التعليق على الموافقات (1435) - 02

نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد، فإتمامًا للمسألة الأولى يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وتحقيق المناط في الأنواع واتفاق الناس عليه في الجملة مما يشهد له كما تقدم".

المسألة الأولى من مسائل الاجتهاد.

طالب: "وقد فرَّع العلماء عليه، كما قالوا في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة: 33] الآية".

بعدها {أَوْ}، {يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33]، في تحقيق مناط الحكم في هذه الآية المبني على (أو)، هذا ينبني على معرفة معنى (أو) أو المراد بها؛ لأن (أو) تأتي للتخيير، وتأتي للتقسيم، فهل هي هنا للتخير والإمام يخير في هؤلاء القطاع، قطاع الطريق: إما أن يقتلهم، أو يصلبهم، أو يقطع من خلاف أيديهم وأرجلهم؟

هذا عند من يقول بالتخيير، وبه قال جمع من أهل العلم. ومنهم من قال: للتقسيم، قسم {يُقَتَّلُوا} وذلك تابع لفعلهم إذا قَتلوا، وقسم {يُصَلَّبُوا}، وقسم {تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} [المائدة: 33].

طالب: "إن الآية تقتضي مطلق التخيير، ثم رأوا أنه مقيد بالاجتهاد، فالقتل في موضع، والصَّلب في موضع، والقطع في موضع، والنفي في موضع، وكذلك التخيير في الأُسارى من المن والفداء".

نعم، ابن مالك يقول:

خيِّر أبِحْ قسِّمْ بأو وأبْهِم

 فمن معانيها التخيير والتقسيم.

طالب: "وكذلك جاء في الشريعة الأمر بالنكاح وعدُّوه من السنن، ولكن قسَّموه إلى الأحكام الخمسة".

الأمر قاسم مشترك بين كل من لديه القدرة على النكاح، من استطاع، لكن هل الأمر يتجه إلى زيد بقوته بالنسبة لعمرو؟ لا شك أن الأوامر على حسب ما يترتب عليها، هذا زيد عنده قوة وشبق، وزيادة في هذه القوة، ويخشى على نفسه، وذاك عنده قدرة واستطاعة، لكن لا يخشى، فهل نقول: إن الأمر بالنسبة لزيد في قوته بحيث لو تركه كان إثمه مثل إثم عمرو الذي لا يخشى على نفسه من العنت؟

طالب: "ولكن قسَّموه إلى الأحكام الخمسة، ونظروا في ذلك في حق كل مكلف وإن كان نظرًا نوعيًّا؛ فإنه لا يتم إلا بالنظر الشخصي، فالجميع في معنًى واحد، والاستدلال على الجميع واحد، ولكن قد يُستبعد ببادئ الرأي وبالنظر الأول، حتى يتبين مغزاه ومورده من الشريعة، وما تقدم وأمثاله كافٍ مفيد للقطع بصحة هذا الاجتهاد، وإنما وقع التنبيه عليه؛ لأن العلماء قلما نبهوا عليه على الخصوص، وبالله التوفيق.

 فإن قيل: كيف تصح دعوى التفرقة بين هذا الاجتهاد المستدَل عليه وغيره من أنواع الاجتهاد، مع أنهما في الحكم سواء؟

لأنه إن كان غير منقطع فغيره كذلك؛ إذ لا يخلو أن يراد بكونه غير منقطع أنه لا يصح ارتفاعه بالكلية، وإن صح إيقاع بعض جزئياته، أو يراد أنه لا يصح ارتفاعه لا بالكلية ولا بالجزئية".

يعني الاجتهاد لا شك أنه باقٍ، والنظر في النوازل وظيفة أهل العلم، لكن قد يستطيع هذا العالم أن يصل إلى الحكم، وقد لا يستطيع، بل يستطيع غيره، ولكن لا بد من كل مسألة، في كل مسألة من حكم شرعي، لا بد أن يوجد حكم الشرع فيها، وارتفاع الاجتهاد لا يرتفع إلا إذا ارتفع الدليل، إلا إذا ارتفع الدليل، ورفع القرآن، وعم الجهل، وطبق الأرض، وما دام يوجد في الأمة من العلماء من لديه الأهلية، الأمة لا يجوز أن تخلو من مجتهد يقوم لله بالحجة. نعم.

طالب: "وعلى كل تقدير فسائر أنواع الاجتهاد كذلك. أما الأول، فلأن الوقائع في الوجود لا تنحصر، فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة، ولذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من القياس وغيره، فلا بد من حدوث وقائع لا تكون منصوصًا على حكمها، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد".

نوازل استجدت لا توجد عند الأولين، فلا بد أن يكون لمجتهدي العصر من قول هو الحكم الشرعي فيها، كل على حسب اجتهاده وإن اختلفوا في الحكم.

طالب: يعني هنا التحقيق، مسألة تحقيق المناط يا شيخ؟

نعم. نعم.

طالب: "وعند ذلك، فإما أن يُترك الناس فيها مع أهوائهم، أو يُنظر فيها بغير اجتهاد شرعي، وهو أيضًا اتباع للهوى، وذلك كله فساد، فلا يكون بدٌّ من التوقف لا إلى غاية، وهو معنى تعطيل التكليف لزومًا، وهو مؤدٍّ إلى تكليف ما لا يطاق، فإذًا لا بد من الاجتهاد في كل زمان؛ لأن الوقائع المفروضة".

نعم. "تكليف ما لا يطاق"، يعني تكليف العامة؛ لأنه يقول: "فإما أن يُترك الناس فيها مع أهوائهم، أو يُنظر فيها بغير اجتهاد شرعي"، حتى من قِبل بعض أهل العلم لا يستعملون الأدوات الشرعية للاجتهاد في هذه المسألة. هل يمكن أن يصلوا إلى حكم شرعي؟ ويطلب منهم أن يصلوا إلى الحكم الشرعي. هذا تكليف بما لا يطاق.

طالب: "فإذًا لا بد من الاجتهاد في كل زمان؛ لأن الوقائع المفروضة لا تختص بزمان دون زمان.

وأما الثاني: فباطل؛ إذ لا يتعطل مطلق التكليف بتعذر الاجتهاد في بعض الجزئيات، فيمكن ارتفاعه في هذا النوع الخاص وفي غيره، فلم يظهر بين الاجتهادين فرق. فالجواب: أن الفرق بينهما ظاهر من جهة أن هذا النوع الخاص كلي في كل زمان، عامٌّ في جميع الوقائع أو أكثرها، فلو فُرض ارتفاعه لارتفع معظم التكليف الشرعي أو جميعه، وذلك غير صحيح؛ لأنه إن فُرض في زمان..".

لأن المسائل المنصوصة قليلة، المسائل المنصوصة بمفرداتها قليلة، وإن كانت مشمولة بعمومات قواعد ينتظمها قوله -جل وعلا-: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] كما تقدم.

طالب: "لأنه إن فُرض في زمان ما ارتفعت الشريعة ضرب لازب بخلاف غيره، فإن الوقائع المتجددة التي لا عهد بها في الزمان المتقدم قليلة بالنسبة إلى ما تقدم؛ لاتساع النظر والاجتهاد من المتقدمين، فيمكن تقليده فيه؛ لأنه معظم الشريعة، فلا تتعطل الشريعة بتعطل بعض الجزئيات، كما لو فرض العجز".

النوازل تُخرج على ما حكم به المتقدمون، يمكن تخريجها في الغالب، قد يوجد أشياء لا نظير لها في السابق، ومستجدة، ونوازل لم يقض فيها الأولون بشيء، هنا يلزم الاجتهاد فيها، أليس كذلك.

طالب: "كما لو فُرض العجز عن تحقيق المناط في بعض الجزئيات دون السائغ، فإنه لا ضرر على الشريعة في ذلك، فوضح أنهما ليسا سواء، والله أعلم.

المسألة الثانية..".

طويلة يا أبا عبد الله؟

طالب: طويلة، نأخذ منها شيئًا أم نقف هنا؟

طويلة، يمكن تؤخذ في درس واحد؟

طالب: أظن صعب في درس واحد.

كيف؟

طالب: لكن ألا نقف على الفصل الذي هو أول فصل.

ما ودنا أن تتشتت المسائل.

طالب: فيها فصل.......

ماذا؟

طالب: فيها فصل.

نعم، لكن الفصل متعلق بالتأصيل الأصلي في المسألة.

طالب: صحيح، صحيح.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك.