شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (024)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، والمشهور بمختصر صحيح البخاري للإمام زين الدين أحمد بن أحمد عبد اللطيف الزبيدي المتوفى سنة 893 هـ.

مع مطلع هذه الحلقة يسرني أن أرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، وأشكر له تفضله بقبول دعوتنا، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: لا زلنا في كتاب الإيمان.

قال رحمه الله: "باب: دعاؤكم إيمانكم.

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان»."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

النسخة التي بيدك يا شيخ فهد، وقلنا للإخوان أن يعتنوا بها لأنها مرقمة ومصححة، فيها هذه الترجمة بابٌ دعاؤكم إيمانكم، على أنها لا توجد في شيء من نسخ التجريد، وهي تابعة لكلام حذَفه المختصِر، كما أن نسخ الصحيح مختلفة في ذكر هذه الترجمة، قال النووي: يقع في كثير من النسخ هنا باب، وهو غلط فاحش، وصوابه بحذفه، ولا يصح إدخال باب هنا، إذ لا تعلق له هنا. ويقول ابن حجر: ثبت باب في كثير من الروايات المتصلة، منها رواية أبي ذر، ويمكن توجيهه، ثبت باب يعني في الصحيح في الأصل في البخاري، أما المختصَر لا ذكر لها فيه، ولا يتجه ذكرها، الكلام كله الآن على البخاري. ويقول: ثبت باب في كثير من الروايات المتصلة منها رواية أبي ذر ويمكن توجيهه، لكن قال الكرماني: أنه وقف على نسخة مسموعة على الفربري بحذفه، وعلى هذا فقوله "دعاؤكم إيمانكم" من قول ابن عباس، وعطفه على ما قبله كعادته -يعني البخاري- في حذف أداة العطف، حيث ينقل التفسير، وقد وصله ابن جرير من قول ابن عباس قال في قوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [سورة الفرقان 77] قال: يقول: لولا إيمانكم، أخبر الله الكفار أنه لا يعبأ بهم ولولا إيمان المؤمنين لم يعبأ بهم أيضًا، ووجه الدلالة للمصنف أن الدعاء عمل، وقد أطلقه على الإيمان فيصح إطلاق أن الإيمان عمل، وهذا على تفسير ابن عباس، وقال غيره: الدعاء هنا مصدر مضاف إلى المفعول، والمراد دعاء الرسل الخلقَ إلى الإيمان، فالمعنى ليس لكم عند الله عذر إلا أن يدعوكم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فيؤمن من آمن، ويكفر من كفر، فقد كذَّبتم أنتم فسوف يكون العذاب لازمًا لكم، وقيل: معنى الدعاء هنا الطاعة، ويؤيده حديث النعمان بن بشير أن «الدعاء هو العبادة» أخرجه أصحاب السنن بسند جيِّد، وعلى تقدير وجود هذه الترجمة، أعني في الصحيح في الأصل أما في المختصَر فلا احتمال لوجودها فيه أبدًا، وعلى تقدير وجود هذه الترجمة فالحديث تابع للترجمة السابقة، باب قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «بني الإسلام على خمس».

المقدم: وهذا غير موجود عندنا.

غير موجود.

"باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بني الإسلام على خمس»" أقول: المختصِر ما حذف أحاديث مرفوعة، لأن الترجمة السابقة إن كانت هذه "باب دعاؤكم إيمانكم" ترجمة ثابتة فما حُذف آيات وآثار ليس بأحاديث مرفوعة على شرط المختصِر.

المقدم: وبعدها حديث ابن عمر يأتي؟

وبعدها باب دعاؤكم إيمانكم على بعض الروايات، أما أكثر الروايات ليس فيها باب، فيكون الحديث هذا تابع للترجمة السابقة إذا لم توجد الترجمة.

"باب دعاؤكم إيمانكم" إن قلنا: باب دعاؤكم إيمانكم تابع لكلام ابن عباس، شرعة ومنهاجًا سبيلاً وسنة دعاؤكم إيمانكم، ثم ساق الحديث حديث ابن عمر بسنده إلى ابن عمر -البخاري- فهو تابع للترجمة السابقة، وإذا قلنا بإثبات الترجمة "باب دعاؤكم إيمانكم" فلا شك أنه مُشْكِل، إثبات الترجمة مُشْكِل؛ لأن الحديث يطابق للفظ الترجمة السابقة، وعلى تقدير وجود هذه الترجمة فالحديث تابع للترجمة السابقة "باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بني الإسلام على خمس» وهو قول وفعل يزيد وينقص".

المقدم: فضيلة الدكتور لو قُدِّر الآن أن من قام بصنع هذا الكتاب أراد التعديل ما هي الطريقة المثلى الآن -حتى نتصوَّر أيضًا ما ذكرتم-؟ هل الآن يزيل: "باب دعاؤكم إيمانكم" ويعيد الحديث هذا أو...؟

يقول: كتاب الإيمان، ثم يأتي بترجمة البخاري إن كانت موجودة، وما إخالها موجودة في الأصول.

المقدم: في المختصَر.

في المختصَر، إنما يقول: كتاب الإيمان عن ابن عمر مباشرة؛ لأن "دعاؤكم إيمانكم" شطر من كلام ابن عباس فيما حذفه المختصِر، والخلاف في نسخ الصحيح في لفظ باب لا في قوله: "دعاؤكم إيمانكم"؛ لأنه تابع من كلام ابن عباس المذكور في الصحيح، وقال ابن عباس: شِرْعة ومنهاجًا سبيلاً وسنة، دعاؤكم إيمانكم.

قال -رحمه الله تعالى-: "عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان»" راوي الحديث هو عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي أبو عبد الرحمن، وُلد بعد المَبعث بيسير، واستصغر يوم أحد وهو ابن أربعة عشرة سنة، وهو أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة، وكان من أشد الناس اتباعًا للأثر صحابي مؤتسٍ -رضي الله عنه وأرضاه-، وإن كان لا يوافَق في بعض ما فعله اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، مات سنة ثلاث وسبعين في آخرها، أو أول التي تليها، والحديث مخرَّج في صحيح مسلم أيضًا هكذا بهذا الترتيب.

المقدم: هو من العبادلة؟

نعم، هو من العبادلة نعم بلا شك، ابن مسعود هو الذي ليس منهم؛ لأنه تقدمت وفاته، والعبادلة الأربعة ابن عمر وابن عباس وابن عمرو بن العاص وابن الزبير، هؤلاء تأخروا واحتاج الناس إلى علمهم، فانتشر علمهم في الربع الثالث من القرن الأول يعني متقاربين هم.

المقدم: وهو بعد أبي هريرة في رواية الحديث -رضي الله عنهم-؟

هو من المكثرين على كل حال.

الحديث مخرَّج في صحيح مسلم أيضًا هكذا يعني على هذا الترتيب «الحج وصوم رمضان» وروى مسلم بسنده عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بني الإسلام على خمسة: على أن يوحَّد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج» فقدَّم الصيام على الحج.

المقدم: وقال: «خمسةٍ» هكذا بلفظ خمسة؟

نعم.

"فقال رجل: الحج وصيام رمضان، فقال: لا، صيام رمضان والحج، هكذا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" اختلف العلماء في إنكار ابن عمر -رضي الله عنهما- على الرجل الذي قدَّم الحج، مع أن ابن عمر رواه كذلك، في الصحيحين من حديث الباب، قال النووي في شرح مسلم: الأظهر والله أعلم أنه يحتمل أن ابن عمر سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة بتقديم الحج ومرة بتقديم الصوم، فرواه أيضًا على الوجهين في وقتين، فلما رد عليه الرجل وقدم الحج قال ابن عمر: "لا ترد عليّ ما لا علم لك به، ولا تعترض بما لا تعرفه، ولا تقدح فيما لا تحققه، بل هو بتقديم الصوم هكذا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وليس في هذا نفي لسماعه على الوجه الآخر، ويحتمل أن ابن عمر كان سمعه مرتين بالوجهين -كما ذكرنا-، ثم لما رد عليه الرجل نسي الوجه الذي ردَّه فأنكره.

مناسبة الحديث للترجمة في أصل الصحيح باب قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «بني الإسلام على خمس» ظاهرة جدًّا، المناسبة مطابقة بين الترجمة والحديث باب قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «بني الإسلام على خمس» والحديث يقول: «بني الإسلام على خمس» مطابقة تامة، وأما على الترجمة الثانية التي موجودة في بعض الروايات دون بعض لا شك أنه مشكل، لا شك أن المناسبة مشكلة، وهذا يؤيد أن لفظة باب غير موجودة في الأصل، كما قاله النووي، بل أشار إلى أنها خطأ.

وأما الذي في المختصَر فمناسبة الحديث لكتاب الإيمان أن الحديث مشتمِل على دعائم الإسلام، والإسلام والإيمان معناهما واحد عند الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- وبعض علماء السلف كمحمد بن نصر المروزي وغيره. قال النووي: أدخَل البخاري الحديث في كتاب الإيمان ليبين أن الإسلام والإيمان قد يكونان بمعنًى. وفي صحيح مسلم عن حنظلة قال: سمعت عكرمة بن خالد يحدث طاووسًا أن رجلاً قال لعبد الله بن عمر: ألا تغزو؟! فقال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن الإسلام بني على خمس» ما علاقة الغزو بالحديث؟ رجل قال لعبد الله بن عمر: ألا تغزو؟! فقال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن الإسلام بني على خمس» يعني وليس منها الجهاد، فالعناية بهذه الدعائم الخمس أولى من العناية بالجهاد، هذا على حسب إيراد ابن عمر في رده على هذا الرجل الذي قال له: ألا تغزو؟! فقال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن الإسلام بني على خمس» نظير هذا أن عثمان -رضي الله عنه- لما قال لابن مسعود وهو رجل شيخ كبير: ألا نزوجك؟ فقال ابن مسعود: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا معشر الشباب» قد يقول قائل: ما العلاقة؟ ليبين أن الخطاب موجه للشباب «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج».

قوله -صلى الله عليه وسلم-: «بني الإسلام» بني: مبني للمفعول من البنيان، والباني هو الله -سبحانه وتعالى- حذف للعلم به، والإسلام مرفوع نائب عن الفاعل، وهو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، الإسلام هو الاستسلام والانقياد والخلوص من الشرك «على خمس» أي دعائم، كما صرح بذلك عبد الرزاق في روايته، وفي رواية لمسلم: «على خمسةٍ» أي أركان «شهادة أن لا إله إلا الله» وفي رواية لمسلم: «على أن يوحَّد الله» وفي رواية له: «على أن يُعبَد الله ويُكفَر بما دونه» والمعنى واحد، يقول ابن حجر: فإن قيل الأربعة المذكورة مبنية على الشهادة إذ لا يصح شيء منها إلا بعد وجودها، فكيف يُضَم مبني على مبني عليه في مسمى واحد؟! كلام ابن حجر يقول: فإن قيل الأربعة المذكورة مبنية على الشهادة إذ لا يصح شيء منها إلا بعد وجودها فكيف يُضَم مبني؟ كيف يُعطَف المبني على ما بني عليه؟ فكيف يُضَم مبني إلى مبني عليه في مسمى واحد؟ أجيب بجواز ابتناء أمر على أمر ينبني على الأمرين أمرٌ آخر، الأركان الأربعة مبنية على الشهادة، والشهادة مع الأركان الأربعة تشكل شيئًا واحدًا هو ماذا؟

المقدم: الإسلام.

الإسلام، فإن قيل: المبني لا بد أن يكون غير المبني عليه، وهذا مأخوذ من ماذا؟ من العطف، فإن قيل: المبني لا بد أن يكون غير المبني عليه أُجيبَ بأن المجموع غير من حيث الانفراد عينٌ من حيث الجمع، ما معنى هذا الكلام؟ المجموع غير من حيث الانفراد، لا شك أن الأمور المتعاطفة متغايرة من وجه، لكنها من حيث الجمع من حيث الصورة العامة المكتملة شيء واحد.

المقدم: يعني كأنهم يقولون: الصلاة غير الزكاة والحج غير الصيام.

معروف.

المقدم: هذا بانفرادها، لكن من حيث المجموع؟

من حيث المجموع هي عبادة لله وحده -سبحانه وتعالى-، وهي دين، وهي الإسلام، يقول: ومثاله البيت من الشَّعر يُجعل على خمسة أعمدة، أحدها أوسط، والبقية أركان، فما دام الأوسط قائمًا فمسمى البيت موجود، ولو سقط مهما سقط من الأركان، فإذا سقط الأوسط سقط مسمى البيت، فالبيت بالنظر إلى مجموعه شيء واحد، وبالنظر إلى أفراده أشياء، وأيضًا فبالنظر إلى أُسِّه وأركانه الأُسُّ أصل والأركان تبع وتكملة، تشبيه الإسلام ببيت الشَّعر، الشهادة هي البيت الأوسط، والأركان الأربعة هي الأركان هي الأعمدة التي في الجوانب، في جوانب البيت، ما دام الأوسط قائمًا فمسمى البيت موجود، ولو سقط مهما سقط من الأركان، شوف التمثيل المطابق، لكن لو سقطت الأركان الأربعة كلها، ولم يبق إلا الأوسط، هل يبقى البيت؟ ما يسمى بيت، وإن ضم بعضه إلى بعض فلا يصير بيت، وهذا جارٍ على مذهب أهل السنة أنه إذا فقدت الأركان كلها لا يبقى أصل الإسلام، ولا أصل الإيمان، لئلا يقال يُفهَم من هذا أن الأعمال لا أثر لها، وأن الأصل العمود الأوسط.

المقدم: كما جاء الخلاف هل هي أصل صحة أو أصل كمال؟ قبل قليل -كما تفضلتم-.

نعم، أنا أريد فقط أن أوضح تنظيره، يقول: مثاله البيت من الشَّعر يُجعل على خمسة أعمدة أحدها أوسط، والبقية أركان، يقول: فمادام الأوسط قائمًا فمسمى البيت موجود ولو سقط مهما سقط من الأركان. يعني لو يسقط ثلاثة أركان يبقى الأوسط مع واحد، يمكن أن يستظل به فيصير بيت، لكن لو سقط الرابع ماذا يبقى؟! فإذا سقط الأوسط سقط مسمى البيت، فالبيت بالنظر إلى مجموعه شيء واحد، وبالنظر إلى أفراده أشياء، وأيضًا فبالنظر إلى أُسِّه وأركانه الأُسُّ أصل والأركان تبع وتكملة.

و«شهادة» شهادة بالجر بدل من خمس، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ حُذِفَ خبره أي منها شهادة.

«أن لا إله إلا الله» «أن» بالفتح المخففة من المثقلة، ولهذا عطف عليه «وأن محمدًا رسول الله» لا نافية للجنس، إله مبني على الفتح اسم لا، وخبره محذوف تقديره: معبود بحق، وإلا حرف استثناء، ولفظ الجلالة مرفوع على البدلية من الضمير في الخبر، والحصر يستفاد من هذا التركيب من حصر الصفة وهي الألوهية في الموصوف وهو الله -سبحانه وتعالى-، ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله: أي لا معبود بحق إلا الله -سبحانه وتعالى-، وأنَّ محمدًا بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومعنى شهادة أن محمدًا رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر.

«وإقام الصلاة» أي المداومة عليها.

المقدم: لكن عفوًا -يا فضيلة الشيخ- الآن اعتُبرَت خمس فمعنى ذلك أن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله تعتبر واحدة لتلازمهما؟

نعم، لا يمكن أن يشهد أن لا إله إلا الله شهادة حق ويعترف ويقر وهو مكذب لرسوله ولا يشهد برسالته، كما أنه لا يمكن أن يشهد أن لا إله إلا الله ومقر ومعترف بأن محمدًا رسول الله لا بد من التلازم.

المقدم: الله أكبر.

«وإقام الصلاة» أي: المداومة عليها، والمراد الإتيان بها بشروطها وأركانها وواجباتها.

«وإيتاء الزكاة» المراد بذلك إخراج جزء من المال محدد على وجه مخصوص، يُعطى لمستحقه ممن سمى الله -سبحانه وتعالى-، و«الحج» إلى بيت الله الحرام مع الاستطاعة. 

«وصوم رمضان» هكذا جاء ترتيب الأركان الخمسة، واعتمده الإمام البخاري في صحيحه، فقدَّم الحج على الصيام، ولعله رجح الرواية التي فيها تقديم الحج على الصيام بما ورد من الوعيد الشديد بالنسبة لمن استطاع الحج ولم يحج، إضافة إلى قوله -سبحانه وتعالى-: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران 97] مما لم يأتِ مثله في ترك الصوم، لكن الجمهور اعتمدوا تقديم رواية الصيام على الحج، ورتبوا كتبهم على هذا الأساس. والحديث مخرَّج في الصحيح في موضعين:

الأول: هنا في كتاب الإيمان، وتقدمت ترجمته مع المناسبة، والموضع الثاني: في كتاب التفسير باب: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} [سورة البقرة 193] وقال الإمام البخاري: وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال: أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بُكَيْر بن عبد الله حدَّثه عن نافع أن رجلاً أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عامًا وتعتمر عامًا، وتترك الجهاد في سبيل الله -عز وجل-، وقد علمت ما رغَّب الله فيه؟ قال: يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسوله والصلوات الخمس... الحديث.

يقول الإمام البخاري: وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال: أخبرني فلان وحيوة بن شريح، قد يقول قائل: إن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- روى عن مبهم، والمبهم مجهول، فكيف يروي عن مجهول، لا مانع أن يروي عن مبهم، بل عن ضعيف إذا قُرِن بثقة، ولذا خرَّج البخاري لبعض من رُمي بضرب من التجريح الخفيف إذا قُرن بآخر، ونجد في كتب التراجم يقولون: روى له البخاري، وخرَّج له البخاري مقرونًا، ولو حَذَف فلان ما ضر، ما يضر الإسناد؛ لأنه يعتمد حينئذٍ على حيوة بن شريح، فالإمام البخاري -رحمه الله تعالى- قد يروي الحديث عن ثقة وضعيف، ما هو ثقة عن ضعيف، لا، ثقة وضعيف، فيحذف الضعيف ويبقي الثقة، كما روى عن مالك وابن لَهِيْعَة، حَذَف ابن لَهِيْعَة واقتصر على مالك، وهذا ليس من تدليس التسوية؛ لأنه لا اعتماد على هذا الضعيف، وهنا لا اعتماد على هذا المبهم، إنما عمدته الراوي المسمى وهو من رجاله.

المقدم: أحسن الله إليكم هناك بعض المسائل إذا أذنتم، قبل قليل ذكرتم كلامًا للإمام النووي -رحمه الله- يُفهَم منه أن البخاري يرى أن الإسلام هو الإيمان، وبالتالي أدرج حديث ابن عمر هذا «بني الإسلام على خمس» في كتاب الإيمان، فكأنه يرى أن الإيمان والإسلام شيء واحد؟

نعم، هذا ظاهر من تصرُّف الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في الأبواب اللاحقة، وهو أيضًا مستفيض عنه فيما نقله أهل العلم، وكذلك عن محمد بن نصر المَرْوَزِي ممن يرى من أهل السنة والجماعة أن الإيمان والإسلام معناهما واحد، وإن كان الجمهور على خلاف ذلك، وأن الإيمان أخص، لكن إذا افترقا -كما يقول أهل العلم-: اجتمعا، وإذا اجتمعا افترقا، فلكل واحد منهما حقيقة إذا اجتمعا، إذا عطف الإسلام على الإيمان أو العكس كما جاء في حديث جبريل يُخَص هذا بحقيقة وذاك بحقيقة، لكن إذا أطلق لا شك أن الإسلام الذي الممدوح أهله، إذا مُدِحَ المسلم لا شك أن المراد به المؤمن، كما أنه إذا جاء ذكر المؤمن لا شك أن المسلم يدخل فيه على انفراده، لكن إذا عُطِف أحدهما على الآخر صار لكل واحد منهما حقيقة.

المقدم: هل الإمام البخاري -رحمه الله- أيضًا يحتج بقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الذاريات 35] على اعتبار أنه ذَكَر الإيمان والإسلام وبالتالي بينهما ترادف؟

هذا رأيه ­-رحمه الله-، القول بالترادف وسيأتي إيضاح ذلك، وبيانه في الأبواب اللاحقة، وكلها تدل على هذا -إن شاء الله تعالى­-.

المقدم: أيضًا -أحسن الله إليكم- في حصر الأركان في هذه الخمسة ربما بعض الناس يَرِدُ عليه أن هناك أركان أخرى مثل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعضهم يقول: إن هذه الأركان إنما كانت في أول الإسلام كما ذُكر عن ابن بطَّال وغيره، وبعد ذلك فُرِضَت شَعِيْرَة الجهاد فهي ركن، حول هذا الموضوع -إذا تكرمتم-.

أما الواجبات فكثيرة، ومنها ما كان وجوبه قبل ورود هذا الحديث، ومنها ما كان وجوبه بعد ورود هذا الحديث، أما كونها أركان نعم جمع من أهل العلم قال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركن من أركان الإسلام، وأنها الركن السادس، ومنهم من جعل السادس الجهاد، لكن جماهير الأمة على أن الأركان خمسة تبعًا لهذا الحديث، والجهاد وإن كان ذروة سنام الإسلام إلا أنه ليس بالمنزلة مثل الصيام ومثل الحج ومثل الزكاة ومن باب أولى مثل الصلاة، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتعين على من رأى المنكر أن ينكره بحسب استطاعته، بيده إن استطاع، أو بلسانه أو بقلبه، وما عدا ذلك لا يوجد هناك من الإيمان حبة خردل إذا لم ينكر المنكر بقلبه، والله المستعان.

المقدم: والله المستعان.

أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، إذًا إخوتنا المستمعين نستكمل -بإذن الله تعالى- بقية الأحاديث في هذا الكتاب كتاب الإيمان في حلقات قادمة.

باسمكم جميعًا أتوجه بالشكر الجزيل -بعد شكر الله سبحانه وتعالى- إلى ضيف هذه الحلقات صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.

شكرًا لكم أنتم مستمعي الكرام، حتى ألقاكم في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، أستودعكم الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.