شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (222)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك علي عبده ورسوله محمد وعلي آله وصحبه أجمعين.

مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى لقاء جديد في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، والذي نسعد فيه بالترحاب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في باب حفظ العلم، في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أسلفتم شيئًا من ما يخص معاني الحديث، لعلنا نستكمل ما تبقى، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين،

أما بعد،

 مضى القول في بعض ألفاظ الحديث، وبقي الكلام على آخره.

وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- لشبع بطنه، لشبع بلام التعليل للأكثر، وهو الثابت في غير البخاري أيضًا، وللأصيلي: بشبع بموحدة أوله، قاله الحافظ، الطبعة التي عندك.

 المقدم: لشبع باللام.

 هذه رواية الأصيلي، أما رواية الأكثر فهي باللام لشبع، وقال العيني: يعني أنه كان يلزم قانعًا بالقوت؛ لأن بعض الناس يظن هذا قدحًا في أبي هريرة أنه لزم النبي -عليه الصلاة والسلام- لهذا السبب فقط، كان يلزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لشبع بطنه، يعني هذا الهدف من لزومه النبي -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: أن يشبع بطنه، يجد عنده أكلًا يعني.

 فقط.

المقدم: هذا فهم خاطئ.

 بلا شك هذا فهم بعض المبتدعة، وكتَبوا فيه، كتبوا في أبي هريرة.

 المقدم: أو يفهم منه يا شيخ أنه يجوز القعود من أجل العلم على أن تأكل من هذا العلم يعني ليقرئك ويؤكلك.

 يعني يتعيش من العلم، يعني قد يرتزق بالعلم.

 المقدم: ليس ترزقًا بذات العلم، وإنما يلزم شخصًا يؤكله من أجل أن يدرس عليه.

 المقصود ما الهدف؟ الأمور بمقاصدها إذا كان قصده الأكل فهذا شيء، إذا كان قصده شبع بطنه هذا المذموم، لكن إذا كان القصد العلم والتفرغ للعلم، والقناعة بشبع البطن، الناس يرضيهم أن تشبع بطونهم.

 المقدم: والذي عيب على هؤلاء أنهم فهموا أن لزومه من أجل الشبع فقط.

 من أجل الشبع فقط، لا، يقول العيني: يعني أنه كان يلازم قانعًا، هذه قناعة، وهي صفة مدح، قانعًا بالقوِت لا مشتغلاً بالتجارة ولا بالزراعة، قانعًا بالقوت من أجل تحصيل العلم، وقد نفع الله به نفعًا عظيمًا، وزاد المصنف في البيوع: "وكنت امرأً مسكينًا من مساكين الصفة، وروي أيضًا ليشبع بطنه بلام كي، والشبع: بكسر الشين وفتح الموحدة نقيض الجوع، يقالُ: شبعت خبزًا ولحمًا، ومن خبز ولحمٍ شبعًا مصدر.

أبو هريرة كان يلزم النبي -عليه الصلاة والسلام- لشبع بطنه، يعني لو كان الهدف شبع البطن فقط لوجد من هو أغنى وأثرى من النبي -عليه الصلاة والسلام-، إنما يلزم النبي -عليه الصلاة والسلام- من يريد الآخرة، وإلا فقد عرف المسلمون من عيشه -عليه الصلاة والسلام- كما ثبت عنه أنه يمر عليه الهلال ثم الهلال ثم الهلال لا يوقد في بيته نار، ثلاثة أهلة في شهرين لا يوقد في بيته نارًا، فإذا كان هذه وضعه ووضع نسائه وأهل بيته، فكيف بمن يلازمه؟

المسألة مسألة قناعة، وعزوف عن هذه الدنيا، واهتمام بالأعلى، والشبع نقيض الجوع، يقال: شبعت خبزًا ولحمًا ومن خبز ولحم شبعًا مصدر، والبطن خلاف الظهر، وهو مذكر، والجمع بطون وأبطن، ويحضر من أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لا يحضرون، وعلى هذا فيسمع منه -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: أكثر مما يسمعون.

 ما لا يسمعون، ويشاهد ما لا يشاهدون، ثم بعد ذلك النتيجة يحفظ...

المقدم: ما لا يحفظون.

 ما لا يحفظون من أقواله -عليه الصلاة والسلام-، قال الكرماني: هذا إشارة إلي المسموعات، وذلك إشارة إلي المشاهدات، فيحضر فيشاهد من أحواله -عليه الصلاة والسلام- ما لا يشاهدون يحضر، ويحفظ من المسموعات ما لا يحفظون؛ لأن الأحوال النبوية منها ما هو أفعال، ومنها ما هو أقوال، يقول الكرماني: هذا إشارة إلى المسموعات، وذلك إشارة إلي المشاهدات، ويحضر إما عطف على ليشبع فينصب، وإما على يلزم فيرفع، عندنا يحضر، ويحضر ما لا يحضرون.

 المقدم: إما أن تكون عطفًا على يشبع، كان يلزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليشبع بطنه أو ليشبع ويحضر، إذا قلنا: ليُشبِعَ.

 قلنا يحضر.

المقدم: ويحضر، وإن كانت على يلزم.

فيلزم مرفوعة.

المقدم: ويحضر.

 نعم، قال ابن حجر: وقد روى البخاري في التاريخ، والحاكم في المستدرك من حديث طلحة بن عبيد الله شاهدًا لحديث أبي هريرة، وهذا ولفظه.. روى البخاري في التاريخ، والحاكم في المستدرك من حديث طلحة بن عبيد الله شاهدًا لحديث أبي هريرة هذا ولفظه: لا أشك أنه سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لا نسمع، وذلك أنه كان مسكينًا لا شيء له ضيفًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأخذ البخاري في التاريخ والبيهقى في المدخل من حديث محمد بن عمارة بن حزم، أنه قعد في مجلس فيه مشيخة من الصحابة بضعة عشر رجلاً، فجعل أبو هريرة يحدثهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحديث فلا يعرفه بعضهم، فيراجعون فيه حتى يعرفوه، ثم يحدثهم بالحديث كذلك حتى فعل مرارًا، فعرفت يومئذ أن أبا هريرة أحفظ الناس.

 وأخرج أحمد والترمذي عن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة، وأخرج أحمد والترمذي عن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة: كنت ألزمنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعرفنا بحديثه، كنت ألزمنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعرفنا بحديثه، وقال الكرماني: فإن قلت: هل يلزم من هذا الحديث بحسب الظاهر معارضة لما تقدم؟ يقول الكرماني: فإن قلت هل يلزم من هذا الحديث بحسب الظاهر معارضة لما تقدم؟ حيث قال: ما من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من أحد أكثر مني حديثًا إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، يقول الكرماني: قلت: لا؛ لأن عبد الله كان أكثر تحملاً، وأبا هريرة أكثر رواية، ما معنى هذا؟ معنى هذا أن عبد الله بن عمرو عنده أحاديث تحملها عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه لا يرويها.

المقدم: أكثر.

أكثر من أبي هريرة، لكن هل هذا صحيح؟ أبو هريرة علل فقال: فإنه كان يكتب...

المقدم: ولا أكتب.

 ولا أكتب، وسيأتي في الحديث الذي يليه حديث بسط الرداء، وأن أبا هريرة ما نسي شيئًا بعد أن غرف له النبي -عليه الصلاة والسلام-، ووضع في ردائه على ما سيأتي، فإما أن يقال: إن أبا هريرة تحدث مع عبد الله بن عمرو قبل بسط ردائه، يعني يكون قال ذلك قبل بسط الرداء، أو يكون على حد...

المقدم: علمه وفهمه.

 فهمه وعلمه، لأن الإنسان قد يتصور أن عند غيره من الأموال الطائلة ما هو أكثر منه، وهو في الحقيقة العكس، وقد يتصور أن عنده من العلم ما لا يوجد عنده، ثم يتبين العكس في الحقيقة؛ لأن هذه أمور لا ترى بالأعين، هي تقدر تقديرًا، وليست هناك مصنفات أو مدونات مكتوبة؛ لنعلم أن هذا أكثر مصنفات من هذا، هذا إذا سلمنا أن العلم ما وجد في المصنفات، وإنما قد يكون عند الشخص من العلم أكثر مما عند كثير من المصنفين ولا تصنيف عنده، وإذا صنف ما صنف من المكثرين؛ لأن هذا أمرٌ لا يرى.

 يقول: فإن قلت: كيف يكون أكثر تحملاً وهو داخل تحت عموم المهاجرين؟ لأن المهاجرين تحدث عنهم أبو هريرة بأنهم كان يشغلهم الصفق بالأسواق، ومنهم عبد الله بن عمرو؟ قلت: وأكثر من جهة ضبطه بالكتابة بتقييده بها، وأبو هريرة أكثر من جهة مطلق السماع، ويبقي أن أبا هريرة أكثر بكثير لا يدانيه عبد الله بن عمرو ولا غيره من مكثري الصحابة، فضلاً عن المقلين.

قال ابن بطال: فيه حفظ العلم والدؤوب عليه والمواظبة على طلبه، حفظ العلم من قوله: ويحفظ ما لا يحفظون، والدؤوب "عليه كان يلزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والمواظبة على طلبه"؛ لأن تحصيل العلم إنما يكون...

 المقدم: بالملازمة.

 بالملازمة والحفظ، ولذلك يقسم الرواة إلى طبقات، الطبقة الأولى من هذه الطبقات: من اتصف بالحفظ والضبط والإتقان مع ملازمة الشيوخ، هذه الطبقة العليا، فإذا اجتمع حفظ وضبط وإتقان مع ملازمة الشيوخ...

 المقدم: هذه أعلى الدرجات.

 هذه أعلى الدرجات، أو طبقات الرواة، يليها إذا تميز بالحفظ والضبط والإتقان، وإن خفت ملازمته، هذه الطبقة الثانية، والطبقة الثالثة ملازمة الشيوخ مع كونه في الحفظ والضبط والإتقان أقل، إذًا من أعظم وسائل التحصيل الملازمة مع قوة الحفظ، وقد اجتمعا لأبي هريرة.

 المقدم: بعد بسط الرداء.

 يعني بعد بسط الرداء، لكن يبقي أنه لا يوصف بضعف الحافظة قبل ذلك، إلا أنه قال على ما سيأتي: إني أسمع حديثًا كثيرًا أنساه، هل يعني أن ينساه كله؟ لا، ينسى منه، ما يلزم أن ينساه كله.

 المقدم: لكن يكون بهذا الوصف بالدرجة الثانية.

 بلا شك، يعني مع الملازمة ليس من أهل الضبط والإتقان.

 المقدم: لكن بعد الرداء انتقل إلى الدرجة الأولى.

 إلى الطبقة الأولى نعم بلا شك.

يقول ابن بطال: فيه حفظ العلم والدءوب عليه والمواظبة على طلب،ه وفيه فضل التقلل من الدنيا، وإيثار طلب العلم على طلب المال، وإيثار طلب العلم على طلب المال، ولا شك أن العلم لا يحصل إلا بهذه الطريقة بالتقلل من الدنيا؛ لأن الدنيا ضره، يندر أن يوجد، قد تكون عنده الأموال الطائلة لا تدخل في قلبه، ولا تشارك العلم، فيحفظ ويضبط مع هذه الأموال هذا نادر، وإلا فالأصل أن الدنيا ضره، والعلم من أمور الآخرة، فلا بد من المزاحمة، وفيه أنه جائز للإنسان أن يخبر عن نفسه بفضله إذا اضطر إلى ذلك؛ لاعتذارِ من شيء، أو لتبيين ما يلزمه تبيينه إذا لم يقصد بذلك الفخر، يعني للإنسان أن يذكر من أوصافه ما لا يطلع عليه في حال الدفاع عن نفسه، ولا يقصد بذلك الفخر، لما وصف ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- بالعي، فقال: كيف يكون عييًا من في جوفه كتاب الله؟ فأخبر أنه حافظ لكتاب الله، والأصل أن هذا...

 المقدم: منزلة عالية.

 بلا شك، ولا يقولها في حال الساعة، لكن لما اتهم أراد أن يدافع عن نفسه فذكره.

في شرح السنة للبغوي -رحمه الله-: باب وعيد من كتم علمًا يعلمه؛ لأن عندنا في الحديث إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثًا ثم يتلو: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة:159]، فيناسب الكتم، فترجم الإمام البغوي -رحمه الله تعالى- في شرح السنة: باب وعيد من كتم علمًا يعلمه، قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159] وقال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187]، ثم ساق بإسناده حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من سأل عن علم يعلمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار»، وقال: هذا حديث حسن، والحديث مخرج عند الإمام أحمد وأبي داود والترمذي وحسنه، ويقابل الكتمان من بعض الناس من بعض الأكفاء من يتعين عليه البيان يقابله القول على الله بلا علم، والفتوى والجرأة عليها بدون علم، نسأل الله السلامة والعافية، يعني هما طرفا نقيض هما طرفا نقيض.

المقدم: لكن ما يتعارض.

 من يكتم يزعم أو على حد زعمه أنه يتورع، وقد يكون صادقًا في كلامه أنه يتورع، ولكن مع ذلك يحتاط من جهة، ويضيع من جهة من أخرى.

 المقدم: لكن أبو هريرة -رضي الله عنه- كتم.

 سيأتي هذا، هذا سيأتي في الحديث الذي بعد الذي بعد هذا، هي ثلاثة أحاديث عن أبي هريرة متتابعة كلها في مناقبه -رضي الله عنه وأرضاه-.

 المقدم: لكن قصدي ما يفهم من قولكم -أحسن الله إليك- أن من كتم شيئًا مثل من قال على الله بغير علم؟

 هما طرفا نقيض، إذا كان يلجم بلجام من نار.

 المقدم: لكن ليس المتقرر أن للإنسان أن يسكت أحيانًا عن بعض.

 إذا لم يتعين عليه، إذا لم يتعين عليه، وإلا فالبيان لابد منه، هذا عهد وميثاق {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] هذا لابد منه، البيان لابد منه، ومن كتم علمًا يعلمه، والناس يحتاجونه ويتعين عليه، يلجم -نسأل الله السلامة والعافية- بلجام من نار يوم القيامة، ولا يعني هذا أنه يتصدر ويتصدى لكل شيءٍ يعلمه، ولا يعلمه، حتى بعض ما يعلمه إذا قام به من يكفي، وسقط عنه الواجب لا يمنع من السكوت، فالمسألة طرفا نقيض، والخير في الوسط.

 وهذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في ستة مواضع:

الموضع الأو:ل هنا في كتاب العلم باب حفظ العلم قال -رحمه الله-: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة قال: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة الحديث، وسبق ذكر المناسبة.

 الموضع الثاني: في كتاب العلم في الباب المذكور، يعني الحديث الذي يليه حديث بسط الرداء، هل هو طرف منه أو مستقل؟

 المقدم: هنا جعله مستقلًّا المختصر.

 يعني ما أضافه، هو في البخاري كذلك في هذا الموضع كذلك، هذا أورده على سبيل الاستقلال بإسنادٍ مختلف، قال -رحمه الله-: حدثنا أحمد بن بكر أبو مصعب قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن دينار عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: «قلت: يا رسول الله، إني أسمع منك حديثًا كثيرًا أنساه فقال: ابسط رداءك فبسطته، قال: فغرف بيديه ثم قال: ضمه، فضممته، فما نسيت شيئًا بعده» ثم قال الإمام البخاري بعده: حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا ابن أبي فديك بهذا أو قال: «غرف بيده فيه»، والمناسبة لباب حفظ العلم ظاهرة، وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى؛ لأن المؤلف أفردها، كما أفرده البخاري في هذا الموضع، ولولا أن البخاري جمع بينهما في موضع، لجزمت بأنهما حديثان، لولا أن البخاري جمع بينهما في موضع من المواضع- وسيأتي قريبًا- لجزمت بأنهما حديثان، البخاري فرقهما ولولا أن البخاري جمعهما في الموضع الذي يليه الثالث لقلت إنهما حديثان.

 الموضع الثالث: في كتاب البيوع، باب ما جاء في قول الله -عز وجل- {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة 10-11]، وقوله تعالى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29] قال -رحمه الله-: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمه بن عبد الرحمن أن أبا هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمثل حديث أبي هريرة؟

سبق أن ذكرنا أن هذا القول، قولهم: ما بال المهاجرين والأنصار هو سبب ذكرهم في الحديث من قبل أبي هريرة، وإلا قد يقول قائل: لماذا يتعرض لإخوانه من المهاجرين والأنصار؟ لأن هذا ليس بصفة مدح يذكرون بها، لكن لما قيل له: ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل حديث أبي هريرة؟ هذا من باب الدفاع «وإن إخوتي من المهاجرين» إلى آخره، وفيه وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث يحدثه «إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمع إليه ثوبه، وإلا وعى ما أقول» فساقهم مساقًا واحدًا.

البخاري فيه شيء يقال له: الجمع، وفيه شيء يقال له: التفريق، جمع الحديثين، وتفريق الحديث الواحد، فإذا نظرنا مثلاً إلي صحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة، الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- ساقها مساقًا واحدًا، وفيها أكثر من مائة وثلاثين جملة، كل جملة تصلح أن تكون حديثًا مستقلاًّ، وهذه الجمل فرقها البخاري ومسلم، فرقوها على حسب الحاجة؛ لأن دلالتها أو ما يستنبط منها متعدد بتعدد هذه الجمل، ففي كل موضع يورد منها ما يحتاج إليه، وساقها الإمام أحمد -رحمه الله- مساقًا واحدًا، لماذا؟

لأنه مسند يضع تحت ترجمة أبي هريرة، وينتهي الإشكال، هو لا يراعي التراجم بالأحكام، بينما الإمام البخاري ومسلم يراعيان ذلك ففرقاه، فالتفريق تقطيع الحديث الواحد إلى أحاديث جائز، الاقتصار على بعضه دون بعض في موضع دون موضع جائز، بشرط أن لا يكون المذكور من الحديث علاقته بالمحذوف قوية بحيث يحتاج إليه في فهمه، ظاهر أم ليس بظاهر؟ نعم، لا تكون علاقة المذكور بالمحذوف علاقة بحيث يترتب فهم المذكور على هذا، وإلا للزم ذكر الجميع، التفريق، الجمع جمع الأحاديث وإن كانت في مناسبات إذا كانت عن صحابي واحد، والطريق إليه واحدة يصنعه كثير من الأئمة، يصنعه كثير من الأئمة.

 وفيه وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث حدثه إلى آخره، فالذي يظهر أن هذه مناسبة، أو قصة أخرى، وإن كانت القصتان كلاهما عن أبي هريرة، والشاهد في قول أبي هريرة «إن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق» والمراد به التبايع، قال ابن حجر: ووجه الدلالة منه وقوع ذلك في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- واطلاعه عليه، وتقريره له؛ لأن الآية التي ترجم بها باب ما جاء في قول الله -عز وجل-: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة:10] هذا امتثال، ينتشرون في الأسواق من أجل الصفق والبيع والشراء، يعني منهم من يمتثل هذا الأمر {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:10]، ومنهم من ينطبق عليه قوله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة:11]؛ لأن هذه حصلت في عهده- عليه الصلاة والسلام-، لكن لا شك أن كبار الصحابة وخيارهم ثبتوا معه -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: ما تبقى من المواضع إن أذنتم لنا نرجئها إلى حلقة قادمة بإذن الله تعالى، فضيلة الشيخ.

 طيب.

المقدم: شكر الله لكم، ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، نستكمل بقية أطراف الحديث بإذن الله في الحلقة القادمة، وأنتم على خير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.