شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (155)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. وهو المشهور بمختصر صحيح البخاري للإمام زين الدين أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الزبيدي المتوفى سنة ثلاثٍ وتسعين وثمانمائة للهجرة -رحمه الله-، مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: على مدى حلقتين -فضيلة الدكتور- كنا تحدثنا في حديث عمر- رضي الله عنه - أشرتم في الحلقتين الماضيتين إلى ألفاظ الحديث وما ورد فيه من فوائد وأقوال أهل العلم في بعض مسائله، في آخر الحلقة الماضية توقفنا عند أطرافه، فالحديث ورد في مواضع كما أشرتُم، ذكرتم الموضع الأول، والموضع الثاني إشارة  للمستمع الكريم بالموضعين للتذكير، ثم نستكمل إذا أذنتم، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- خرج الحديث في عشرة مواضع:

الموضع الأول: في كتاب العلم وهو محل الدرس، والموضع الثاني في كتاب المظالم، وأفضنا في مناسبته لكتاب المظالم. والموضع الثالث في كتاب التفسير، وكذلك الرابع والخامس في كتاب التفسير في باب {تبتغي مرضاة أزواجك قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [سورة التحريم:2] يعني من سورة..

المقدم: التحريم .

التحريم، يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال:  حدثنا سليمان بن بلال.

المقدم: هذا في الموضع الأول من كتاب التفسير؟

نعم، يقول: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثنا سليمان بن بلال عن يحيى عن عبيد بن حنين أنه سمع ابن عباس- رضي الله عنهما- يحدث أنه قال: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له "سنة، يريد أن يسأل عمر..

المقدم: رضي الله عنه.

 وَمَن؟ شخص من عامة الناس؟

المقدم: لا.

ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: وعمر كان يقدمه.

 وعمر كان يُجلسه مع الأكابر، ومع ذلك يهاب، فعلى طلاب العلم عمومًا.

المقدم:  لكن الهيبة هذه هيبة احترام لا هيبة..

بلا شك، لا لا لا هيبة تأله لا لا، ولا خوف ولا تعظيم أكثر مما حدّه الشرع.

 المقدم: لكن بعض الناس يُهابون أيضًا لجبروتهم ولطغيانهم ولظلمهم، وحاشا عمر -رضي الله عنه- ذلك.

النبي- عليه الصلاة والسلام- وهذه مناسبة لهذا الكلام نُصر بالرعب مسيرة شهر، وهو من أحسن الناس خُلقًا، وكذلك ورّاثه من العلماء وطلاب العلم، وكلٌّ بقدر إرثه من الرسول -عليه الصلاة والسلام-، يرث هذه الهيبة، ولذا تجد من أهل العلم لو نُظر إليه نظرة مجردة، يعني ما عنده أدنى مبرر لهذه الهيبة، تجده مثلًا ضعيف البنية، خافض الصوت، كفيف البصر، أحيانًا يكون فيه عاهات في كثرة..، تجد يعني لو نظرت إليه نظرة مجردة يعني المفروض على أنه تهابه، تزدريه، لكن بسبب إرثه من النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا العلم ينال هذه الهيبة، قد تجد بعض العلماء ، العلماء الذين ليس لديهم من النباهة بحيث لا ينتبهون لكل ما يدور، بعض الناس يحضر عشرة أسئلة ويسأل عن سؤال، سؤالين وينسى البقية.

المقدم: هيبةً.

 هيبة، نعم، وتجد بعض المسؤولين يدخل في الأيام الشاتية فيتصبب عرقًا هيبة لهذا العالم .

المقدم: لكن ما الفرق بين...؟

بقدر إرثه من النبوة، يعني لا سلطان ولا جبروت ولا يضرب ولا، بل ولا ينهر، وليس بشديد الخلق، بل من أحسن الناس خلقًا.

المقدم: لكن قد يرد سؤال -أحسن الله إليك- في مسألة هذه الهيبة، مر بنا في مسألة الحياء، وأن الحياء المذموم هو الحياء الذي يمنعك من طلب العلم، هل هناك فرق بين هذه الهيبة والحياء الذي يمنعك من طلب العلم؟

لا، الحياء، قد تكون مستذكرًّ لما تريد، والمسألة لها أطراف، الحياء الذي يمنعك مع كونك متذكرًا لسؤالك مع حاجتك إليه هذا خجل وهذا مذموم، الله- جل وعلا - أمرنا بسؤال أهل الذكر {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [سورة النحل:43] فالذي يمنع من هذا السؤال لا شك أنه مذموم، يبقى أن الطرف الآخر لو قرأت في ترجمة مكحول مثلاً، مكحول بن عبد الله إمام، سيد من سادات التابعين، ومع ذلك فيه عاهات، عاهات حتى قيل إنه يُحمل بطست، الخلفاء يهابونه هيبة عظيمة..

المقدم: غير عطاء.

لا، هو عطاء هو عطاء، أنا أقصد عطاء.

المقدم: عطاء بن أبي رباح.

نعم، عطاء بن أبي رباح يهابونه هيبة عظيمة مع أن فيه عاهات، ومكحول كذلك.

المقدم: ليس مثل عطاء.

ما هو مثل عطاء..

نعم، المقصود أن مثل هذه الهيبة التي يودعها الله -جل وعلا- في قلوب العباد لهذا الشخص بقدر إرثه ممن نُصر بالرعب، بقدر إرثه علمًا وعملًا، بقدر إرثه علمًا وعملًا، فذكر الحديث مطولاً يقول ابن حجر: قوله باب تبتغي مرضاة أزواجك  {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}  [سورة التحريم:2] كذا لهم بإسقاط بعض الآية الأولى وحذفت بقية الثانية، كذا لهم، لمَن؟ للرواة،- لرواة الصحيح وكملها أبو ذر، كمل الآية الثانية أبو ذر، ما المناسبة؟ أولًا مناسبة الآية.. ما ذكره من الآيتين لكتاب التفسير معروف أن هذا في تفسير سورة..

المقدم: التحريم.

التحريم ومناسب جدًّا لكتاب التفسير هذا موضعه، لكن يبقى مناسبة الحديث..

المقدم: الحديث لهذا الباب.

نعم.

المقدم: يعني قد تكون مناسبة، هذا قلنا بأن سبب نزول هذه الآيات هو هذا الحديث.

 لا، هو أراد أن يسأله عن المرأتين اللتين تظاهرتا.

المقدم: طيب.

 وعلاقة المرأتين اللتين تظاهرتا عائشة وحفصة على ما سيأتي هما سبب نزول الآيات.

المقدم: طيب لكن الواقع أيضًا في الطلاق وإتيان عمر أيضًا.

لا هو سأل، الحديث مطول جدًّا يشمل هذا وهذا، يشمل هذا وهذا وذكر فيه هذا وهذا، والموضع الرابع في التفسير أيضًا في باب {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [سورة التحريم:3] "قال: حدثنا علي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: سمعت عبيد بن حنين يقول: سمعت ابن عباس- رضي الله عنهما- يقول: أردت أن أسأل عمر -رضي الله تعالى عنه- فقلت:  يا أمير المؤمنين، مَن المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فما أتممت كلامي حتى قال: عائشة وحفصة"، هكذا مختصرًا، وبمناسبة قصة هاتين المرأتين مع ما ترجم به من الآية..

المقدم: ظاهر.

 ظاهر، وهذه الآية أيضًا في تفسير سورة التحريم، والخامس في التفسير أيضًا في با  {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [سورة التحريم:4] صَغوت وأصغيت ملت، لتصغى لتميل، مر بنا مرارًا أن الإمام البخاري يتحين الفرص لبيان غريب القرآن وغريب الحديث لأدنى مناسبة، {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [سورة التحريم:4]

صَغوت وأصغيت ملت، لتصغى، هذه جاءت في سورة إيش؟

المقدم: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [سورة الأنعام:113].

 في سورة إيش؟ الأنعام.

المقدم: نعم.

نعم، يعني تميل، فيفسر هذه، جرت عادة  البخاري- رحمه الله- بهذا، ومع الأسف الذين يعتمدون على المختصرات يُحرمون من مثل هذه الأمور، الذين يعتمدون على المختصرات التي تعنى بالأحاديث بالأصول المرفوعة المسندة يحرمون من مثل هذه الأمور، {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [سورة التحريم:4]، ظهير: يقول عون، تظاهرون: تعاونون، فسَّر..

المقدم: تظاهرون.

نعم، بـ تعاونون، وقال مجاهد: قو أنفسكم وأهليكم: أوصوا أنفسكم وأهليكم بتقوى الله وأدبوهم، أوصوا أنفسكم وأهليكم بتقوى الله وأدبوهم،  يقول الإمام- البخاري رحمه الله تعالى-:  "حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: سمعت عبيد بن حنين يقول: سمعت ابن عباس يقول: أردت أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمكثت سنة فلم أجد له موضعًا حتى خرجت معه حاجًّا، فلما كنا بظهران ذهب عمر لحاجته فقال: أدركني بالوضوء فأدركته بالإداوة فجعلت أسكب عليه ورأيت موضعًا" يعني رأيت فرصة مناسبة أن أسأله، يعني كأنه زالت الكلفة بينهما، يعني أمره أن يدركه بالإداوة وصب عليه ولحقه، يعني زالت الكلفة، "ورأيت موضعًا فقلت: يا أمير المؤمنين مَن المرأتان اللتان تظاهرتا على"  انظر الآن الحرص على تعلم العلم ، فقد يقول قائل: ما الفائدة أن أبحث عن فلانة أو علانة من مبهمات القرآن؟

 لا يا أخي، اسم هاتين يسمى في علوم القرآن وعلوم الحديث وغيرها المبهمات، يعني الحرص على تعيين المبهم أحيانًا قد يُترك المبهم سترًا عليه، فمثل هذا إذا كانت القصة قد تُعرض الإنسان للتنقص مثل هذا لا تبحث عنها، لكن إذا كانت تترتب عليها فائدة، فابحث، والفوائد ذكر المبهمات، ذكرها أهل العلم وأوصلوها لعدد لا بأس به، وأحيانًا نعرف الناسخ من المنسوخ بمعرفة المبهم في النص.

المقدم: وفيها مؤلفات كثيرة.

نعم، في مبهمات القرآن وفي مبهمات الحديث كلها فيها كتب، لكن قد نعرف أن هذا النص منسوخ أو ناسخ أحيانًا ، يتعارض هذا النص مع نص آخر، وهذا فيه مبهم وعينّا المبهم بشخص متقدم الإسلام، عرفنا أنَّ النص متقدم، وإذا عرفنا المبهم بشخص متأخر الإسلام مثلًا عرفنا أن النص متأخر، فيكون ناسخًا، عند الحاجة إلى القول بالنسخ حينما تضيق المسالك نحتاج إلى معرفة مثل هذه المبهمات، أنه قد يقول قائل: ما الفائدة أن نعرف اسم المرأتين؟ العلماء تتبعوها، وألفوا فيها مصنفات، وذكروا فوائد ذلك، ولذلك ابن عباس حرص وأدرك العلم كما قال بما أدركت؟ قال: بقلب عقول ولسان سؤول، بعض الناس ما يكترث، يمر عليه المشكلات والمعضلات فلا يدونها ولا يسأل عنها ولا، مثل هذا قل أن يفلح في طلب العلم.

 مناسبة الحديث في الأبواب الثلاثة للآيات المذكورة ظاهر؛ لأن الآيات في القصة نفسها.

والموضع السادس في كتاب..

المقدم: فضيلة الدكتور أنت أشرت قبل قليل -أحسن الله إليك- في مسألة حرص البخاري على الاستدلال، يعني تقطيع مثل هذه الأحاديث وإتيانها في أبواب للدلالة على مواضع آيات معينة، لكن الملاحظ هنا الآيات التي قطعها واستدل بها في حدث واحد وفي قصة واحدة لم تختلف، وبالتالي لماذا لم يجمع هذه الأحاديث في موضع واحد؟

 لا، البخاري له نظرات دقيقة، له نظرات دقيقة، يعني القصة لو جمع الآيات كلها في باب واحد.

 المقدم: هي آية واحدة أو آيتان متتاليتان في نفس السورة.

قل لو جمع قصة كلها وذكر حديثًا سردًا، ليست هذه طريقته، طريقته التجزئة، ويسوق تحت كل ترجمة ما يناسبها، وأحيانًا يسوق الحديث، قد يترجم في الحديث من أجل فرقٍ يسير في إسناده، ما تجد الحديث بمتنه وإسناده بطريقة واحدة أبدًا.

المقدم: نجد في كل حديث ما يدل على الآية التي اجتزأها.

اجتزأها من جهة، وأيضًا هو قد يذكر الترجمة لحاجته إلى الحديث ، والحديث لماذا كرره وقد أتى به مرة قبل ذلك؟ لفائدة إسنادية أو متنية، والبخاري- رحمه الله تعالى- على كثرة تكراره للأحاديث لا يُعرف أنه كرر حديثًا في أكثر من موضع إلا لفائدة سواء كانت في المتن أو في الإسناد أو في صيغ الأداء، لا بد له من ملحظ، حُفظ نحو عشرين موضعًا، حفظ نحو عشرين موضعًا كرر الحديث بلفظه بإسناده وبمتنه، نحو عشرين موضعًا، عشرون موضعًا من سبعة آلاف وزيادة موضع ليست شيئًا يعني ليست شيئًا بالنسبة لحجم الكتاب، يعني من أراد.. أشار الحافظ إلى العشرين موضعًا وفسرها القسطلاني في مقدمة شرحه إرشاد الساري.

 الموضع السادس: في كتاب النكاح في باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها قال: حدثنا أبو اليمان، تعقيبًا على ما ذكرت عن حق الشخص الذي يغوص في درر البخاري لا شك أنه يتلذذ بمثل هذه الأمور، أما الشخص الذي يقرأ قراءة عابرة ولا يدقق أو كذا ترى ما..

المقدم: ما يستمتع.

ما يبين له كثير من هذه الأمور.

 الموضع السادس: في كتاب النكاح في باب موعظة الرجل لابنته لحال زوجها" قال: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال:  لم أزل حريصًا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- اللتين قال الله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [سورة التحريم:4] حتى حج وحججت معه،"  والحديث مطول جدًّا، كتاب النكاح وباب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها، والشاهد من الحديث للترجمة موعظة الرجل لابنته لحال زوجها مناسب جدًّا لكتاب..

المقدم: النكاح.

 النكاح يعني المناسبة ظاهرة، الشاهد من الحديث للترجمة " أن عمر دخل على حفصة وقال لها: أي حفصة أتُغاضب إحداكن النبي- صلى الله عليه وسلم -اليوم حتى الليل؟ قالت: نعم، فقلت: قد خبت وخسرت أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله- صلى الله عليه وسلم- فتهلكي؟! لا تستكثري النبي -عليه الصلاة والسلام-" يعني لا تسأليه شيئًا لا يطيقه، دعي السؤال يكون بقدر الضرورة والحاجة، "لا تستكثري النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا تراجعيه في شيء، ولا تهجريه، وسليني ما بدا لكِ"  لأن مصاهرة النبي -عليه الصلاة والسلام- مكسب شرف عظيم، يعني لو قُدر أن النبي –عليه الصلاة والسلام- طلق حفصة مثلًا، يخسر عمر خسارة فادحة، مصاهرة النبي ليس بالأمر الهين، على خلاف بينهما هل طلقها النبي- عليه الصلاة والسلام- وراجعها أو لا؟ هذه مسألة معروفة عن أهل العلم، "ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه وسليني ما بدا لكِ" الحديث، ففيه موعظة عمر لابنته حفصة من أجل زوجها، ومناسبة ذلك لكتاب النكاح ظاهرة.

والسابع: في كتاب النكاح أيضًا في باب حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض، في كتاب النكاح في باب حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض "يقول الإمام البخاري- رحمه الله تعالى-: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثنا سليمان عن يحيى عن عبيد بن حنين أنه سمع ابن عباس عن عمر- رضي الله عنهم- دخل على حفصة فقال: يا بنية لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها وحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم إياها- "يريد..

المقدم: عائشة.

 عائشة  "فقصصت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتبسم" يعني حفصة قصت ذلك على الرسول -عليه الصلاة والسلام- فتبسم، يعني إقرارًا، المناسبة ظاهرة، حيث دل الحديث على أن النبي- صلى الله عليه وسلم- يحب عائشة أكثر من حفصة، يعني لو لم يكن الأمر كذلك قال: ليس بصحيح، أنتما بمنزلة واحدة، فدل الحديث على أن النبى -عليه الصلاة والسلام -يحب عائشة أكثر من حفصة، وهذا هو الميل القلبي الذي لا يملك ولا يؤاخذ عليه الإنسان، الميل القلبي الذي يكون في الغالب سببه ما تتميز به هذه الموهوبة مما أعطاها الله -جل وعلا- من ميزة، قد تكون متميزة فيميل إليها القلب لأي أمر من الأمور، قد تكون متميزة  بدينها، قد تكون متميزة بجمالها، قد تكون متميزة بمالها مثلًا مثل خديجة -رضي الله عنها-، بخلقها أحيانًا فيميل إليها القلب أكثر من غيرها، هذا الميل القلبي الذي لا يملك ولا يؤاخذ عليه الإنسان، وفي المسند والسنن من حديث عائشة- رضي الله عنها- "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقسم بين نسائه فيعدل"، يعني في القسم، فهذا يُملك، فلا يجوز الزيادة والنقصان في باب القسم؛ لأن هذا يملك، ويقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» هذا الحديث مخرج في المسند والسنن.

 وفيها أي في المسند والسنن أيضًا حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام-قال: «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل» حقيقةً الحديثان فيهما غمس، فيهما كلام لبعض أهل العلم، لكن يبقى أن الحمل،  حمل الحديث الأول على الميل القلبي، وهذا على العدل الظاهر الذي يُملك، فلا يجوز الميل فيما يملكه الإنسان، أما الميل القلبي الذي لا يملكه الإنسان والذي تدخله المؤثرات، المؤثرات التي هي مميزات من النسوة أنفسهن، فقد تكون المرأة سكنًا بمعنى السكن، فهذه لابد أن يميل إليها القلب، والأخرى في لسانها أو في خلقها أو في طبعها شيء من الشدة، فينفر عنها القلب؛ لأن الإنسان يؤاخذ فيما يملك، والذي تدخله المؤثرات فلا مؤاخذة فيه، وبهذا تجتمع النصوص.

 والموضع الثامن: في كتاب اللباس، في باب ما كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يتجوز من اللباس والبُسُط "قال: حدثنا سليمان بن حر قال: حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن عبيد بن حنين عن ابن عباس- رضي الله عنهما-  قال: لبثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي -عليه الصلاة والسلام-" فذكره، وفيه "لما أذن لعمر ودخل، فإذا النبي- صلى الله عليه وسلم- على حصير قد أثر في جنبه وتحت رأسه مرفقة من أدم" أي وسادة من أدم، من جلد "حشوها ليف وإذا أُهب "جلود مُعلقة وقرظ، القرظ ما يستعمل في الدباغ، هذه هي حاله وهذا عيشه -صلى الله عليه وسلم- أكرم الخلق على الله، طيب  ما كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يتجوز من اللباس، يعني يتجوز يتوسع، يقول ابن حجر: معنى قوله يتجوز: يتوسع فلا يضيق بالاقتصار على صنف بعينه، يعني يستعمل الفراش، يستعمل الوساد، عنده أهب زائدة على قدره، وهذه وجهة نظر ابن حجر، على صنف بعينه أو لا يضيق بطلب النفيس والغالي، بل يستعمل ما تيسر، وعندي أنه من الجواز والعبور، المسألة مسألة إيش؟ الدنيا..

المقدم: ممر.

 ممر، أنا عندي أن التجوز عنه هذا من الجواز الذي هو العبور، فالإنسان يعتمد نفسه كأنه عابر سبيل، كأنه غريب أو عابر سبيل كما جاء التوجيه النبوي، وعندي أنه من الجواز والعبور من هذه الدنيا إلى ما يقربه من الله -عز وجل- غير ملتفت إلى زُخرف الدنيا وبهرجها، وقد عُرف ذلك من عيشه -عليه الصلاة السلام-.

والموضع التاسع: في كتاب أخبار الآحاد باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام.

"قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن عبيد بن حنين عن ابن عباس عن عمر- رضي الله عنهما- قال: وكان رجلٌ من الأنصار إذا غاب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وشهدتهُ، أتيت بما يكون من الرسول- صلى الله عليه وسلم- " والدلالة ظاهرة في قبول عمر خبر الأنصاري وعكسه، دلالة الحديث في باب ما جاء في إجازة خبر الواحد لكتاب أخبار الآحاد ظاهر، ودلالة الحديث للباب أيضًا..

المقدم: ظاهرة.

 ظاهرة؛ لأن عمر يقبل خبر الأنصاري وهو واحد وعكسه.

الموضع العاشر: في كتاب أخبار الآحاد أيضًا في باب قول الله تعالى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [سورة الأحزاب:53]، استخرج لنا الرابط.

المقدم: هذا يحتاج إلى..

نعم، يقول الإمام- رحمه الله تعالى-:  فإذا أذن له واحدٌ جاز، واضح؟ {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب:53]  ألم يستأذن عمر فأذن له؟

المقدم: بلى.

فإذا أذن له واحدٌ جاز، وهذا واحد والكتاب كتاب أخبار الآحاد.

المقدم: فأُذن له.

أُذن له من قِبل واحد، انظر الإغراب ودقة الاستنباط، قال: "حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثنا سليمان بن بلال عن يحيى عن عبيد بن حنين أنَّه سمع ابن عباس عن عمر- رضي الله عنهم- قال: جئت فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في مشربة له وغلام لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسود على رأس الدرجة، فقلت: قل هذا عمر بن الخطاب، فأذن لي" أذن له واحد، هذا الغلام الأسود أذن، وأهل العلم يقولون: أن المميز يملك الإذن في الدخول، يقول ابن حجر: أراد البخاري أن صيغة يؤذن لكم على البناء للمجهول تصح للواحد فما فوقه. وأن الحديث الصحيح بيّن الاكتفاء بالواحد على مقتضى ما تناوله لفظ الآية فيكون فيه حجة لقبول خبر الواحد؛ لأن عمر قبل خبر هذا الغلام في أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أذن له، فالمطابقة ظاهرة.

المقدم: أحسن الله إليكم، والحديث أيضًا رواه مسلم يا شيخ؟

نعم الحديث متفق عليه.

نعم، جزاكم الله خير وأحسن إليكم ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة قادمة وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.