شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (149)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".

مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، ونشكر له تفضله بالمشاركة معنا فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في باب من أجاب الفتية بإشارة اليد والرأس في حديث أسماء بنت أبي بكر، أنهينا الحديث عن بعض ألفاظ الحديث، بقي فوائد ومسائل تتعلق بالحديث وأطرافه، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فالكلام على ألفاظ الحديث ومفرداته قد انتهى في حلقة سبقت، هو الآن في مسائل في فنون العلم مستنبطة من هذا الحديث.

يقول الكرماني: وفي الحديث مسائل متعددة من فنون العلم، منها كون الجنة والنار مخلوقتين اليوم، وإثبات عذاب القبر، وسؤال منكر ونكير، وأن من ارتاب في صدق الرسول-صلى الله عليه وسلم- وصحة رسالته فهو كافر، ومنها سنية صلاة الكسوف، وتطويل القيام فيها، واستحباب فعلها في المسجد.

المقدم: أحسن الله إليكم، بالنسبة للقول بخلق الجنة والنار الآن، فيه أحد من السلف أنكر هذا؟

أبدًا، لا يعرف من سلف هذه الأمة..، إنما هو قول معروف عن المعتزلة، وسيأتي في كلام العيني ما يبين هذا إن شاء الله تعالى، لكن نسرد كلام الكرماني، يقول: ومنها سنية صلاة الكسوف، وتطويل القيام فيها، واستحباب فعلها في المسجد في الجماعة، وهو حجة على العراقيين، حيث قالوا بعدم الجماعة فيها، وأنه تُشرع هذه الصلاة للنساء، ومنها جواز حضورهن من وراء الرجال في الجماعات، وجواز السؤال عن المصلى، وامتناع الكلام في الصلاة، وجواز الإشارة فيها، ولا كراهة فيها إذا كانت لحاجة، التي هي موضوع الترجمة، جواز الإشارة فيها يعني وإن كانت مفهمة، وأنها تختلف عن الكلام، وأنه لا كراهة فيها إن كانت لحاجة كما هنا، وجواز التسبيح في الصلاة للنساء؛ لأنها قالت: فقالت: سبحان الله، فإن قلت: التصفيح لهن لا التسبيح إذا نابهن شيء؛ لأن التسبيح للرجال والتصفيح للنساء كما جاء الخبر به قلت: يقول الكرماني: المقصود من تخصيص التصفيح بهن ألا يسمع الرجال صوتهن، وفيما نحن فيه القصة جرت بين الأختين، أو التصفيح هو الأولى لا الواجب، لعله يريد أن النساء أن يدخلن في عموم «من نابه شيء في صلاته فليسبح» هذا يشمل الرجال والنساء، لكنه عام يخصصه ما جاء من قوله: «التسبيح للرجال والتصفيح للنساء » فليسبح الرجال وليصفح النساء.

المقدم: يسمونها تصفيحًا؟

تصفيح وتصفيق بمعنى واحد؛ لأن التصفيق غالبًا ما يكون ببطن الكفين، والتصفيح يكون ببطن إحداهما على الأخرى.

المقدم: لو كانوا نساءً فقط بدون رجال يسأل.

ينتفي المحظور الذي من أجله عدل من التسبيح الذي هو ذكر يشرع في الصلاة إلى التصفيح، لكنه مع ذلك التصفيح المنصوص عليه المخصوص به النساء هو الأولى.

المقدم: حتى لو كانت في البيت وحدها مع أطفالها؟

ولو كانت كذلك؛ لأن النص خصهن بذلك، وأما العموم من نابه شيء فهو مخصوص بها.

 وفيه استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف؛ لأن النبي-عليه الصلاة والسلام- بعد أن صلاها حمد الله وأثنى عليه ثم قال: «ما من شيء» إلى آخره، وفي بعضها: أما بعد حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد إلى آخر الحديث، هذه مراسم الخطبة، ولذا يستحب بعض أهل العلم الخطبة لصلاة الكسوف، ويرى آخرون أنه لا خطبة راتبة لها كالجمعة والعيد، وإنما يشرع التنبيه على ما يقع من خطأ.

المقدم: صعد المنبر عليه الصلاة والسلام أم ألقاها؟

لا أذكر الآن، لكن بالنسبة لصلاة الكسوف الذي ذكره النبي-عليه الصلاة والسلام- مع ما ذكر في هذا الحديث: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته»؛ لأنهم قالوا: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فأراد أن يبين لهم أن هذا الكلام خطأ، فإذا انتشر بين الناس شيء وأريد التنبيه عليه ومما له علاقة بالكسوف وصلاة الكسوف ينبغي أن يبين ويوضح للناس، أما ماعدا ذلك فالأكثر على أنه لا خطبة لصلاة الكسوف راتبة كالجمعة والعيد.

المقدم: المعمول به في الحرمين -أحسن الله إليك- هو إلقاء كلمة بعد الصلاة دون الصعود المنبر.

نعم، هي كلمة للتنبيه على ظاهرة أما خطبة بمراسمها من صعود المنبر، وما يشترط لخطبة الجمعة فلا وإن قال به بعضهم استنادًا لبعض النصوص.

الأخ الحاضر: أحسن الله إليك، بالنسبة لأما بعد بعضهم يقول: وبعد.

لا يكفي، لا يتم الامتثال إلا بقوله: أما بعد، وقد ثبت عن النبي-عليه الصلاة والسلام- من أكثر من ثلاثين طريقًا أنه يقول في خطبه ورسائله: أما بعد.

المقدم: أما قولهم وبعد فما تكفي.

ما تكفي، يقول الزرقاني في شرح المواهب يقول: إن الواو تقوم مقام (أما) لكن لا حاجة لنا مما يقوم مقامها وهي مقدور عليها، نأتي باللفظ النبوي؛ ليتم الائتساء. يقول: وفيه أن الخطبة يكون أولها التحميد والثناء على الله تعالى، وفي شرح ابن بطال: قال أبو الزناد.. من أبو الزناد؟

الأخ الحاضر: عبد الله بن ذكوان.

عبد الله بن ذكوان؟ عبد الله بن ذكوان؟  يمكن أن يقول عبد الله بن ذكوان فيه من الفقه: أن الرجل إذا أشار بيده؟ هل هذا من قولهم؟

الأخ الحاضر: ..... 

لا، كلٌّ ينزل منزلته، ولا بد أن يكون طالب العلم نبيْهًا لما يلقى من الكلام.

المقدم: صحيح.

أبو الزناد بن سراج.

المقدم: أحد الرواة؟

لا، ليس من رواة الصحيح ولا من رواة الحديث، إنما يكثرون عنه النقل؛ لأنه فقيه من فقهاء المالكية، يقول أبو الزناد: فيه من الفقه أن الرجل إذا أشار بيده أو برأسه أو بشيء يفهم به إشارته أنه جائز عليه، يجوز ذلك، يقول: وفيه حجة لمالك في إجازة لعان المرأة الصماء البكماء ومبايعتها ونكاحها، إذ الإشارة تقوم مقام الكلام، ويفهم بها المعنى المقصود، وفي الحديث: «إن المؤمنين يفتنون في قبورهم»، ونرى التصرفات الدقيقة من الصم والبكم الآن بحيث يجزم الإنسان أنه لا يخفى عليهم شيء بالإشارة، وهذا من تمام نعمة الله عليهم، إذ لا يفوتهم شيء من الخير، تعلموا العلم، وعرفوا ما يلزمهم من أحكام بدقة كغيرهم.

المقدم: بعضهم يحضر الدورات العلمية الآن يا شيخ؟

خصص لهم دورات تخصهم، خُصص لهم دورات السنة، هذه أقيم لهم دورات تخصهم، لكن حضرنا منتداهم وإذا فيهم الأعاجيب، وعندهم المترجم المحتسب، ويترجم لهم كل شيء، كان الأصم وجوده مثل عدمه بين الناس، لكن الآن لا ينقصه شيء بعد وجود هذه الوسائل التي عرفوا بها.

المقدم: الآن يا شيخ أيضًا بحمد الله في بعض الوسائل وبعض كتب العلم الكبيرة وأمهات الكتب، طبعت لهم طباعة خاصة فيما يتعلق بالعميان.

هذا للعميان، أما بالنسبة للصم فبالإشارة وإشارتهم واضحة ومفهمة، وكثير منها عالمي، وبعضها محلي، يعني مثل الاصطلاح العام والاصطلاح الخاص. وفي الحديث «أن المؤمنين يفتنون في قبورهم». وفيه أن الجنة والنار مخلوقتان؛ لأنه لا يمثل به إلا مخلوق، يعني ما يمكن أن يمثل النبي-عليه الصلاة والسلام-، وأنه أُري الجنة والنار قبل أن تُخلق؛ لأنها أصل الحقيقة، وتقدمت الإشارة في كلام الكرماني إلى شيء من هذا، قال العيني: وهذا مذهب أهل السنة، ويدل عليه الآيات والأخبار المتواترة، مثل قوله تعالى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف:22]، وقوله تعالى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى  عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم:14، 15]، {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ } [آل عمران:133]. إلى غير ذلك من الآيات، وتواترت الآيات في قصة آدم-عليه الصلاة والسلام- دخوله الجنة وخروجه منها، وبعده الرد إليها، كل ذلك ثابت بالقطع، قال إمام الحرمين: أنكر طائفة من المعتزلة خلقهما قبل يوم الحساب والعقاب وقالوا: لا فائدة في خلقهما قبل ذلك، وحملوا قصة آدم على بستان من بساتين الدنيا، قال: وهذا باطل وتلاعب بالدين وانسلال عن إجماع المسلمين، وقال القاضي أبو بكر بن العربي: الجنة مخلوقة مهيأة بما فيها سقفها عرش الرحمن، وهي خارجة من أقطار السماوات والأرض، وكل مخلوق يفنى إلا الجنة والنار، كذا قال ابن العربي، كل مخلوق يفنى إلا الجنة والنار، قلت: كل ما سوى الله فانٍ كما قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [سورة الرحمن 26-27]

واستثنى أهل العلم ثمانية أشياء، يجمعها قول الشاعر:

ثمانية حكم البقاء يعمها من الخلق
 

والباقـون فـي حيـز العـدم
  

هـي العـرش والكرسي نـار وجنة
 

وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم
  

 هذه الثمانية باقية، من فوائد الحديث كما قال النووي في شرح مسلم: فيه إن الغشي لا ينقض الوضوء ما دام العقل ثابتًا.

المقدم: اسمح لنا يا شيخ- أحسن الله إليك- في الحلقة الماضية كنا أشرنا إلى قاعدة، وأشرتم إلى أن شيخ الإسلام ابن تيمية تعقب من قال بها أنه ما من شيء عام لا يدخل بها التخصيص سواء كان شرعيًّا أو عقليًّا، وهم استثنوا {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحشر:6]، {أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:231]، إذًا هذا العموم أيضًا يخرم قاعدتهم؛ هناك ثمانية أشياء لا يدخلها العموم.

لا، يؤيد قاعدتهم {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن:26] دخلها التخصيص؛ لأنهم يقولوا: ما من عموم إلا وقد خُص، شيخ الإسلام يقول: فيه عمومات محفوظة كثيرة ما خصصت.  

المقدم: صحيح هذا يعني ينقض قول شيخ الإسلام.  

لا، ما ينقض قول شيخ الإسلام، قول شيخ الإسلام باقٍ وقولهم باقٍ، لكن كونه لا يوجد إلا نص واحد أو نصان، لا يوجد إلا نص واحد أو نصان ما خصصت يختلف عن كلام شيخ الإسلام، شيخ الإسلام استعرض أول القرآن بدءًا من الفاتحة إلى ورقة من سورة البقرة وذكر فيها عمومات كثيرة جدًّا ما خصصت، ما دخله خصوص، محفوظة، ولا ينكر أحد أن كثيرًا من العمومات مخصوصة، وبعضها أريد به الخصوص، لم يرد به العموم من الأصل، لكن كونه لم يبقَ من العمومات إلا نص أو نصان ما خصص هذا الكلام ليس بصحيح، هذا الذي استدركه شيخ الإسلام.

يقول النووي في شرح مسلم: فيه أن الغشي لا ينقض الوضوء مادام العقل ثابتًا، وسيأتي في ترجمة للبخاري بيان ذلك، يقول الكرماني: وهذا محمول على أنه لم يكثر أفعالهم المتوالية، وإلا بطلت الصلاة، وأقول: فإن قلت: من أين علم أن الغشي والصب كانا في الصلاة؟ (يقول الكرماني) يقول: فإن قلت: من أين علم أن الغشي والصب كانا في الصلاة؟ قلت: حيث جعل ذلك مقدمًا على الخطبة، الخطبة متعقبة للصلاة لا واسطة بينهما، بدليل الفاء في «فحمد الله»، يعني كأنه يريد أن يقرر أن ما حصل بعد انتهاء الصلاة وقبل الخطبة، لكن هل وقوع هذا من أسماء هذا الغشي سواء كان في الصلاة أو خارج الصلاة لا علاقة له بالعطف بالفاء؛ لأن العطف بالفاء فحمد النبي-عليه الصلاة والسلام- وسواء وقع هذا لها في أثناء الصلاة أو خارج أو أثناء الخطبة لا أثر له على فعل النبي-عليه الصلاة والسلام-، لكن قد يقول قائل: إن هذا الغشي وقع قبل دخولها في الصلاة من الهول، يعني أمر طارئ، هذه الآية أمر طارئ، قد يقول أحد هذا لكن الذي يظهر أنه من طول القيام في الصلاة حصل لها هذا التعب بأسبابه من طول القيام، وضعفها في ذلك الوقت.

والحديث، حديث أسماء خرجه الإمام البخاري في أحد عشر موضعًا:

 الأول: هنا في كتاب العلم في باب من أجاب الفتية بإشارة اليد والرأس، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا هشام عن فاطمة عن أسماء قالت: «أتيت عائشة وهي تصلي فقلت: ما شأن الناس..» الحديث، وسبق ذكر المناسبة.

الموضع الثاني: في كتاب الوضوء، باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقّل مفهومه أن الغشي الخفيف...

المقدم: لا يتوضأ.

لا ينقض الوضوء.

قال: حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن هشام بن عروة عن امرأته فاطمة عن جدتها أسماء بنت أبي بكر-رضي الله عنهما- أنها قالت: «أتيت عائشة زوج النبي حين خسفت الشمس..» الحديث بنحوه، والمناسبة ظاهرة؛ لأنه وقع لها هذا الغشي ولم تعد الوضوء، وسبق في كلام النووي ما يبين أن الغشي لا ينقض الوضوء مادام العقل ثابتًا.

المقدم: هذا مناسبة للباب.

نعم مناسبة الباب للكتاب من لم يتوضأ لكتاب الوضوء.

المقدم: ظاهرة.

ظاهرة، ومناسبة الحديث أنه حصل منها هذا الغشي ولم تعد الوضوء.

المقدم: الغشي -أحسن الله إليك- لعائشة أم لأسماء؟

نعم لأسماء، وسبق في كلام النووي ما يبين أن الغشي لا ينقض الوضوء مادام العقل ثابتًا يعني كالنوم الخفيف لا المستغرق؛ لأن كلًّا من الغشي والنوم يجمعهما غياب العقل إما جزئيًّا أو كليًّا، فإن كان مستغرقًا غاب العقل بالكلية، وإن كان غير مستغرق غاب غيابًا جزئيًّا بحيث يدرك ما حوله، فحكمه حكم النوم.

الموضع الثالث: في كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد، وقال محمود: حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا هشام بن عروة قال: أخبرتني فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: «دخلت على عائشة -رضي الله عنها- والناس يصلون قلت: ما شأن الناس...» الحديث، ومناسبة الباب للكتاب ظاهرة للزوم الخطبة لصلاة الجمعة.

ومناسبة الحديث للباب ظاهرة أيضًا لقوله -صلى الله عليه وسلم- بعد الحمد والثناء: «أما بعد»، وفي شرح ابن حجر ذكر البخاري الحديث هنا عن محمود وهو ابن غيلان أحد شيوخه بصيغة قال محمود، وكلام أبي نعيم في المستخرج يشعر بأنه قال: حدثنا محمود، وهذه من فوائد المستخرجات هنا وقال محمود؛ ومعروف أن (قال) فيها خلاف هل هي محمولة على الاتصال؟ أو هو من باب التعليق؟ قال محمود، يعني هل مثل حدثنا محمود؟ محمول على الاتصال لو كان الحديث متصلًا لقال على العادة حدثنا محمود وابن غيلان، لكن عدوله من حدثنا إلى قال لا بد أن يكون هنا نكتة، ومن يحملها على الاتصال ويقول إن (قال) مثل (عن) محمولًا على الاتصال بالشرطين المعروفين عند أهل العلم وهما: ألا يعرف القائل بالتدليس، وأن يثبت لقاؤه أو معاصرته على الخلاف لمن روى عنه، والبخاري من أبعد خلق الله عن التدليس، بل قال ابن القيم: إنه أبعد خلق الله عن التدليس، لكن هو من أبعد خلق الله، ومحمود من شيوخه الذين لقيهم وروى عنهم بصيغة التحديث، فغاية ما يقال في (قال)  إنها مثل (عن) ، هذا المختار عند ابن الصلاح والحافظ العراقي وجمع من أهل للتحقيق.

يقول الحافظ العراقي:

أما الذي لشيخه عزا بقال فكذي  عنعنة

كخبر المعازف لا تصغي لابن حزم المخالف

 

 

 فهي محمولة على الاتصال، منهم من يرى أنها محمولة على الانقطاع، فيكون معلقًا بصيغة الجزم، وهو صحيح، ومن ذلكم الحافظ المزي -رحمه الله تعالى- علم على الحديث بهذه الصيغة بعلامة التعليق خاء تاء.    

الحافظ ابن حجر كأنه يميل إلى هذا، لكن من فوائد المستخرجات صرح البخاري بالتحديث فقال: حدثنا محمود فأمنت مسألة الانقطاع، وهذه من الفوائد التي تستفاد من المستخرجات، فوائدها كثيرة أوصلها السخاوي إلى نحو من عشرين فائدة.

ما أدري إن كان الاستخراج يحتاج إلى بيان ما معنى الاستخراج.

الأخ الحاضر: .....

الاستخراج أن يعمد عالم من علماء الحديث إلى كتاب من كتب السنة المعتبرة المعتمدة، فيخرج أحاديث الكتاب بأسانيده هو من غير طريق صاحب الكتاب. فأبو نعيم له مستخرج على البخاري، وأبو عوانة له مستخرج على مسلم.

المقدم: هذا ما يُسمى بالمستخرجات.

نعم لها فوائد كثيرة، منها هذا، ومنها تصريح الرواة المدلسين بالتحديث، ومنها تعيين بعض المبهمات، ومنها الزيادة في الألفاظ في ألفاظ المتون، فيها كثير من الفوائد.

الموضع الرابع: في كتاب الكسوف، في باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن امرأته فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهم- أنها قالت: أتيت عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي-صلى الله عليه وسلم- حين خسفت الشمس...، الحديث والمناسبة ظاهرة، قال ابن حجر: أشار بهذه الترجمة إلى رد قول من منع ذلك وقال: يصلين فرادى، وهو منقول عن الثوري وبعض الكوفيين، وفي المدونة تصلي المرأة في بيتها وتخرج المتجالة، وعن الشافعي يخرج الجميع إلا من كانت بارعة الجمال، فخروج النساء للمساجد أمر مباح لا بأس به، ونهى النبي-عليه الصلاة والسلام- عن منعهن، لكن عليهن أن يراعين الأدب الشرعي، وأن يكون ذلك مقيدًا بأمن الفتنة، أما المرأة التي تفتن أو يفتتن بها فمثل هذه صلاتها في بيتها خير لها، ثم بعد ذلك إذا خرج النساء يكن خلف الرجال، ولو وضع لهن مكان خاص كما هو معمول به الآن كان أولى وأحوط.

الأخ الحاضر: بارعة الجمال هذه كيف تعرف؟ والحجاب الشرعي والناس كلها مغطية.

المقدم: يقول: مادام فيه حجاب كيف نقول بارعة الجمال لا تخرج، والأصل أنه يوجد حجاب يا شيخ؟

الذي في قلبه مرض يتتبع بعض الأشياء التي يعرفها ويخبرها، ويستدل ببعض الأمور على بعض، من في قلبه مرض يعرف شيئًا من هذا، ويحدثون عن غرائب ومن له اهتمام بشيء يعرف شيئًا من التفاصيل التي تخفى على كثير ممن لا يخطر له هذا الأمر على بال.

والموضع الخامس: في كتاب أيضًا الكسوف، باب من أحب العتاقة في كسوف الشمس.

قال: حدثنا ربيع بن يحيى قال: حدثنا زائدة عن هشام عن فاطمة عن أسماء قالت: "لقد أمر النبي-صلى الله عليه وسلم- بالعتاقة في كسوف الشمس"، والمناسبة ظاهرة.

والموضع السادس: في كتاب الكسوف أيضًا في باب قول الإمام في خطبة الكسوف: أما بعد، وكأن الإمام البخاري يرى..

المقدم: فيه خطبة.

أن في الكسوف خطبة، وقال أبو أسامة: حدثنا هشام قال: أخبرتني فاطمة بنت المنذر عن أسماء قالت: "فانصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد تجلت الشمس، فخطب فحمد الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، وهذا نص في أن الكسوف له خطبة، لكن كل على فهمه، هل هي الخطبة المعتادة بمراسيمها وشروطها أو أنها مجرد كلمة ينبه فيها على وهم أو خطأ؟

والمناسبة ظاهرة.

الموضع السابع: في كتاب السهو، باب الإشارة في الصلاة، قال: حدثنا يحيى بن سليمان قال: حدثني ابن وهب قال: حدثنا الثوري عن هشام عن فاطمة عن أسماء قالت: "دخلت على عائشة -رضي الله عنها- وهي تصلي قائمة والناس قيام فقلت: ما شأن الناس؟ فأشارت برأسها إلى السماء، فقلت: آية؟ فقالت برأسها أي نعم".

 والشاهد من الحديث قولها: فأشارت برأسها، ومناسبة الإشارة في الصلاة لكتاب السهو من حيث إن الإشارة عمل زائد في الصلاة غير مقتضٍ لسجود السهو، وإلا فالأصل أن سجود السهو إنما يشرع للزيادة والنقص والشك، وهذا عمل زائد في الصلاة إلا أنه لا يشرع له سجود؛ لأنه عن عمد لا عن سهو.

المقدم: أحسن الله إليكم، لعلنا نكتفي بهذا، على أن نستكمل بإذن الله بقية الأطراف في مطلع الحلقة القادمة بإذن الله.

مستمعينا الكرام بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

نلتقي بإذن الله على خير في الحلقة القادمة.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.