تنقيح الأنظار في معرفة علوم الآثار (27)

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

 

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى- التدليس، التدليس نوع من السقط في الإسناد إلا أنه نوع خفي، قسيم للإرسال الخفي، وهما بخفائهما قسيمان للسقط الظاهر، السقط الظاهر المشتمل على الإرسال والتعليق والانقطاع والإعضال يقابله السقط الخفي من الأسانيد، وهو مشتمل على نوعين: التدليس والإرسال الخفي، وقبل أن نشرع فيما كتبه المؤلف عن التدليس وهو كلام فيه طول، نميز بين هذين القسمين من أقسام السقط الخفي؛ لأنه حصل خلط بينهما، ويتبين الفرق بين النوعين بمعرفة حال الراوي مع من روى عنه، حال الراوي مع من روى عنه لا تخلو من صور، الأولى: أن يكون الراوي قد سمع ممن روى عنه، يعني ثبت سماعه ممن روى عنه، الحال الثانية: أن يكون الراوي قد لقي يعني ثبت لقاؤه لمن روى عنه ولا يدرى هل سمع منه أو لم يسمع، الحال الثالثة: أن يكون الراوي قد عاصر من روى عنه ولا يدرى هل لقيه أو لم يلقه يعني مع إمكان اللقاء، لكن لا يدرى هل لقيه أو لم يلقه، الحال الرابعة: أن يكون الراوي غير مدرك لا بمعاصرة ولا بلقاء ولا بسماع، غير مدرك لمن روى عنه، أي بينهما فرق في الزمن، فإذا روى الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه بصيغة محتمِلة فهذا يسمى تدليسا اتفاقا، محل اتفاق أنه تدليس، إذا روى الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه بصيغة محتمِلة كعن وأنّ وقال فهذه الصورة تسمى تدليسا بالاتفاق، إذا روى الراوي عمن ثبت لقاؤه له عمن لقيه ما لم يسمعه منه فهذه من صور التدليس عند عامة أهل العلم، إذا روى الراوي عمّن عاصره ممن لم يثبت له لقاؤه واللقاء ممكن لكن لا يجزم بلقائه له فهذه هي الصورة التي تسمى بالإرسال الخفي، وليست من التدليس وإن أدرجها ابن الصلاح والحافظ العراقي في أنواع التدليس، لكن إذا قلنا إنها من أنواع التدليس فلا ذكر للإرسال الخفي، ولا وجود للإرسال الخفي، ولا سلم من التدليس أحد؛ لأن بعض الصحابة روى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- دعونا من الصحابة؛ لأنهم لا يروون إلا عن صحابة، مَن بعدهم يكون عاصر أبا بكر، عاصر عمر روى عنه لكنه لم يثبت أنه لقيه، المخضرمون الذين وجدوا في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- وآمنوا به ولم يروه إذا رووا عنه هذا يسمى تدليسا أو إرسالا خفيا؟ على كل حال هذا هو وجه الفرق الذي يمكن أن يُذكر بين التدليس والإرسال الخفي، فإذا مشينا على قول ابن الصلاح والحافظ العراقي وغيرهما أن التدليس يشمل نعم، التدليس بمعناه الأعم يشمل حتى الانقطاع الظاهر إذا وجدت صيغة موهمة وقد سماها بعضهم تدليسا لإيهام الصيغة فيما نقله ابن عبد البر في مقدمة التمهيد حتى ولو لم يدركه، يعني هذا مات سنة مائة، وهذا ولد سنة مائة وعشرة فقال عن فلان هذا ليس بتدليس ولا إرسال خفي، هذا انقطاع ظاهر، لكن لوجود الصيغة الموهمة عن فلان قال بعضهم إنه يمكن أن يسمى تدليسا لإيهام الصيغة وهذا ما نقله ابن عبد البر في مقدمة التمهيد عن بعضهم لكنه قول شاذ لا يلتفت إليه ولا يعول عليه؛ لأنه سقط ظاهر فينحصر التدليس في صورتين والثالثة هي الإرسال الخفي، والرابعة الانقطاع الظاهر، ولا شك أن التدليس جرح في الراوي، وهل يثبت بمرة فيما قاله الإمام الشافعي أو لا بد أن يعرف بالتدليس، ومن المدلسين من احتمل الأئمة تدليسهم فلم يقدح في روايتهم كمن كان مقلا من التدليس احتمل الأئمة تدليسه لقلة تدليسه بجانب مروياته أو لإمامته هذا لم يقدح فيه تدليسه واحتمل الأئمة عنه ذلك ولم يشترطوا تصريحهم بالتحديث لأنهم لإمامتهم أو لندرة تدليسهم لا يتصور أن يدلسوا عن ضعيف، حتى لو وقع منهم الإسقاط فإنه لا يتصور أن يقع منهم التدليس عن ضعيف؛ لأن المسألة مفترضة في إمام من حملة العلم والدين ومن الناصحين لله ولكتابه ولرسوله وللمسلمين، أما من نزل عن هذه المرتبة إما أن يكون مكثرا من التدليس، أو منزلته وإمامته في الدين أقل ممن ذكر فهذا لا بد أن يصرّح بالتحديث، فإذا روى بصيغة موهمة فإنه لا يقبل منه حتى يصرح بالتحديث، وإن انضاف هذا المفترض في مدلس ثقة، إن انضاف إلى المدلس التدليس من هذا النوع يعني مع الإكثار، الطعن بسب آخر فإنه حينئذ لا يقبل ولو صرح بالتحديث، المقصود أن المسألة تحتاج إلى تفصيل والمؤلف أطال في الباب ولعلنا في درس الغد ننهي الترمذي قبل الوقت المعتاد، ولعلنا نأتي على هذا المبحث وهو مبحث دقيق يحتاج إليه طلاب الحديث.