبادتهم وثق الناس بموضوعاتهم وتداولوها، ومن المؤسف جداً أن يتداولها بعض المفسرين، نقلوها، الواحدي، البيضاوي، والزمخشري ذكروا هذه الأحاديث، في نهاية كل سورة يذكرون فضل هذه السورة من هذا الخبر الموضوع الطويل في فضائل السور، ولا شك أنهم أخطئوا في هذا، ويزداد الخطأ حينما تذكر هذه الأحاديث ويبرر لها، كما صنع -صاحب فتح البيان- صاحب (روح البيان) فتح البيان غير، روح البيان لإسماعيل حقي البروسوي، له تفسير كبير اسمه: (روح البيان)، أما (فتح البيان) لصديق غير، كتاب طيب، وتفسيرٍ نظيف في الجملة، لكن روح البيان لإسماعيل حقي، تفسير صوفي، فيه ألفاظ بغير العربية، وفيه ذكر هذه الأحاديث، وقد برر لذكره إياها، يقول: إن صحت بها ونعمت، وإن لم تثبت فقد قال القائل: إنا لم نكذب عليه، فلم نقع في الوعيد الذي ذكره في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من كذب علي متعمداً)) هم ما كذبوا عليه، لكل قومٍ وارث، هذا القول قيل به من قبل.

"وهؤلاء الطائفة من الكرامية وغيرهم، وهم من أشر ما فعل هذا" أو من فعل هذا، الأصل من فعل هذا، "لما يحصل بضررهم من الغرر على كثيرٍ ممن يعتقد صلاحهم، فيظن صدقهم، وهم شرٌ من كل كذاب في هذا الباب"، نعم لركون الناس إلى روايتهم، ثقة الناس بهم "وقد انتقد الأئمة كل شيء فعلوه من ذلك، وسطروه عليه في زبرهم عاراً على واضع ذلك في الدنيا، وناراً وشناراً في الآخرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) وهذا متواتر"، وهذا مما تواتر لفظه ومعناه، وهو من طرق، ومن جمع غفير من الصحابة.

مما تواتر حديث من كذب

 

ومن بنى لله بيتاً واحتسب

وأهل العلم قاطبة يحكمون عليه بالتواتر، وهو مقطوعٌ بالنسبة إليه -عليه الصلاة والسلام-، ومثل به شيخ الإسلام للمتواتر اللفظي في منهاج السنة، ومثل بفضائل أبي بكر وعمر للمتواتر المعنوي، وتحدث عن الآحاد في مواطن، وذكر أنها تفيد العلم بالقرائن، وأكرر هذا الكلام؛ لأنه يتردد كثيراً أن تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد من صنع المتكلمين، ولا ينبغي أن يعتمد، ولا يؤخذ به، فالله المستعان.

"قال بعض هؤلاء الجهلة: نحن ما كذبنا عليه، وإنما كذبنا له، وهذا من كمال جهلهم، وقلة عقلهم، وكثرة فجورهم وافترائهم، فإنه -عليه السلام- لا يحتاج في كمال شريعته وفضلها إلى غيره" يعني الدين صفائه ونقائه ووضوحه ليس بحاجة إلى ترويج، الدين في المشرق والمغرب في الغالب انتشر من غير الجهاد، نعم أدخل الناس، وأرغموا على الدخول في دين الله، لكن كثيرٌ منهم دخل من غير جهاد، ولولا أولئك الأشرار الذين يصدون عن دين الله ما يتصور بعد أن جرب الناس وعانوا من الانحلال والخواء الفكري الذي يعيشه الناس الذي أدى إلى عددٍ كبير منهم إلى الانتحار، لو يعرض الإسلام عرض صحيح، ويطبق تطبيق صحيح في واقع الناس ما بقي على الأرض -والله أعلم- شخص لا يدخل في دين الله، وقد وجد من يدخل في دين الله من غير دعوة، الآن من غير دعوة، يبحثون عن المسلمين يعلنون إسلامهم، وقد جاء شخص إلى مكتب من مكاتب الدعوة في الهند وأعلن إسلامه، وقال: هو مسلم، ما السبب؟ وهو هندوسي، السبب في ذلك قال: إنه ذهب ليحرق أمه فأشعل النار فأكلت النار الكفن، وبقت الأم عارية أمام الناس، ما مستها النار، فبادر بجمع حطبٍ كثير فأحرقها تبعاً لديانتهم المعتقدة، لكن يرى أمه أمام الناس عارية، ويرى المسلمين ماذا يصنعون بموتاهم؟ يعني في حال الموت مؤثر فضلاً عن حال الحياة، فالإسلام ليس بحاجة إلى ترويج، ينشر الإسلام الصحيح فيسلم الناس، الإسلام دين العدل، دين الإنصاف، والله المستعان.

"وقد صنف الشيخ أبو الفرج بن الجوزي كتاباً حافلاً في الموضوعات غير أنه أدخل فيه ما ليس منه، وخرج منه ما كان يلزمه ذكره، فسقط عليه، ولم يهتدِ إليه" ابن الجوزي صنف كتاب الموضوعات وهو كتابٌ حافل، لكنه أدخل فيه ما لا يصل إلى حد الوضع، بل فيه الضعيف الكثير، وفيه الحسن، ويوجد الصحيح وإن كان قليلاً، بل فيه ما هو في صحيح مسلم، وفيه حديث ذُكر أنه في صحيح البخاري من رواية حماد بن شاكر، يعني ما هو........... الروايات المشهورة، لكن في رواية حماد بن شاكر، والذي أوقعه في ذلك أنه يحكم على الحديث بمجرد ما يوجد في سنده مَن اتهم بالكذب أو كذاب، فيحكم على الحديث بأنه موضوع وإن كانت له أسانيد أخرى، وأما الضعيف فهو كثيرٌ جداً، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

وأكثر الجامع فيه إذ خرج

 

لمطلق الضعف عنى أبا الفرج

استدرك عليه أحاديث ينبغي أن تذكر في الموضوعات، فاستدرك السيوطي في اللآلئ وذيل اللآلئ، ومن جاء بعدهم كصاحب تنزيه الشريعة وصاحب الفوائد المجموعة، وغيرها من الكتب في الموضوعات.

"وقد حكي عن بعض المتكلمين إنكار وقوع الوضع بالكلية" يقول: ما يمكن يكون الحديث موضوع، هذا لا عناية له بعلم الحديث، فقال: إنه لا يوجد حديث موضوع، لا يمكن أن يتصور مسلم يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، والسنة من الوحي، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3-4) سورة النجم] والوحي محفوظ، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] ما يمكن أن يكذب عليه -عليه الصلاة والسلام-.

يقول: "وقد حكي عن بعض المتكلمين إنكار وقوع الوضع بالكلية، وهذا القائل إما أنه لا وجود له أصلاً -هذا كلام ابن كثير- أو أنه في غاية البعد عن ممارسة العلوم الشرعية، وقد حاول بعضهم الرد عليه بأنه قد ورد في الحديث أنه -عليه السلام- قال: ((سيكذب علي)) فإن كان هذا الخبر صحيحاً فسيقع الكذب عليه لا محالة، وإن كان كذباً -فهو رد عملي-، ... حصل المقصود"، يقول ابن كثير: "فأجيب عن الأول بأنه لا يلزم وقوعه إلى الآن" يعني إلى أن قال هذا المتكلم ما قال، فهو نفى وجود الكذب إلى عصره، وقوله: ((سيكذب علي)) ما يلزم .... من الآن، في هذه السنة أو التي قبلها، أو في هذا العصر أو في الزمن الذي قبله، إلى وجوده ما وجد، "إذ بقي إلى يوم القيامة أزمانٌ يمكن أن يقع فيها ما ذكر".

على كل حال الحديث يصلح للرد، وإن قال الحافظ ابن كثير: "وهذا القول والاستدلال عليه والجواب عنه من أضعف الأشياء عند أئمة الحديث وحفاظهم، الذين كانوا يتضلعون من حفظ الصحاح، ويحفظون أمثالها وأضعافها من المكذوبات خشية أن تروج عليهم، أو على أحدٍ من الناس -رحمهم الله ورضي عنهم-".

شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في المنهاج، في مناهج السنة في الجزء السابع صفحة (61) يقول: "نحن نعلم بالضرورة أن فيما ينقل الناس عنه وعن غيره صدقاً وكذباً، وقد روي عنه أنه قال: ((سيكذب علي)) فإن كان هذا الحديث صدقاً فلا بد أن يكذب عليه، وإن كان كذباً فقد كذب عليه"، هذا كلام الشيخ -رحمه الله-، وكلام ابن كثير ما سمعتم.

الشيخ في المنهاج في الجزء السابع صفحة (61) يقول: "نحن نعلم بالضرورة أن فيما ينقل الناس عنه وعن غيره صدقاً وكذباً، وقد روي عنه أنه قال: ((سيكذب علي)) فإن كان هذا الحديث صدقاً فلا بد أن يكذب عليه، وإن كان كذباً فقد كذب عليه"، الرد حاصل حاصل على الوجهين.

يمدينا نأخذ المقلوب، نعم؟

طالب:......

إيه لا هو طويل المقلوب، وفيه ما فيه، معرفة من تقبل روايته نقف عليه، نأخذ المقلوب؟ ها يا أحمد؟ إيه نأخذ المقلوب، لا بأس، نعم؟

طالب:......

إيش فيه؟ نعم من يتعمد الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- على خطرٍ عظيم، مرتكب كبيرة، موبقة من عظائم الأمور، متوعد بالنار، فليتبوأ مقعده من النار، لكنه لا يكفر عند جماهير العلماء، وإن قال أبو محمد الجويني -والد إمام الحرمين- بأنه يكفر، ونقل الحافظ الذهبي عن ابن الجوزي أنه إن كذب في تحليل حرام أو تحريم حلال أنه يكفر، على كل حال هو على خطرٍ عظيم، ومن كذب مرةً واحدة ردت أخباره كلها، وسقط الاحتجاج به، ولبث العار في الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية، والخلاف عند أهل العلم على ما سيأتي في قبول توبته، والخلاف في قبول توبته، وليس معنى هذا أنه إذا تاب التوبة النصوح بشروطها أنه يتحتم عذابه في الآخرة، لا، هذا بينه وبين ربه، لكن معاملته في الدنيا إذا تاب هل يقبل خبره أو لا يقبل؟ نظيره من تاب من القذف {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} حكمهم الجلد ثمانين جلدة {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4-5) سورة النــور]، {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فالاستثناء إذا تعقب جمل يعود إليها كلها أو إلى الأخيرة منها؟ مسألة خلافية عند أهل العلم، تأتي الإشارة إليها -إن شاء الله تعالى- في حكم توبة الكذاب، وفي قبولها، وخلاف أهل العلم في قبول توبته، نعم؟

طالب:.......

والله ما أدري، أنا أشوف المقلوب إن كان أسعف وإلا..، لأن نريد أن نقف على معرفة من تقبل روايته ومن ترد، نعم؟

طالب:.......

إيه ما يخالف إذا في وقت...، تدري العفش في السيارة، نعم هات، نعم يا أحمد.

شرح: النوع الثاني والعشرون: المقلوب:

النوع الثاني والعشرون: المقلوب، وقد يكون في الإسناد كله أو بعضه، فالأول كما ركب مهرة محدثي بغداد للبخاري حين قدم عليهم إسناد هذا الحديث على متن حديثٍ آخر, وركبوا متن هذا الحديث على إسناد آخر, وقلبوا مثاله ما هو من حديث سالم عن نافع، وما هو من حديث نافع عن سالم، وهو من القبيل الثاني، وصنعوا ذلك في نحو مائة حديث أو أزيد, فلما قرءوها عليه رد كل حديث إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه, ولم يرج عليه موضع واحد مما قلبوه وركبوه, فعظم عندهم جداً، وعرفوا منزلته من هذا الشأن فرحمه الله، وأدخله الجنان.

وقد نبه الشيخ أبو عمرو هاهنا على أنه لا يلزم من الحكم بضعف سند الحديث المعين الحكم بضعفه في نفسه; إذ قد يكون له إسناد آخر, إلا أن ينص إمام على أنه لا يروى إلا من هذا الوجه.

قلتُ: يكفي في المناظرة تضعيف الطريق التي أداها المناظر وينقطع، إذ الأصل عدم ما سواها حتى يثبت بطريقٍ أخرى، والله أعلم، قال: ويجوز رواية ما عدا الموضوع في باب الترغيب والترهيب والقصص والمواعظ ونحو ذلك إلا في صفات الله -عز وجل-، وفي باب الحلال والحرام، قال: وممن يرخص في رواية الضعيف فيما ذكرناه ابن مهديٍ وأحمد بن حنبل -رحمهم الله تعالى-.

قال: وإذا عزوته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير إسناد فلا تقل: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا، وما أشبه ذلك من الألفاظ الجازمة، بل بصيغة التمريض، وكذا فيما يشك في صحته أيضاً.

يقول -رحمه الله-: المقلوب: هو اسم مفعول من القلب، وهو تحويل الشيء عن وجهه، تقول: قلبت الرداء إذا حولته، وجعلت أعلاه أسفله، وكلامٌ مقلوب أي مصروفٌ عن وجهه، فالمقلوب هو المصروف عن وجهه. وعرف في الاصطلاح: بأنه الحديث الذي أبدل في سنده أو في متنه لفظٌ بآخر بتقديم أو تأخير ونحوه عمداً أو سهواً.

والقلب قد يكون في الإسناد كله أو في بعضه، كعب بن مرة يجعل مرة بن كعب، نصر بن علي يجعل علي بن نصر، هذا في بعضه، قد يقلب الإسناد كله فيجعل رواة بدل رواة، الحديث عن نافع يجعل عن سالم وهكذا، نعم؟

طالب:.......

تعريف اصطلاحي؟ نعم هو الحديث الذي أبدل في سنده أو في متنه لفظ بآخر، هو الحديث الذي أبدل في سنده أو في متنه لفظ بآخر بتقديم أو تأخير ونحوه عمداً أو سهواً.

قد يكون القلب في الإسناد، وقد يكون في المتن، فالأول -القلب في الإسناد- مثل له بقصة البخاري مع محدثي بغداد، البخاري -رحمه الله- اشتهر أمره، وذاع صيته قبل دخول بغداد، فلما أراد دخول بغداد اجتمعوا فأرادوا أن يبينوا منزلة هذا الإمام، وأن يعرفوا مقدار علمه، فركب هؤلاء إسناد بعض الأحاديث على المتون الأخرى وعكسوا، فجعلوا إسناد هذا الحديث على متنٍ آخر، وركبوا متن هذا الحديث على إسنادٍ آخر، وقلبوا عليه ما هو حديث سالم عن نافع، وما من حديث نافع عن سالم، وصنعوا ذلك في نحو مائة حديث أو أزيد، ووزعوها على عشرة أشخاص، كل واحد عشرة أحاديث، فألقى الأول العشرة التي معه كل ذلك ساكت، ثم الثاني، ثم الثالث وهو ساكت -رحمه الله-، إلى أن تم العاشر، فالجهال قالوا: عجز الرجل وبان عجزه، وظهر ضعفه، أما الفهماء قالوا: فهم الرجل، ما بادر، استعجل، لما انتهوا التفت إلى الأول قال: حديثك الأول قلت: كذا، وصوابه كذا، والثاني قلت: كذا، وصوابه كذا إلى ثمانمائة حديث، فاعترف الناس بفضله، وهذه القصة مروية عند الخطيب البغدادي في التاريخ، الحافظ ابن كثير البداية والنهاية، وهدي الساري للحافظ ابن حجر، كتب المصطلح كلها، وهي مروية أيضاً عند ابن عدي في جزءٍ له في شيوخ البخاري، ويرويها ابن عدي عن جمعٍ من شيوخه لم يسمهم، فالذين طعنوا في مثل هذه القصة قالوا: إن شيوخ ابن عدي مجهولون، والذين صححوها وأثبتوها قالوا: وإن كانوا مجهولين إلا أنهم جمع يجبر بعضهم بعض، والقلب للامتحان قد يحصل، ويجوز فعله على أن لا يستمر، يختبر الشيخ تلميذه، فيقلب عليه إسناد، ثم في الحال إن أجاب الطالب وإلا قال الشيخ: الصواب كذا؛ لئلا ينقل عنه على الخطأ، فاستعماله من أجل امتحان الطالب لا بأس به، وهذه طريقة مسلوكة، أحياناً يسكلها من يختبر الطلاب بطريقة الصح والخطأ، لكن على أن لا يتفرق الناس ويروها عن الشيخ على الخطأ، لا بد من البيان، وعلى كل حال هذه القصة لا مانع من إثباتها باعتبار أن شيوخ ابن عدي جمع يجبر بعضهم بعضاً، واستفاضت على ألسنة العلماء، وتداولوها، والإمام أهلٌ لذلك، وقد قلب أحاديث على الدارقطني -رحمه الله- وامتحن فرده، وعلى الحافظ المزي، وعلى جمع من أهل العلم، المقصود أن هذه طريقة مسلوكة، وليس في متنها ما يستغرب أبداً، وهي متداولة عند أهل العلم.

مما قُلب من الأحاديث في متنه حديث في صحيح مسلم: ((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) وحديث وإن كان عاد فيه نظر حديث: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) قالوا: إنه مقلوب، صوابه: ((وليضع ركبتيه قبل يديه)) قيل بقلبه، أنه انقلب على الراوي، وإلا ويش (يبرك)؟ ينهى عن البروك كما يبرك البعير، ويضع يديه قبل ركبتيه؟ البعير يضع يديه قبل ركبتيه، فيكون أول الحديث يناقض آخره والعكس، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، فالحديث آخره يشهد لأوله، وليس فيه تناقض بين أوله وآخره بوجه، فقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)) يعني لا يلقي بنفسه على الأرض بقوة كما يفعل البعير؛ لأنه إذا قالوا: برك البعير، وحصحص البعير إذا فرق الحصى، وأثار الغبار يقال: برك، ولذا قال: ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) يضع وضع، ما يرمي بنفسه على الأرض بقوة كما يفعل البعير، ولذا فرق بين أن تضع المصحف على الأرض، وأن تلقيه على الأرض، الأول يجوز، والثاني خطرٌ عظيم، فلا يبرك كما يبرك البعير، لا يرمي بنفسه على الأرض بقوة بحيث يفرق الحصى، ويثير الغبار والأتربة، كما يفعل البعير، ((وليضع)) يضع يديه قبل ركبتيه، فبمجرد الوضع ليس ببروك.

الحديث الذي في الصحيح -في صحيح مسلم- يعني المتفق عليه، ((حتى لا تعلم)) حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ((رجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفقه يمينه)) هذه رواية الأكثر، وهي في الصحيحين، وهي ماشية على الجادة؛ لأن الإنفاق إنما يكون باليمين، فرواية: ((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) هذا مما انقلب، مثل به للمقلوب، لكن لو قال قائل حمايةً للصحيح، وصيانةً له، يقول: إن هذا الرجل ينفق بكثرة، ومن كثرة إنفاقه يعطي أحياناً بيمينه، وأحياناً بشماله، وأحياناً بيديه كلتاهما، صيانة للصحيح لما بعد، وإن كان عاد فيه بعد، التأويل هذا فيه بعد، لكن لا شك أن للصحيحين منزلة، ولا نفترض ونتصور في الرواة أنهم معصومون في الخطأ، لا، لكن لو قيل بهذا حينئذٍ لا بأس -إن شاء الله تعالى-، وإن مثلوا به للمقلوب.

هنا نبه ابن الصلاح على أمور وهي: أنه لا يلزم من الحكم بضعف سند الحديث المعين الحكم بضعفه في نفسه، إذ قد يكون له إسناد آخر، يعني الحكم على سند خاص بأنه ضعيف لا يعني الحكم على المتن، إذ قد يثبت المتن بطرق أخرى، اللهم إلا أن ينص إمام مطلع على أنه لا يروى إلا من هذا الوجه، فإذا كان الخبر لا يروى إلا من هذا الوجه، وهذا الوجه ضعيف جزمنا بأن المتن ضعيف، وإذا حكمنا على سند بأنه صحيح، السند صحيح هل يلزم من ذلك صحة المتن؟ لا، لأن قد يكون فيه علة أو شذوذ، إذ شروط الصحة منها ما يرجع إلى المتن، ومنها ما يتعلق بالإسناد، فقد يكون الإسناد صحيحاً لكن متن الحديث فيه مخالفة، وفيه علة خفية تقدح فيه، على كل حال لا تلازم بين الحكم على الإسناد والحكم على المتن، قد يضعف الإسناد ويصح المتن بطرقٍ أخرى والعكس.

يقول الحافظ ابن كثير: "يكفي في المناظرة تضعيف الطريق التي أبداها المناظر وينقطع، إذ الأصل عدم ما سواها حتى يثبت من طريقٍ أخرى" هذا كلام مستغرب من الحافظ ابن كثير -رحمه الله-، إيش معنى هذا الكلام؟ يقول: إذا كان في مناظرة بين اثنين تناظرا في مسألة، فأبدى المناظر حجته بحديث، يقول: خصمه له أن يبطل الحجة بأن يقدح في سند هذا الخبر، يأتي بحديث يحتج به المناظر، فيقول: الحديث الذي أوردته في سنده فلان، لكن إذا كان هذا الخصم يعرف أن له طرق أخرى يثبت بها يصوغ له أن يقول مثل هذا الكلام؟ ((الدين النصيحة)) وعلى المسلم لا سيما من ينتسب إلى العلم أن ينشد الحق، سواءً كان على لسانه أو على لسان خصمه، فمثل هذا الكلام يستغرب من الحافظ ابن كثير -رحمه الله-.

والقول الذي يدعمه الكتاب، وما صح من السنة هو مقصد الجميع، قد يقول قائل: إن الحافظ ابن كثير يرى أن مثل هذه المناظرات بين سني ومبتدع مثلاً، وجاء هذا المبتدع بما يؤيد بدعته من عمومات النصوص، وخفي عليه أضعاف ما جاء به، وما جاء به فيه ضعف، الشخص من الخوارج مثلاً فيأتي بحديث فيه وعيد، وله نظائر، وهو يريد أن يقطع حجة هذا الخصم المبتدع، والحق ثابت ما يخفى على أحد، لكن المسألة آنية، يريد أن يهدم حجة هذا المبتدع ويكتفي بذلك، فيقول: حديثك الذي أوردته فيه فلان، ويسكت عما يؤديه من الأحاديث الأخرى التي جاءت بمعنى هذا الحديث، وإن كانت محمولة عند أهل السنة على وجهٍ صحيح، يعني لو صارت مناظرة بين سني وشيعي، ثم جاء هذا الشيعي بما يبين فضل علي -رضي الله عنه- يعني في باب المناظرة جاء بحديث فيه ضعف، نقول: حديثك الذي أوردته ضعيف من أجل إسكات الخصم فقط، وإلا ففضائل علي ثابتة، لا يماري فيها أحد، لكن حينما يريد الخصم أن يتطاول على الشيخين على أبي بكر وعمر لا شك أن الحق لا بد أن يوضح ويبين.

على كل حال كلام ابن كثير -رحمه الله- فيه ما فيه؛ لأن الحق لا بد من بيانه سواءً جاء على لسان الموافق أو المخالف، وإمامه -الإمام الشافعي -رحمه الله- إمام الحافظ ابن كثير لأنه شافعي المذهب يقول: والله إنه لا يبالي أن يكون الحق على لسانه أو على لسان خصمه، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المسلم المتجرد الذي ينشد الحق.

يقول: "ويجوز رواية ما عدا الموضوع في باب الترغيب والترهيب، والقصص والمواعظ ونحو ذلك إلا في صفات الله -عز وجل-، وفي باب الحلال والحرام" الرواية شيء والعمل شيء، لكن عموم من كتب في علوم الحديث يرون العمل بالحديث الضعيف في باب الترغيب والترهيب والقصص والمواعظ، ولا يرون ذلك في الأحكام من الحلال والحرام والعقائد، ورخصوا في ذلك ونقلت عنهم عبارات تدل على ذلك، بل نقل النووي الإجماع على العمل في الضعيف في الفضائل في مقدمة الأربعين، وفي الأذكار، وفي غيرها من كتبه، وفي شرح المهذب في مواضع نقل الإجماع، والنووي كما نعرف متساهل في نقل الإجماع، والمخالف موجود، وإذا وجد الخلاف بين المتقدمين في الحسن فلأن يوجد في الضعيف من باب أولى.

والفضائل إن كانت مما يترتب على فعله ثواب دون تركه فهي من الأحكام، هي من الأحكام؛ لأن من الأحكام الخمسة المندوب، وعين الفضائل من المندوبات، إذا رتبنا على فعلها الثواب ولم نرتب على تركها شيء فهي المستحبات، هذا حد المندوب، والمندوب حكم من الأحكام التكليفية الخمسة، ولذا نستطيع أن نجمل الخلاف في العمل بالضعيف نقول: بالنسبة للعقائد والحلال والحرام محل اتفاق أنه لا يجوز العمل بالضعيف، بالنسبة للفضائل والقصص والمواعظ والترغيب والترهيب، وما أشبه ذلك، والتفسير أيضاً ألحقوه بها والمغازي كلها جمهور العلماء على العمل بالضعيف في هذه الأبواب بشروط: أن يكون الضعف غير شديد، وأن يندرج الحكم تحت أصلٍ عام، وألا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط، وزاد بعضهم شروطاً أخرى وصلت إلى العشرة، ويصعب تطبيقها على الواقع، والمسألة مفصلة بشروطها، وذكر من قال بذلك من أهل العلم بالتفصيل، ذكر الأقوال والموازنة بينها في رسالة اسمها: الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به، مسألة الاحتجاج استغرقت أكثر من سبعين صفحة، على كل حال الوقت لا يسعف، ويكفينا أن نعرف أن مذهب الجمهور هو الاحتجاج بالضعيف في الفضائل، والترغيب والترهيب والقصص والمواعظ والمغازي والسير والتفسير وما أشبه ذلك، يبقى مسألة الحلال والحرام والعقائد يشترط لها الصحة والحسن على أقل تقدير ومنهم من يرى أنه يحتج بالضعيف أيضاً في الحلال والحرام أيضاً، وهذا قولٌ ضعيف عند أهل العلم، والمسألة مبسوطة بالتفصيل في الكتاب الذي أشرت إليه، وعلى كل حال المسألة طويلة الذيول، ولن تنحسم بكلامٍ يسير، فلا شك أن قول الجمهور -جمهور العلماء- له قيمته، وله وزنه، لكن إذا نظرنا إلى حججهم وما أدلوا به، وما احتج به لهم لا يسلم من أخذ ورد، ولذا كان المرجح عند صاحب الكتاب المذكور أنه لا يعمل بالضعيف مطلقاً؛ لأن الفضائل من الأحكام، وإذا قلنا: بأن الفضائل التي أمرها أيسر من تفسير كلام الله -سبحانه وتعالى- بحديثٍ يغلب على الظن عدم ثبوته، أو قراءة آية فإذا كانت الآية لا تثبت إلا بما تواتر عند بعضهم أو صح سنده عند قومٍ آخرين فلئلا تثبت بالضعيف من باب أولى.

ابن القيم -رحمه الله- يرى -وإن كان لا يرى العمل بالضعيف في الفضائل كشيخ الإسلام وقوله صريح في هذا- يرى أنه يمكن أن يرجح بين الأقوال بالضعيف، يعني إذا وجد قولان متعادلان من كل وجه، ووجدنا حديثٌ ضعيف يؤيد أحد القولين يمكن أن يرجح به، وهذا في تحفة المودود في أحكام المولود، حينما رجح بخبرٍ ضعيف المراد بـ....، على كل حال المسألة مبسوطة في الكتاب المذكور، وكلام ابن القيم في تحفة المودود ظاهر، لكن الآن نسيته.

يقول: وإذا..... 

ها؟

طالب:.......

أصحاب المذاهب يخفى عليهم درجة الحديث، درجة الخبر قد تخفى عليهم، ويتوارثون أحاديث في كتب متقدميهم لكونهم ليسوا من أهل الصناعة، فيستدلون بأحاديث ضعيفة، بل فيها ما هو شديد الضعف، وقد وجد في أدلتهم بعض الموضوع، يوجد عند بعض الفقهاء لبعدهم عن هذه الصناعة، وإن كان أئمتهم يشددون في هذا الباب.

قال: "وإذا عزوته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير إسناد فلا تقل: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا، وما أشبه ذلك من الألفاظ الجازمة، بل بصيغة التمريض" يروى كذا، يذكر كذا عنه -عليه الصلاة والسلام-، "وكذا فيما يشك في صحته أيضاً" لا يجزم بنسبته إلى النبي فيقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنما يقال: يذكر، يروى، وإن نبه على درجته فهو أولى؛ لأن الناس لا يدركون، إذا قلت: يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: افعلوا كذا، تعرف أنه خبر ضعيف؟ عند عامة الناس ما تبرأ ذمتك، حتى تقول: وهو حديثٌ ضعيف لا يثبت؛ لأن هذه الصيغة لا يميز بينها كثيرٌ من الناس، وإذا كان كثيرٌ من الفقهاء يجزم بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال كذا في خبرٍ ضعيف، ويغفلون عن هذا، تنبيه العوام على ذلك من باب أولى.

والكلام ترون أنه أجمل إجمالاً لضيق الوقت، ولأن ورانا سفر بعد صلاة المغرب مباشرة، والأسئلة كثيرة، لكن في هذه الساعة المباركة، آخر ساعة من يوم الجمعة، وهي ساعة الإجابة عند جمع من أهل العلم، علينا أن ندعو بإخلاص وبصدق لجأ إلى الله -سبحانه وتعالى-، وبتقديم التوبة والندم على ما سلف، أن ندعو الله -جل وعلا- وأن نضرع إليه بأن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، ويرفع شأن هذه الأمة التي حل بها من المحن والمصائب والكوارث مما لا يخفى على أحد فضعفها لا يشكى إلا إلى الله سبحانه وتعالى ، والله أعلم .

 

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

يقول: ألا يكون الراجح في تعريف الشاذ هو ما اختاره ابن حجر في شرح النخبة، أو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه؟

هذا هو ما اختاره الشافعي، هو ما اختاره الشافعي، واختاره ابن الصلاح، واختاره أيضاً الحافظ العراقي وغيره.
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة
فيه الملا فالشافعي حققه
لكن قول الحاكم وهو تفرد الثقة، أو قول الخليلي وهو تفرد الراوي ثقة كان أو غير ثقة هذا أخذه من مواقع استعمال أهل العلم، حكموا على بعض الأحاديث التي فيها مجرد التفرد بأنها شاذة، فما معنى الشذوذ حينئذٍ عند من يطلقه يعني بإزاء مجرد التفرد؟ نقول: إن أهل العلم أطلقوه، لكن إن كان الشذوذ من أقسام الضعيف على ما استقر عليه الاصطلاح لا بد من قيد المخالفة؛ لأن مجرد تفرد الثقة مقبول عند أهل العلم، وغرائب الصحيحين كما هو معروف ولم يشترط من يعتد به من أهل العلم أن يتعدد الراوي لصحة الخبر، وقد رد على الحاكم وما يفهم من كلام البيهقي والكرماني الشارح قولهم: إن شرط البخاري أن يكون الحديث مروياً من طريقين فأكثر.

يقول: حديث أنس في البخاري: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سلم سلم ثلاثاً، وإذا استأذن استأذن ثلاثاً".

معروف عنه -عليه الصلاة والسلام- هذه السنة، لكن هذا يمكن أن يحمل على ما إذا كثر الجمع بحيث يظن أن بعضهم لم يسمع الكلام، لم يسمع السلام، أو لم يستوعب الكلام فإنه حينئذٍ يكرر.

يقول هذا، هذا يبدي مناسبة ينقلها عن من لم يسمه بكون الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بدأ بالغريب وختم بالغريب مستناً بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً))؟

يعني إن كان قد قيل، وقد قيل ما يشبه ذلك، فهو مجرد التماس من الشراح، مجرد التماس، يعني نظير ما قالوا في كونه -رحمه الله- بدأ بالرواية عن الحميدي؛ لأنه قرشي ومكي، فقريش أفضل القبائل، وجاء الأمر بتقديمهم، ومكة أفضل البلدان، على كل حال هذه التماسات من أهل العلم، وبعضها يصلح للنظر، وبعضها لا يصلح، فيوجد من هذا النوع شيءٌ كثير عند الشراح.

يقول: هل يتقوى الحديث الضعيف بشواهد الآيات العامة وبالنظر الصحيح؟

إذا كان الحديث ضعفه منجبر بسبب خفة ضبط راويه فلا بأس، دل على أن هذا الراوي خفيف الضبط ضبط، أما من كان ضعفه شديداً فوجوده مثل عدمه.
يقول: وهل صحيح أن طريقة الألباني في التصحيح فيها تساهل بجمع الطرق والشواهد؟
نعم، الشيخ -رحمه الله- قد يعتبر بما لا يعتبر به أهل العلم من شديد الضعف، فإذا كثرت عنده الطرق وتوافرت ولو كان بعضها مما لا يعتد به، ولا يعتبر به من راوي شديد الضعف فإنه يعتد به، وقد سلك هذا السيوطي من قبله.

يقول: هناك طبعة لشرح النووي على مسلم عن دار الخير قدم لها الدكتور الزحيلي، ذكروا أنهم صححوها وحرروها، فيقول: هل تنصح بهذه الطبعة؟

على كل حال الطبعات القديمة متقنة ومحررة غالباً؛ لأن لجان التصحيح في المطابع الكبرى علماء، وكان هَم الناشرين في بداية الأمر نشر العلم، ثم صار الهم عند المتأخرين الارتزاق، صارت مهنة من المهن، وحرفة من الحرف، لا يهمهم إلا الربح والخسارة، الذي تقرر عندي أن أجود الطبعات شرح النووي على مسلم هي الطبعة الموجودة على هامش إرشاد الساري، فإن وجدت الطبعة الخامسة فبها ونعمت وإلا فالسادسة ........
أقول: المطابع الكبرى القديمة يتولى التصحيح فيها علماء، وهَم الناشرين في أوائل عهد الطباعة نشر العلم، واللجان التي تصحح لهم علماء أيضاً.
فهذا يسأل عن طبعة حديثة لشرح النووي على مسلم، والذي عندي من خلال المقابلة والموازنة في الدرس بين طبعات متعددة أن شرح النووي على مسلم المطبوع بهامش إرشاد الساري الطبعة الخامسة إن وجدت وإلا فالسادسة، حتى السابعة كأنها أقل من السادسة، لكن السادسة في الغالب محررة متقنة، والخامسة لكنها نادرة جداً، لا تكاد توجد.

حديث طلق بن علي وبسرة بنت صفوان في مس الذكر يقول: هل هي أحاديث ضعيفة؟

على كلٍ هي بمجموع طرقها حسنة، وحديث بسرة أرجح من حديث طلق من حيث الصناعة، وعلى هذا مس الذكر ناقض للوضوء على القول المرجح، وإن كان بعضهم يرى أن حديث بسرة على جهة الاستحباب، على جهة الاستحباب للجمع بين الحديثين، وكأن هذا رأي شيخ الإسلام -رحمه الله-.