شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (235)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى لقاءً جديدة في برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لعلنا نستكمل ما تبقى من ألفاظ حديث أُبَيّ بن كعب -رضي الله عنه- كنا توقفنا عند قوله:

«فَعَمِدَ الخَضِر إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاح السَّفِينَة فَنَزَعَه».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

 أما بعد،

كان آخر الكلام في الحلقة السابقة عن السفينة، ونقلنا كلام صاحب المصباح في قوله: «السَّفِينَة» معروف، وهي جمع سَفِين بحذف الهاء وسَفَائِن، ويجمع السَّفِين على سُفُن بضمتين، وجمع السفينة على سَفِين شاذ، وذكرنا أن..، كيف يستقيم قوله: "وجمع السفينة على سَفِين شاذ مع أنه..

المقدم: ذكره في البداية.

قال: "وهي جمع سَفِين". نعم.

المقدم: قلنا: قد يكون هذا نقلًا.

نقلًا عن غيره، أو لكونه اشتهر على أَلْسِنَة الناس كلهم، نعم كما يقال: كُفِّنَ النَّبِي -عليه الصلاة والسلام- في ثلاثة أثواب بيض سُحُولِية؛ سُحُولِية: جمع سَحْل، جمع سَحْل، والياء ياء النسب، والنسبة إلى الجمع شاذة، يعني: أن تفسر الموجود الآن ثُمَّ بعد ذلك تذكر ما في القواعد المعرفة عند أهل العلم، والنسبة إلى الجمع شاذة، فأنت تذكر المشهور المعروف الذي يتداوله أهل العلم ثُمَّ بعد ذلك تقرر القاعدة؛ لأنه قال: "وجمع السفينة على سَفِين شاذ؛ لأن الجمع الذي بينه وبين واحده الهاء، بابه المخلوقات، مثل: تمرة وتمر، ونخلة ونخل، وأما في المصنوعات مثل: سفينة وسَفِين فَمَسْمُوع في ألفاظ قليلة، يعني: ولعل هذا منها، ولعل هذا منها، يعني يكون نادرًا، وإن سُمِعَ من العرب، يعني: وجه الشذوذ فيه لا لمخالفته ما جاء عن العرب؛ إنما وجه الشذوذ فيه مخالفته للقواعد المُطَّرِدة عندهم، وأما ما كان بابه السَّمَاع، ما كان بابه  السَّمَاع، لعل هذا من الألفاظ المسموعة من العرب، وإن كان مخالفًا للقاعدة المُطَّرِدة عندهم، ومذهب الكوفيين في هذا الباب أوسع من مذهب البصريين، يعني: وإن كان مسموعًا من العرب، عند البصريين قد يحكمون عليه بالشذوذ؛ لقلة مَنْ قال به، بخلاف الكوفيين.

ومنهم من يقول: "السفين لغة في الواحدة وهي فعيلة بمعنى فاعلة، سفينة بمعنى سَافِنَة، يعني: فاعلة؛ لأنها تَسْفِن الماء أي تقشره، وصاحبها سَفَّانٌ"، انتهى من المصباح.

«فَنَزَعَه» الضمير يعود إلى..

المقدم: الخبر نزع اللوح.

نعم، اللوح «فَنَزَعَه بِفَأْسٍ» فَانْخَرَقَت السفينة ودخل الماء، و"نزع" من باب: ضَرَبَ؛ ومعناه: قلع وانتزعه مثله، فقال له موسى -عليه السلام-: «قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ»، «قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ» أي: بغير أجر، ومعناه: أن هؤلاء القوم أحسنوا إلينا فهل هذا جزاؤهم؟ و{هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:60]،

المقدم: إلا الإحسان.

يعني: في ظاهر الأمر.

المقدم: أن هذا إساءة.

أنه جَزَاهُم على إحسانهم بإساءة و{هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:60]، «عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا» بضم المُثَنَّاة الفوقية {لِتُغْرِقَ} [الكهف:71] وكسر الراء على الخطاب مضارع أغرق، أي: لأن تغرق أو لكي تغرق {أَهْلَهَا} نُصِبَ على المفعولية، ولا ريب أن خرقها سبب لدخول الماء فيها المُفْضِي إلى غَرَقِ أهلها.

المقدم: غرق أهلها.

وفي رواية: {لِيَغْرَق أَهْلَهَا } بفتح المُثَنَّاة التَّحْتِية وفتح الراء، {لِيَغْرَق} على الغيب مضارع غَرِقَ {أَهْلُهَا} بالرفع على الفاعلية، قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: في خرق السفينة دليل على أن للولي أن يَنْقُص مال اليتيم إذا رآه صلاحًا، مثل أن يَخَاف على رَيْعِه ظالمًا فَيُخَرب بعضه". في خرق السفينة دليل على أن ينقص مال اليتيم إذا رآه صلاحًا، مثل أن يَخَاف على رَيْعِه ظالمًا فَيُخَرب بعضه"، ظاهر؟  يعني: إذا كان الوالي حدد على الأموال نسبًا...

المقدم: خمسة.

مَنْ كانت أمواله..

المقدم: خمسين ألفًا، نعم.

مائة ألف فعليه عشرة آلاف، مَنْ كانت أمواله أكثر فعليه عشرون ألفًا مثلًا، فلما وصل إلى...

المقدم: مائة وواحد مثلًا.

مائة وواحد أتْلَف أَلْفَين مثلًا.

المقدم: حتى ما يصل المائة.

لِيَكْسب عشرين، لِيَكْسب عشرة، بدلًا من أن يدفع عشرين، فإذا أتْلَف أَلفين، فإنما يغرم عشرة فيَكْسب ثمانية بعد إتلاف الأَلفين؛ لكن مثل هذا لا شك أن فيه تحايلًا، تحايلًا، لكن إن كان هذا التحايل فرارًا من ظلم أو مَكْس أو غيره، مما لا يجوز أخذه في الشريعة فمثل هذه حيلة شرعية، ويبقى أنه بدل الإتلاف يُتَصَدَّق بهذا المال فلا يتلف، ظاهر أم ليس بظاهر؟

المقدم: نعم.

لكن قد يقال: إن الصدقة بهذا المال قد تدل على المُتصَدق بخلاف إتلافه؛ لأنه إذا وُجِدَ طرف ثالث مُتَصَدِّق ومُتصَدَّق عليه وليّ وكذا، قد يعرف أن هذه الحيلة قد تنتشر، لكن إذا قال: ما صار شيء يتلف هذين الأَلفين ولا أحد درى، ولا أحد عرف، هذه من جهة التحايل على دفع الظلم حيلة شرعية، ويبقى أنه إذا كان تحايله من أجل إسقاط واجب، من أجل إسقاط واجب فإنه حينئذٍ لا يجوز، لو مثلًا وَجَبَ عليه خمس رؤوس من الغنم في الزكاة، لكن قال: بدلًا من أن يجب..

المقدم: أدفع يروح خمس، يقتل واحدة.

علي دفع خمس يقتل واحدة، يتحايل على إسقاط ما أوجب الله عليه، أو يتحايل لارتكاب ما حرم الله عليه؛ نقول: هذه حيلة اليهود «لَا تَرْتَكِبُ مَا ارْتَكَبَت اليَهُود فَتَسْتَحِلُوا مَا حَرَّمَ الله بِأَدْنَى الْحِيَل» فمثل هذا ما فعله، يقول القرطبي: "في خرق السفينة دليل على أن للولي أن يَنْقُص مال اليتيم إذا رآه صلاحًا، مثل أن يَخَاف على رَيْعِه ظالمًا فَيُخَرِّب بعضه".

وقال أبو يوسف: "يجوز للولي أن يُصَانِع السلطان ببعض مال اليتيم عن البعض"، "يجوز للولي أن يُصَانِع السلطان ببعض مال اليتيم عن البعض" يعني: لو قدر أن هناك سلطانًا ظالمًا وأراد أن يستولي على مال هذا اليتيم، فقال له، دفع شره بنصف المال، لا شك أن هذا أفضل من أن يذهب المال بالكلية، هذا كلام أبي يوسف.

وقرأ حمزة والكسائي: {لِيَغْرَق} بالياء. {أَهْلُهَا} بالرفع فاعل يغرق، فاللام على قراءة الجماعة في {لِتُغْرِقَ}..

المقدم: المخاطب.

لام المآل، يعني: لام الصيرورة، يعني: مآل الأمر يغرق أهلها، مثل: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص:8] هل أخذوه ليكون لهم عدوًا أم أن مآل الأمر وصل إلى ذلك؟

المقدم: المآل.

المآل وصل إلى ذلك، وعلى قراءة حمزة: اللام لام كي، ولم يقل: لتغرقني.

المقدم: قراءة حمزة في..

نعم {لِيَغْرَق أَهْلُهَا}.

المقدم: وليس ليكون له عدوًّا.

المقدم: قراءة حمزة في الثانية؟

نعم، في ليغرق أهلها، قرأ حمزة والكسائي: ليغرق أهلها.

لم يقل موسى -عليه السلام-: لتغرقني.

قالوا: "لأن الذي غلب عليه في الحال فرط الشفقة عليهم، فرط الشفقة عليهم ومراعاة حقهم".

 {لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} أهلها الذين مروا وكلموهم وحملوهم، يعني: ما كأنه ليغرق، يعني ما نظر إلى نفسه {لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} الذين أحسنوا إلينا؟! ما قال: لأغرق أنا وتغرق أنت ويغرق أهلها، اكتفى بالأهل من باب الشفقة عليهم ومراعاة حقهم؛ لأنهم محسنون.

وفي عمدة القاري قال المفسرون: "قلع لوحين مما يلي الماء يعني من أسفل السفينة، وفي البخاري: «فَوَتَد فَيِهَا وَتَدًا»، وفيه: «فَعَمِد إِلَى قَدُّومٍ فَخَرَقَ بِه»، ويقال: «أَخَذَ فَأْسًا فَخَرَقَ لَوْحًا حَتَى دَخَلَها الْمَاء فَحَشَاهَا مُوسَى -عليه السلام- بِثَوْبِه». يعني: سد الفتحة بثوبه.

فَحَشَاهَا مُوسَى بِثَوْبِه، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لما خرق الخضر السفينة تَنَحَّى موسى -عليه السلام- بناحية، ثم قال في نفسه: ما كنت أصنع بمصاحبة هذا الرجل، كنت أتلو في بني إسرائيل كتاب الله غدوة وعشية، غدوة وعشية، وآمرهم فيطيعوني، فقال له الخضر: يا موسى أتريد أن أخبرك بما حدثت به نفسك؟ قال: نعم، قال قلت: كذا وكذا، قال: صدقت، {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرَا} [الكهف:71] هذه في الحديث أو ليست في الحديث؟

المقدم: ليست في الحديث.

ليست في الحديث، لكنها في القرآن.

المقدم: القرآن.

قال مجاهد: منكرًا، وقال قتادة: عجبًا يعني: من باب التتمة، يعني على طريقة البخاري: أنه إذا جاء ما يدعو إلى شرح ما في كتاب الله -جلا وعلا- لأدنى مناسبة يؤتى به، وهذا مناسب جدًّا.

من التتمة؛ قال الخضر: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف:72] ذَكَّرَه بما قال له قبل، ذَكَّرَه بما قال له قبل، قال موسى -عليه السلام-: {لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} [الكهف:73] أي: بالذي نسيته، أو بنسياني أو بشيء نسيته، يعني: وصيته بأن لا يعترض عليه، وهو اعتذار بالنسيان أخرجه في مَعْرِض النهي عن المؤاخذة، {لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ}، لكنه يعتذر بهذا، ضمن النهي عن المؤاخذة بعذره الذي هو النسيان، أخرجه في مَعْرِض النهي عن المؤاخذة مع قيام المانع لها، زاد في رواية أَبَوي ذر والْوَقْت، في رواية أبي ذر وأبي الْوَقْت، وإذا أردنا أن نُثَنِّي المضاف، نُثَنِّي المُتَضَايِفَين؟

المقدم: نُثَنِّي الأول.

نُثَنِّي الأول، ونجمع الأول أيضًا.

{وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} أي: ولا تغشني عسرًا من أمري بالمضايقة والمؤاخذة على المنسي، فإن ذلك يعسر على متابعتك؛ كذا في القَسْطَلَّاني، فكانت الأولى؛ فكانت الأولى؛ أي: المسألة الأولى، من موسى -عليه السلام- «نِسْيَانًا» قال الكرماني: "وفي بعضها: «نِسْيَانٌ» بالرفع، ففي «كَانَتْ»  ضمير القصة، والأولى مبتدأ، وهو؛ يعني: النسيان خبره، خبر المبتدأ، أو خبر المبتدأ محذوف، و«كَانَتْ» تامة، أو «كَانَتْ» زائدة، {فَانْطَلَقَا} [الكهف:74] بعد خروجهما من السفينة، «فَإِذَا غُلَامٌ».

المقدم: بغلام عندنا، في نسخنا: «فَإِذَا بغُلَامٍ».

نعم رواية «فَإِذَا» إذا الفجائية، والغُلامُ  كما قال الليث: "الطَّرُ الشَّارِب"، فعلى هذا هو مكلف، وفي غيره؛ في المصباح يقول: "الغُلامُ الابن الصغير، وجمع القلة "غِلْمَةٌ" بالكسر، وجمع الكثرة "غِلْمَانٌ" ويطلق الغُلامُ على الرجل مجازًا باسم ما كان عليه، يعني باعتبار ما كان، ولذا في الحديث الصحيح يقول أنس: «فَأَحْمُل أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوي إِدَاوَة»، أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوي إِدَاوَة، والغُلامُ؛ جاء في بعض الروايات أنه ابن مسعود، وابن مسعود في ذلك الوقت..

المقدم: كبير.

كبير كبير جدًّا، قد يكون عمره في حدود الأربعين مثلًا، لكنه يطلق الغُلامُ على الرجل مجازًا باعتبار ما كان عليه، أو نحوه في الخدمة مثلًا، والخدمة إنما تليق بالغلمان لا بالكبار، فأطلق عليه باعتبار الخدمة، باسم ما كان عليه، كما يقال للصغير: شيخ مجازًا، باسم ما يؤول إليه". باسم ما يؤول إليه؛ جاء إطلاق الشيخ على بعض مَنْ حفظ من الحديث الشيء الكثير وهو في الطفولة، وذكروا قصصًا من هذا، وجاء في الشعر: "غُلَامَةٌ" بالهاء للجارية، قال:

يُهَانُ لَهَا الغُلامَةُ والغُلامُ

قال الأزهري: وسمعت العرب تقول للمولود حين يولد ذكرًا: "غُلامٌ" وسمعتهم يقولون للكهل: غُلامٌ، وهو فاشٍ في كلامهم.

«يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَان» في عمدة القاري: «وَكَانُوا عَشَرَة» «وَكَانُوا عَشَرَة» وهو أظرفهم وأوضئُهم، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان غلامًا لم يبلغ الحنث، لم يبلغ الحنث، وقال الضحاك: "كان غلامًا يعمد بالفساد أو يعمل بالفساد ويتأذى منه أبواه"، وقال الكلبي: "كان الغلام يسرق المتاع بالليل، فإذا أصبح لجئوا إلى أبويه فيحلفان دونه شفقة عليه، ويقولان: لقد بات عندنا، قال الكلبي: "كان الغلام يسرق المتاع بالليل، فإذا أصبح لجئوا إلى أبويه فيحلفان دونه شفقة عليه، ويقولان: لقد بات عندنا، وهذا شيء يفعله كثير من الناس تغلبهم العاطفة على بيان الحق والشهادة بالحق، وكتمان الحق، وهذا لا يجوز له، بل لا بد من بيان الحق، ولابد من ضمان ما أُتْلِف، ولا بد من رد ما سرق.

 واختلف في اسمه، فقال الضحاك: "جيسون"، وقال شعبة: "جيسور"، وقال ابن وهب: "كان اسم أبيه ملاس واسم أمه رحماء"، ومثل هذا لو كانت الحاجة داعية إليه لجاء بيانه بالنص الصحيح.

«فَأَخَذَ الخَضِرُ بِرَأْسِه مِنْ أَعْلَّاه»، «فَأَخَذَ الخَضِرُ بِرَأْسِه مِنْ أَعْلَّاه» في التنقيح للزركشي: «بِرَأْسِه» في الباء وجهان: أحدهما: زائدة، والثاني: على بابها؛ لأنه ليس المعنى: أنه تناولا رأسه ابتداءً، وإنما المعنى: أنه جره إليه برأسه ثُمَّ اقتلعه، أخذ برأسه، يعني: جره إليه، جَرَّ برأسه، ثُمَّ اقتلعه، يعني جره برأسه، ثُمَّ اقتلعه، ولو كانت زائدة لم يكن لقوله: اقتلعه معنىً زائد على أخذه، لم يكن لقوله: اقتلعه معنىً زائد على أخذه، وفي التفسير من البخاري: «أَنَّ الخَضِر مرَّ بِغِلْمَانٍ يَلْعَبُون فَأَخَذَ بِيَدِ غُلام لَيْسَ فِيهِم أَضْوَأّ مِنْه وَأَخَذَ حَجَرًا فَضَرَبَ بِه رَأْسَه حَتى دَمَغَه فَقَتَلَه»، قال أبو العالية: لم يره إلا موسى  -عليه السلام- يعني ما اطلع على هذه القضية إلا موسى -عليه السلام-، ولو رأوه لحالوا بينه وبين الغلام، ذكر ذلك القرطبي، ثُمَّ قال: ولا اختلاف بين هذه الأحوال أن يكون ذبحه أو اقتلع رأسه أو رزه بحجر، يقول: ولا اختلاف بين هذه الأحوال الثلاثة فإنه يحتمل أن يكون دَمَغَه أولًا بالحجر، ثم أضجعه فذبحه، ثم اقتلع رأسه، والله أعلم بما كان من ذلك وحسبك بما جاء في الصحيح، يعني: يكفيك ما جاء في الصحيح، يقول القرطبي -رحمه الله-.

فقال موسى -عليه السلام-: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} [الكهف:74] قال الكرماني: {زَكِيَّةً} أي: طاهرة من الذنوب؛ لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث، لم تبلغ الحنث، ولفظ الغلام يدل عليه؛ لأنه حقيقة الغلام، وقال بعضهم: أنه بالغ، والدليل على ذلك لفظ {بِغَيْرِ نَفْسٍ}، إيش معنى {بِغَيْرِ نَفْسٍ}؟ القصاص، والقصاص إنما يكون على البالغ المكلف، وقال بعضهم: إنه بالغ، والدليل على ذلك لفظ {بِغَيْرِ نَفْسٍ} إذ معناه: أنه ممن يجب عليه القصاص، والصبي لا قصاص عليه، والجواب عنه من كلام الكرماني أن المراد به التنبيه على أنه قتل بغير حق {بِغَيْرِ نَفْسٍ} يعني بغير حق.

المقدم: قد يكون هذا في شريعتنا.

أو أن شرعهم كان إيجاب القصاص على الصبي، كما لَزِمَ في شرعنا أن يأخذ بغرامة المتلفات". إذا أتلف يُغَرَّم، {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} أي: ظاهر النكارة؛ قاله ابن كثير، وفي تفسير القرطبي :"اختلف الناس أيهما أبلغ {إِمْرَا} أو قوله: {نُكْرًا}؟ أيهما أبلغ؟

 المقدم: {نُكْرًا} أبلغ.

لماذا؟

المقدم: طبعًا الفعل أشنع القتل أشنع.

طيب، في السابق في تفسيرهم {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرَا} قال مجاهد: منكرًا، وقال قتادة: عجبًا، في تفسير القرطبي: اختلف الناس أيهما أبلغ {إِمْرَا} أو قوله: {نُكْرًا}؟ فقالت فرقة: هذا قتل بَيْن يعني قتل محقق وقع، أما قلع اللوح من السفينة..

المقدم: محتمل.

مظنون نعم، وهناك مترقب، ف{نُكْرًا} أبلغ، وقالت فرقة: {إِمْرَا} أبلغ لماذا؟

 المقدم: أولئك أكثر من واحد.

نعم؛ لأن هذا قتل واحد، وذاك تسبب في قتل..

المقدم: مجموعة. وَأَخَذَ حَجَرًا فَضَرَبَ بِه رَأْسَه.

جمع، وقالت فرقة: هذا قتل واحد وذاك قتل جماعة، ف{إِمْرَا} أبلغ، قال ابن عطية: وعندي أنهما لمعنيين. وقوله: {إِمْرَا} أفظع وأهول من حيث هو متوقع عظيم؛ لأنه يترتب عليه موت جمع و{نُكْرًا} بَيْنٌ في الفساد؛ لأن مَكْرُوهُه قد وقع، وهذا بين"، وفي مسلم: «وَأَمَّا الْغُلَامُ فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا وَكَان أَبَوَاه قَدْ عَطَفَا عَلَيْه، فَلَو أَنَّه أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا» والطغيان: الزيادة في الإضلال، قال البخاري: وكان ابن عباس- رضي الله عنهما- يقرأ: {وَكَانَ أبَوَاه مُؤْمِنَيْن وَهُوَ كَانَ كَافِرًا} وعنه: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أبَوَاه مُؤْمِنَيْن} ذكره العيني، وقال العيني: فإن قلت: فإن قلت: أين كان قضية قتل الغلام؟ قلت: في أُبُلَّه، بضم الهمزة والباء الموحدة وتشديد اللام المفتوحة بعدها هاء؛ وهي مدينة بالقرب من البصرة وَعَبَادَان، ويقال: أَيْلَاء، بفتح الهمزة وسكون الياء واللام الممدودة؛ مدينة كانت على ساحل بحر القُلْزُم، على طريق حجاج مصر، وسبق أن ذكرنا أن بحر القُلْزُم هو البحر الأحمر، قال الخضر: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}[الكهف:75].

في فتح القدير للشوكاني: زاد هنا لفظ {لَكَ}؛ لأن سبب العتاب أكثر، وموجبه أقوى، لأن سبب العتاب أكثر، وموجبه أقوى، وقيل: زاد لفظ {لَكَ} لقصد التأكيد؛ كما تقول لمن توبخه: لك أقول وإياك أعني، والسيوطي في رسالته في علوم القرآن، التي هي ضمن كتاب "النُقَايَة" نعم مَثَّل بهذه الآية على مجاز الزيادة، فجعلها على مجاز الزيادة، وتبعه الزمزمي في منظومته في علوم القرآن، في الأصل؛ في صحيح البخاري الأصل قال العيني: قال ابن عُيَيْنة  أي سفيان بن عُيَيْنة، وهذا أوكد والاستدلال عليه إنما هو بزيادة {لَكَ} في هذه المرة، قال العلامة جَارُ الله: فإن قلت: ما معنى زيادة {لَكَ}؟

 مَنْ جَارُ الله؟ على فكرة هذا كلام العيني، من جار الله؟ \

المقدم: ما عرفت

الزمخشري؛ اسمه محمود بن عمر، جَاوَرَ في آخر عمره.

المقدم: جار الله.

فقيل له جَارُ الله، يقول مَنْ يرثه:

فالعيـــن تَذْري الدمع مقلتها

حزنًا لفُرقة جار الله محمود

المقدم: جار الله محمود.

نعم، على كل حال الرجل معروف مذهبه معتزلي ليس من أهل السنَّة، وأما براعته في اللغة وما يتعلق بجميع فروعها فأمرٌ معروف، قال العلامة جَارُ الله: فإن قلت: ما معنى زيادة {لَكَ}؟ قلت: زيادة المكافحة بالعتاب على رفض الوصية، والوسم بقلة الصبر عند الكرة الثانية. وهذا حقيقة ما يتميز به تفسير الزمخشري بيان الوجوه البيانية والبلاغية وما يتعلق بفروع اللغة العربية، ومع ذلك عقد مقارنة دراسة بين ما في تفسير الطبري من هذه الفنون أعني: فنون العربية وما في تفسير الزمخشري منها، فوجد تفسير الطبري فوقه بمراحل، من خلال دراسة أكاديمية معروفة وجد ما في تفسير الطبري أمتن وأكثر مما في تفسير الزمخشري، لكن كيف يبرز تفسير الزمخشري بهذه المباحث؟ لأنه متخصص بها ما فيه غيرها، لكن تفسير الطبري هذه المباحث..

المقدم: جاءت في ثناياه.

العزيزة النفيسة مغمورة في بحار ما يسوقه من التفسير بالأثر، فيذكر عشرين رواية، ثلاثين رواية ثم يسوق بينها سطرًا أو سطرين من هذا الباب أفضل مما يذكره الزمخشري، فالقارئ لا ينتبه لمثل هذه الأمور، فهذا حقيقة مما يشهد لأئمة المسلمين وعلمائهم الكبار بالتقدم في جميع العلوم.

المقدم: أحسن الله إليكم، ترد أسئلة حول بعض القضايا لعلها تكون محور حديث الحلقة القادمة، مثل بعض الألفاظ في قوله سبحانه وتعالى: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ} [الكهف:72]، {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ} [الكهف:75]، {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:82] هناك، {فَأَرَادَ رَبُّكَ} [الكهف:82]، {فَأَرَدْنَا} [الكهف:81]، اختيار هذه الألفاظ، لعلها تكون في الحلقة القادمة تأتي.

في الحلقة القادمة تأتي، إن شاء الله.

إن شاء الله.

أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. لنا بكم لقاء بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

"